فهرس الكتاب

شرح الزرقاني - بَابُ جَامِعِ الْحِيضَةِ

رقم الحديث 49 وَحَدَّثَنِي عَنْ مالِكٍ، عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ، عَنْ بُشَيْرِ بْنِ يَسَارٍ، مَوْلَى بَنِي حَارِثَةَ، عَنْ سُوَيْدِ بْنِ النُّعْمَانِ، أَنَّهُ أَخْبَرَهُ أَنَّهُ خَرَجَ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، عَامَ خَيْبَرَ.
حَتَّى إِذَا كَانُوا بِالصَّهْبَاءِ وَهِيَ مِنْ أَدْنَى خَيْبَرَ، نَزَلَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَصَلَّى الْعَصْرَ.
ثُمَّ دَعَا بِالْأَزْوَادِ فَلَمْ يُؤْتَ إِلَّا بِالسَّوِيقِ، فَأَمَرَ بِهِ فَثُرِّيَ فَأَكَلَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَأَكَلْنَا.
ثُمَّ قَامَ إِلَى الْمَغْرِبِ فَمَضْمَضَ وَمَضْمَضْنَا.
ثُمَّ صَلَّى وَلَمْ يَتَوَضَّأْ.


( مَالِكٍ عَنْ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ) العدوي مولى عمر ( عَنْ عَطَاءِ بْنِ يَسَارٍ) بلفظ ضد يمين ( عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبَّاسٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَكَلَ كَتِفَ شَاةٍ) أي لحمه.
وفي رواية للبخاري معرق أي أكل ما على العرق بفتح المهملة وسكون الراء وهو العظم ويقال له أيضًا العراق بالضم، وأفاد القاضي إسماعيل أن ذلك في بيت ضباعة بنت الزبير بن عبد المطلب وهي بنت عمه صلى الله عليه وسلم، ويحتمل أنه كان في بيت ميمونة كما في الصحيحين عنها أن النبي صلى الله عليه وسلم أكل عندها كتفًا ثم صلى ولم يتوضأ ولا مانع من التعدد كما في الفتح.

( ثُمَّ صَلَّى وَلَمْ يَتَوَضَّأْ) فهذا نص في أن لا وضوء مما مست النار، وأما خبر زيد بن ثابت مرفوعًا: الوضوء مما مست النار، وحديث أبي هريرة وعائشة رفعاه: توضئوا مما مست النار أخرج الثلاثة مسلم، وحديث جابر بن سمرة عند مسلم أن رجلاً سأل النبي صلى الله عليه وسلم أتوضأ من لحم الغنم؟ قال: إن شئت فتوضأ وإن شئت فلا تتوضأ قال: أتوضأ من لحم الإبل؟ قال: نعم توضأ من لحوم الإبل فقد حمل ذلك الوضوء على غسل اليد والمضمضة لزيادة دسومته وزهومة لحم الإبل، وقد نهى صلى الله عليه وسلم أن يبيت وفي يده أو فمه دسم خوفًا من عقرب ونحوها وبأنها منسوخة بقول جابر كان آخر الأمرين من رسول الله صلى الله عليه وسلم ترك الوضوء مما مست النار رواه أبو داود وغيره.
وقد أومأ مسلم إلى النسخ فروى أولاً أحاديث زيد وأبي هريرة وعائشة، ثم عقبها بحديث ابن عباس هذا فرواه عن القعنبي والبخاري عن ابن يوسف كلاهما عن مالك به.

( مالِكٍ عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ) بكسر العين الأنصاري ( عَنْ بُشَيْرِ) بضم الموحدة وفتح المعجمة ( بْنِ يَسَارٍ) بتحتية ومهملة ( مَوْلَى بَنِي حَارِثَةَ) من الأنصار الأنصاري الحارثي المدني وثقه ابن معين.
قال ابن سعد: كان شيخًا كبيرًا فقيهًا أدرك عامة الصحابة وكان قليل الحديث.

( عَنْ سُوَيْدِ) بضم السين ( بْنِ النُّعْمَانِ) بضم النون ابن مالك الأنصاري صحابي شهد أحدًا وما بعدها ما روى عنه سوى بشير، وذكر العسكري أنه استشهد بالقادسية قال في الإصابة: وفيه نظر لأن بشير بن يسار سمع منه وهو لم يلحق ذلك الزمان ( أَنَّهُ أَخْبَرَهُ أَنَّهُ خَرَجَ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَامَ خَيْبَرَ) بخاء معجمة مفتوحة وتحتية ساكنة وموحدة مفتوحة وراء غير منصرف للعلمية والتأنيث وهي مدينة كبيرة ذات حصون ومزارع ونخل كثير على ثمانية برد من المدينة إلى جهة الشام.
ذكر أبو عبيد البكري أنها سميت باسم رجل من العماليق نزلها وهو خيبر أخو يثرب ابنا قانية بن مهاييل، وقيل الخيبر بلسان اليهود الحصن ولذا سميت خيابر أيضًا ذكره الحازمي.

( حَتَّى إِذَا كَانُوا بِالصَّهْبَاءِ) بفتح المهملة والمد ( وَهِيَ مِنْ أَدْنَى) أي أسفل ( خَيْبَرَ) أي طرفها مما يلي المدينة وفي رواية للبخاري وهي على روحة من خيبر، وقال أبو عبيد البكري: هي على بريد، وبين البخاري في الأطعمة من حديث ابن عيينة أن قوله وهي أدنى خيبر من قول يحيى بن سعيد أدرجت ( نَزَلَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَصَلَّى الْعَصْرَ ثُمَّ دَعَا بِالْأَزْوَادِ) جمع زاد وهو ما يؤكل في السفر ( فَلَمْ يُؤْتَ إِلَّا بِالسَّوِيقِ) قال الداودي: وهو دقيق الشعير أو السلت المقلو، وقال غيره يكون من القمح وقد وصفه أعرابي فقال عدة المسافر وطعام العجلان وبلغة المريض ( فَأَمَرَ بِهِ فَثُرِّيَ) بضم المثلثة وشد الراء ويجوز تخفيفها أي بل بالماء لما لحقه من اليبس ( فَأَكَلَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ) منه ( وَأَكَلْنَا) منه.
زاد في رواية للبخاري وشربنا وله في أخرى فلكنا وأكلنا وشربنا أي من الماء أو من مائع السويق.

( ثُمَّ قَامَ إِلَى الْمَغْرِبِ فَمَضْمَضَ) قبل الدخول في الصلاة ( وَمَضْمَضْنَا) وفائدتها وإن كان لا دسم في السويق أنه يحتبس بقاياه بين الأسنان ونواحي الفم فيشغله ببلعه عن الصلاة ( ثُمَّ صَلَّى وَلَمْ يَتَوَضَّأْ) بسبب أكل السويق.

قال الخطابي: فيه أن الوضوء مما مست النار منسوخ لأنه متقدم، وخيبر كانت سنة سبع.
قال الحافظ: لا دلالة فيه لأن أبا هريرة حضر بعد فتحها، وروي الأمر بالوضوء كما في مسلم، وكان يفتي به بعد النبي صلى الله عليه وسلم، واستدل به البخاري على جواز صلاتين فأكثر بوضوء واحد وعلى استحباب المضمضة بعد الطعام وفيه جمع الرفقاء على الزاد في السفر وإن كان بعضهم أكثر أكلاً وحمل الأزواد في السفر وأنه لا يقدح في التوكل، وأخذ منه المهلب أن الإمام يأخذ المحتكرين بإخراج الطعام عند قلته ليبيعوه من أهل الحاجة، وأن الإمام ينظر لأهل العسكر فيجمع الزاد ليصيب منه من لا زاد معه.

وأخرجه البخاري عن عبد الله بن يوسف عن مالك به ولم يخرجه مسلم.

( مالِكٍ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ الْمُنْكَدِرِ) بن عبد الله بن الهدير بالتصغير التيمي المدني عن أبيه وجابر وابن عمر وابن عباس وأبي أيوب وأبي هريرة وعائشة وخلق، وعنه الزهري وأبو حنيفة ومالك والسفيانان وخلق.
قال ابن عيينة: كان من معادن الصدق ويجتمع إليه الصالحون، وثقه ابن معين وأبو حاتم مات سنة ثلاثين ومائة أو بعدها بسنة.

( وَعَنْ صَفْوَانَ بْنِ سُلَيْمٍ) بضم السين ( أَنَّهُمَا أَخْبَرَاهُ) أي مالكًا ( عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ إِبْرَاهِيمَ بْنِ الْحَارِثِ التَّيْمِيِّ) أي تيم قريش ( عَنْ رَبِيعَةَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْهُدَيْرِ) بالتصغير ابن عبد العزى بن عامر بن الحارث بن حارثة بن سعد بن تيم بن مرة التيمي، ولد في حياة النبي صلى الله عليه وسلم، وله عن أبي بكر وعمر وغيرهما وهو معدود في كبار التابعين قاله أبو عمر، ومنهم من أدخل بين عبد الله والهدير ربيعة آخر، وذكره ابن حبان فقال: له صحبة ثم ذكره في ثقات التابعين.
وقال الدارقطني: تابع كبير قليل المسند وكان ثقة من خيار الناس مات سنة ثلاث وتسعين.

( أَنَّهُ تَعَشَّى مَعَ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ) طعامًا مسته النار ( ثُمَّ صَلَّى) عمر ( وَلَمْ يَتَوَضَّأْ) ففيه دلالة على النسخ.
وقد روى الطبراني في مسند الشاميين بإسناد حسن عن مسلم بن عامر قال: رأيت أبا بكر وعمر وعثمان أكلوا مما مست النار ولم يتوضئوا وجاء من طرق كثيرة عن جابر مرفوعًا وموقوفًا على الثلاثة مفرقًا ومجموعًا.

( مالِكٍ عَنْ ضَمْرَةَ) بفتح المعجمة وإسكان الميم ( بْنِ سَعِيدٍ) بن أبي حنة بمهملة ثم نون وقيل موحدة الأنصاري ( الْمَازِنِيِّ) نسبة إلى مازن بن النجار المدني تابع صغير ثقة ( عَنْ أَبَانَ بْنِ عُثْمَانَ) الأموي أبي سعيد أو أبي عبد الله المدني ثقة مات سنة خمس ومائة.

( أَنَّ) أباه ( عُثْمَانَ بْنَ عَفَّانَ) أمير المؤمنين ( أَكَلَ خُبْزًا وَلَحْمًا ثُمَّ مَضْمَضَ) فاه ( وَغَسَلَ يَدَيْهِ وَمَسَحَ بِهِمَا وَجْهَهُ) لعله خشي أن يعلق به شيء من الطعام ( ثُمَّ صَلَّى وَلَمْ يَتَوَضَّأْ) فهو دليل أيضًا على نسخ الوضوء مما مست النار.

( مَالِكٍ أَنَّهُ بَلَغَهُ أَنَّ عَلِيَّ بْنَ أَبِي طَالِبٍ) أبا الحسن الهاشمي أمير المؤمنين كثير الفضائل ( وَعَبْدَ اللَّهِ بْنَ عَبَّاسٍ كَانَا لَا يَتَوَضَّآَنِ مِمَّا مَسَّتِ النَّارُ) لأنه ليس بناقض.

( مَالِكٍ عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ) الأنصاري ( أَنَّهُ سَأَلَ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عَامِرِ بْنِ رَبِيعَةَ) العنزي حليف بني عدي ولد على عهد النبي صلى الله عليه وسلم ووثقه العجلي مات سنة بضع وثمانين.

( عَنِ الرَّجُلِ يَتَوَضَّأُ لِلصَّلَاةِ ثُمَّ يُصِيبُ طَعَامًا قَدْ مَسَّتْهُ النَّارُ أَيَتَوَضَّأُ؟ قَالَ: رَأَيْتُ أَبِي) عامر بن ربيعة بن كعب بن مالك العنزي بفتح المهملة وسكون النون وزاي حليف آل الخطاب صحابي مشهور أسلم قديمًا وهاجر وشهد بدرًا مات ليالي قتل عثمان ( يَفْعَلُ ذَلِكَ وَلَا يَتَوَضَّأُ) فدل ذلك على النسخ أيضًا.

( مَالِكٍ عَنْ أَبِي نُعَيْمٍ) بضم النون ( وَهْبِ بْنِ كَيْسَانَ) القرشي مولاهم المدني المعلم عن جابر وابن عباس وابن الزبير وأسماء وعدة، وعنه مالك وابن إسحاق وأيوب السختياني وآخرون، وثقه النسائي وغيره، وروى له الجميع ومات سنة سبع وعشرين ومائة.

( أَنَّهُ سَمِعَ جَابِرَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ) بن عمرو بن حرام بمهملة وراء ( الْأَنْصَارِيَّ) السلمي بفتحتين صحابي ابن صحابي غزا تسع عشرة غزوة مع المصطفى ولم يشهد بدرًا ولا أحدًا منعه أبوه واستغفر له النبي صلى الله عليه وسلم ليلة البعير خمسًا وعشرين مرة، وكانت له حلقة في المسجد النبوي يؤخذ عنه، ومات بالمدينة وقيل بمكة وقيل بقبا سنة ثمان وسبعين أو سنة تسع أو سبع أو أربع أو ثلاث أو اثنين وهو ابن أربع وتسعين سنة.

( يَقُولُ: رَأَيْتُ أَبَا بَكْرٍ الصِّدِّيقَ) لسبقه لتصديق النبي صلى الله عليه وسلم وكان علي يحلف أن الله أنزل اسم أبي بكر من السماء الصديق ( أَكَلَ لَحْمًا ثُمَّ صَلَّى وَلَمْ يَتَوَضَّأْ) فهؤلاء الخلفاء الأربع وعامر بن ربيعة وابن عباس فعلوا ذلك بعد النبي صلى الله عليه وسلم فدل على نسخ الوضوء مما مست النار، وقد قال مالك: إذا جاء عن النبي صلى الله عليه وسلم حديثان مختلفان وعمل أبو بكر وعمر بأحدهما دل على أن الحق ما عملا به، وكان مكحول يتوضأ مما مست النار فأخبره عطاء بن أبي رباح بحديث جابر هذا عن أبي بكر فترك الوضوء وقال: لأن يقع أبو بكر من السماء إلى الأرض أحب إليه من أن يخالف رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأتى الإمام بذلك لرد قول شيخه ابن شهاب أنه ناسخ لحديث الإباحة.

روى البخاري ومسلم عن عمرو بن أمية أنه رأى النبي صلى الله عليه وسلم يحتز كتف شاة يأكل منها فدعي إلى الصلاة فألقاها والسكين وصلى ولم يتوضأ.
زاد البيهقي قال الزهري: فذهبت تلك القصة في الناس ثم أخبر رجال من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم ونساء من أزواجه أنه قال: توضئوا مما مست النار قال: وكان الزهري يرى أن الأمر بذلك ناسخ لأحاديث الإباحة لأن الإباحة سابقة واعترض عليه بحديث جابر قال: كان آخر الأمرين من رسول الله صلى الله عليه وسلم ترك الوضوء مما مست النار رواه أبو داود والنسائي وغيرهما وصححه ابن خزيمة وابن حبان وغيرهما، لكن قال أبو داود وغيره: المراد بالأمر هنا الشأن والقصة لا مقابل النهي وأن هذا اللفظ مختصر من حديث جابر المشهور في قصة المرأة التي صنعت للنبي صلى الله عليه وسلم شاة فأكل منها ثم توضأ وصلى الظهر ثم أكل منها وصلى العصر ولم يتوضأ، فيحتمل أن هذه القصة وقعت قبل الأمر بالوضوء مما مست النار، وأن وضوءه لصلاة الظهر كان لحدث لا للأكل من الشاة.

وحكى البيهقي عن عثمان الدارمي أنه قال: لما اختلفت أحاديث الباب ولم يتبين الراجح منها نظرنا إلى ما عمل به الخلفاء الراشدون بعد النبي صلى الله عليه وسلم فرجحنا به أحد الجانبين، وبهذا يظهر حكمة ذكر الإمام لفعل الخلفاء الأربعة وغيرهم من الصحابة بعد تصديره بحديثي ابن عباس وسويد في أن المصطفى أكل مما مست النار ولم يتوضأ.

وجمع الخطابي بوجه آخر وهو أن أحاديث الأمر محمولة على الاستحباب لا على الوجوب.

( مَالِكٍ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ الْمُنْكَدِرِ) وصله أبو داود من طريق ابن جريج والترمذي من طريق سفيان بن عيينة كلاهما عن محمد بن المنكدر عن جابر ( أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ دُعِيَ لِطَعَامٍ) أي دعته امرأة من الأنصار كما في الطريق الموصولة ( فَقُرِّبَ إِلَيْهِ لَحْمٌ) من شاة ذبحتها له الأنصارية ( وَخُبْزٌ فَأَكَلَ مِنْهُ ثُمَّ تَوَضَّأَ) للأكل من الشاة أو لأنه كان محدثًا فلا دلالة فيه على وجوب الوضوء مما مست النار ولا على ندبه ( وَصَلَّى) الظهر ( ثُمَّ أُتِيَ بِفَضْلِ) أي باقي ( ذَلِكَ الطَّعَامِ فَأَكَلَ مِنْهُ ثُمَّ صَلَّى) العصر ( وَلَمْ يَتَوَضَّأْ) .

وفي رواية ابن القاسم وابن بكير: ثم دعي بفضل ذلك الطعام فقال: دعي مكان أتي فيحتمل أن صاحب الطعام سأله ذلك فأجابه لإدخال السرور عليه ويكون وقت قيامه للصلاة لم ينو الرجوع لحديث: إذا حضر الطعام فابدءوا به قبل الصلاة أي لئلا يشتغل به عن الإقبال إليها، وإن كان صلى الله عليه وسلم ليس كغيره لكنه مشرع وفيه: أنه أكل اللحم في يوم مرتين ولا يلزم أنه شبع منه فلا يعارضه قول عائشة: ما شبع من لحم في يوم مرتين كما توهم.

( مالِكٍ عَنْ مُوسَى بْنِ عُقْبَةَ) بالقاف ابن أبي عياش بتحتية ومعجمة القرشي مولاهم المدني عن أم خالد بنت خالد ولها صحبة ونافع وسالم والزهري وخلق، وعنه مالك وشعبة والسفيانان وابن جريج وغيرهم، وثقه أحمد ويحيى وأبو حاتم وغيرهم ولم يصح أن ابن معين لينه وقال معن وغيره: وكان مالك إذا سئل عن المغازي يقول: عليك بمغازي الرجل الصالح موسى بن عقبة فإنها أصح المغازي مات سنة إحدى وأربعين ومائة وقيل بعدها.

( عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ يَزِيدَ) بتحتية قبل الزاي ابن جارية بجيم وتحتية ( الْأَنْصَارِيِّ) أبي محمد المدني أخي عاصم بن عمر لأمه يقال ولد في حياة النبي صلى الله عليه وسلم، وذكره ابن حبان في ثقات التابعين مات سنة ثلاث وتسعين وأبوه صحابي مشهور.

( أَنَّ أَنَسَ بْنَ مَالِكٍ قَدِمَ مِنَ الْعِرَاقِ فَدَخَلَ عَلَيْهِ) زوج أمه ( أَبُو طَلْحَةَ) زيد بن سهل الأنصاري النجاري مشهور بكنيته من كبار الصحابة شهد بدرًا وما بعدها مات سنة أربع وثلاثين.
وقال أبو زرعة الدمشقي: عاش بعد النبي صلى الله عليه وسلم أربعين سنة.

( وَأُبَيُّ بْنُ كَعْبٍ) الأنصاري الخزرجي أبو المنذر سيد القراء من فضلاء الصحابة في سنة موته خلف كثير فقيل سنة تسع عشرة وقيل اثنين وثلاثين وقيل غير ذلك ( فَقَرَّبَ لَهُمَا طَعَامًا قَدْ مَسَّتْهُ النَّارُ فَأَكَلُوا مِنْهُ فَقَامَ أَنَسٌ فَتَوَضَّأَ فَقَالَ) له ( أَبُو طَلْحَةَ وَأُبَيُّ بْنُ كَعْبٍ: مَا هَذَا) الفعل ( يَا أَنَسُ أَعِرَاقِيَّةٌ؟) أي أبالعراق استفدت هذا العلم وتركت عمل أهل المدينة المتلقى عن النبي صلى الله عليه وسلم ( فَقَالَ أَنَسٌ: لَيْتَنِي لَمْ أَفْعَلْ) أي لأنه يوهم للشبهة.

( وَقَامَ أَبُو طَلْحَةَ وَأُبَيُّ بْنُ كَعْبٍ فَصَلَّيَا وَلَمْ يَتَوَضَّآَ) فدل فعلهما وإنكارهما وهما منهما على أنس ورجوعه إليهما على أن إجماع أهل المدينة على أن لا وضوء مما مست النار وهو من الحجج القوية الدالة على نسخ الوضوء منه، ومن ثم ختم به هذا الباب وهو يفيد أيضًا رد ما ذهب إليه الخطابي من حمل أحاديث الأمر على الاستحباب إذ لو كان مستحبًا ما ساغ إنكارهما عليه، والله أعلم.



رقم الحديث 130 حَدَّثَنِي يَحْيَى، عَنْ مَالِكٍ أَنَّهُ بَلَغَهُ أَنَّ عَائِشَةَ، زَوْجَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَتْ: فِي الْمَرْأَةِ الْحَامِلِ تَرَى الدَّمَ: أَنَّهَا تَدَعُ الصَّلَاةَ.


جَامِعِ الْحِيضَةِ

( مَالِكٍ أَنَّهُ بَلَغَهُ أَنَّ عَائِشَةَ قَالَتْ فِي الْمَرْأَةِ الْحَامِلِ تَرَى الدَّمَ أَنَّهَا تَدَعُ الصَّلَاةَ) لأنها حائض وإلى أن الحامل تحيض ذهب ابن المسيب وابن شهاب ومالك في المشهور عنه والشافعي في الجديد وغيرهم محتجين بقول عائشة المذكور من غير نكير فكان إجماعًا سكوتيًا وبأنه كما جاز النفاس مع الحمل إذا تأخر أحد التوأمين فكذلك الحيض، وذهب أبو حنيفة وأصحابه وأحمد والثوري إلى أنها لا تحيض وأقوى حججهم أن استبراء الأمة اعتبر بالحيض فلو كانت الحامل تحيض لم تتم البراءة بالحيض.

وأجيب: بأن دلالته على براءة الرحم على سبيل الغالب وحيض الحامل قليل والنادر لا يناقض فيه بالغالب، وأما التعلق لهم بحديث الصحيحين عن أنس مرفوعًا إن الله وكل بالرحم ملكًا يقول: يا رب نطفة يا رب علقة يا رب مضغة فإذا أراد الله أن يقضي خلقه قال: أذكر أم أنثى شقي أم سعيد فما الرزق فما الأجل؟ فيكتب في بطن أمه ويقضي أي يتم خلقه.

وللطبراني بسند صحيح عن ابن مسعود: إذا وقعت النطفة في الرحم بعث الله ملكًا يقول: يا رب مخلقة أو غير مخلقة فإن قال غير مخلقة مجها الرحم دمًا فقال الحافظ في الاستدلال به على أن الحامل لا تحيض نظر، إذ لا يلزم من كون ما يخرج من الحامل هو السقط الذي لم يصور أن يكون الدم الذي تراه من يستمر حملها ليس بحيض قال: وما ادعاه المخالف من أنه رشح من الولد أو فضلة غذائية أو دم فساد وعلة فمحتاج إلى دليل، وما ورد في ذلك من خبر أو أثر لا يثبت لأن هذا دم بصفات الحيض وفي زمن إمكانه فله حكم دم الحيض ومن ادعى خلافه فعليه البيان قال: واستدل ابن المنير على أنه ليس بدم حيض بأن الملك موكل برحم الحامل والملائكة لا تدخل بيتًا فيه قذر ولا يلائمها ذلك.

وأجيب: بأنه لا يلزم من كون الملك موكلاً به أن يكون حالاً فيه ثم هو مشترك الإلزام لأن الدم كله قذر.

( مَالِكٍ أَنَّهُ سَأَلَ ابْنَ شِهَابٍ عَنِ الْمَرْأَةِ الْحَامِلِ تَرَى الدَّمَ؟ قَالَ: تَكُفُّ عَنِ الصَّلَاةِ) والصوم وغيرهما من كل ما تمنع منه الحائض ( قَالَ مَالِكٌ: وَذَلِكَ) المذكور من قول عائشة وابن شهاب ( الْأَمْرُ عِنْدَنَا) بالمدينة أي أنهم أجمعوا عليه وإجماعهم حجة.

( مَالِكٍ عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَائِشَةَ زَوْجِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهَا قَالَتْ: كُنْتُ أُرَجِّلُ) بضم الهمزة وشد الجيم أمشط ( رَأْسَ) أي شعر ( رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ) وأسرحه لأن الترجيل للشعر وهو تسريحه وتنظيفه لا للرأس فهو من مجاز الحذف أو من إطلاق المحل على الحال مجازًا ( وَأَنَا حَائِضٌ) جملة إسمية حالية ففيه دلالة على طهارة بدن الحائض، وألحق عروة بها الجنب وهو قياس جلي لأن الاستقذار بالحائض أكثر من الجنب وألحق أيضًا الخدمة بالترجيل كما في البخاري عنه.

قال ابن عبد البر: في ترجيله صلى الله عليه وسلم لشعره وسواكه وأخذه من شاربه ونحو ذلك دليل على أن خلاف النظافة وحسن الهيئة في اللباس والزينة ليس من الشريعة وأن قوله صلى الله عليه وسلم: البذاذة من الإيمان أراد به إطراح السرف والشهرة للملبس الداعي إلى التبختر والبطر لتصح معاني الآثار ولا تتضاد، ومن هذا نهيه صلى الله عليه وسلم عن الترجل إلا غبًا يريد لغير الحاجة لئلا يكون ثائر الرأس شعثه كأنه شيطان كما جاء عنه صلى الله عليه وسلم انتهى.

وهذا الحديث أخرجه البخاري عن عبد الله بن يوسف، وأبو داود والترمذي والنسائي عن قتيبة كلاهما عن مالك به.

( مَالِكٍ عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ عَنْ أَبِيهِ) كذا ليحيى وحده وهذا خطأ بين منه وغلط بلا شك، ولم يرو عروة عن فاطمة شيئًا وإنما هو في الموطآت لهشام عن امرأته فاطمة، وكذا كل من رواه عن هشام مالك وغيره قاله ابن عبد البر.

( عَنْ فَاطِمَةَ بِنْتِ الْمُنْذِرِ بْنِ الزُّبَيْرِ) بن العوام زوجة ابن عمها هشام الراوي عنها وكانت أسن منه بثلاث عشرة سنة روت عن جدتها وأم سلمة، وعنها زوجها ومحمد بن إسحاق ومحمد بن سوقة، وثقها العجلي.
وروى لها الجميع.

( عَنْ أَسْمَاءَ ابنة أَبِي بَكْرٍ الصِّدِّيقِ) أسلمت قديمًا وهاجرت وروى عنها ابناها عبد الله وعروة وابن عباس وجماعة، وماتت بمكة بعد ابنها عبد الله بقليل سنة ثلاث وسبعين أو أربع وسبعين وقد جاوزت المائة ولم يسقط لها سن ولم ينكر لها عقل وهي جدة هشام وفاطمة لأبويهما.

( أَنَّهَا قَالَتْ: سَأَلَتِ امْرَأَةٌ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ) في رواية سفيان بن عيينة عن هشام عن فاطمة أن أسماء قالت: سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم أخرجه الشافعي قال الحافظ: وأغرب النووي فضعف هذه الرواية وهي صحيحة الإسناد لا علة لها ولا بعد في أن يبهم الراوي اسم نفسه كما في حديث أبي سعيد في قصة الرقية بفاتحة الكتاب انتهى.

وظهر لي أن مراد النووي بالضعف الشذوذ وهي مخالفة سفيان للحفاظ من أصحاب هشام لاتفاقهم على قولهم: سألت امرأة فخالفهم سفيان فقال: إن أسماء قالت: سألت وإلى هذا أشار البيهقي بقوله الصحيح سألت امرأة فأشار إلى أن فاعل سألت سقط من روايته فأوهم أنها السائلة والشاذ ما خالف فيه الثقة الملأ أو ما انفرد به الراوي.
وقال الرافعي: يمكن أن تعني في رواية مالك نفسها، ويمكن أنها سألت عنه وسأل غيرها أيضًا فترجع كل رواية إلى سؤال قال: وذكر البيهقي أن الصحيح سألت امرأة يعني بالإبهام.

( فَقَالَتْ: أَرَأَيْتَ) استفهام بمعنى الأمر لاشتراكهما في الطلب أي أخبرني وحكمة العدول سلوك الأدب ويجب لهذه التاء إذا لم تتصل بها الكاف ما يجب لها مع سائر الأفعال من تذكير وتأنيث وتثنية وجمع ( إِحْدَانَا إِذَا أَصَابَ ثَوْبَهَا) بالنصب مفعول ( الدَّمُ) بالرفع فاعل ( مِنَ الْحَيْضَةِ) بفتح الحاء وفي رواية يحيى القطان عن هشام: جاءت امرأة للنبي صلى الله عليه وسلم فقالت: أرأيت إحدانا تحيض في الثوب ( كَيْفَ تَصْنَعُ فِيهِ؟ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: إِذَا أَصَابَ ثَوْبَ إِحْدَاكُنَّ الدَّمُ مِنَ الْحَيْضَةِ) بفتح الحاء أي الحيض.
وقال الرافعي: يجوز الكسر وهي الحالة التي عليها المرأة ويجوز الفتح وهي المرة من الحيض قال: وهذا أظهر انتهى.

وظاهر كلام غيره أنه الرواية ( فَلْتَقْرُصْهُ) بضم الراء وتخفيفها رواه يحيى والأكثر، ورواه القعنبي بكسر الراء وتشديدها ومعناه تأخذ الماء وتغمزه بأصبعها للغسل قاله الباجي.

وذكر الشيخ ولي الدين: أن الرواية الأولى أشهر وأنه بالصاد المهملة على الروايتين، وأنه يحتمل أن تقرصه بغير ماء إما مع اليبوسة أو يبل قليل لا يسمى غسلاً ولا نضحًا، ويحتمل أن قوله الآتي بالماء متعلق بهما وهو الأظهر لأن في رواية أبي داود من طريق حماد بن زيد وحماد بن سلمة وعيسى بن يونس ثلاثتهم عن هشام: حتيه ثم اقرصيه بالماء ثم انضحيه انتهى بمعناه.

والثاني قريب من المتعين لأن الروايات تبين بعضها وعليه أكثر الشراح، وفي فتح الباري بالفتح وإسكان القاف وضم الراء والصاد المهملتين كذا في روايتنا.

وحكى القاضي عياض وغيره الضم وفتح القاف وتشديد الراء المكسورة أي تدلك موضع الدم بأطراف أصابعها ليتحلل بذلك ويخرج ما تشربه الثوب منه انتهى.

وقال النووي: معناه تقطعه بأطراف الأصابع مع الماء ليتحلل ولا يرد عليه أن تفسيره بالقطع مجاز إذ القطع إنما هو معنى القرض بالضاد المعجمة فلا حاجة إلى تفسيره بالقطع، ثم تأويله بأن المراد أنها تحوزه وتجمعه في محل واحد كما توهم بعض أشياخي لأنه بالصاد المهملة بمعنى القطع أيضًا.
قال أبو عبيد: قرصته بالتشديد أي قطعته، وفي المحكم في الصاد المهملة المقرص المقطع المأخوذ بين شيئين وقد قرصته وقرصته يعني بالتخفيف والتثقيل.

( ثُمَّ لِتَنْضِحْهُ بِالْمَاءِ) بفتح الضاد المعجمة أي تغسله قاله الخطابي وابن عبد البر وابن بطال وغيرهم.

وقال القرطبي: المراد به الرش لأن غسل الدم استفيد من قوله تقرصه، وأما النضح فهو لما شكت فيه من الثوب.
ورده الحافظ بأنه يلزم منه اختلاف الضمائر لأن ضمير تنضحه للثوب وتقرصه للدم وهو خلاف الأصل، ثم إن الرش على المشكوك فيه لا يفيد شيئًا لأنه إن كان طاهرًا فلا حاجة إليه، وإن كان نجسًا لم يتطهر بذلك فالأحسن ما قاله الخطابي انتهى.
لكن القرطبي بناه على مذهبه أنه إن شك في إصابة النجاسة لثوب وجب نضحه ويطهر بذلك، والحافظ لم يجهل ذلك إنما قال: فالأحسن ليوافق الضمائر ولحمل الحديث على صورة متفق عليها.

( ثُمَّ لِتُصَلِّ فِيهِ) بلام الأمر عطف على سابقه وفيه إشارة إلى امتناع الصلاة في الثوب النجس وجواز استفتاء المرأة بنفسها ومشافهتها للرجل فيما يتعلق بأحوال النساء ويستحيى من ذكره والإفصاح بذكر ما يستقذر للضرورة وندب فرك النجاسة اليابسة ليهون غسلها وفيه كما قال الخطابي: أن النجاسات إنما تزال بالماء دون غيره لأن جميع النجاسات بمثابة الدم لا فرق بينه وبينها إجماعًا وهو قول الجمهور أي تعيين الماء لإزالة النجاسة.

وعن أبي حنيفة وأبي يوسف يجوز تطهير النجاسة بكل مائع طاهر ومن حجتهم حديث عائشة ما كان لإحدانا إلا ثوب واحد تحيض فيه فإذا أصابه شيء من دم الحيض قالت بريقها فمصعته بظفرها، ولأبي داود بلته بريقها وجه الحجة منه أنه لو كان الريق لا يطهر لزادت النجاسة.

وأجيب: باحتمال أن تكون قصدت بذلك تحليل أثره ثم غسلته بعد ذلك ذكره الحافظ.

والحديث أخرجه البخاري عن عبد الله بن يوسف، وأبو داود عن القعنبي كلاهما عن مالك به.
ومسلم حدثني أبو الطاهر أخبرني ابن وهب قال: أخبرني يحيى بن عبد الله بن سالم ومالك بن أنس وعمرو بن الحارث كلهم عن هشام به.
والبخاري ومسلم من طريق يحيى بن سعيد القطان عن هشام ومسلم أيضًا من طريق وكيع وعبد الله بن نمير عن هشام فقد تابع مالكًا عليه خمسة.



رقم الحديث 131 وَحَدَّثَنِي عَنْ مَالِكٍ، أَنَّهُ سَأَلَ ابْنَ شِهَابٍ، عَنِ الْمَرْأَةِ الْحَامِلِ تَرَى الدَّمَ؟ قَالَ: تَكُفُّ عَنِ الصَّلَاةِ قَالَ يَحْيَى قَالَ مَالِكٌ: وَذَلِكَ الْأَمْرُ عِنْدَنَا.


جَامِعِ الْحِيضَةِ

( مَالِكٍ أَنَّهُ بَلَغَهُ أَنَّ عَائِشَةَ قَالَتْ فِي الْمَرْأَةِ الْحَامِلِ تَرَى الدَّمَ أَنَّهَا تَدَعُ الصَّلَاةَ) لأنها حائض وإلى أن الحامل تحيض ذهب ابن المسيب وابن شهاب ومالك في المشهور عنه والشافعي في الجديد وغيرهم محتجين بقول عائشة المذكور من غير نكير فكان إجماعًا سكوتيًا وبأنه كما جاز النفاس مع الحمل إذا تأخر أحد التوأمين فكذلك الحيض، وذهب أبو حنيفة وأصحابه وأحمد والثوري إلى أنها لا تحيض وأقوى حججهم أن استبراء الأمة اعتبر بالحيض فلو كانت الحامل تحيض لم تتم البراءة بالحيض.

وأجيب: بأن دلالته على براءة الرحم على سبيل الغالب وحيض الحامل قليل والنادر لا يناقض فيه بالغالب، وأما التعلق لهم بحديث الصحيحين عن أنس مرفوعًا إن الله وكل بالرحم ملكًا يقول: يا رب نطفة يا رب علقة يا رب مضغة فإذا أراد الله أن يقضي خلقه قال: أذكر أم أنثى شقي أم سعيد فما الرزق فما الأجل؟ فيكتب في بطن أمه ويقضي أي يتم خلقه.

وللطبراني بسند صحيح عن ابن مسعود: إذا وقعت النطفة في الرحم بعث الله ملكًا يقول: يا رب مخلقة أو غير مخلقة فإن قال غير مخلقة مجها الرحم دمًا فقال الحافظ في الاستدلال به على أن الحامل لا تحيض نظر، إذ لا يلزم من كون ما يخرج من الحامل هو السقط الذي لم يصور أن يكون الدم الذي تراه من يستمر حملها ليس بحيض قال: وما ادعاه المخالف من أنه رشح من الولد أو فضلة غذائية أو دم فساد وعلة فمحتاج إلى دليل، وما ورد في ذلك من خبر أو أثر لا يثبت لأن هذا دم بصفات الحيض وفي زمن إمكانه فله حكم دم الحيض ومن ادعى خلافه فعليه البيان قال: واستدل ابن المنير على أنه ليس بدم حيض بأن الملك موكل برحم الحامل والملائكة لا تدخل بيتًا فيه قذر ولا يلائمها ذلك.

وأجيب: بأنه لا يلزم من كون الملك موكلاً به أن يكون حالاً فيه ثم هو مشترك الإلزام لأن الدم كله قذر.

( مَالِكٍ أَنَّهُ سَأَلَ ابْنَ شِهَابٍ عَنِ الْمَرْأَةِ الْحَامِلِ تَرَى الدَّمَ؟ قَالَ: تَكُفُّ عَنِ الصَّلَاةِ) والصوم وغيرهما من كل ما تمنع منه الحائض ( قَالَ مَالِكٌ: وَذَلِكَ) المذكور من قول عائشة وابن شهاب ( الْأَمْرُ عِنْدَنَا) بالمدينة أي أنهم أجمعوا عليه وإجماعهم حجة.

( مَالِكٍ عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَائِشَةَ زَوْجِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهَا قَالَتْ: كُنْتُ أُرَجِّلُ) بضم الهمزة وشد الجيم أمشط ( رَأْسَ) أي شعر ( رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ) وأسرحه لأن الترجيل للشعر وهو تسريحه وتنظيفه لا للرأس فهو من مجاز الحذف أو من إطلاق المحل على الحال مجازًا ( وَأَنَا حَائِضٌ) جملة إسمية حالية ففيه دلالة على طهارة بدن الحائض، وألحق عروة بها الجنب وهو قياس جلي لأن الاستقذار بالحائض أكثر من الجنب وألحق أيضًا الخدمة بالترجيل كما في البخاري عنه.

قال ابن عبد البر: في ترجيله صلى الله عليه وسلم لشعره وسواكه وأخذه من شاربه ونحو ذلك دليل على أن خلاف النظافة وحسن الهيئة في اللباس والزينة ليس من الشريعة وأن قوله صلى الله عليه وسلم: البذاذة من الإيمان أراد به إطراح السرف والشهرة للملبس الداعي إلى التبختر والبطر لتصح معاني الآثار ولا تتضاد، ومن هذا نهيه صلى الله عليه وسلم عن الترجل إلا غبًا يريد لغير الحاجة لئلا يكون ثائر الرأس شعثه كأنه شيطان كما جاء عنه صلى الله عليه وسلم انتهى.

وهذا الحديث أخرجه البخاري عن عبد الله بن يوسف، وأبو داود والترمذي والنسائي عن قتيبة كلاهما عن مالك به.

( مَالِكٍ عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ عَنْ أَبِيهِ) كذا ليحيى وحده وهذا خطأ بين منه وغلط بلا شك، ولم يرو عروة عن فاطمة شيئًا وإنما هو في الموطآت لهشام عن امرأته فاطمة، وكذا كل من رواه عن هشام مالك وغيره قاله ابن عبد البر.

( عَنْ فَاطِمَةَ بِنْتِ الْمُنْذِرِ بْنِ الزُّبَيْرِ) بن العوام زوجة ابن عمها هشام الراوي عنها وكانت أسن منه بثلاث عشرة سنة روت عن جدتها وأم سلمة، وعنها زوجها ومحمد بن إسحاق ومحمد بن سوقة، وثقها العجلي.
وروى لها الجميع.

( عَنْ أَسْمَاءَ ابنة أَبِي بَكْرٍ الصِّدِّيقِ) أسلمت قديمًا وهاجرت وروى عنها ابناها عبد الله وعروة وابن عباس وجماعة، وماتت بمكة بعد ابنها عبد الله بقليل سنة ثلاث وسبعين أو أربع وسبعين وقد جاوزت المائة ولم يسقط لها سن ولم ينكر لها عقل وهي جدة هشام وفاطمة لأبويهما.

( أَنَّهَا قَالَتْ: سَأَلَتِ امْرَأَةٌ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ) في رواية سفيان بن عيينة عن هشام عن فاطمة أن أسماء قالت: سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم أخرجه الشافعي قال الحافظ: وأغرب النووي فضعف هذه الرواية وهي صحيحة الإسناد لا علة لها ولا بعد في أن يبهم الراوي اسم نفسه كما في حديث أبي سعيد في قصة الرقية بفاتحة الكتاب انتهى.

وظهر لي أن مراد النووي بالضعف الشذوذ وهي مخالفة سفيان للحفاظ من أصحاب هشام لاتفاقهم على قولهم: سألت امرأة فخالفهم سفيان فقال: إن أسماء قالت: سألت وإلى هذا أشار البيهقي بقوله الصحيح سألت امرأة فأشار إلى أن فاعل سألت سقط من روايته فأوهم أنها السائلة والشاذ ما خالف فيه الثقة الملأ أو ما انفرد به الراوي.
وقال الرافعي: يمكن أن تعني في رواية مالك نفسها، ويمكن أنها سألت عنه وسأل غيرها أيضًا فترجع كل رواية إلى سؤال قال: وذكر البيهقي أن الصحيح سألت امرأة يعني بالإبهام.

( فَقَالَتْ: أَرَأَيْتَ) استفهام بمعنى الأمر لاشتراكهما في الطلب أي أخبرني وحكمة العدول سلوك الأدب ويجب لهذه التاء إذا لم تتصل بها الكاف ما يجب لها مع سائر الأفعال من تذكير وتأنيث وتثنية وجمع ( إِحْدَانَا إِذَا أَصَابَ ثَوْبَهَا) بالنصب مفعول ( الدَّمُ) بالرفع فاعل ( مِنَ الْحَيْضَةِ) بفتح الحاء وفي رواية يحيى القطان عن هشام: جاءت امرأة للنبي صلى الله عليه وسلم فقالت: أرأيت إحدانا تحيض في الثوب ( كَيْفَ تَصْنَعُ فِيهِ؟ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: إِذَا أَصَابَ ثَوْبَ إِحْدَاكُنَّ الدَّمُ مِنَ الْحَيْضَةِ) بفتح الحاء أي الحيض.
وقال الرافعي: يجوز الكسر وهي الحالة التي عليها المرأة ويجوز الفتح وهي المرة من الحيض قال: وهذا أظهر انتهى.

وظاهر كلام غيره أنه الرواية ( فَلْتَقْرُصْهُ) بضم الراء وتخفيفها رواه يحيى والأكثر، ورواه القعنبي بكسر الراء وتشديدها ومعناه تأخذ الماء وتغمزه بأصبعها للغسل قاله الباجي.

وذكر الشيخ ولي الدين: أن الرواية الأولى أشهر وأنه بالصاد المهملة على الروايتين، وأنه يحتمل أن تقرصه بغير ماء إما مع اليبوسة أو يبل قليل لا يسمى غسلاً ولا نضحًا، ويحتمل أن قوله الآتي بالماء متعلق بهما وهو الأظهر لأن في رواية أبي داود من طريق حماد بن زيد وحماد بن سلمة وعيسى بن يونس ثلاثتهم عن هشام: حتيه ثم اقرصيه بالماء ثم انضحيه انتهى بمعناه.

والثاني قريب من المتعين لأن الروايات تبين بعضها وعليه أكثر الشراح، وفي فتح الباري بالفتح وإسكان القاف وضم الراء والصاد المهملتين كذا في روايتنا.

وحكى القاضي عياض وغيره الضم وفتح القاف وتشديد الراء المكسورة أي تدلك موضع الدم بأطراف أصابعها ليتحلل بذلك ويخرج ما تشربه الثوب منه انتهى.

وقال النووي: معناه تقطعه بأطراف الأصابع مع الماء ليتحلل ولا يرد عليه أن تفسيره بالقطع مجاز إذ القطع إنما هو معنى القرض بالضاد المعجمة فلا حاجة إلى تفسيره بالقطع، ثم تأويله بأن المراد أنها تحوزه وتجمعه في محل واحد كما توهم بعض أشياخي لأنه بالصاد المهملة بمعنى القطع أيضًا.
قال أبو عبيد: قرصته بالتشديد أي قطعته، وفي المحكم في الصاد المهملة المقرص المقطع المأخوذ بين شيئين وقد قرصته وقرصته يعني بالتخفيف والتثقيل.

( ثُمَّ لِتَنْضِحْهُ بِالْمَاءِ) بفتح الضاد المعجمة أي تغسله قاله الخطابي وابن عبد البر وابن بطال وغيرهم.

وقال القرطبي: المراد به الرش لأن غسل الدم استفيد من قوله تقرصه، وأما النضح فهو لما شكت فيه من الثوب.
ورده الحافظ بأنه يلزم منه اختلاف الضمائر لأن ضمير تنضحه للثوب وتقرصه للدم وهو خلاف الأصل، ثم إن الرش على المشكوك فيه لا يفيد شيئًا لأنه إن كان طاهرًا فلا حاجة إليه، وإن كان نجسًا لم يتطهر بذلك فالأحسن ما قاله الخطابي انتهى.
لكن القرطبي بناه على مذهبه أنه إن شك في إصابة النجاسة لثوب وجب نضحه ويطهر بذلك، والحافظ لم يجهل ذلك إنما قال: فالأحسن ليوافق الضمائر ولحمل الحديث على صورة متفق عليها.

( ثُمَّ لِتُصَلِّ فِيهِ) بلام الأمر عطف على سابقه وفيه إشارة إلى امتناع الصلاة في الثوب النجس وجواز استفتاء المرأة بنفسها ومشافهتها للرجل فيما يتعلق بأحوال النساء ويستحيى من ذكره والإفصاح بذكر ما يستقذر للضرورة وندب فرك النجاسة اليابسة ليهون غسلها وفيه كما قال الخطابي: أن النجاسات إنما تزال بالماء دون غيره لأن جميع النجاسات بمثابة الدم لا فرق بينه وبينها إجماعًا وهو قول الجمهور أي تعيين الماء لإزالة النجاسة.

وعن أبي حنيفة وأبي يوسف يجوز تطهير النجاسة بكل مائع طاهر ومن حجتهم حديث عائشة ما كان لإحدانا إلا ثوب واحد تحيض فيه فإذا أصابه شيء من دم الحيض قالت بريقها فمصعته بظفرها، ولأبي داود بلته بريقها وجه الحجة منه أنه لو كان الريق لا يطهر لزادت النجاسة.

وأجيب: باحتمال أن تكون قصدت بذلك تحليل أثره ثم غسلته بعد ذلك ذكره الحافظ.

والحديث أخرجه البخاري عن عبد الله بن يوسف، وأبو داود عن القعنبي كلاهما عن مالك به.
ومسلم حدثني أبو الطاهر أخبرني ابن وهب قال: أخبرني يحيى بن عبد الله بن سالم ومالك بن أنس وعمرو بن الحارث كلهم عن هشام به.
والبخاري ومسلم من طريق يحيى بن سعيد القطان عن هشام ومسلم أيضًا من طريق وكيع وعبد الله بن نمير عن هشام فقد تابع مالكًا عليه خمسة.



رقم الحديث 132 وَحَدَّثَنِي عَنْ مَالِكٍ، عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عَائِشَةَ، زَوْجِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، أَنَّهَا قَالَتْ: كُنْتُ أُرَجِّلُ رَأْسَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَنَا حَائِضٌ.


جَامِعِ الْحِيضَةِ

( مَالِكٍ أَنَّهُ بَلَغَهُ أَنَّ عَائِشَةَ قَالَتْ فِي الْمَرْأَةِ الْحَامِلِ تَرَى الدَّمَ أَنَّهَا تَدَعُ الصَّلَاةَ) لأنها حائض وإلى أن الحامل تحيض ذهب ابن المسيب وابن شهاب ومالك في المشهور عنه والشافعي في الجديد وغيرهم محتجين بقول عائشة المذكور من غير نكير فكان إجماعًا سكوتيًا وبأنه كما جاز النفاس مع الحمل إذا تأخر أحد التوأمين فكذلك الحيض، وذهب أبو حنيفة وأصحابه وأحمد والثوري إلى أنها لا تحيض وأقوى حججهم أن استبراء الأمة اعتبر بالحيض فلو كانت الحامل تحيض لم تتم البراءة بالحيض.

وأجيب: بأن دلالته على براءة الرحم على سبيل الغالب وحيض الحامل قليل والنادر لا يناقض فيه بالغالب، وأما التعلق لهم بحديث الصحيحين عن أنس مرفوعًا إن الله وكل بالرحم ملكًا يقول: يا رب نطفة يا رب علقة يا رب مضغة فإذا أراد الله أن يقضي خلقه قال: أذكر أم أنثى شقي أم سعيد فما الرزق فما الأجل؟ فيكتب في بطن أمه ويقضي أي يتم خلقه.

وللطبراني بسند صحيح عن ابن مسعود: إذا وقعت النطفة في الرحم بعث الله ملكًا يقول: يا رب مخلقة أو غير مخلقة فإن قال غير مخلقة مجها الرحم دمًا فقال الحافظ في الاستدلال به على أن الحامل لا تحيض نظر، إذ لا يلزم من كون ما يخرج من الحامل هو السقط الذي لم يصور أن يكون الدم الذي تراه من يستمر حملها ليس بحيض قال: وما ادعاه المخالف من أنه رشح من الولد أو فضلة غذائية أو دم فساد وعلة فمحتاج إلى دليل، وما ورد في ذلك من خبر أو أثر لا يثبت لأن هذا دم بصفات الحيض وفي زمن إمكانه فله حكم دم الحيض ومن ادعى خلافه فعليه البيان قال: واستدل ابن المنير على أنه ليس بدم حيض بأن الملك موكل برحم الحامل والملائكة لا تدخل بيتًا فيه قذر ولا يلائمها ذلك.

وأجيب: بأنه لا يلزم من كون الملك موكلاً به أن يكون حالاً فيه ثم هو مشترك الإلزام لأن الدم كله قذر.

( مَالِكٍ أَنَّهُ سَأَلَ ابْنَ شِهَابٍ عَنِ الْمَرْأَةِ الْحَامِلِ تَرَى الدَّمَ؟ قَالَ: تَكُفُّ عَنِ الصَّلَاةِ) والصوم وغيرهما من كل ما تمنع منه الحائض ( قَالَ مَالِكٌ: وَذَلِكَ) المذكور من قول عائشة وابن شهاب ( الْأَمْرُ عِنْدَنَا) بالمدينة أي أنهم أجمعوا عليه وإجماعهم حجة.

( مَالِكٍ عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَائِشَةَ زَوْجِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهَا قَالَتْ: كُنْتُ أُرَجِّلُ) بضم الهمزة وشد الجيم أمشط ( رَأْسَ) أي شعر ( رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ) وأسرحه لأن الترجيل للشعر وهو تسريحه وتنظيفه لا للرأس فهو من مجاز الحذف أو من إطلاق المحل على الحال مجازًا ( وَأَنَا حَائِضٌ) جملة إسمية حالية ففيه دلالة على طهارة بدن الحائض، وألحق عروة بها الجنب وهو قياس جلي لأن الاستقذار بالحائض أكثر من الجنب وألحق أيضًا الخدمة بالترجيل كما في البخاري عنه.

قال ابن عبد البر: في ترجيله صلى الله عليه وسلم لشعره وسواكه وأخذه من شاربه ونحو ذلك دليل على أن خلاف النظافة وحسن الهيئة في اللباس والزينة ليس من الشريعة وأن قوله صلى الله عليه وسلم: البذاذة من الإيمان أراد به إطراح السرف والشهرة للملبس الداعي إلى التبختر والبطر لتصح معاني الآثار ولا تتضاد، ومن هذا نهيه صلى الله عليه وسلم عن الترجل إلا غبًا يريد لغير الحاجة لئلا يكون ثائر الرأس شعثه كأنه شيطان كما جاء عنه صلى الله عليه وسلم انتهى.

وهذا الحديث أخرجه البخاري عن عبد الله بن يوسف، وأبو داود والترمذي والنسائي عن قتيبة كلاهما عن مالك به.

( مَالِكٍ عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ عَنْ أَبِيهِ) كذا ليحيى وحده وهذا خطأ بين منه وغلط بلا شك، ولم يرو عروة عن فاطمة شيئًا وإنما هو في الموطآت لهشام عن امرأته فاطمة، وكذا كل من رواه عن هشام مالك وغيره قاله ابن عبد البر.

( عَنْ فَاطِمَةَ بِنْتِ الْمُنْذِرِ بْنِ الزُّبَيْرِ) بن العوام زوجة ابن عمها هشام الراوي عنها وكانت أسن منه بثلاث عشرة سنة روت عن جدتها وأم سلمة، وعنها زوجها ومحمد بن إسحاق ومحمد بن سوقة، وثقها العجلي.
وروى لها الجميع.

( عَنْ أَسْمَاءَ ابنة أَبِي بَكْرٍ الصِّدِّيقِ) أسلمت قديمًا وهاجرت وروى عنها ابناها عبد الله وعروة وابن عباس وجماعة، وماتت بمكة بعد ابنها عبد الله بقليل سنة ثلاث وسبعين أو أربع وسبعين وقد جاوزت المائة ولم يسقط لها سن ولم ينكر لها عقل وهي جدة هشام وفاطمة لأبويهما.

( أَنَّهَا قَالَتْ: سَأَلَتِ امْرَأَةٌ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ) في رواية سفيان بن عيينة عن هشام عن فاطمة أن أسماء قالت: سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم أخرجه الشافعي قال الحافظ: وأغرب النووي فضعف هذه الرواية وهي صحيحة الإسناد لا علة لها ولا بعد في أن يبهم الراوي اسم نفسه كما في حديث أبي سعيد في قصة الرقية بفاتحة الكتاب انتهى.

وظهر لي أن مراد النووي بالضعف الشذوذ وهي مخالفة سفيان للحفاظ من أصحاب هشام لاتفاقهم على قولهم: سألت امرأة فخالفهم سفيان فقال: إن أسماء قالت: سألت وإلى هذا أشار البيهقي بقوله الصحيح سألت امرأة فأشار إلى أن فاعل سألت سقط من روايته فأوهم أنها السائلة والشاذ ما خالف فيه الثقة الملأ أو ما انفرد به الراوي.
وقال الرافعي: يمكن أن تعني في رواية مالك نفسها، ويمكن أنها سألت عنه وسأل غيرها أيضًا فترجع كل رواية إلى سؤال قال: وذكر البيهقي أن الصحيح سألت امرأة يعني بالإبهام.

( فَقَالَتْ: أَرَأَيْتَ) استفهام بمعنى الأمر لاشتراكهما في الطلب أي أخبرني وحكمة العدول سلوك الأدب ويجب لهذه التاء إذا لم تتصل بها الكاف ما يجب لها مع سائر الأفعال من تذكير وتأنيث وتثنية وجمع ( إِحْدَانَا إِذَا أَصَابَ ثَوْبَهَا) بالنصب مفعول ( الدَّمُ) بالرفع فاعل ( مِنَ الْحَيْضَةِ) بفتح الحاء وفي رواية يحيى القطان عن هشام: جاءت امرأة للنبي صلى الله عليه وسلم فقالت: أرأيت إحدانا تحيض في الثوب ( كَيْفَ تَصْنَعُ فِيهِ؟ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: إِذَا أَصَابَ ثَوْبَ إِحْدَاكُنَّ الدَّمُ مِنَ الْحَيْضَةِ) بفتح الحاء أي الحيض.
وقال الرافعي: يجوز الكسر وهي الحالة التي عليها المرأة ويجوز الفتح وهي المرة من الحيض قال: وهذا أظهر انتهى.

وظاهر كلام غيره أنه الرواية ( فَلْتَقْرُصْهُ) بضم الراء وتخفيفها رواه يحيى والأكثر، ورواه القعنبي بكسر الراء وتشديدها ومعناه تأخذ الماء وتغمزه بأصبعها للغسل قاله الباجي.

وذكر الشيخ ولي الدين: أن الرواية الأولى أشهر وأنه بالصاد المهملة على الروايتين، وأنه يحتمل أن تقرصه بغير ماء إما مع اليبوسة أو يبل قليل لا يسمى غسلاً ولا نضحًا، ويحتمل أن قوله الآتي بالماء متعلق بهما وهو الأظهر لأن في رواية أبي داود من طريق حماد بن زيد وحماد بن سلمة وعيسى بن يونس ثلاثتهم عن هشام: حتيه ثم اقرصيه بالماء ثم انضحيه انتهى بمعناه.

والثاني قريب من المتعين لأن الروايات تبين بعضها وعليه أكثر الشراح، وفي فتح الباري بالفتح وإسكان القاف وضم الراء والصاد المهملتين كذا في روايتنا.

وحكى القاضي عياض وغيره الضم وفتح القاف وتشديد الراء المكسورة أي تدلك موضع الدم بأطراف أصابعها ليتحلل بذلك ويخرج ما تشربه الثوب منه انتهى.

وقال النووي: معناه تقطعه بأطراف الأصابع مع الماء ليتحلل ولا يرد عليه أن تفسيره بالقطع مجاز إذ القطع إنما هو معنى القرض بالضاد المعجمة فلا حاجة إلى تفسيره بالقطع، ثم تأويله بأن المراد أنها تحوزه وتجمعه في محل واحد كما توهم بعض أشياخي لأنه بالصاد المهملة بمعنى القطع أيضًا.
قال أبو عبيد: قرصته بالتشديد أي قطعته، وفي المحكم في الصاد المهملة المقرص المقطع المأخوذ بين شيئين وقد قرصته وقرصته يعني بالتخفيف والتثقيل.

( ثُمَّ لِتَنْضِحْهُ بِالْمَاءِ) بفتح الضاد المعجمة أي تغسله قاله الخطابي وابن عبد البر وابن بطال وغيرهم.

وقال القرطبي: المراد به الرش لأن غسل الدم استفيد من قوله تقرصه، وأما النضح فهو لما شكت فيه من الثوب.
ورده الحافظ بأنه يلزم منه اختلاف الضمائر لأن ضمير تنضحه للثوب وتقرصه للدم وهو خلاف الأصل، ثم إن الرش على المشكوك فيه لا يفيد شيئًا لأنه إن كان طاهرًا فلا حاجة إليه، وإن كان نجسًا لم يتطهر بذلك فالأحسن ما قاله الخطابي انتهى.
لكن القرطبي بناه على مذهبه أنه إن شك في إصابة النجاسة لثوب وجب نضحه ويطهر بذلك، والحافظ لم يجهل ذلك إنما قال: فالأحسن ليوافق الضمائر ولحمل الحديث على صورة متفق عليها.

( ثُمَّ لِتُصَلِّ فِيهِ) بلام الأمر عطف على سابقه وفيه إشارة إلى امتناع الصلاة في الثوب النجس وجواز استفتاء المرأة بنفسها ومشافهتها للرجل فيما يتعلق بأحوال النساء ويستحيى من ذكره والإفصاح بذكر ما يستقذر للضرورة وندب فرك النجاسة اليابسة ليهون غسلها وفيه كما قال الخطابي: أن النجاسات إنما تزال بالماء دون غيره لأن جميع النجاسات بمثابة الدم لا فرق بينه وبينها إجماعًا وهو قول الجمهور أي تعيين الماء لإزالة النجاسة.

وعن أبي حنيفة وأبي يوسف يجوز تطهير النجاسة بكل مائع طاهر ومن حجتهم حديث عائشة ما كان لإحدانا إلا ثوب واحد تحيض فيه فإذا أصابه شيء من دم الحيض قالت بريقها فمصعته بظفرها، ولأبي داود بلته بريقها وجه الحجة منه أنه لو كان الريق لا يطهر لزادت النجاسة.

وأجيب: باحتمال أن تكون قصدت بذلك تحليل أثره ثم غسلته بعد ذلك ذكره الحافظ.

والحديث أخرجه البخاري عن عبد الله بن يوسف، وأبو داود عن القعنبي كلاهما عن مالك به.
ومسلم حدثني أبو الطاهر أخبرني ابن وهب قال: أخبرني يحيى بن عبد الله بن سالم ومالك بن أنس وعمرو بن الحارث كلهم عن هشام به.
والبخاري ومسلم من طريق يحيى بن سعيد القطان عن هشام ومسلم أيضًا من طريق وكيع وعبد الله بن نمير عن هشام فقد تابع مالكًا عليه خمسة.



رقم الحديث 133 وَحَدَّثَنِي عَنْ مَالِكٍ، عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ فَاطِمَةَ بِنْتِ الْمُنْذِرِ بْنِ الزُّبَيْرِ عَنْ أَسْمَاءَ بِنْتِ أَبِي بَكْرٍ الصِّدِّيقِ أَنَّهَا قَالَتْ: سَأَلَتِ امْرَأَةٌ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَتْ: أَرَأَيْتَ إِحْدَانَا إِذَا أَصَابَ ثَوْبَهَا الدَّمُ مِنَ الْحَيْضَةِ، كَيْفَ تَصْنَعُ فِيهِ؟ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: إِذَا أَصَابَ ثَوْبَ إِحْدَاكُنَّ الدَّمُ مِنَ الْحَيْضَةِ فَلْتَقْرُصْهُ ثُمَّ لِتَنْضِحْهُ بِالْمَاءِ ثُمَّ لِتُصَلِّ فِيهِ.


جَامِعِ الْحِيضَةِ

( مَالِكٍ أَنَّهُ بَلَغَهُ أَنَّ عَائِشَةَ قَالَتْ فِي الْمَرْأَةِ الْحَامِلِ تَرَى الدَّمَ أَنَّهَا تَدَعُ الصَّلَاةَ) لأنها حائض وإلى أن الحامل تحيض ذهب ابن المسيب وابن شهاب ومالك في المشهور عنه والشافعي في الجديد وغيرهم محتجين بقول عائشة المذكور من غير نكير فكان إجماعًا سكوتيًا وبأنه كما جاز النفاس مع الحمل إذا تأخر أحد التوأمين فكذلك الحيض، وذهب أبو حنيفة وأصحابه وأحمد والثوري إلى أنها لا تحيض وأقوى حججهم أن استبراء الأمة اعتبر بالحيض فلو كانت الحامل تحيض لم تتم البراءة بالحيض.

وأجيب: بأن دلالته على براءة الرحم على سبيل الغالب وحيض الحامل قليل والنادر لا يناقض فيه بالغالب، وأما التعلق لهم بحديث الصحيحين عن أنس مرفوعًا إن الله وكل بالرحم ملكًا يقول: يا رب نطفة يا رب علقة يا رب مضغة فإذا أراد الله أن يقضي خلقه قال: أذكر أم أنثى شقي أم سعيد فما الرزق فما الأجل؟ فيكتب في بطن أمه ويقضي أي يتم خلقه.

وللطبراني بسند صحيح عن ابن مسعود: إذا وقعت النطفة في الرحم بعث الله ملكًا يقول: يا رب مخلقة أو غير مخلقة فإن قال غير مخلقة مجها الرحم دمًا فقال الحافظ في الاستدلال به على أن الحامل لا تحيض نظر، إذ لا يلزم من كون ما يخرج من الحامل هو السقط الذي لم يصور أن يكون الدم الذي تراه من يستمر حملها ليس بحيض قال: وما ادعاه المخالف من أنه رشح من الولد أو فضلة غذائية أو دم فساد وعلة فمحتاج إلى دليل، وما ورد في ذلك من خبر أو أثر لا يثبت لأن هذا دم بصفات الحيض وفي زمن إمكانه فله حكم دم الحيض ومن ادعى خلافه فعليه البيان قال: واستدل ابن المنير على أنه ليس بدم حيض بأن الملك موكل برحم الحامل والملائكة لا تدخل بيتًا فيه قذر ولا يلائمها ذلك.

وأجيب: بأنه لا يلزم من كون الملك موكلاً به أن يكون حالاً فيه ثم هو مشترك الإلزام لأن الدم كله قذر.

( مَالِكٍ أَنَّهُ سَأَلَ ابْنَ شِهَابٍ عَنِ الْمَرْأَةِ الْحَامِلِ تَرَى الدَّمَ؟ قَالَ: تَكُفُّ عَنِ الصَّلَاةِ) والصوم وغيرهما من كل ما تمنع منه الحائض ( قَالَ مَالِكٌ: وَذَلِكَ) المذكور من قول عائشة وابن شهاب ( الْأَمْرُ عِنْدَنَا) بالمدينة أي أنهم أجمعوا عليه وإجماعهم حجة.

( مَالِكٍ عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَائِشَةَ زَوْجِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهَا قَالَتْ: كُنْتُ أُرَجِّلُ) بضم الهمزة وشد الجيم أمشط ( رَأْسَ) أي شعر ( رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ) وأسرحه لأن الترجيل للشعر وهو تسريحه وتنظيفه لا للرأس فهو من مجاز الحذف أو من إطلاق المحل على الحال مجازًا ( وَأَنَا حَائِضٌ) جملة إسمية حالية ففيه دلالة على طهارة بدن الحائض، وألحق عروة بها الجنب وهو قياس جلي لأن الاستقذار بالحائض أكثر من الجنب وألحق أيضًا الخدمة بالترجيل كما في البخاري عنه.

قال ابن عبد البر: في ترجيله صلى الله عليه وسلم لشعره وسواكه وأخذه من شاربه ونحو ذلك دليل على أن خلاف النظافة وحسن الهيئة في اللباس والزينة ليس من الشريعة وأن قوله صلى الله عليه وسلم: البذاذة من الإيمان أراد به إطراح السرف والشهرة للملبس الداعي إلى التبختر والبطر لتصح معاني الآثار ولا تتضاد، ومن هذا نهيه صلى الله عليه وسلم عن الترجل إلا غبًا يريد لغير الحاجة لئلا يكون ثائر الرأس شعثه كأنه شيطان كما جاء عنه صلى الله عليه وسلم انتهى.

وهذا الحديث أخرجه البخاري عن عبد الله بن يوسف، وأبو داود والترمذي والنسائي عن قتيبة كلاهما عن مالك به.

( مَالِكٍ عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ عَنْ أَبِيهِ) كذا ليحيى وحده وهذا خطأ بين منه وغلط بلا شك، ولم يرو عروة عن فاطمة شيئًا وإنما هو في الموطآت لهشام عن امرأته فاطمة، وكذا كل من رواه عن هشام مالك وغيره قاله ابن عبد البر.

( عَنْ فَاطِمَةَ بِنْتِ الْمُنْذِرِ بْنِ الزُّبَيْرِ) بن العوام زوجة ابن عمها هشام الراوي عنها وكانت أسن منه بثلاث عشرة سنة روت عن جدتها وأم سلمة، وعنها زوجها ومحمد بن إسحاق ومحمد بن سوقة، وثقها العجلي.
وروى لها الجميع.

( عَنْ أَسْمَاءَ ابنة أَبِي بَكْرٍ الصِّدِّيقِ) أسلمت قديمًا وهاجرت وروى عنها ابناها عبد الله وعروة وابن عباس وجماعة، وماتت بمكة بعد ابنها عبد الله بقليل سنة ثلاث وسبعين أو أربع وسبعين وقد جاوزت المائة ولم يسقط لها سن ولم ينكر لها عقل وهي جدة هشام وفاطمة لأبويهما.

( أَنَّهَا قَالَتْ: سَأَلَتِ امْرَأَةٌ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ) في رواية سفيان بن عيينة عن هشام عن فاطمة أن أسماء قالت: سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم أخرجه الشافعي قال الحافظ: وأغرب النووي فضعف هذه الرواية وهي صحيحة الإسناد لا علة لها ولا بعد في أن يبهم الراوي اسم نفسه كما في حديث أبي سعيد في قصة الرقية بفاتحة الكتاب انتهى.

وظهر لي أن مراد النووي بالضعف الشذوذ وهي مخالفة سفيان للحفاظ من أصحاب هشام لاتفاقهم على قولهم: سألت امرأة فخالفهم سفيان فقال: إن أسماء قالت: سألت وإلى هذا أشار البيهقي بقوله الصحيح سألت امرأة فأشار إلى أن فاعل سألت سقط من روايته فأوهم أنها السائلة والشاذ ما خالف فيه الثقة الملأ أو ما انفرد به الراوي.
وقال الرافعي: يمكن أن تعني في رواية مالك نفسها، ويمكن أنها سألت عنه وسأل غيرها أيضًا فترجع كل رواية إلى سؤال قال: وذكر البيهقي أن الصحيح سألت امرأة يعني بالإبهام.

( فَقَالَتْ: أَرَأَيْتَ) استفهام بمعنى الأمر لاشتراكهما في الطلب أي أخبرني وحكمة العدول سلوك الأدب ويجب لهذه التاء إذا لم تتصل بها الكاف ما يجب لها مع سائر الأفعال من تذكير وتأنيث وتثنية وجمع ( إِحْدَانَا إِذَا أَصَابَ ثَوْبَهَا) بالنصب مفعول ( الدَّمُ) بالرفع فاعل ( مِنَ الْحَيْضَةِ) بفتح الحاء وفي رواية يحيى القطان عن هشام: جاءت امرأة للنبي صلى الله عليه وسلم فقالت: أرأيت إحدانا تحيض في الثوب ( كَيْفَ تَصْنَعُ فِيهِ؟ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: إِذَا أَصَابَ ثَوْبَ إِحْدَاكُنَّ الدَّمُ مِنَ الْحَيْضَةِ) بفتح الحاء أي الحيض.
وقال الرافعي: يجوز الكسر وهي الحالة التي عليها المرأة ويجوز الفتح وهي المرة من الحيض قال: وهذا أظهر انتهى.

وظاهر كلام غيره أنه الرواية ( فَلْتَقْرُصْهُ) بضم الراء وتخفيفها رواه يحيى والأكثر، ورواه القعنبي بكسر الراء وتشديدها ومعناه تأخذ الماء وتغمزه بأصبعها للغسل قاله الباجي.

وذكر الشيخ ولي الدين: أن الرواية الأولى أشهر وأنه بالصاد المهملة على الروايتين، وأنه يحتمل أن تقرصه بغير ماء إما مع اليبوسة أو يبل قليل لا يسمى غسلاً ولا نضحًا، ويحتمل أن قوله الآتي بالماء متعلق بهما وهو الأظهر لأن في رواية أبي داود من طريق حماد بن زيد وحماد بن سلمة وعيسى بن يونس ثلاثتهم عن هشام: حتيه ثم اقرصيه بالماء ثم انضحيه انتهى بمعناه.

والثاني قريب من المتعين لأن الروايات تبين بعضها وعليه أكثر الشراح، وفي فتح الباري بالفتح وإسكان القاف وضم الراء والصاد المهملتين كذا في روايتنا.

وحكى القاضي عياض وغيره الضم وفتح القاف وتشديد الراء المكسورة أي تدلك موضع الدم بأطراف أصابعها ليتحلل بذلك ويخرج ما تشربه الثوب منه انتهى.

وقال النووي: معناه تقطعه بأطراف الأصابع مع الماء ليتحلل ولا يرد عليه أن تفسيره بالقطع مجاز إذ القطع إنما هو معنى القرض بالضاد المعجمة فلا حاجة إلى تفسيره بالقطع، ثم تأويله بأن المراد أنها تحوزه وتجمعه في محل واحد كما توهم بعض أشياخي لأنه بالصاد المهملة بمعنى القطع أيضًا.
قال أبو عبيد: قرصته بالتشديد أي قطعته، وفي المحكم في الصاد المهملة المقرص المقطع المأخوذ بين شيئين وقد قرصته وقرصته يعني بالتخفيف والتثقيل.

( ثُمَّ لِتَنْضِحْهُ بِالْمَاءِ) بفتح الضاد المعجمة أي تغسله قاله الخطابي وابن عبد البر وابن بطال وغيرهم.

وقال القرطبي: المراد به الرش لأن غسل الدم استفيد من قوله تقرصه، وأما النضح فهو لما شكت فيه من الثوب.
ورده الحافظ بأنه يلزم منه اختلاف الضمائر لأن ضمير تنضحه للثوب وتقرصه للدم وهو خلاف الأصل، ثم إن الرش على المشكوك فيه لا يفيد شيئًا لأنه إن كان طاهرًا فلا حاجة إليه، وإن كان نجسًا لم يتطهر بذلك فالأحسن ما قاله الخطابي انتهى.
لكن القرطبي بناه على مذهبه أنه إن شك في إصابة النجاسة لثوب وجب نضحه ويطهر بذلك، والحافظ لم يجهل ذلك إنما قال: فالأحسن ليوافق الضمائر ولحمل الحديث على صورة متفق عليها.

( ثُمَّ لِتُصَلِّ فِيهِ) بلام الأمر عطف على سابقه وفيه إشارة إلى امتناع الصلاة في الثوب النجس وجواز استفتاء المرأة بنفسها ومشافهتها للرجل فيما يتعلق بأحوال النساء ويستحيى من ذكره والإفصاح بذكر ما يستقذر للضرورة وندب فرك النجاسة اليابسة ليهون غسلها وفيه كما قال الخطابي: أن النجاسات إنما تزال بالماء دون غيره لأن جميع النجاسات بمثابة الدم لا فرق بينه وبينها إجماعًا وهو قول الجمهور أي تعيين الماء لإزالة النجاسة.

وعن أبي حنيفة وأبي يوسف يجوز تطهير النجاسة بكل مائع طاهر ومن حجتهم حديث عائشة ما كان لإحدانا إلا ثوب واحد تحيض فيه فإذا أصابه شيء من دم الحيض قالت بريقها فمصعته بظفرها، ولأبي داود بلته بريقها وجه الحجة منه أنه لو كان الريق لا يطهر لزادت النجاسة.

وأجيب: باحتمال أن تكون قصدت بذلك تحليل أثره ثم غسلته بعد ذلك ذكره الحافظ.

والحديث أخرجه البخاري عن عبد الله بن يوسف، وأبو داود عن القعنبي كلاهما عن مالك به.
ومسلم حدثني أبو الطاهر أخبرني ابن وهب قال: أخبرني يحيى بن عبد الله بن سالم ومالك بن أنس وعمرو بن الحارث كلهم عن هشام به.
والبخاري ومسلم من طريق يحيى بن سعيد القطان عن هشام ومسلم أيضًا من طريق وكيع وعبد الله بن نمير عن هشام فقد تابع مالكًا عليه خمسة.