فهرس الكتاب

شرح الزرقاني - بَابُ مَا جَاءَ فِي الْمُزَابَنَةِ وَالْمُحَاقَلَةِ

رقم الحديث 1321 حَدَّثَنِي يَحْيَى، عَنْ مَالِكٍ عَنْ نَافِعٍ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: نَهَى عَنِ الْمُزَابَنَةِ، وَالْمُزَابَنَةُ: بَيْعُ الثَّمَرِ بِالتَّمْرِ كَيْلًا، وَبَيْعُ الْكَرْمِ بِالزَّبِيبِ كَيْلًا.


( مالك عن نافع عن عبد الله بن عمر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى عن المزابنة) بضم الميم وفتح الزاي والموحدة، قال القزاز أصله أن المغبون يريد فسخ البيع والغابن لا يريد فسخه فيتزابنان عليه أن يتدافعان زاد ابن بكير وحده والمحاقلة ( والمزابنة بيع الثمر) بفتح المثلثة والميم، الرطب على النخل ولابن بكير بيع الرطب ( بالتمر) بالفوقية وسكون الميم، اليابس ( كيلاً) نصب على التمييز، أي من حيث الكيل وليس قيدًا في هذه الصورة بل جرى على ما كان من عادتهم فلا مفهوم له أو له مفهوم ولكنه مفهوم موافقة لأن المسكوت عنه أولى بالمنع من المنطوق ( وبيع الكرم) بفتح الكاف وسكون الراء، شجر العنب والمراد العنب نفسه.
وفي مسلم من رواية عبيد الله عن نافع وبيع العنب ( بالزبيب كيلاً) ووقع في رواية إسماعيل عن مالك وبيع الزبيب بالكرم كيلاً من باب القلب، فالأصل إدخال الياء على الزبيب كما رواه الجمهور زاد في رواية أيوب عن نافع إن زاد فلي وإن نقص فعلي.
قال ابن عبد البر: هذا التفسير إما مرفوع أو من قول الصحابي الراوي فيسلم له لأنه أعلم به وفيه جواز تسمية العنب كرمًا وحديث النهي عن تسميته به للتنزيه وعبر به هنا لبيان الجواز قيل وهذا على أن التفسير مرفوع أما على أنه من قول الصحابي فلا، وأخرجه البخاري عن إسماعيل وعبد الله بن يوسف ومسلم عن يحيى ثلاثتهم عن مالك به وتابعه أيوب عند الشيخين وعبيد الله والليث ويونس والضحاك وموسى بن عقبة كلهم عن نافع عند مسلم نحوه.

( مالك عن داود بن الحصين عن أبي سفيان) وهب، أو قزمان بضم القاف وسكون الزاي ( مولى) عبد الله ( ابن أبي أحمد) عبد بن جحش الأسدي ( عن أبي سعيد الخدري أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى عن بيع المزابنة والمحاقلة) بضم الميم فحاء مهملة فألف فقاف، مأخوذ من الحقل وهو الحرث وموضع الزرع ( والمزابنة اشتراء الثمر) بالمثلثة ( بالتمر) بالفوقية ( في رؤوس النخل) زاد ابن مهدي عن مالك عند الإسماعيلي كيلاً وهو موافق لحديث ابن عمر فوقه ومر أنه ليس بقيد ( والمحاقلة كراء الأرض بالحنطة) وما في معناها من جميع الطعام على اختلاف أنواعه وتفسيرها بذلك يجيء على أن الحقل الأرض التي تزرع كخبر ما تصنعون بمحاقلكم أي بمزارعكم ومنه المثل لا تنبت البقلة إلا الحقلة، وهذا التفسير إما مرفوع أو من قول أبي سعيد فيسلم له لأنه أعلم به ورواه البخاري عن عبد الله بن يوسف ومسلم من طريق ابن وهب كلاهما عن مالك به.

( مالك عن ابن شهاب عن سعيد بن المسيب أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى عن المزابنة والمحاقلة والمزابنة اشتراء الثمر) بمثلثة وفتح الميم ( بالتمر) بالفوقية وسكون الميم فهي في النخل ( والمحاقلة اشتراء الزرع بالحنطة) أي القمح وبه عبر في رواية عقيل عن الزهري عند مسلم ( واستكراء الأرض بالحنطة) أي القمح، وبه عبر في مسلم وهو عنده مرسل أيضًا من رواية عقيل فهو متابع لمالك.
قال ابن عبد البر: هذا الحديث مرسل في الموطأ عند جميع الرواة.
وكذا رواه أصحاب ابن شهاب عنه.
وقد روى النهي عنهما جماعة منهم جابر وابن عمر وأبو هريرة ورافع بن خديج وكلهم سمع منه ابن المسيب.
وقد رواه ابن أبي شيبة عن أبي الأحوص عن طارق عن سعيد بن المسيب عن رافع بن خديج قال: نهى صلى الله عليه وسلم عن المحاقلة والمزابنة.
وقال: إنما يزرع ثلاثة: رجل له أرض فهو يزرعها، ورجل منح أرضًا فهو يزرعها ما منح، ورجل استكرى أرضًا بذهب أو فضة اهـ.
وأخرجه الخطيب عن أحمد بن أبي طيبة عيسى بن دينار الجرجاني عن مالك عن الزهري عن ابن المسيب عن أبي هريرة موصولاً والجرجاني وإن كان صدوقًا لكن له إفراد ( قال ابن شهاب: فسألت سعيد بن المسيب عن استكراء الأرض بالذهب والورق) الفضة ( فقال: لا بأس بذلك) أي يجوز وعليه نص الحديث كما رأيت.

( قال مالك: نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن المزابنة) في الأحاديث المذكورة قال عياض ما فسر به الحديث المزابنة هو أحد أنواعها وفسرها الموطأ بما هو أوسع فقال: ( وتفسير المزابنة أن كل شيء من الجزاف الذي لا يعلم كيله ولا وزنه ولا عدده) إشارة إلى أن قوله في الحديث كيلاً خرج على الغالب أو مفهوم موافقة وأنها ليست مقصورة على النخل ( ابتيع بشيء مسمى من الكيل أو الوزن أو العدد) فحاصله ما قاله المازري أنها بيع مجهول بمجهول من جنسه وبيع معلوم بمجهول من جنسه فيشمل تفسير الحديث فإن كان الجنس ربويًا حرم البيع للربا والمزابنة أما الربا فلعدم تحقق المساواة والشك في الربا كتحققه.
وأما المزابنة فلوجود معناها لأن كلاً من المتبايعين يدفع الآخر ولذا شرط اتحاد الجنس لأن به ينصرف الغرض إلى القلة والكثرة فكل واحد يقول ما أخذت أكثر وقد غبنت صاحبي وإن كان الجنس غير ربوي حرم البيع للمزابنة فقط لكن إن تحقق الفضل فيما ليس بربوي جاز ويقدر أن المغبون وهب الفضل لظهوره له.
وتعقب أبو عبد الله الأبي قول عياض تفسير الحديث أحد أنواع المزابنة بأنه إن عنى أنه لا يتناول إلا بيع المعلوم بالمجهول لقوله كيلاً رد بأنه يتناول بيع المجهول بالمجهول بقياس الأولى وإن عنى أنه لا يتناول إلا الربوي فإنما ذلك من حيث اللفظ.
وأما من حيث المعنى فيتناول غيره لتقرر معنى المزابنة فيه بالمعنى الذي قرره المازري في الوجه الثاني المتقدم فتفسير العلماء المزابنة ليس بأعم من تفسير الحديث بل هو مساوٍ له، وهو إما مرفوع فلا معدل عنه أو من الراوي وله مزية وبسط الإمام هذا فقال: ( وذلك أن يقول الرجل للرجل يكون له الطعام المصبر) بشد الموحدة، المجموع بعضه فوق بعض ( الذي لا يعلم كيله من الحنطة أو التمر أو ما أشبه ذلك من الأطعمة أو يكون للرجل السلعة من الخبط) بفتح المعجمة والموحدة، ما يسقط من ورق الشجر ( أو النوى) للبلح ( أو القضب أو العصفر) نبت معروف ( أو الكرسف) بالضم، القطن ( أو الكتان) بفتح الكاف، معروف وله بزر يعتصر ويستصبح به قال ابن دريد: الكتان عربي سمي بذلك لأنه يكتن أي يسود إذا ألقي بعضه على بعض ( أو القز) بفتح القاف وبالزاي معرب.
قال الليث: هو ما يعمل منه الإبريسم ولذا قال بعضهم: القز والإبريسم مثل الحنطة والدقيق ( أو ما أشبه ذلك من السلع لا يعلم كيل شيء من ذلك ولا وزنه ولا عدده فيقول الرجل لرب تلك السلعة كل) بكسر الكاف ( سلعتك هذه) بنفسك ( أو مر من يكيلها أو زن من ذلك ما يوزن أو عد منها ما كان يعد فما نقص من كذا وكذا صاعًا لتسمية يسميها أو وزن كذا وكذا رطلاً أو عدد كذا وكذا فما نقص من ذلك فعلي غرمه) بضم فسكون، أي دفعه ( لك حتى أوفيك تلك التسمية فما زاد على تلك التسمية فهو لي أضمن ما نقص من ذلك على أن يكون لي ما زاد فليس ذلك بيعًا) شرعيًا جائزًا ( ولكنه المخاطرة) المستفادة من لفظ المزابنة قال ابن حبيب: الزبن الخطر وقيل الدفع كأنه دفع عن البيع الشرعي وعن معرفة التساوي ( والغرر) مساوٍ لما قبله فهو لغة الخطر ( والقمار) بكسر القاف، المغالبة مبتدأ خبره ( يدخل هذا لأنه لم يشتر منه شيئًا بشيء أخرجه ولكنه ضمن له ما سمي من ذلك الكيل أو الوزن أو العدد على أن يكون له ما زاد على ذلك فإن نقصت تلك السلعة عن تلك التسمية أخذ من مال صاحبه ما نقص بغير ثمن ولا هبة طيبة بها نفسه) فهو من أكل المال بالباطل ( فهذا يشبه القمار وما كان مثل هذا من الأشياء فذلك يدخله ومن ذلك أيضًا أن يقول الرجل للرجل له الثوب أضمن لك من ثوبك هذا كذا وكذا ظهارة) بكسر الظاء المعجمة، ما يظهر للعين وهي خلاف بطانة ( قلنسوة) بفتح القاف واللام وإسكان النون وضم السين وفتح الواو، مفرد قلانس ( قدر كل ظهارة كذا وكذا لشيء يسميه فما نقص من ذلك فعلي غرمه حتى أوفيك وما زاد فلي أو أن يقول الرجل للرجل أضمن لك من ثيابك هذي كذا وكذا قميصًا ذرع) بفتح الذال المعجمة وإسكان الراء، قدر ( كل قميص كذا وكذا فما نقص من ذلك فعلي غرمه وما زاد على ذلك فلي أو أن يقول الرجل للرجل له الجلود من جلود البقر أو الإبل أقطع جلودك هذه نعالاً على إمام) بكسر الهمزة، أي مثال ( يريه إياه فما نقص من مائة) أي حقيقة وصفة ( زوج فعلي غرمه وما زاد فهو لي بما ضمنت لك وما يشبه ذلك أن يقول الرجل للرجل عنده حب البان) شجر معروف وهو الخلاف بخفة اللام قال الصغاني وشدها من لحن العوام ( اعصر حبك هذا فما نقص من كذا وكذا رطلاً فعلي أن أعطيكه وما زاد فهو لي فهذا كله وما أشبهه من الأشياء أو ضارعه) شابهه فهو مساو حسنه اختلاف اللفظ والعرب تفعل ذلك للتأكيد ( من المزابنة التي لا تصلح ولا تجوز وكذلك أيضًا إذا قال الرجل للرجل له الخبط أو النوى أو الكرسف أو الكتان أو القضب) بالضاد المعجمة الساكنة، نبت معروف ( أو العصفر أبتاع منك هذا الخبط بكذا وكذا صاعًا من خبط يخبط مثل خبطه أو هذا النوى بكذا وكذا صاعًا من نوى مثله وفي العصفر والكرسف والكتان والقضب مثل ذلك فهذا كله يرجع إلى ما وصفناه من المزابنة) فلا يجوز شيء من ذلك لدخوله تحت نهيه صلى الله عليه وسلم عنها قال في الاستذكار: يشهد لقول مالك لغة العرب في المزابنة من الزبن وهو المقامرة والدفع والمغالبة وفي معنى ذلك الزيادة والنقص حتى قال بعض اللغويين القمر مشتق من القمار لزيادته ونقصانه فالمزابنة القمار والمخاطرة شيء متداخل المعنى متقارب.



رقم الحديث 1322 وَحَدَّثَنِي عَنْ مَالِكٍ، عَنْ دَاوُدَ بْنِ الْحُصَيْنِ، عَنْ أَبِي سُفْيَانَ مَوْلَى ابْنِ أَبِي أَحْمَدَ، عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَهَى عَنِ الْمُزَابَنَةِ، وَالْمُحَاقَلَةِ، وَالْمُزَابَنَةُ: اشْتِرَاءُ الثَّمَرِ بِالتَّمْرِ فِي رُءُوسِ النَّخْلِ، وَالْمُحَاقَلَةُ: كِرَاءُ الْأَرْضِ بِالْحِنْطَةِ.


( مالك عن نافع عن عبد الله بن عمر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى عن المزابنة) بضم الميم وفتح الزاي والموحدة، قال القزاز أصله أن المغبون يريد فسخ البيع والغابن لا يريد فسخه فيتزابنان عليه أن يتدافعان زاد ابن بكير وحده والمحاقلة ( والمزابنة بيع الثمر) بفتح المثلثة والميم، الرطب على النخل ولابن بكير بيع الرطب ( بالتمر) بالفوقية وسكون الميم، اليابس ( كيلاً) نصب على التمييز، أي من حيث الكيل وليس قيدًا في هذه الصورة بل جرى على ما كان من عادتهم فلا مفهوم له أو له مفهوم ولكنه مفهوم موافقة لأن المسكوت عنه أولى بالمنع من المنطوق ( وبيع الكرم) بفتح الكاف وسكون الراء، شجر العنب والمراد العنب نفسه.
وفي مسلم من رواية عبيد الله عن نافع وبيع العنب ( بالزبيب كيلاً) ووقع في رواية إسماعيل عن مالك وبيع الزبيب بالكرم كيلاً من باب القلب، فالأصل إدخال الياء على الزبيب كما رواه الجمهور زاد في رواية أيوب عن نافع إن زاد فلي وإن نقص فعلي.
قال ابن عبد البر: هذا التفسير إما مرفوع أو من قول الصحابي الراوي فيسلم له لأنه أعلم به وفيه جواز تسمية العنب كرمًا وحديث النهي عن تسميته به للتنزيه وعبر به هنا لبيان الجواز قيل وهذا على أن التفسير مرفوع أما على أنه من قول الصحابي فلا، وأخرجه البخاري عن إسماعيل وعبد الله بن يوسف ومسلم عن يحيى ثلاثتهم عن مالك به وتابعه أيوب عند الشيخين وعبيد الله والليث ويونس والضحاك وموسى بن عقبة كلهم عن نافع عند مسلم نحوه.

( مالك عن داود بن الحصين عن أبي سفيان) وهب، أو قزمان بضم القاف وسكون الزاي ( مولى) عبد الله ( ابن أبي أحمد) عبد بن جحش الأسدي ( عن أبي سعيد الخدري أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى عن بيع المزابنة والمحاقلة) بضم الميم فحاء مهملة فألف فقاف، مأخوذ من الحقل وهو الحرث وموضع الزرع ( والمزابنة اشتراء الثمر) بالمثلثة ( بالتمر) بالفوقية ( في رؤوس النخل) زاد ابن مهدي عن مالك عند الإسماعيلي كيلاً وهو موافق لحديث ابن عمر فوقه ومر أنه ليس بقيد ( والمحاقلة كراء الأرض بالحنطة) وما في معناها من جميع الطعام على اختلاف أنواعه وتفسيرها بذلك يجيء على أن الحقل الأرض التي تزرع كخبر ما تصنعون بمحاقلكم أي بمزارعكم ومنه المثل لا تنبت البقلة إلا الحقلة، وهذا التفسير إما مرفوع أو من قول أبي سعيد فيسلم له لأنه أعلم به ورواه البخاري عن عبد الله بن يوسف ومسلم من طريق ابن وهب كلاهما عن مالك به.

( مالك عن ابن شهاب عن سعيد بن المسيب أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى عن المزابنة والمحاقلة والمزابنة اشتراء الثمر) بمثلثة وفتح الميم ( بالتمر) بالفوقية وسكون الميم فهي في النخل ( والمحاقلة اشتراء الزرع بالحنطة) أي القمح وبه عبر في رواية عقيل عن الزهري عند مسلم ( واستكراء الأرض بالحنطة) أي القمح، وبه عبر في مسلم وهو عنده مرسل أيضًا من رواية عقيل فهو متابع لمالك.
قال ابن عبد البر: هذا الحديث مرسل في الموطأ عند جميع الرواة.
وكذا رواه أصحاب ابن شهاب عنه.
وقد روى النهي عنهما جماعة منهم جابر وابن عمر وأبو هريرة ورافع بن خديج وكلهم سمع منه ابن المسيب.
وقد رواه ابن أبي شيبة عن أبي الأحوص عن طارق عن سعيد بن المسيب عن رافع بن خديج قال: نهى صلى الله عليه وسلم عن المحاقلة والمزابنة.
وقال: إنما يزرع ثلاثة: رجل له أرض فهو يزرعها، ورجل منح أرضًا فهو يزرعها ما منح، ورجل استكرى أرضًا بذهب أو فضة اهـ.
وأخرجه الخطيب عن أحمد بن أبي طيبة عيسى بن دينار الجرجاني عن مالك عن الزهري عن ابن المسيب عن أبي هريرة موصولاً والجرجاني وإن كان صدوقًا لكن له إفراد ( قال ابن شهاب: فسألت سعيد بن المسيب عن استكراء الأرض بالذهب والورق) الفضة ( فقال: لا بأس بذلك) أي يجوز وعليه نص الحديث كما رأيت.

( قال مالك: نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن المزابنة) في الأحاديث المذكورة قال عياض ما فسر به الحديث المزابنة هو أحد أنواعها وفسرها الموطأ بما هو أوسع فقال: ( وتفسير المزابنة أن كل شيء من الجزاف الذي لا يعلم كيله ولا وزنه ولا عدده) إشارة إلى أن قوله في الحديث كيلاً خرج على الغالب أو مفهوم موافقة وأنها ليست مقصورة على النخل ( ابتيع بشيء مسمى من الكيل أو الوزن أو العدد) فحاصله ما قاله المازري أنها بيع مجهول بمجهول من جنسه وبيع معلوم بمجهول من جنسه فيشمل تفسير الحديث فإن كان الجنس ربويًا حرم البيع للربا والمزابنة أما الربا فلعدم تحقق المساواة والشك في الربا كتحققه.
وأما المزابنة فلوجود معناها لأن كلاً من المتبايعين يدفع الآخر ولذا شرط اتحاد الجنس لأن به ينصرف الغرض إلى القلة والكثرة فكل واحد يقول ما أخذت أكثر وقد غبنت صاحبي وإن كان الجنس غير ربوي حرم البيع للمزابنة فقط لكن إن تحقق الفضل فيما ليس بربوي جاز ويقدر أن المغبون وهب الفضل لظهوره له.
وتعقب أبو عبد الله الأبي قول عياض تفسير الحديث أحد أنواع المزابنة بأنه إن عنى أنه لا يتناول إلا بيع المعلوم بالمجهول لقوله كيلاً رد بأنه يتناول بيع المجهول بالمجهول بقياس الأولى وإن عنى أنه لا يتناول إلا الربوي فإنما ذلك من حيث اللفظ.
وأما من حيث المعنى فيتناول غيره لتقرر معنى المزابنة فيه بالمعنى الذي قرره المازري في الوجه الثاني المتقدم فتفسير العلماء المزابنة ليس بأعم من تفسير الحديث بل هو مساوٍ له، وهو إما مرفوع فلا معدل عنه أو من الراوي وله مزية وبسط الإمام هذا فقال: ( وذلك أن يقول الرجل للرجل يكون له الطعام المصبر) بشد الموحدة، المجموع بعضه فوق بعض ( الذي لا يعلم كيله من الحنطة أو التمر أو ما أشبه ذلك من الأطعمة أو يكون للرجل السلعة من الخبط) بفتح المعجمة والموحدة، ما يسقط من ورق الشجر ( أو النوى) للبلح ( أو القضب أو العصفر) نبت معروف ( أو الكرسف) بالضم، القطن ( أو الكتان) بفتح الكاف، معروف وله بزر يعتصر ويستصبح به قال ابن دريد: الكتان عربي سمي بذلك لأنه يكتن أي يسود إذا ألقي بعضه على بعض ( أو القز) بفتح القاف وبالزاي معرب.
قال الليث: هو ما يعمل منه الإبريسم ولذا قال بعضهم: القز والإبريسم مثل الحنطة والدقيق ( أو ما أشبه ذلك من السلع لا يعلم كيل شيء من ذلك ولا وزنه ولا عدده فيقول الرجل لرب تلك السلعة كل) بكسر الكاف ( سلعتك هذه) بنفسك ( أو مر من يكيلها أو زن من ذلك ما يوزن أو عد منها ما كان يعد فما نقص من كذا وكذا صاعًا لتسمية يسميها أو وزن كذا وكذا رطلاً أو عدد كذا وكذا فما نقص من ذلك فعلي غرمه) بضم فسكون، أي دفعه ( لك حتى أوفيك تلك التسمية فما زاد على تلك التسمية فهو لي أضمن ما نقص من ذلك على أن يكون لي ما زاد فليس ذلك بيعًا) شرعيًا جائزًا ( ولكنه المخاطرة) المستفادة من لفظ المزابنة قال ابن حبيب: الزبن الخطر وقيل الدفع كأنه دفع عن البيع الشرعي وعن معرفة التساوي ( والغرر) مساوٍ لما قبله فهو لغة الخطر ( والقمار) بكسر القاف، المغالبة مبتدأ خبره ( يدخل هذا لأنه لم يشتر منه شيئًا بشيء أخرجه ولكنه ضمن له ما سمي من ذلك الكيل أو الوزن أو العدد على أن يكون له ما زاد على ذلك فإن نقصت تلك السلعة عن تلك التسمية أخذ من مال صاحبه ما نقص بغير ثمن ولا هبة طيبة بها نفسه) فهو من أكل المال بالباطل ( فهذا يشبه القمار وما كان مثل هذا من الأشياء فذلك يدخله ومن ذلك أيضًا أن يقول الرجل للرجل له الثوب أضمن لك من ثوبك هذا كذا وكذا ظهارة) بكسر الظاء المعجمة، ما يظهر للعين وهي خلاف بطانة ( قلنسوة) بفتح القاف واللام وإسكان النون وضم السين وفتح الواو، مفرد قلانس ( قدر كل ظهارة كذا وكذا لشيء يسميه فما نقص من ذلك فعلي غرمه حتى أوفيك وما زاد فلي أو أن يقول الرجل للرجل أضمن لك من ثيابك هذي كذا وكذا قميصًا ذرع) بفتح الذال المعجمة وإسكان الراء، قدر ( كل قميص كذا وكذا فما نقص من ذلك فعلي غرمه وما زاد على ذلك فلي أو أن يقول الرجل للرجل له الجلود من جلود البقر أو الإبل أقطع جلودك هذه نعالاً على إمام) بكسر الهمزة، أي مثال ( يريه إياه فما نقص من مائة) أي حقيقة وصفة ( زوج فعلي غرمه وما زاد فهو لي بما ضمنت لك وما يشبه ذلك أن يقول الرجل للرجل عنده حب البان) شجر معروف وهو الخلاف بخفة اللام قال الصغاني وشدها من لحن العوام ( اعصر حبك هذا فما نقص من كذا وكذا رطلاً فعلي أن أعطيكه وما زاد فهو لي فهذا كله وما أشبهه من الأشياء أو ضارعه) شابهه فهو مساو حسنه اختلاف اللفظ والعرب تفعل ذلك للتأكيد ( من المزابنة التي لا تصلح ولا تجوز وكذلك أيضًا إذا قال الرجل للرجل له الخبط أو النوى أو الكرسف أو الكتان أو القضب) بالضاد المعجمة الساكنة، نبت معروف ( أو العصفر أبتاع منك هذا الخبط بكذا وكذا صاعًا من خبط يخبط مثل خبطه أو هذا النوى بكذا وكذا صاعًا من نوى مثله وفي العصفر والكرسف والكتان والقضب مثل ذلك فهذا كله يرجع إلى ما وصفناه من المزابنة) فلا يجوز شيء من ذلك لدخوله تحت نهيه صلى الله عليه وسلم عنها قال في الاستذكار: يشهد لقول مالك لغة العرب في المزابنة من الزبن وهو المقامرة والدفع والمغالبة وفي معنى ذلك الزيادة والنقص حتى قال بعض اللغويين القمر مشتق من القمار لزيادته ونقصانه فالمزابنة القمار والمخاطرة شيء متداخل المعنى متقارب.



رقم الحديث 1324 وَحَدَّثَنِي عَنْ مَالِكٍ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَهَى عَنِ الْمُزَابَنَةِ وَالْمُحَاقَلَةِ، وَالْمُزَابَنَةُ اشْتِرَاءُ الثَّمَرِ بِالتَّمْرِ، وَالْمُحَاقَلَةُ اشْتِرَاءُ الزَّرْعِ بِالْحِنْطَةِ، وَاسْتِكْرَاءُ الْأَرْضِ بِالْحِنْطَةِ.
قَالَ ابْنُ شِهَابٍ، فَسَأَلْتُ سَعِيدَ بْنَ الْمُسَيِّبِ عَنِ اسْتِكْرَاءِ الْأَرْضِ بِالذَّهَبِ وَالْوَرِقِ، فَقَالَ: لَا بَأْسَ بِذَلِكَ قَالَ مَالِكٌ: نَهَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنِ الْمُزَابَنَةِ، وَتَفْسِيرُ الْمُزَابَنَةِ أَنَّ كُلَّ شَيْءٍ مِنَ الْجِزَافِ الَّذِي لَا يُعْلَمُ كَيْلُهُ، وَلَا وَزْنُهُ، وَلَا عَدَدُهُ، ابْتِيعَ بِشَيْءٍ مُسَمًّى مِنَ الْكَيْلِ أَوِ الْوَزْنِ أَوِ الْعَدَدِ، وَذَلِكَ أَنْ يَقُولَ الرَّجُلُ لِلرَّجُلِ: يَكُونُ لَهُ الطَّعَامُ الْمُصَبَّرُ الَّذِي لَا يُعْلَمُ كَيْلُهُ مِنَ الْحِنْطَةِ أَوِ التَّمْرِ أَوْ مَا أَشْبَهَ ذَلِكَ مِنَ الْأَطْعِمَةِ، أَوْ يَكُونُ لِلرَّجُلِ السِّلْعَةُ مِنَ الْحِنْطَةِ أَوِ النَّوَى أَوِ الْقَضْبِ أَوِ الْعُصْفُرِ، أَوِ الْكُرْسُفِ، أَوِ الْكَتَّانِ أَوِ الْقَزِّ أَوْ مَا أَشْبَهَ ذَلِكَ مِنَ السِّلَعِ، لَا يُعْلَمُ كَيْلُ شَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ، وَلَا وَزْنُهُ وَلَا عَدَدُهُ، فَيَقُولُ الرَّجُلُ لِرَبِّ تِلْكَ السِّلْعَةِ: كِلْ سِلْعَتَكَ هَذِهِ، أَوْ مُرْ مَنْ يَكِيلُهَا، أَوْ زِنْ مِنْ ذَلِكَ مَا يُوزَنُ، أَوْ عُدَّ مِنْ ذَلِكَ مَا كَانَ يُعَدُّ، فَمَا نَقَصَ عَنْ كَيْلِ كَذَا وَكَذَا صَاعًا لِتَسْمِيَةٍ يُسَمِّيهَا أَوْ وَزْنِ كَذَا وَكَذَا رِطْلًا، أَوْ عَدَدِ كَذَا وَكَذَا، فَمَا نَقَصَ مِنْ ذَلِكَ، فَعَلَيَّ غُرْمُهُ لَكَ حَتَّى أُوفِيَكَ تِلْكَ التَّسْمِيَةَ، فَمَا زَادَ عَلَى تِلْكَ التَّسْمِيَةِ فَهُوَ لِي، أَضْمَنُ مَا نَقَصَ مِنْ ذَلِكَ، عَلَى أَنْ يَكُونَ لِي مَا زَادَ فَلَيْسَ ذَلِكَ بَيْعًا، وَلَكِنَّهُ الْمُخَاطَرَةُ وَالْغَرَرُ وَالْقِمَارُ، يَدْخُلُ هَذَا لِأَنَّهُ لَمْ يَشْتَرِ مِنْهُ شَيْئًا بِشَيْءٍ أَخْرَجَهُ، وَلَكِنَّهُ ضَمِنَ لَهُ مَا سُمِّيَ مِنْ ذَلِكَ الْكَيْلِ أَوِ الْوَزْنِ أَوِ الْعَدَدِ، عَلَى أَنْ يَكُونَ لَهُ مَا زَادَ عَلَى ذَلِكَ، فَإِنْ نَقَصَتْ تِلْكَ السِّلْعَةُ عَنْ تِلْكَ التَّسْمِيَةِ، أَخَذَ مِنْ مَالِ صَاحِبِهِ مَا نَقَصَ بِغَيْرِ ثَمَنٍ، وَلَا هِبَةٍ طَيِّبَةٍ بِهَا نَفْسُهُ، فَهَذَا يُشْبِهُ الْقِمَارَ وَمَا كَانَ مِثْلُ هَذَا مِنَ الْأَشْيَاءِ فَذَلِكَ يَدْخُلُهُ قَالَ مَالِكٌ: وَمِنْ ذَلِكَ أَيْضًا أَنْ يَقُولَ الرَّجُلُ لِلرَّجُلِ: لَهُ الثَّوْبُ أَضْمَنُ لَكَ مِنْ ثَوْبِكَ هَذَا كَذَا وَكَذَا ظِهَارَةَ قَلَنْسُوَةٍ.
قَدْرُ كُلِّ ظِهَارَةٍ كَذَا وَكَذَا.
لِشَيْءٍ يُسَمِّيهِ.
فَمَا نَقَصَ مِنْ ذَلِكَ فَعَلَيَّ غُرْمُهُ حَتَّى أُوفِيَكَ، وَمَا زَادَ فَلِي، أَوْ أَنْ يَقُولَ الرَّجُلُ لِلرَّجُلِ: أَضْمَنُ لَكَ مِنْ ثِيَابِكَ هَذِي كَذَا وَكَذَا قَمِيصًا.
ذَرْعُ كُلِّ قَمِيصٍ كَذَا وَكَذَا.
فَمَا نَقَصَ مِنْ ذَلِكَ فَعَلَيَّ غُرْمُهُ، وَمَا زَادَ عَلَى ذَلِكَ فَلِي، أَوْ أَنْ يَقُولَ الرَّجُلُ لِلرَّجُلِ: لَهُ الْجُلُودُ مِنْ جُلُودِ الْبَقَرِ أَوِ الْإِبِلِ: أُقَطِّعُ جُلُودَكَ هَذِهِ نِعَالًا عَلَى إِمَامٍ يُرِيهِ إِيَّاهُ.
فَمَا نَقَصَ مِنْ مِائَةِ زَوْجٍ فَعَلَيَّ غُرْمُهُ، وَمَا زَادَ فَهُوَ لِي بِمَا ضَمِنْتُ لَكَ.
وَمِمَّا يُشْبِهُ ذَلِكَ.
أَنْ يَقُولَ الرَّجُلُ لِلرَّجُلِ عِنْدَهُ حَبُّ الْبَانِ: اعْصُرْ حَبَّكَ هَذَا.
فَمَا نَقَصَ مِنْ كَذَا وَكَذَا رِطْلًا.
فَعَلَيَّ أَنْ أُعْطِيَكَهُ.
وَمَا زَادَ فَهُوَ لِي.
فَهَذَا كُلُّهُ وَمَا أَشْبَهَهُ مِنَ الْأَشْيَاءِ أَوْ ضَارَعَهُ مِنَ الْمُزَابَنَةِ الَّتِي لَا تَصْلُحُ وَلَا تَجُوزُ.
وَكَذَلِكَ أَيْضًا إِذَا قَالَ الرَّجُلُ لِلرَّجُلِ: لَهُ الْخَبَطُ أَوِ النَّوَى أَوِ الْكُرْسُفُ أَوِ الْكَتَّانُ أَوِ الْقَضْبُ أَوِ الْعُصْفُرُ أَبْتَاعُ مِنْكَ هَذَا الْخَبَطَ بِكَذَا وَكَذَا صَاعًا مِنْ خَبَطٍ يُخْبَطُ مِثْلَ خَبَطِهِ، أَوْ هَذَا النَّوَى بِكَذَا وَكَذَا صَاعًا مِنْ نَوًى مِثْلِهِ، وَفِي الْعُصْفُرِ وَالْكُرْسُفِ، وَالْكَتَّانِ وَالْقَضْبِ مِثْلَ ذَلِكَ فَهَذَا كُلُّهُ يَرْجِعُ إِلَى مَا وَصَفْنَا مِنَ الْمُزَابَنَةِ.


( مالك عن نافع عن عبد الله بن عمر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى عن المزابنة) بضم الميم وفتح الزاي والموحدة، قال القزاز أصله أن المغبون يريد فسخ البيع والغابن لا يريد فسخه فيتزابنان عليه أن يتدافعان زاد ابن بكير وحده والمحاقلة ( والمزابنة بيع الثمر) بفتح المثلثة والميم، الرطب على النخل ولابن بكير بيع الرطب ( بالتمر) بالفوقية وسكون الميم، اليابس ( كيلاً) نصب على التمييز، أي من حيث الكيل وليس قيدًا في هذه الصورة بل جرى على ما كان من عادتهم فلا مفهوم له أو له مفهوم ولكنه مفهوم موافقة لأن المسكوت عنه أولى بالمنع من المنطوق ( وبيع الكرم) بفتح الكاف وسكون الراء، شجر العنب والمراد العنب نفسه.
وفي مسلم من رواية عبيد الله عن نافع وبيع العنب ( بالزبيب كيلاً) ووقع في رواية إسماعيل عن مالك وبيع الزبيب بالكرم كيلاً من باب القلب، فالأصل إدخال الياء على الزبيب كما رواه الجمهور زاد في رواية أيوب عن نافع إن زاد فلي وإن نقص فعلي.
قال ابن عبد البر: هذا التفسير إما مرفوع أو من قول الصحابي الراوي فيسلم له لأنه أعلم به وفيه جواز تسمية العنب كرمًا وحديث النهي عن تسميته به للتنزيه وعبر به هنا لبيان الجواز قيل وهذا على أن التفسير مرفوع أما على أنه من قول الصحابي فلا، وأخرجه البخاري عن إسماعيل وعبد الله بن يوسف ومسلم عن يحيى ثلاثتهم عن مالك به وتابعه أيوب عند الشيخين وعبيد الله والليث ويونس والضحاك وموسى بن عقبة كلهم عن نافع عند مسلم نحوه.

( مالك عن داود بن الحصين عن أبي سفيان) وهب، أو قزمان بضم القاف وسكون الزاي ( مولى) عبد الله ( ابن أبي أحمد) عبد بن جحش الأسدي ( عن أبي سعيد الخدري أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى عن بيع المزابنة والمحاقلة) بضم الميم فحاء مهملة فألف فقاف، مأخوذ من الحقل وهو الحرث وموضع الزرع ( والمزابنة اشتراء الثمر) بالمثلثة ( بالتمر) بالفوقية ( في رؤوس النخل) زاد ابن مهدي عن مالك عند الإسماعيلي كيلاً وهو موافق لحديث ابن عمر فوقه ومر أنه ليس بقيد ( والمحاقلة كراء الأرض بالحنطة) وما في معناها من جميع الطعام على اختلاف أنواعه وتفسيرها بذلك يجيء على أن الحقل الأرض التي تزرع كخبر ما تصنعون بمحاقلكم أي بمزارعكم ومنه المثل لا تنبت البقلة إلا الحقلة، وهذا التفسير إما مرفوع أو من قول أبي سعيد فيسلم له لأنه أعلم به ورواه البخاري عن عبد الله بن يوسف ومسلم من طريق ابن وهب كلاهما عن مالك به.

( مالك عن ابن شهاب عن سعيد بن المسيب أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى عن المزابنة والمحاقلة والمزابنة اشتراء الثمر) بمثلثة وفتح الميم ( بالتمر) بالفوقية وسكون الميم فهي في النخل ( والمحاقلة اشتراء الزرع بالحنطة) أي القمح وبه عبر في رواية عقيل عن الزهري عند مسلم ( واستكراء الأرض بالحنطة) أي القمح، وبه عبر في مسلم وهو عنده مرسل أيضًا من رواية عقيل فهو متابع لمالك.
قال ابن عبد البر: هذا الحديث مرسل في الموطأ عند جميع الرواة.
وكذا رواه أصحاب ابن شهاب عنه.
وقد روى النهي عنهما جماعة منهم جابر وابن عمر وأبو هريرة ورافع بن خديج وكلهم سمع منه ابن المسيب.
وقد رواه ابن أبي شيبة عن أبي الأحوص عن طارق عن سعيد بن المسيب عن رافع بن خديج قال: نهى صلى الله عليه وسلم عن المحاقلة والمزابنة.
وقال: إنما يزرع ثلاثة: رجل له أرض فهو يزرعها، ورجل منح أرضًا فهو يزرعها ما منح، ورجل استكرى أرضًا بذهب أو فضة اهـ.
وأخرجه الخطيب عن أحمد بن أبي طيبة عيسى بن دينار الجرجاني عن مالك عن الزهري عن ابن المسيب عن أبي هريرة موصولاً والجرجاني وإن كان صدوقًا لكن له إفراد ( قال ابن شهاب: فسألت سعيد بن المسيب عن استكراء الأرض بالذهب والورق) الفضة ( فقال: لا بأس بذلك) أي يجوز وعليه نص الحديث كما رأيت.

( قال مالك: نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن المزابنة) في الأحاديث المذكورة قال عياض ما فسر به الحديث المزابنة هو أحد أنواعها وفسرها الموطأ بما هو أوسع فقال: ( وتفسير المزابنة أن كل شيء من الجزاف الذي لا يعلم كيله ولا وزنه ولا عدده) إشارة إلى أن قوله في الحديث كيلاً خرج على الغالب أو مفهوم موافقة وأنها ليست مقصورة على النخل ( ابتيع بشيء مسمى من الكيل أو الوزن أو العدد) فحاصله ما قاله المازري أنها بيع مجهول بمجهول من جنسه وبيع معلوم بمجهول من جنسه فيشمل تفسير الحديث فإن كان الجنس ربويًا حرم البيع للربا والمزابنة أما الربا فلعدم تحقق المساواة والشك في الربا كتحققه.
وأما المزابنة فلوجود معناها لأن كلاً من المتبايعين يدفع الآخر ولذا شرط اتحاد الجنس لأن به ينصرف الغرض إلى القلة والكثرة فكل واحد يقول ما أخذت أكثر وقد غبنت صاحبي وإن كان الجنس غير ربوي حرم البيع للمزابنة فقط لكن إن تحقق الفضل فيما ليس بربوي جاز ويقدر أن المغبون وهب الفضل لظهوره له.
وتعقب أبو عبد الله الأبي قول عياض تفسير الحديث أحد أنواع المزابنة بأنه إن عنى أنه لا يتناول إلا بيع المعلوم بالمجهول لقوله كيلاً رد بأنه يتناول بيع المجهول بالمجهول بقياس الأولى وإن عنى أنه لا يتناول إلا الربوي فإنما ذلك من حيث اللفظ.
وأما من حيث المعنى فيتناول غيره لتقرر معنى المزابنة فيه بالمعنى الذي قرره المازري في الوجه الثاني المتقدم فتفسير العلماء المزابنة ليس بأعم من تفسير الحديث بل هو مساوٍ له، وهو إما مرفوع فلا معدل عنه أو من الراوي وله مزية وبسط الإمام هذا فقال: ( وذلك أن يقول الرجل للرجل يكون له الطعام المصبر) بشد الموحدة، المجموع بعضه فوق بعض ( الذي لا يعلم كيله من الحنطة أو التمر أو ما أشبه ذلك من الأطعمة أو يكون للرجل السلعة من الخبط) بفتح المعجمة والموحدة، ما يسقط من ورق الشجر ( أو النوى) للبلح ( أو القضب أو العصفر) نبت معروف ( أو الكرسف) بالضم، القطن ( أو الكتان) بفتح الكاف، معروف وله بزر يعتصر ويستصبح به قال ابن دريد: الكتان عربي سمي بذلك لأنه يكتن أي يسود إذا ألقي بعضه على بعض ( أو القز) بفتح القاف وبالزاي معرب.
قال الليث: هو ما يعمل منه الإبريسم ولذا قال بعضهم: القز والإبريسم مثل الحنطة والدقيق ( أو ما أشبه ذلك من السلع لا يعلم كيل شيء من ذلك ولا وزنه ولا عدده فيقول الرجل لرب تلك السلعة كل) بكسر الكاف ( سلعتك هذه) بنفسك ( أو مر من يكيلها أو زن من ذلك ما يوزن أو عد منها ما كان يعد فما نقص من كذا وكذا صاعًا لتسمية يسميها أو وزن كذا وكذا رطلاً أو عدد كذا وكذا فما نقص من ذلك فعلي غرمه) بضم فسكون، أي دفعه ( لك حتى أوفيك تلك التسمية فما زاد على تلك التسمية فهو لي أضمن ما نقص من ذلك على أن يكون لي ما زاد فليس ذلك بيعًا) شرعيًا جائزًا ( ولكنه المخاطرة) المستفادة من لفظ المزابنة قال ابن حبيب: الزبن الخطر وقيل الدفع كأنه دفع عن البيع الشرعي وعن معرفة التساوي ( والغرر) مساوٍ لما قبله فهو لغة الخطر ( والقمار) بكسر القاف، المغالبة مبتدأ خبره ( يدخل هذا لأنه لم يشتر منه شيئًا بشيء أخرجه ولكنه ضمن له ما سمي من ذلك الكيل أو الوزن أو العدد على أن يكون له ما زاد على ذلك فإن نقصت تلك السلعة عن تلك التسمية أخذ من مال صاحبه ما نقص بغير ثمن ولا هبة طيبة بها نفسه) فهو من أكل المال بالباطل ( فهذا يشبه القمار وما كان مثل هذا من الأشياء فذلك يدخله ومن ذلك أيضًا أن يقول الرجل للرجل له الثوب أضمن لك من ثوبك هذا كذا وكذا ظهارة) بكسر الظاء المعجمة، ما يظهر للعين وهي خلاف بطانة ( قلنسوة) بفتح القاف واللام وإسكان النون وضم السين وفتح الواو، مفرد قلانس ( قدر كل ظهارة كذا وكذا لشيء يسميه فما نقص من ذلك فعلي غرمه حتى أوفيك وما زاد فلي أو أن يقول الرجل للرجل أضمن لك من ثيابك هذي كذا وكذا قميصًا ذرع) بفتح الذال المعجمة وإسكان الراء، قدر ( كل قميص كذا وكذا فما نقص من ذلك فعلي غرمه وما زاد على ذلك فلي أو أن يقول الرجل للرجل له الجلود من جلود البقر أو الإبل أقطع جلودك هذه نعالاً على إمام) بكسر الهمزة، أي مثال ( يريه إياه فما نقص من مائة) أي حقيقة وصفة ( زوج فعلي غرمه وما زاد فهو لي بما ضمنت لك وما يشبه ذلك أن يقول الرجل للرجل عنده حب البان) شجر معروف وهو الخلاف بخفة اللام قال الصغاني وشدها من لحن العوام ( اعصر حبك هذا فما نقص من كذا وكذا رطلاً فعلي أن أعطيكه وما زاد فهو لي فهذا كله وما أشبهه من الأشياء أو ضارعه) شابهه فهو مساو حسنه اختلاف اللفظ والعرب تفعل ذلك للتأكيد ( من المزابنة التي لا تصلح ولا تجوز وكذلك أيضًا إذا قال الرجل للرجل له الخبط أو النوى أو الكرسف أو الكتان أو القضب) بالضاد المعجمة الساكنة، نبت معروف ( أو العصفر أبتاع منك هذا الخبط بكذا وكذا صاعًا من خبط يخبط مثل خبطه أو هذا النوى بكذا وكذا صاعًا من نوى مثله وفي العصفر والكرسف والكتان والقضب مثل ذلك فهذا كله يرجع إلى ما وصفناه من المزابنة) فلا يجوز شيء من ذلك لدخوله تحت نهيه صلى الله عليه وسلم عنها قال في الاستذكار: يشهد لقول مالك لغة العرب في المزابنة من الزبن وهو المقامرة والدفع والمغالبة وفي معنى ذلك الزيادة والنقص حتى قال بعض اللغويين القمر مشتق من القمار لزيادته ونقصانه فالمزابنة القمار والمخاطرة شيء متداخل المعنى متقارب.