فهرس الكتاب

شرح الزرقاني - بَابُ مَا جَاءَ فِي الصَّلَاةِ عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ

رقم الحديث 405 حَدَّثَنِي يَحْيَى، عَنْ مَالِكٍ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي بَكْرِ بْنِ حَزْمٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عَمْرِو بْنِ سُلَيْمٍ الزُّرَقِيِّ، أَنَّهُ قَالَ: أَخْبَرَنِي أَبُو حُمَيْدٍ السَّاعِدِيُّ أَنَّهُمْ قَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ كَيْفَ نُصَلِّي عَلَيْكَ؟ فَقَالَ: قُولُوا اللَّهُمَّ صَلِّ عَلَى مُحَمَّدٍ وَأَزْوَاجِهِ وَذُرِّيَّتِهِ، كَمَا صَلَّيْتَ عَلَى آلِ إِبْرَاهِيمَ وَبَارِكْ عَلَى مُحَمَّدٍ وَأَزْوَاجِهِ وَذُرِّيَّتِهِ، كَمَا بَارَكْتَ عَلَى آلِ إِبْرَاهِيمَ إِنَّكَ حَمِيدٌ مَجِيدٌ.


( مالك عن عبد الله بن أبي بكر بن حزم) بفتح المهملة وإسكان الزاي نسبة لجدّه وفي رواية ابن وضاح وغيره أبي بكر بن محمد بن عمرو بن حزم على الأصل ( عن أبيه) أبي بكر اسمه وكنيته واحد وقيل يكنى أبا محمد ( عن عمرو) بفتح العين ( بن سليم) بضم السين ( الزرقي) بضم الزاي وفتح الراء وكسر القاف ( أنه قال: أخبرني) بالإفراد ( أبو حميد) بضم الحاء ( الساعدي) الصحابي الشهير اسمه المنذر بن سعد بن المنذر أو ابن مالك وقيل اسمه عبد الرحمن وقيل عمرو شهد أحدًا وما بعدها وعاش إلى أول سنة ستين.

( أنهم) أي الصحابة ( قالوا: يا رسول الله) قال الحافظ: وقفت من تعيين من باشر السؤال على جماعة أبي بن كعب في الطبراني وبشير بن سعد عند مالك، ومسلم وزيد بن خارجة الأنصاري عند النسائي، وطلحة بن عبيد الله عند الطبراني، وأبي هريرة عند الشافعي، وعبد الرحمن بن بشير عند إسماعيل القاضي في كتاب فضل الصلاة، وكعب بن عجرة عند ابن مردويه قال: فإن ثبت تعدّد السائل فواضح، وإن ثبت أنه واحد فالتعبير بصيغة الجمع إشارة إلى أن السؤال لا يختص به بل يريد نفسه ومن وافقه على ذلك وليس هو من التعبير عن البعض بالكل بل حمله على ظاهره من الجمع هو المعتمد لما ذكر ( كيف نصلي عليك) أي كيف اللفظ الذي يليق أن نصلي به عليك كما علمتنا السلام لأنا لا نعلم اللفظ اللائق بك، ولذا عبر بكيف التي يسأل بها عن الصفة.
قال الباجي: إنما سألوه صفة الصلاة عليه ولم يسألوا عن جنسها لأنهم لم يؤمروا بالرحمة وإنما أمروا بالدعاء.
وقال ابن عبد البر: فيه أن من ورد عليه خبر محتمل لا يقطع فيه بشيء حتى يقف على المراد به إن وجد إليه سبيلاً فسألوه لما احتمل لفظ الصلاة من المعاني وفي الترمذي وغيره عن كعب بن عجرة لما نزلت { { إِنَّ اللهَ وَمَلاَئِكَتَهُ } } الآية قلنا يا رسول الله قد علمنا السلام فكيف الصلاة؟

( فقال: قولوا اللهم صل على محمد) صلاة تليق به ( وأزواجه وذريته) من كان للنبي صلى الله عليه وسلم ولادة عليه من ولده وولد ولده قاله الباجي ( كما صليت على آل إبراهيم) قال ابن عبد البر: يدخل فيه إبراهيم وآل محمد يدخل فيه محمد، ومن هنا جاءت الآثار مرّة بإبراهيم ومرّة بآل إبراهيم وربما جاء ذلك في حديث واحد، ومعلوم أن قوله تعالى: { { أَدْخِلُوا آلَ فِرْعَوْنَ أَشَدَّ الْعَذَابِ } } أن فرعون داخل معهم ( وبارك على محمد وأزواجه وذريته) قال العلماء: معنى البركة هنا الزيادة من الخير والكرامة، وقيل هي بمعنى التطهير والتزكية أي طهرهم وقد قال تعالى: { { لِيُذْهِبَ عَنكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيرًا } } وقيل تكثير الثواب فالبركة لغة التكثير قاله الباجي، وقيل: المراد ثبات ذلك ودوامه من قولهم بركت الإبل أي ثبتت على الأرض، وبه جزم أبو اليمن بن عساكر فقال: وبارك أي أثبت لهم وأدم لهم ما أعطيتهم من الشرف والكرامة.

قال السخاوي: ولم يصرح أحد بوجوب قوله وبارك على محمد فيما عثرنا عليه غير أنّ ابن حزم ذكر ما يفهم منه وجوبها في الجملة فقال: على المرء أن يبارك عليه ولو مرة في العمر، وظاهر كلام صاحب المغني من الحنابلة وجوبها في الصلاة.
قال المجد الشيرازي: والظاهر أنّ أحدًا من الفقهاء لا يوافق على ذلك.

( كما باركت على آل إبراهيم إنك حميد) فعيل من الحمد بمعنى مفعول وهو من تحمد ذاته وصفاته أو المستحق لذلك أو بمعنى حامد أي يحمد أفعال عباده حوّل للمبالغة، وذلك مناسب لزيادة الإفضال وإعطاء المراد من الأمور العظام ( مجيد) بمعنى ماجد من المجد وهو الشرف.

واستشكل بأنّ المشبه دون المشبه به، والواقع هنا عكسه لأنّ محمدًا وحده أفضل من إبراهيم وآله، وقضية ذلك أن الصلاة المطلوبة له أفضل من كل صلاة حصلت أو تحصل لغيره.
وأجيب: بأنه قال ذلك قبل علمه أنه أفضل من إبراهيم.

وفي مسلم عن أنس أن رجلاً قال للنبيّ صلى الله عليه وسلم: يا خير البرية.
قال: ذاك إبراهيم.
وتعقب بأنه لو كان كذلك لغير صفة الصلاة عليه بعد علمه أنه أفضل، وردّ بأنه لا تلازم بين علمه بأنه أفضل وبين التغيير لأنّ بقاء ذلك لا يستلزم نقصًا فيه بل التغيير قد يوهم نقصًا لإبراهيم أو قال ذلك تواضعًا وشرعًا لأمّته ليكتسبوا به الفضيلة أو التشبيه، إنما هو لأصل الصلاة بأصل الصلاة لا للقدر بالقدر كقوله: { { إِنَّا أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ كَمَا أَوْحَيْنَا إِلَى نُوحٍ } } ومنه { { وَأَحْسِنْ كَمَا أَحْسَنَ اللهُ إِلَيْكَ } } ورجحه في المفهم، وقوله: اللهم صل على محمد مقطوع عن التشبيه فهو متعلق بقوله وعلى آل محمد، وتعقب بأنه مخالف لقاعدة الأصول في رجوع المتعلقات إلى جميع الجمل، وبأنّ التشبيه قد جاء في بعض الروايات من غير ذكر الآل وبأنّ غير الأنبياء لا يمكن أن يساووا الأنبياء فكيف يطلب لهم صلاة مثل الصلاة التي وقعت لإبراهيم والأنبياء من آله؟ وردّ هذا بأن المطلوب الثواب الحاصل لهم لا جميع الصفات التي كانت سببًا للثواب أو أنّ كون المشبه به أرفع من المشبه لا يطرد بل قد يكون بالمثل بل بالدون كقوله تعالى: { { مَثَلُ نُورِهِ كَمِشْكَاةٍ فِيهَا مِصْبَاحٌ } } وأين يقع نور طاقة فيها مصباح من نور العليم الفتاح، لكن لما كان المراد من المشبه به أن يكون شيئًا ظاهرًا واضحًا للسامع حسن تشبيه النور بالمشكاة، وكذا هنا لما كان تعظيم إبراهيم وآل إبراهيم بالصلاة عليهم مشهورًا واضحًا عند جميع الطوائف حسن أن يطلب لمحمد وآله بالصلاة عليهم مثل ما حصل لإبراهيم وآله، ويؤيده ختم الطلب المذكور بقوله في العالمين ولذا لم يقع في العالمين إلا في ذكر إبراهيم دون ذكر آل محمد على ما في الحديث التالي.

وقال عياض: أظهر الأقوال أنه سأل ذلك لنفسه ولأهل بيته ليتم النعمة عليهم كما أتمها على إبراهيم وآله، وقيل بل سأل ذلك لأمّته، وقيل بل ليبقى له ذلك دائمًا إلى يوم القيامة ويجعل له به لسان صدق في الآخرين كإبراهيم، وقيل سأل صلاة يتخذه بها خليلاً كما اتخذ إبراهيم، وقيل هو على ظاهره، والمراد اجعل لمحمد وآله صلاة بمقدار الصلاة التي لإبراهيم وآله والمسئول مقابلة الجملة بالجملة فإن المختار في الآل أنهم جميع الأتباع، ويدخل في آل إبراهيم خلائق لا يحصون من الأنبياء ولا يدخل في آل محمد نبي فطلب إلحاق هذه الجملة التي فيها نبي واحد بتلك الجملة التي فيها خلائق من الأنبياء.

قال النووي: وهذا وكون المشاركة في أصل الصلاة لا قدرها وكون المسئول له مثل إبراهيم وآله هم آل محمد لا نفسه هي الأقوال الثلاثة المختارة.

وقال ابن القيم: الأحسن أن يقال هو صلى الله عليه وسلم من آل إبراهيم، وقد ثبت ذلك عن ابن عباس في تفسير قوله تعالى: { { إِنَّ اللهَ اصْطَفَى آدَمَ وَنُوحًا وَآلَ إِبْرَاهِيمَ } } قال محمد من آل إبراهيم فكأنه أمرنا أن نصلي على محمد وعلى آل محمد خصوصًا بقدر ما صلينا عليه مع إبراهيم وآل إبراهيم عمومًا فيحصل لآله ما يليق بهم ويبقى الباقي كله له، وذلك القدر أزيد مما لغيره من آل إبراهيم، وتظهر فائدة التشبيه وأن المطلوب له بهذا اللفظ أفضل من المطلوب بغيره من الألفاظ.

وقال الحليمي: سبب هذا التشبيه أن الملائكة قالت في بيت إبراهيم رحمة الله وبركاته عليكم أهل البيت إنه حميد مجيد، وقد علم أنّ محمدًا وآل محمد من أهل بيت إبراهيم فكأنه قال: أجب دعاء الملائكة الذين قالوا ذلك في محمد وآل محمد كما أجبتها عندما قالوها في آل إبراهيم الموجودين حينئذ، ولذا ختم بما ختم به هذه الآية وهو قوله: إنك حميد مجيد.

وهذا الحديث رواه البخاري في أحاديث الأنبياء عن عبد الله بن يوسف، وفي الدعوات عن عبد الله بن مسلمة، ومسلم في الصلاة من طريق روح وعبد الله بن نافع والنسائي من طريق ابن القاسم خمستهم عن مالك به.

( مالك عن نعيم) بضم النون ( بن عبد الله) المدني مولى آل عمر ( المجمر) بضم الميم الأولى وكسر الثانية بينهما جيم ساكنة صفة له ولأبيه كما تقدّم ثقة من أواسط التابعي ( عن محمد بن عبد الله بن زيد) بن عبد ربه الأنصاري المدني التابعي وأبوه صحابي في رواية مسلم وهو الذي كان أري الأذان ( أنه أخبره عن أبي مسعود) عقبة بن عمرو بن ثعلبة الأنصاري البدري صحابي جليل مات قبل الأربعين وقيل بعدها.

( أنه قال: أتانا رسول الله صلى الله عليه وسلم في مجلس سعد بن عبادة) سيد الخزرج.
قال الباجي: فيه أنّ الإمام يخص رؤساء الناس بزيارتهم في مجالسهم تأنيسًا لهم ( فقال له بشير) بفتح الموحدة وكسر المعجمة ( بن سعد) بسكون العين ابن ثعلبة الأنصاري الخزرجي صحابي جليل بدري والد النعمان استشهد بعين التمر ( أمرنا الله أن نصلي عليك يا رسول الله) بقوله: { { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ } } ( فكيف نصلي عليك) أي فعلمنا كيف اللفظ اللائق بالصلاة عليك.
زاد الدارقطني وابن حبان والحاكم والبيهقي إذا نحن صلينا عليك في صلاتنا ( قال: فسكت رسول الله صلى الله عليه وسلم) يحتمل أن يكون سكوته حياء وتواضعًا إذ في ذلك الرفعة له فأحب أن لو قالوا هم ذلك، ويحتمل أن ينتظر ما يأمره الله به من الكلام الذي ذكره لأنه أكثر مما في القرآن قاله البوني ( حتى تمنينا) وددنا ( أنه لم يسأله) مخافة أن يكون كرهه وشق عليه.

( ثم قال قولوا) الأمر للوجوب اتفاقًا فقيل في العمر مرّة واحدة وقيل في كل تشهد يعقبه سلام وقيل كلما ذكر ( اللهم صل على محمد) قال الحازمي: أي عظمه في الدنيا بإعلاء ذكره وإظهار دينه وإبقاء شريعته وفي الآخرة بإجزال مثوبته وتشفيعه في أمّته، وأيد فضيلته بالمقام المحمود، ولما كان البشر عاجزًا عن أن يبلغ قدر الواجب له من ذلك شرع لنا أن نحيل أمر ذلك على الله تعالى نقول: اللهم صل على محمد أي لأنك أنت العالم بما يليق به من ذلك ( وعلى آل محمد) أتباعه قاله مالك لقوله: أدخلوا آل فرعون أو ذرّيته.
الباجي: الأظهر عندي أنهم الأتباع من الرهط والعشيرة.
ابن عبد البر لفظ آل محتمل وقيل يفسر بقوله في الحديث: قبله أزواجه وذرّيته فما أجمله مرة فسره أخرى.

( كما صليت على إبراهيم وبارك على محمد وعلى آل محمد كما باركت على آل إبراهيم) وفي رواية بدون لفظ آل في الموضعين فقيل هي مقحمة في الحديث الأوّل فيهما.
ورده الحافظ بأنّ ذكر محمد وإبراهيم وذكر آل محمد وآل إبراهيم ثابتة في أصل الخبر، وإنما حفظ بعض الرواة ما لم يحفظ الآخر ( في العالمين إنك حميد مجيد) محمود ماجد وصرفا لبناء المبالغة.

قال الطيبي: هذا تذييل للكلام السابق وتقرير له على سبيل العموم أي إنك حميد فاعل ما تستوجب به الحمد من النعم المتكاثرة والآلاء المتعاقبة المتوالية مجيد كريم كثير الإحسان إلى جميع عبادك الصالحين ومن محامدك وإحسانك أن توجه صلواتك وبركاتك على حبيبك نبي الرحمة وآله ( والسلام كما قد علمتم) في التشهد وهو السلام عليك أيها النبي ورحمة الله وبركاته روي بفتح العين وكسر اللام مخففة وبضم العين وشدّ اللام أي علمتموه من العلم والتعليم.
قال البرقي: والأولى أصح، وقال النووي: كلاهما صحيح ولم يقل كما صليت على موسى لأنه كان التجلي له بالجلال { { وَخَرَّ مُوسَى صَعِقًا } } والخليل كان التجلي له بالجمال لأن المحبة والخلة من آثار التجلي بالجمال فأمرهم أن يسألوا له التجلي بالجمال، وهذا لا يقتضي التسوية بينه وبين الخليل لأنه إنما أمرهم أن يسألوا له التجلي بالوصف الذي تجلى به للخليل فالذي تقتضيه المشاركة في الوصف لا التسوية بين المقامين فالحق سبحانه وتعالى يتجلى له بالجمال لشخصين بحسب مقاميهما وإن اشتركا في وصف التجلي، فتجلى للخليل بحسب مقامه وللمصطفى صلى الله عليه وسلم بحسب مقامه أفاده العارف المرجاني.

وهذا الحديث رواه مسلم عن يحيى، والنسائي من طريق أبي القاسم كلاهما عن مالك به.

قال ابن عبد البر: رويت الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم من طرق متواترة بألفاظ متقاربة وليس في شيء منها وارحم محمدًا فلا أحب لأحد أن يقوله لأن الصلاة إن كانت من الله الرحمة فإنّ النبي صلى الله عليه وسلم قد خص بهذا اللفظ، وذلك والله أعلم لقوله تعالى: { { لاَ تَجْعَلُوا دُعَاءَ الرَّسُولِ بَيْنَكُمْ كَدُعَاءِ بَعْضِكُمْ بَعْضًا } }

ولذا أنكر العلماء على يحيى ومن تابعه في الرواية عن ( مالك عن عبد الله بن دينار قال: رأيت عبد الله بن عمر يقف على قبر النبي صلى الله عليه وسلم فيصلي على النبي صلى الله عليه وسلم وعلى أبي بكر وعمر) قالوا: وإنما رواه القعنبي وابن بكير وسائر رواة الموطأ فيصلي على النبي صلى الله عليه وسلم ويدعو لأبي بكر وعمر، ففرقوا بين يصلي وبين ويدعو، وإن كانت الصلاة قد تكون دعاء لما خص به من لفظ الصلاة عليه صلى الله عليه وسلم، ثم ذكر الخلاف في الصلاة على غير النبي صلى الله عليه وسلم، ولعل إنكار العلماء رواية يحيى ومن تابعه من حيث اللفظ الذي خالفه فيه الجمهور، فتكون روايته شاذة وإلاّ فالصلاة على غير النبي تجوز تبعًا كما هنا، وإنما الخلاف فيها استقلالاً هل تمنع أو تكره أو تجوّز كما حكاه في الشفا.
قال الأبي: والأصح الكراهة.



رقم الحديث 406 وَحَدَّثَنِي عَنْ مَالِكٍ، عَنْ نُعَيْمِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ الْمُجْمِرِ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ زَيْدٍ، أَنَّهُ أَخْبَرَهُ عَنْ أَبِي مَسْعُودٍ الْأَنْصَارِيِّ، أَنَّهُ قَالَ: أَتَانَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي مَجْلِسِ سَعْدِ بْنِ عُبَادَةَ، فَقَالَ لَهُ بَشِيرُ بْنُ سَعْدٍ: أَمَرَنَا اللَّهُ أَنْ نُصَلِّيَ عَلَيْكَ يَا رَسُولَ اللَّهِ.
فَكَيْفَ نُصَلِّي عَلَيْكَ؟ قَالَ: فَسَكَتَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَتَّى تَمَنَّيْنَا أَنَّهُ لَمْ يَسْأَلْهُ، ثُمَّ قَالَ: قُولُوا: اللَّهُمَّ صَلِّ عَلَى مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِ مُحَمَّدٍ، كَمَا صَلَّيْتَ عَلَى إِبْرَاهِيمَ، وَبَارِكْ عَلَى مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِ مُحَمَّدٍ، كَمَا بَارَكْتَ عَلَى آلِ إِبْرَاهِيمَ فِي الْعَالَمِينَ، إِنَّكَ حَمِيدٌ مَجِيدٌ وَالسَّلَامُ كَمَا قَدْ عَلِمْتُمْ.


( مالك عن عبد الله بن أبي بكر بن حزم) بفتح المهملة وإسكان الزاي نسبة لجدّه وفي رواية ابن وضاح وغيره أبي بكر بن محمد بن عمرو بن حزم على الأصل ( عن أبيه) أبي بكر اسمه وكنيته واحد وقيل يكنى أبا محمد ( عن عمرو) بفتح العين ( بن سليم) بضم السين ( الزرقي) بضم الزاي وفتح الراء وكسر القاف ( أنه قال: أخبرني) بالإفراد ( أبو حميد) بضم الحاء ( الساعدي) الصحابي الشهير اسمه المنذر بن سعد بن المنذر أو ابن مالك وقيل اسمه عبد الرحمن وقيل عمرو شهد أحدًا وما بعدها وعاش إلى أول سنة ستين.

( أنهم) أي الصحابة ( قالوا: يا رسول الله) قال الحافظ: وقفت من تعيين من باشر السؤال على جماعة أبي بن كعب في الطبراني وبشير بن سعد عند مالك، ومسلم وزيد بن خارجة الأنصاري عند النسائي، وطلحة بن عبيد الله عند الطبراني، وأبي هريرة عند الشافعي، وعبد الرحمن بن بشير عند إسماعيل القاضي في كتاب فضل الصلاة، وكعب بن عجرة عند ابن مردويه قال: فإن ثبت تعدّد السائل فواضح، وإن ثبت أنه واحد فالتعبير بصيغة الجمع إشارة إلى أن السؤال لا يختص به بل يريد نفسه ومن وافقه على ذلك وليس هو من التعبير عن البعض بالكل بل حمله على ظاهره من الجمع هو المعتمد لما ذكر ( كيف نصلي عليك) أي كيف اللفظ الذي يليق أن نصلي به عليك كما علمتنا السلام لأنا لا نعلم اللفظ اللائق بك، ولذا عبر بكيف التي يسأل بها عن الصفة.
قال الباجي: إنما سألوه صفة الصلاة عليه ولم يسألوا عن جنسها لأنهم لم يؤمروا بالرحمة وإنما أمروا بالدعاء.
وقال ابن عبد البر: فيه أن من ورد عليه خبر محتمل لا يقطع فيه بشيء حتى يقف على المراد به إن وجد إليه سبيلاً فسألوه لما احتمل لفظ الصلاة من المعاني وفي الترمذي وغيره عن كعب بن عجرة لما نزلت { { إِنَّ اللهَ وَمَلاَئِكَتَهُ } } الآية قلنا يا رسول الله قد علمنا السلام فكيف الصلاة؟

( فقال: قولوا اللهم صل على محمد) صلاة تليق به ( وأزواجه وذريته) من كان للنبي صلى الله عليه وسلم ولادة عليه من ولده وولد ولده قاله الباجي ( كما صليت على آل إبراهيم) قال ابن عبد البر: يدخل فيه إبراهيم وآل محمد يدخل فيه محمد، ومن هنا جاءت الآثار مرّة بإبراهيم ومرّة بآل إبراهيم وربما جاء ذلك في حديث واحد، ومعلوم أن قوله تعالى: { { أَدْخِلُوا آلَ فِرْعَوْنَ أَشَدَّ الْعَذَابِ } } أن فرعون داخل معهم ( وبارك على محمد وأزواجه وذريته) قال العلماء: معنى البركة هنا الزيادة من الخير والكرامة، وقيل هي بمعنى التطهير والتزكية أي طهرهم وقد قال تعالى: { { لِيُذْهِبَ عَنكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيرًا } } وقيل تكثير الثواب فالبركة لغة التكثير قاله الباجي، وقيل: المراد ثبات ذلك ودوامه من قولهم بركت الإبل أي ثبتت على الأرض، وبه جزم أبو اليمن بن عساكر فقال: وبارك أي أثبت لهم وأدم لهم ما أعطيتهم من الشرف والكرامة.

قال السخاوي: ولم يصرح أحد بوجوب قوله وبارك على محمد فيما عثرنا عليه غير أنّ ابن حزم ذكر ما يفهم منه وجوبها في الجملة فقال: على المرء أن يبارك عليه ولو مرة في العمر، وظاهر كلام صاحب المغني من الحنابلة وجوبها في الصلاة.
قال المجد الشيرازي: والظاهر أنّ أحدًا من الفقهاء لا يوافق على ذلك.

( كما باركت على آل إبراهيم إنك حميد) فعيل من الحمد بمعنى مفعول وهو من تحمد ذاته وصفاته أو المستحق لذلك أو بمعنى حامد أي يحمد أفعال عباده حوّل للمبالغة، وذلك مناسب لزيادة الإفضال وإعطاء المراد من الأمور العظام ( مجيد) بمعنى ماجد من المجد وهو الشرف.

واستشكل بأنّ المشبه دون المشبه به، والواقع هنا عكسه لأنّ محمدًا وحده أفضل من إبراهيم وآله، وقضية ذلك أن الصلاة المطلوبة له أفضل من كل صلاة حصلت أو تحصل لغيره.
وأجيب: بأنه قال ذلك قبل علمه أنه أفضل من إبراهيم.

وفي مسلم عن أنس أن رجلاً قال للنبيّ صلى الله عليه وسلم: يا خير البرية.
قال: ذاك إبراهيم.
وتعقب بأنه لو كان كذلك لغير صفة الصلاة عليه بعد علمه أنه أفضل، وردّ بأنه لا تلازم بين علمه بأنه أفضل وبين التغيير لأنّ بقاء ذلك لا يستلزم نقصًا فيه بل التغيير قد يوهم نقصًا لإبراهيم أو قال ذلك تواضعًا وشرعًا لأمّته ليكتسبوا به الفضيلة أو التشبيه، إنما هو لأصل الصلاة بأصل الصلاة لا للقدر بالقدر كقوله: { { إِنَّا أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ كَمَا أَوْحَيْنَا إِلَى نُوحٍ } } ومنه { { وَأَحْسِنْ كَمَا أَحْسَنَ اللهُ إِلَيْكَ } } ورجحه في المفهم، وقوله: اللهم صل على محمد مقطوع عن التشبيه فهو متعلق بقوله وعلى آل محمد، وتعقب بأنه مخالف لقاعدة الأصول في رجوع المتعلقات إلى جميع الجمل، وبأنّ التشبيه قد جاء في بعض الروايات من غير ذكر الآل وبأنّ غير الأنبياء لا يمكن أن يساووا الأنبياء فكيف يطلب لهم صلاة مثل الصلاة التي وقعت لإبراهيم والأنبياء من آله؟ وردّ هذا بأن المطلوب الثواب الحاصل لهم لا جميع الصفات التي كانت سببًا للثواب أو أنّ كون المشبه به أرفع من المشبه لا يطرد بل قد يكون بالمثل بل بالدون كقوله تعالى: { { مَثَلُ نُورِهِ كَمِشْكَاةٍ فِيهَا مِصْبَاحٌ } } وأين يقع نور طاقة فيها مصباح من نور العليم الفتاح، لكن لما كان المراد من المشبه به أن يكون شيئًا ظاهرًا واضحًا للسامع حسن تشبيه النور بالمشكاة، وكذا هنا لما كان تعظيم إبراهيم وآل إبراهيم بالصلاة عليهم مشهورًا واضحًا عند جميع الطوائف حسن أن يطلب لمحمد وآله بالصلاة عليهم مثل ما حصل لإبراهيم وآله، ويؤيده ختم الطلب المذكور بقوله في العالمين ولذا لم يقع في العالمين إلا في ذكر إبراهيم دون ذكر آل محمد على ما في الحديث التالي.

وقال عياض: أظهر الأقوال أنه سأل ذلك لنفسه ولأهل بيته ليتم النعمة عليهم كما أتمها على إبراهيم وآله، وقيل بل سأل ذلك لأمّته، وقيل بل ليبقى له ذلك دائمًا إلى يوم القيامة ويجعل له به لسان صدق في الآخرين كإبراهيم، وقيل سأل صلاة يتخذه بها خليلاً كما اتخذ إبراهيم، وقيل هو على ظاهره، والمراد اجعل لمحمد وآله صلاة بمقدار الصلاة التي لإبراهيم وآله والمسئول مقابلة الجملة بالجملة فإن المختار في الآل أنهم جميع الأتباع، ويدخل في آل إبراهيم خلائق لا يحصون من الأنبياء ولا يدخل في آل محمد نبي فطلب إلحاق هذه الجملة التي فيها نبي واحد بتلك الجملة التي فيها خلائق من الأنبياء.

قال النووي: وهذا وكون المشاركة في أصل الصلاة لا قدرها وكون المسئول له مثل إبراهيم وآله هم آل محمد لا نفسه هي الأقوال الثلاثة المختارة.

وقال ابن القيم: الأحسن أن يقال هو صلى الله عليه وسلم من آل إبراهيم، وقد ثبت ذلك عن ابن عباس في تفسير قوله تعالى: { { إِنَّ اللهَ اصْطَفَى آدَمَ وَنُوحًا وَآلَ إِبْرَاهِيمَ } } قال محمد من آل إبراهيم فكأنه أمرنا أن نصلي على محمد وعلى آل محمد خصوصًا بقدر ما صلينا عليه مع إبراهيم وآل إبراهيم عمومًا فيحصل لآله ما يليق بهم ويبقى الباقي كله له، وذلك القدر أزيد مما لغيره من آل إبراهيم، وتظهر فائدة التشبيه وأن المطلوب له بهذا اللفظ أفضل من المطلوب بغيره من الألفاظ.

وقال الحليمي: سبب هذا التشبيه أن الملائكة قالت في بيت إبراهيم رحمة الله وبركاته عليكم أهل البيت إنه حميد مجيد، وقد علم أنّ محمدًا وآل محمد من أهل بيت إبراهيم فكأنه قال: أجب دعاء الملائكة الذين قالوا ذلك في محمد وآل محمد كما أجبتها عندما قالوها في آل إبراهيم الموجودين حينئذ، ولذا ختم بما ختم به هذه الآية وهو قوله: إنك حميد مجيد.

وهذا الحديث رواه البخاري في أحاديث الأنبياء عن عبد الله بن يوسف، وفي الدعوات عن عبد الله بن مسلمة، ومسلم في الصلاة من طريق روح وعبد الله بن نافع والنسائي من طريق ابن القاسم خمستهم عن مالك به.

( مالك عن نعيم) بضم النون ( بن عبد الله) المدني مولى آل عمر ( المجمر) بضم الميم الأولى وكسر الثانية بينهما جيم ساكنة صفة له ولأبيه كما تقدّم ثقة من أواسط التابعي ( عن محمد بن عبد الله بن زيد) بن عبد ربه الأنصاري المدني التابعي وأبوه صحابي في رواية مسلم وهو الذي كان أري الأذان ( أنه أخبره عن أبي مسعود) عقبة بن عمرو بن ثعلبة الأنصاري البدري صحابي جليل مات قبل الأربعين وقيل بعدها.

( أنه قال: أتانا رسول الله صلى الله عليه وسلم في مجلس سعد بن عبادة) سيد الخزرج.
قال الباجي: فيه أنّ الإمام يخص رؤساء الناس بزيارتهم في مجالسهم تأنيسًا لهم ( فقال له بشير) بفتح الموحدة وكسر المعجمة ( بن سعد) بسكون العين ابن ثعلبة الأنصاري الخزرجي صحابي جليل بدري والد النعمان استشهد بعين التمر ( أمرنا الله أن نصلي عليك يا رسول الله) بقوله: { { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ } } ( فكيف نصلي عليك) أي فعلمنا كيف اللفظ اللائق بالصلاة عليك.
زاد الدارقطني وابن حبان والحاكم والبيهقي إذا نحن صلينا عليك في صلاتنا ( قال: فسكت رسول الله صلى الله عليه وسلم) يحتمل أن يكون سكوته حياء وتواضعًا إذ في ذلك الرفعة له فأحب أن لو قالوا هم ذلك، ويحتمل أن ينتظر ما يأمره الله به من الكلام الذي ذكره لأنه أكثر مما في القرآن قاله البوني ( حتى تمنينا) وددنا ( أنه لم يسأله) مخافة أن يكون كرهه وشق عليه.

( ثم قال قولوا) الأمر للوجوب اتفاقًا فقيل في العمر مرّة واحدة وقيل في كل تشهد يعقبه سلام وقيل كلما ذكر ( اللهم صل على محمد) قال الحازمي: أي عظمه في الدنيا بإعلاء ذكره وإظهار دينه وإبقاء شريعته وفي الآخرة بإجزال مثوبته وتشفيعه في أمّته، وأيد فضيلته بالمقام المحمود، ولما كان البشر عاجزًا عن أن يبلغ قدر الواجب له من ذلك شرع لنا أن نحيل أمر ذلك على الله تعالى نقول: اللهم صل على محمد أي لأنك أنت العالم بما يليق به من ذلك ( وعلى آل محمد) أتباعه قاله مالك لقوله: أدخلوا آل فرعون أو ذرّيته.
الباجي: الأظهر عندي أنهم الأتباع من الرهط والعشيرة.
ابن عبد البر لفظ آل محتمل وقيل يفسر بقوله في الحديث: قبله أزواجه وذرّيته فما أجمله مرة فسره أخرى.

( كما صليت على إبراهيم وبارك على محمد وعلى آل محمد كما باركت على آل إبراهيم) وفي رواية بدون لفظ آل في الموضعين فقيل هي مقحمة في الحديث الأوّل فيهما.
ورده الحافظ بأنّ ذكر محمد وإبراهيم وذكر آل محمد وآل إبراهيم ثابتة في أصل الخبر، وإنما حفظ بعض الرواة ما لم يحفظ الآخر ( في العالمين إنك حميد مجيد) محمود ماجد وصرفا لبناء المبالغة.

قال الطيبي: هذا تذييل للكلام السابق وتقرير له على سبيل العموم أي إنك حميد فاعل ما تستوجب به الحمد من النعم المتكاثرة والآلاء المتعاقبة المتوالية مجيد كريم كثير الإحسان إلى جميع عبادك الصالحين ومن محامدك وإحسانك أن توجه صلواتك وبركاتك على حبيبك نبي الرحمة وآله ( والسلام كما قد علمتم) في التشهد وهو السلام عليك أيها النبي ورحمة الله وبركاته روي بفتح العين وكسر اللام مخففة وبضم العين وشدّ اللام أي علمتموه من العلم والتعليم.
قال البرقي: والأولى أصح، وقال النووي: كلاهما صحيح ولم يقل كما صليت على موسى لأنه كان التجلي له بالجلال { { وَخَرَّ مُوسَى صَعِقًا } } والخليل كان التجلي له بالجمال لأن المحبة والخلة من آثار التجلي بالجمال فأمرهم أن يسألوا له التجلي بالجمال، وهذا لا يقتضي التسوية بينه وبين الخليل لأنه إنما أمرهم أن يسألوا له التجلي بالوصف الذي تجلى به للخليل فالذي تقتضيه المشاركة في الوصف لا التسوية بين المقامين فالحق سبحانه وتعالى يتجلى له بالجمال لشخصين بحسب مقاميهما وإن اشتركا في وصف التجلي، فتجلى للخليل بحسب مقامه وللمصطفى صلى الله عليه وسلم بحسب مقامه أفاده العارف المرجاني.

وهذا الحديث رواه مسلم عن يحيى، والنسائي من طريق أبي القاسم كلاهما عن مالك به.

قال ابن عبد البر: رويت الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم من طرق متواترة بألفاظ متقاربة وليس في شيء منها وارحم محمدًا فلا أحب لأحد أن يقوله لأن الصلاة إن كانت من الله الرحمة فإنّ النبي صلى الله عليه وسلم قد خص بهذا اللفظ، وذلك والله أعلم لقوله تعالى: { { لاَ تَجْعَلُوا دُعَاءَ الرَّسُولِ بَيْنَكُمْ كَدُعَاءِ بَعْضِكُمْ بَعْضًا } }

ولذا أنكر العلماء على يحيى ومن تابعه في الرواية عن ( مالك عن عبد الله بن دينار قال: رأيت عبد الله بن عمر يقف على قبر النبي صلى الله عليه وسلم فيصلي على النبي صلى الله عليه وسلم وعلى أبي بكر وعمر) قالوا: وإنما رواه القعنبي وابن بكير وسائر رواة الموطأ فيصلي على النبي صلى الله عليه وسلم ويدعو لأبي بكر وعمر، ففرقوا بين يصلي وبين ويدعو، وإن كانت الصلاة قد تكون دعاء لما خص به من لفظ الصلاة عليه صلى الله عليه وسلم، ثم ذكر الخلاف في الصلاة على غير النبي صلى الله عليه وسلم، ولعل إنكار العلماء رواية يحيى ومن تابعه من حيث اللفظ الذي خالفه فيه الجمهور، فتكون روايته شاذة وإلاّ فالصلاة على غير النبي تجوز تبعًا كما هنا، وإنما الخلاف فيها استقلالاً هل تمنع أو تكره أو تجوّز كما حكاه في الشفا.
قال الأبي: والأصح الكراهة.



رقم الحديث 407 وَحَدَّثَنِي عَنْ مَالِكٍ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ دِينَارٍ، قَالَ: رَأَيْتُ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عُمَرَ يَقِفُ عَلَى قَبْرِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَيُصَلِّي عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَعَلَى أَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ.


( مالك عن عبد الله بن أبي بكر بن حزم) بفتح المهملة وإسكان الزاي نسبة لجدّه وفي رواية ابن وضاح وغيره أبي بكر بن محمد بن عمرو بن حزم على الأصل ( عن أبيه) أبي بكر اسمه وكنيته واحد وقيل يكنى أبا محمد ( عن عمرو) بفتح العين ( بن سليم) بضم السين ( الزرقي) بضم الزاي وفتح الراء وكسر القاف ( أنه قال: أخبرني) بالإفراد ( أبو حميد) بضم الحاء ( الساعدي) الصحابي الشهير اسمه المنذر بن سعد بن المنذر أو ابن مالك وقيل اسمه عبد الرحمن وقيل عمرو شهد أحدًا وما بعدها وعاش إلى أول سنة ستين.

( أنهم) أي الصحابة ( قالوا: يا رسول الله) قال الحافظ: وقفت من تعيين من باشر السؤال على جماعة أبي بن كعب في الطبراني وبشير بن سعد عند مالك، ومسلم وزيد بن خارجة الأنصاري عند النسائي، وطلحة بن عبيد الله عند الطبراني، وأبي هريرة عند الشافعي، وعبد الرحمن بن بشير عند إسماعيل القاضي في كتاب فضل الصلاة، وكعب بن عجرة عند ابن مردويه قال: فإن ثبت تعدّد السائل فواضح، وإن ثبت أنه واحد فالتعبير بصيغة الجمع إشارة إلى أن السؤال لا يختص به بل يريد نفسه ومن وافقه على ذلك وليس هو من التعبير عن البعض بالكل بل حمله على ظاهره من الجمع هو المعتمد لما ذكر ( كيف نصلي عليك) أي كيف اللفظ الذي يليق أن نصلي به عليك كما علمتنا السلام لأنا لا نعلم اللفظ اللائق بك، ولذا عبر بكيف التي يسأل بها عن الصفة.
قال الباجي: إنما سألوه صفة الصلاة عليه ولم يسألوا عن جنسها لأنهم لم يؤمروا بالرحمة وإنما أمروا بالدعاء.
وقال ابن عبد البر: فيه أن من ورد عليه خبر محتمل لا يقطع فيه بشيء حتى يقف على المراد به إن وجد إليه سبيلاً فسألوه لما احتمل لفظ الصلاة من المعاني وفي الترمذي وغيره عن كعب بن عجرة لما نزلت { { إِنَّ اللهَ وَمَلاَئِكَتَهُ } } الآية قلنا يا رسول الله قد علمنا السلام فكيف الصلاة؟

( فقال: قولوا اللهم صل على محمد) صلاة تليق به ( وأزواجه وذريته) من كان للنبي صلى الله عليه وسلم ولادة عليه من ولده وولد ولده قاله الباجي ( كما صليت على آل إبراهيم) قال ابن عبد البر: يدخل فيه إبراهيم وآل محمد يدخل فيه محمد، ومن هنا جاءت الآثار مرّة بإبراهيم ومرّة بآل إبراهيم وربما جاء ذلك في حديث واحد، ومعلوم أن قوله تعالى: { { أَدْخِلُوا آلَ فِرْعَوْنَ أَشَدَّ الْعَذَابِ } } أن فرعون داخل معهم ( وبارك على محمد وأزواجه وذريته) قال العلماء: معنى البركة هنا الزيادة من الخير والكرامة، وقيل هي بمعنى التطهير والتزكية أي طهرهم وقد قال تعالى: { { لِيُذْهِبَ عَنكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيرًا } } وقيل تكثير الثواب فالبركة لغة التكثير قاله الباجي، وقيل: المراد ثبات ذلك ودوامه من قولهم بركت الإبل أي ثبتت على الأرض، وبه جزم أبو اليمن بن عساكر فقال: وبارك أي أثبت لهم وأدم لهم ما أعطيتهم من الشرف والكرامة.

قال السخاوي: ولم يصرح أحد بوجوب قوله وبارك على محمد فيما عثرنا عليه غير أنّ ابن حزم ذكر ما يفهم منه وجوبها في الجملة فقال: على المرء أن يبارك عليه ولو مرة في العمر، وظاهر كلام صاحب المغني من الحنابلة وجوبها في الصلاة.
قال المجد الشيرازي: والظاهر أنّ أحدًا من الفقهاء لا يوافق على ذلك.

( كما باركت على آل إبراهيم إنك حميد) فعيل من الحمد بمعنى مفعول وهو من تحمد ذاته وصفاته أو المستحق لذلك أو بمعنى حامد أي يحمد أفعال عباده حوّل للمبالغة، وذلك مناسب لزيادة الإفضال وإعطاء المراد من الأمور العظام ( مجيد) بمعنى ماجد من المجد وهو الشرف.

واستشكل بأنّ المشبه دون المشبه به، والواقع هنا عكسه لأنّ محمدًا وحده أفضل من إبراهيم وآله، وقضية ذلك أن الصلاة المطلوبة له أفضل من كل صلاة حصلت أو تحصل لغيره.
وأجيب: بأنه قال ذلك قبل علمه أنه أفضل من إبراهيم.

وفي مسلم عن أنس أن رجلاً قال للنبيّ صلى الله عليه وسلم: يا خير البرية.
قال: ذاك إبراهيم.
وتعقب بأنه لو كان كذلك لغير صفة الصلاة عليه بعد علمه أنه أفضل، وردّ بأنه لا تلازم بين علمه بأنه أفضل وبين التغيير لأنّ بقاء ذلك لا يستلزم نقصًا فيه بل التغيير قد يوهم نقصًا لإبراهيم أو قال ذلك تواضعًا وشرعًا لأمّته ليكتسبوا به الفضيلة أو التشبيه، إنما هو لأصل الصلاة بأصل الصلاة لا للقدر بالقدر كقوله: { { إِنَّا أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ كَمَا أَوْحَيْنَا إِلَى نُوحٍ } } ومنه { { وَأَحْسِنْ كَمَا أَحْسَنَ اللهُ إِلَيْكَ } } ورجحه في المفهم، وقوله: اللهم صل على محمد مقطوع عن التشبيه فهو متعلق بقوله وعلى آل محمد، وتعقب بأنه مخالف لقاعدة الأصول في رجوع المتعلقات إلى جميع الجمل، وبأنّ التشبيه قد جاء في بعض الروايات من غير ذكر الآل وبأنّ غير الأنبياء لا يمكن أن يساووا الأنبياء فكيف يطلب لهم صلاة مثل الصلاة التي وقعت لإبراهيم والأنبياء من آله؟ وردّ هذا بأن المطلوب الثواب الحاصل لهم لا جميع الصفات التي كانت سببًا للثواب أو أنّ كون المشبه به أرفع من المشبه لا يطرد بل قد يكون بالمثل بل بالدون كقوله تعالى: { { مَثَلُ نُورِهِ كَمِشْكَاةٍ فِيهَا مِصْبَاحٌ } } وأين يقع نور طاقة فيها مصباح من نور العليم الفتاح، لكن لما كان المراد من المشبه به أن يكون شيئًا ظاهرًا واضحًا للسامع حسن تشبيه النور بالمشكاة، وكذا هنا لما كان تعظيم إبراهيم وآل إبراهيم بالصلاة عليهم مشهورًا واضحًا عند جميع الطوائف حسن أن يطلب لمحمد وآله بالصلاة عليهم مثل ما حصل لإبراهيم وآله، ويؤيده ختم الطلب المذكور بقوله في العالمين ولذا لم يقع في العالمين إلا في ذكر إبراهيم دون ذكر آل محمد على ما في الحديث التالي.

وقال عياض: أظهر الأقوال أنه سأل ذلك لنفسه ولأهل بيته ليتم النعمة عليهم كما أتمها على إبراهيم وآله، وقيل بل سأل ذلك لأمّته، وقيل بل ليبقى له ذلك دائمًا إلى يوم القيامة ويجعل له به لسان صدق في الآخرين كإبراهيم، وقيل سأل صلاة يتخذه بها خليلاً كما اتخذ إبراهيم، وقيل هو على ظاهره، والمراد اجعل لمحمد وآله صلاة بمقدار الصلاة التي لإبراهيم وآله والمسئول مقابلة الجملة بالجملة فإن المختار في الآل أنهم جميع الأتباع، ويدخل في آل إبراهيم خلائق لا يحصون من الأنبياء ولا يدخل في آل محمد نبي فطلب إلحاق هذه الجملة التي فيها نبي واحد بتلك الجملة التي فيها خلائق من الأنبياء.

قال النووي: وهذا وكون المشاركة في أصل الصلاة لا قدرها وكون المسئول له مثل إبراهيم وآله هم آل محمد لا نفسه هي الأقوال الثلاثة المختارة.

وقال ابن القيم: الأحسن أن يقال هو صلى الله عليه وسلم من آل إبراهيم، وقد ثبت ذلك عن ابن عباس في تفسير قوله تعالى: { { إِنَّ اللهَ اصْطَفَى آدَمَ وَنُوحًا وَآلَ إِبْرَاهِيمَ } } قال محمد من آل إبراهيم فكأنه أمرنا أن نصلي على محمد وعلى آل محمد خصوصًا بقدر ما صلينا عليه مع إبراهيم وآل إبراهيم عمومًا فيحصل لآله ما يليق بهم ويبقى الباقي كله له، وذلك القدر أزيد مما لغيره من آل إبراهيم، وتظهر فائدة التشبيه وأن المطلوب له بهذا اللفظ أفضل من المطلوب بغيره من الألفاظ.

وقال الحليمي: سبب هذا التشبيه أن الملائكة قالت في بيت إبراهيم رحمة الله وبركاته عليكم أهل البيت إنه حميد مجيد، وقد علم أنّ محمدًا وآل محمد من أهل بيت إبراهيم فكأنه قال: أجب دعاء الملائكة الذين قالوا ذلك في محمد وآل محمد كما أجبتها عندما قالوها في آل إبراهيم الموجودين حينئذ، ولذا ختم بما ختم به هذه الآية وهو قوله: إنك حميد مجيد.

وهذا الحديث رواه البخاري في أحاديث الأنبياء عن عبد الله بن يوسف، وفي الدعوات عن عبد الله بن مسلمة، ومسلم في الصلاة من طريق روح وعبد الله بن نافع والنسائي من طريق ابن القاسم خمستهم عن مالك به.

( مالك عن نعيم) بضم النون ( بن عبد الله) المدني مولى آل عمر ( المجمر) بضم الميم الأولى وكسر الثانية بينهما جيم ساكنة صفة له ولأبيه كما تقدّم ثقة من أواسط التابعي ( عن محمد بن عبد الله بن زيد) بن عبد ربه الأنصاري المدني التابعي وأبوه صحابي في رواية مسلم وهو الذي كان أري الأذان ( أنه أخبره عن أبي مسعود) عقبة بن عمرو بن ثعلبة الأنصاري البدري صحابي جليل مات قبل الأربعين وقيل بعدها.

( أنه قال: أتانا رسول الله صلى الله عليه وسلم في مجلس سعد بن عبادة) سيد الخزرج.
قال الباجي: فيه أنّ الإمام يخص رؤساء الناس بزيارتهم في مجالسهم تأنيسًا لهم ( فقال له بشير) بفتح الموحدة وكسر المعجمة ( بن سعد) بسكون العين ابن ثعلبة الأنصاري الخزرجي صحابي جليل بدري والد النعمان استشهد بعين التمر ( أمرنا الله أن نصلي عليك يا رسول الله) بقوله: { { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ } } ( فكيف نصلي عليك) أي فعلمنا كيف اللفظ اللائق بالصلاة عليك.
زاد الدارقطني وابن حبان والحاكم والبيهقي إذا نحن صلينا عليك في صلاتنا ( قال: فسكت رسول الله صلى الله عليه وسلم) يحتمل أن يكون سكوته حياء وتواضعًا إذ في ذلك الرفعة له فأحب أن لو قالوا هم ذلك، ويحتمل أن ينتظر ما يأمره الله به من الكلام الذي ذكره لأنه أكثر مما في القرآن قاله البوني ( حتى تمنينا) وددنا ( أنه لم يسأله) مخافة أن يكون كرهه وشق عليه.

( ثم قال قولوا) الأمر للوجوب اتفاقًا فقيل في العمر مرّة واحدة وقيل في كل تشهد يعقبه سلام وقيل كلما ذكر ( اللهم صل على محمد) قال الحازمي: أي عظمه في الدنيا بإعلاء ذكره وإظهار دينه وإبقاء شريعته وفي الآخرة بإجزال مثوبته وتشفيعه في أمّته، وأيد فضيلته بالمقام المحمود، ولما كان البشر عاجزًا عن أن يبلغ قدر الواجب له من ذلك شرع لنا أن نحيل أمر ذلك على الله تعالى نقول: اللهم صل على محمد أي لأنك أنت العالم بما يليق به من ذلك ( وعلى آل محمد) أتباعه قاله مالك لقوله: أدخلوا آل فرعون أو ذرّيته.
الباجي: الأظهر عندي أنهم الأتباع من الرهط والعشيرة.
ابن عبد البر لفظ آل محتمل وقيل يفسر بقوله في الحديث: قبله أزواجه وذرّيته فما أجمله مرة فسره أخرى.

( كما صليت على إبراهيم وبارك على محمد وعلى آل محمد كما باركت على آل إبراهيم) وفي رواية بدون لفظ آل في الموضعين فقيل هي مقحمة في الحديث الأوّل فيهما.
ورده الحافظ بأنّ ذكر محمد وإبراهيم وذكر آل محمد وآل إبراهيم ثابتة في أصل الخبر، وإنما حفظ بعض الرواة ما لم يحفظ الآخر ( في العالمين إنك حميد مجيد) محمود ماجد وصرفا لبناء المبالغة.

قال الطيبي: هذا تذييل للكلام السابق وتقرير له على سبيل العموم أي إنك حميد فاعل ما تستوجب به الحمد من النعم المتكاثرة والآلاء المتعاقبة المتوالية مجيد كريم كثير الإحسان إلى جميع عبادك الصالحين ومن محامدك وإحسانك أن توجه صلواتك وبركاتك على حبيبك نبي الرحمة وآله ( والسلام كما قد علمتم) في التشهد وهو السلام عليك أيها النبي ورحمة الله وبركاته روي بفتح العين وكسر اللام مخففة وبضم العين وشدّ اللام أي علمتموه من العلم والتعليم.
قال البرقي: والأولى أصح، وقال النووي: كلاهما صحيح ولم يقل كما صليت على موسى لأنه كان التجلي له بالجلال { { وَخَرَّ مُوسَى صَعِقًا } } والخليل كان التجلي له بالجمال لأن المحبة والخلة من آثار التجلي بالجمال فأمرهم أن يسألوا له التجلي بالجمال، وهذا لا يقتضي التسوية بينه وبين الخليل لأنه إنما أمرهم أن يسألوا له التجلي بالوصف الذي تجلى به للخليل فالذي تقتضيه المشاركة في الوصف لا التسوية بين المقامين فالحق سبحانه وتعالى يتجلى له بالجمال لشخصين بحسب مقاميهما وإن اشتركا في وصف التجلي، فتجلى للخليل بحسب مقامه وللمصطفى صلى الله عليه وسلم بحسب مقامه أفاده العارف المرجاني.

وهذا الحديث رواه مسلم عن يحيى، والنسائي من طريق أبي القاسم كلاهما عن مالك به.

قال ابن عبد البر: رويت الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم من طرق متواترة بألفاظ متقاربة وليس في شيء منها وارحم محمدًا فلا أحب لأحد أن يقوله لأن الصلاة إن كانت من الله الرحمة فإنّ النبي صلى الله عليه وسلم قد خص بهذا اللفظ، وذلك والله أعلم لقوله تعالى: { { لاَ تَجْعَلُوا دُعَاءَ الرَّسُولِ بَيْنَكُمْ كَدُعَاءِ بَعْضِكُمْ بَعْضًا } }

ولذا أنكر العلماء على يحيى ومن تابعه في الرواية عن ( مالك عن عبد الله بن دينار قال: رأيت عبد الله بن عمر يقف على قبر النبي صلى الله عليه وسلم فيصلي على النبي صلى الله عليه وسلم وعلى أبي بكر وعمر) قالوا: وإنما رواه القعنبي وابن بكير وسائر رواة الموطأ فيصلي على النبي صلى الله عليه وسلم ويدعو لأبي بكر وعمر، ففرقوا بين يصلي وبين ويدعو، وإن كانت الصلاة قد تكون دعاء لما خص به من لفظ الصلاة عليه صلى الله عليه وسلم، ثم ذكر الخلاف في الصلاة على غير النبي صلى الله عليه وسلم، ولعل إنكار العلماء رواية يحيى ومن تابعه من حيث اللفظ الذي خالفه فيه الجمهور، فتكون روايته شاذة وإلاّ فالصلاة على غير النبي تجوز تبعًا كما هنا، وإنما الخلاف فيها استقلالاً هل تمنع أو تكره أو تجوّز كما حكاه في الشفا.
قال الأبي: والأصح الكراهة.