فهرس الكتاب

شرح الزرقاني - بَابُ غُسْلِ الْمَرْأَةِ إِذَا رَأَتْ فِي الْمَنَامِ مِثْلَ مَا يَرَى الرَّجُلُ

رقم الحديث 39 وَحَدَّثَنِي عَنْ مَالِكٍ، عَنْ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ أَنَّ تَفْسِيرَ هَذِهِ الْآيَةِ { { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلَاةِ فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ إِلَى الْمَرَافِقِ وَامْسَحُوا بِرُءُوسِكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ إِلَى الْكَعْبَيْنِ } } أَنَّ ذَلِكَ إِذَا قُمْتُمْ مِنَ الْمَضَاجِعِ يَعْنِي النَّوْمَ قَالَ يَحْيَى: قَالَ مالِكٍ: الْأَمْرُ عِنْدَنَا أَنَّهُ لَا يَتَوَضَّأُ مِنْ رُعَافٍ وَلَا مِنْ دَمٍ وَلَا مِنْ قَيْحٍ يَسِيلُ مِنَ الْجَسَدِ، وَلَا يَتَوَضَّأُ إِلَّا مِنْ حَدَثٍ يَخْرُجُ مِنْ ذَكَرٍ أَوْ دُبُرٍ أَوْ نَوْمٍ.


وُضُوءِ النَّائِمِ إِذَا قَامَ إِلَى الصَّلَاةِ

( مَالِكٍ عَنْ أَبِي الزِّنَادِ) عبد الله بن ذكوان ( عَنِ الْأَعْرَجِ) عبد الرحمن بن هرمز ( عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: إِذَا اسْتَيْقَظَ أَحَدُكُمْ مِنْ نَوْمِهِ فَلْيَغْسِلْ) ندبًا ( يَدَهُ) بالإفراد زاد مسلم وغيره ثلاثًا وفي رواية ثلاث مرات ( قَبْلَ أَنْ يُدْخِلَهَا فِي وَضُوئِهِ) بفتح الواو الماء الذي يتوضأ به أي في الإناء المعد للوضوء، ولمسلم في الإناء ولابن خزيمة في إنائه أو وضوئه على الشك، ولمسلم وابن خزيمة وغيرهما من طرق فلا يغمس يده في الإناء حتى يغسلها وهي أبين في المراد من رواية الإدخال لأن مطلق الإدخال لا يترتب عليه كراهة كمن أدخل يده في إناء واسع فاغترف منه بإناء صغير لم يلامس يده الماء.

قال الحافظ: والظاهر اختصاص ذلك بإناء الوضوء ويلحق به إناء الغسل وكذا في الآنية قياسًا لكن في الاستحباب بلا كراهة لعدم النهي فيها عن ذلك وخرج بالإناء البرك والحياض التي لا تفسد بغمس اليد فيها على تقدير نجاستها فلا يتناولها الأمر والنهي للاستحباب عند الجمهور لأنه علله بالشك في قوله ( فَإِنَّ أَحَدَكُمْ لَا يَدْرِي أَيْنَ بَاتَتْ يَدُهُ) أي كفه لا ما زاد عليه اتفاقًا.
زاد ابن خزيمة والدارقطني منه أي من جسده أي هل لاقت مكانًا طاهرًا منه أو نجسًا أو بثرة أو جرحًا أو أثر الاستنجاء بالأحجار بعد بلل الماء أو اليد بنحو عرق، ومقتضاه إلحاق من شك في ذلك ولو مستيقظًا.
ومفهومه أن من درى أين باتت يده كمن لف عليها خرقة مثلاً فاستيقظ وهي على حالها لا كراهة وإن سن غسلها كالمستيقظ، ومن قال الأمر للتعبد كمالك لا يفرق بين شاك ومتيقن وحمله أحمد على الوجوب في نوم الليل دون النهار وعنه في رواية استحبابه في نوم النهار واتفقوا على أنه لو غمس يده لم يضر الماء.

وقال إسحاق وداود والطبري: ينجس لأمره بإراقته بلفظ فإن غمس يده في الإناء قبل أن يغسلها فليرق ذلك الماء لكنه حديث ضعيف أخرجه ابن عدي وقال هذه زيادة منكرة لا تحفظ والقرينة الصارفة للأمر عن الوجوب التعليل بأمر يقتضي الشك لأنه لا يقتضي وجوبًا استصحابًا لأصل الطهارة.

واحتج أبو عوانة بوضوئه صلى الله عليه وسلم من الشن بعد قيامه من الليل وتعقب بأن قوله أحدكم يقتضي اختصاصه بغيره.
وأجيب: بأنه صح عنه غسل يديه قبل إدخالهما الإناء في حديث اليقظة فبعد النوم أولى ويكون تركه لبيان الجواز وأيضًا فقد قال في روايات لمسلم وأبي داود وغيرهما فليغسلهما ثلاثًا، وفي رواية ثلاث مرات والتقييد بالعدد في غير النجاسة العينية يدل على السنية.

وفي رواية لأحمد فلا يضع يده في الوضوء حتى يغسلها والنهي للتنزيه فإن ترك كره وهذا لمن قام من النوم كما دل عليه مفهوم الشرط وهذا حجة عند الجمهور، أما المستيقظ فيطلب بالفعل ولا يكره الترك لعدم ورود نهي عنه.
وقال البيضاوي: فيه إيماء إلى أن الباعث على الأمر بذلك احتمال النجاسة لأن الشارع إذا ذكر حكمًا وعقبه بعلة دل على أن ثبوت الحكم لأجلها ومثله قوله في حديث المحرم الذي سقط فمات فإنه يبعث ملبيًا بعد نهيهم عن تطييبه فنبه على علة النهي وهي كونه محرمًا.

وعبارة الشيخ أكمل الدين: إذا ذكر الشارع حكمًا وعقبه أمرًا مصدرًا بالفاء كان ذلك إيماء إلى ثبوت الحكم لأجله نظيره قوله: الهرة ليست نجسة فإنها من الطوافين عليكم والطوافات وعموم قوله من نومه يشمل النهار.

وبه قال الجمهور وخصه أحمد بنوم الليل لقوله باتت لأن حقيقة البيات بالليل ولأبي داود والترمذي من وجه آخر إذا قام أحدكم من الليل، ولأبي عوانة إذا قام أحدكم إلى الصلاة حين يصبح لكن التعليل يقتضي إلحاق نوم النهار بنوم الليل وإنما خصه للغلبة.

قال الرافعي في شرح المسند: يمكن أن يقال الكراهة في الغمس لمن نام ليلاً أشد لمن نام نهارًا لأن الاحتمال في نوم الليل أقرب لطوله عادة.

وفي الدارقطني عن جابر فإنه لا يدري أين باتت يده ولا على ما وضعها.

ولأبي داود عن أبي هريرة فإنه لا يدري أين باتت يده أو أين كانت تطوف.
قال الولي العراقي: يحتمل أنه شك من بعض رواته وهو الأقرب ويحتمل أنه ترديد من النبي صلى الله عليه وسلم وذكر غير واحد أن بات بمعنى صار وإن كان أصلها للكون ليلاً كما قاله الخليل وغيره.

واستشكل هذا التركيب بأن انتفاء الدراية لا يتعلق بلفظ أين باتت يده ولا بمعناه لأن معناه الاستفهام ولا يقال إنه لا يدري الاستفهام.
وأجيب: بأن معناه لا يدري تعيين الموضع الذي باتت فيه يده ففيه مضاف محذوف وليس استفهامًا وإن كان على صورته وهذا الحديث أخرجه البخاري عن عبد الله بن يوسف عن مالك به لكنه وصله بالحديث السابق إذا توضأ أحدكم فقال عقب فليوتر وإذا استيقظ قال الحافظ فاقتضى سياقه أنه حديث واحد وليس هو كذلك في الموطأ.

وقد أخرجه أبو نعيم في المستخرج من الموطأ من رواية عبد الله بن يوسف شيخ البخاري مفرقًا وكذا هو في موطأ يحيى بن بكير وغيره وكذا فرقه الإسماعيلي من حديث مالك وأخرج مسلم الحديث الأول من طريق ابن عيينة عن أبي الزناد والثاني من طريق المغيرة بن عبد الرحمن عن أبي الزناد وعلى هذا فكان البخاري يرى جمع الحديثين إذا اتحد سندهما في سياق واحد كما يرى جواز تفريق الحديث الواحد إذا اشتمل على حكمين مستقلين انتهى.

( مَالِكٍ عَنْ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ قَالَ إِذَا نَامَ أَحَدُكُمْ مُضْطَجِعًا فَلْيَتَوَضَّأْ) وجوبًا لانتقاض وضوئه وهذا ونحوه محمول عند مالك على ما إذا كان ثقيلاً ولو قصر لا إن خف إلا أن يطول فيستحب الوضوء لأن العبرة عنده بصفة النوم لا النائم واعتبر الشافعي صفة النائم لا النوم.

( مَالِكٍ عَنْ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ) العدوي وكان من العلماء بالتفسير وله كتاب فيه ( أَنَّ تَفْسِيرَ هَذِهِ الْآيَةِ) وهي { { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلاَةِ فاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ إِلَى الْمَرَافِقِ } } أي معها كما بينته السنة ففي مسلم وغيره أن أبا هريرة توضأ فغسل وجهه ثم غسل يده اليمنى حتى أشرع في العضد الحديث.
ثم قال: هكذا رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يتوضأ وكذا الإجماع كما حكاه الشافعي فهو حجة على زفر لانعقاد الإجماع قبله على خلافه كما مر { { وَامْسَحُوا بِرُؤُوسِكُمْ } } أي رؤوسكم كلها بالماء فزيدت الباء لتفيد ممسوحًا به { { وَأَرْجُلَكُمْ } } بالنصب عطفًا على أيديكم والجر على الجوار { { إِلَى الْكَعْبَينِ } } أي معهما كما بينته السنة ( أَنَّ ذَلِكَ إِذَا قُمْتُمْ مِنَ الْمَضَاجِعِ يَعْنِي النَّوْمَ) .
وهذا التفسير موافق لقول أكثر السلف أن التقدير إذا قمتم محدثين وقيل لا تقدير بل الأمر على عمومه لكنه في حق المحدث على الإيجاب وفي غيره على الندب واختلف العلماء أيضًا في موجب الوضوء فقيل يجب بالحدث وجوبًا موسعًا وقيل به وبالقيام إلى الصلاة معًا، ورجحه جماعة من الشافعية وقيل بالقيام إلى الصلاة فقط لقوله صلى الله عليه وسلم: إنما أمرت بالوضوء إذا قمت إلى الصلاة رواه أصحاب السنن عن ابن عباس، واستنبط بعض العلماء من الآية إيجاب النية في الوضوء لأن التقدير إذا أردتم القيام إلى الصلاة فتوضؤوا لأجلها ومثله قولهم إذا رأيت الأمير فقم لأجله.

( قَالَ مالِكٍ: الْأَمْرُ) المعمول به ( عِنْدَنَا) بالمدينة ( أَنَّهُ لَا يَتَوَضَّأُ مِنْ رُعَافٍ) خروج الدم من الأنف ( وَلَا مِنْ دَمٍ) خرج من الجسد ولو بحجامة وفصد ( وَلَا مِنْ قَيْحٍ يَسِيلُ مِنَ الْجَسَدِ) وفي رواية ولا من شيء يسيل وهي أعم وسواء كان طاهرًا أو نجسًا لأن الوضوء المجمع عليه لا ينتقض إلا بسنة أو إجماع ولم يرد في ذلك سنة ولا إجماع.

( وَلَا يَتَوَضَّأُ إِلَّا مِنْ حَدَثٍ يَخْرُجُ مِنْ ذَكَرٍ) وهو البول والمذي والمني في بعض أحواله ( أَوْ دُبُرٍ) وهو الغائط والريح ولو بلا صوت ( أَوْ نَوْمٍ) ثقيل.
زاد ابن بكير أو مباشرة أي لمس بلذة أو قصد وذكر النوم مع الحدث لأن النوم إذا ثقل كان من باب الحدث في الأغلب، وكذا يتوضأ من مس الذكر، وقد قال صلى الله عليه وسلم: لا يقبل الله صلاة من أحدث حتى يتوضأ فقال رجل من حضرموت ما الحدث يا أبا هريرة؟ قال: فساء أو ضراط رواه البخاري وغيره، وإنما فسره أبو هريرة بهما تنبيهًا بالأخف على الأغلظ، وأنه أجاب السائل بما يحتاج إلى معرفته في غالب الأمور وإلا فالحدث يطلق على الخارج المعتاد وعلى نفس الخروج وعلى الوصف الحكمي المقدر قيامه بالأعضاء قيام الأوصاف الحسية وعلى المنع من العبادة المترتب على كل واحد من الثلاثة، وقد جعل في الحديث الوضوء رافعًا للحدث فلا يعني به الخارج ولا نفس الخروج لأن الواقع لا يرتفع فلم يبق إلا أنه يعني المنع والصفة.

( مَالِكٍ عَنْ نَافِعٍ أَنَّ ابْنَ عُمَرَ كَانَ يَنَامُ جَالِسًا ثُمَّ يُصَلِّي وَلَا يَتَوَضَّأُ) لأن النوم ليس بحدث وإنما هو سبب وقد كان نومه خفيفًا أو أنه كان مستثفرًا سادًّا مخرجه والله أعلم.



رقم الحديث 115 حَدَّثَنِي عَنْ مَالِكٍ، عَنِ ابْنِ شِهابٍ، عَنْ عُرْوَةَ بْنِ الزُّبَيْرِ، أَنَّ أُمَّ سُلَيْمٍ قَالَتْ لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: الْمَرْأَةُ تَرَى فِي الْمَنَامِ مِثْلَ مَا يَرَى الرَّجُلُ، أَتَغْتَسِلُ؟ فَقَالَ لَهَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: نَعَمْ فَلْتَغْتَسِلْ، فَقَالَتْ لَهَا عَائِشَةُ: أُفٍّ لَكِ وَهَلْ تَرَى ذَلِكَ الْمَرْأَةُ؟ فَقَالَ لَهَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: تَرِبَتْ يَمِينُكِ وَمِنْ أَيْنَ يَكُونُ الشَّبَهُ؟.


غُسْلِ الْمَرْأَةِ إِذَا رَأَتْ فِي الْمَنَامِ مِثْلَ مَا يَرَى الرَّجُلُ

( مَالِكٍ عَنِ ابْنِ شِهابٍ عَنْ عُرْوَةَ بْنِ الزُّبَيْرِ أَنَّ أُمَّ سُلَيْمٍ) كذا لرواة الموطأ ولابن أبي أويس عن أم سليم وكل من رواه عن مالك لم يذكر فيه عائشة إلا ابن نافع وابن أبي الوزير فروياه عن مالك عن الزهري عن عروة عن عائشة أن أم سليم.
أخرجه ابن عبد البر وقال: تابعهما معن وعبد الملك بن الماجشون وحباب بن جبلة، وتابعهم خمسة عن ابن شهاب، وتابعه مسافع الحجبي عن عروة عن عائشة، وقد أخرجه مسلم وأبو داود من طريق عقيل عن الزهري عن عروة عن عائشة أن أم سليم.

( قَالَتْ لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ) : ولمسلم من رواية إسحاق بن أبي طلحة عن أنس قال: جاءت أم سليم إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالت له وعائشة عنده يا رسول الله ( الْمَرْأَةُ تَرَى فِي الْمَنَامِ مِثْلَ مَا يَرَى الرَّجُلُ) ولأحمد من حديث أم سليم أنها قالت: يا رسول الله إذا رأت المرأة أن زوجها يجامعها في المنام ( أَتَغْتَسِلُ؟ فَقَالَ لَهَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: نَعَمْ فَلْتَغْتَسِلْ) إذا رأت الماء كما في تاليه.

وعند ابن أبي شيبة فقال: هل تجد شهوة قالت: لعله.
فقال: هل تجد بللاً قالت: لعله قال فلتغتسل فلقيتها النسوة فقلن فضحتينا عند رسول الله صلى الله عليه وسلم.
قالت: ما كنت لأنتهي حتى أعلم في حل أنا أم في حرام ففيه وجوب الغسل على المرأة بالإنزال في المنام، ونفى ابن بطال الخلاف فيه، لكن رواه ابن أبي شيبة عن إبراهيم النخعي وإسناده جيد فيدفع استبعاد النووي صحته عنه، وكأن أم سليم لم تسمع حديث الماء من الماء أو سمعته وتوهمت خروج المرأة من ذلك لندور نزول الماء منها.
وروى أحمد عنها فقلت: يا رسول الله وهل للمرأة ماء؟ فقال: هن شقائق الرجال.
قال الرافعي: أي نظائرهم وأمثالهم في الخلق.

( فَقَالَتْ لَهَا عَائِشَةُ: أُفٍّ لَكِ) قال عياض أي استحقارًا أو هي كلمة تستعمل في الأقذار والاستحقار وقيل التضجر والكراهة.
قال الباجي: وهي هنا بمعنى الإنكار.
قال ابن العراقي: ولا مانع من أنها على بابها أي أنها تضجرت من ذكر ذلك وكرهته أو استقذرت ذكره بحضرة الرجال.
قال عياض: وأصل الأف وسخ الأظفار وقيل وسخ الأذن وهو بضم الهمزة وكسر الفاء وضمها وفتحها بالتنوين وتركه فهذه ستة وأفه بالهاء وإف بكسر الهمزة وفتح الفاء وأف بضمها وسكون الفاء وأفي بضم الهمزة والقصر.
قال السيوطي: بل فيه نحو أربعين لغة حكاها أبو حيان وغيره ومثل هذا في رواية إسحاق عن أنس عند مسلم، وله عن قتادة عن أنس فقالت أم سلمة: واستحيت هل يكون هذا؟ وله عن أم سلمة فقالت أم سلمة: يا رسول الله وتحتلم المرأة فقال: تربت يداك فيما يشبهها ولدها.
وجمع عياض باحتمال أن عائشة وأم سلمة كلتاهما أنكرتا على أم سليم فأجاب كل واحدة منهما بما أجابها، وإن كان أهل الحديث يقولون الصحيح هنا أم سلمة لا عائشة وهو جمع حسن في الفتح.

( وَهَلْ تَرَى ذَلِكَ) بكسر الكاف ( الْمَرْأَةُ) قال الولي العراقي: أنكرت عليها بعد جواب المصطفى لها لأنه لا يلزم من ذكر حكم الشيء تحقق وقوعه، فالفقهاء يذكرون الصور الممكنة ليعرفوا حكمها وإن لم يقع بل قد يصورن المستحيل ولتشحيذ الأذهان انتهى.

وقال ابن عبد البر: فيه دليل على أنه ليس كل النساء يحتلمن.

وإلا لما أنكرت عائشة وأم سلمة ذلك.
قال: وقد يوجد عدم الاحتلام في بعض الرجال إلا أن ذلك في النساء أوجد وأكثر، وعكس ذلك ابن بطال فقال: فيه دليل على أن كل النساء يحتلمن.

قال الحافظ: والظاهر أن مراده الجواز لا الوقوع أي فيهن قابلية ذلك.

قال السيوطي: وأي مانع أن يكون ذلك خصوصية لأزواجه صلى الله عليه وسلم أنهن لا يحتلمن كما أن من خصائص الأنبياء أنهم لا يحتلمون لأنه من الشيطان فلم يسلطه عليهم وكذا لا يسلط على أزواجه تكريمًا له.

قلت: المانع من ذلك أن الخصائص لا تثبت بالاحتمال وهو كغيره لم يثبت ذلك للأنبياء إلا بالدليل، وقد قال الحافظ ولي الدين العراقي: بحث بعض أصحابنا في الدرس فمنع وقوعه من أزواجه صلى الله عليه وسلم بأنهن لا يطعن غيره لا يقظة ولا منامًا والشيطان لا يتمثل به، وفيه نظر لأنهن قد يحتلمن من غير رؤية كما يقع لكثير من الناس أو يكون سبب ذلك شبعًا أو غيره، والذي منعه بعض العلماء هو وقوع الاحتلام من الأنبياء عليهم الصلاة والسلام انتهى.

( فَقَالَ لَهَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ) ولمسلم عن أنس فقالت عائشة: يا أم سليم فضحت النساء تربت يمينك.
فقال صلى الله عليه وسلم بل أنت ( تَرِبَتْ يَمِينُكِ) .

قال النووي: في هذه اللفظة خلاف كثير منتشر جدًا للسلف والخلف من الطوائف كلها، والأصح الأقوى الذي عليه المحققون في معناها أن أصلها افتقرت، ولكن العرب اعتادت استعمالها غير قاصدة حقيقة معناها فيقولون: تربت يداك وقاتله الله ما أشجعه ولا أم له ولا أب له وثكلته أمه وما أشبه هذا عند إنكار الشيء أو الزجر عنه أو الذم عليه أو استعظامه أو الحث عليه أو الإعجاب به.

وقال عياض: هذا اللفظ وما أشبهه يجري على ألسنة العرب من غير قصد الدعاء، وقد قال البديع في رسالته قد يوحش اللفظ وكله ود.
ويكره الشيء وليس من فعله بد.
هذه العرب تقول لا أب لك للشيء إذا أهم وقاتله الله ولا يريدون الذم وويل أمه للأمر إذا تم وللألباب في هذا الباب أن تنظر إلى القول وقائله فإن كان وليًا فهو الولاء وإن خشن وإن كان عدوًا فهو البلاء وإن حسن.

وقال الباجي: الأظهر أنه صلى الله عليه وسلم خاطبها على عادة العرب في تخاطبها من استعمال هذه اللفظة عند الإنكار لمن لا يريدون فقره ولمن كان معناها افتقرت يقال ترب فلان إذا افتقر فلصق بالتراب وأترب إذا استغنى وصار ماله كالتراب كثرة، وكذا قال عيسى بن دينار ما أراه أراد إلا خيرًا وما الأتراب إلا الغنى فرأى أنه منه، وإنما هو من التراب.
ويحتمل أنه قال ذلك لها تأديبًا لإنكارها ما أقر عليه وهو لا يقر إلا على الصواب، وقد قال: اللهم أيما مؤمن سببته فاجعل ذلك قربة إليك فلا يمتنع أن يقول لها ذلك لتؤجر وليكفر لها ما قالته انتهى.

ويؤيده أن عائشة قالت لأم سليم: تربت يمينك فرد عليها بقوله: بل أنت تربت يمينك كما قدمته من مسلم وقيل معناه ضعف عقلك أتجهلين هذا أو افتقرت بذلك من العلم أي إذا جهلت مثل هذا فقد قل حظك من العلم.
وقال الأصمعي: معناه الحض على تعلم مثل هذا.
وقال أبو عمر: معناه أصابها التراب ولم يدع عليها بالفقر.

( وَمِنْ أَيْنَ يَكُونُ الشَّبَهُ) بفتح الشين والباء وبكسر الشين وسكون الباء أي شبه الابن لأحد أبويه أو لأقاربه فللمرأة ما تدفعه عند اللذة الكبرى كما للرجل ما يدفعه عندها.

وفي مسلم عن أنس فقال نبي الله: نعم فمن أين يكون الشبه إن ماء الرجل غليظ أبيض وماء المرأة رقيق أصفر فمن أيهما علا أو سبق يكون منه الشبه.
وفي رواية لمسلم أيضًا عن عائشة فقال: وهل يكون الشبه إلا من قبل ذلك إذا علا ماؤها ماء الرجل أشبه الولد أخواله وإذا علا ماء الرجل ماءها أشبه أعمامه.
وفي مسلم أيضًا عن ثوبان أنه صلى الله عليه وسلم أجاب اليهودي عن ذلك بقوله: ماء الرجل أبيض وماء المرأة أصفر فإذا اجتمعا فعلا مني الرجل مني المرأة ذكر بإذن الله وإذا علا مني المرأة مني الرجل أنثى بإذن الله فدل مجموع الحديثين على أنه إذا سبق ماء الرجل جاء الولد ذكرًا وأشبه أعمامه وإذا سبق ماء المرأة جاء أنثى وأشبه خاله والمشاهدة تدفعه لأنه قد يكون الولد ذكرًا ويشبه أخواله، وقد يكون أنثى ويشبه أعمامه فتعين تأويل أحد الحديثين.

قال القرطبي: والذي يتعين تأويل حديث ثوبان فيقال: إن ذلك العلو معناه سبق الماء إلى الرحم ووجهه أن العلو لما كان معناه الغلبة والسابق غالبًا في ابتدائه في الخروج قبل غلبه علاه، ويؤيده أنه روي في غير مسلم: إذا سبق ماء الرجل ماء المرأة أذكرا وإذا سبق ماء المرأة ماء الرجل أنثى انتهى.

ويشكل عليه قوله في رواية مسلم السابقة فمن أيهما علا أو سبق يكون منه الشبه، ويجوز أن يقال الذكورة والأنوثة شبه أيضًا باعتبار الجنسية فيكون كثرته مقتضية للشبه في الصورة وسبقه مقتضيًا للشبه في الجنسية.
وفي الحديث رد على من زعم أن الولد من ماء المرأة فقط وأن ماء الرجل عاقد له كالأنفحة للبن بل هو مخلوق من الماءين جميعًا وفيه استعمال القياس لأن معناه من كان منه إنزال الماء عند الجماع أمكن منه إنزال الماء عند الاحتلام، فأثبت الإنزال عند الجماع بدليل وهو الشبه وقاس عليه الإنزال بالاحتلام ذكره الحافظ ولي الدين.

( مَالِكٍ عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ عَنْ أَبِيهِ عَنْ زَيْنَبَ بِنْتِ أَبِي سَلَمَةَ) عبد الله بن عبد الأسد المخزومية ولدت بأرض الحبشة وكان اسمها برة فسماها النبي صلى الله عليه وسلم زينب وروت عنه وعن أمها وعائشة وغيرهم وعنها ابنها أبو عبيدة بن عبد الله بن زمعة وأبو سلمة بن عبد الرحمن وعروة وعلي بن الحسين وغيرهم وماتت سنة ثلاث وسبعين وحضر ابن عمر جنازتها قبل أن يحج ويموت بمكة.
( عَنْ) أمها ( أُمِّ سَلَمَةَ زَوْجِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ) .
وفي رواية الزهري عن عروة عن عائشة عند مسلم أن المراجعة وقعت بين أم سليم وعائشة كما مر.

قال الحافظ: ونقل القاضي عياض عن أهل الحديث أن الصحيح أن القصة وقعت لأم سلمة لا لعائشة، وهذا يقتضي ترجيح رواية هشام أي على رواية الزهري وهو ظاهر صنيع البخاري، لكن نقل ابن عبد البر عن الذهلي بذال ولام أنه صحح الروايتين معًا وأشار أبو داود إلى تقوية رواية الزهري بأن مسافع بن عبد الله تابعه عن عروة عن عائشة، وأخرج مسلم أيضًا رواية مسافع وأخرج أيضًا عن أنس قال: جاءت أم سليم إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالت له وعائشة عنده، وروى أحمد عن إسحاق بن عبد الله عن جدته أم سليم وكانت مجاورة لأم سلمة فقالت أم سليم: يا رسول الله الحديث.
وفيه أن أم سلمة هي التي راجعتها وهذا يقوي رواية هشام.

قال النووي في شرح مسلم أي تبعًا لعياض: يحتمل أن تكون عائشة وأم سلمة جميعًا أنكرتا على أم سليم وهو جمع حسن لأنه لا يمتنع حضور أم سلمة وعائشة عند النبي صلى الله عليه وسلم في مجلس واحد.

وقال في شرح المهذب: يجمع بين الروايات بأن أنسًا وعائشة وأم سلمة حضروا القصة.

قال الحافظ: والذي يظهر أن أنسًا لم يحضرها وإنما تلقاها عن أمه أم سليم وفي مسلم من حديثه ما يشير إلى ذلك.
وروى أحمد عن ابن عمر نحو القصة وإنما تلقاها ابن عمر من أم سليم أو غيرها.

( أَنَّهَا قَالَتْ: جَاءَتْ أُمُّ سُلَيْمٍ) بضم السين وفتح اللام بنت ملحان بكسر الميم ابن خالد الأنصارية يقال اسمها سهلة أو رميلة أو رميثه أو مليكة أو أنيفة وهي الغميصاء بغين معجمة أو الرميصاء وكانت من الصحابيات الفاضلات ماتت في خلافة عثمان ( امْرَأَةُ أَبِي طَلْحَةَ) زيد بن سهل البدري ( الْأَنْصَارِيِّ) النجاري من كبار الصحابة.
زاد أبو داود وهي أم أنس بن مالك ( إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَتْ: يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ لَا يَسْتَحْيِي) بياءين لغة الحجاز وياء واحدة لغة تميم ( مِنَ الْحَقِّ) أي لا يأمر بالحياء فيه أو لا يمتنع من ذكره امتناع المستحي قاله الباجي وغيره لأن الحياء تغير وانكسار وهو يستحيل في حق الله تعالى.

وقال الرافعي: معناه لا يتركه فإن من استحيى من شيء تركه والمعنى أن الحياء لا ينبغي أن يمنع من طلب الحق ومعرفته.

قال ابن دقيق العيد: قد يقال إنما يحتاج إلى التأويل في الإثبات كحديث إن الله حيي كريم، وأما النفي فالمستحيلات على الله تعالى تنفى ولا يشترط أن يكون النفي ممكنًا وجوابه أنه لم يرد النفي على الاستحياء مطلقًا بل ورد على الاستحياء من الحق فيقتضي بالمفهوم أنه يستحيي من غير الحق فعاد إلى جانب الإثبات فاحتيج إلى تأويله.

قال الباجي وغيره: وقدمت ذلك بين يدي قولها لما احتاجت إليه من السؤال عن أمر يستحي النساء من ذكره ولم يكن لها بد منه.

قال الولي العراقي: وهذا أصل فيما يفعله البلغاء في ابتداء كلامهم من التمهيد لما يأتون به بعده ووجه حسنه أن الاعتذار إذا تقدم أدركته النفس صافيًا من العيب فتدفعه وإذا تأخر استقبلت النفس المعتذر عنه فأدركت قبحه حتى يرفعه العذر والدفع أسهل من الرفع.

( هَلْ عَلَى الْمَرْأَةِ مِنْ) زائدة وسقطت في رواية إسماعيل بن أبي أويس ( غُسْلٍ إِذَا هِيَ احْتَلَمَتْ) افتعلت من الحلم بضم المهملة وسكون اللام وهو ما يراه النائم في منامه يقال منه حلم واحتلم، والمراد هنا أمر خاص منه وهو الجماع.
ولأحمد عن أم سليم أنها قالت: يا رسول الله إذا رأت المرأة أن زوجها يجامعها في المنام أتغتسل؟ وفي ربيع الأبرار عن ابن سيرين قال: لا يحتلم ورع إلا على أهله.

( فَقَالَ: نَعَمْ إِذَا رَأَتِ الْمَاءَ) أي المني بعد الاستيقاظ.
زاد البخاري من رواية أبي معاوية عن هشام فغطت أم سلمة يعني وجهها وقالت: يا رسول الله أوتحتلم المرأة؟ قال: نعم تربت يمينك فلم يشبهها ولدها.
وهو عطف على مقدر يظهر من السياق أي أترى المرأة الماء وتحتلم، وكذا روى هذه الزيادة أصحاب هشام عنه سوى مالك فلم يذكرها.
وللبخاري أيضًا من طريق يحيى القطان عن هشام فضحكت أم سلمة ويجمع بينهما بأنها تبسمت تعجبًا وغطت وجهها استحياء، وللبخاري من طريق وكيع عن هشام فقالت لها أم سلمة: يا أم سليم فضحت النساء وكذا لأحمد من حديث أم سليم وهذا يدل على أن كتمان ذلك من عادتهن، وفيه وجوب غسل المرأة بالإنزال في المنام.

وروى أحمد أن أم سلمة قالت: يا رسول الله وهل للمرأة ماء؟ فقال: هن شقائق الرجال.
ولعبد الرزاق فقال: إذا رأت إحداكن الماء كما يراه الرجل، وفيه رد على من زعم أن ماء المرأة لا يبرز وإنما يعرف إنزالها بشهوتها وحمل قوله: إذا رأت الماء أي علمت به لأن وجود العلم هنا متعذر لأنه إن أراد به علمها بذلك وهي نائمة، فلا يثبت به حكم لأن الرجل لو رأى أنه جامع وعلم أنه أنزل في النوم ثم استيقظ فلم ير بللاً لم يجب عليه الغسل اتفاقًا، فكذلك المرأة وإن أراد به علمها بذلك بعد أن استيقظت فلا يصح لأنه لا يستمر في اليقظة ما كان في النوم إلا إذا كان مشاهدًا، فحمل الرؤيا على ظاهرها هو الصواب، وفيه استفتاء المرأة بنفسها وسياق صور الأحوال في الوقائع الشرعية وجواز التبسم في التعجب.

وقد سألت عن هذه المسألة أيضًا خولة بنت حكيم عند أحمد والنسائي وابن ماجه.
وفي حديثها فقال صلى الله عليه وسلم: ليس عليها غسل حتى تنزل كما ينزل الرجل كما ليس على الرجل غسل إذا رأى ذلك ولم ينزل.
وسهلة بنت سهيل عند الطبراني وبسرة بنت صفوان عند ابن أبي شيبة ذكره الحافظ.

وفي الحديث: ما كان عليه النساء من الاهتمام بأمر دينهن والسؤال عنه.
وقال صلى الله عليه وسلم: شفاء العي السؤال.
وقالت عائشة: رحم الله نساء الأنصار لم يمنعهن الحياء أن يسألن عن أمر دينهن.
وأخرجه البخاري في الطهارة عن عبد الله بن يوسف، وفي الأدب عن إسماعيل كلاهما عن مالك به.
وتابعه أبو معاوية وغيره عن هشام في الصحيحين.



رقم الحديث 116 وَحَدَّثَنِي عَنْ مَالِكٍ، عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ زَيْنَبَ بِنْتِ أَبِي سَلَمَةَ، عَنْ أُمِّ سَلَمَةَ، زَوْجِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، أَنَّهَا قَالَتْ: جَاءَتْ أُمُّ سُلَيْمٍ، امْرَأَةُ أَبِي طَلْحَةَ الْأَنْصَارِيِّ، إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَتْ: يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ لَا يَسْتَحْيِي مِنَ الْحَقِّ، هَلْ عَلَى الْمَرْأَةِ مِنْ غُسْلٍ إِذَا هِيَ احْتَلَمَتْ، فَقَالَ: نَعَمْ إِذَا رَأَتِ الْمَاءَ.


غُسْلِ الْمَرْأَةِ إِذَا رَأَتْ فِي الْمَنَامِ مِثْلَ مَا يَرَى الرَّجُلُ

( مَالِكٍ عَنِ ابْنِ شِهابٍ عَنْ عُرْوَةَ بْنِ الزُّبَيْرِ أَنَّ أُمَّ سُلَيْمٍ) كذا لرواة الموطأ ولابن أبي أويس عن أم سليم وكل من رواه عن مالك لم يذكر فيه عائشة إلا ابن نافع وابن أبي الوزير فروياه عن مالك عن الزهري عن عروة عن عائشة أن أم سليم.
أخرجه ابن عبد البر وقال: تابعهما معن وعبد الملك بن الماجشون وحباب بن جبلة، وتابعهم خمسة عن ابن شهاب، وتابعه مسافع الحجبي عن عروة عن عائشة، وقد أخرجه مسلم وأبو داود من طريق عقيل عن الزهري عن عروة عن عائشة أن أم سليم.

( قَالَتْ لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ) : ولمسلم من رواية إسحاق بن أبي طلحة عن أنس قال: جاءت أم سليم إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالت له وعائشة عنده يا رسول الله ( الْمَرْأَةُ تَرَى فِي الْمَنَامِ مِثْلَ مَا يَرَى الرَّجُلُ) ولأحمد من حديث أم سليم أنها قالت: يا رسول الله إذا رأت المرأة أن زوجها يجامعها في المنام ( أَتَغْتَسِلُ؟ فَقَالَ لَهَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: نَعَمْ فَلْتَغْتَسِلْ) إذا رأت الماء كما في تاليه.

وعند ابن أبي شيبة فقال: هل تجد شهوة قالت: لعله.
فقال: هل تجد بللاً قالت: لعله قال فلتغتسل فلقيتها النسوة فقلن فضحتينا عند رسول الله صلى الله عليه وسلم.
قالت: ما كنت لأنتهي حتى أعلم في حل أنا أم في حرام ففيه وجوب الغسل على المرأة بالإنزال في المنام، ونفى ابن بطال الخلاف فيه، لكن رواه ابن أبي شيبة عن إبراهيم النخعي وإسناده جيد فيدفع استبعاد النووي صحته عنه، وكأن أم سليم لم تسمع حديث الماء من الماء أو سمعته وتوهمت خروج المرأة من ذلك لندور نزول الماء منها.
وروى أحمد عنها فقلت: يا رسول الله وهل للمرأة ماء؟ فقال: هن شقائق الرجال.
قال الرافعي: أي نظائرهم وأمثالهم في الخلق.

( فَقَالَتْ لَهَا عَائِشَةُ: أُفٍّ لَكِ) قال عياض أي استحقارًا أو هي كلمة تستعمل في الأقذار والاستحقار وقيل التضجر والكراهة.
قال الباجي: وهي هنا بمعنى الإنكار.
قال ابن العراقي: ولا مانع من أنها على بابها أي أنها تضجرت من ذكر ذلك وكرهته أو استقذرت ذكره بحضرة الرجال.
قال عياض: وأصل الأف وسخ الأظفار وقيل وسخ الأذن وهو بضم الهمزة وكسر الفاء وضمها وفتحها بالتنوين وتركه فهذه ستة وأفه بالهاء وإف بكسر الهمزة وفتح الفاء وأف بضمها وسكون الفاء وأفي بضم الهمزة والقصر.
قال السيوطي: بل فيه نحو أربعين لغة حكاها أبو حيان وغيره ومثل هذا في رواية إسحاق عن أنس عند مسلم، وله عن قتادة عن أنس فقالت أم سلمة: واستحيت هل يكون هذا؟ وله عن أم سلمة فقالت أم سلمة: يا رسول الله وتحتلم المرأة فقال: تربت يداك فيما يشبهها ولدها.
وجمع عياض باحتمال أن عائشة وأم سلمة كلتاهما أنكرتا على أم سليم فأجاب كل واحدة منهما بما أجابها، وإن كان أهل الحديث يقولون الصحيح هنا أم سلمة لا عائشة وهو جمع حسن في الفتح.

( وَهَلْ تَرَى ذَلِكَ) بكسر الكاف ( الْمَرْأَةُ) قال الولي العراقي: أنكرت عليها بعد جواب المصطفى لها لأنه لا يلزم من ذكر حكم الشيء تحقق وقوعه، فالفقهاء يذكرون الصور الممكنة ليعرفوا حكمها وإن لم يقع بل قد يصورن المستحيل ولتشحيذ الأذهان انتهى.

وقال ابن عبد البر: فيه دليل على أنه ليس كل النساء يحتلمن.

وإلا لما أنكرت عائشة وأم سلمة ذلك.
قال: وقد يوجد عدم الاحتلام في بعض الرجال إلا أن ذلك في النساء أوجد وأكثر، وعكس ذلك ابن بطال فقال: فيه دليل على أن كل النساء يحتلمن.

قال الحافظ: والظاهر أن مراده الجواز لا الوقوع أي فيهن قابلية ذلك.

قال السيوطي: وأي مانع أن يكون ذلك خصوصية لأزواجه صلى الله عليه وسلم أنهن لا يحتلمن كما أن من خصائص الأنبياء أنهم لا يحتلمون لأنه من الشيطان فلم يسلطه عليهم وكذا لا يسلط على أزواجه تكريمًا له.

قلت: المانع من ذلك أن الخصائص لا تثبت بالاحتمال وهو كغيره لم يثبت ذلك للأنبياء إلا بالدليل، وقد قال الحافظ ولي الدين العراقي: بحث بعض أصحابنا في الدرس فمنع وقوعه من أزواجه صلى الله عليه وسلم بأنهن لا يطعن غيره لا يقظة ولا منامًا والشيطان لا يتمثل به، وفيه نظر لأنهن قد يحتلمن من غير رؤية كما يقع لكثير من الناس أو يكون سبب ذلك شبعًا أو غيره، والذي منعه بعض العلماء هو وقوع الاحتلام من الأنبياء عليهم الصلاة والسلام انتهى.

( فَقَالَ لَهَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ) ولمسلم عن أنس فقالت عائشة: يا أم سليم فضحت النساء تربت يمينك.
فقال صلى الله عليه وسلم بل أنت ( تَرِبَتْ يَمِينُكِ) .

قال النووي: في هذه اللفظة خلاف كثير منتشر جدًا للسلف والخلف من الطوائف كلها، والأصح الأقوى الذي عليه المحققون في معناها أن أصلها افتقرت، ولكن العرب اعتادت استعمالها غير قاصدة حقيقة معناها فيقولون: تربت يداك وقاتله الله ما أشجعه ولا أم له ولا أب له وثكلته أمه وما أشبه هذا عند إنكار الشيء أو الزجر عنه أو الذم عليه أو استعظامه أو الحث عليه أو الإعجاب به.

وقال عياض: هذا اللفظ وما أشبهه يجري على ألسنة العرب من غير قصد الدعاء، وقد قال البديع في رسالته قد يوحش اللفظ وكله ود.
ويكره الشيء وليس من فعله بد.
هذه العرب تقول لا أب لك للشيء إذا أهم وقاتله الله ولا يريدون الذم وويل أمه للأمر إذا تم وللألباب في هذا الباب أن تنظر إلى القول وقائله فإن كان وليًا فهو الولاء وإن خشن وإن كان عدوًا فهو البلاء وإن حسن.

وقال الباجي: الأظهر أنه صلى الله عليه وسلم خاطبها على عادة العرب في تخاطبها من استعمال هذه اللفظة عند الإنكار لمن لا يريدون فقره ولمن كان معناها افتقرت يقال ترب فلان إذا افتقر فلصق بالتراب وأترب إذا استغنى وصار ماله كالتراب كثرة، وكذا قال عيسى بن دينار ما أراه أراد إلا خيرًا وما الأتراب إلا الغنى فرأى أنه منه، وإنما هو من التراب.
ويحتمل أنه قال ذلك لها تأديبًا لإنكارها ما أقر عليه وهو لا يقر إلا على الصواب، وقد قال: اللهم أيما مؤمن سببته فاجعل ذلك قربة إليك فلا يمتنع أن يقول لها ذلك لتؤجر وليكفر لها ما قالته انتهى.

ويؤيده أن عائشة قالت لأم سليم: تربت يمينك فرد عليها بقوله: بل أنت تربت يمينك كما قدمته من مسلم وقيل معناه ضعف عقلك أتجهلين هذا أو افتقرت بذلك من العلم أي إذا جهلت مثل هذا فقد قل حظك من العلم.
وقال الأصمعي: معناه الحض على تعلم مثل هذا.
وقال أبو عمر: معناه أصابها التراب ولم يدع عليها بالفقر.

( وَمِنْ أَيْنَ يَكُونُ الشَّبَهُ) بفتح الشين والباء وبكسر الشين وسكون الباء أي شبه الابن لأحد أبويه أو لأقاربه فللمرأة ما تدفعه عند اللذة الكبرى كما للرجل ما يدفعه عندها.

وفي مسلم عن أنس فقال نبي الله: نعم فمن أين يكون الشبه إن ماء الرجل غليظ أبيض وماء المرأة رقيق أصفر فمن أيهما علا أو سبق يكون منه الشبه.
وفي رواية لمسلم أيضًا عن عائشة فقال: وهل يكون الشبه إلا من قبل ذلك إذا علا ماؤها ماء الرجل أشبه الولد أخواله وإذا علا ماء الرجل ماءها أشبه أعمامه.
وفي مسلم أيضًا عن ثوبان أنه صلى الله عليه وسلم أجاب اليهودي عن ذلك بقوله: ماء الرجل أبيض وماء المرأة أصفر فإذا اجتمعا فعلا مني الرجل مني المرأة ذكر بإذن الله وإذا علا مني المرأة مني الرجل أنثى بإذن الله فدل مجموع الحديثين على أنه إذا سبق ماء الرجل جاء الولد ذكرًا وأشبه أعمامه وإذا سبق ماء المرأة جاء أنثى وأشبه خاله والمشاهدة تدفعه لأنه قد يكون الولد ذكرًا ويشبه أخواله، وقد يكون أنثى ويشبه أعمامه فتعين تأويل أحد الحديثين.

قال القرطبي: والذي يتعين تأويل حديث ثوبان فيقال: إن ذلك العلو معناه سبق الماء إلى الرحم ووجهه أن العلو لما كان معناه الغلبة والسابق غالبًا في ابتدائه في الخروج قبل غلبه علاه، ويؤيده أنه روي في غير مسلم: إذا سبق ماء الرجل ماء المرأة أذكرا وإذا سبق ماء المرأة ماء الرجل أنثى انتهى.

ويشكل عليه قوله في رواية مسلم السابقة فمن أيهما علا أو سبق يكون منه الشبه، ويجوز أن يقال الذكورة والأنوثة شبه أيضًا باعتبار الجنسية فيكون كثرته مقتضية للشبه في الصورة وسبقه مقتضيًا للشبه في الجنسية.
وفي الحديث رد على من زعم أن الولد من ماء المرأة فقط وأن ماء الرجل عاقد له كالأنفحة للبن بل هو مخلوق من الماءين جميعًا وفيه استعمال القياس لأن معناه من كان منه إنزال الماء عند الجماع أمكن منه إنزال الماء عند الاحتلام، فأثبت الإنزال عند الجماع بدليل وهو الشبه وقاس عليه الإنزال بالاحتلام ذكره الحافظ ولي الدين.

( مَالِكٍ عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ عَنْ أَبِيهِ عَنْ زَيْنَبَ بِنْتِ أَبِي سَلَمَةَ) عبد الله بن عبد الأسد المخزومية ولدت بأرض الحبشة وكان اسمها برة فسماها النبي صلى الله عليه وسلم زينب وروت عنه وعن أمها وعائشة وغيرهم وعنها ابنها أبو عبيدة بن عبد الله بن زمعة وأبو سلمة بن عبد الرحمن وعروة وعلي بن الحسين وغيرهم وماتت سنة ثلاث وسبعين وحضر ابن عمر جنازتها قبل أن يحج ويموت بمكة.
( عَنْ) أمها ( أُمِّ سَلَمَةَ زَوْجِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ) .
وفي رواية الزهري عن عروة عن عائشة عند مسلم أن المراجعة وقعت بين أم سليم وعائشة كما مر.

قال الحافظ: ونقل القاضي عياض عن أهل الحديث أن الصحيح أن القصة وقعت لأم سلمة لا لعائشة، وهذا يقتضي ترجيح رواية هشام أي على رواية الزهري وهو ظاهر صنيع البخاري، لكن نقل ابن عبد البر عن الذهلي بذال ولام أنه صحح الروايتين معًا وأشار أبو داود إلى تقوية رواية الزهري بأن مسافع بن عبد الله تابعه عن عروة عن عائشة، وأخرج مسلم أيضًا رواية مسافع وأخرج أيضًا عن أنس قال: جاءت أم سليم إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالت له وعائشة عنده، وروى أحمد عن إسحاق بن عبد الله عن جدته أم سليم وكانت مجاورة لأم سلمة فقالت أم سليم: يا رسول الله الحديث.
وفيه أن أم سلمة هي التي راجعتها وهذا يقوي رواية هشام.

قال النووي في شرح مسلم أي تبعًا لعياض: يحتمل أن تكون عائشة وأم سلمة جميعًا أنكرتا على أم سليم وهو جمع حسن لأنه لا يمتنع حضور أم سلمة وعائشة عند النبي صلى الله عليه وسلم في مجلس واحد.

وقال في شرح المهذب: يجمع بين الروايات بأن أنسًا وعائشة وأم سلمة حضروا القصة.

قال الحافظ: والذي يظهر أن أنسًا لم يحضرها وإنما تلقاها عن أمه أم سليم وفي مسلم من حديثه ما يشير إلى ذلك.
وروى أحمد عن ابن عمر نحو القصة وإنما تلقاها ابن عمر من أم سليم أو غيرها.

( أَنَّهَا قَالَتْ: جَاءَتْ أُمُّ سُلَيْمٍ) بضم السين وفتح اللام بنت ملحان بكسر الميم ابن خالد الأنصارية يقال اسمها سهلة أو رميلة أو رميثه أو مليكة أو أنيفة وهي الغميصاء بغين معجمة أو الرميصاء وكانت من الصحابيات الفاضلات ماتت في خلافة عثمان ( امْرَأَةُ أَبِي طَلْحَةَ) زيد بن سهل البدري ( الْأَنْصَارِيِّ) النجاري من كبار الصحابة.
زاد أبو داود وهي أم أنس بن مالك ( إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَتْ: يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ لَا يَسْتَحْيِي) بياءين لغة الحجاز وياء واحدة لغة تميم ( مِنَ الْحَقِّ) أي لا يأمر بالحياء فيه أو لا يمتنع من ذكره امتناع المستحي قاله الباجي وغيره لأن الحياء تغير وانكسار وهو يستحيل في حق الله تعالى.

وقال الرافعي: معناه لا يتركه فإن من استحيى من شيء تركه والمعنى أن الحياء لا ينبغي أن يمنع من طلب الحق ومعرفته.

قال ابن دقيق العيد: قد يقال إنما يحتاج إلى التأويل في الإثبات كحديث إن الله حيي كريم، وأما النفي فالمستحيلات على الله تعالى تنفى ولا يشترط أن يكون النفي ممكنًا وجوابه أنه لم يرد النفي على الاستحياء مطلقًا بل ورد على الاستحياء من الحق فيقتضي بالمفهوم أنه يستحيي من غير الحق فعاد إلى جانب الإثبات فاحتيج إلى تأويله.

قال الباجي وغيره: وقدمت ذلك بين يدي قولها لما احتاجت إليه من السؤال عن أمر يستحي النساء من ذكره ولم يكن لها بد منه.

قال الولي العراقي: وهذا أصل فيما يفعله البلغاء في ابتداء كلامهم من التمهيد لما يأتون به بعده ووجه حسنه أن الاعتذار إذا تقدم أدركته النفس صافيًا من العيب فتدفعه وإذا تأخر استقبلت النفس المعتذر عنه فأدركت قبحه حتى يرفعه العذر والدفع أسهل من الرفع.

( هَلْ عَلَى الْمَرْأَةِ مِنْ) زائدة وسقطت في رواية إسماعيل بن أبي أويس ( غُسْلٍ إِذَا هِيَ احْتَلَمَتْ) افتعلت من الحلم بضم المهملة وسكون اللام وهو ما يراه النائم في منامه يقال منه حلم واحتلم، والمراد هنا أمر خاص منه وهو الجماع.
ولأحمد عن أم سليم أنها قالت: يا رسول الله إذا رأت المرأة أن زوجها يجامعها في المنام أتغتسل؟ وفي ربيع الأبرار عن ابن سيرين قال: لا يحتلم ورع إلا على أهله.

( فَقَالَ: نَعَمْ إِذَا رَأَتِ الْمَاءَ) أي المني بعد الاستيقاظ.
زاد البخاري من رواية أبي معاوية عن هشام فغطت أم سلمة يعني وجهها وقالت: يا رسول الله أوتحتلم المرأة؟ قال: نعم تربت يمينك فلم يشبهها ولدها.
وهو عطف على مقدر يظهر من السياق أي أترى المرأة الماء وتحتلم، وكذا روى هذه الزيادة أصحاب هشام عنه سوى مالك فلم يذكرها.
وللبخاري أيضًا من طريق يحيى القطان عن هشام فضحكت أم سلمة ويجمع بينهما بأنها تبسمت تعجبًا وغطت وجهها استحياء، وللبخاري من طريق وكيع عن هشام فقالت لها أم سلمة: يا أم سليم فضحت النساء وكذا لأحمد من حديث أم سليم وهذا يدل على أن كتمان ذلك من عادتهن، وفيه وجوب غسل المرأة بالإنزال في المنام.

وروى أحمد أن أم سلمة قالت: يا رسول الله وهل للمرأة ماء؟ فقال: هن شقائق الرجال.
ولعبد الرزاق فقال: إذا رأت إحداكن الماء كما يراه الرجل، وفيه رد على من زعم أن ماء المرأة لا يبرز وإنما يعرف إنزالها بشهوتها وحمل قوله: إذا رأت الماء أي علمت به لأن وجود العلم هنا متعذر لأنه إن أراد به علمها بذلك وهي نائمة، فلا يثبت به حكم لأن الرجل لو رأى أنه جامع وعلم أنه أنزل في النوم ثم استيقظ فلم ير بللاً لم يجب عليه الغسل اتفاقًا، فكذلك المرأة وإن أراد به علمها بذلك بعد أن استيقظت فلا يصح لأنه لا يستمر في اليقظة ما كان في النوم إلا إذا كان مشاهدًا، فحمل الرؤيا على ظاهرها هو الصواب، وفيه استفتاء المرأة بنفسها وسياق صور الأحوال في الوقائع الشرعية وجواز التبسم في التعجب.

وقد سألت عن هذه المسألة أيضًا خولة بنت حكيم عند أحمد والنسائي وابن ماجه.
وفي حديثها فقال صلى الله عليه وسلم: ليس عليها غسل حتى تنزل كما ينزل الرجل كما ليس على الرجل غسل إذا رأى ذلك ولم ينزل.
وسهلة بنت سهيل عند الطبراني وبسرة بنت صفوان عند ابن أبي شيبة ذكره الحافظ.

وفي الحديث: ما كان عليه النساء من الاهتمام بأمر دينهن والسؤال عنه.
وقال صلى الله عليه وسلم: شفاء العي السؤال.
وقالت عائشة: رحم الله نساء الأنصار لم يمنعهن الحياء أن يسألن عن أمر دينهن.
وأخرجه البخاري في الطهارة عن عبد الله بن يوسف، وفي الأدب عن إسماعيل كلاهما عن مالك به.
وتابعه أبو معاوية وغيره عن هشام في الصحيحين.