فهرس الكتاب

شرح الزرقاني - بَابُ عَقْلِ الْجَنِينِ

رقم الحديث 1572 وَحَدَّثَنِي يَحْيَى، عَنْ مَالِكٍ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، عَنْ أَبِي سَلَمَةَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، أَنَّ امْرَأَتَيْنِ مِنْ هُذَيْلٍ رَمَتْ إِحْدَاهُمَا الْأُخْرَى، فَطَرَحَتْ جَنِينَهَا، فَقَضَى فِيهِ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِغُرَّةٍ عَبْدٍ أَوْ وَلِيدَةٍ.


( عقل الجنين)

( مالك عن ابن شهاب) الزهري ( عن أبي سلمة بن عبد الرحمن بن عوف) الزهري ( عن أبي هريرة أن امرأتين من هذيل) بضم الهاء وفتح الذال المعجمة نسبة إلى هذيل بن مدركة بن إلياس بن مضر ولا يخالفه رواية الليث عن ابن شهاب امرأتين من بني لحيان لأنه بطن من هذيل ( رمت إحداهما الأخرى) بحجر كما في رواية الليث وفي رواية عبد الرحمن بن خالد عن ابن شهاب بحجر فأصاب بطنها ولبعض الرواة بعمود فسطاط ولبعضهم بمسطح أي خشبة أو عود يرقق به الخبز قال ابن عبد البر ولهذا الاضطراب لم يذكر مالك شيئًا من ذلك وإنما قضى المعنى المراد بالحكم لأنه لا فرق عنده بين الحجر وغيره في العمد والرامية أم عفيف والمرمية مليكة انتهى وكانتا ضرتين كما رواه أحمد وغيره من طريق عمرو بن تميم بن عويمر الهذلي وعويمر براء آخره وبدونها عن أبيه عن جده قال كانت أختي مليكة ومرأة منا يقال لها أم عفيف بنت مسروح من بني سعد بن هذيل تحت حمل ابن مالك ابن النابغة فضربت أم عفيف مليكة وللبيهقي وأبي نعيم في المعرفة عن ابن عباس تسمية الضاربة أم غطيف وهما واحدة وحمل بفتح الحاء المهملة والميم ( فطرحت جنينها) ميتًا زاد في رواية ابن خالد فاختصموا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ( فقضى فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم بغرة) بضم الغين المعجمة وشد الراء منونًا بياض في الوجه عبر به عن الجسد كله إطلاقًا للجزء على الكل ( عبد أو وليدة) بجرهما بدل من غرة وأو للتقسيم لا للشك ورواه بعضهم بالإضافة البيانية والأول أقيس وأصوب لأنه حينئذ يكون من إضافة الشيء إلى نفسه ولا يجوز إلا بتأويل كما ورد قليلاً والمراد العبد والأمة وإن كانا أسودين وإن كان الأصل في الغرة البياض في الوجه لكن توسعوا في إطلاقها على الجسد كله كما قالوا أعتق رقبة وقول أبي عمرو بن العلاء المقري المراد الأبيض لا الأسود إذ لولا أنه صلى الله عليه وسلم أراد بالغرة معنى زائدًا على شخص العبد والأمة لما ذكرها تعقبه النووي بأنه خلاف ما اتفق عليه الفقهاء من إجزاء الغرة السوداء قال أهل اللغة الغرة عند العرب أنفس الشيء وأطلقت هنا على الإنسان لأن الله تعالى خلقه في أحسن تقويم فهو أنفس المخلوقات وزاد الليث عن ابن شهاب بسنده في هذا الحديث ثم إن المرأة التي قضى عليها بالغرة توفيت فقضى صلى الله عليه وسلم أن ميراثها لبنيها وزوجها وأن العقل على عصبتها وقريب منه في رواية يونس عن الزهري وكلاهما في البخاري ومسلم قال ابن عبد البر ترك ذلك مالك لأن فيه إثبات شبه العمد وهو لا يقول به لأنه وجد الفتوى وعمل المدينة على خلافه فكره أن يذكر ما لا يقول به واقتصر على قصة الجنين لأنه أمر مجمع عليه في الغرة هكذا قال في شرح الحديث الثاني وقال في شرح هذا الحديث لم يختلف على مالك في إسناده ومتنه ولم يذكر فيه قتل المرأة لما فيه من الاختلاف والاضطراب بين أهل النقل والفقهاء من الصحابة والتابعين ومن بعدهم وذكر قصة الجنين التي لم يختلف فيها الإخبار عن النبي صلى الله عليه وسلم والحديث رواه البخاري هنا عن عبد الله بن يوسف وإسماعيل وقبله في الطب عن قتيبة بن سعيد ومسلم عن يحيى والنسائي من طريق ابن وهب الخمسة عن مالك به وتابعه عبد الرحمن بن خالد به بدون تلك الزيادة عند البخاري والليث ويونس في الصحيحين بالزيادة ثلاثتهم عن ابن شهاب وتابعه محمد بن عمرو عن ابن سلمة عن أبي هريرة بمثل رواية مالك فقط كما قال أبو عمر ( مالك عن ابن شهاب عن سعيد بن المسيب) مرسلاً عند رواة الموطأ ووصله مطرف وأبو عاصم النبيل كلاهما عن مالك عن ابن شهاب عن سعيد بن المسيب وأبي سلمة عن أبي هريرة قال ابن عبد البر والحديث عند ابن شهاب عنهما جميعًا عن أبي هريرة فطائفة من أصحابه يحدثون به عنه هكذا وطائفة يحدثون به عنه عن سعيد وحده عن أبي هريرة وطائفة عنه عن أبي سلمة وحده عن أبي هريرة ومالك أرسل عنه حديث سعيد هذا ووصل حديث أبي سلمة واقتصر فيهما على قصة الجنين دون قتل المرأة لما ذكرنا من العلة ولما شاء الله مما هو أعلم به انتهى ومراده أرسله في رواية الأكثر وإلا فقد رواه النسائي عن الحارث بن مسكين عن ابن القاسم حدثني مالك عن ابن شهاب عن سعيد بن المسيب عن أبي هريرة ( أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قضى) حكم ( في الجنين) حال كونه ( يقتل في بطن أمه) ذكر أو أنثى أو خنثى ولو مضغة أو علقة أو ما يعلم أنه ولد عند مالك ( بغرة) بالتنوين ( عبد أو وليدة) تقسيم لا شك يساوي كل واحد منهما عشر دية أمه كما يأتي ( فقال الذي قضي عليه) بضم القاف وكسر الضاد بالغرة وفي رواية للبخاري فقال ولي المرأة التي غرت بضم المعجمة وفتح الراء الثقيلة أي التي قضي عليها بالغرة ووليها هو ابنها مسروح رواه عبد الغني والأكثر أن القائل زوجها حمل ابن النابغة الهذلي وللطبراني أنه عمران بن عويمر أخو مليكة قال الحافظ فيحتمل تعدد القائلين فإسناد هذه صحيح أيضًا انتهى وفيه دلالة قوية لقول مالك وأصحابه ومن وافقهم أن الغرة على الجاني لا على العاقلة كما يقول أبو حنيفة والشافعي وأصحابهما لأن المفهوم من اللفظ أن المقضي عليه واحد معين وهو الجاني إذ لو قضي بها على العاقلة لقيل فقال الذين قضي عليهم وفي القياس أن كل جان جنايته عليه إلا بدليل لا معارض له كالإجماع أو السنة وقد قال تعالى { { ولا تكسب كل نفس إلا عليها } } { { ولا تزر وازرة وزر أخرى } } وقال صلى الله عليه وسلم لأبي رمثة في ابنه إنك لا تجني عليه ولا يجني عليك ولا ينافي ذلك اختلاف الروايات في تعيين القائل والجمع بينهما باحتمال تعدده لأن كلا تكلم عن المرأة الجانية كما في رواية البخاري بلفظ فقال ولي المرأة التي غرمت فصرح بأن المرأة الجانية هي التي غرمت الغرة ولا يخالفه رواية غرت بضم الغين وفتح الراء مشددة وتاء ساكنة بلا ميم لأن معناها التي قضي عليها بغرم الغرة ( كيف أغرم ما لا شرب ولا أكل ولا نطق ولا استهل) أي صاح عند الولادة وهو من إقامة الماضي مقام المضارع أي لم يشرب إلخ ( ومثل ذلك بطل) بموحدة وطاء مهملة مفتوحتين ولام خفيفة من البطلان وفي رواية يطل بتحتية مضمومة بدل الموحدة وشد اللام أي يهدر من الأفعال التي لا تستعمل إلا مبنية للمفعول قال المنذري وأكثر الروايات بالموحدة وإن رجح الخطابي التحتية ( فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم إنما هذا من إخوان الكهان) لمشابهة كلامه كلامهم زاد مسلم من أجل سجعه الذي سجع فيه فشبه بالإخوان لأن الأخوة تقتضي المشابهة وذمه لأنه أراد بسجعه دفع ما أوجبه صلى الله عليه وسلم ولم يعاقبه لأنه مأمور بالصفح عن الجاهلين وهو كان أعرابيًا لا علم له بأحكام الدين فقال له قولاً لينا وتلك سيمته أن يعرض عن الجاهلين ولا ينتقم لنفسه فلا دلالة فيه لمن زعم كراهة التسجيع مطلقًا نعم ينكر على الإنسان الخطيب أو غيره أن يكون كلامه كله سجعًا أما إذا كان أقل كلامه فليس بمعيب بل مستحسن محمود فإنه كلام وكذلك الشعر فحسنهما حسن وقبيحهما قبيح كالكلام المنثور كما دلت على ذلك الآثار عن النبي صلى الله عليه وسلم وعن أصحابه وفيه حجة لقول مالك والشافعي وأصحابهما تورث الغرة عن الجنين على فرائض الله تعالى واحتج الشافعي بقوله كيف أغرم إلخ قال فالمضمون الجنين لأن العضو لا يعترض فيه بهذا وقال أبو حنيفة وأصحابه تختص بها الأم لأنها بمنزلة قطع عضو من أعضائها وليست بدية إذ لم يعتبر فيها هل ذكر أو أنثى كالديات وكذا قال الظاهرية واحتج إمامهم داود بأن الغرة لم يملكها الجنين فتورث عنه ويرد عليه دية المقتول خطأ فإنه لم يملكها وهي تورث عنه قاله أبو عمر ملخصًا وهذا الحديث رواه البخاري عن قتيبة عن مالك به مرسلاً ففيه أن مراسيل مالك صحيحة عند البخاري ( مالك عن ربيعة بن أبي عبد الرحمن أنه كان يقول الغرة تقوم خمسين دينارًا أو ستمائة درهم) يعني أن العبد أو الأمة لا يكفي إلا أن يساوي ذلك ( ودية المرأة الحرة المسلمة خمسمائة دينار) على أهل الذهب ( أو ستة آلاف درهم) على أهل الورق لأنها على النصف من الذكر ( قال مالك فدية جنين الحرة) المسلمة ( عشر ديتها والعشر خمسون دينارًا أو ستمائة درهم) وبهذا قال الزهري وسائر أهل المدينة وقال أبو حنيفة والكوفيون قيمة الغرة خمسمائة درهم وقال الشافعي سن الغرة سبع سنين أو ثمان سنين بلا عيب وقال داود كل ما وقع عليه اسم الغرة ( ولم أسمع أحدًا يخالف في أن الجنين لا تكون فيه الغرة حتى يزايل) يفارق ( بطن أمه ويسقط من بطنها ميتًا) وهي حية ( وسمعت أنه إذا خرج الجنين من بطن أمه حيًا ثم مات) بقرب خروجه وعلم أن موته كان من الضربة وما فعل بأمه وبه في بطنها ( أن فيه الدية كاملة) ويعتبر فيه الذكر والأنثى وهذا اجتماع ( قال مالك ولا حياة للجنين إلا بالاستهلال) أي الصياح عند الولادة ( فإذا خرج من بطن أمه فاستهل ثم مات ففيه الدية كاملة) وقال الشافعي وباقي الفقهاء إذا علمت حياته بحركة أو بعطاس أو استهلال أو غير ذلك مما يتيقن به حياته ثم مات فالدية كاملة ( ونرى أن في جنين الأمة) ذكرًا كان أو أنثى ( عشر ثمن أمه) وبه قال أهل المدينة والشافعي وغيرهم وقال أبو حنيفة وأصحابه والثوري كذلك إن كان أنثى لا إن كان ذكرًا فنصف عشر قيمة نفسه وقال داود لا شيء في جنين الأمة مطلقًا ( وإذا قتلت المرأة رجلاً أو امرأة) أي ذكرًا أو أنثى ( عمدًا و) الحال أن ( التي قتلت) بفتحات ( حامل لم يقد) يقتص ( منها حتى تضع حملها) لئلا يؤخذ نفسان في نفس ( وإن قتلت) بضم فكسر ( المرأة وهي حامل عمدًا أو خطأ فليس على من قتلها في جنينها شيء) ثم ( إن قتلت عمدًا قتل الذي قتلها) قصاصًا ( وليس في جنينها دية وإن قتلت خطأ فعلى عاقلة قاتلها ديتها وليس في جنينها دية) وعلى هذا الفقهاء كلهم إلا الليث وأهل الظاهر فقالوا إذا ألقت جنينها ميتًا فالغرة سواء رمته بعد موتها أو قبله وأبطله الطحاوي بأنهم أجمعوا والليث معهم على أنه لو ضرب بطنها فماتت وهو في بطنها لم يسقط أنه لا شيء فيه فكذلك إذا أسقطته بعد موتها قال ولا خلاف أيضًا لو ضرب بطن ميتة حامل فألقت جنينًا ميتًا أنه لا شيء فيه فكذلك إذا كان الضرب في حياتها فماتت ثم ألقته ميتًا ( وسئل مالك عن جنين اليهودية والنصرانية يطرح) بنحو ضرب بطنها ( فقال أرى أن فيه عشر دية أمه) وهي نصف دية المسلمة.



رقم الحديث 1572 قَالَ مَالِكٌ: الْأَمْرُ الْمُجْتَمَعُ عَلَيْهِ عِنْدَنَا أَنَّ الْعَبِيدَ إِذَا كُوتِبُوا جَمِيعًا كِتَابَةً وَاحِدَةً فَإِنَّ بَعْضَهُمْ حُمَلَاءُ عَنْ بَعْضٍ.
وَإِنَّهُ لَا يُوضَعُ عَنْهُمْ لِمَوْتِ أَحَدِهِمْ شَيْءٌ.
وَإِنْ قَالَ أَحَدُهُمْ: قَدْ عَجَزْتُ.
وَأَلْقَى بِيَدَيْهِ.
فَإِنَّ لِأَصْحَابِهِ أَنْ يَسْتَعْمِلُوهُ فِيمَا يُطِيقُ مِنَ الْعَمَلِ.
وَيَتَعَاوَنُونَ بِذَلِكَ فِي كِتَابَتِهِمْ حَتَّى يَعْتِقَ بِعِتْقِهِمْ إِنْ عَتَقُوا.
وَيَرِقَّ بِرِقِّهِمْ إِنْ رَقُّوا.
قَالَ مَالِكٌ: الْأَمْرُ الْمُجْتَمَعُ عَلَيْهِ عِنْدَنَا أَنَّ الْعَبْدَ إِذَا كَاتَبَهُ سَيِّدُهُ.
لَمْ يَنْبَغِ لِسَيِّدِهِ أَنْ يَتَحَمَّلَ لَهُ بِكِتَابَةِ عَبْدِهِ أَحَدٌ.
إِنْ مَاتَ الْعَبْدُ أَوْ عَجَزَ.
وَلَيْسَ هَذَا مِنْ سُنَّةِ الْمُسْلِمِينَ.
وَذَلِكَ أَنَّهُ إِنْ تَحَمَّلَ رَجُلٌ لِسَيِّدِ الْمُكَاتَبِ بِمَا عَلَيْهِ مِنْ كِتَابَتِهِ.
ثُمَّ اتَّبَعَ ذَلِكَ سَيِّدُ الْمُكَاتَبِ قِبَلَ الَّذِي تَحَمَّلَ لَهُ أَخَذَ مَالَهُ بَاطِلًا.
لَا هُوَ ابْتَاعَ الْمُكَاتَبَ فَيَكُونَ مَا أُخِذَ مِنْهُ مِنْ ثَمَنِ شَيْءٍ هُوَ لَهُ.
وَلَا الْمُكَاتَبُ عَتَقَ فَيَكُونَ فِي ثَمَنِ حُرْمَةٍ ثَبَتَتْ لَهُ فَإِنْ عَجَزَ الْمُكَاتَبُ رَجَعَ إِلَى سَيِّدِهِ.
وَكَانَ عَبْدًا مَمْلُوكًا لَهُ.
وَذَلِكَ أَنَّ الْكِتَابَةَ لَيْسَتْ بِدَيْنٍ ثَابِتٍ.
يُتَحَمَّلُ لِسَيِّدِ الْمُكَاتَبِ بِهَا.
إِنَّمَا هِيَ شَيْءٌ.
إِنْ أَدَّاهُ الْمُكَاتَبُ عَتَقَ.
وَإِنْ مَاتَ الْمُكَاتَبُ وَعَلَيْهِ دَيْنٌ لَمْ يُحَاصَّ الْغُرَمَاءَ سَيِّدُهُ بِكِتَابَتِهِ.
وَكَانَ الْغُرَمَاءُ أَوْلَى بِذَلِكَ مِنْ سَيِّدِهِ.
وَإِنْ عَجَزَ الْمُكَاتَبُ وَعَلَيْهِ دَيْنٌ لِلنَّاسِ.
رُدَّ عَبْدًا مَمْلُوكًا لِسَيِّدِهِ.
وَكَانَتْ دُيُونُ النَّاسِ فِي ذِمَّةِ الْمُكَاتَبِ.
لَا يَدْخُلُونَ مَعَ سَيِّدِهِ فِي شَيْءٍ مِنْ ثَمَنِ رَقَبَتِهِ.
قَالَ مَالِكٌ: إِذَا كَاتَبَ الْقَوْمُ جَمِيعًا كِتَابَةً وَاحِدَةً.
وَلَا رَحِمَ بَيْنَهُمْ يَتَوَارَثُونَ بِهَا.
فَإِنَّ بَعْضَهُمْ حُمَلَاءُ عَنْ بَعْضٍ.
وَلَا يَعْتِقُ بَعْضُهُمْ دُونَ بَعْضٍ حَتَّى يُؤَدُّوا الْكِتَابَةَ كُلَّهَا.
فَإِنْ مَاتَ أَحَدٌ مِنْهُمْ وَتَرَكَ مَالًا هُوَ أَكْثَرُ مِنْ جَمِيعِ مَا عَلَيْهِمْ.
أُدِّيَ عَنْهُمْ جَمِيعُ مَا عَلَيْهِمْ.
وَكَانَ فَضْلُ الْمَالِ لِسَيِّدِهِ.
وَلَمْ يَكُنْ لِمَنْ كَاتَبَ مَعَهُ مِنْ فَضْلِ الْمَالِ شَيْءٌ.
وَيَتْبَعُهُمُ السَّيِّدُ بِحِصَصِهِمِ الَّتِي بَقِيَتْ عَلَيْهِمْ مِنَ الْكِتَابَةِ الَّتِي قُضِيَتْ مِنْ مَالِ الْهَالِكِ لِأَنَّ الْهَالِكَ إِنَّمَا كَانَ تَحَمَّلَ عَنْهُمْ فَعَلَيْهِمْ أَنْ يُؤَدُّوا مَا عَتَقُوا بِهِ مِنْ مَالِهِ.
وَإِنْ كَانَ لِلْمُكَاتَبِ الْهَالِكِ وَلَدٌ حُرٌّ لَمْ يُولَدْ فِي الْكِتَابَةِ.
وَلَمْ يُكَاتَبْ عَلَيْهِ لَمْ يَرِثْهُ لِأَنَّ الْمُكَاتَبَ لَمْ يُعْتَقْ حَتَّى مَاتَ.



الحمالة في الكتابة

( مالك الأمر المجتمع عليه عندنا أن العبيد إذا كوتبوا جميعا كتابة واحدة فإن بعضهم حملاء) ضامنون ( عن بعض وإنه لا يوضع عنهم لموت أحدهم شيء وإن قال أحدهم قد عجزت وألقى بيديه) لم يكن له ذلك ( فإن لأصحابه أن يستعملوه ما يطيق من العمل) لا ما لا يطيقه ( ويتعاونون بذلك في كتابتهم حتى يعتق بعتقهم إن عتقوا أو يرق برقهم إن رقوا) وهذا من ثمرة كونهم حملاء ( والأمر المجتمع عليه أن العبد إذا كاتبه سيده لم ينبغ) لم يجز ( لسيده أن يتحمل له بكتابة عبده أحد) فاعل يتحمل ( إن مات العبد أو عجز وليس هذا من سنة المسلمين وذلك أنه إن تحمل) ضمن ( رجل لسيد المكاتب بما عليه من كتابته ثم أتبع ذلك سيد المكاتب قبل) بكسر ففتح جهة ( الذي تحمل له أخذ ماله باطلا) وبين وجه ذلك البطلان بقوله ( لا هو) أي المتحمل ( ابتاع) اشترى ( المكاتب فيكون ما أخذ منه من ثمن شيء هو له ولا المكاتب عتق فيكون في ثمن حرمة ثبتت له) وهي حرمة العتق لو كان ( فإن عجز المكاتب رجع إلى سيده وكان عبدا مملوكا له وذلك أن الكتابة ليست بدين ثابت يتحمل) بضم أوله مبني للمجهول ( لسيد المكاتب بها إنما هي شيء إن أداه المكاتب عتق) وإلا رق والحمالة إنما هي في الديون السابقة ( وإن مات المكاتب وعليه دين لم يحاص) بالإدغام ( الغرماء) مفعول فاعله ( سيده بكتابته) أي بما بقي منها أو بما حل من نجومه لأنها ليست بدين ثابت ( وكان الغرماء أولى بذلك من سيده) أي أحق أي أنه حقهم دونه ولو كانت دينا ثابتا لحاصصهم ( وإن عجز المكاتب وعليه دين للناس رد عبدا مملوكا لسيده وكانت ديون الناس في ذمة المكاتب) ويتبعونه إذا عتق ( لا يدخلون مع سيده في شيء من ثمن رقبته) لأن معاملتهم له إنما هي في ذمته لا في رقبته قال أبو عمر على قول مالك إن الحمالة لا تصح عن المكاتب الجمهور وأبو حنيفة والشافعي وأحمد وأحسن مالك في احتجاجه لذلك ( وإذا كاتب القوم جميعا كتابة واحدة ولا رحم بينهم يتوارثون بها فإن بعضهم حملاء عن بعض ولا يعتق بعضهم دون بعض حتى يؤدوا الكتابة كلها فإن مات أحد منهم وترك مالا هو أكثر من جميع ما عليهم أدى عنهم جميع ما عليهم وكان فضل المال) أي ما بقي منه ( لسيده ولم يكن لمن كاتب معه من فضل المال) أي باقيه ( شيء ويتبعهم السيد بحصصهم التي بقيت عليهم من الكتابة التي قضيت من مال الهالك) الميت ( لأن الهالك إنما كان يحمل عنهم فعليهم أن يؤدوا ما عتقوا به من ماله) لأجل الحمالة فإن فضل شيء فلسيده ملكا ( وإن كان للمكاتب ولد حر لم يولد في الكتابة ولم يكاتب عليه لم يرثه لأن المكاتب لم يعتق حتى مات) وهو عبد فماله لسيده.



رقم الحديث 1573 وَحَدَّثَنِي عَنْ مَالِكٍ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَضَى فِي الْجَنِينِ يُقْتَلُ فِي بَطْنِ أُمِّهِ بِغُرَّةٍ عَبْدٍ أَوْ وَلِيدَةٍ، فَقَالَ الَّذِي قُضِيَ عَلَيْهِ: كَيْفَ أَغْرَمُ مَا لَا شَرِبَ، وَلَا أَكَلْ، وَلَا نَطَقَ، وَلَا اسْتَهَلْ وَمِثْلُ ذَلِكَ بَطَلْ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: إِنَّمَا هَذَا مِنْ إِخْوَانِ الْكُهَّانِ.


( عقل الجنين)

( مالك عن ابن شهاب) الزهري ( عن أبي سلمة بن عبد الرحمن بن عوف) الزهري ( عن أبي هريرة أن امرأتين من هذيل) بضم الهاء وفتح الذال المعجمة نسبة إلى هذيل بن مدركة بن إلياس بن مضر ولا يخالفه رواية الليث عن ابن شهاب امرأتين من بني لحيان لأنه بطن من هذيل ( رمت إحداهما الأخرى) بحجر كما في رواية الليث وفي رواية عبد الرحمن بن خالد عن ابن شهاب بحجر فأصاب بطنها ولبعض الرواة بعمود فسطاط ولبعضهم بمسطح أي خشبة أو عود يرقق به الخبز قال ابن عبد البر ولهذا الاضطراب لم يذكر مالك شيئًا من ذلك وإنما قضى المعنى المراد بالحكم لأنه لا فرق عنده بين الحجر وغيره في العمد والرامية أم عفيف والمرمية مليكة انتهى وكانتا ضرتين كما رواه أحمد وغيره من طريق عمرو بن تميم بن عويمر الهذلي وعويمر براء آخره وبدونها عن أبيه عن جده قال كانت أختي مليكة ومرأة منا يقال لها أم عفيف بنت مسروح من بني سعد بن هذيل تحت حمل ابن مالك ابن النابغة فضربت أم عفيف مليكة وللبيهقي وأبي نعيم في المعرفة عن ابن عباس تسمية الضاربة أم غطيف وهما واحدة وحمل بفتح الحاء المهملة والميم ( فطرحت جنينها) ميتًا زاد في رواية ابن خالد فاختصموا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ( فقضى فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم بغرة) بضم الغين المعجمة وشد الراء منونًا بياض في الوجه عبر به عن الجسد كله إطلاقًا للجزء على الكل ( عبد أو وليدة) بجرهما بدل من غرة وأو للتقسيم لا للشك ورواه بعضهم بالإضافة البيانية والأول أقيس وأصوب لأنه حينئذ يكون من إضافة الشيء إلى نفسه ولا يجوز إلا بتأويل كما ورد قليلاً والمراد العبد والأمة وإن كانا أسودين وإن كان الأصل في الغرة البياض في الوجه لكن توسعوا في إطلاقها على الجسد كله كما قالوا أعتق رقبة وقول أبي عمرو بن العلاء المقري المراد الأبيض لا الأسود إذ لولا أنه صلى الله عليه وسلم أراد بالغرة معنى زائدًا على شخص العبد والأمة لما ذكرها تعقبه النووي بأنه خلاف ما اتفق عليه الفقهاء من إجزاء الغرة السوداء قال أهل اللغة الغرة عند العرب أنفس الشيء وأطلقت هنا على الإنسان لأن الله تعالى خلقه في أحسن تقويم فهو أنفس المخلوقات وزاد الليث عن ابن شهاب بسنده في هذا الحديث ثم إن المرأة التي قضى عليها بالغرة توفيت فقضى صلى الله عليه وسلم أن ميراثها لبنيها وزوجها وأن العقل على عصبتها وقريب منه في رواية يونس عن الزهري وكلاهما في البخاري ومسلم قال ابن عبد البر ترك ذلك مالك لأن فيه إثبات شبه العمد وهو لا يقول به لأنه وجد الفتوى وعمل المدينة على خلافه فكره أن يذكر ما لا يقول به واقتصر على قصة الجنين لأنه أمر مجمع عليه في الغرة هكذا قال في شرح الحديث الثاني وقال في شرح هذا الحديث لم يختلف على مالك في إسناده ومتنه ولم يذكر فيه قتل المرأة لما فيه من الاختلاف والاضطراب بين أهل النقل والفقهاء من الصحابة والتابعين ومن بعدهم وذكر قصة الجنين التي لم يختلف فيها الإخبار عن النبي صلى الله عليه وسلم والحديث رواه البخاري هنا عن عبد الله بن يوسف وإسماعيل وقبله في الطب عن قتيبة بن سعيد ومسلم عن يحيى والنسائي من طريق ابن وهب الخمسة عن مالك به وتابعه عبد الرحمن بن خالد به بدون تلك الزيادة عند البخاري والليث ويونس في الصحيحين بالزيادة ثلاثتهم عن ابن شهاب وتابعه محمد بن عمرو عن ابن سلمة عن أبي هريرة بمثل رواية مالك فقط كما قال أبو عمر ( مالك عن ابن شهاب عن سعيد بن المسيب) مرسلاً عند رواة الموطأ ووصله مطرف وأبو عاصم النبيل كلاهما عن مالك عن ابن شهاب عن سعيد بن المسيب وأبي سلمة عن أبي هريرة قال ابن عبد البر والحديث عند ابن شهاب عنهما جميعًا عن أبي هريرة فطائفة من أصحابه يحدثون به عنه هكذا وطائفة يحدثون به عنه عن سعيد وحده عن أبي هريرة وطائفة عنه عن أبي سلمة وحده عن أبي هريرة ومالك أرسل عنه حديث سعيد هذا ووصل حديث أبي سلمة واقتصر فيهما على قصة الجنين دون قتل المرأة لما ذكرنا من العلة ولما شاء الله مما هو أعلم به انتهى ومراده أرسله في رواية الأكثر وإلا فقد رواه النسائي عن الحارث بن مسكين عن ابن القاسم حدثني مالك عن ابن شهاب عن سعيد بن المسيب عن أبي هريرة ( أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قضى) حكم ( في الجنين) حال كونه ( يقتل في بطن أمه) ذكر أو أنثى أو خنثى ولو مضغة أو علقة أو ما يعلم أنه ولد عند مالك ( بغرة) بالتنوين ( عبد أو وليدة) تقسيم لا شك يساوي كل واحد منهما عشر دية أمه كما يأتي ( فقال الذي قضي عليه) بضم القاف وكسر الضاد بالغرة وفي رواية للبخاري فقال ولي المرأة التي غرت بضم المعجمة وفتح الراء الثقيلة أي التي قضي عليها بالغرة ووليها هو ابنها مسروح رواه عبد الغني والأكثر أن القائل زوجها حمل ابن النابغة الهذلي وللطبراني أنه عمران بن عويمر أخو مليكة قال الحافظ فيحتمل تعدد القائلين فإسناد هذه صحيح أيضًا انتهى وفيه دلالة قوية لقول مالك وأصحابه ومن وافقهم أن الغرة على الجاني لا على العاقلة كما يقول أبو حنيفة والشافعي وأصحابهما لأن المفهوم من اللفظ أن المقضي عليه واحد معين وهو الجاني إذ لو قضي بها على العاقلة لقيل فقال الذين قضي عليهم وفي القياس أن كل جان جنايته عليه إلا بدليل لا معارض له كالإجماع أو السنة وقد قال تعالى { { ولا تكسب كل نفس إلا عليها } } { { ولا تزر وازرة وزر أخرى } } وقال صلى الله عليه وسلم لأبي رمثة في ابنه إنك لا تجني عليه ولا يجني عليك ولا ينافي ذلك اختلاف الروايات في تعيين القائل والجمع بينهما باحتمال تعدده لأن كلا تكلم عن المرأة الجانية كما في رواية البخاري بلفظ فقال ولي المرأة التي غرمت فصرح بأن المرأة الجانية هي التي غرمت الغرة ولا يخالفه رواية غرت بضم الغين وفتح الراء مشددة وتاء ساكنة بلا ميم لأن معناها التي قضي عليها بغرم الغرة ( كيف أغرم ما لا شرب ولا أكل ولا نطق ولا استهل) أي صاح عند الولادة وهو من إقامة الماضي مقام المضارع أي لم يشرب إلخ ( ومثل ذلك بطل) بموحدة وطاء مهملة مفتوحتين ولام خفيفة من البطلان وفي رواية يطل بتحتية مضمومة بدل الموحدة وشد اللام أي يهدر من الأفعال التي لا تستعمل إلا مبنية للمفعول قال المنذري وأكثر الروايات بالموحدة وإن رجح الخطابي التحتية ( فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم إنما هذا من إخوان الكهان) لمشابهة كلامه كلامهم زاد مسلم من أجل سجعه الذي سجع فيه فشبه بالإخوان لأن الأخوة تقتضي المشابهة وذمه لأنه أراد بسجعه دفع ما أوجبه صلى الله عليه وسلم ولم يعاقبه لأنه مأمور بالصفح عن الجاهلين وهو كان أعرابيًا لا علم له بأحكام الدين فقال له قولاً لينا وتلك سيمته أن يعرض عن الجاهلين ولا ينتقم لنفسه فلا دلالة فيه لمن زعم كراهة التسجيع مطلقًا نعم ينكر على الإنسان الخطيب أو غيره أن يكون كلامه كله سجعًا أما إذا كان أقل كلامه فليس بمعيب بل مستحسن محمود فإنه كلام وكذلك الشعر فحسنهما حسن وقبيحهما قبيح كالكلام المنثور كما دلت على ذلك الآثار عن النبي صلى الله عليه وسلم وعن أصحابه وفيه حجة لقول مالك والشافعي وأصحابهما تورث الغرة عن الجنين على فرائض الله تعالى واحتج الشافعي بقوله كيف أغرم إلخ قال فالمضمون الجنين لأن العضو لا يعترض فيه بهذا وقال أبو حنيفة وأصحابه تختص بها الأم لأنها بمنزلة قطع عضو من أعضائها وليست بدية إذ لم يعتبر فيها هل ذكر أو أنثى كالديات وكذا قال الظاهرية واحتج إمامهم داود بأن الغرة لم يملكها الجنين فتورث عنه ويرد عليه دية المقتول خطأ فإنه لم يملكها وهي تورث عنه قاله أبو عمر ملخصًا وهذا الحديث رواه البخاري عن قتيبة عن مالك به مرسلاً ففيه أن مراسيل مالك صحيحة عند البخاري ( مالك عن ربيعة بن أبي عبد الرحمن أنه كان يقول الغرة تقوم خمسين دينارًا أو ستمائة درهم) يعني أن العبد أو الأمة لا يكفي إلا أن يساوي ذلك ( ودية المرأة الحرة المسلمة خمسمائة دينار) على أهل الذهب ( أو ستة آلاف درهم) على أهل الورق لأنها على النصف من الذكر ( قال مالك فدية جنين الحرة) المسلمة ( عشر ديتها والعشر خمسون دينارًا أو ستمائة درهم) وبهذا قال الزهري وسائر أهل المدينة وقال أبو حنيفة والكوفيون قيمة الغرة خمسمائة درهم وقال الشافعي سن الغرة سبع سنين أو ثمان سنين بلا عيب وقال داود كل ما وقع عليه اسم الغرة ( ولم أسمع أحدًا يخالف في أن الجنين لا تكون فيه الغرة حتى يزايل) يفارق ( بطن أمه ويسقط من بطنها ميتًا) وهي حية ( وسمعت أنه إذا خرج الجنين من بطن أمه حيًا ثم مات) بقرب خروجه وعلم أن موته كان من الضربة وما فعل بأمه وبه في بطنها ( أن فيه الدية كاملة) ويعتبر فيه الذكر والأنثى وهذا اجتماع ( قال مالك ولا حياة للجنين إلا بالاستهلال) أي الصياح عند الولادة ( فإذا خرج من بطن أمه فاستهل ثم مات ففيه الدية كاملة) وقال الشافعي وباقي الفقهاء إذا علمت حياته بحركة أو بعطاس أو استهلال أو غير ذلك مما يتيقن به حياته ثم مات فالدية كاملة ( ونرى أن في جنين الأمة) ذكرًا كان أو أنثى ( عشر ثمن أمه) وبه قال أهل المدينة والشافعي وغيرهم وقال أبو حنيفة وأصحابه والثوري كذلك إن كان أنثى لا إن كان ذكرًا فنصف عشر قيمة نفسه وقال داود لا شيء في جنين الأمة مطلقًا ( وإذا قتلت المرأة رجلاً أو امرأة) أي ذكرًا أو أنثى ( عمدًا و) الحال أن ( التي قتلت) بفتحات ( حامل لم يقد) يقتص ( منها حتى تضع حملها) لئلا يؤخذ نفسان في نفس ( وإن قتلت) بضم فكسر ( المرأة وهي حامل عمدًا أو خطأ فليس على من قتلها في جنينها شيء) ثم ( إن قتلت عمدًا قتل الذي قتلها) قصاصًا ( وليس في جنينها دية وإن قتلت خطأ فعلى عاقلة قاتلها ديتها وليس في جنينها دية) وعلى هذا الفقهاء كلهم إلا الليث وأهل الظاهر فقالوا إذا ألقت جنينها ميتًا فالغرة سواء رمته بعد موتها أو قبله وأبطله الطحاوي بأنهم أجمعوا والليث معهم على أنه لو ضرب بطنها فماتت وهو في بطنها لم يسقط أنه لا شيء فيه فكذلك إذا أسقطته بعد موتها قال ولا خلاف أيضًا لو ضرب بطن ميتة حامل فألقت جنينًا ميتًا أنه لا شيء فيه فكذلك إذا كان الضرب في حياتها فماتت ثم ألقته ميتًا ( وسئل مالك عن جنين اليهودية والنصرانية يطرح) بنحو ضرب بطنها ( فقال أرى أن فيه عشر دية أمه) وهي نصف دية المسلمة.



رقم الحديث 1574 وَحَدَّثَنِي عَنْ مَالِكٍ عَنْ رَبِيعَةَ بْنِ أَبِي عَبْدِ الرَّحْمَنِ، أَنَّهُ كَانَ يَقُولُ: الْغُرَّةُ تُقَوَّمُ خَمْسِينَ دِينَارًا، أَوْ سِتَّمِائَةِ دِرْهَمٍ، وَدِيَةُ الْمَرْأَةِ الْحُرَّةِ الْمُسْلِمَةِ خَمْسُمِائَةِ دِينَارٍ، أَوْ سِتَّةُ آلَافِ دِرْهَمٍ قَالَ مَالِكٌ: فَدِيَةُ جَنِينِ الْحُرَّةِ عُشْرُ دِيَتِهَا، وَالْعُشْرُ خَمْسُونَ دِينَارًا، أَوْ سِتُّمِائَةِ دِرْهَمٍ.
قَالَ مَالِكٌ: وَلَمْ أَسْمَعْ أَحَدًا يُخَالِفُ فِي أَنَّ الْجَنِينَ لَا تَكُونُ فِيهِ الْغُرَّةُ حَتَّى يُزَايِلَ بَطْنَ أُمِّهِ، وَيَسْقُطُ مِنْ بَطْنِهَا مَيِّتًا.
قَالَ مَالِكٌ: وَسَمِعْتُ أَنَّهُ إِذَا خَرَجَ الْجَنِينُ مِنْ بَطْنِ أُمِّهِ حَيًّا، ثُمَّ مَاتَ أَنَّ فِيهِ الدِّيَةَ كَامِلَةً.
قَالَ مَالِكٌ: وَلَا حَيَاةَ لِلْجَنِينِ إِلَّا بِالْاسْتِهْلَالِ، فَإِذَا خَرَجَ مِنْ بَطْنِ أُمِّهِ فَاسْتَهَلَّ، ثُمَّ مَاتَ فَفِيهِ الدِّيَةُ كَامِلَةً، وَنَرَى أَنَّ فِي جَنِينِ الْأَمَةِ عُشْرَ ثَمَنِ أُمِّهِ.
قَالَ مَالِكٌ: وَإِذَا قَتَلَتِ الْمَرْأَةُ رَجُلًا أَوِ امْرَأَةً عَمْدًا، وَالَّتِي قَتَلَتْ حَامِلٌ لَمْ يُقَدْ مِنْهَا حَتَّى تَضَعَ حَمْلَهَا، وَإِنْ قُتِلَتِ الْمَرْأَةُ وَهِيَ حَامِلٌ عَمْدًا أَوْ خَطَأً فَلَيْسَ عَلَى مَنْ قَتَلَهَا فِي جَنِينِهَا شَيْءٌ، فَإِنْ قُتِلَتْ عَمْدًا قُتِلَ الَّذِي قَتَلَهَا، وَلَيْسَ فِي جَنِينِهَا دِيَةٌ، وَإِنْ قُتِلَتْ خَطَأً فَعَلَى عَاقِلَةِ قَاتِلِهَا دِيَتُهَا، وَلَيْسَ فِي جَنِينِهَا دِيَةٌ.


( عقل الجنين)

( مالك عن ابن شهاب) الزهري ( عن أبي سلمة بن عبد الرحمن بن عوف) الزهري ( عن أبي هريرة أن امرأتين من هذيل) بضم الهاء وفتح الذال المعجمة نسبة إلى هذيل بن مدركة بن إلياس بن مضر ولا يخالفه رواية الليث عن ابن شهاب امرأتين من بني لحيان لأنه بطن من هذيل ( رمت إحداهما الأخرى) بحجر كما في رواية الليث وفي رواية عبد الرحمن بن خالد عن ابن شهاب بحجر فأصاب بطنها ولبعض الرواة بعمود فسطاط ولبعضهم بمسطح أي خشبة أو عود يرقق به الخبز قال ابن عبد البر ولهذا الاضطراب لم يذكر مالك شيئًا من ذلك وإنما قضى المعنى المراد بالحكم لأنه لا فرق عنده بين الحجر وغيره في العمد والرامية أم عفيف والمرمية مليكة انتهى وكانتا ضرتين كما رواه أحمد وغيره من طريق عمرو بن تميم بن عويمر الهذلي وعويمر براء آخره وبدونها عن أبيه عن جده قال كانت أختي مليكة ومرأة منا يقال لها أم عفيف بنت مسروح من بني سعد بن هذيل تحت حمل ابن مالك ابن النابغة فضربت أم عفيف مليكة وللبيهقي وأبي نعيم في المعرفة عن ابن عباس تسمية الضاربة أم غطيف وهما واحدة وحمل بفتح الحاء المهملة والميم ( فطرحت جنينها) ميتًا زاد في رواية ابن خالد فاختصموا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ( فقضى فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم بغرة) بضم الغين المعجمة وشد الراء منونًا بياض في الوجه عبر به عن الجسد كله إطلاقًا للجزء على الكل ( عبد أو وليدة) بجرهما بدل من غرة وأو للتقسيم لا للشك ورواه بعضهم بالإضافة البيانية والأول أقيس وأصوب لأنه حينئذ يكون من إضافة الشيء إلى نفسه ولا يجوز إلا بتأويل كما ورد قليلاً والمراد العبد والأمة وإن كانا أسودين وإن كان الأصل في الغرة البياض في الوجه لكن توسعوا في إطلاقها على الجسد كله كما قالوا أعتق رقبة وقول أبي عمرو بن العلاء المقري المراد الأبيض لا الأسود إذ لولا أنه صلى الله عليه وسلم أراد بالغرة معنى زائدًا على شخص العبد والأمة لما ذكرها تعقبه النووي بأنه خلاف ما اتفق عليه الفقهاء من إجزاء الغرة السوداء قال أهل اللغة الغرة عند العرب أنفس الشيء وأطلقت هنا على الإنسان لأن الله تعالى خلقه في أحسن تقويم فهو أنفس المخلوقات وزاد الليث عن ابن شهاب بسنده في هذا الحديث ثم إن المرأة التي قضى عليها بالغرة توفيت فقضى صلى الله عليه وسلم أن ميراثها لبنيها وزوجها وأن العقل على عصبتها وقريب منه في رواية يونس عن الزهري وكلاهما في البخاري ومسلم قال ابن عبد البر ترك ذلك مالك لأن فيه إثبات شبه العمد وهو لا يقول به لأنه وجد الفتوى وعمل المدينة على خلافه فكره أن يذكر ما لا يقول به واقتصر على قصة الجنين لأنه أمر مجمع عليه في الغرة هكذا قال في شرح الحديث الثاني وقال في شرح هذا الحديث لم يختلف على مالك في إسناده ومتنه ولم يذكر فيه قتل المرأة لما فيه من الاختلاف والاضطراب بين أهل النقل والفقهاء من الصحابة والتابعين ومن بعدهم وذكر قصة الجنين التي لم يختلف فيها الإخبار عن النبي صلى الله عليه وسلم والحديث رواه البخاري هنا عن عبد الله بن يوسف وإسماعيل وقبله في الطب عن قتيبة بن سعيد ومسلم عن يحيى والنسائي من طريق ابن وهب الخمسة عن مالك به وتابعه عبد الرحمن بن خالد به بدون تلك الزيادة عند البخاري والليث ويونس في الصحيحين بالزيادة ثلاثتهم عن ابن شهاب وتابعه محمد بن عمرو عن ابن سلمة عن أبي هريرة بمثل رواية مالك فقط كما قال أبو عمر ( مالك عن ابن شهاب عن سعيد بن المسيب) مرسلاً عند رواة الموطأ ووصله مطرف وأبو عاصم النبيل كلاهما عن مالك عن ابن شهاب عن سعيد بن المسيب وأبي سلمة عن أبي هريرة قال ابن عبد البر والحديث عند ابن شهاب عنهما جميعًا عن أبي هريرة فطائفة من أصحابه يحدثون به عنه هكذا وطائفة يحدثون به عنه عن سعيد وحده عن أبي هريرة وطائفة عنه عن أبي سلمة وحده عن أبي هريرة ومالك أرسل عنه حديث سعيد هذا ووصل حديث أبي سلمة واقتصر فيهما على قصة الجنين دون قتل المرأة لما ذكرنا من العلة ولما شاء الله مما هو أعلم به انتهى ومراده أرسله في رواية الأكثر وإلا فقد رواه النسائي عن الحارث بن مسكين عن ابن القاسم حدثني مالك عن ابن شهاب عن سعيد بن المسيب عن أبي هريرة ( أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قضى) حكم ( في الجنين) حال كونه ( يقتل في بطن أمه) ذكر أو أنثى أو خنثى ولو مضغة أو علقة أو ما يعلم أنه ولد عند مالك ( بغرة) بالتنوين ( عبد أو وليدة) تقسيم لا شك يساوي كل واحد منهما عشر دية أمه كما يأتي ( فقال الذي قضي عليه) بضم القاف وكسر الضاد بالغرة وفي رواية للبخاري فقال ولي المرأة التي غرت بضم المعجمة وفتح الراء الثقيلة أي التي قضي عليها بالغرة ووليها هو ابنها مسروح رواه عبد الغني والأكثر أن القائل زوجها حمل ابن النابغة الهذلي وللطبراني أنه عمران بن عويمر أخو مليكة قال الحافظ فيحتمل تعدد القائلين فإسناد هذه صحيح أيضًا انتهى وفيه دلالة قوية لقول مالك وأصحابه ومن وافقهم أن الغرة على الجاني لا على العاقلة كما يقول أبو حنيفة والشافعي وأصحابهما لأن المفهوم من اللفظ أن المقضي عليه واحد معين وهو الجاني إذ لو قضي بها على العاقلة لقيل فقال الذين قضي عليهم وفي القياس أن كل جان جنايته عليه إلا بدليل لا معارض له كالإجماع أو السنة وقد قال تعالى { { ولا تكسب كل نفس إلا عليها } } { { ولا تزر وازرة وزر أخرى } } وقال صلى الله عليه وسلم لأبي رمثة في ابنه إنك لا تجني عليه ولا يجني عليك ولا ينافي ذلك اختلاف الروايات في تعيين القائل والجمع بينهما باحتمال تعدده لأن كلا تكلم عن المرأة الجانية كما في رواية البخاري بلفظ فقال ولي المرأة التي غرمت فصرح بأن المرأة الجانية هي التي غرمت الغرة ولا يخالفه رواية غرت بضم الغين وفتح الراء مشددة وتاء ساكنة بلا ميم لأن معناها التي قضي عليها بغرم الغرة ( كيف أغرم ما لا شرب ولا أكل ولا نطق ولا استهل) أي صاح عند الولادة وهو من إقامة الماضي مقام المضارع أي لم يشرب إلخ ( ومثل ذلك بطل) بموحدة وطاء مهملة مفتوحتين ولام خفيفة من البطلان وفي رواية يطل بتحتية مضمومة بدل الموحدة وشد اللام أي يهدر من الأفعال التي لا تستعمل إلا مبنية للمفعول قال المنذري وأكثر الروايات بالموحدة وإن رجح الخطابي التحتية ( فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم إنما هذا من إخوان الكهان) لمشابهة كلامه كلامهم زاد مسلم من أجل سجعه الذي سجع فيه فشبه بالإخوان لأن الأخوة تقتضي المشابهة وذمه لأنه أراد بسجعه دفع ما أوجبه صلى الله عليه وسلم ولم يعاقبه لأنه مأمور بالصفح عن الجاهلين وهو كان أعرابيًا لا علم له بأحكام الدين فقال له قولاً لينا وتلك سيمته أن يعرض عن الجاهلين ولا ينتقم لنفسه فلا دلالة فيه لمن زعم كراهة التسجيع مطلقًا نعم ينكر على الإنسان الخطيب أو غيره أن يكون كلامه كله سجعًا أما إذا كان أقل كلامه فليس بمعيب بل مستحسن محمود فإنه كلام وكذلك الشعر فحسنهما حسن وقبيحهما قبيح كالكلام المنثور كما دلت على ذلك الآثار عن النبي صلى الله عليه وسلم وعن أصحابه وفيه حجة لقول مالك والشافعي وأصحابهما تورث الغرة عن الجنين على فرائض الله تعالى واحتج الشافعي بقوله كيف أغرم إلخ قال فالمضمون الجنين لأن العضو لا يعترض فيه بهذا وقال أبو حنيفة وأصحابه تختص بها الأم لأنها بمنزلة قطع عضو من أعضائها وليست بدية إذ لم يعتبر فيها هل ذكر أو أنثى كالديات وكذا قال الظاهرية واحتج إمامهم داود بأن الغرة لم يملكها الجنين فتورث عنه ويرد عليه دية المقتول خطأ فإنه لم يملكها وهي تورث عنه قاله أبو عمر ملخصًا وهذا الحديث رواه البخاري عن قتيبة عن مالك به مرسلاً ففيه أن مراسيل مالك صحيحة عند البخاري ( مالك عن ربيعة بن أبي عبد الرحمن أنه كان يقول الغرة تقوم خمسين دينارًا أو ستمائة درهم) يعني أن العبد أو الأمة لا يكفي إلا أن يساوي ذلك ( ودية المرأة الحرة المسلمة خمسمائة دينار) على أهل الذهب ( أو ستة آلاف درهم) على أهل الورق لأنها على النصف من الذكر ( قال مالك فدية جنين الحرة) المسلمة ( عشر ديتها والعشر خمسون دينارًا أو ستمائة درهم) وبهذا قال الزهري وسائر أهل المدينة وقال أبو حنيفة والكوفيون قيمة الغرة خمسمائة درهم وقال الشافعي سن الغرة سبع سنين أو ثمان سنين بلا عيب وقال داود كل ما وقع عليه اسم الغرة ( ولم أسمع أحدًا يخالف في أن الجنين لا تكون فيه الغرة حتى يزايل) يفارق ( بطن أمه ويسقط من بطنها ميتًا) وهي حية ( وسمعت أنه إذا خرج الجنين من بطن أمه حيًا ثم مات) بقرب خروجه وعلم أن موته كان من الضربة وما فعل بأمه وبه في بطنها ( أن فيه الدية كاملة) ويعتبر فيه الذكر والأنثى وهذا اجتماع ( قال مالك ولا حياة للجنين إلا بالاستهلال) أي الصياح عند الولادة ( فإذا خرج من بطن أمه فاستهل ثم مات ففيه الدية كاملة) وقال الشافعي وباقي الفقهاء إذا علمت حياته بحركة أو بعطاس أو استهلال أو غير ذلك مما يتيقن به حياته ثم مات فالدية كاملة ( ونرى أن في جنين الأمة) ذكرًا كان أو أنثى ( عشر ثمن أمه) وبه قال أهل المدينة والشافعي وغيرهم وقال أبو حنيفة وأصحابه والثوري كذلك إن كان أنثى لا إن كان ذكرًا فنصف عشر قيمة نفسه وقال داود لا شيء في جنين الأمة مطلقًا ( وإذا قتلت المرأة رجلاً أو امرأة) أي ذكرًا أو أنثى ( عمدًا و) الحال أن ( التي قتلت) بفتحات ( حامل لم يقد) يقتص ( منها حتى تضع حملها) لئلا يؤخذ نفسان في نفس ( وإن قتلت) بضم فكسر ( المرأة وهي حامل عمدًا أو خطأ فليس على من قتلها في جنينها شيء) ثم ( إن قتلت عمدًا قتل الذي قتلها) قصاصًا ( وليس في جنينها دية وإن قتلت خطأ فعلى عاقلة قاتلها ديتها وليس في جنينها دية) وعلى هذا الفقهاء كلهم إلا الليث وأهل الظاهر فقالوا إذا ألقت جنينها ميتًا فالغرة سواء رمته بعد موتها أو قبله وأبطله الطحاوي بأنهم أجمعوا والليث معهم على أنه لو ضرب بطنها فماتت وهو في بطنها لم يسقط أنه لا شيء فيه فكذلك إذا أسقطته بعد موتها قال ولا خلاف أيضًا لو ضرب بطن ميتة حامل فألقت جنينًا ميتًا أنه لا شيء فيه فكذلك إذا كان الضرب في حياتها فماتت ثم ألقته ميتًا ( وسئل مالك عن جنين اليهودية والنصرانية يطرح) بنحو ضرب بطنها ( فقال أرى أن فيه عشر دية أمه) وهي نصف دية المسلمة.



رقم الحديث 1574 قَالَ مَالِكٌ: أَحْسَنُ مَا سَمِعْتُ فِي الْمُكَاتَبِ يَجْرَحُ الرَّجُلَ جَرْحًا يَقَعُ فِيهِ الْعَقْلُ عَلَيْهِ: أَنَّ الْمُكَاتَبَ إِنْ قَوِيَ عَلَى أَنْ يُؤَدِّيَ عَقْلَ ذَلِكَ الْجَرْحِ مَعَ كِتَابَتِهِ، أَدَّاهُ.
وَكَانَ عَلَى كِتَابَتِهِ.
فَإِنْ لَمْ يَقْوَ عَلَى ذَلِكَ فَقَدْ عَجَزَ عَنْ كِتَابَتِهِ.
وَذَلِكَ أَنَّهُ يَنْبَغِي أَنْ يُؤَدِّيَ عَقْلَ ذَلِكَ الْجَرْحِ قَبْلَ الْكِتَابَةِ.
فَإِنْ هُوَ عَجَزَ عَنْ أَدَاءِ عَقْلِ ذَلِكَ الْجَرْحِ خُيِّرَ سَيِّدُهُ.
فَإِنْ أَحَبَّ أَنْ يُؤَدِّيَ عَقْلَ ذَلِكَ الْجَرْحِ فَعَلَ وَأَمْسَكَ غُلَامَهُ وَصَارَ عَبْدًا مَمْلُوكًا.
وَإِنْ شَاءَ أَنْ يُسَلِّمَ الْعَبْدَ إِلَى الْمَجْرُوحِ أَسْلَمَهُ.
وَلَيْسَ عَلَى السَّيِّدِ أَكْثَرُ مِنْ أَنْ يُسَلِّمَ عَبْدَهُ قَالَ مَالِكٌ فِي الْقَوْمِ يُكَاتَبُونَ جَمِيعًا: فَيَجْرَحُ أَحَدُهُمْ جَرْحًا فِيهِ عَقْلٌ قَالَ مَالِكٌ: مَنْ جَرَحَ مِنْهُمْ جَرْحًا فِيهِ عَقْلٌ.
قِيلَ لَهُ وَلِلَّذِينَ مَعَهُ فِي الْكِتَابَةِ أَدُّوا جَمِيعًا عَقْلَ ذَلِكَ الْجَرْحِ.
فَإِنْ أَدَّوْا ثَبَتُوا عَلَى كِتَابَتِهِمْ.
وَإِنْ لَمْ يُؤَدُّوا فَقَدْ عَجَزُوا.
وَيُخَيَّرُ سَيِّدُهُمْ فَإِنْ شَاءَ أَدَّى عَقْلَ ذَلِكَ الْجَرْحِ وَرَجَعُوا عَبِيدًا لَهُ جَمِيعًا وَإِنْ شَاءَ.
أَسْلَمَ الْجَارِحَ وَحْدَهُ وَرَجَعَ الْآخَرُونَ عَبِيدًا لَهُ جَمِيعًا بِعَجْزِهِمْ عَنْ أَدَاءِ عَقْلِ ذَلِكَ الْجَرْحِ الَّذِي جَرَحَ صَاحِبُهُمْ قَالَ مَالِكٌ: الْأَمْرُ الَّذِي لَا اخْتِلَافَ فِيهِ عِنْدَنَا أَنَّ الْمُكَاتَبَ إِذَا أُصِيبَ بِجَرْحٍ يَكُونُ لَهُ فِيهِ عَقْلٌ.
أَوْ أُصِيبَ أَحَدٌ مِنْ وَلَدِ الْمُكَاتَبِ الَّذِينَ مَعَهُ فِي كِتَابَتِهِ.
فَإِنَّ عَقْلَهُمْ عَقْلُ الْعَبِيدِ فِي قِيمَتِهِمْ.
وَأَنَّ مَا أُخِذَ لَهُمْ مِنْ عَقْلِهِمْ يُدْفَعُ إِلَى سَيِّدِهِمِ الَّذِي لَهُ الْكِتَابَةُ.
وَيُحْسَبُ ذَلِكَ لِلْمُكَاتَبِ فِي آخِرِ كِتَابَتِهِ.
فَيُوضَعُ عَنْهُ مَا أَخَذَ سَيِّدُهُ مِنْ دِيَةِ جَرْحِهِ قَالَ مَالِكٌ وَتَفْسِيرُ ذَلِكَ: أَنَّهُ كَأَنَّهُ كَاتَبَهُ عَلَى ثَلَاثَةِ آلَافِ دِرْهَمٍ.
وَكَانَ دِيَةُ جَرْحِهِ الَّذِي أَخَذَهَا سَيِّدُهُ أَلْفَ دِرْهَمٍ فَإِذَا أَدَّى الْمُكَاتَبُ إِلَى سَيِّدِهِ أَلْفَيْ دِرْهَمٍ فَهُوَ حُرٌّ.
وَإِنْ كَانَ الَّذِي بَقِيَ عَلَيْهِ مِنْ كِتَابَتِهِ أَلْفَ دِرْهَمٍ وَكَانَ الَّذِي أَخَذَ مِنْ دِيَةِ جَرْحِهِ أَلْفَ دِرْهَمٍ فَقَدْ عَتَقَ.
وَإِنْ كَانَ عَقْلُ جَرْحِهِ أَكْثَرَ مِمَّا بَقِيَ عَلَى الْمُكَاتَبِ أَخَذَ سَيِّدُ الْمُكَاتَبِ مَا بَقِيَ مِنْ كِتَابَتِهِ.
وَعَتَقَ وَكَانَ مَا فَضَلَ بَعْدَ أَدَاءِ كِتَابَتِهِ لِلْمُكَاتَبِ وَلَا يَنْبَغِي أَنْ يُدْفَعَ إِلَى الْمُكَاتَبِ شَيْءٌ مِنْ دِيَةِ جَرْحِهِ.
فَيَأْكُلَهُ.
وَيَسْتَهْلِكَهُ.
فَإِنْ عَجَزَ رَجَعَ إِلَى سَيِّدِهِ أَعْوَرَ أَوْ مَقْطُوعَ الْيَدِ أَوْ مَعْضُوبَ الْجَسَدِ.
وَإِنَّمَا كَاتَبَهُ سَيِّدُهُ عَلَى مَالِهِ وَكَسْبِهِ.
وَلَمْ يُكَاتِبْهُ عَلَى أَنْ يَأْخُذَ ثَمَنَ وَلَدِهِ.
وَلَا مَا أُصِيبَ مِنْ عَقْلِ جَسَدِهِ فَيَأْكُلَهُ وَيَسْتَهْلِكَهُ وَلَكِنْ عَقْلُ جِرَاحَاتِ الْمُكَاتَبِ وَوَلَدِهِ الَّذِينَ وُلِدُوا فِي كِتَابَتِهِ.
أَوْ كَاتَبَ عَلَيْهِمْ يُدْفَعُ إِلَى سَيِّدِهِ وَيُحْسَبُ ذَلِكَ لَهُ فِي آخِرِ كِتَابَتِهِ.



جراح المكاتب

( مالك أحسن ما سمعت في المكاتب يجرح الرجل جرحا يقع فيه العقل عليه) أي يلزمه عقل ما جرح ( أن المكاتب إن قوي أن يؤدي عقل ذلك الجرح مع كتابته أداه وكان على كتابته) بقي عليها ( وإن لم يقو على ذلك فقد عجز عن كتابته) فعاد قنا ( وذلك أنه ينبغي) يجب ( أن يؤدي عقل ذلك الجرح قبل الكتابة فإن هو عجز عن أداء عقل ذلك الجرح خير سيده فإن أحب أن يؤدي عقل ذلك الجرح فعل وأمسك غلامه وصار عبدا مملوكا) لعجزه عن الكتابة ( وإن شاء أن يسلم العبد إلى المجروح أسلمه وليس على السيد أكثر من أن يسلم عبده) وإن نقصت قيمته عما في الجرح ( وفي القوم يتكاتبون جميعا فيجرح أحدهم جرحا فيه عقل قال مالك من جرح منهم جرحا فيه عقل قيل له وللذين معه في الكتابة أدوا جميعا عقل ذلك الجرح) لأنكم حملاء ( فإن أدوا ثبتوا على كتابتهم وإن لم يؤدوه فقد عجزوا ويخير سيدهم فإن شاء أدى عقل ذلك الجرح ورجعوا عبيدا له جميعا وإن شاء أسلم الجارح وحده) لأنه الجاني ( ورجع الآخرون عبيدا له جميعا بعجزهم) الباء سببية ( عن أداء عقل ذلك الجرح الذي جرح صاحبهم) الذي معهم في الكتابة لأنهم حملاء ( مالك الأمر الذي لا اختلاف فيه عندنا أن المكاتب إذا أصيب بجرح يكون له فيه عقل أو أصيب أحد من ولد المكاتب الذين معه في كتابته فإن عقلهم عقل العبيد في قيمتهم) لأن المكاتب عبد ما بقي عليه درهم ( وأن ما أخذ لهم من عقلهم يدفع إلى سيدهم الذي له الكتابة ويحسب ذلك للمكاتب في آخر كتابته فيوضع عنه ما أخذ سيده من دية جرحه) لإحرازه ماله وهو ماله ( وتفسير ذلك) أي بيانه وإيضاح علة حكمه ( أنه كان كاتبه على ثلاثة آلاف درهم) مثلا ( وكان دية جرحه الذي أخذها سيده ألف درهم فإذا أدى المكاتب إلى سيده ألفي درهم فهو حر وإن كان الذي بقي عليه من كتابته ألف درهم وكان الذي أخذ من دية جرحه ألف درهم فقد عتق) لأنه أدى ما عليه ( وإن كان عقل جرحه أكثر مما بقي على المكاتب أخذ سيد المكاتب ما بقي من كتابته وعتق) المكاتب ( وكان ما فضل بعد أداء كتابته للمكاتب ولا ينبغي) لا يجوز ( أن يدفع إلى المكاتب شيء من دية جرحه فيأكله) بالنصب ( ويستهلكه فإن عجز رجع إلى سيده أعور أو مقطوع اليد أو معضوب) بمهملة فمعجمة أي مقطوع ( الجسد) والمعنى يرجع بما أصابه من الجرح ( وإنما كاتبه سيده على ماله وكسبه ولم يكاتبه على أن يأخذ ثمن ولده ولا ما أصيب من عقل جسده فيأكله ويستهلكه) فلذا كان للمكاتب عقل جراحه لأنها ليست من كسبه ( ولكن عقل جراحات المكاتب وولده الذين ولدوا في كتابته أو كاتب عليهم يدفع إلى سيده ويحسب ذلك له في آخر كتابته) ليخرج حرًا.