فهرس الكتاب

شرح الزرقاني - بَابُ الْعَمَلِ فِي السَّلَامِ

رقم الحديث 1752 وَحَدَّثَنِي عَنْ مَالِكٍ، عَنْ مُسْلِمِ بْنِ أَبِي مَرْيَمَ، عَنْ أَبِي صَالِحٍ السَّمَّانِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، أَنَّهُ قَالَ: تُعْرَضُ أَعْمَالُ النَّاسِ كُلَّ جُمُعَةٍ مَرَّتَيْنِ: يَوْمَ الْإِثْنَيْنِ وَيَوْمَ الْخَمِيسِ، فَيُغْفَرُ لِكُلِّ عَبْدٍ مُؤْمِنٍ، إِلَّا عَبْدًا كَانَتْ بَيْنَهُ وَبَيْنَ أَخِيهِ شَحْنَاءُ، فَيُقَالُ: اتْرُكُوا هَذَيْنِ حَتَّى يَفِيئَا، أَوِ ارْكُوا هَذَيْنِ حَتَّى يَفِيئَا.


( ما جاء في المهاجرة)

( مالك عن ابن شهاب عن عطاء بن يزيد) بتحتيتين بينهما زاي ( الليثي) المدني نزيل الشام الثقة المتوفى سنة خمس أو سبع ومائة وقد جاز الثمانين ( عن أبي أيوب) خالد بن زيد بن كليب ( الأنصاري) البدري من كبار الصحابة مات غازيًا بالروم سنة خمسين وقيل بعدها ( أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لا يحل لمسلم أن يهاجر) كذا ليحيى ولغيره أن يهجر ( أخاه) في الإسلام ( فوق ثلاث ليال) بأيامها وظاهره إباحة ذلك في الثلاث لأن البشر لا بد له من غضب وسوء خلق فسومح تلك المدة قاله عياض لأن الغالب أن ما جبل عليه الإنسان من الغضب وسوء الخلق يزول من المؤمن أو يقل بعد الثلاث وقيل يحتمل السكوت عن حكم الثلاث لتطلب واقتصر على ما وراءها وهذا على رأي من لا يقول بالمفهوم وفي قوله أخاه إشعار بالعلية ( يلتقيان فيعرض) عن أخيه المسلم ( ويعرض هذا) الآخر كذلك قال المازري أصله أن يولي كل واحد منهما الآخر عرضه أي جانبه انتهى وفي رواية فيصد هذا ويصد هذا وهما بمعنى ويعرض بضم التحتية فيهما والجملة استئنافية بيان لصفة الهجر ويجوز أن يكون حالاً من فاعل يهجر ومفعوله معًا ( وخيرهما) أي أفضلهما وأكثرهما ثوابًا ( الذي يبدأ) أخاه ( بالسلام) لأنه فعل حسنة وتسبب إلى فعل حسنة وهي الجواب مع ما دل عليه ابتداؤه من حسن طويته وترك ما كرهه الشرع من الهجر والجفاء وهذه الجملة عطف على الجملة السابقة من حيث المعنى لما يفهم منها أن ذلك الفعل ليس بخير وعلى أن الأولى حال فهذه الثانية عطف على لا يحل وزاد الطبراني من وجه آخر عن الزهري بعد قوله بالسلام يسبق إلى الجنة ولأبي داود بسند صحيح عن أبي هريرة فإن مرت به ثلاث فلقيه فليسلم عليه فإن رد فقد اشتركا في الأجر وإن لم يرد عليه فقد باء بالإثم وخرج المسلم من الهجرة قال ابن عبد البر هذا العموم مخصوص بحديث كعب بن مالك ورفيقه حيث أمر صلى الله عليه وسلم أصحابه بهجرهم قال وأجمع العلماء على أن من خاف من مكالمة أحد وصلته ما يفسد عليه دينه أو يدخل عليه مضرة في دنياه أنه يجوز له مجانبته وبعده ورب هجر جميل خير من مخاطبة مؤذية وقال النووي وردت الأحاديث بهجران أهل البدع والفسوق ومنابذي السنة وأنه يجوز هجرانهم دائمًا والنهي عن الهجران فوق ثلاث إنما هو لمن هجر لحظ نفسه ومعايش الدنيا وأما أهل البدع ونحوهم فهجرانهم دائم انتهى وما زالت الصحابة والتابعون فمن بعدهم يهجرون من خالف السنة أو من دخل عليه من كلامه مفسدة وأخذ بعضهم منه أن ابتداء السلام أفضل من رده وتعقب بأنه ليس فيه ذلك إنما فيه أن المبتدئ خير من المجيب من حيث أنه ابتدأ بترك ما كرهه الشرع من التقاطع لا من حيث أنه مسلم قال الباجي وعياض وغيرهما وفيه أن السلام يخرج من الهجران وهو قول مالك والأكثرين وقال أحمد وابن القاسم لا يبرأ من الهجرة إلا بعوده إلى الحال التي كان عليها أولاً وأخرجه البخاري عن عبد الله بن يوسف ومسلم عن يحيى كلاهما عن مالك به وتابعه يونس والزبيدي وسفيان وعبد الرزاق كلهم عن الزهري عند مسلم قائلاً بإسناد مالك ومثل حديثه إلا قوله فيعرض هذا ويعرض هذا فإنهم جميعًا قالوا فيصد هذا ويصد هذا ( مالك عن ابن شهاب عن أنس بن مالك) رضي الله عنه ( أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لا تباغضوا) بحذف إحدى التاءين فيه وفي تالييه أي لا تتعاطوا أسباب التباغض ولا تفعلوا الأهواء المضلة المقتضية للتباغض والتجانب لأن التباغض مفسد للدين ( ولا تحاسدوا) بأن يتمنى أحدكم زوال النعمة عن أخيه فإن سعى في ذلك كان باغيًا وإن لم يسع في ذلك ولا تسبب فيه فإن كان المانع عجزه بحيث لو تمكن فعل فإنه آثم وإن كان المانع التقوى فقد يعذر لأنه لا يملك دفع الخواطر النفسانية فيكفيه في مجاهدة نفسه عدم العمل والعزم عليه ولعبد الرزاق مرفوعًا ثلاث لا يسلم منها أحد الطيرة والظن والحسد قيل فما المخرج منهن يا رسول الله قال فإذا تطيرت فلا ترجع وإذا ظننت فلا تحقق وإذا حسدت فلا تبغ روى ابن عبد البر عن الحسن البصري ليس أحد من ولد آدم إلا وقد خلق معه الحسد فمن لم يجاوز ذلك إلى البغي والظلم لم يتبعه منه شيء وقد ذم الله قومًا على حسدهم آخرين فقال { { أَمْ يَحْسُدُونَ النَّاسَ عَلَى مَا آتَاهُمُ اللّهُ مِن فَضْلِهِ } } وقال { { وَلاَ تَتَمَنَّوْا مَا فَضَّلَ اللّهُ بِهِ بَعْضَكُمْ عَلَى بَعْض } } إلى قوله { { وَاسْأَلُوا اللّهَ مِن فَضْلِهِ } } وجاء مرفوعًا إن الحسد يأكل الحسنات كما تأكل النار الحطب وروى ابن أبي شيبة عن الزبير مرفوعًا دب إليكم داء الأمم قبلكم الحسد والبغضاء حالقتا الدين لا حالقتا الشعر وعنه أيضًا عن عمرو بن ميمون لما رفع الله موسى نجيًا رأى رجلاً متعلقًا بالعرش فقال يا رب من هذا قال هذا عبد من عبادي صالح إن شئت أخبرتك بعمله قال يا رب أخبرني قال كان لا يحسد الناس على ما آتاهم الله من فضله قال ابن عبد البر وهذا مخصوص بحديث ابن عمر عنه صلى الله عليه وسلم لا حسد إلا في اثنتين رجل آتاه الله القرآن فهو يقوم به آناء الليل وآناء النهار ورجل آتاه الله مالاً فهو ينفقه آناء الليل وآناء النهار وبحديث الصحيح عن ابن مسعود مرفوعًا لا حسد إلا في اثنتين رجل آتاه الله مالاً فسلطه على هلكته في الخير ورجل آتاه الله حكمة فهو يقضي بها ويعلمها انتهى على أن هذا إنما هو غبطة وهو أن يتمنى أن يكون له مثله من غير أن يتمنى زواله عنه ( ولا تدابروا) أي لا يعرض أحدكم بوجهه عن أخيه ويوله دبره استثقالاً وبغضًا له بل يقبل عليه ويبسط له وجهه ما استطاع ( وكونوا) يا ( عباد الله) فهو منادى بحذف الأداة ( إخوانًا) زاد في رواية قتادة عن أنس كما أمركم الله أي متآخين متوادين باكتساب ما تصيرون به كإخوان النسب في الشفقة والرحمة والمحبة والمواساة والنصيحة ( ولا يحل لمسلم أن يهاجر) قال أبو عمر كذا ليحيى وحده وسائر رواة الموطأ يقولون يهجر ( أخاه) في الإسلام ( فوق ثلاث ليال) بأيامها قال ابن العربي إنما جوز في الثلاث لأن المرء في ابتداء الغضب مغلوب فرخص له في ذلك حتى يسكن غضبه زاد عياض وقيل يحتمل السكوت عن حكمها ليطلب في الشرع واقتصر على ما وراءها وهذا على رأي من لا يقول بالمفهوم من الأصوليين قال الأبي والمراد بالأخوة إخوة الإسلام فمن لم يكن كذلك جاز هجره فوق الثلاث والمراد بالهجر فيما يقع بين الناس من عتب أو موجدة أي غضب أو تقصير في حقوق العشرة والصحبة دون ما كان في جانب الدين فإن هجرة أهل البدع دائمًا ما لم تظهر التوبة ومر له مزيد ( قال مالك لا أحسب التدابر) أي معناه في الحديث ( إلا الإعراض عن أخيك المسلم) وترك الكلام والسلام ونحوهما ( فتدبر عنه بوجهك) لأن من أبغضته أعرضت عنه ومن أعرضت عنه وليته دبرك وكذلك يصنع هو بك ومن أحببته أقبلت عليه وواجهته لتسره ويسرك فمعنى تدابروا وتقاطعوا وتباغضوا معنى متداخل متقارب كالمعنى الواحد في الندب إلى التآخي والتحابب فبذلك أمر صلى الله عليه وسلم وأمره للوجوب إلا لدليل يخرجه إلى الندب كذا قال أبو عمر وظاهره التنافي إلا أن يكون مراده بالأمر النهي أي أنه للتحريم فيجب تركه ثم بعد ذلك يستحب التآخي والتحابب قال وقد زاد سعيد بن أبي مريم عن مالك عقب قوله ولا تدابروا ولا تنافسوا قال حمزة الكناني لا أعلم أحدًا قالها غيره عن مالك في هذا الحديث وأخرجه البخاري عن عبد الله بن يوسف ومسلم عن يحيى عن مالك به وتابعه شعيب عند البخاري والزبيدي ويونس وابن عيينة وزاد ولا تقاطعوا ومعمر أربعتهم عند مسلم والخمسة عن ابن شهاب وله طرق في الصحيحين وغيرهما ( مالك عن أبي الزناد) عبد الله بن ذكوان ( عن الأعرج) عبد الرحمن بن هرمز ( عن أبي هريرة) عبد الرحمن بن صخر ( أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال إياكم) كلمة تحذير ( والظن) أي اجتنبوا ظن السوء بالمسلم فلا تتهموا أحدًا بالفاحشة ما لم يظهر عليه ما يقتضيها والظن تهمة تقع في القلب بلا دليل قال الغزالي وهو حرام كسوء القول لكن لست أعني به إلا عقد القلب وحكمه على غيره بالسوء أما الخواطر وحديث النفس فعفو بل الشك عفو أيضًا فالمنهي عنه الظن وهو عبارة عما تركن إليه النفس ويميل إليه القلب وسبب تحريمه أن أسرار القلوب لا يعلمها إلا علام الغيوب فليس لك أن تعتقد في غيرك سوءًا إلا إذا انكشف لك بعيان لا يحتمل التأويل فعند ذلك لا تعتقد إلا ما علمته وشاهدته فما لم تشاهده أو تسمعه ثم يوقع في قلبك فإن الشيطان يلقيه إليك فينبغي لك أن تكذبه فإنه أفسق الفساق انتهى وقال العارف زروق إنما ينشأ الظن الخبيث عن القلب الخبيث لا في جانب الحق ولا في جانب الخلق كما قيل

إذا ساء فعل المرء ساءت ظنونه
وصدق ما يعتاده من توهم

وعادى محبيه بقول عدوه
وأصبح في ليل من الشك مظلم

( فإن الظن) أقام المظهر مقام المضمر لزيادة تمكين المسند إليه في ذكر السامع حثا على الاجتناب ( أكذب الحديث) أي حديث النفس لأنه يكون بإلقاء الشيطان في نفس الإنسان واستشكل تسميته كذبًا بأن الكذب من صفات الأقوال وأجيب بأن المراد عدم مطابقة الواقع سواء كان قولاً أم لا ويحتمل أن المراد ما ينشأ عن الظن فوصف الظن به مجازًا قال الخطابي وغيره ليس المراد ترك العمل بالظن الذي تناط به الأحكام غالبًا بل المراد ترك تحقيق الظن الذي يضر بالمظنون به وكذا ما يقع في القلب بلا دليل وذلك أن أوائل الظنون إنما هي خواطر لا يمكن دفعها وما لا يقدر عليه لا يكلف به ويؤيده حديث تجاوز الله للأمة بما حدثت به أنفسها وقال القرطبي المراد بالظن هنا التهمة التي لا سبب لها كمن يتهم رجلاً بالفاحشة من غير أن يظهر له عليه ما يقتضيها ولذا عطف عليه قوله ولا تجسسوا وذلك أن الشخص يقع له خاطر التهمة فيريد أن يتحقق فيتجسس ويبحث ويستمع فينهى عن ذلك وهذا الحديث يوافق قوله تعالى { { اجتنبوا كثيرا من الظن } } الآية فدل سياقها على الأمر بصون عرض المسلم غاية الصيانة لتقدم النهي عن الخوض فيه بالظن فإن قال الظان أبحث لأتحقق قيل له ولا تجسسوا فإن قال تحققته من غير تجسيس قيل له ولا يغتب بعضكم بعضًا وقال القاضي عياض استدل بالحديث قوم على منع العمل في الأحكام بالاجتهاد والرأي وحمله المحققون على ظن مجرد عن الدليل ليس مبنيًا على أصل ولا تحقيق نظر وقال النووي ليس المراد في الحديث بالظن الاجتهاد المتعلق بالأحكام أصلا بل الاستدلال له بذلك ضعيف أو باطل وتعقب بأن ضعفه ظاهر وأما بطلانه فلا لأن اللفظ صالح لذلك ولا سيما إذا حمل على ما ذكره عياض وقد قربه في المفهم وقال الظن الشرعي الذي هو تغليب أحد الجانبين أو الذي هو بمعنى اليقين ليس مرادًا من الحديث ولا من الآية فلا يلتفت لمن استدل بذلك على إنكار الظن الشرعي ( ولا تحسسوا) بحاء مهملة ( ولا تجسسوا) بالجيم وروي بتقديمها على الحاء ابن عبد البر هما لفظتان معناهما واحد وهو البحث والتطلب لمعايب الناس ومساويهم إذا غابت واستترت لم يحل أن يسأل عنها ولا يكشف عن خبرها وأصل هذه اللفظة في اللغة من قولك حس الشيء أي أدركه بحسه وجسه من المحسة والمجسة وكذا قال إبراهيم الحربي هما بمعنى واحد قال ابن الأنباري ذكر الثاني للتوكيد كقولهم بعدًا وسحقًا وقال الخطابي أصل التي بالحاء من الحاسة إحدى الحواس الخمس وبالجيم من الجس بمعنى اختبار الشيء باليد وهي إحدى الحواس فيكون التي بالحاء أعم وقال غيره بالجيم البحث عن العورات وبالحاء استماع حديث القوم وقيل بالجيم البحث عن بواطن الأمور وأكثر ما يقال في الشر وبالحاء البحث عما يدرك بحاسة العين أو الأذن ورجح هذا القرطبي وقيل بالحاء تتبع الشخص لنفسه وبالجيم لغيره واختاره ثعلب وقال ابن العربي التجسس بالجيم تطلب أخبار الناس في الجملة وذلك لا يجوز إلا للإمام الذي رتب لمصالحهم وألقي إليه زمام حفظهم فأما عرض الناس فلا يجوز لهم ذلك إلا لغرض مصاهرة أو جوار أو رفاقة في سفر أو معاملة أو ما أشبه ذلك من أسباب الامتزاج وأما بالحاء فطلب الخبر الغائب للشخص وذلك لا يجوز للإمام ولا لسواه وفي الأحكام السلطانية للماوردي ليس للمحتسب أن يبحث عما لم يظهر من المحرمات ولو غلب على الظن استتار أهلها بها إلا إن تعين طريقًا إلى إنقاذ نفس من الهلاك مثلاً كإخبار ثقة بأن فلانًا خلا بشخص ليقتله ظلمًا أو امرأة ليزني بها فيشرع في هذه الصورة التجسس والبحث عن ذلك حذرًا من فوات استدراكه ( ولا تنافسوا) بحذف إحدى التاءين من المنافسة وهي الرغبة في الشيء قال القرطبي أي لا تتنافسوا حرصًا على الدنيا إنما التنافس في الخير قال تعالى { { وفي ذلك فليتنافس المتنافسون } } وكأن المنافسة هي الغبطة وأبعد من فسرها بالحسد لأنه عطفه عليها فقال ( ولا تحاسدوا) أي لا يتمنى أحدكم زوال النعمة عن غيره وقال ابن العربي التنافس هو التحاسد في الجملة إلا أنه يتميز عنه بأنه سببه وقال ابن عبد البر المراد التنافس في الدنيا ومعناه طلب الظهور فيها على الناس والتكبر عليهم ومنافستهم في رياستهم والبغي عليهم وحسدهم على ما آتاهم الله منها وأما التنافس والحسد على الخير وطرق البر فليس من هذا في شيء ( ولا تباغضوا) أي لا تتعاطوا أسباب البغض لأن البغض لا يكتسب ابتداء وقيل المراد النهي عن الأهواء المضلة المقتضية للتباغض قال الحافظ بل هو أعم من الأهواء لأن تعاطي الأهواء ضرب من ذلك وحقيقة التباغض أن يقع بين اثنين وقد يطلق إذا كان من أحدهما والمذموم منه ما كان في غير الله أما في الله فواجب يثاب فاعله لتعظيم حق الله ولو كانا أو أحدهما من أهل السلامة كمن يؤديه اجتهاده إلى اعتقاد ينافي الآخر فيبغضه على ذلك وهو معذور عند الله ( ولا تدابروا) قال الخطابي لا تتهاجروا فيهجر أحدكم أخاه مأخوذ من تولية الرجل الآخر دبره إذا أعرض عنه حين يراه قال ابن عبد البر إنما قيل للإعراض مدابرة لأن من أبغض أعرض ومن أعرض ولى دبره والمحب بالعكس وقيل معناه لا يستأثر أحدكم على الآخر وقيل للمستأثر مستدبر لأنه يولي دبره حتى يستأثر بشيء دون الآخر وقال المازري معنى التدابر المعاداة تقول دابرته أي عاديته وقيل معناه لا تتخاذلوا بل تعاونوا على البر والتقوى قال القرطبي وغيره هذه أمور غير مكتسبة فلا يصح التكليف بها فيصرف النهي إلى أسبابها أي لا تفعلوا ما يوجب ذلك ( وكونوا عباد الله إخوانًا) قال القرطبي اكتسبوا ما تصيرون به كإخوان النسب في الشفقة والرحمة والمحبة والمواساة والمعاونة والنصيحة ولعل قوله في رواية مسلم كما أمركم الله هذه الأوامر المقدم ذكرها فإنها جامعة لمعاني الأخوة ونسبها إلى الله لأن الرسول مبلغ عنه قال الطيبي يجوز أن إخوانًا خبر بعد خبر وأنه بدل وأنه الخبر وعباد الله منصوب على الاختصاص وهذا الوجه أوقع يعني أنتم مستوون في كونكم عبيد الله وملتكم واحدة والتباغض وما معه مناف لذلك والواجب أن تكونوا إخوانًا متواصلين متآلفين وقال الزركشي انتصب عباد الله على النداء أو حذف حرفه وإخوانًا خبر ويجوز أنهما خبران ويجوز أن الخبر عباد الله وإخوانًا حال وهذا الحديث رواه البخاري عن عبد الله بن يوسف ومسلم عن يحيى كلاهما عن مالك به لا أنه وقع في رواية عبد الله ولا تناجشوا بدل قوله ولا تنافسوا وكذا وقع في بعض طرق الحديث من وجه آخر قال عياض النجش المنهي عنه في البيع أن يزيد في السلعة من لا يريد شراءها وليس المراد هنا وإنما المراد النهي عن ذم بعضهم بعضًا وقيل النجش التنفير نجش الصيد نفره والنجش أيضًا الإطراء فمعنى لا تناجشوا لا ينافر بعضكم بعضًا أي لا يعامله من القول بما ينفره كما ينفر الصيد بل يسكنه ويؤنسه ويرجع إلى معنى لا تقاطعوا ولا تدابروا ولكن في رواية ولا يبع بعضكم على بيع بعض وهذا يوافق معنى المناجشة في البيع ويكون من الزيادة أو من التنفير عن سلعة غيره بإطراء سلعته وقال القرطبي جعله من النجش في البيع بعيد لأن تناجشوا تفاعلوا وأصله أن يكون بين اثنين والنجش في البيع من واحد فافترقا ( مالك عن عطاء بن أبي مسلم عبد الله) وقيل ميسرة ( الخراساني)ابن عثمان صدوق لكنه يهم ويرسل ويدلس مات سنة خمس وثلاثين ومائة روى له مسلم وأصحاب السنن وحسبك برواية مالك عنه ( قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم تصافحوا)مفاعلة من الصفح والمراد بها هنا الإفضاء بصفحة اليد إلى صفحة اليد قاله الحافظ وقال الجوهري المصافحة الأخذ باليد وفي المشارق المصافحة بالأيدي عند السلام واللقاء وهي ضرب بعضها ببعض ( بذهب) بكسر الباء مجزوم في جواب الأمر حرك بالكسر لالتقاء الساكنين وبالرفع أي فبه يذهب ( الغل) بكسر الغين المعجمة أي الحقد والضغانة قال المنذري رواه مالك هكذا معضلاً وقد أسند من طرق فيها مقال يشير إلى ما أخرجه ابن عدي عن ابن عمر أن النبي صلى الله عليه وسلم قال تصافحوا يذهب الغل من قلوبكم وإلى ما أخرجه ابن عساكر عن أبي هريرة مرفوعًا تهادوا تحابوا وتصافحوا يذهب الغل عنكم فقول السيوطي في المصافحة أحاديث موصولة بغير هذا اللفظ عجيب مع أنه نفسه ذكره في جامعه وقال ابن المبارك حديث مالك جيد وقال ابن عبد البر هذا يتصل من وجوه شتى حسان كلها ثم ذكر بأسانيده جملة منها في المصافحة بغير هذا اللفظ فكأن السيوطي اغتر به وغفل عما في جامعه والكمال لله قال أبو عمر روى ابن وهب وغيره عن مالك كراهة المصافحة والمعانقة وبه قال سحنون وغيره وروي عن مالك خلافه وهو الذي يدل عليه معنى ما في الموطأ وعلى جوازه جماعة العلماء سلفًا وخلفًا وفيه آثار حسان وتهادوا بفتح الدال وإسكان الواو تحابوا قال الحافظ تبعًا للحاكم إن كان بالتشديد فمن المحبة وإن كان بالتخفيف فمن المحاباة وذلك لأن الهدية خلق من أخلاق الإسلام دلت عليه الأنبياء عليهم الصلاة والسلام وحث عليه خلفاؤهم الأولياء تؤلف القلوب وتنفي سخائم الصدور وقبول الهدية سنة لكن الأولى ترك ما فيه منة وأخرج البخاري في الأدب المفرد وأبو يعلى والنسائي في الكنى وابن عبد البر في التمهيد بإسناد حسن عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم تهادوا ( تحابوا وتذهب الشحناء)بشين معجمة مفتوحة وحاء مهملة ساكنة ونون والمد العداوة لأن الهدية جالبة للرضا والمودة فتذهب العداوة ولأحمد والترمذي عن أبي هريرة مرفوعًا تهادوا فإن الهدية تذهب وحر الصدر بواو فمهملة مفتوحتين فراء أي غله وغشه وحقده وللبيهقي عن أنس وابن عبد البر عن أم سلمة تهادوا فإن الهدية تذهب بالسخيمة قال يونس بن زيد هي الغل وعن معاوية بن الحكم سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول تهادوا فإنه يضعف الود ويذهب بغوائل الصدور أخرجه الدارقطني من طريق محمد بن عبد الرحمن بن بحر عن أبيه عن مالك عن الزهري عن أبي سلمة عن معاوية به وقال تفرد به محمد عن أبيه ولم يكن بالرضا ولا يصح عن مالك ولا عن الزهري انتهى لكن له شاهد عنه الطبراني في الكبير عن أم حكيم بنت وداع الخزاعية مرفوعًا بلفظ فإن الهدية تضعف الحب والباقي سواء وتضعف بالتثقيل أي تزيده ولقد أحسن القائل

هدايا الناس بعضهم لبعض
تولد في قلوبهم الوصالا

وتزرع في الضمير هوى وودا
وتكسوهم إذا حضروا جمالا

وقال آخر:

إن الهدايا لها حظ إذا وردت
أحظى من الابن عند الوالد الحدب

وأخرج ابن عبد البر من طريق أبي مصعب عن مالك عن جعفر بن محمد عن أبيه عن جده قال اجتمع علي وأبو بكر وعمر وأبو عبيدة فتماروا في أشياء فقال علي انطلقوا بنا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم نسأله فلما وقفوا عليه قالوا يا رسول الله جئنا نسألك قال إن شئتم سلوني وإن شئتم أخبرتكم بما جئتم له قالوا أخبرنا قال جئتم تسألوني عن الصنيعة لمن تكون ولا ينبغي أن تكون إلا لذي حسب أو دين وجئتم تسألوني عن الرزق يجلبه الله على العبد فاستنزلوه بالصدقة وجئتم تسألوني عن جهاد الضعيف وجهاد الضعيف الحج والعمرة وجئتم تسألوني عن جهاد المرأة وجهاد المرأة حسن التبعل لزوجها وجئتم تسألوني عن الرزق من أين يأتي وكيف يأتي أبى الله أن يرزق عبده المؤمن إلا من حيث لا يحتسب قال أبو عمر حديث حسن لكنه منكر عن مالك عندهم ولا يصح عنه ولا له أصل في حديثه انتهى ولعل مراده أن متنه حسن وإن كان سنده المذكور لا يصح عن مالك وإلا فالجمع بين حسن وبين منكر لا يصح تناف أو مراده حسن اللفظ وهو بعيد

( مالك عن سهيل) بضم السين مصغر ( ابن أبي صالح عن أبيه) ذكوان السمان ( عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال تفتح أبواب الجنة) يحتمل حقيقة لأن الجنة مغلوقة وفتح أبوابها ممكن ويكون دليلاً على المغفرة ويحتمل أنه كناية عن مغفرة الذنوب العظيمة وكتب الدرجات الرفيعة قاله الباجي وقال القرطبي الفتح حقيقة ولا ضرورة تدعو إلى التأويل ويكون فتحها تأهبًا من الخزنة لمن يموت يومئذ ممن غفر له أو يكون علامة للملائكة على أن الله تعالى يغفر في ذينك اليومين ( يوم الإثنين ويوم الخميس) فيه فضلهما على غيرهما من الأيام وكان صلى الله عليه وسلم يصومهما ويندب أمته إلى صيامهما وكان يتحراهما بالصيام وأظن هذا الخبر إنما توجه إلى طائفة كانت تصومهما تأكيدًا على لزوم ذلك كذا قال أبو عمر وقد روى أبو داود وغيره عن أسامة قال كان صلى الله عليه وسلم يصوم يوم الإثنين والخميس فسئل عن ذلك فقال إن أعمال العباد تعرض يوم الإثنين والخميس ( فيغفر) فيهما ( لكل عبد مسلم لا يشرك بالله شيئًا) ذنوبه الصغائر بغير وسيلة طاعة قال القرطبي لحديث الصلوات الخمس والجمعة إلى الجمعة ورمضان إلى رمضان مكفرات ما بينهما ما اجتنبت الكبائر ( إلا رجلاً) بالنصب لأنه استثناء من كلام موجب وهو الرواية الصحيحة وروي بالرفع قاله التوربشتي قال الطيبي وعلى الرفع الكلام محمول على المعنى أي لا يبقى ذنب أحد إلا ذنب رجل وهو وصف طردي والمراد إنسان ( كانت بينه وبين أخيه شحناء) بفتح المعجمة والمد أي عداوة ( فيقال أنظروا) بفتح الهمزة وسكون النون وكسر الظاء المعجمة قال البيضاوي يعني يقول الله للملائكة النازلة بهدايا المغفرة أخروا وأمهلوا ( هذين) أتى باسم الإشارة بدل الضمير لمزيد التنفير والتعبير يعني لا تعطوا منها أنصباء رجلين بينهما عداوة ( حتى) ترتفع و ( يصطلحا) ولو بمراسلة عند البعد وقال الطيبي لا بد هنا من تقدير من يخاطب بقوله أنظروا كأنه تعالى لما غفر للناس سواهما قيل ( أنظروا هذين حتى يصطلحا) وكرر للتأكيد وقال القرطبي المقصود من الحديث التحذير من الإصرار على العداوة وإدامة الهجر قال ابن رسلان ويظهر أنه لو صالح أحدهما الآخر فلم يقبل غفر للمصالح قال أبو داود إذا كان الهجر لله فليس من هذا فإن النبي صلى الله عليه وسلم هجر بعض نسائه أربعين يومًا وابن عمر هجر ابنا له حتى مات قال ابن عبد البر فيه أن الشحناء من الذنوب العظام وإن لم تذكر في الكبائر ألا ترى أنه استثنى غفرانها وخصها بذلك وأن ذنوب العباد إذا وقع بينهم المغفرة والتجاوز سقطت المطالبة بها من الله لقوله حتى يصطلحا فإذا اصطلحا غفر لهما ذلك وغيره من صغائر ذنوبهما انتهى وأخرجه مسلم عن قتيبة بن سعيد عن مالك به وتابعه عبد العزيز الدراوردي عن سهيل لكن قال إلا المتهاجرين بالتثنية أو الجمع كما في مسلم أيضًا وأخرجه أبو داود والترمذي والنسائي من طريق مالك وغيره ولم يخرجه البخاري ووهم من عزاه له ( مالك عن مسلم بن أبي مريم) واسمه يسار المدني مولى الأنصار تابعي صغير ثقة ( عن أبي صالح) ذكوان ( السمان) بائع السمن ( عن أبي هريرة أنه قال) قال ابن عبد البر كذا وقفه يحيى وجمهور الرواة ومثله لا يقال بالرأي فهو توقيف بلا شك وقد رواه ابن وهب عن مالك وهو أجل أصحابه فصرح برفعه فقال عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال ( تعرض أعمال الناس) الظاهر أنه أريد المكلفين منهم بقرينة ترتيبه المغفرة على العرض وغير المكلف لا ذنب له يغفر ( كل جمعة مرتين)قال البيضاوي أراد بالجمعة الأسبوع فعبر عن الشيء بآخره وما يتم به ويوجد عنده والمعروض عليه هو الله تعالى أو ملك يوكله الله على جميع صحف الأعمال وضبطها انتهى وصرح في رواية الطبراني من حديث أسامة بأن العرض على الله وليس المراد بالجمعة يومها لمنافاته لقوله ( يوم الإثنين ويوم الخميس) وقال النووي هذا العرض قد يكون بنقل الأعمال من صحائف الحفظة إلى محل آخر ولعله اللوح المحفوظ كما قال تعالى { { إنا كنا نستنسخ ما كنتم تعملون } } قال الحسن الخزنة تستنسخ من الحفظة وقد يكون العرض في هذين اليومين ليباهي سبحانه بصالح أعمال بني آدم الملائكة كما يباهيهم بأهل عرفة وقد يكون لتعلم الملائكة المقبول من الأعمال من المردود كما جاء إن الملائكة تصعد بصحائف الأعمال لتعرضها على الله فيقول ضعوا هذا واقبلوا هذا فتقول الملائكة وعزتك ما علمنا إلا خيرًا فيقول إنه كان لغيري ولا أقبل من العمل إلا ما ابتغي به وجهي ( فيغفر لكل عبد مؤمن) ذنوبه المعروضة عليه ( إلا عبدًا) بالنصب لأنه استثناء من كلام موجب وفي رواية عبد بالرفع وتقديره فلا يحرم أحد من الغفران إلا عبد ومنه فشربوا منه إلا قليل بالرفع قاله الطيبي ( كانت بينه وبين أخيه شحناء فيقال اتركوا هذين حتى يفيئا) بفتح الياء وكسر الفاء أي يرجعا عما هما عليه من التقاطع والتباغض إلى الصلح وأتى باسم الإشارة بدل الضمير لمزيد التعيير والتنفير ( أو) قال ( أركوا) بفتح الهمزة وسكون الراء وضم الكاف أي أخروا ( هذين حتى يفيئا) شك الراوي يقال أركيت الشيء أخرته ولا يعارض هذا الحديث ما صح مرفوعًا إن الله تعالى يرفع إليه عمل الليل قبل عمل النهار وعمل النهار قبل عمل الليل قال الولي العراقي لاحتمال عرض الأعمال عليه تعالى كل يوم ثم تعرض عليه كل اثنين وخميس ثم تعرض عليه أعمال السنة في شعبان فتعرض عرضًا بعد عرض ولكل عرض حكمة يستأثر بها مع أنه لا تخفى عليه من أعمالهم خافية أو يطلع عليها من شاء من خلقه ويحتمل أنها تعرض في اليوم تفصيلاً وفي الجمعة إجمالاً أو عكسه انتهى وهذا الحديث رواه مسلم حدثنا أبو الطاهر وعمرو بن سوار قالا أخبرنا ابن وهب قال أنبأنا مالك فذكره مرفوعًا به وتابعه سفيان عن مسلم بن أبي مريم مرفوعًا نحوه عند مسلم أيضًا ولم يخرجه البخاري.



رقم الحديث 1752 حَدَّثَنِي عَنْ مَالِكٍ، عَنْ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: يُسَلِّمُ الرَّاكِبُ عَلَى الْمَاشِي، وَإِذَا سَلَّمَ مِنَ الْقَوْمِ وَاحِدٌ أَجْزَأَ عَنْهُمْ.


( العمل في السلام)

( مالك عن زيد بن أسلم) مرسل باتفاق الرواة ( أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال يسلم) أي ليسلم ( الراكب على الماشي) أي يبدؤه بالسلام لئلا يتكبر بركوبه فيرجع إلى التواضع قاله ابن بطال وقال المازري لأن للراكب مزية على الماشي فعوض أن يبدأه الراكب احتفاظًا عليه من الزهو وقال الطيبي لأن وضع السلام إنما هو لحكمة إزالة الخوف من الملتقيين إذا التقيا أو من أحدهما أو لمعنى التواضع المناسب لحال المؤمن أو للتعظيم لأن السلام إنما يقصد به أحد أمرين إما اكتساب ود أو استدفاع مكروه وهذا موصول في الصحيحين من طريق عن أبي هريرة مرفوعًا بزيادة والماشي على القاعد والقليل على الكثير والصغير على الكبير ( وإذا سلم من القوم) الراكبين أو الماشين أو القليلين أو الصغار ( واحد) منهم ( أجزأ عنهم) في تحصيل السنة فهو أصل للإجماع على أن الابتداء بالسلام سنة كفاية إذا سلم واحد كفى وقال ابن عبد البر المراد بالسلام هنا الرد لأن الراد مسلم أيضًا لأنه إنما يقال أجزأ فيما وجب والابتداء بالسلام سنة والرد واجب اتفاقًا فيهما فبطل تأويل الطحاوي الحديث على أن معناه ابتدأ السلام نصرة لمذهبه أن رده فرض عين وقد روى أبو داود وغيره بإسناد حسن عن علي مرفوعًا يجزئ من الجماعة إذا مرت أن يسلم أحدهم ويجزئ عن القعود أن يرد أحدهم فسوى بين الابتداء والرد أنهما على الكفاية وهو نص في موضع النزاع لا معارض له ومذهب مالك والشافعي وأصحابهما وأهل المدينة أن الرد فرض كفاية وشبهه الشافعي بصلاة الجماعة والتفقه في الدين والجهاد وتجهيز الميت ومعنى إجزائه في الابتداء في تحصيل السنة للإجماع على أن الابتداء به سنة انتهى ملخصًا والمتبادر من حديث زيد بن أسلم ما فهمه الطحاوي لكن يحمل قوله أجزأ أي في السنة كما اعترف به أبو عمر آخرًا ولكن لا دليل فيه أن الرد فرض عين وقد جاء في حديث علي أنه فرض كفاية فوجب المصير إليه والله أعلم ( مالك عن وهب بن كيسان) القرشي مولاهم المدني ( عن محمد بن عمرو بن عطاء) القرشي القارئ المدني من ثقات التابعين ووهم من قال تكلم فيه القطان ( أنه قال كنت جالسًا عند عبد الله بن عباس فدخل عليه رجل من أهل اليمن فقال السلام عليكم ورحمة الله وبركاته ثم زاد مع ذلك شيئًا) لم يبينه ( قال ابن عباس وهو يومئذ قد ذهب بصره من هذا) الذي زاد على التحية الشرعية ( قالوا هذا اليماني الذي يغشاك فعرفوه إياه قال) محمد ( فقال ابن عباس إن السلام انتهى إلى البركة) أي قوله وبركاته فلا تزد عليه شيئًا ابتداعًا ( سئل مالك هل يسلم) بالبناء للمفعول أي الرجل ( على المرأة) الأجنبية ( فقال أما المتجالة) بالجيم العجوز التي انقطع أرب الرجال منها ( فلا أكره ذلك وأما الشابة فلا أحب ذلك) خوف الفتنة بسماع ردها للسلام.



رقم الحديث 1753 وَحَدَّثَنِي عَنْ مَالِكٍ، عَنْ وَهْبِ بْنِ كَيْسَانَ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَمْرِو بْنِ عَطَاءٍ، أَنَّهُ قَالَ: كُنْتُ جَالِسًا عِنْدَ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبَّاسٍ فَدَخَلَ عَلَيْهِ رَجُلٌ مِنْ أَهْلِ الْيَمَنِ فَقَالَ: السَّلَامُ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَةُ اللَّهِ وَبَرَكَاتُهُ، ثُمَّ زَادَ شَيْئًا مَعَ ذَلِكَ أَيْضًا، قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ، وَهُوَ يَوْمَئِذٍ قَدْ ذَهَبَ بَصَرُهُ، مَنْ هَذَا؟ قَالُوا: هَذَا الْيَمَانِي الَّذِي يَغْشَاكَ فَعَرَّفُوهُ إِيَّاهُ، قَالَ: فَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: إِنَّ السَّلَامَ انْتَهَى إِلَى الْبَرَكَةِ قَالَ يَحْيَى: سُئِلَ مَالِكٌ، هَلْ يُسَلَّمُ عَلَى الْمَرْأَةِ؟ فَقَالَ: أَمَّا الْمُتَجَالَّةُ فَلَا أَكْرَهُ ذَلِكَ،.
وَأَمَّا الشَّابَّةُ فَلَا أُحِبُّ ذَلِكَ.


( العمل في السلام)

( مالك عن زيد بن أسلم) مرسل باتفاق الرواة ( أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال يسلم) أي ليسلم ( الراكب على الماشي) أي يبدؤه بالسلام لئلا يتكبر بركوبه فيرجع إلى التواضع قاله ابن بطال وقال المازري لأن للراكب مزية على الماشي فعوض أن يبدأه الراكب احتفاظًا عليه من الزهو وقال الطيبي لأن وضع السلام إنما هو لحكمة إزالة الخوف من الملتقيين إذا التقيا أو من أحدهما أو لمعنى التواضع المناسب لحال المؤمن أو للتعظيم لأن السلام إنما يقصد به أحد أمرين إما اكتساب ود أو استدفاع مكروه وهذا موصول في الصحيحين من طريق عن أبي هريرة مرفوعًا بزيادة والماشي على القاعد والقليل على الكثير والصغير على الكبير ( وإذا سلم من القوم) الراكبين أو الماشين أو القليلين أو الصغار ( واحد) منهم ( أجزأ عنهم) في تحصيل السنة فهو أصل للإجماع على أن الابتداء بالسلام سنة كفاية إذا سلم واحد كفى وقال ابن عبد البر المراد بالسلام هنا الرد لأن الراد مسلم أيضًا لأنه إنما يقال أجزأ فيما وجب والابتداء بالسلام سنة والرد واجب اتفاقًا فيهما فبطل تأويل الطحاوي الحديث على أن معناه ابتدأ السلام نصرة لمذهبه أن رده فرض عين وقد روى أبو داود وغيره بإسناد حسن عن علي مرفوعًا يجزئ من الجماعة إذا مرت أن يسلم أحدهم ويجزئ عن القعود أن يرد أحدهم فسوى بين الابتداء والرد أنهما على الكفاية وهو نص في موضع النزاع لا معارض له ومذهب مالك والشافعي وأصحابهما وأهل المدينة أن الرد فرض كفاية وشبهه الشافعي بصلاة الجماعة والتفقه في الدين والجهاد وتجهيز الميت ومعنى إجزائه في الابتداء في تحصيل السنة للإجماع على أن الابتداء به سنة انتهى ملخصًا والمتبادر من حديث زيد بن أسلم ما فهمه الطحاوي لكن يحمل قوله أجزأ أي في السنة كما اعترف به أبو عمر آخرًا ولكن لا دليل فيه أن الرد فرض عين وقد جاء في حديث علي أنه فرض كفاية فوجب المصير إليه والله أعلم ( مالك عن وهب بن كيسان) القرشي مولاهم المدني ( عن محمد بن عمرو بن عطاء) القرشي القارئ المدني من ثقات التابعين ووهم من قال تكلم فيه القطان ( أنه قال كنت جالسًا عند عبد الله بن عباس فدخل عليه رجل من أهل اليمن فقال السلام عليكم ورحمة الله وبركاته ثم زاد مع ذلك شيئًا) لم يبينه ( قال ابن عباس وهو يومئذ قد ذهب بصره من هذا) الذي زاد على التحية الشرعية ( قالوا هذا اليماني الذي يغشاك فعرفوه إياه قال) محمد ( فقال ابن عباس إن السلام انتهى إلى البركة) أي قوله وبركاته فلا تزد عليه شيئًا ابتداعًا ( سئل مالك هل يسلم) بالبناء للمفعول أي الرجل ( على المرأة) الأجنبية ( فقال أما المتجالة) بالجيم العجوز التي انقطع أرب الرجال منها ( فلا أكره ذلك وأما الشابة فلا أحب ذلك) خوف الفتنة بسماع ردها للسلام.