فهرس الكتاب

شرح الزرقاني - بَابُ الْمُسْتَحَاضَةِ

رقم الحديث 50 وَحَدَّثَنِي عَنْ مالِكٍ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ الْمُنْكَدِرِ، وَعَنْ صَفْوَانَ بْنِ سُلَيْمٍ، أَنَّهُمَا أَخْبَرَاهُ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ إِبْرَاهِيمَ بْنِ الْحَارِثِ التَّيْمِيِّ، عَنْ رَبِيعَةَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْهُدَيْرِ، أَنَّهُ تَعَشَّى مَعَ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ ثُمَّ صَلَّى وَلَمْ يَتَوَضَّأْ.


( مَالِكٍ عَنْ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ) العدوي مولى عمر ( عَنْ عَطَاءِ بْنِ يَسَارٍ) بلفظ ضد يمين ( عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبَّاسٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَكَلَ كَتِفَ شَاةٍ) أي لحمه.
وفي رواية للبخاري معرق أي أكل ما على العرق بفتح المهملة وسكون الراء وهو العظم ويقال له أيضًا العراق بالضم، وأفاد القاضي إسماعيل أن ذلك في بيت ضباعة بنت الزبير بن عبد المطلب وهي بنت عمه صلى الله عليه وسلم، ويحتمل أنه كان في بيت ميمونة كما في الصحيحين عنها أن النبي صلى الله عليه وسلم أكل عندها كتفًا ثم صلى ولم يتوضأ ولا مانع من التعدد كما في الفتح.

( ثُمَّ صَلَّى وَلَمْ يَتَوَضَّأْ) فهذا نص في أن لا وضوء مما مست النار، وأما خبر زيد بن ثابت مرفوعًا: الوضوء مما مست النار، وحديث أبي هريرة وعائشة رفعاه: توضئوا مما مست النار أخرج الثلاثة مسلم، وحديث جابر بن سمرة عند مسلم أن رجلاً سأل النبي صلى الله عليه وسلم أتوضأ من لحم الغنم؟ قال: إن شئت فتوضأ وإن شئت فلا تتوضأ قال: أتوضأ من لحم الإبل؟ قال: نعم توضأ من لحوم الإبل فقد حمل ذلك الوضوء على غسل اليد والمضمضة لزيادة دسومته وزهومة لحم الإبل، وقد نهى صلى الله عليه وسلم أن يبيت وفي يده أو فمه دسم خوفًا من عقرب ونحوها وبأنها منسوخة بقول جابر كان آخر الأمرين من رسول الله صلى الله عليه وسلم ترك الوضوء مما مست النار رواه أبو داود وغيره.
وقد أومأ مسلم إلى النسخ فروى أولاً أحاديث زيد وأبي هريرة وعائشة، ثم عقبها بحديث ابن عباس هذا فرواه عن القعنبي والبخاري عن ابن يوسف كلاهما عن مالك به.

( مالِكٍ عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ) بكسر العين الأنصاري ( عَنْ بُشَيْرِ) بضم الموحدة وفتح المعجمة ( بْنِ يَسَارٍ) بتحتية ومهملة ( مَوْلَى بَنِي حَارِثَةَ) من الأنصار الأنصاري الحارثي المدني وثقه ابن معين.
قال ابن سعد: كان شيخًا كبيرًا فقيهًا أدرك عامة الصحابة وكان قليل الحديث.

( عَنْ سُوَيْدِ) بضم السين ( بْنِ النُّعْمَانِ) بضم النون ابن مالك الأنصاري صحابي شهد أحدًا وما بعدها ما روى عنه سوى بشير، وذكر العسكري أنه استشهد بالقادسية قال في الإصابة: وفيه نظر لأن بشير بن يسار سمع منه وهو لم يلحق ذلك الزمان ( أَنَّهُ أَخْبَرَهُ أَنَّهُ خَرَجَ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَامَ خَيْبَرَ) بخاء معجمة مفتوحة وتحتية ساكنة وموحدة مفتوحة وراء غير منصرف للعلمية والتأنيث وهي مدينة كبيرة ذات حصون ومزارع ونخل كثير على ثمانية برد من المدينة إلى جهة الشام.
ذكر أبو عبيد البكري أنها سميت باسم رجل من العماليق نزلها وهو خيبر أخو يثرب ابنا قانية بن مهاييل، وقيل الخيبر بلسان اليهود الحصن ولذا سميت خيابر أيضًا ذكره الحازمي.

( حَتَّى إِذَا كَانُوا بِالصَّهْبَاءِ) بفتح المهملة والمد ( وَهِيَ مِنْ أَدْنَى) أي أسفل ( خَيْبَرَ) أي طرفها مما يلي المدينة وفي رواية للبخاري وهي على روحة من خيبر، وقال أبو عبيد البكري: هي على بريد، وبين البخاري في الأطعمة من حديث ابن عيينة أن قوله وهي أدنى خيبر من قول يحيى بن سعيد أدرجت ( نَزَلَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَصَلَّى الْعَصْرَ ثُمَّ دَعَا بِالْأَزْوَادِ) جمع زاد وهو ما يؤكل في السفر ( فَلَمْ يُؤْتَ إِلَّا بِالسَّوِيقِ) قال الداودي: وهو دقيق الشعير أو السلت المقلو، وقال غيره يكون من القمح وقد وصفه أعرابي فقال عدة المسافر وطعام العجلان وبلغة المريض ( فَأَمَرَ بِهِ فَثُرِّيَ) بضم المثلثة وشد الراء ويجوز تخفيفها أي بل بالماء لما لحقه من اليبس ( فَأَكَلَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ) منه ( وَأَكَلْنَا) منه.
زاد في رواية للبخاري وشربنا وله في أخرى فلكنا وأكلنا وشربنا أي من الماء أو من مائع السويق.

( ثُمَّ قَامَ إِلَى الْمَغْرِبِ فَمَضْمَضَ) قبل الدخول في الصلاة ( وَمَضْمَضْنَا) وفائدتها وإن كان لا دسم في السويق أنه يحتبس بقاياه بين الأسنان ونواحي الفم فيشغله ببلعه عن الصلاة ( ثُمَّ صَلَّى وَلَمْ يَتَوَضَّأْ) بسبب أكل السويق.

قال الخطابي: فيه أن الوضوء مما مست النار منسوخ لأنه متقدم، وخيبر كانت سنة سبع.
قال الحافظ: لا دلالة فيه لأن أبا هريرة حضر بعد فتحها، وروي الأمر بالوضوء كما في مسلم، وكان يفتي به بعد النبي صلى الله عليه وسلم، واستدل به البخاري على جواز صلاتين فأكثر بوضوء واحد وعلى استحباب المضمضة بعد الطعام وفيه جمع الرفقاء على الزاد في السفر وإن كان بعضهم أكثر أكلاً وحمل الأزواد في السفر وأنه لا يقدح في التوكل، وأخذ منه المهلب أن الإمام يأخذ المحتكرين بإخراج الطعام عند قلته ليبيعوه من أهل الحاجة، وأن الإمام ينظر لأهل العسكر فيجمع الزاد ليصيب منه من لا زاد معه.

وأخرجه البخاري عن عبد الله بن يوسف عن مالك به ولم يخرجه مسلم.

( مالِكٍ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ الْمُنْكَدِرِ) بن عبد الله بن الهدير بالتصغير التيمي المدني عن أبيه وجابر وابن عمر وابن عباس وأبي أيوب وأبي هريرة وعائشة وخلق، وعنه الزهري وأبو حنيفة ومالك والسفيانان وخلق.
قال ابن عيينة: كان من معادن الصدق ويجتمع إليه الصالحون، وثقه ابن معين وأبو حاتم مات سنة ثلاثين ومائة أو بعدها بسنة.

( وَعَنْ صَفْوَانَ بْنِ سُلَيْمٍ) بضم السين ( أَنَّهُمَا أَخْبَرَاهُ) أي مالكًا ( عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ إِبْرَاهِيمَ بْنِ الْحَارِثِ التَّيْمِيِّ) أي تيم قريش ( عَنْ رَبِيعَةَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْهُدَيْرِ) بالتصغير ابن عبد العزى بن عامر بن الحارث بن حارثة بن سعد بن تيم بن مرة التيمي، ولد في حياة النبي صلى الله عليه وسلم، وله عن أبي بكر وعمر وغيرهما وهو معدود في كبار التابعين قاله أبو عمر، ومنهم من أدخل بين عبد الله والهدير ربيعة آخر، وذكره ابن حبان فقال: له صحبة ثم ذكره في ثقات التابعين.
وقال الدارقطني: تابع كبير قليل المسند وكان ثقة من خيار الناس مات سنة ثلاث وتسعين.

( أَنَّهُ تَعَشَّى مَعَ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ) طعامًا مسته النار ( ثُمَّ صَلَّى) عمر ( وَلَمْ يَتَوَضَّأْ) ففيه دلالة على النسخ.
وقد روى الطبراني في مسند الشاميين بإسناد حسن عن مسلم بن عامر قال: رأيت أبا بكر وعمر وعثمان أكلوا مما مست النار ولم يتوضئوا وجاء من طرق كثيرة عن جابر مرفوعًا وموقوفًا على الثلاثة مفرقًا ومجموعًا.

( مالِكٍ عَنْ ضَمْرَةَ) بفتح المعجمة وإسكان الميم ( بْنِ سَعِيدٍ) بن أبي حنة بمهملة ثم نون وقيل موحدة الأنصاري ( الْمَازِنِيِّ) نسبة إلى مازن بن النجار المدني تابع صغير ثقة ( عَنْ أَبَانَ بْنِ عُثْمَانَ) الأموي أبي سعيد أو أبي عبد الله المدني ثقة مات سنة خمس ومائة.

( أَنَّ) أباه ( عُثْمَانَ بْنَ عَفَّانَ) أمير المؤمنين ( أَكَلَ خُبْزًا وَلَحْمًا ثُمَّ مَضْمَضَ) فاه ( وَغَسَلَ يَدَيْهِ وَمَسَحَ بِهِمَا وَجْهَهُ) لعله خشي أن يعلق به شيء من الطعام ( ثُمَّ صَلَّى وَلَمْ يَتَوَضَّأْ) فهو دليل أيضًا على نسخ الوضوء مما مست النار.

( مَالِكٍ أَنَّهُ بَلَغَهُ أَنَّ عَلِيَّ بْنَ أَبِي طَالِبٍ) أبا الحسن الهاشمي أمير المؤمنين كثير الفضائل ( وَعَبْدَ اللَّهِ بْنَ عَبَّاسٍ كَانَا لَا يَتَوَضَّآَنِ مِمَّا مَسَّتِ النَّارُ) لأنه ليس بناقض.

( مَالِكٍ عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ) الأنصاري ( أَنَّهُ سَأَلَ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عَامِرِ بْنِ رَبِيعَةَ) العنزي حليف بني عدي ولد على عهد النبي صلى الله عليه وسلم ووثقه العجلي مات سنة بضع وثمانين.

( عَنِ الرَّجُلِ يَتَوَضَّأُ لِلصَّلَاةِ ثُمَّ يُصِيبُ طَعَامًا قَدْ مَسَّتْهُ النَّارُ أَيَتَوَضَّأُ؟ قَالَ: رَأَيْتُ أَبِي) عامر بن ربيعة بن كعب بن مالك العنزي بفتح المهملة وسكون النون وزاي حليف آل الخطاب صحابي مشهور أسلم قديمًا وهاجر وشهد بدرًا مات ليالي قتل عثمان ( يَفْعَلُ ذَلِكَ وَلَا يَتَوَضَّأُ) فدل ذلك على النسخ أيضًا.

( مَالِكٍ عَنْ أَبِي نُعَيْمٍ) بضم النون ( وَهْبِ بْنِ كَيْسَانَ) القرشي مولاهم المدني المعلم عن جابر وابن عباس وابن الزبير وأسماء وعدة، وعنه مالك وابن إسحاق وأيوب السختياني وآخرون، وثقه النسائي وغيره، وروى له الجميع ومات سنة سبع وعشرين ومائة.

( أَنَّهُ سَمِعَ جَابِرَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ) بن عمرو بن حرام بمهملة وراء ( الْأَنْصَارِيَّ) السلمي بفتحتين صحابي ابن صحابي غزا تسع عشرة غزوة مع المصطفى ولم يشهد بدرًا ولا أحدًا منعه أبوه واستغفر له النبي صلى الله عليه وسلم ليلة البعير خمسًا وعشرين مرة، وكانت له حلقة في المسجد النبوي يؤخذ عنه، ومات بالمدينة وقيل بمكة وقيل بقبا سنة ثمان وسبعين أو سنة تسع أو سبع أو أربع أو ثلاث أو اثنين وهو ابن أربع وتسعين سنة.

( يَقُولُ: رَأَيْتُ أَبَا بَكْرٍ الصِّدِّيقَ) لسبقه لتصديق النبي صلى الله عليه وسلم وكان علي يحلف أن الله أنزل اسم أبي بكر من السماء الصديق ( أَكَلَ لَحْمًا ثُمَّ صَلَّى وَلَمْ يَتَوَضَّأْ) فهؤلاء الخلفاء الأربع وعامر بن ربيعة وابن عباس فعلوا ذلك بعد النبي صلى الله عليه وسلم فدل على نسخ الوضوء مما مست النار، وقد قال مالك: إذا جاء عن النبي صلى الله عليه وسلم حديثان مختلفان وعمل أبو بكر وعمر بأحدهما دل على أن الحق ما عملا به، وكان مكحول يتوضأ مما مست النار فأخبره عطاء بن أبي رباح بحديث جابر هذا عن أبي بكر فترك الوضوء وقال: لأن يقع أبو بكر من السماء إلى الأرض أحب إليه من أن يخالف رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأتى الإمام بذلك لرد قول شيخه ابن شهاب أنه ناسخ لحديث الإباحة.

روى البخاري ومسلم عن عمرو بن أمية أنه رأى النبي صلى الله عليه وسلم يحتز كتف شاة يأكل منها فدعي إلى الصلاة فألقاها والسكين وصلى ولم يتوضأ.
زاد البيهقي قال الزهري: فذهبت تلك القصة في الناس ثم أخبر رجال من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم ونساء من أزواجه أنه قال: توضئوا مما مست النار قال: وكان الزهري يرى أن الأمر بذلك ناسخ لأحاديث الإباحة لأن الإباحة سابقة واعترض عليه بحديث جابر قال: كان آخر الأمرين من رسول الله صلى الله عليه وسلم ترك الوضوء مما مست النار رواه أبو داود والنسائي وغيرهما وصححه ابن خزيمة وابن حبان وغيرهما، لكن قال أبو داود وغيره: المراد بالأمر هنا الشأن والقصة لا مقابل النهي وأن هذا اللفظ مختصر من حديث جابر المشهور في قصة المرأة التي صنعت للنبي صلى الله عليه وسلم شاة فأكل منها ثم توضأ وصلى الظهر ثم أكل منها وصلى العصر ولم يتوضأ، فيحتمل أن هذه القصة وقعت قبل الأمر بالوضوء مما مست النار، وأن وضوءه لصلاة الظهر كان لحدث لا للأكل من الشاة.

وحكى البيهقي عن عثمان الدارمي أنه قال: لما اختلفت أحاديث الباب ولم يتبين الراجح منها نظرنا إلى ما عمل به الخلفاء الراشدون بعد النبي صلى الله عليه وسلم فرجحنا به أحد الجانبين، وبهذا يظهر حكمة ذكر الإمام لفعل الخلفاء الأربعة وغيرهم من الصحابة بعد تصديره بحديثي ابن عباس وسويد في أن المصطفى أكل مما مست النار ولم يتوضأ.

وجمع الخطابي بوجه آخر وهو أن أحاديث الأمر محمولة على الاستحباب لا على الوجوب.

( مَالِكٍ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ الْمُنْكَدِرِ) وصله أبو داود من طريق ابن جريج والترمذي من طريق سفيان بن عيينة كلاهما عن محمد بن المنكدر عن جابر ( أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ دُعِيَ لِطَعَامٍ) أي دعته امرأة من الأنصار كما في الطريق الموصولة ( فَقُرِّبَ إِلَيْهِ لَحْمٌ) من شاة ذبحتها له الأنصارية ( وَخُبْزٌ فَأَكَلَ مِنْهُ ثُمَّ تَوَضَّأَ) للأكل من الشاة أو لأنه كان محدثًا فلا دلالة فيه على وجوب الوضوء مما مست النار ولا على ندبه ( وَصَلَّى) الظهر ( ثُمَّ أُتِيَ بِفَضْلِ) أي باقي ( ذَلِكَ الطَّعَامِ فَأَكَلَ مِنْهُ ثُمَّ صَلَّى) العصر ( وَلَمْ يَتَوَضَّأْ) .

وفي رواية ابن القاسم وابن بكير: ثم دعي بفضل ذلك الطعام فقال: دعي مكان أتي فيحتمل أن صاحب الطعام سأله ذلك فأجابه لإدخال السرور عليه ويكون وقت قيامه للصلاة لم ينو الرجوع لحديث: إذا حضر الطعام فابدءوا به قبل الصلاة أي لئلا يشتغل به عن الإقبال إليها، وإن كان صلى الله عليه وسلم ليس كغيره لكنه مشرع وفيه: أنه أكل اللحم في يوم مرتين ولا يلزم أنه شبع منه فلا يعارضه قول عائشة: ما شبع من لحم في يوم مرتين كما توهم.

( مالِكٍ عَنْ مُوسَى بْنِ عُقْبَةَ) بالقاف ابن أبي عياش بتحتية ومعجمة القرشي مولاهم المدني عن أم خالد بنت خالد ولها صحبة ونافع وسالم والزهري وخلق، وعنه مالك وشعبة والسفيانان وابن جريج وغيرهم، وثقه أحمد ويحيى وأبو حاتم وغيرهم ولم يصح أن ابن معين لينه وقال معن وغيره: وكان مالك إذا سئل عن المغازي يقول: عليك بمغازي الرجل الصالح موسى بن عقبة فإنها أصح المغازي مات سنة إحدى وأربعين ومائة وقيل بعدها.

( عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ يَزِيدَ) بتحتية قبل الزاي ابن جارية بجيم وتحتية ( الْأَنْصَارِيِّ) أبي محمد المدني أخي عاصم بن عمر لأمه يقال ولد في حياة النبي صلى الله عليه وسلم، وذكره ابن حبان في ثقات التابعين مات سنة ثلاث وتسعين وأبوه صحابي مشهور.

( أَنَّ أَنَسَ بْنَ مَالِكٍ قَدِمَ مِنَ الْعِرَاقِ فَدَخَلَ عَلَيْهِ) زوج أمه ( أَبُو طَلْحَةَ) زيد بن سهل الأنصاري النجاري مشهور بكنيته من كبار الصحابة شهد بدرًا وما بعدها مات سنة أربع وثلاثين.
وقال أبو زرعة الدمشقي: عاش بعد النبي صلى الله عليه وسلم أربعين سنة.

( وَأُبَيُّ بْنُ كَعْبٍ) الأنصاري الخزرجي أبو المنذر سيد القراء من فضلاء الصحابة في سنة موته خلف كثير فقيل سنة تسع عشرة وقيل اثنين وثلاثين وقيل غير ذلك ( فَقَرَّبَ لَهُمَا طَعَامًا قَدْ مَسَّتْهُ النَّارُ فَأَكَلُوا مِنْهُ فَقَامَ أَنَسٌ فَتَوَضَّأَ فَقَالَ) له ( أَبُو طَلْحَةَ وَأُبَيُّ بْنُ كَعْبٍ: مَا هَذَا) الفعل ( يَا أَنَسُ أَعِرَاقِيَّةٌ؟) أي أبالعراق استفدت هذا العلم وتركت عمل أهل المدينة المتلقى عن النبي صلى الله عليه وسلم ( فَقَالَ أَنَسٌ: لَيْتَنِي لَمْ أَفْعَلْ) أي لأنه يوهم للشبهة.

( وَقَامَ أَبُو طَلْحَةَ وَأُبَيُّ بْنُ كَعْبٍ فَصَلَّيَا وَلَمْ يَتَوَضَّآَ) فدل فعلهما وإنكارهما وهما منهما على أنس ورجوعه إليهما على أن إجماع أهل المدينة على أن لا وضوء مما مست النار وهو من الحجج القوية الدالة على نسخ الوضوء منه، ومن ثم ختم به هذا الباب وهو يفيد أيضًا رد ما ذهب إليه الخطابي من حمل أحاديث الأمر على الاستحباب إذ لو كان مستحبًا ما ساغ إنكارهما عليه، والله أعلم.



رقم الحديث 134 حَدَّثَنِي يَحْيَى، عَنْ مَالِكٍ، عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عَائِشَةَ، زَوْجِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، أَنَّهَا قَالَتْ: قَالَتْ فَاطِمَةُ بِنْتُ أَبِي حُبَيْشٍ: يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنِّي لَا أَطْهُرُ، أَفَأَدَعُ الصَّلَاةَ؟ فَقَالَ لَهَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: إِنَّمَا ذَلِكِ عِرْقٌ وَلَيْسَتْ بِالْحَيْضَةِ، فَإِذَا أَقْبَلَتِ الْحَيْضَةُ فَاتْرُكِي الصَّلَاةَ، فَإِذَا ذَهَبَ قَدْرُهَا، فَاغْسِلِي الدَّمَ عَنْكِ وَصَلِّي.


( مَالِكٍ عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَائِشَةَ زَوْجِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهَا قَالَتْ قَالَتْ فَاطِمَةُ بِنْتُ أَبِي حُبَيْشٍ) بضم الحاء المهملة وفتح الموحدة وسكون التحتية ومعجمة واسمه قيس بن عبد المطلب بن أسد بن عبد العزى بن قصي القرشية الأسدية وهي غير فاطمة بنت قيس القرشية الفهرية التي طلقت ثلاثًا خلافًا لظن بعضهم أنها هي والصواب أنها غيرها كما نبه عليه في الفتح.

( يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنِّي لَا أَطْهُرُ) قال الباجي: أي لا ينقطع عني الدم.
وفي رواية أبي معاوية عن هشام إني امرأة أستحاض فلا أطهر.
قال الحافظ: ففيه بيان السبب وكان عندها أن طهارة الحائض لا تعرف إلا بانقطاع الدم فكنت بعدم الطهر عن إرساله، وكانت قد علمت أن الحائض لا تصلي فظنت أن ذلك الحكم مقترن بجريان الدم من الفرج فأرادت تحقيق ذلك فقالت ( أَفَأَدَعُ الصَّلَاةَ) أي أتركها والعطف على مقدر بعد الهمزة لأن لها صدر الكلام أي أيكون لي حكم الحائض فأترك الصلاة أو أن الاستفهام ليس للنفي بل للتقرير فزالت صدريتها، لكن ينافي هذا أن التقريري حمل المخاطب على الاعتراف بأمر استقر عنده فيؤكد، ويقتضي أيضًا أن يكون عالمًا وهي هنا ليست عالمة بالحكم.
قال الكرماني: أو الهمزة مقحمة أو توسطها جائز بين المعطوفين إذا كان عطف جملة على جملة لعدم انسحاب حكم الأول على الثاني.

( فَقَالَ لَهَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:) زاد في رواية أبي معاوية لا أي لا تدعيها ( إِنَّمَا ذَلِكِ) بكسر الكاف ( عِرْقٌ) بكسر العين يسمى بالعاذل بمهملة وذال معجمة مكسورة ( وَلَيْسَتْ بِالْحَيْضَةِ) بفتح الحاء كما نقله الخطابي عن أكثر المحدثين أو كلهم وإن كان قد اختار هو الكسر على إرادة الحالة، لكن الفتح هنا أظهر أي الحيض.

وقال النووي: هو متعين أو قريب من المتعين لأنه صلى الله عليه وسلم أراد إثبات الاستحاضة ونفي الحيض قال: وأما ما يقع في كتب الفقه إنما ذلك عرق انقطع أو انفجر فهي زيادة لا تعرف في الحديث وإن كان لها معنى.

( فَإِذَا أَقْبَلَتِ الْحَيْضَةُ) قال النووي: يجوز هنا الكسر والفتح جوازًا حسنًا: قال الحافظ: والذي في روايتنا بفتح الحاء في الموضعين ( فَاتْرُكِي الصَّلَاةَ) تضمن نهي الحائض عن الصلاة وهو للتحريم، ويقتضي فساد الصلاة بالإجماع وكان بعض السلف يرى للحائض الغسل ويأمرها أن تتوضأ وقت الصلاة وتذكر الله مستقبلة القبلة قاله عقبة بن عامر.
وقال مكحول: كان ذلك من هدي نساء المسلمين.
وقال معمر: بلغني أن الحائض كانت تؤمر بذلك عند كل صلاة واستحسن ذلك عطاء قال ابن عبد البر: وهذا أمر متروك.
قال أبو قلابة: سألنا عنه فلم نجد له أصلاً وجماعة الفقهاء يكرهونه.

( فَإِذَا ذَهَبَ قَدْرُهَا) أي قدر الحيضة على ما قدره الشرع أو على ما تراه المرأة باجتهادها أو على ما تقدم من عادتها في حيضتها احتمالات للباجي، وفي رواية أبي معاوية: وإذا أدبرت أي الحيضة ( فَاغْسِلِي الدَّمَ عَنْكِ وَصَلِّي) أي بعد الاغتسال كما صرح به في رواية أبي أسامة عن هشام عند البخاري بلفظ: ثم اغتسلي وصلي ولم يذكر غسل الدم.
وهذا الاختلاف واقع بين أصحاب هشام، منهم من ذكر غسل الدم، ومنهم من ذكر الاغتسال دون غسل الدم وكلهم ثقات وأحاديثهم في الصحيحين، فيحمل على أن كل فريق اختصر أحد الأمرين لوضوحه عنده، وفيه اختلاف آخر وهو أن أبا معاوية زاد في آخره ثم توضئي لكل صلاة ولم ينفرد بذلك، فقد رواه النسائي من طريق حماد بن زيد عن هشام وادعى أن حمادًا انفرد بهذه الزيادة، وإليه أومئ مسلم وليس كذلك، فقد رواها الدارمي من طريق حماد بن سلمة والسراج من طريق يحيى بن سليم كلاهما عن هشام.

وفي الحديث دلالة على أن المرأة إذا ميزت دم الحيض من دم الاستحاضة تعتبر دم الحيض وتعمل على إقباله وإدباره فإذا انقضى قدره اغتسلت منه، ثم صار حكم دم الاستحاضة حكم الحدث فتتوضأ لكل صلاة لكنها لا تصلي بذلك الوضوء أكثر من فريضة واحدة مؤداة أو مقضية لظاهر قوله: ثم توضئي لكل صلاة، وبهذا قال الجمهور.

وعند الحنفية أن الوضوء يتعلق بوقت الصلاة فلها أن تصلي به الفريضة الحاضرة وما شاءت من الفوائت ما لم يخرج وقت الحاضرة وعلى قولهم المراد بقوله توضئي لكل صلاة أي لوقت كل صلاة ففيه مجاز الحذف ويحتاج إلى دليل.

وعند المالكية يستحب لها الوضوء لكل صلاة ولا يجب إلا بحدث آخر.
وقال أحمد وإسحاق: إن اغتسلت لكل صلاة فهو أحوط ذكره في الفتح.

وقال ابن عبد البر: ليس في حديث مالك هذا ذكر الوضوء لكل صلاة على المستحاضة وذكر في حديث غيره، فلذا كان مالك يستحبه لها ولا يوجبه كما لا يوجبه على صاحب التسلسل.

وأخرجه البخاري عن عبد الله بن يوسف، وأبو داود عن القعنبي والترمذي والنسائي عن قتيبة الثلاثة عن مالك به.
وله في الصحيحين وغيرهما طرق عن هشام.

( مَالِكٍ عَنْ نَافِعٍ عَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ يَسَارٍ عَنْ أُمِّ سَلَمَةَ زَوْجِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ) قال ابن عبد البر: هكذا رواه مالك وأيوب ورواه الليث بن سعد وصخر بن جويرية وعبيد الله بن عمر عن نافع عن سليمان بن يسار أن رجلاً أخبره عن أم سلمة فأدخلوا بينها وبين سليمان رجلاً.

وقال النووي في الخلاصة: حديث صحيح رواه مالك والشافعي وأحمد وأبو داود والنسائي بأسانيد على شرط البخاري ومسلم انتهى.
فلم يعرج على دعوى الانقطاع، ونازعه ابن عبد البر بأنهما حديثان متغايران إذ قد يمكن أن سليمان سمعه من رجل عن أم سلمة ثم سمعه منها فحدث به على الوجهين.

( أَنَّ امْرَأَةً) قال أيوب السختياني: هي فاطمة بنت أبي حبيش ( كَانَتْ تُهَرَاقُ) بضم التاء وفتح الهاء ( الدِّمَاءَ) بالنصب.
قال الباجي: يريد أنها من كثرة الدم بها كأنها كانت تهريقه.
وقال ابن الأثير: جاء الحديث على ما لم يسم فاعله أي تهراق هي الدماء منصوب على التمييز وإن كان معرفة وله نظائر أي كقوله تعالى { { سَفِهَ نَفْسَهُ } } وهو مطرد عند الكوفيين وشاذ عند البصريين أو أجرى تهراق مجرى نفست المرأة غلامًا ونتج الفرس مهرًا.
قال: ويجوز الرفع بتقدير تهراق دماؤها وأل بدل من الإضافة كقوله: { { أَوْ يَعْفُوَ الَّذِي بِيَدِهِ عُقْدَةُ النِّكَاحِ } } أي عقدة نكاحه ونكاحها قال: والهاء في هراق بدل من همزة أراق يقال أراق الماء يريقه وهراقه يهريقه بفتح الهاء هراقة.

وقال أبو حيان في شرح التسهيل: أجاز بعض المتأخرين تشبيه الفعل اللازم بالمتعدي كما شبه وصفه باسم الفاعل المتعدي مستدلاً بحديث تهراق الدماء ومنعه الشلوبين وقال: لا يكون ذلك إلا في الصفات وتأول الحديث على أنه على إسقاط حرف الجر أي بالدماء أو على إضمار فاعل أي يهريق الله الدماء منها.

قال أبو حيان: وهذا هو الصحيح إذ لم يثبت ذلك من لسان العرب.

( فِي عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَاسْتَفْتَتْ لَهَا أُمُّ سَلَمَةَ) بأمرها إياها بذلك ففي رواية الدارقطني أن فاطمة بنت أبي حبيش استحيضت حتى كان المركن ينقل من تحتها وأعلاه الدم قال فأمرت أم سلمة أن تسأل لها ( رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ) كذا في هذه الرواية وفي حديث عائشة السابق أن فاطمة هي السائلة ولأبي داود عن عروة كذلك عن فاطمة نفسها أنها قالت: سألت رسول الله وفي حديث آخر أن أسماء بنت عميس سألت لها.

قال الحافظ ولي الدين العراقي: ولعل الجمع بينها أن فاطمة سألت كلاً من أم سلمة وأسماء أن تسأل لها فسألتا مجتمعتين أو سألت كل واحدة منهما مع عدم علمها بسؤال الأخرى وصح إطلاق السؤال على فاطمة باعتبار أمرها بالسؤال وأنها حضرت معهما فلما بدأتا بالكلام تكلمت هي حينئذ انتهى.

وهو مبني على تسليم أن هذه المرأة المبهمة فاطمة وقد قال ابن عبد البر: قال أيوب السختياني: هذه المرأة هي فاطمة المذكورة في الحديث الأول وهو عندنا حديث آخر وكذا جعله ابن حنبل حديثًا غير الأول فإنه في امرأة عرفت إقبال حيضتها وإدبارها وهذا الحديث في امرأة كان لها أيام معروفة فزادها الدم وأطبق عليها فلم تميزها فأمرها صلى الله عليه وسلم أن تترك الصلاة قدر أيامها من الشهر.

( فَقَالَ: لِتَنْظُرْ إِلَى عَدَدِ اللَّيَالِي وَالْأَيَّامِ الَّتِي كَانَتْ تَحِيضُهُنَّ مِنَ الشَّهْرِ قَبْلَ أَنْ يُصِيبَهَا الَّذِي أَصَابَهَا فَلْتَتْرُكِ الصَّلَاةَ) والصوم ونحوهما ( قَدْرَ ذَلِكَ مِنَ الشَّهْرِ) وأجاب ابن العراقي: بأنه إن صح أن المبهمة فاطمة فلعلها كانت لها أحوال كانت في بعضها مميزة وفي بعضها ليست مميزة، وجاء الجواب لها باعتبار حالتيها قال: وفيه تصريح بأنها لم تكن مبتدأة بل كانت لها عادة تعرفها وليس فيه بيان كونها مميزة أم لا فاحتج به من قال إن المستحاضة المعتادة ترد لعادتها ميزت أم لا وافق تمييزها عادتها أو خالفها وهو مذهب أبي حنيفة وأحد قولي الشافعي وأشهر الروايتين عن أحمد وهو مأخوذ من قاعدة ترك الاستفصال فإنه صلى الله عليه وسلم لم يسألها هل هي مميزة أم لا وأصح قولي الشافعي وهو مذهب مالك أنها إنما ترد لعادتها إذا لم تكن مميزة وإلا ردت إلى تمييزها ويدل له قوله في حديث فاطمة بنت أبي حبيش: إذا كان دم الحيض فإنه دم أسود يعرف رواه أبو داود.

وأجابوا عن هذا الحديث باحتمال أنه صلى الله عليه وسلم علم أنها غير مميزة فحكم عليها بذلك والذي اضطرهم إلى حمله على ذلك معارضة الحديث الآخر له والجمع بين الدليلين ولو من وجه أولى من طرح أحدهما، ومتى ردت إلى العادة مطلقًا ألغي الحديث الآخر بالكلية.

( فَإِذَا خَلَّفَتْ ذَلِكَ) بفتح المعجمة واللام الثقيلة والفاء أي تركت أيام الحيض الذي كانت تعهده وراءها ( فَلْتَغْتَسِلْ ثُمَّ لِتَسْتَثْفِرْ) بفتح الفوقية وإسكان السين المهملة وفتح الفوقية وإسكان المثلثة وكسر الفاء أي تشد فرجها ( بِثَوْبٍ) خرقة عريضة بعد أن تحتشي قطنًا وتوثق طرفي الخرقة في شيء تشده على وسطها فيمنع بذلك سيل الدم مأخوذ من ثفر الدابة بفتح الفاء الذي يجعل تحت ذنبها وقيل مأخوذ من الثفر بإسكان الفاء وهو الفرج وإن كان أصله للسباع فاستعير لغيرها قال أبو عبد الملك: رواه الأكثر عن مالك بمثلثة ورواه مطرف عنه لتستذفر بذال معجمة بدلها أي تجفف الدم بالخرقة.

( ثُمَّ لِتُصَلِّي) بإثبات الياء للإشباع كقوله تعالى { { إِنَّهُ مَن يَتَّقِ وَيِصْبِرْ } } كذا قاله الشيخ ولي الدين العراقي لا يقال فيه نظر لأنه أمر لأنثى لأنا نقول هو ليس خطابًا وإنما هو مسند لضمير الغائب أي لتصلي هي فكان الواجب حذف الياء للام الأمر فجيء بها للإشباع فحذف الجازم ياء العلة والموجودة إشباع وفيه أن حكم المستحاضة حكم الطاهرة في الصلاة وغيرها كصيام واعتكاف وقراءة ومس مصحف وحمله وسجود تلاوة وسائر العبادات، وهذا أمر مجمع عليه، وإنما اختلف في إباحة وطئها والجمهور على الجواز.
وقد استدل الشافعي بالأمر بالصلاة على جواز الوطء قال: لأن الله أمر باعتزالها حائضًا وأذن في إتيانها طاهرًا، فلما حكم صلى الله عليه وسلم للمستحاضة بحكم الطاهر في أن تغتسل وتصلي دل ذلك على جواز وطئها.

وفي البخاري عن ابن عباس: ويأتيها زوجها إذا صلت الصلاة أعظم وفيه أن العادة في الحيض تثبت بمرة لأنه صلى الله عليه وسلم ردها إلى الشهر الذي يلي شهر الاستحاضة وهو الأصح عند المالكية والشافعية ولا يرد أنه قال: كانت تحيضهن لأن الصحيح في الأصول أن كان لا تدل على تكرر الفعل ولا دوامه.

وهذا الحديث أخرجه أبو داود عن عبد الله بن سلمة والنسائي عن قتيبة بن سعيد كلاهما عن مالك به وتابعه أيوب السختياني عن أبي داود وعبيد الله بن عمر عند ابن ماجه كلاهما عن نافع به.

والنسائي من طرق عن أبي أسامة عن عبيد الله عن نافع عن سليمان بن يسار عن أم سلمة سألت امرأة رسول الله صلى الله عليه وسلم فذكره.

وأخرجه أبو داود من طريق أنس بن عياض عن عبيد الله عن نافع عن سليمان عن رجل من الأنصار أن امرأة إلخ فاختلف على عبيد الله في إسناده.

( مَالِكٍ عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ عَنْ أَبِيهِ عَنْ زَيْنَبَ بِنْتِ أَبِي سَلَمَةَ) عبد الله بن عبد الأسد المخزومية ربيبة النبي صلى الله عليه وسلم ( أَنَّهَا رَأَتْ زَيْنَبَ بِنْتَ جَحْشٍ) قال عياض: اختلف أصحاب الموطأ في هذا فأكثرهم يقولون زينب وكثير منهم يقول ابنة جحش وهذا هو الصواب ويبين الوهم فيه قوله ( الَّتِي كَانَتْ تَحْتَ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ) وزينب هي أم المؤمنين لم يتزوجها عبد الرحمن قط وإنما تزوجها أولاً زيد بن حارثة ثم تزوجها النبي صلى الله عليه وسلم والتي كانت تحت عبد الرحمن هي أم حبيبة.

وقال ابن عبد البر: قيل إن بنات جحش الثلاثة زينب وأم حبيبة وحمنة زوج طلحة بن عبيد الله كن يستحضن كلهن وقيل لم يستحض منهن إلا أم حبيبة.

وذكر القاضي يونس بن مغيث في كتابه الموعب شرح الموطأ مثل هذا، وذكر أن كل واحدة منهن اسمها زينب ولقب إحداهن حمنة، وإذا كان كذلك فقد سلم مالك من الخطأ في تسمية أم حبيبة زينب وقد ذكر البخاري من حديث عائشة أن امرأة من أزواجه صلى الله عليه وسلم كانت تستحاض، وفي رواية أن بعض أمهات المؤمنين، وفي أخرى أن النبي صلى الله عليه وسلم اعتكف معه بعض نسائه وهي مستحاضة انتهى كلام عياض.

وفي فتح الباري قيل حديث الموطأ هذا وهم.
وقيل صواب وأن اسمها زينب وكنيتها أم حبيبة بإثبات الهاء على المشهور في الروايات الصحيحة خلافًا للواقدي وتبعه إبراهيم الحربي الصحيح أم حبيب بلا هاء واسمها حبيبة وإن رجحه الدارقطني قال: وأما أختها أم المؤمنين فلم يكن اسمها الأصلي زينب وإنما كان اسمها برة فغيره النبي صلى الله عليه وسلم.

وفي أسباب النزول للواحدي إنما كان اسمها زينب بعد أن تزوجها النبي صلى الله عليه وسلم فلعله سماها باسم أختها لأن أختها غلبت عليها الكنية فأين اللبس؟ قال: أعني الحافظ ولم ينفرد الموطأ بتسمية أم حبيبة زينب بل وافقه يحيى بن أبي كثير أخرجه أبو داود الطيالسي في مسنده انتهى.

وبه يرد قول صاحب المطالع لا يلتفت لقول من قال: إن بنات جحش اسم كل منهن زينب لأن أهل المعرفة بالأنساب لا يثبتونه، وإنما حمل عليه من قاله أن لا ينسب إلى مالك وهم كذا قال وقد علم أنه لم ينفرد به.

( وَكَانَتْ تُسْتَحَاضُ فَكَانَتْ تَغْتَسِلُ وَتُصَلِّي) وروى أبو داود من طريق سليمان بن كثير عن الزهري عن عروة عن عائشة استحيضت زينب بنت جحش فقال لها النبي صلى الله عليه وسلم: اغتسلي لكل صلاة قال الحافظ: قال شيخنا الإمام البلقيني: يحمل على أن زينب استحيضت وقتًا بخلاف أختها فإن استحاضتها دامت.

وروى الشيخان وغيرهما عن عائشة أن أم حبيبة استحيضت سبع سنين فسألت رسول الله صلى الله عليه وسلم عن ذلك فأمرها أن تغتسل فقال هذا عرق فكانت تغتسل لكل صلاة زاد مسلم والإسماعيلي: وتصلي، والأمر بالاغتسال مطلق فلا يدل على التكرار فلعلها فهمت طلب ذلك منها لقرينة فلذا كانت تغتسل لكل صلاة.

وقال الشافعي: إنما كانت تغتسل لكل صلاة تطوعًا وكذا قال الليث بن سعد لم يذكر ابن شهاب أنه صلى الله عليه وسلم أمرها أن تغتسل لكل صلاة وإنما هو شيء فعلته رواه مسلم، وإلى هذا ذهب الجمهور قالوا: لا يجب على المستحاضة الغسل لكل صلاة إلا المتحيرة لكن يجب عليها الوضوء، ويؤيده ما رواه أبو داود من طريق عكرمة أن أم حبيبة استحيضت فأمرها رسول الله صلى الله عليه وسلم أن تنتظر أيام إقرائها ثم تغتسل وتصلي فإن رأت شيئًا من ذلك توضأت وصلت، واستدل المهلب بقوله لها هذا عرق على أنه لم يوجب عليها الغسل لكل صلاة لأن دم العرق لا يوجب غسلاً.

وأما ما عند أبي داود من طريق سليمان بن كثير وابن إسحاق عن الزهري في هذا الحديث فأمرها بالغسل لكل صلاة فقد طعن الحفاظ في هذه الزيادة بأن الأثبات من أصحاب الزهري لم يذكروها، وقد صرح الليث بأن الزهري لم يذكرها كما في مسلم، لكن روى أبو داود من طريق يحيى بن أبي كثير عن أبي سلمة بن عبد الرحمن عن زينب بنت أبي سلمة في هذه القصة فأمرها أن تغتسل عند كل صلاة، فيحمل الأمر على الندب جمعًا بين الروايتين هذه ورواية عكرمة.

وقال الطحاوي: حديث أم حبيبة منسوخ بحديث فاطمة بنت أبي حبيش أي لأن فيه الأمر بالوضوء لكل صلاة لا الغسل والجمع بين الحديثين بحمل الأمر في حديث أم حبيبة على الندب أولى انتهى.

( مَالِكٍ عَنْ سُمَيٍّ) بضم السين المهملة مصغر ( مَوْلَى أَبِي بَكْرِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ) بن الحارث بن هشام ثقة روى له الجميع مات مقتولاً سنة ثلاثين ومائة ( أَنَّ الْقَعْقَاعَ) بقافين مفتوحتين بينهما عين ساكنة ثم ألف فعين ( بْنَ حَكِيمٍ) الكناني المدني تابعي وثقه أحمد ويحيى وغيرهما وروى له مسلم والأربعة ( وَزَيْدَ بْنَ أَسْلَمَ أَرْسَلَاهُ إِلَى سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ يَسْأَلُهُ كَيْفَ تَغْتَسِلُ الْمُسْتَحَاضَةُ؟ فَقَالَ: تَغْتَسِلُ مِنْ طُهْرٍ إِلَى طُهْرٍ) .

قال ابن سيد الناس: اختلف فيه فمنهم من رواه بالطاء المهملة ومنهم من رواه بالظاء المعجمة أي من وقت صلاة الظهر إلى وقت صلاة الظهر.

قال ابن العراقي: وفيه نظر فالمروي إنما هو الإعجام وأما الإهمال فليس رواية مجزومًا بها، فقد قال أبو داود قال مالك: إني لأظن حديث ابن المسيب من طهر إلى طهر أي بالإهمال فيهما، ولكن الوهم دخل فيه.
قال أبو داود: ورواه مسور بن عبد الملك من طهر إلى طهر أي بالإهمال فقلبها الناس.

وقال ابن عبد البر قال مالك: ما أرى الذي حدثني به من ظهر إلا قد وهم قال أبو عمر: ليس ذلك بوهم لأنه صحيح عن سعيد معروف من مذهبه، وقد رواه كذلك السفيانان عن سمي به بالإعجام ولم ينفرد به سمي ولا القعقاع، فقد رواه وكيع عن سعيد بن أبي عروبة عن قتادة عن ابن المسيب مثله بالإعجام وأخرجه ابن أبي شيبة.

وقال الخطابي: ما أحسن ما قال مالك وما أشبهه بما ظن لأنه لا معنى للاغتسال في وقت صلاة الظهر إلى مثلها من الغد ولا أعلمه قولاً لأحد، وإنما هو من طهر إلى طهر وقت انقطاع الحيض، وتعقبه ابن العربي بأن له معنى لأنه إذا سقط لأجل المشقة اغتسالها لكل صلاة فلا أقل من الاغتسال مرة في كل يوم عند الظهر في وقت دفء النهار وذلك للتنظيف انتهى.

قال ابن العراقي: وقوله لا أعلمه قولاً لأحد فيه نظر لأن أبا داود نقله عن جماعة من الصحابة والتابعين، ولعل الخطابي يرى أنه حرف النقل عنهم كما حرف عن ابن المسيب، لكن برد دعوى التحريف ورود مثله عن عائشة بلفظ تغتسل كل يوم، وفي رواية عنها تغتسل عند الظهر.
حكاهما أبو داود وكذا رواه ابن أبي شيبة عن الحسن البصري بلفظ تغتسل من صلاة الظهر إلى مثلها من الغد انتهى.

( وَتَتَوَضَّأُ لِكُلِّ صَلَاةٍ) وجوبًا عند الجمهور واستحبابًا عند مالك ( فَإِنْ غَلَبَهَا الدَّمُ اسْتَثْفَرَتْ) هكذا رواية مالك في الموطأ وكذا الشافعي عنه بالمثلثة بين الفوقية والفاء، ورواه أبو داود عن القعنبي عن مالك بلفظ: استذفرت بثوب بذال معجمة بدل المثلثة فقيل إنه مثل الاستثفار قلبت الثاء ذالاً وهو الثفر والذفر، وقيل معناه فلتستعمل طيبًا تزيل به هذا الشيء عنها.
والذفر: بفتح المعجمة والفاء كل رائحة ذكية من طيب أو نتن وسمي الثوب طيبًا لقيامه مقامه في إزالة الرائحة وإن روي بالدال المهملة فمعناه تدفع عن نفسها الذفر بإسكان الفاء وهو الرائحة الكريهة.

فإن قيل: سئل ابن المسيب عن كيفية اغتسال المستحاضة؟ فأجاب: بذكر وقته.

قلت: وفيه من جملة صفاته وهيئاته وكيفية اغتسالها لا تخالف كيفية اغتسال غيرها، وإنما تخالف غيرها في الوقت فأجاب بذكر ما خالفت فيه غيرها أو أنه فهم من السائل استبعاد اغتسالها مع جريان الدم منها، فأجابه بأن جريانه منها لا يمنع من اغتسالها في وقته وهو وقت صلاة الظهر عنده، وغايته أنه إذا قوي عليها الدم وغلبها استثفرت ذكره العلامة الولي بن العراقي.

( مَالِكٍ عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ عَنْ أَبِيهِ أَنَّهُ قَالَ: لَيْسَ عَلَى الْمُسْتَحَاضَةِ إِلَّا أَنْ تَغْتَسِلَ) عند انقضاء المدة التي كانت تحيض فيها قبل الاستحاضة ( غُسْلًا وَاحِدًا) لأنه الذي أمر به النبي صلى الله عليه وسلم أم حبيبة وأحاديث أمرها به لكل صلاة روي من وجوه كلها ضعيفة كما صرح به ابن عبد البر والبيهقي وغيرهما، وأما فعلها هي ذلك فمن عند نفسها كما قاله الزهري والليث والشافعي وغيرهم فلا حجة فيها لمن ذهب إلى أنه يجب عليها الاغتسال لكل صلاة خلافًا لابن حزم حيث صححها، وزعم أنه قال بها جماعة من الصحابة فقد رده عليه الولي العراقي.

( ثُمَّ تَتَوَضَّأُ بَعْدَ ذَلِكَ لِكُلِّ صَلَاةٍ) وجوبًا عند الجمهور واستحبابًا عند مالك محتجًا لعدم الوجوب بقوله ذلك عرق والعرق لا يجب منه الوضوء.

( قَالَ مَالِكٌ: الْأَمْرُ عِنْدَنَا أَنَّ الْمُسْتَحَاضَةَ إِذَا صَلَّتْ أَنَّ لِزَوْجِهَا أَنْ يُصِيبَهَا) وبه قال جمهور العلماء وفي البخاري عن ابن عباس ويأتيها زوجها إذا صلت الصلاة أعظم قال مالك: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم إنما ذلك عرق وليس بالحيضة فإذا لم تكن حيضة فما يمنعه أن يصيبها وهي تصلي.
وقال سليمان بن يسار والزهري والنخعي وابن سيرين وطائفة لا يصيبها.
وروي عن عائشة، وقال أحمد: أحب إلي أن لا يطأ إلا أن يطول.

( وَكَذَا النُّفَسَاءُ إِذَا بَلَغَتْ أَقْصَى مَا يُمْسِكُ النِّسَاءَ) بالنصب مفعول فاعله ( الدَّمُ) أي لا يصيبها وأقصاه عند مالك وبه أخذ أصحابه شهران ستون يومًا وقال أكثر العلماء: أربعون يومًا وقيل غير ذلك ( فَإِنْ رَأَتِ الدَّمَ بَعْدَ ذَلِكَ فَإِنَّهُ يُصِيبُهَا زَوْجُهَا وَإِنَّمَا هِيَ بِمَنْزِلَةِ الْمُسْتَحَاضَةِ) وقد علم إجماع أهل المدينة على جواز إصابته لها.

( قَالَ مَالِكٌ: الْأَمْرُ عِنْدَنَا فِي الْمُسْتَحَاضَةِ عَلَى حَدِيثِ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ عَنْ أَبِيهِ) عن عائشة المتقدم أولاً ( وَهُوَ أَحَبُّ مَا سَمِعْتُ إِلَيَّ فِي ذَلِكَ) قال ابن منده في صحيحه بعد إخراجه من طريق مالك: هذا إسناد مجمع على صحته، وقال الأصيلي: هو أصح حديث جاء في المستحاضة.
وقال أحمد بن حنبل: في الحيض ثلاثة أحاديث حديثان ليس في نفسي منهما شيء حديث عائشة في قصة فاطمة بنت أبي حبيش وحديث أم سلمة، والثالث في قلبي منه شيء وهو حديث حمنة بنت جحش.
قال أبو داود: وما عدا هذه الثلاثة أحاديث ففيها اختلاف واضطراب.

وعد في فتح الباري المستحاضات من الصحابيات في زمن النبي صلى الله عليه وسلم عشرًا.
بنات جحش الثلاثة على ما تقدم، وفاطمة بنت أبي حبيش المتقدمة، وسودة بنت زمعة وحديثها عند أبي داود معلقًا وابن خزيمة موصولاً، وأم سلمة وحديثها في سنن سعيد بن منصور، وأسماء بنت عميس رواه الدارقطني وهو في أبي داود لكن على التردد هل هو عنها أو عن فاطمة بنت أبي حبيش، وسهلة بنت سهيل ذكرها أبو داود أيضًا، وأسماء بنت مرثد ذكرها البيهقي وغيره، وبادية بنت غيلان ذكرها ابن منده.

وروى البيهقي والإسماعيلي أن زينب ابنة أم سلمة استحيضت لكن الحديث في أبي داود من حكاية زينب عن غيرها وهو أشبه فإنها كانت في زمنه صلى الله عليه وسلم صغيرة لأنه دخل على أمها في السنة الثالثة، وزينب ترضع وقد كملن عشرًا بحذف زينب بنت أبي سلمة انتهى.

ونظم السيوطي في قلائد الفوائد تسعًا فقال:

قد استحيضت في زمان المصطفى
تسع نساء قد رواها الراويه

بنت جحش سودة فاطمة
زينب أسما سهلة وباديه

فعد بنت أبي سلمة وأسقط أم سلمة وأسماء بنت عميس أو بنت مرثد لأن النظم فيه أسماء واحدة وهما اثنتان فلو قال:

قد استحيضت في زمان المصطفى
بنات جحش سهلة وباديه

وهند أسما سودة فاطمة
وبنت مرثد رواها الراويه

لوفى بالعشرة وسلم من عد زينب ابنة أم سلمة واسمها هند، والله أعلم.



رقم الحديث 135 وَحَدَّثَنِي عَنْ مَالِكٍ عَنْ نَافِعٍ، عَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ يَسَارٍ عَنْ أُمِّ سَلَمَةَ، زَوْجِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، أَنَّ امْرَأَةً كَانَتْ تُهَرَاقُ الدِّمَاءَ فِي عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَاسْتَفْتَتْ لَهَا أُمُّ سَلَمَةَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَ: لِتَنْظُرْ إِلَى عَدَدِ اللَّيَالِي وَالْأَيَّامِ الَّتِي كَانَتْ تَحِيضُهُنَّ مِنَ الشَّهْرِ، قَبْلَ أَنْ يُصِيبَهَا الَّذِي أَصَابَهَا، فَلْتَتْرُكِ الصَّلَاةَ قَدْرَ ذَلِكَ مِنَ الشَّهْرِ، فَإِذَا خَلَّفَتْ ذَلِكَ فَلْتَغْتَسِلْ، ثُمَّ لِتَسْتَثْفِرْ بِثَوْبٍ ثُمَّ لِتُصَلِّي.


( مَالِكٍ عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَائِشَةَ زَوْجِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهَا قَالَتْ قَالَتْ فَاطِمَةُ بِنْتُ أَبِي حُبَيْشٍ) بضم الحاء المهملة وفتح الموحدة وسكون التحتية ومعجمة واسمه قيس بن عبد المطلب بن أسد بن عبد العزى بن قصي القرشية الأسدية وهي غير فاطمة بنت قيس القرشية الفهرية التي طلقت ثلاثًا خلافًا لظن بعضهم أنها هي والصواب أنها غيرها كما نبه عليه في الفتح.

( يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنِّي لَا أَطْهُرُ) قال الباجي: أي لا ينقطع عني الدم.
وفي رواية أبي معاوية عن هشام إني امرأة أستحاض فلا أطهر.
قال الحافظ: ففيه بيان السبب وكان عندها أن طهارة الحائض لا تعرف إلا بانقطاع الدم فكنت بعدم الطهر عن إرساله، وكانت قد علمت أن الحائض لا تصلي فظنت أن ذلك الحكم مقترن بجريان الدم من الفرج فأرادت تحقيق ذلك فقالت ( أَفَأَدَعُ الصَّلَاةَ) أي أتركها والعطف على مقدر بعد الهمزة لأن لها صدر الكلام أي أيكون لي حكم الحائض فأترك الصلاة أو أن الاستفهام ليس للنفي بل للتقرير فزالت صدريتها، لكن ينافي هذا أن التقريري حمل المخاطب على الاعتراف بأمر استقر عنده فيؤكد، ويقتضي أيضًا أن يكون عالمًا وهي هنا ليست عالمة بالحكم.
قال الكرماني: أو الهمزة مقحمة أو توسطها جائز بين المعطوفين إذا كان عطف جملة على جملة لعدم انسحاب حكم الأول على الثاني.

( فَقَالَ لَهَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:) زاد في رواية أبي معاوية لا أي لا تدعيها ( إِنَّمَا ذَلِكِ) بكسر الكاف ( عِرْقٌ) بكسر العين يسمى بالعاذل بمهملة وذال معجمة مكسورة ( وَلَيْسَتْ بِالْحَيْضَةِ) بفتح الحاء كما نقله الخطابي عن أكثر المحدثين أو كلهم وإن كان قد اختار هو الكسر على إرادة الحالة، لكن الفتح هنا أظهر أي الحيض.

وقال النووي: هو متعين أو قريب من المتعين لأنه صلى الله عليه وسلم أراد إثبات الاستحاضة ونفي الحيض قال: وأما ما يقع في كتب الفقه إنما ذلك عرق انقطع أو انفجر فهي زيادة لا تعرف في الحديث وإن كان لها معنى.

( فَإِذَا أَقْبَلَتِ الْحَيْضَةُ) قال النووي: يجوز هنا الكسر والفتح جوازًا حسنًا: قال الحافظ: والذي في روايتنا بفتح الحاء في الموضعين ( فَاتْرُكِي الصَّلَاةَ) تضمن نهي الحائض عن الصلاة وهو للتحريم، ويقتضي فساد الصلاة بالإجماع وكان بعض السلف يرى للحائض الغسل ويأمرها أن تتوضأ وقت الصلاة وتذكر الله مستقبلة القبلة قاله عقبة بن عامر.
وقال مكحول: كان ذلك من هدي نساء المسلمين.
وقال معمر: بلغني أن الحائض كانت تؤمر بذلك عند كل صلاة واستحسن ذلك عطاء قال ابن عبد البر: وهذا أمر متروك.
قال أبو قلابة: سألنا عنه فلم نجد له أصلاً وجماعة الفقهاء يكرهونه.

( فَإِذَا ذَهَبَ قَدْرُهَا) أي قدر الحيضة على ما قدره الشرع أو على ما تراه المرأة باجتهادها أو على ما تقدم من عادتها في حيضتها احتمالات للباجي، وفي رواية أبي معاوية: وإذا أدبرت أي الحيضة ( فَاغْسِلِي الدَّمَ عَنْكِ وَصَلِّي) أي بعد الاغتسال كما صرح به في رواية أبي أسامة عن هشام عند البخاري بلفظ: ثم اغتسلي وصلي ولم يذكر غسل الدم.
وهذا الاختلاف واقع بين أصحاب هشام، منهم من ذكر غسل الدم، ومنهم من ذكر الاغتسال دون غسل الدم وكلهم ثقات وأحاديثهم في الصحيحين، فيحمل على أن كل فريق اختصر أحد الأمرين لوضوحه عنده، وفيه اختلاف آخر وهو أن أبا معاوية زاد في آخره ثم توضئي لكل صلاة ولم ينفرد بذلك، فقد رواه النسائي من طريق حماد بن زيد عن هشام وادعى أن حمادًا انفرد بهذه الزيادة، وإليه أومئ مسلم وليس كذلك، فقد رواها الدارمي من طريق حماد بن سلمة والسراج من طريق يحيى بن سليم كلاهما عن هشام.

وفي الحديث دلالة على أن المرأة إذا ميزت دم الحيض من دم الاستحاضة تعتبر دم الحيض وتعمل على إقباله وإدباره فإذا انقضى قدره اغتسلت منه، ثم صار حكم دم الاستحاضة حكم الحدث فتتوضأ لكل صلاة لكنها لا تصلي بذلك الوضوء أكثر من فريضة واحدة مؤداة أو مقضية لظاهر قوله: ثم توضئي لكل صلاة، وبهذا قال الجمهور.

وعند الحنفية أن الوضوء يتعلق بوقت الصلاة فلها أن تصلي به الفريضة الحاضرة وما شاءت من الفوائت ما لم يخرج وقت الحاضرة وعلى قولهم المراد بقوله توضئي لكل صلاة أي لوقت كل صلاة ففيه مجاز الحذف ويحتاج إلى دليل.

وعند المالكية يستحب لها الوضوء لكل صلاة ولا يجب إلا بحدث آخر.
وقال أحمد وإسحاق: إن اغتسلت لكل صلاة فهو أحوط ذكره في الفتح.

وقال ابن عبد البر: ليس في حديث مالك هذا ذكر الوضوء لكل صلاة على المستحاضة وذكر في حديث غيره، فلذا كان مالك يستحبه لها ولا يوجبه كما لا يوجبه على صاحب التسلسل.

وأخرجه البخاري عن عبد الله بن يوسف، وأبو داود عن القعنبي والترمذي والنسائي عن قتيبة الثلاثة عن مالك به.
وله في الصحيحين وغيرهما طرق عن هشام.

( مَالِكٍ عَنْ نَافِعٍ عَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ يَسَارٍ عَنْ أُمِّ سَلَمَةَ زَوْجِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ) قال ابن عبد البر: هكذا رواه مالك وأيوب ورواه الليث بن سعد وصخر بن جويرية وعبيد الله بن عمر عن نافع عن سليمان بن يسار أن رجلاً أخبره عن أم سلمة فأدخلوا بينها وبين سليمان رجلاً.

وقال النووي في الخلاصة: حديث صحيح رواه مالك والشافعي وأحمد وأبو داود والنسائي بأسانيد على شرط البخاري ومسلم انتهى.
فلم يعرج على دعوى الانقطاع، ونازعه ابن عبد البر بأنهما حديثان متغايران إذ قد يمكن أن سليمان سمعه من رجل عن أم سلمة ثم سمعه منها فحدث به على الوجهين.

( أَنَّ امْرَأَةً) قال أيوب السختياني: هي فاطمة بنت أبي حبيش ( كَانَتْ تُهَرَاقُ) بضم التاء وفتح الهاء ( الدِّمَاءَ) بالنصب.
قال الباجي: يريد أنها من كثرة الدم بها كأنها كانت تهريقه.
وقال ابن الأثير: جاء الحديث على ما لم يسم فاعله أي تهراق هي الدماء منصوب على التمييز وإن كان معرفة وله نظائر أي كقوله تعالى { { سَفِهَ نَفْسَهُ } } وهو مطرد عند الكوفيين وشاذ عند البصريين أو أجرى تهراق مجرى نفست المرأة غلامًا ونتج الفرس مهرًا.
قال: ويجوز الرفع بتقدير تهراق دماؤها وأل بدل من الإضافة كقوله: { { أَوْ يَعْفُوَ الَّذِي بِيَدِهِ عُقْدَةُ النِّكَاحِ } } أي عقدة نكاحه ونكاحها قال: والهاء في هراق بدل من همزة أراق يقال أراق الماء يريقه وهراقه يهريقه بفتح الهاء هراقة.

وقال أبو حيان في شرح التسهيل: أجاز بعض المتأخرين تشبيه الفعل اللازم بالمتعدي كما شبه وصفه باسم الفاعل المتعدي مستدلاً بحديث تهراق الدماء ومنعه الشلوبين وقال: لا يكون ذلك إلا في الصفات وتأول الحديث على أنه على إسقاط حرف الجر أي بالدماء أو على إضمار فاعل أي يهريق الله الدماء منها.

قال أبو حيان: وهذا هو الصحيح إذ لم يثبت ذلك من لسان العرب.

( فِي عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَاسْتَفْتَتْ لَهَا أُمُّ سَلَمَةَ) بأمرها إياها بذلك ففي رواية الدارقطني أن فاطمة بنت أبي حبيش استحيضت حتى كان المركن ينقل من تحتها وأعلاه الدم قال فأمرت أم سلمة أن تسأل لها ( رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ) كذا في هذه الرواية وفي حديث عائشة السابق أن فاطمة هي السائلة ولأبي داود عن عروة كذلك عن فاطمة نفسها أنها قالت: سألت رسول الله وفي حديث آخر أن أسماء بنت عميس سألت لها.

قال الحافظ ولي الدين العراقي: ولعل الجمع بينها أن فاطمة سألت كلاً من أم سلمة وأسماء أن تسأل لها فسألتا مجتمعتين أو سألت كل واحدة منهما مع عدم علمها بسؤال الأخرى وصح إطلاق السؤال على فاطمة باعتبار أمرها بالسؤال وأنها حضرت معهما فلما بدأتا بالكلام تكلمت هي حينئذ انتهى.

وهو مبني على تسليم أن هذه المرأة المبهمة فاطمة وقد قال ابن عبد البر: قال أيوب السختياني: هذه المرأة هي فاطمة المذكورة في الحديث الأول وهو عندنا حديث آخر وكذا جعله ابن حنبل حديثًا غير الأول فإنه في امرأة عرفت إقبال حيضتها وإدبارها وهذا الحديث في امرأة كان لها أيام معروفة فزادها الدم وأطبق عليها فلم تميزها فأمرها صلى الله عليه وسلم أن تترك الصلاة قدر أيامها من الشهر.

( فَقَالَ: لِتَنْظُرْ إِلَى عَدَدِ اللَّيَالِي وَالْأَيَّامِ الَّتِي كَانَتْ تَحِيضُهُنَّ مِنَ الشَّهْرِ قَبْلَ أَنْ يُصِيبَهَا الَّذِي أَصَابَهَا فَلْتَتْرُكِ الصَّلَاةَ) والصوم ونحوهما ( قَدْرَ ذَلِكَ مِنَ الشَّهْرِ) وأجاب ابن العراقي: بأنه إن صح أن المبهمة فاطمة فلعلها كانت لها أحوال كانت في بعضها مميزة وفي بعضها ليست مميزة، وجاء الجواب لها باعتبار حالتيها قال: وفيه تصريح بأنها لم تكن مبتدأة بل كانت لها عادة تعرفها وليس فيه بيان كونها مميزة أم لا فاحتج به من قال إن المستحاضة المعتادة ترد لعادتها ميزت أم لا وافق تمييزها عادتها أو خالفها وهو مذهب أبي حنيفة وأحد قولي الشافعي وأشهر الروايتين عن أحمد وهو مأخوذ من قاعدة ترك الاستفصال فإنه صلى الله عليه وسلم لم يسألها هل هي مميزة أم لا وأصح قولي الشافعي وهو مذهب مالك أنها إنما ترد لعادتها إذا لم تكن مميزة وإلا ردت إلى تمييزها ويدل له قوله في حديث فاطمة بنت أبي حبيش: إذا كان دم الحيض فإنه دم أسود يعرف رواه أبو داود.

وأجابوا عن هذا الحديث باحتمال أنه صلى الله عليه وسلم علم أنها غير مميزة فحكم عليها بذلك والذي اضطرهم إلى حمله على ذلك معارضة الحديث الآخر له والجمع بين الدليلين ولو من وجه أولى من طرح أحدهما، ومتى ردت إلى العادة مطلقًا ألغي الحديث الآخر بالكلية.

( فَإِذَا خَلَّفَتْ ذَلِكَ) بفتح المعجمة واللام الثقيلة والفاء أي تركت أيام الحيض الذي كانت تعهده وراءها ( فَلْتَغْتَسِلْ ثُمَّ لِتَسْتَثْفِرْ) بفتح الفوقية وإسكان السين المهملة وفتح الفوقية وإسكان المثلثة وكسر الفاء أي تشد فرجها ( بِثَوْبٍ) خرقة عريضة بعد أن تحتشي قطنًا وتوثق طرفي الخرقة في شيء تشده على وسطها فيمنع بذلك سيل الدم مأخوذ من ثفر الدابة بفتح الفاء الذي يجعل تحت ذنبها وقيل مأخوذ من الثفر بإسكان الفاء وهو الفرج وإن كان أصله للسباع فاستعير لغيرها قال أبو عبد الملك: رواه الأكثر عن مالك بمثلثة ورواه مطرف عنه لتستذفر بذال معجمة بدلها أي تجفف الدم بالخرقة.

( ثُمَّ لِتُصَلِّي) بإثبات الياء للإشباع كقوله تعالى { { إِنَّهُ مَن يَتَّقِ وَيِصْبِرْ } } كذا قاله الشيخ ولي الدين العراقي لا يقال فيه نظر لأنه أمر لأنثى لأنا نقول هو ليس خطابًا وإنما هو مسند لضمير الغائب أي لتصلي هي فكان الواجب حذف الياء للام الأمر فجيء بها للإشباع فحذف الجازم ياء العلة والموجودة إشباع وفيه أن حكم المستحاضة حكم الطاهرة في الصلاة وغيرها كصيام واعتكاف وقراءة ومس مصحف وحمله وسجود تلاوة وسائر العبادات، وهذا أمر مجمع عليه، وإنما اختلف في إباحة وطئها والجمهور على الجواز.
وقد استدل الشافعي بالأمر بالصلاة على جواز الوطء قال: لأن الله أمر باعتزالها حائضًا وأذن في إتيانها طاهرًا، فلما حكم صلى الله عليه وسلم للمستحاضة بحكم الطاهر في أن تغتسل وتصلي دل ذلك على جواز وطئها.

وفي البخاري عن ابن عباس: ويأتيها زوجها إذا صلت الصلاة أعظم وفيه أن العادة في الحيض تثبت بمرة لأنه صلى الله عليه وسلم ردها إلى الشهر الذي يلي شهر الاستحاضة وهو الأصح عند المالكية والشافعية ولا يرد أنه قال: كانت تحيضهن لأن الصحيح في الأصول أن كان لا تدل على تكرر الفعل ولا دوامه.

وهذا الحديث أخرجه أبو داود عن عبد الله بن سلمة والنسائي عن قتيبة بن سعيد كلاهما عن مالك به وتابعه أيوب السختياني عن أبي داود وعبيد الله بن عمر عند ابن ماجه كلاهما عن نافع به.

والنسائي من طرق عن أبي أسامة عن عبيد الله عن نافع عن سليمان بن يسار عن أم سلمة سألت امرأة رسول الله صلى الله عليه وسلم فذكره.

وأخرجه أبو داود من طريق أنس بن عياض عن عبيد الله عن نافع عن سليمان عن رجل من الأنصار أن امرأة إلخ فاختلف على عبيد الله في إسناده.

( مَالِكٍ عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ عَنْ أَبِيهِ عَنْ زَيْنَبَ بِنْتِ أَبِي سَلَمَةَ) عبد الله بن عبد الأسد المخزومية ربيبة النبي صلى الله عليه وسلم ( أَنَّهَا رَأَتْ زَيْنَبَ بِنْتَ جَحْشٍ) قال عياض: اختلف أصحاب الموطأ في هذا فأكثرهم يقولون زينب وكثير منهم يقول ابنة جحش وهذا هو الصواب ويبين الوهم فيه قوله ( الَّتِي كَانَتْ تَحْتَ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ) وزينب هي أم المؤمنين لم يتزوجها عبد الرحمن قط وإنما تزوجها أولاً زيد بن حارثة ثم تزوجها النبي صلى الله عليه وسلم والتي كانت تحت عبد الرحمن هي أم حبيبة.

وقال ابن عبد البر: قيل إن بنات جحش الثلاثة زينب وأم حبيبة وحمنة زوج طلحة بن عبيد الله كن يستحضن كلهن وقيل لم يستحض منهن إلا أم حبيبة.

وذكر القاضي يونس بن مغيث في كتابه الموعب شرح الموطأ مثل هذا، وذكر أن كل واحدة منهن اسمها زينب ولقب إحداهن حمنة، وإذا كان كذلك فقد سلم مالك من الخطأ في تسمية أم حبيبة زينب وقد ذكر البخاري من حديث عائشة أن امرأة من أزواجه صلى الله عليه وسلم كانت تستحاض، وفي رواية أن بعض أمهات المؤمنين، وفي أخرى أن النبي صلى الله عليه وسلم اعتكف معه بعض نسائه وهي مستحاضة انتهى كلام عياض.

وفي فتح الباري قيل حديث الموطأ هذا وهم.
وقيل صواب وأن اسمها زينب وكنيتها أم حبيبة بإثبات الهاء على المشهور في الروايات الصحيحة خلافًا للواقدي وتبعه إبراهيم الحربي الصحيح أم حبيب بلا هاء واسمها حبيبة وإن رجحه الدارقطني قال: وأما أختها أم المؤمنين فلم يكن اسمها الأصلي زينب وإنما كان اسمها برة فغيره النبي صلى الله عليه وسلم.

وفي أسباب النزول للواحدي إنما كان اسمها زينب بعد أن تزوجها النبي صلى الله عليه وسلم فلعله سماها باسم أختها لأن أختها غلبت عليها الكنية فأين اللبس؟ قال: أعني الحافظ ولم ينفرد الموطأ بتسمية أم حبيبة زينب بل وافقه يحيى بن أبي كثير أخرجه أبو داود الطيالسي في مسنده انتهى.

وبه يرد قول صاحب المطالع لا يلتفت لقول من قال: إن بنات جحش اسم كل منهن زينب لأن أهل المعرفة بالأنساب لا يثبتونه، وإنما حمل عليه من قاله أن لا ينسب إلى مالك وهم كذا قال وقد علم أنه لم ينفرد به.

( وَكَانَتْ تُسْتَحَاضُ فَكَانَتْ تَغْتَسِلُ وَتُصَلِّي) وروى أبو داود من طريق سليمان بن كثير عن الزهري عن عروة عن عائشة استحيضت زينب بنت جحش فقال لها النبي صلى الله عليه وسلم: اغتسلي لكل صلاة قال الحافظ: قال شيخنا الإمام البلقيني: يحمل على أن زينب استحيضت وقتًا بخلاف أختها فإن استحاضتها دامت.

وروى الشيخان وغيرهما عن عائشة أن أم حبيبة استحيضت سبع سنين فسألت رسول الله صلى الله عليه وسلم عن ذلك فأمرها أن تغتسل فقال هذا عرق فكانت تغتسل لكل صلاة زاد مسلم والإسماعيلي: وتصلي، والأمر بالاغتسال مطلق فلا يدل على التكرار فلعلها فهمت طلب ذلك منها لقرينة فلذا كانت تغتسل لكل صلاة.

وقال الشافعي: إنما كانت تغتسل لكل صلاة تطوعًا وكذا قال الليث بن سعد لم يذكر ابن شهاب أنه صلى الله عليه وسلم أمرها أن تغتسل لكل صلاة وإنما هو شيء فعلته رواه مسلم، وإلى هذا ذهب الجمهور قالوا: لا يجب على المستحاضة الغسل لكل صلاة إلا المتحيرة لكن يجب عليها الوضوء، ويؤيده ما رواه أبو داود من طريق عكرمة أن أم حبيبة استحيضت فأمرها رسول الله صلى الله عليه وسلم أن تنتظر أيام إقرائها ثم تغتسل وتصلي فإن رأت شيئًا من ذلك توضأت وصلت، واستدل المهلب بقوله لها هذا عرق على أنه لم يوجب عليها الغسل لكل صلاة لأن دم العرق لا يوجب غسلاً.

وأما ما عند أبي داود من طريق سليمان بن كثير وابن إسحاق عن الزهري في هذا الحديث فأمرها بالغسل لكل صلاة فقد طعن الحفاظ في هذه الزيادة بأن الأثبات من أصحاب الزهري لم يذكروها، وقد صرح الليث بأن الزهري لم يذكرها كما في مسلم، لكن روى أبو داود من طريق يحيى بن أبي كثير عن أبي سلمة بن عبد الرحمن عن زينب بنت أبي سلمة في هذه القصة فأمرها أن تغتسل عند كل صلاة، فيحمل الأمر على الندب جمعًا بين الروايتين هذه ورواية عكرمة.

وقال الطحاوي: حديث أم حبيبة منسوخ بحديث فاطمة بنت أبي حبيش أي لأن فيه الأمر بالوضوء لكل صلاة لا الغسل والجمع بين الحديثين بحمل الأمر في حديث أم حبيبة على الندب أولى انتهى.

( مَالِكٍ عَنْ سُمَيٍّ) بضم السين المهملة مصغر ( مَوْلَى أَبِي بَكْرِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ) بن الحارث بن هشام ثقة روى له الجميع مات مقتولاً سنة ثلاثين ومائة ( أَنَّ الْقَعْقَاعَ) بقافين مفتوحتين بينهما عين ساكنة ثم ألف فعين ( بْنَ حَكِيمٍ) الكناني المدني تابعي وثقه أحمد ويحيى وغيرهما وروى له مسلم والأربعة ( وَزَيْدَ بْنَ أَسْلَمَ أَرْسَلَاهُ إِلَى سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ يَسْأَلُهُ كَيْفَ تَغْتَسِلُ الْمُسْتَحَاضَةُ؟ فَقَالَ: تَغْتَسِلُ مِنْ طُهْرٍ إِلَى طُهْرٍ) .

قال ابن سيد الناس: اختلف فيه فمنهم من رواه بالطاء المهملة ومنهم من رواه بالظاء المعجمة أي من وقت صلاة الظهر إلى وقت صلاة الظهر.

قال ابن العراقي: وفيه نظر فالمروي إنما هو الإعجام وأما الإهمال فليس رواية مجزومًا بها، فقد قال أبو داود قال مالك: إني لأظن حديث ابن المسيب من طهر إلى طهر أي بالإهمال فيهما، ولكن الوهم دخل فيه.
قال أبو داود: ورواه مسور بن عبد الملك من طهر إلى طهر أي بالإهمال فقلبها الناس.

وقال ابن عبد البر قال مالك: ما أرى الذي حدثني به من ظهر إلا قد وهم قال أبو عمر: ليس ذلك بوهم لأنه صحيح عن سعيد معروف من مذهبه، وقد رواه كذلك السفيانان عن سمي به بالإعجام ولم ينفرد به سمي ولا القعقاع، فقد رواه وكيع عن سعيد بن أبي عروبة عن قتادة عن ابن المسيب مثله بالإعجام وأخرجه ابن أبي شيبة.

وقال الخطابي: ما أحسن ما قال مالك وما أشبهه بما ظن لأنه لا معنى للاغتسال في وقت صلاة الظهر إلى مثلها من الغد ولا أعلمه قولاً لأحد، وإنما هو من طهر إلى طهر وقت انقطاع الحيض، وتعقبه ابن العربي بأن له معنى لأنه إذا سقط لأجل المشقة اغتسالها لكل صلاة فلا أقل من الاغتسال مرة في كل يوم عند الظهر في وقت دفء النهار وذلك للتنظيف انتهى.

قال ابن العراقي: وقوله لا أعلمه قولاً لأحد فيه نظر لأن أبا داود نقله عن جماعة من الصحابة والتابعين، ولعل الخطابي يرى أنه حرف النقل عنهم كما حرف عن ابن المسيب، لكن برد دعوى التحريف ورود مثله عن عائشة بلفظ تغتسل كل يوم، وفي رواية عنها تغتسل عند الظهر.
حكاهما أبو داود وكذا رواه ابن أبي شيبة عن الحسن البصري بلفظ تغتسل من صلاة الظهر إلى مثلها من الغد انتهى.

( وَتَتَوَضَّأُ لِكُلِّ صَلَاةٍ) وجوبًا عند الجمهور واستحبابًا عند مالك ( فَإِنْ غَلَبَهَا الدَّمُ اسْتَثْفَرَتْ) هكذا رواية مالك في الموطأ وكذا الشافعي عنه بالمثلثة بين الفوقية والفاء، ورواه أبو داود عن القعنبي عن مالك بلفظ: استذفرت بثوب بذال معجمة بدل المثلثة فقيل إنه مثل الاستثفار قلبت الثاء ذالاً وهو الثفر والذفر، وقيل معناه فلتستعمل طيبًا تزيل به هذا الشيء عنها.
والذفر: بفتح المعجمة والفاء كل رائحة ذكية من طيب أو نتن وسمي الثوب طيبًا لقيامه مقامه في إزالة الرائحة وإن روي بالدال المهملة فمعناه تدفع عن نفسها الذفر بإسكان الفاء وهو الرائحة الكريهة.

فإن قيل: سئل ابن المسيب عن كيفية اغتسال المستحاضة؟ فأجاب: بذكر وقته.

قلت: وفيه من جملة صفاته وهيئاته وكيفية اغتسالها لا تخالف كيفية اغتسال غيرها، وإنما تخالف غيرها في الوقت فأجاب بذكر ما خالفت فيه غيرها أو أنه فهم من السائل استبعاد اغتسالها مع جريان الدم منها، فأجابه بأن جريانه منها لا يمنع من اغتسالها في وقته وهو وقت صلاة الظهر عنده، وغايته أنه إذا قوي عليها الدم وغلبها استثفرت ذكره العلامة الولي بن العراقي.

( مَالِكٍ عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ عَنْ أَبِيهِ أَنَّهُ قَالَ: لَيْسَ عَلَى الْمُسْتَحَاضَةِ إِلَّا أَنْ تَغْتَسِلَ) عند انقضاء المدة التي كانت تحيض فيها قبل الاستحاضة ( غُسْلًا وَاحِدًا) لأنه الذي أمر به النبي صلى الله عليه وسلم أم حبيبة وأحاديث أمرها به لكل صلاة روي من وجوه كلها ضعيفة كما صرح به ابن عبد البر والبيهقي وغيرهما، وأما فعلها هي ذلك فمن عند نفسها كما قاله الزهري والليث والشافعي وغيرهم فلا حجة فيها لمن ذهب إلى أنه يجب عليها الاغتسال لكل صلاة خلافًا لابن حزم حيث صححها، وزعم أنه قال بها جماعة من الصحابة فقد رده عليه الولي العراقي.

( ثُمَّ تَتَوَضَّأُ بَعْدَ ذَلِكَ لِكُلِّ صَلَاةٍ) وجوبًا عند الجمهور واستحبابًا عند مالك محتجًا لعدم الوجوب بقوله ذلك عرق والعرق لا يجب منه الوضوء.

( قَالَ مَالِكٌ: الْأَمْرُ عِنْدَنَا أَنَّ الْمُسْتَحَاضَةَ إِذَا صَلَّتْ أَنَّ لِزَوْجِهَا أَنْ يُصِيبَهَا) وبه قال جمهور العلماء وفي البخاري عن ابن عباس ويأتيها زوجها إذا صلت الصلاة أعظم قال مالك: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم إنما ذلك عرق وليس بالحيضة فإذا لم تكن حيضة فما يمنعه أن يصيبها وهي تصلي.
وقال سليمان بن يسار والزهري والنخعي وابن سيرين وطائفة لا يصيبها.
وروي عن عائشة، وقال أحمد: أحب إلي أن لا يطأ إلا أن يطول.

( وَكَذَا النُّفَسَاءُ إِذَا بَلَغَتْ أَقْصَى مَا يُمْسِكُ النِّسَاءَ) بالنصب مفعول فاعله ( الدَّمُ) أي لا يصيبها وأقصاه عند مالك وبه أخذ أصحابه شهران ستون يومًا وقال أكثر العلماء: أربعون يومًا وقيل غير ذلك ( فَإِنْ رَأَتِ الدَّمَ بَعْدَ ذَلِكَ فَإِنَّهُ يُصِيبُهَا زَوْجُهَا وَإِنَّمَا هِيَ بِمَنْزِلَةِ الْمُسْتَحَاضَةِ) وقد علم إجماع أهل المدينة على جواز إصابته لها.

( قَالَ مَالِكٌ: الْأَمْرُ عِنْدَنَا فِي الْمُسْتَحَاضَةِ عَلَى حَدِيثِ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ عَنْ أَبِيهِ) عن عائشة المتقدم أولاً ( وَهُوَ أَحَبُّ مَا سَمِعْتُ إِلَيَّ فِي ذَلِكَ) قال ابن منده في صحيحه بعد إخراجه من طريق مالك: هذا إسناد مجمع على صحته، وقال الأصيلي: هو أصح حديث جاء في المستحاضة.
وقال أحمد بن حنبل: في الحيض ثلاثة أحاديث حديثان ليس في نفسي منهما شيء حديث عائشة في قصة فاطمة بنت أبي حبيش وحديث أم سلمة، والثالث في قلبي منه شيء وهو حديث حمنة بنت جحش.
قال أبو داود: وما عدا هذه الثلاثة أحاديث ففيها اختلاف واضطراب.

وعد في فتح الباري المستحاضات من الصحابيات في زمن النبي صلى الله عليه وسلم عشرًا.
بنات جحش الثلاثة على ما تقدم، وفاطمة بنت أبي حبيش المتقدمة، وسودة بنت زمعة وحديثها عند أبي داود معلقًا وابن خزيمة موصولاً، وأم سلمة وحديثها في سنن سعيد بن منصور، وأسماء بنت عميس رواه الدارقطني وهو في أبي داود لكن على التردد هل هو عنها أو عن فاطمة بنت أبي حبيش، وسهلة بنت سهيل ذكرها أبو داود أيضًا، وأسماء بنت مرثد ذكرها البيهقي وغيره، وبادية بنت غيلان ذكرها ابن منده.

وروى البيهقي والإسماعيلي أن زينب ابنة أم سلمة استحيضت لكن الحديث في أبي داود من حكاية زينب عن غيرها وهو أشبه فإنها كانت في زمنه صلى الله عليه وسلم صغيرة لأنه دخل على أمها في السنة الثالثة، وزينب ترضع وقد كملن عشرًا بحذف زينب بنت أبي سلمة انتهى.

ونظم السيوطي في قلائد الفوائد تسعًا فقال:

قد استحيضت في زمان المصطفى
تسع نساء قد رواها الراويه

بنت جحش سودة فاطمة
زينب أسما سهلة وباديه

فعد بنت أبي سلمة وأسقط أم سلمة وأسماء بنت عميس أو بنت مرثد لأن النظم فيه أسماء واحدة وهما اثنتان فلو قال:

قد استحيضت في زمان المصطفى
بنات جحش سهلة وباديه

وهند أسما سودة فاطمة
وبنت مرثد رواها الراويه

لوفى بالعشرة وسلم من عد زينب ابنة أم سلمة واسمها هند، والله أعلم.



رقم الحديث 136 وَحَدَّثَنِي عَنْ مَالِكٍ، عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ زَيْنَبَ بِنْتِ أَبِي سَلَمَةَ، أَنَّهَا رَأَتْ زَيْنَبَ بِنْتَ جَحْشٍ الَّتِي كَانَتْ تَحْتَ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ وَكَانَتْ تُسْتَحَاضُ فَكَانَتْ تَغْتَسِلُ وَتُصَلِّي.


( مَالِكٍ عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَائِشَةَ زَوْجِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهَا قَالَتْ قَالَتْ فَاطِمَةُ بِنْتُ أَبِي حُبَيْشٍ) بضم الحاء المهملة وفتح الموحدة وسكون التحتية ومعجمة واسمه قيس بن عبد المطلب بن أسد بن عبد العزى بن قصي القرشية الأسدية وهي غير فاطمة بنت قيس القرشية الفهرية التي طلقت ثلاثًا خلافًا لظن بعضهم أنها هي والصواب أنها غيرها كما نبه عليه في الفتح.

( يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنِّي لَا أَطْهُرُ) قال الباجي: أي لا ينقطع عني الدم.
وفي رواية أبي معاوية عن هشام إني امرأة أستحاض فلا أطهر.
قال الحافظ: ففيه بيان السبب وكان عندها أن طهارة الحائض لا تعرف إلا بانقطاع الدم فكنت بعدم الطهر عن إرساله، وكانت قد علمت أن الحائض لا تصلي فظنت أن ذلك الحكم مقترن بجريان الدم من الفرج فأرادت تحقيق ذلك فقالت ( أَفَأَدَعُ الصَّلَاةَ) أي أتركها والعطف على مقدر بعد الهمزة لأن لها صدر الكلام أي أيكون لي حكم الحائض فأترك الصلاة أو أن الاستفهام ليس للنفي بل للتقرير فزالت صدريتها، لكن ينافي هذا أن التقريري حمل المخاطب على الاعتراف بأمر استقر عنده فيؤكد، ويقتضي أيضًا أن يكون عالمًا وهي هنا ليست عالمة بالحكم.
قال الكرماني: أو الهمزة مقحمة أو توسطها جائز بين المعطوفين إذا كان عطف جملة على جملة لعدم انسحاب حكم الأول على الثاني.

( فَقَالَ لَهَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:) زاد في رواية أبي معاوية لا أي لا تدعيها ( إِنَّمَا ذَلِكِ) بكسر الكاف ( عِرْقٌ) بكسر العين يسمى بالعاذل بمهملة وذال معجمة مكسورة ( وَلَيْسَتْ بِالْحَيْضَةِ) بفتح الحاء كما نقله الخطابي عن أكثر المحدثين أو كلهم وإن كان قد اختار هو الكسر على إرادة الحالة، لكن الفتح هنا أظهر أي الحيض.

وقال النووي: هو متعين أو قريب من المتعين لأنه صلى الله عليه وسلم أراد إثبات الاستحاضة ونفي الحيض قال: وأما ما يقع في كتب الفقه إنما ذلك عرق انقطع أو انفجر فهي زيادة لا تعرف في الحديث وإن كان لها معنى.

( فَإِذَا أَقْبَلَتِ الْحَيْضَةُ) قال النووي: يجوز هنا الكسر والفتح جوازًا حسنًا: قال الحافظ: والذي في روايتنا بفتح الحاء في الموضعين ( فَاتْرُكِي الصَّلَاةَ) تضمن نهي الحائض عن الصلاة وهو للتحريم، ويقتضي فساد الصلاة بالإجماع وكان بعض السلف يرى للحائض الغسل ويأمرها أن تتوضأ وقت الصلاة وتذكر الله مستقبلة القبلة قاله عقبة بن عامر.
وقال مكحول: كان ذلك من هدي نساء المسلمين.
وقال معمر: بلغني أن الحائض كانت تؤمر بذلك عند كل صلاة واستحسن ذلك عطاء قال ابن عبد البر: وهذا أمر متروك.
قال أبو قلابة: سألنا عنه فلم نجد له أصلاً وجماعة الفقهاء يكرهونه.

( فَإِذَا ذَهَبَ قَدْرُهَا) أي قدر الحيضة على ما قدره الشرع أو على ما تراه المرأة باجتهادها أو على ما تقدم من عادتها في حيضتها احتمالات للباجي، وفي رواية أبي معاوية: وإذا أدبرت أي الحيضة ( فَاغْسِلِي الدَّمَ عَنْكِ وَصَلِّي) أي بعد الاغتسال كما صرح به في رواية أبي أسامة عن هشام عند البخاري بلفظ: ثم اغتسلي وصلي ولم يذكر غسل الدم.
وهذا الاختلاف واقع بين أصحاب هشام، منهم من ذكر غسل الدم، ومنهم من ذكر الاغتسال دون غسل الدم وكلهم ثقات وأحاديثهم في الصحيحين، فيحمل على أن كل فريق اختصر أحد الأمرين لوضوحه عنده، وفيه اختلاف آخر وهو أن أبا معاوية زاد في آخره ثم توضئي لكل صلاة ولم ينفرد بذلك، فقد رواه النسائي من طريق حماد بن زيد عن هشام وادعى أن حمادًا انفرد بهذه الزيادة، وإليه أومئ مسلم وليس كذلك، فقد رواها الدارمي من طريق حماد بن سلمة والسراج من طريق يحيى بن سليم كلاهما عن هشام.

وفي الحديث دلالة على أن المرأة إذا ميزت دم الحيض من دم الاستحاضة تعتبر دم الحيض وتعمل على إقباله وإدباره فإذا انقضى قدره اغتسلت منه، ثم صار حكم دم الاستحاضة حكم الحدث فتتوضأ لكل صلاة لكنها لا تصلي بذلك الوضوء أكثر من فريضة واحدة مؤداة أو مقضية لظاهر قوله: ثم توضئي لكل صلاة، وبهذا قال الجمهور.

وعند الحنفية أن الوضوء يتعلق بوقت الصلاة فلها أن تصلي به الفريضة الحاضرة وما شاءت من الفوائت ما لم يخرج وقت الحاضرة وعلى قولهم المراد بقوله توضئي لكل صلاة أي لوقت كل صلاة ففيه مجاز الحذف ويحتاج إلى دليل.

وعند المالكية يستحب لها الوضوء لكل صلاة ولا يجب إلا بحدث آخر.
وقال أحمد وإسحاق: إن اغتسلت لكل صلاة فهو أحوط ذكره في الفتح.

وقال ابن عبد البر: ليس في حديث مالك هذا ذكر الوضوء لكل صلاة على المستحاضة وذكر في حديث غيره، فلذا كان مالك يستحبه لها ولا يوجبه كما لا يوجبه على صاحب التسلسل.

وأخرجه البخاري عن عبد الله بن يوسف، وأبو داود عن القعنبي والترمذي والنسائي عن قتيبة الثلاثة عن مالك به.
وله في الصحيحين وغيرهما طرق عن هشام.

( مَالِكٍ عَنْ نَافِعٍ عَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ يَسَارٍ عَنْ أُمِّ سَلَمَةَ زَوْجِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ) قال ابن عبد البر: هكذا رواه مالك وأيوب ورواه الليث بن سعد وصخر بن جويرية وعبيد الله بن عمر عن نافع عن سليمان بن يسار أن رجلاً أخبره عن أم سلمة فأدخلوا بينها وبين سليمان رجلاً.

وقال النووي في الخلاصة: حديث صحيح رواه مالك والشافعي وأحمد وأبو داود والنسائي بأسانيد على شرط البخاري ومسلم انتهى.
فلم يعرج على دعوى الانقطاع، ونازعه ابن عبد البر بأنهما حديثان متغايران إذ قد يمكن أن سليمان سمعه من رجل عن أم سلمة ثم سمعه منها فحدث به على الوجهين.

( أَنَّ امْرَأَةً) قال أيوب السختياني: هي فاطمة بنت أبي حبيش ( كَانَتْ تُهَرَاقُ) بضم التاء وفتح الهاء ( الدِّمَاءَ) بالنصب.
قال الباجي: يريد أنها من كثرة الدم بها كأنها كانت تهريقه.
وقال ابن الأثير: جاء الحديث على ما لم يسم فاعله أي تهراق هي الدماء منصوب على التمييز وإن كان معرفة وله نظائر أي كقوله تعالى { { سَفِهَ نَفْسَهُ } } وهو مطرد عند الكوفيين وشاذ عند البصريين أو أجرى تهراق مجرى نفست المرأة غلامًا ونتج الفرس مهرًا.
قال: ويجوز الرفع بتقدير تهراق دماؤها وأل بدل من الإضافة كقوله: { { أَوْ يَعْفُوَ الَّذِي بِيَدِهِ عُقْدَةُ النِّكَاحِ } } أي عقدة نكاحه ونكاحها قال: والهاء في هراق بدل من همزة أراق يقال أراق الماء يريقه وهراقه يهريقه بفتح الهاء هراقة.

وقال أبو حيان في شرح التسهيل: أجاز بعض المتأخرين تشبيه الفعل اللازم بالمتعدي كما شبه وصفه باسم الفاعل المتعدي مستدلاً بحديث تهراق الدماء ومنعه الشلوبين وقال: لا يكون ذلك إلا في الصفات وتأول الحديث على أنه على إسقاط حرف الجر أي بالدماء أو على إضمار فاعل أي يهريق الله الدماء منها.

قال أبو حيان: وهذا هو الصحيح إذ لم يثبت ذلك من لسان العرب.

( فِي عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَاسْتَفْتَتْ لَهَا أُمُّ سَلَمَةَ) بأمرها إياها بذلك ففي رواية الدارقطني أن فاطمة بنت أبي حبيش استحيضت حتى كان المركن ينقل من تحتها وأعلاه الدم قال فأمرت أم سلمة أن تسأل لها ( رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ) كذا في هذه الرواية وفي حديث عائشة السابق أن فاطمة هي السائلة ولأبي داود عن عروة كذلك عن فاطمة نفسها أنها قالت: سألت رسول الله وفي حديث آخر أن أسماء بنت عميس سألت لها.

قال الحافظ ولي الدين العراقي: ولعل الجمع بينها أن فاطمة سألت كلاً من أم سلمة وأسماء أن تسأل لها فسألتا مجتمعتين أو سألت كل واحدة منهما مع عدم علمها بسؤال الأخرى وصح إطلاق السؤال على فاطمة باعتبار أمرها بالسؤال وأنها حضرت معهما فلما بدأتا بالكلام تكلمت هي حينئذ انتهى.

وهو مبني على تسليم أن هذه المرأة المبهمة فاطمة وقد قال ابن عبد البر: قال أيوب السختياني: هذه المرأة هي فاطمة المذكورة في الحديث الأول وهو عندنا حديث آخر وكذا جعله ابن حنبل حديثًا غير الأول فإنه في امرأة عرفت إقبال حيضتها وإدبارها وهذا الحديث في امرأة كان لها أيام معروفة فزادها الدم وأطبق عليها فلم تميزها فأمرها صلى الله عليه وسلم أن تترك الصلاة قدر أيامها من الشهر.

( فَقَالَ: لِتَنْظُرْ إِلَى عَدَدِ اللَّيَالِي وَالْأَيَّامِ الَّتِي كَانَتْ تَحِيضُهُنَّ مِنَ الشَّهْرِ قَبْلَ أَنْ يُصِيبَهَا الَّذِي أَصَابَهَا فَلْتَتْرُكِ الصَّلَاةَ) والصوم ونحوهما ( قَدْرَ ذَلِكَ مِنَ الشَّهْرِ) وأجاب ابن العراقي: بأنه إن صح أن المبهمة فاطمة فلعلها كانت لها أحوال كانت في بعضها مميزة وفي بعضها ليست مميزة، وجاء الجواب لها باعتبار حالتيها قال: وفيه تصريح بأنها لم تكن مبتدأة بل كانت لها عادة تعرفها وليس فيه بيان كونها مميزة أم لا فاحتج به من قال إن المستحاضة المعتادة ترد لعادتها ميزت أم لا وافق تمييزها عادتها أو خالفها وهو مذهب أبي حنيفة وأحد قولي الشافعي وأشهر الروايتين عن أحمد وهو مأخوذ من قاعدة ترك الاستفصال فإنه صلى الله عليه وسلم لم يسألها هل هي مميزة أم لا وأصح قولي الشافعي وهو مذهب مالك أنها إنما ترد لعادتها إذا لم تكن مميزة وإلا ردت إلى تمييزها ويدل له قوله في حديث فاطمة بنت أبي حبيش: إذا كان دم الحيض فإنه دم أسود يعرف رواه أبو داود.

وأجابوا عن هذا الحديث باحتمال أنه صلى الله عليه وسلم علم أنها غير مميزة فحكم عليها بذلك والذي اضطرهم إلى حمله على ذلك معارضة الحديث الآخر له والجمع بين الدليلين ولو من وجه أولى من طرح أحدهما، ومتى ردت إلى العادة مطلقًا ألغي الحديث الآخر بالكلية.

( فَإِذَا خَلَّفَتْ ذَلِكَ) بفتح المعجمة واللام الثقيلة والفاء أي تركت أيام الحيض الذي كانت تعهده وراءها ( فَلْتَغْتَسِلْ ثُمَّ لِتَسْتَثْفِرْ) بفتح الفوقية وإسكان السين المهملة وفتح الفوقية وإسكان المثلثة وكسر الفاء أي تشد فرجها ( بِثَوْبٍ) خرقة عريضة بعد أن تحتشي قطنًا وتوثق طرفي الخرقة في شيء تشده على وسطها فيمنع بذلك سيل الدم مأخوذ من ثفر الدابة بفتح الفاء الذي يجعل تحت ذنبها وقيل مأخوذ من الثفر بإسكان الفاء وهو الفرج وإن كان أصله للسباع فاستعير لغيرها قال أبو عبد الملك: رواه الأكثر عن مالك بمثلثة ورواه مطرف عنه لتستذفر بذال معجمة بدلها أي تجفف الدم بالخرقة.

( ثُمَّ لِتُصَلِّي) بإثبات الياء للإشباع كقوله تعالى { { إِنَّهُ مَن يَتَّقِ وَيِصْبِرْ } } كذا قاله الشيخ ولي الدين العراقي لا يقال فيه نظر لأنه أمر لأنثى لأنا نقول هو ليس خطابًا وإنما هو مسند لضمير الغائب أي لتصلي هي فكان الواجب حذف الياء للام الأمر فجيء بها للإشباع فحذف الجازم ياء العلة والموجودة إشباع وفيه أن حكم المستحاضة حكم الطاهرة في الصلاة وغيرها كصيام واعتكاف وقراءة ومس مصحف وحمله وسجود تلاوة وسائر العبادات، وهذا أمر مجمع عليه، وإنما اختلف في إباحة وطئها والجمهور على الجواز.
وقد استدل الشافعي بالأمر بالصلاة على جواز الوطء قال: لأن الله أمر باعتزالها حائضًا وأذن في إتيانها طاهرًا، فلما حكم صلى الله عليه وسلم للمستحاضة بحكم الطاهر في أن تغتسل وتصلي دل ذلك على جواز وطئها.

وفي البخاري عن ابن عباس: ويأتيها زوجها إذا صلت الصلاة أعظم وفيه أن العادة في الحيض تثبت بمرة لأنه صلى الله عليه وسلم ردها إلى الشهر الذي يلي شهر الاستحاضة وهو الأصح عند المالكية والشافعية ولا يرد أنه قال: كانت تحيضهن لأن الصحيح في الأصول أن كان لا تدل على تكرر الفعل ولا دوامه.

وهذا الحديث أخرجه أبو داود عن عبد الله بن سلمة والنسائي عن قتيبة بن سعيد كلاهما عن مالك به وتابعه أيوب السختياني عن أبي داود وعبيد الله بن عمر عند ابن ماجه كلاهما عن نافع به.

والنسائي من طرق عن أبي أسامة عن عبيد الله عن نافع عن سليمان بن يسار عن أم سلمة سألت امرأة رسول الله صلى الله عليه وسلم فذكره.

وأخرجه أبو داود من طريق أنس بن عياض عن عبيد الله عن نافع عن سليمان عن رجل من الأنصار أن امرأة إلخ فاختلف على عبيد الله في إسناده.

( مَالِكٍ عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ عَنْ أَبِيهِ عَنْ زَيْنَبَ بِنْتِ أَبِي سَلَمَةَ) عبد الله بن عبد الأسد المخزومية ربيبة النبي صلى الله عليه وسلم ( أَنَّهَا رَأَتْ زَيْنَبَ بِنْتَ جَحْشٍ) قال عياض: اختلف أصحاب الموطأ في هذا فأكثرهم يقولون زينب وكثير منهم يقول ابنة جحش وهذا هو الصواب ويبين الوهم فيه قوله ( الَّتِي كَانَتْ تَحْتَ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ) وزينب هي أم المؤمنين لم يتزوجها عبد الرحمن قط وإنما تزوجها أولاً زيد بن حارثة ثم تزوجها النبي صلى الله عليه وسلم والتي كانت تحت عبد الرحمن هي أم حبيبة.

وقال ابن عبد البر: قيل إن بنات جحش الثلاثة زينب وأم حبيبة وحمنة زوج طلحة بن عبيد الله كن يستحضن كلهن وقيل لم يستحض منهن إلا أم حبيبة.

وذكر القاضي يونس بن مغيث في كتابه الموعب شرح الموطأ مثل هذا، وذكر أن كل واحدة منهن اسمها زينب ولقب إحداهن حمنة، وإذا كان كذلك فقد سلم مالك من الخطأ في تسمية أم حبيبة زينب وقد ذكر البخاري من حديث عائشة أن امرأة من أزواجه صلى الله عليه وسلم كانت تستحاض، وفي رواية أن بعض أمهات المؤمنين، وفي أخرى أن النبي صلى الله عليه وسلم اعتكف معه بعض نسائه وهي مستحاضة انتهى كلام عياض.

وفي فتح الباري قيل حديث الموطأ هذا وهم.
وقيل صواب وأن اسمها زينب وكنيتها أم حبيبة بإثبات الهاء على المشهور في الروايات الصحيحة خلافًا للواقدي وتبعه إبراهيم الحربي الصحيح أم حبيب بلا هاء واسمها حبيبة وإن رجحه الدارقطني قال: وأما أختها أم المؤمنين فلم يكن اسمها الأصلي زينب وإنما كان اسمها برة فغيره النبي صلى الله عليه وسلم.

وفي أسباب النزول للواحدي إنما كان اسمها زينب بعد أن تزوجها النبي صلى الله عليه وسلم فلعله سماها باسم أختها لأن أختها غلبت عليها الكنية فأين اللبس؟ قال: أعني الحافظ ولم ينفرد الموطأ بتسمية أم حبيبة زينب بل وافقه يحيى بن أبي كثير أخرجه أبو داود الطيالسي في مسنده انتهى.

وبه يرد قول صاحب المطالع لا يلتفت لقول من قال: إن بنات جحش اسم كل منهن زينب لأن أهل المعرفة بالأنساب لا يثبتونه، وإنما حمل عليه من قاله أن لا ينسب إلى مالك وهم كذا قال وقد علم أنه لم ينفرد به.

( وَكَانَتْ تُسْتَحَاضُ فَكَانَتْ تَغْتَسِلُ وَتُصَلِّي) وروى أبو داود من طريق سليمان بن كثير عن الزهري عن عروة عن عائشة استحيضت زينب بنت جحش فقال لها النبي صلى الله عليه وسلم: اغتسلي لكل صلاة قال الحافظ: قال شيخنا الإمام البلقيني: يحمل على أن زينب استحيضت وقتًا بخلاف أختها فإن استحاضتها دامت.

وروى الشيخان وغيرهما عن عائشة أن أم حبيبة استحيضت سبع سنين فسألت رسول الله صلى الله عليه وسلم عن ذلك فأمرها أن تغتسل فقال هذا عرق فكانت تغتسل لكل صلاة زاد مسلم والإسماعيلي: وتصلي، والأمر بالاغتسال مطلق فلا يدل على التكرار فلعلها فهمت طلب ذلك منها لقرينة فلذا كانت تغتسل لكل صلاة.

وقال الشافعي: إنما كانت تغتسل لكل صلاة تطوعًا وكذا قال الليث بن سعد لم يذكر ابن شهاب أنه صلى الله عليه وسلم أمرها أن تغتسل لكل صلاة وإنما هو شيء فعلته رواه مسلم، وإلى هذا ذهب الجمهور قالوا: لا يجب على المستحاضة الغسل لكل صلاة إلا المتحيرة لكن يجب عليها الوضوء، ويؤيده ما رواه أبو داود من طريق عكرمة أن أم حبيبة استحيضت فأمرها رسول الله صلى الله عليه وسلم أن تنتظر أيام إقرائها ثم تغتسل وتصلي فإن رأت شيئًا من ذلك توضأت وصلت، واستدل المهلب بقوله لها هذا عرق على أنه لم يوجب عليها الغسل لكل صلاة لأن دم العرق لا يوجب غسلاً.

وأما ما عند أبي داود من طريق سليمان بن كثير وابن إسحاق عن الزهري في هذا الحديث فأمرها بالغسل لكل صلاة فقد طعن الحفاظ في هذه الزيادة بأن الأثبات من أصحاب الزهري لم يذكروها، وقد صرح الليث بأن الزهري لم يذكرها كما في مسلم، لكن روى أبو داود من طريق يحيى بن أبي كثير عن أبي سلمة بن عبد الرحمن عن زينب بنت أبي سلمة في هذه القصة فأمرها أن تغتسل عند كل صلاة، فيحمل الأمر على الندب جمعًا بين الروايتين هذه ورواية عكرمة.

وقال الطحاوي: حديث أم حبيبة منسوخ بحديث فاطمة بنت أبي حبيش أي لأن فيه الأمر بالوضوء لكل صلاة لا الغسل والجمع بين الحديثين بحمل الأمر في حديث أم حبيبة على الندب أولى انتهى.

( مَالِكٍ عَنْ سُمَيٍّ) بضم السين المهملة مصغر ( مَوْلَى أَبِي بَكْرِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ) بن الحارث بن هشام ثقة روى له الجميع مات مقتولاً سنة ثلاثين ومائة ( أَنَّ الْقَعْقَاعَ) بقافين مفتوحتين بينهما عين ساكنة ثم ألف فعين ( بْنَ حَكِيمٍ) الكناني المدني تابعي وثقه أحمد ويحيى وغيرهما وروى له مسلم والأربعة ( وَزَيْدَ بْنَ أَسْلَمَ أَرْسَلَاهُ إِلَى سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ يَسْأَلُهُ كَيْفَ تَغْتَسِلُ الْمُسْتَحَاضَةُ؟ فَقَالَ: تَغْتَسِلُ مِنْ طُهْرٍ إِلَى طُهْرٍ) .

قال ابن سيد الناس: اختلف فيه فمنهم من رواه بالطاء المهملة ومنهم من رواه بالظاء المعجمة أي من وقت صلاة الظهر إلى وقت صلاة الظهر.

قال ابن العراقي: وفيه نظر فالمروي إنما هو الإعجام وأما الإهمال فليس رواية مجزومًا بها، فقد قال أبو داود قال مالك: إني لأظن حديث ابن المسيب من طهر إلى طهر أي بالإهمال فيهما، ولكن الوهم دخل فيه.
قال أبو داود: ورواه مسور بن عبد الملك من طهر إلى طهر أي بالإهمال فقلبها الناس.

وقال ابن عبد البر قال مالك: ما أرى الذي حدثني به من ظهر إلا قد وهم قال أبو عمر: ليس ذلك بوهم لأنه صحيح عن سعيد معروف من مذهبه، وقد رواه كذلك السفيانان عن سمي به بالإعجام ولم ينفرد به سمي ولا القعقاع، فقد رواه وكيع عن سعيد بن أبي عروبة عن قتادة عن ابن المسيب مثله بالإعجام وأخرجه ابن أبي شيبة.

وقال الخطابي: ما أحسن ما قال مالك وما أشبهه بما ظن لأنه لا معنى للاغتسال في وقت صلاة الظهر إلى مثلها من الغد ولا أعلمه قولاً لأحد، وإنما هو من طهر إلى طهر وقت انقطاع الحيض، وتعقبه ابن العربي بأن له معنى لأنه إذا سقط لأجل المشقة اغتسالها لكل صلاة فلا أقل من الاغتسال مرة في كل يوم عند الظهر في وقت دفء النهار وذلك للتنظيف انتهى.

قال ابن العراقي: وقوله لا أعلمه قولاً لأحد فيه نظر لأن أبا داود نقله عن جماعة من الصحابة والتابعين، ولعل الخطابي يرى أنه حرف النقل عنهم كما حرف عن ابن المسيب، لكن برد دعوى التحريف ورود مثله عن عائشة بلفظ تغتسل كل يوم، وفي رواية عنها تغتسل عند الظهر.
حكاهما أبو داود وكذا رواه ابن أبي شيبة عن الحسن البصري بلفظ تغتسل من صلاة الظهر إلى مثلها من الغد انتهى.

( وَتَتَوَضَّأُ لِكُلِّ صَلَاةٍ) وجوبًا عند الجمهور واستحبابًا عند مالك ( فَإِنْ غَلَبَهَا الدَّمُ اسْتَثْفَرَتْ) هكذا رواية مالك في الموطأ وكذا الشافعي عنه بالمثلثة بين الفوقية والفاء، ورواه أبو داود عن القعنبي عن مالك بلفظ: استذفرت بثوب بذال معجمة بدل المثلثة فقيل إنه مثل الاستثفار قلبت الثاء ذالاً وهو الثفر والذفر، وقيل معناه فلتستعمل طيبًا تزيل به هذا الشيء عنها.
والذفر: بفتح المعجمة والفاء كل رائحة ذكية من طيب أو نتن وسمي الثوب طيبًا لقيامه مقامه في إزالة الرائحة وإن روي بالدال المهملة فمعناه تدفع عن نفسها الذفر بإسكان الفاء وهو الرائحة الكريهة.

فإن قيل: سئل ابن المسيب عن كيفية اغتسال المستحاضة؟ فأجاب: بذكر وقته.

قلت: وفيه من جملة صفاته وهيئاته وكيفية اغتسالها لا تخالف كيفية اغتسال غيرها، وإنما تخالف غيرها في الوقت فأجاب بذكر ما خالفت فيه غيرها أو أنه فهم من السائل استبعاد اغتسالها مع جريان الدم منها، فأجابه بأن جريانه منها لا يمنع من اغتسالها في وقته وهو وقت صلاة الظهر عنده، وغايته أنه إذا قوي عليها الدم وغلبها استثفرت ذكره العلامة الولي بن العراقي.

( مَالِكٍ عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ عَنْ أَبِيهِ أَنَّهُ قَالَ: لَيْسَ عَلَى الْمُسْتَحَاضَةِ إِلَّا أَنْ تَغْتَسِلَ) عند انقضاء المدة التي كانت تحيض فيها قبل الاستحاضة ( غُسْلًا وَاحِدًا) لأنه الذي أمر به النبي صلى الله عليه وسلم أم حبيبة وأحاديث أمرها به لكل صلاة روي من وجوه كلها ضعيفة كما صرح به ابن عبد البر والبيهقي وغيرهما، وأما فعلها هي ذلك فمن عند نفسها كما قاله الزهري والليث والشافعي وغيرهم فلا حجة فيها لمن ذهب إلى أنه يجب عليها الاغتسال لكل صلاة خلافًا لابن حزم حيث صححها، وزعم أنه قال بها جماعة من الصحابة فقد رده عليه الولي العراقي.

( ثُمَّ تَتَوَضَّأُ بَعْدَ ذَلِكَ لِكُلِّ صَلَاةٍ) وجوبًا عند الجمهور واستحبابًا عند مالك محتجًا لعدم الوجوب بقوله ذلك عرق والعرق لا يجب منه الوضوء.

( قَالَ مَالِكٌ: الْأَمْرُ عِنْدَنَا أَنَّ الْمُسْتَحَاضَةَ إِذَا صَلَّتْ أَنَّ لِزَوْجِهَا أَنْ يُصِيبَهَا) وبه قال جمهور العلماء وفي البخاري عن ابن عباس ويأتيها زوجها إذا صلت الصلاة أعظم قال مالك: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم إنما ذلك عرق وليس بالحيضة فإذا لم تكن حيضة فما يمنعه أن يصيبها وهي تصلي.
وقال سليمان بن يسار والزهري والنخعي وابن سيرين وطائفة لا يصيبها.
وروي عن عائشة، وقال أحمد: أحب إلي أن لا يطأ إلا أن يطول.

( وَكَذَا النُّفَسَاءُ إِذَا بَلَغَتْ أَقْصَى مَا يُمْسِكُ النِّسَاءَ) بالنصب مفعول فاعله ( الدَّمُ) أي لا يصيبها وأقصاه عند مالك وبه أخذ أصحابه شهران ستون يومًا وقال أكثر العلماء: أربعون يومًا وقيل غير ذلك ( فَإِنْ رَأَتِ الدَّمَ بَعْدَ ذَلِكَ فَإِنَّهُ يُصِيبُهَا زَوْجُهَا وَإِنَّمَا هِيَ بِمَنْزِلَةِ الْمُسْتَحَاضَةِ) وقد علم إجماع أهل المدينة على جواز إصابته لها.

( قَالَ مَالِكٌ: الْأَمْرُ عِنْدَنَا فِي الْمُسْتَحَاضَةِ عَلَى حَدِيثِ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ عَنْ أَبِيهِ) عن عائشة المتقدم أولاً ( وَهُوَ أَحَبُّ مَا سَمِعْتُ إِلَيَّ فِي ذَلِكَ) قال ابن منده في صحيحه بعد إخراجه من طريق مالك: هذا إسناد مجمع على صحته، وقال الأصيلي: هو أصح حديث جاء في المستحاضة.
وقال أحمد بن حنبل: في الحيض ثلاثة أحاديث حديثان ليس في نفسي منهما شيء حديث عائشة في قصة فاطمة بنت أبي حبيش وحديث أم سلمة، والثالث في قلبي منه شيء وهو حديث حمنة بنت جحش.
قال أبو داود: وما عدا هذه الثلاثة أحاديث ففيها اختلاف واضطراب.

وعد في فتح الباري المستحاضات من الصحابيات في زمن النبي صلى الله عليه وسلم عشرًا.
بنات جحش الثلاثة على ما تقدم، وفاطمة بنت أبي حبيش المتقدمة، وسودة بنت زمعة وحديثها عند أبي داود معلقًا وابن خزيمة موصولاً، وأم سلمة وحديثها في سنن سعيد بن منصور، وأسماء بنت عميس رواه الدارقطني وهو في أبي داود لكن على التردد هل هو عنها أو عن فاطمة بنت أبي حبيش، وسهلة بنت سهيل ذكرها أبو داود أيضًا، وأسماء بنت مرثد ذكرها البيهقي وغيره، وبادية بنت غيلان ذكرها ابن منده.

وروى البيهقي والإسماعيلي أن زينب ابنة أم سلمة استحيضت لكن الحديث في أبي داود من حكاية زينب عن غيرها وهو أشبه فإنها كانت في زمنه صلى الله عليه وسلم صغيرة لأنه دخل على أمها في السنة الثالثة، وزينب ترضع وقد كملن عشرًا بحذف زينب بنت أبي سلمة انتهى.

ونظم السيوطي في قلائد الفوائد تسعًا فقال:

قد استحيضت في زمان المصطفى
تسع نساء قد رواها الراويه

بنت جحش سودة فاطمة
زينب أسما سهلة وباديه

فعد بنت أبي سلمة وأسقط أم سلمة وأسماء بنت عميس أو بنت مرثد لأن النظم فيه أسماء واحدة وهما اثنتان فلو قال:

قد استحيضت في زمان المصطفى
بنات جحش سهلة وباديه

وهند أسما سودة فاطمة
وبنت مرثد رواها الراويه

لوفى بالعشرة وسلم من عد زينب ابنة أم سلمة واسمها هند، والله أعلم.



رقم الحديث 137 وَحَدَّثَنِي عَنْ مَالِكٍ، عَنْ سُمَيٍّ مَوْلَى أَبِي بَكْرِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ أَنَّ الْقَعْقَاعَ بْنَ حَكِيمٍ وَزَيْدَ بْنَ أَسْلَمَ أَرْسَلَاهُ إِلَى سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ، يَسْأَلُهُ كَيْفَ تَغْتَسِلُ الْمُسْتَحَاضَةُ؟ فَقَالَ: تَغْتَسِلُ مِنْ طُهْرٍ إِلَى طُهْرٍ، وَتَتَوَضَّأُ لِكُلِّ صَلَاةٍ، فَإِنْ غَلَبَهَا الدَّمُ اسْتَثْفَرَتْ.


( مَالِكٍ عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَائِشَةَ زَوْجِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهَا قَالَتْ قَالَتْ فَاطِمَةُ بِنْتُ أَبِي حُبَيْشٍ) بضم الحاء المهملة وفتح الموحدة وسكون التحتية ومعجمة واسمه قيس بن عبد المطلب بن أسد بن عبد العزى بن قصي القرشية الأسدية وهي غير فاطمة بنت قيس القرشية الفهرية التي طلقت ثلاثًا خلافًا لظن بعضهم أنها هي والصواب أنها غيرها كما نبه عليه في الفتح.

( يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنِّي لَا أَطْهُرُ) قال الباجي: أي لا ينقطع عني الدم.
وفي رواية أبي معاوية عن هشام إني امرأة أستحاض فلا أطهر.
قال الحافظ: ففيه بيان السبب وكان عندها أن طهارة الحائض لا تعرف إلا بانقطاع الدم فكنت بعدم الطهر عن إرساله، وكانت قد علمت أن الحائض لا تصلي فظنت أن ذلك الحكم مقترن بجريان الدم من الفرج فأرادت تحقيق ذلك فقالت ( أَفَأَدَعُ الصَّلَاةَ) أي أتركها والعطف على مقدر بعد الهمزة لأن لها صدر الكلام أي أيكون لي حكم الحائض فأترك الصلاة أو أن الاستفهام ليس للنفي بل للتقرير فزالت صدريتها، لكن ينافي هذا أن التقريري حمل المخاطب على الاعتراف بأمر استقر عنده فيؤكد، ويقتضي أيضًا أن يكون عالمًا وهي هنا ليست عالمة بالحكم.
قال الكرماني: أو الهمزة مقحمة أو توسطها جائز بين المعطوفين إذا كان عطف جملة على جملة لعدم انسحاب حكم الأول على الثاني.

( فَقَالَ لَهَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:) زاد في رواية أبي معاوية لا أي لا تدعيها ( إِنَّمَا ذَلِكِ) بكسر الكاف ( عِرْقٌ) بكسر العين يسمى بالعاذل بمهملة وذال معجمة مكسورة ( وَلَيْسَتْ بِالْحَيْضَةِ) بفتح الحاء كما نقله الخطابي عن أكثر المحدثين أو كلهم وإن كان قد اختار هو الكسر على إرادة الحالة، لكن الفتح هنا أظهر أي الحيض.

وقال النووي: هو متعين أو قريب من المتعين لأنه صلى الله عليه وسلم أراد إثبات الاستحاضة ونفي الحيض قال: وأما ما يقع في كتب الفقه إنما ذلك عرق انقطع أو انفجر فهي زيادة لا تعرف في الحديث وإن كان لها معنى.

( فَإِذَا أَقْبَلَتِ الْحَيْضَةُ) قال النووي: يجوز هنا الكسر والفتح جوازًا حسنًا: قال الحافظ: والذي في روايتنا بفتح الحاء في الموضعين ( فَاتْرُكِي الصَّلَاةَ) تضمن نهي الحائض عن الصلاة وهو للتحريم، ويقتضي فساد الصلاة بالإجماع وكان بعض السلف يرى للحائض الغسل ويأمرها أن تتوضأ وقت الصلاة وتذكر الله مستقبلة القبلة قاله عقبة بن عامر.
وقال مكحول: كان ذلك من هدي نساء المسلمين.
وقال معمر: بلغني أن الحائض كانت تؤمر بذلك عند كل صلاة واستحسن ذلك عطاء قال ابن عبد البر: وهذا أمر متروك.
قال أبو قلابة: سألنا عنه فلم نجد له أصلاً وجماعة الفقهاء يكرهونه.

( فَإِذَا ذَهَبَ قَدْرُهَا) أي قدر الحيضة على ما قدره الشرع أو على ما تراه المرأة باجتهادها أو على ما تقدم من عادتها في حيضتها احتمالات للباجي، وفي رواية أبي معاوية: وإذا أدبرت أي الحيضة ( فَاغْسِلِي الدَّمَ عَنْكِ وَصَلِّي) أي بعد الاغتسال كما صرح به في رواية أبي أسامة عن هشام عند البخاري بلفظ: ثم اغتسلي وصلي ولم يذكر غسل الدم.
وهذا الاختلاف واقع بين أصحاب هشام، منهم من ذكر غسل الدم، ومنهم من ذكر الاغتسال دون غسل الدم وكلهم ثقات وأحاديثهم في الصحيحين، فيحمل على أن كل فريق اختصر أحد الأمرين لوضوحه عنده، وفيه اختلاف آخر وهو أن أبا معاوية زاد في آخره ثم توضئي لكل صلاة ولم ينفرد بذلك، فقد رواه النسائي من طريق حماد بن زيد عن هشام وادعى أن حمادًا انفرد بهذه الزيادة، وإليه أومئ مسلم وليس كذلك، فقد رواها الدارمي من طريق حماد بن سلمة والسراج من طريق يحيى بن سليم كلاهما عن هشام.

وفي الحديث دلالة على أن المرأة إذا ميزت دم الحيض من دم الاستحاضة تعتبر دم الحيض وتعمل على إقباله وإدباره فإذا انقضى قدره اغتسلت منه، ثم صار حكم دم الاستحاضة حكم الحدث فتتوضأ لكل صلاة لكنها لا تصلي بذلك الوضوء أكثر من فريضة واحدة مؤداة أو مقضية لظاهر قوله: ثم توضئي لكل صلاة، وبهذا قال الجمهور.

وعند الحنفية أن الوضوء يتعلق بوقت الصلاة فلها أن تصلي به الفريضة الحاضرة وما شاءت من الفوائت ما لم يخرج وقت الحاضرة وعلى قولهم المراد بقوله توضئي لكل صلاة أي لوقت كل صلاة ففيه مجاز الحذف ويحتاج إلى دليل.

وعند المالكية يستحب لها الوضوء لكل صلاة ولا يجب إلا بحدث آخر.
وقال أحمد وإسحاق: إن اغتسلت لكل صلاة فهو أحوط ذكره في الفتح.

وقال ابن عبد البر: ليس في حديث مالك هذا ذكر الوضوء لكل صلاة على المستحاضة وذكر في حديث غيره، فلذا كان مالك يستحبه لها ولا يوجبه كما لا يوجبه على صاحب التسلسل.

وأخرجه البخاري عن عبد الله بن يوسف، وأبو داود عن القعنبي والترمذي والنسائي عن قتيبة الثلاثة عن مالك به.
وله في الصحيحين وغيرهما طرق عن هشام.

( مَالِكٍ عَنْ نَافِعٍ عَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ يَسَارٍ عَنْ أُمِّ سَلَمَةَ زَوْجِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ) قال ابن عبد البر: هكذا رواه مالك وأيوب ورواه الليث بن سعد وصخر بن جويرية وعبيد الله بن عمر عن نافع عن سليمان بن يسار أن رجلاً أخبره عن أم سلمة فأدخلوا بينها وبين سليمان رجلاً.

وقال النووي في الخلاصة: حديث صحيح رواه مالك والشافعي وأحمد وأبو داود والنسائي بأسانيد على شرط البخاري ومسلم انتهى.
فلم يعرج على دعوى الانقطاع، ونازعه ابن عبد البر بأنهما حديثان متغايران إذ قد يمكن أن سليمان سمعه من رجل عن أم سلمة ثم سمعه منها فحدث به على الوجهين.

( أَنَّ امْرَأَةً) قال أيوب السختياني: هي فاطمة بنت أبي حبيش ( كَانَتْ تُهَرَاقُ) بضم التاء وفتح الهاء ( الدِّمَاءَ) بالنصب.
قال الباجي: يريد أنها من كثرة الدم بها كأنها كانت تهريقه.
وقال ابن الأثير: جاء الحديث على ما لم يسم فاعله أي تهراق هي الدماء منصوب على التمييز وإن كان معرفة وله نظائر أي كقوله تعالى { { سَفِهَ نَفْسَهُ } } وهو مطرد عند الكوفيين وشاذ عند البصريين أو أجرى تهراق مجرى نفست المرأة غلامًا ونتج الفرس مهرًا.
قال: ويجوز الرفع بتقدير تهراق دماؤها وأل بدل من الإضافة كقوله: { { أَوْ يَعْفُوَ الَّذِي بِيَدِهِ عُقْدَةُ النِّكَاحِ } } أي عقدة نكاحه ونكاحها قال: والهاء في هراق بدل من همزة أراق يقال أراق الماء يريقه وهراقه يهريقه بفتح الهاء هراقة.

وقال أبو حيان في شرح التسهيل: أجاز بعض المتأخرين تشبيه الفعل اللازم بالمتعدي كما شبه وصفه باسم الفاعل المتعدي مستدلاً بحديث تهراق الدماء ومنعه الشلوبين وقال: لا يكون ذلك إلا في الصفات وتأول الحديث على أنه على إسقاط حرف الجر أي بالدماء أو على إضمار فاعل أي يهريق الله الدماء منها.

قال أبو حيان: وهذا هو الصحيح إذ لم يثبت ذلك من لسان العرب.

( فِي عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَاسْتَفْتَتْ لَهَا أُمُّ سَلَمَةَ) بأمرها إياها بذلك ففي رواية الدارقطني أن فاطمة بنت أبي حبيش استحيضت حتى كان المركن ينقل من تحتها وأعلاه الدم قال فأمرت أم سلمة أن تسأل لها ( رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ) كذا في هذه الرواية وفي حديث عائشة السابق أن فاطمة هي السائلة ولأبي داود عن عروة كذلك عن فاطمة نفسها أنها قالت: سألت رسول الله وفي حديث آخر أن أسماء بنت عميس سألت لها.

قال الحافظ ولي الدين العراقي: ولعل الجمع بينها أن فاطمة سألت كلاً من أم سلمة وأسماء أن تسأل لها فسألتا مجتمعتين أو سألت كل واحدة منهما مع عدم علمها بسؤال الأخرى وصح إطلاق السؤال على فاطمة باعتبار أمرها بالسؤال وأنها حضرت معهما فلما بدأتا بالكلام تكلمت هي حينئذ انتهى.

وهو مبني على تسليم أن هذه المرأة المبهمة فاطمة وقد قال ابن عبد البر: قال أيوب السختياني: هذه المرأة هي فاطمة المذكورة في الحديث الأول وهو عندنا حديث آخر وكذا جعله ابن حنبل حديثًا غير الأول فإنه في امرأة عرفت إقبال حيضتها وإدبارها وهذا الحديث في امرأة كان لها أيام معروفة فزادها الدم وأطبق عليها فلم تميزها فأمرها صلى الله عليه وسلم أن تترك الصلاة قدر أيامها من الشهر.

( فَقَالَ: لِتَنْظُرْ إِلَى عَدَدِ اللَّيَالِي وَالْأَيَّامِ الَّتِي كَانَتْ تَحِيضُهُنَّ مِنَ الشَّهْرِ قَبْلَ أَنْ يُصِيبَهَا الَّذِي أَصَابَهَا فَلْتَتْرُكِ الصَّلَاةَ) والصوم ونحوهما ( قَدْرَ ذَلِكَ مِنَ الشَّهْرِ) وأجاب ابن العراقي: بأنه إن صح أن المبهمة فاطمة فلعلها كانت لها أحوال كانت في بعضها مميزة وفي بعضها ليست مميزة، وجاء الجواب لها باعتبار حالتيها قال: وفيه تصريح بأنها لم تكن مبتدأة بل كانت لها عادة تعرفها وليس فيه بيان كونها مميزة أم لا فاحتج به من قال إن المستحاضة المعتادة ترد لعادتها ميزت أم لا وافق تمييزها عادتها أو خالفها وهو مذهب أبي حنيفة وأحد قولي الشافعي وأشهر الروايتين عن أحمد وهو مأخوذ من قاعدة ترك الاستفصال فإنه صلى الله عليه وسلم لم يسألها هل هي مميزة أم لا وأصح قولي الشافعي وهو مذهب مالك أنها إنما ترد لعادتها إذا لم تكن مميزة وإلا ردت إلى تمييزها ويدل له قوله في حديث فاطمة بنت أبي حبيش: إذا كان دم الحيض فإنه دم أسود يعرف رواه أبو داود.

وأجابوا عن هذا الحديث باحتمال أنه صلى الله عليه وسلم علم أنها غير مميزة فحكم عليها بذلك والذي اضطرهم إلى حمله على ذلك معارضة الحديث الآخر له والجمع بين الدليلين ولو من وجه أولى من طرح أحدهما، ومتى ردت إلى العادة مطلقًا ألغي الحديث الآخر بالكلية.

( فَإِذَا خَلَّفَتْ ذَلِكَ) بفتح المعجمة واللام الثقيلة والفاء أي تركت أيام الحيض الذي كانت تعهده وراءها ( فَلْتَغْتَسِلْ ثُمَّ لِتَسْتَثْفِرْ) بفتح الفوقية وإسكان السين المهملة وفتح الفوقية وإسكان المثلثة وكسر الفاء أي تشد فرجها ( بِثَوْبٍ) خرقة عريضة بعد أن تحتشي قطنًا وتوثق طرفي الخرقة في شيء تشده على وسطها فيمنع بذلك سيل الدم مأخوذ من ثفر الدابة بفتح الفاء الذي يجعل تحت ذنبها وقيل مأخوذ من الثفر بإسكان الفاء وهو الفرج وإن كان أصله للسباع فاستعير لغيرها قال أبو عبد الملك: رواه الأكثر عن مالك بمثلثة ورواه مطرف عنه لتستذفر بذال معجمة بدلها أي تجفف الدم بالخرقة.

( ثُمَّ لِتُصَلِّي) بإثبات الياء للإشباع كقوله تعالى { { إِنَّهُ مَن يَتَّقِ وَيِصْبِرْ } } كذا قاله الشيخ ولي الدين العراقي لا يقال فيه نظر لأنه أمر لأنثى لأنا نقول هو ليس خطابًا وإنما هو مسند لضمير الغائب أي لتصلي هي فكان الواجب حذف الياء للام الأمر فجيء بها للإشباع فحذف الجازم ياء العلة والموجودة إشباع وفيه أن حكم المستحاضة حكم الطاهرة في الصلاة وغيرها كصيام واعتكاف وقراءة ومس مصحف وحمله وسجود تلاوة وسائر العبادات، وهذا أمر مجمع عليه، وإنما اختلف في إباحة وطئها والجمهور على الجواز.
وقد استدل الشافعي بالأمر بالصلاة على جواز الوطء قال: لأن الله أمر باعتزالها حائضًا وأذن في إتيانها طاهرًا، فلما حكم صلى الله عليه وسلم للمستحاضة بحكم الطاهر في أن تغتسل وتصلي دل ذلك على جواز وطئها.

وفي البخاري عن ابن عباس: ويأتيها زوجها إذا صلت الصلاة أعظم وفيه أن العادة في الحيض تثبت بمرة لأنه صلى الله عليه وسلم ردها إلى الشهر الذي يلي شهر الاستحاضة وهو الأصح عند المالكية والشافعية ولا يرد أنه قال: كانت تحيضهن لأن الصحيح في الأصول أن كان لا تدل على تكرر الفعل ولا دوامه.

وهذا الحديث أخرجه أبو داود عن عبد الله بن سلمة والنسائي عن قتيبة بن سعيد كلاهما عن مالك به وتابعه أيوب السختياني عن أبي داود وعبيد الله بن عمر عند ابن ماجه كلاهما عن نافع به.

والنسائي من طرق عن أبي أسامة عن عبيد الله عن نافع عن سليمان بن يسار عن أم سلمة سألت امرأة رسول الله صلى الله عليه وسلم فذكره.

وأخرجه أبو داود من طريق أنس بن عياض عن عبيد الله عن نافع عن سليمان عن رجل من الأنصار أن امرأة إلخ فاختلف على عبيد الله في إسناده.

( مَالِكٍ عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ عَنْ أَبِيهِ عَنْ زَيْنَبَ بِنْتِ أَبِي سَلَمَةَ) عبد الله بن عبد الأسد المخزومية ربيبة النبي صلى الله عليه وسلم ( أَنَّهَا رَأَتْ زَيْنَبَ بِنْتَ جَحْشٍ) قال عياض: اختلف أصحاب الموطأ في هذا فأكثرهم يقولون زينب وكثير منهم يقول ابنة جحش وهذا هو الصواب ويبين الوهم فيه قوله ( الَّتِي كَانَتْ تَحْتَ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ) وزينب هي أم المؤمنين لم يتزوجها عبد الرحمن قط وإنما تزوجها أولاً زيد بن حارثة ثم تزوجها النبي صلى الله عليه وسلم والتي كانت تحت عبد الرحمن هي أم حبيبة.

وقال ابن عبد البر: قيل إن بنات جحش الثلاثة زينب وأم حبيبة وحمنة زوج طلحة بن عبيد الله كن يستحضن كلهن وقيل لم يستحض منهن إلا أم حبيبة.

وذكر القاضي يونس بن مغيث في كتابه الموعب شرح الموطأ مثل هذا، وذكر أن كل واحدة منهن اسمها زينب ولقب إحداهن حمنة، وإذا كان كذلك فقد سلم مالك من الخطأ في تسمية أم حبيبة زينب وقد ذكر البخاري من حديث عائشة أن امرأة من أزواجه صلى الله عليه وسلم كانت تستحاض، وفي رواية أن بعض أمهات المؤمنين، وفي أخرى أن النبي صلى الله عليه وسلم اعتكف معه بعض نسائه وهي مستحاضة انتهى كلام عياض.

وفي فتح الباري قيل حديث الموطأ هذا وهم.
وقيل صواب وأن اسمها زينب وكنيتها أم حبيبة بإثبات الهاء على المشهور في الروايات الصحيحة خلافًا للواقدي وتبعه إبراهيم الحربي الصحيح أم حبيب بلا هاء واسمها حبيبة وإن رجحه الدارقطني قال: وأما أختها أم المؤمنين فلم يكن اسمها الأصلي زينب وإنما كان اسمها برة فغيره النبي صلى الله عليه وسلم.

وفي أسباب النزول للواحدي إنما كان اسمها زينب بعد أن تزوجها النبي صلى الله عليه وسلم فلعله سماها باسم أختها لأن أختها غلبت عليها الكنية فأين اللبس؟ قال: أعني الحافظ ولم ينفرد الموطأ بتسمية أم حبيبة زينب بل وافقه يحيى بن أبي كثير أخرجه أبو داود الطيالسي في مسنده انتهى.

وبه يرد قول صاحب المطالع لا يلتفت لقول من قال: إن بنات جحش اسم كل منهن زينب لأن أهل المعرفة بالأنساب لا يثبتونه، وإنما حمل عليه من قاله أن لا ينسب إلى مالك وهم كذا قال وقد علم أنه لم ينفرد به.

( وَكَانَتْ تُسْتَحَاضُ فَكَانَتْ تَغْتَسِلُ وَتُصَلِّي) وروى أبو داود من طريق سليمان بن كثير عن الزهري عن عروة عن عائشة استحيضت زينب بنت جحش فقال لها النبي صلى الله عليه وسلم: اغتسلي لكل صلاة قال الحافظ: قال شيخنا الإمام البلقيني: يحمل على أن زينب استحيضت وقتًا بخلاف أختها فإن استحاضتها دامت.

وروى الشيخان وغيرهما عن عائشة أن أم حبيبة استحيضت سبع سنين فسألت رسول الله صلى الله عليه وسلم عن ذلك فأمرها أن تغتسل فقال هذا عرق فكانت تغتسل لكل صلاة زاد مسلم والإسماعيلي: وتصلي، والأمر بالاغتسال مطلق فلا يدل على التكرار فلعلها فهمت طلب ذلك منها لقرينة فلذا كانت تغتسل لكل صلاة.

وقال الشافعي: إنما كانت تغتسل لكل صلاة تطوعًا وكذا قال الليث بن سعد لم يذكر ابن شهاب أنه صلى الله عليه وسلم أمرها أن تغتسل لكل صلاة وإنما هو شيء فعلته رواه مسلم، وإلى هذا ذهب الجمهور قالوا: لا يجب على المستحاضة الغسل لكل صلاة إلا المتحيرة لكن يجب عليها الوضوء، ويؤيده ما رواه أبو داود من طريق عكرمة أن أم حبيبة استحيضت فأمرها رسول الله صلى الله عليه وسلم أن تنتظر أيام إقرائها ثم تغتسل وتصلي فإن رأت شيئًا من ذلك توضأت وصلت، واستدل المهلب بقوله لها هذا عرق على أنه لم يوجب عليها الغسل لكل صلاة لأن دم العرق لا يوجب غسلاً.

وأما ما عند أبي داود من طريق سليمان بن كثير وابن إسحاق عن الزهري في هذا الحديث فأمرها بالغسل لكل صلاة فقد طعن الحفاظ في هذه الزيادة بأن الأثبات من أصحاب الزهري لم يذكروها، وقد صرح الليث بأن الزهري لم يذكرها كما في مسلم، لكن روى أبو داود من طريق يحيى بن أبي كثير عن أبي سلمة بن عبد الرحمن عن زينب بنت أبي سلمة في هذه القصة فأمرها أن تغتسل عند كل صلاة، فيحمل الأمر على الندب جمعًا بين الروايتين هذه ورواية عكرمة.

وقال الطحاوي: حديث أم حبيبة منسوخ بحديث فاطمة بنت أبي حبيش أي لأن فيه الأمر بالوضوء لكل صلاة لا الغسل والجمع بين الحديثين بحمل الأمر في حديث أم حبيبة على الندب أولى انتهى.

( مَالِكٍ عَنْ سُمَيٍّ) بضم السين المهملة مصغر ( مَوْلَى أَبِي بَكْرِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ) بن الحارث بن هشام ثقة روى له الجميع مات مقتولاً سنة ثلاثين ومائة ( أَنَّ الْقَعْقَاعَ) بقافين مفتوحتين بينهما عين ساكنة ثم ألف فعين ( بْنَ حَكِيمٍ) الكناني المدني تابعي وثقه أحمد ويحيى وغيرهما وروى له مسلم والأربعة ( وَزَيْدَ بْنَ أَسْلَمَ أَرْسَلَاهُ إِلَى سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ يَسْأَلُهُ كَيْفَ تَغْتَسِلُ الْمُسْتَحَاضَةُ؟ فَقَالَ: تَغْتَسِلُ مِنْ طُهْرٍ إِلَى طُهْرٍ) .

قال ابن سيد الناس: اختلف فيه فمنهم من رواه بالطاء المهملة ومنهم من رواه بالظاء المعجمة أي من وقت صلاة الظهر إلى وقت صلاة الظهر.

قال ابن العراقي: وفيه نظر فالمروي إنما هو الإعجام وأما الإهمال فليس رواية مجزومًا بها، فقد قال أبو داود قال مالك: إني لأظن حديث ابن المسيب من طهر إلى طهر أي بالإهمال فيهما، ولكن الوهم دخل فيه.
قال أبو داود: ورواه مسور بن عبد الملك من طهر إلى طهر أي بالإهمال فقلبها الناس.

وقال ابن عبد البر قال مالك: ما أرى الذي حدثني به من ظهر إلا قد وهم قال أبو عمر: ليس ذلك بوهم لأنه صحيح عن سعيد معروف من مذهبه، وقد رواه كذلك السفيانان عن سمي به بالإعجام ولم ينفرد به سمي ولا القعقاع، فقد رواه وكيع عن سعيد بن أبي عروبة عن قتادة عن ابن المسيب مثله بالإعجام وأخرجه ابن أبي شيبة.

وقال الخطابي: ما أحسن ما قال مالك وما أشبهه بما ظن لأنه لا معنى للاغتسال في وقت صلاة الظهر إلى مثلها من الغد ولا أعلمه قولاً لأحد، وإنما هو من طهر إلى طهر وقت انقطاع الحيض، وتعقبه ابن العربي بأن له معنى لأنه إذا سقط لأجل المشقة اغتسالها لكل صلاة فلا أقل من الاغتسال مرة في كل يوم عند الظهر في وقت دفء النهار وذلك للتنظيف انتهى.

قال ابن العراقي: وقوله لا أعلمه قولاً لأحد فيه نظر لأن أبا داود نقله عن جماعة من الصحابة والتابعين، ولعل الخطابي يرى أنه حرف النقل عنهم كما حرف عن ابن المسيب، لكن برد دعوى التحريف ورود مثله عن عائشة بلفظ تغتسل كل يوم، وفي رواية عنها تغتسل عند الظهر.
حكاهما أبو داود وكذا رواه ابن أبي شيبة عن الحسن البصري بلفظ تغتسل من صلاة الظهر إلى مثلها من الغد انتهى.

( وَتَتَوَضَّأُ لِكُلِّ صَلَاةٍ) وجوبًا عند الجمهور واستحبابًا عند مالك ( فَإِنْ غَلَبَهَا الدَّمُ اسْتَثْفَرَتْ) هكذا رواية مالك في الموطأ وكذا الشافعي عنه بالمثلثة بين الفوقية والفاء، ورواه أبو داود عن القعنبي عن مالك بلفظ: استذفرت بثوب بذال معجمة بدل المثلثة فقيل إنه مثل الاستثفار قلبت الثاء ذالاً وهو الثفر والذفر، وقيل معناه فلتستعمل طيبًا تزيل به هذا الشيء عنها.
والذفر: بفتح المعجمة والفاء كل رائحة ذكية من طيب أو نتن وسمي الثوب طيبًا لقيامه مقامه في إزالة الرائحة وإن روي بالدال المهملة فمعناه تدفع عن نفسها الذفر بإسكان الفاء وهو الرائحة الكريهة.

فإن قيل: سئل ابن المسيب عن كيفية اغتسال المستحاضة؟ فأجاب: بذكر وقته.

قلت: وفيه من جملة صفاته وهيئاته وكيفية اغتسالها لا تخالف كيفية اغتسال غيرها، وإنما تخالف غيرها في الوقت فأجاب بذكر ما خالفت فيه غيرها أو أنه فهم من السائل استبعاد اغتسالها مع جريان الدم منها، فأجابه بأن جريانه منها لا يمنع من اغتسالها في وقته وهو وقت صلاة الظهر عنده، وغايته أنه إذا قوي عليها الدم وغلبها استثفرت ذكره العلامة الولي بن العراقي.

( مَالِكٍ عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ عَنْ أَبِيهِ أَنَّهُ قَالَ: لَيْسَ عَلَى الْمُسْتَحَاضَةِ إِلَّا أَنْ تَغْتَسِلَ) عند انقضاء المدة التي كانت تحيض فيها قبل الاستحاضة ( غُسْلًا وَاحِدًا) لأنه الذي أمر به النبي صلى الله عليه وسلم أم حبيبة وأحاديث أمرها به لكل صلاة روي من وجوه كلها ضعيفة كما صرح به ابن عبد البر والبيهقي وغيرهما، وأما فعلها هي ذلك فمن عند نفسها كما قاله الزهري والليث والشافعي وغيرهم فلا حجة فيها لمن ذهب إلى أنه يجب عليها الاغتسال لكل صلاة خلافًا لابن حزم حيث صححها، وزعم أنه قال بها جماعة من الصحابة فقد رده عليه الولي العراقي.

( ثُمَّ تَتَوَضَّأُ بَعْدَ ذَلِكَ لِكُلِّ صَلَاةٍ) وجوبًا عند الجمهور واستحبابًا عند مالك محتجًا لعدم الوجوب بقوله ذلك عرق والعرق لا يجب منه الوضوء.

( قَالَ مَالِكٌ: الْأَمْرُ عِنْدَنَا أَنَّ الْمُسْتَحَاضَةَ إِذَا صَلَّتْ أَنَّ لِزَوْجِهَا أَنْ يُصِيبَهَا) وبه قال جمهور العلماء وفي البخاري عن ابن عباس ويأتيها زوجها إذا صلت الصلاة أعظم قال مالك: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم إنما ذلك عرق وليس بالحيضة فإذا لم تكن حيضة فما يمنعه أن يصيبها وهي تصلي.
وقال سليمان بن يسار والزهري والنخعي وابن سيرين وطائفة لا يصيبها.
وروي عن عائشة، وقال أحمد: أحب إلي أن لا يطأ إلا أن يطول.

( وَكَذَا النُّفَسَاءُ إِذَا بَلَغَتْ أَقْصَى مَا يُمْسِكُ النِّسَاءَ) بالنصب مفعول فاعله ( الدَّمُ) أي لا يصيبها وأقصاه عند مالك وبه أخذ أصحابه شهران ستون يومًا وقال أكثر العلماء: أربعون يومًا وقيل غير ذلك ( فَإِنْ رَأَتِ الدَّمَ بَعْدَ ذَلِكَ فَإِنَّهُ يُصِيبُهَا زَوْجُهَا وَإِنَّمَا هِيَ بِمَنْزِلَةِ الْمُسْتَحَاضَةِ) وقد علم إجماع أهل المدينة على جواز إصابته لها.

( قَالَ مَالِكٌ: الْأَمْرُ عِنْدَنَا فِي الْمُسْتَحَاضَةِ عَلَى حَدِيثِ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ عَنْ أَبِيهِ) عن عائشة المتقدم أولاً ( وَهُوَ أَحَبُّ مَا سَمِعْتُ إِلَيَّ فِي ذَلِكَ) قال ابن منده في صحيحه بعد إخراجه من طريق مالك: هذا إسناد مجمع على صحته، وقال الأصيلي: هو أصح حديث جاء في المستحاضة.
وقال أحمد بن حنبل: في الحيض ثلاثة أحاديث حديثان ليس في نفسي منهما شيء حديث عائشة في قصة فاطمة بنت أبي حبيش وحديث أم سلمة، والثالث في قلبي منه شيء وهو حديث حمنة بنت جحش.
قال أبو داود: وما عدا هذه الثلاثة أحاديث ففيها اختلاف واضطراب.

وعد في فتح الباري المستحاضات من الصحابيات في زمن النبي صلى الله عليه وسلم عشرًا.
بنات جحش الثلاثة على ما تقدم، وفاطمة بنت أبي حبيش المتقدمة، وسودة بنت زمعة وحديثها عند أبي داود معلقًا وابن خزيمة موصولاً، وأم سلمة وحديثها في سنن سعيد بن منصور، وأسماء بنت عميس رواه الدارقطني وهو في أبي داود لكن على التردد هل هو عنها أو عن فاطمة بنت أبي حبيش، وسهلة بنت سهيل ذكرها أبو داود أيضًا، وأسماء بنت مرثد ذكرها البيهقي وغيره، وبادية بنت غيلان ذكرها ابن منده.

وروى البيهقي والإسماعيلي أن زينب ابنة أم سلمة استحيضت لكن الحديث في أبي داود من حكاية زينب عن غيرها وهو أشبه فإنها كانت في زمنه صلى الله عليه وسلم صغيرة لأنه دخل على أمها في السنة الثالثة، وزينب ترضع وقد كملن عشرًا بحذف زينب بنت أبي سلمة انتهى.

ونظم السيوطي في قلائد الفوائد تسعًا فقال:

قد استحيضت في زمان المصطفى
تسع نساء قد رواها الراويه

بنت جحش سودة فاطمة
زينب أسما سهلة وباديه

فعد بنت أبي سلمة وأسقط أم سلمة وأسماء بنت عميس أو بنت مرثد لأن النظم فيه أسماء واحدة وهما اثنتان فلو قال:

قد استحيضت في زمان المصطفى
بنات جحش سهلة وباديه

وهند أسما سودة فاطمة
وبنت مرثد رواها الراويه

لوفى بالعشرة وسلم من عد زينب ابنة أم سلمة واسمها هند، والله أعلم.



رقم الحديث 138 وَحَدَّثَنِي عَنْ مَالِكٍ، عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ، عَنْ أَبِيهِ، أَنَّهُ قَالَ: لَيْسَ عَلَى الْمُسْتَحَاضَةِ إِلَّا أَنْ تَغْتَسِلَ غُسْلًا وَاحِدًا، ثُمَّ تَتَوَضَّأُ بَعْدَ ذَلِكَ لِكُلِّ صَلَاةٍ قَالَ يَحْيَى: قَالَ مَالِكٌ: الْأَمْرُ عِنْدَنَا أَنَّ الْمُسْتَحَاضَةَ إِذَا صَلَّتْ، أَنَّ لِزَوْجِهَا أَنْ يُصِيبَهَا وَكَذَلِكَ النُّفَسَاءُ إِذَا بَلَغَتْ أَقْصَى مَا يُمْسِكُ النِّسَاءَ الدَّمُ، فَإِنْ رَأَتِ الدَّمَ بَعْدَ ذَلِكَ، فَإِنَّهُ يُصِيبُهَا زَوْجُهَا وَإِنَّمَا هِيَ بِمَنْزِلَةِ الْمُسْتَحَاضَةِ قَالَ يَحْيَى: قَالَ مَالِكٌ: الْأَمْرُ عِنْدَنَا فِي الْمُسْتَحَاضَةِ عَلَى حَدِيثِ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ عَنْ أَبِيهِ وَهُوَ أَحَبُّ مَا سَمِعْتُ إِلَيَّ فِي ذَلِكَ.


( مَالِكٍ عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَائِشَةَ زَوْجِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهَا قَالَتْ قَالَتْ فَاطِمَةُ بِنْتُ أَبِي حُبَيْشٍ) بضم الحاء المهملة وفتح الموحدة وسكون التحتية ومعجمة واسمه قيس بن عبد المطلب بن أسد بن عبد العزى بن قصي القرشية الأسدية وهي غير فاطمة بنت قيس القرشية الفهرية التي طلقت ثلاثًا خلافًا لظن بعضهم أنها هي والصواب أنها غيرها كما نبه عليه في الفتح.

( يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنِّي لَا أَطْهُرُ) قال الباجي: أي لا ينقطع عني الدم.
وفي رواية أبي معاوية عن هشام إني امرأة أستحاض فلا أطهر.
قال الحافظ: ففيه بيان السبب وكان عندها أن طهارة الحائض لا تعرف إلا بانقطاع الدم فكنت بعدم الطهر عن إرساله، وكانت قد علمت أن الحائض لا تصلي فظنت أن ذلك الحكم مقترن بجريان الدم من الفرج فأرادت تحقيق ذلك فقالت ( أَفَأَدَعُ الصَّلَاةَ) أي أتركها والعطف على مقدر بعد الهمزة لأن لها صدر الكلام أي أيكون لي حكم الحائض فأترك الصلاة أو أن الاستفهام ليس للنفي بل للتقرير فزالت صدريتها، لكن ينافي هذا أن التقريري حمل المخاطب على الاعتراف بأمر استقر عنده فيؤكد، ويقتضي أيضًا أن يكون عالمًا وهي هنا ليست عالمة بالحكم.
قال الكرماني: أو الهمزة مقحمة أو توسطها جائز بين المعطوفين إذا كان عطف جملة على جملة لعدم انسحاب حكم الأول على الثاني.

( فَقَالَ لَهَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:) زاد في رواية أبي معاوية لا أي لا تدعيها ( إِنَّمَا ذَلِكِ) بكسر الكاف ( عِرْقٌ) بكسر العين يسمى بالعاذل بمهملة وذال معجمة مكسورة ( وَلَيْسَتْ بِالْحَيْضَةِ) بفتح الحاء كما نقله الخطابي عن أكثر المحدثين أو كلهم وإن كان قد اختار هو الكسر على إرادة الحالة، لكن الفتح هنا أظهر أي الحيض.

وقال النووي: هو متعين أو قريب من المتعين لأنه صلى الله عليه وسلم أراد إثبات الاستحاضة ونفي الحيض قال: وأما ما يقع في كتب الفقه إنما ذلك عرق انقطع أو انفجر فهي زيادة لا تعرف في الحديث وإن كان لها معنى.

( فَإِذَا أَقْبَلَتِ الْحَيْضَةُ) قال النووي: يجوز هنا الكسر والفتح جوازًا حسنًا: قال الحافظ: والذي في روايتنا بفتح الحاء في الموضعين ( فَاتْرُكِي الصَّلَاةَ) تضمن نهي الحائض عن الصلاة وهو للتحريم، ويقتضي فساد الصلاة بالإجماع وكان بعض السلف يرى للحائض الغسل ويأمرها أن تتوضأ وقت الصلاة وتذكر الله مستقبلة القبلة قاله عقبة بن عامر.
وقال مكحول: كان ذلك من هدي نساء المسلمين.
وقال معمر: بلغني أن الحائض كانت تؤمر بذلك عند كل صلاة واستحسن ذلك عطاء قال ابن عبد البر: وهذا أمر متروك.
قال أبو قلابة: سألنا عنه فلم نجد له أصلاً وجماعة الفقهاء يكرهونه.

( فَإِذَا ذَهَبَ قَدْرُهَا) أي قدر الحيضة على ما قدره الشرع أو على ما تراه المرأة باجتهادها أو على ما تقدم من عادتها في حيضتها احتمالات للباجي، وفي رواية أبي معاوية: وإذا أدبرت أي الحيضة ( فَاغْسِلِي الدَّمَ عَنْكِ وَصَلِّي) أي بعد الاغتسال كما صرح به في رواية أبي أسامة عن هشام عند البخاري بلفظ: ثم اغتسلي وصلي ولم يذكر غسل الدم.
وهذا الاختلاف واقع بين أصحاب هشام، منهم من ذكر غسل الدم، ومنهم من ذكر الاغتسال دون غسل الدم وكلهم ثقات وأحاديثهم في الصحيحين، فيحمل على أن كل فريق اختصر أحد الأمرين لوضوحه عنده، وفيه اختلاف آخر وهو أن أبا معاوية زاد في آخره ثم توضئي لكل صلاة ولم ينفرد بذلك، فقد رواه النسائي من طريق حماد بن زيد عن هشام وادعى أن حمادًا انفرد بهذه الزيادة، وإليه أومئ مسلم وليس كذلك، فقد رواها الدارمي من طريق حماد بن سلمة والسراج من طريق يحيى بن سليم كلاهما عن هشام.

وفي الحديث دلالة على أن المرأة إذا ميزت دم الحيض من دم الاستحاضة تعتبر دم الحيض وتعمل على إقباله وإدباره فإذا انقضى قدره اغتسلت منه، ثم صار حكم دم الاستحاضة حكم الحدث فتتوضأ لكل صلاة لكنها لا تصلي بذلك الوضوء أكثر من فريضة واحدة مؤداة أو مقضية لظاهر قوله: ثم توضئي لكل صلاة، وبهذا قال الجمهور.

وعند الحنفية أن الوضوء يتعلق بوقت الصلاة فلها أن تصلي به الفريضة الحاضرة وما شاءت من الفوائت ما لم يخرج وقت الحاضرة وعلى قولهم المراد بقوله توضئي لكل صلاة أي لوقت كل صلاة ففيه مجاز الحذف ويحتاج إلى دليل.

وعند المالكية يستحب لها الوضوء لكل صلاة ولا يجب إلا بحدث آخر.
وقال أحمد وإسحاق: إن اغتسلت لكل صلاة فهو أحوط ذكره في الفتح.

وقال ابن عبد البر: ليس في حديث مالك هذا ذكر الوضوء لكل صلاة على المستحاضة وذكر في حديث غيره، فلذا كان مالك يستحبه لها ولا يوجبه كما لا يوجبه على صاحب التسلسل.

وأخرجه البخاري عن عبد الله بن يوسف، وأبو داود عن القعنبي والترمذي والنسائي عن قتيبة الثلاثة عن مالك به.
وله في الصحيحين وغيرهما طرق عن هشام.

( مَالِكٍ عَنْ نَافِعٍ عَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ يَسَارٍ عَنْ أُمِّ سَلَمَةَ زَوْجِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ) قال ابن عبد البر: هكذا رواه مالك وأيوب ورواه الليث بن سعد وصخر بن جويرية وعبيد الله بن عمر عن نافع عن سليمان بن يسار أن رجلاً أخبره عن أم سلمة فأدخلوا بينها وبين سليمان رجلاً.

وقال النووي في الخلاصة: حديث صحيح رواه مالك والشافعي وأحمد وأبو داود والنسائي بأسانيد على شرط البخاري ومسلم انتهى.
فلم يعرج على دعوى الانقطاع، ونازعه ابن عبد البر بأنهما حديثان متغايران إذ قد يمكن أن سليمان سمعه من رجل عن أم سلمة ثم سمعه منها فحدث به على الوجهين.

( أَنَّ امْرَأَةً) قال أيوب السختياني: هي فاطمة بنت أبي حبيش ( كَانَتْ تُهَرَاقُ) بضم التاء وفتح الهاء ( الدِّمَاءَ) بالنصب.
قال الباجي: يريد أنها من كثرة الدم بها كأنها كانت تهريقه.
وقال ابن الأثير: جاء الحديث على ما لم يسم فاعله أي تهراق هي الدماء منصوب على التمييز وإن كان معرفة وله نظائر أي كقوله تعالى { { سَفِهَ نَفْسَهُ } } وهو مطرد عند الكوفيين وشاذ عند البصريين أو أجرى تهراق مجرى نفست المرأة غلامًا ونتج الفرس مهرًا.
قال: ويجوز الرفع بتقدير تهراق دماؤها وأل بدل من الإضافة كقوله: { { أَوْ يَعْفُوَ الَّذِي بِيَدِهِ عُقْدَةُ النِّكَاحِ } } أي عقدة نكاحه ونكاحها قال: والهاء في هراق بدل من همزة أراق يقال أراق الماء يريقه وهراقه يهريقه بفتح الهاء هراقة.

وقال أبو حيان في شرح التسهيل: أجاز بعض المتأخرين تشبيه الفعل اللازم بالمتعدي كما شبه وصفه باسم الفاعل المتعدي مستدلاً بحديث تهراق الدماء ومنعه الشلوبين وقال: لا يكون ذلك إلا في الصفات وتأول الحديث على أنه على إسقاط حرف الجر أي بالدماء أو على إضمار فاعل أي يهريق الله الدماء منها.

قال أبو حيان: وهذا هو الصحيح إذ لم يثبت ذلك من لسان العرب.

( فِي عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَاسْتَفْتَتْ لَهَا أُمُّ سَلَمَةَ) بأمرها إياها بذلك ففي رواية الدارقطني أن فاطمة بنت أبي حبيش استحيضت حتى كان المركن ينقل من تحتها وأعلاه الدم قال فأمرت أم سلمة أن تسأل لها ( رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ) كذا في هذه الرواية وفي حديث عائشة السابق أن فاطمة هي السائلة ولأبي داود عن عروة كذلك عن فاطمة نفسها أنها قالت: سألت رسول الله وفي حديث آخر أن أسماء بنت عميس سألت لها.

قال الحافظ ولي الدين العراقي: ولعل الجمع بينها أن فاطمة سألت كلاً من أم سلمة وأسماء أن تسأل لها فسألتا مجتمعتين أو سألت كل واحدة منهما مع عدم علمها بسؤال الأخرى وصح إطلاق السؤال على فاطمة باعتبار أمرها بالسؤال وأنها حضرت معهما فلما بدأتا بالكلام تكلمت هي حينئذ انتهى.

وهو مبني على تسليم أن هذه المرأة المبهمة فاطمة وقد قال ابن عبد البر: قال أيوب السختياني: هذه المرأة هي فاطمة المذكورة في الحديث الأول وهو عندنا حديث آخر وكذا جعله ابن حنبل حديثًا غير الأول فإنه في امرأة عرفت إقبال حيضتها وإدبارها وهذا الحديث في امرأة كان لها أيام معروفة فزادها الدم وأطبق عليها فلم تميزها فأمرها صلى الله عليه وسلم أن تترك الصلاة قدر أيامها من الشهر.

( فَقَالَ: لِتَنْظُرْ إِلَى عَدَدِ اللَّيَالِي وَالْأَيَّامِ الَّتِي كَانَتْ تَحِيضُهُنَّ مِنَ الشَّهْرِ قَبْلَ أَنْ يُصِيبَهَا الَّذِي أَصَابَهَا فَلْتَتْرُكِ الصَّلَاةَ) والصوم ونحوهما ( قَدْرَ ذَلِكَ مِنَ الشَّهْرِ) وأجاب ابن العراقي: بأنه إن صح أن المبهمة فاطمة فلعلها كانت لها أحوال كانت في بعضها مميزة وفي بعضها ليست مميزة، وجاء الجواب لها باعتبار حالتيها قال: وفيه تصريح بأنها لم تكن مبتدأة بل كانت لها عادة تعرفها وليس فيه بيان كونها مميزة أم لا فاحتج به من قال إن المستحاضة المعتادة ترد لعادتها ميزت أم لا وافق تمييزها عادتها أو خالفها وهو مذهب أبي حنيفة وأحد قولي الشافعي وأشهر الروايتين عن أحمد وهو مأخوذ من قاعدة ترك الاستفصال فإنه صلى الله عليه وسلم لم يسألها هل هي مميزة أم لا وأصح قولي الشافعي وهو مذهب مالك أنها إنما ترد لعادتها إذا لم تكن مميزة وإلا ردت إلى تمييزها ويدل له قوله في حديث فاطمة بنت أبي حبيش: إذا كان دم الحيض فإنه دم أسود يعرف رواه أبو داود.

وأجابوا عن هذا الحديث باحتمال أنه صلى الله عليه وسلم علم أنها غير مميزة فحكم عليها بذلك والذي اضطرهم إلى حمله على ذلك معارضة الحديث الآخر له والجمع بين الدليلين ولو من وجه أولى من طرح أحدهما، ومتى ردت إلى العادة مطلقًا ألغي الحديث الآخر بالكلية.

( فَإِذَا خَلَّفَتْ ذَلِكَ) بفتح المعجمة واللام الثقيلة والفاء أي تركت أيام الحيض الذي كانت تعهده وراءها ( فَلْتَغْتَسِلْ ثُمَّ لِتَسْتَثْفِرْ) بفتح الفوقية وإسكان السين المهملة وفتح الفوقية وإسكان المثلثة وكسر الفاء أي تشد فرجها ( بِثَوْبٍ) خرقة عريضة بعد أن تحتشي قطنًا وتوثق طرفي الخرقة في شيء تشده على وسطها فيمنع بذلك سيل الدم مأخوذ من ثفر الدابة بفتح الفاء الذي يجعل تحت ذنبها وقيل مأخوذ من الثفر بإسكان الفاء وهو الفرج وإن كان أصله للسباع فاستعير لغيرها قال أبو عبد الملك: رواه الأكثر عن مالك بمثلثة ورواه مطرف عنه لتستذفر بذال معجمة بدلها أي تجفف الدم بالخرقة.

( ثُمَّ لِتُصَلِّي) بإثبات الياء للإشباع كقوله تعالى { { إِنَّهُ مَن يَتَّقِ وَيِصْبِرْ } } كذا قاله الشيخ ولي الدين العراقي لا يقال فيه نظر لأنه أمر لأنثى لأنا نقول هو ليس خطابًا وإنما هو مسند لضمير الغائب أي لتصلي هي فكان الواجب حذف الياء للام الأمر فجيء بها للإشباع فحذف الجازم ياء العلة والموجودة إشباع وفيه أن حكم المستحاضة حكم الطاهرة في الصلاة وغيرها كصيام واعتكاف وقراءة ومس مصحف وحمله وسجود تلاوة وسائر العبادات، وهذا أمر مجمع عليه، وإنما اختلف في إباحة وطئها والجمهور على الجواز.
وقد استدل الشافعي بالأمر بالصلاة على جواز الوطء قال: لأن الله أمر باعتزالها حائضًا وأذن في إتيانها طاهرًا، فلما حكم صلى الله عليه وسلم للمستحاضة بحكم الطاهر في أن تغتسل وتصلي دل ذلك على جواز وطئها.

وفي البخاري عن ابن عباس: ويأتيها زوجها إذا صلت الصلاة أعظم وفيه أن العادة في الحيض تثبت بمرة لأنه صلى الله عليه وسلم ردها إلى الشهر الذي يلي شهر الاستحاضة وهو الأصح عند المالكية والشافعية ولا يرد أنه قال: كانت تحيضهن لأن الصحيح في الأصول أن كان لا تدل على تكرر الفعل ولا دوامه.

وهذا الحديث أخرجه أبو داود عن عبد الله بن سلمة والنسائي عن قتيبة بن سعيد كلاهما عن مالك به وتابعه أيوب السختياني عن أبي داود وعبيد الله بن عمر عند ابن ماجه كلاهما عن نافع به.

والنسائي من طرق عن أبي أسامة عن عبيد الله عن نافع عن سليمان بن يسار عن أم سلمة سألت امرأة رسول الله صلى الله عليه وسلم فذكره.

وأخرجه أبو داود من طريق أنس بن عياض عن عبيد الله عن نافع عن سليمان عن رجل من الأنصار أن امرأة إلخ فاختلف على عبيد الله في إسناده.

( مَالِكٍ عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ عَنْ أَبِيهِ عَنْ زَيْنَبَ بِنْتِ أَبِي سَلَمَةَ) عبد الله بن عبد الأسد المخزومية ربيبة النبي صلى الله عليه وسلم ( أَنَّهَا رَأَتْ زَيْنَبَ بِنْتَ جَحْشٍ) قال عياض: اختلف أصحاب الموطأ في هذا فأكثرهم يقولون زينب وكثير منهم يقول ابنة جحش وهذا هو الصواب ويبين الوهم فيه قوله ( الَّتِي كَانَتْ تَحْتَ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ) وزينب هي أم المؤمنين لم يتزوجها عبد الرحمن قط وإنما تزوجها أولاً زيد بن حارثة ثم تزوجها النبي صلى الله عليه وسلم والتي كانت تحت عبد الرحمن هي أم حبيبة.

وقال ابن عبد البر: قيل إن بنات جحش الثلاثة زينب وأم حبيبة وحمنة زوج طلحة بن عبيد الله كن يستحضن كلهن وقيل لم يستحض منهن إلا أم حبيبة.

وذكر القاضي يونس بن مغيث في كتابه الموعب شرح الموطأ مثل هذا، وذكر أن كل واحدة منهن اسمها زينب ولقب إحداهن حمنة، وإذا كان كذلك فقد سلم مالك من الخطأ في تسمية أم حبيبة زينب وقد ذكر البخاري من حديث عائشة أن امرأة من أزواجه صلى الله عليه وسلم كانت تستحاض، وفي رواية أن بعض أمهات المؤمنين، وفي أخرى أن النبي صلى الله عليه وسلم اعتكف معه بعض نسائه وهي مستحاضة انتهى كلام عياض.

وفي فتح الباري قيل حديث الموطأ هذا وهم.
وقيل صواب وأن اسمها زينب وكنيتها أم حبيبة بإثبات الهاء على المشهور في الروايات الصحيحة خلافًا للواقدي وتبعه إبراهيم الحربي الصحيح أم حبيب بلا هاء واسمها حبيبة وإن رجحه الدارقطني قال: وأما أختها أم المؤمنين فلم يكن اسمها الأصلي زينب وإنما كان اسمها برة فغيره النبي صلى الله عليه وسلم.

وفي أسباب النزول للواحدي إنما كان اسمها زينب بعد أن تزوجها النبي صلى الله عليه وسلم فلعله سماها باسم أختها لأن أختها غلبت عليها الكنية فأين اللبس؟ قال: أعني الحافظ ولم ينفرد الموطأ بتسمية أم حبيبة زينب بل وافقه يحيى بن أبي كثير أخرجه أبو داود الطيالسي في مسنده انتهى.

وبه يرد قول صاحب المطالع لا يلتفت لقول من قال: إن بنات جحش اسم كل منهن زينب لأن أهل المعرفة بالأنساب لا يثبتونه، وإنما حمل عليه من قاله أن لا ينسب إلى مالك وهم كذا قال وقد علم أنه لم ينفرد به.

( وَكَانَتْ تُسْتَحَاضُ فَكَانَتْ تَغْتَسِلُ وَتُصَلِّي) وروى أبو داود من طريق سليمان بن كثير عن الزهري عن عروة عن عائشة استحيضت زينب بنت جحش فقال لها النبي صلى الله عليه وسلم: اغتسلي لكل صلاة قال الحافظ: قال شيخنا الإمام البلقيني: يحمل على أن زينب استحيضت وقتًا بخلاف أختها فإن استحاضتها دامت.

وروى الشيخان وغيرهما عن عائشة أن أم حبيبة استحيضت سبع سنين فسألت رسول الله صلى الله عليه وسلم عن ذلك فأمرها أن تغتسل فقال هذا عرق فكانت تغتسل لكل صلاة زاد مسلم والإسماعيلي: وتصلي، والأمر بالاغتسال مطلق فلا يدل على التكرار فلعلها فهمت طلب ذلك منها لقرينة فلذا كانت تغتسل لكل صلاة.

وقال الشافعي: إنما كانت تغتسل لكل صلاة تطوعًا وكذا قال الليث بن سعد لم يذكر ابن شهاب أنه صلى الله عليه وسلم أمرها أن تغتسل لكل صلاة وإنما هو شيء فعلته رواه مسلم، وإلى هذا ذهب الجمهور قالوا: لا يجب على المستحاضة الغسل لكل صلاة إلا المتحيرة لكن يجب عليها الوضوء، ويؤيده ما رواه أبو داود من طريق عكرمة أن أم حبيبة استحيضت فأمرها رسول الله صلى الله عليه وسلم أن تنتظر أيام إقرائها ثم تغتسل وتصلي فإن رأت شيئًا من ذلك توضأت وصلت، واستدل المهلب بقوله لها هذا عرق على أنه لم يوجب عليها الغسل لكل صلاة لأن دم العرق لا يوجب غسلاً.

وأما ما عند أبي داود من طريق سليمان بن كثير وابن إسحاق عن الزهري في هذا الحديث فأمرها بالغسل لكل صلاة فقد طعن الحفاظ في هذه الزيادة بأن الأثبات من أصحاب الزهري لم يذكروها، وقد صرح الليث بأن الزهري لم يذكرها كما في مسلم، لكن روى أبو داود من طريق يحيى بن أبي كثير عن أبي سلمة بن عبد الرحمن عن زينب بنت أبي سلمة في هذه القصة فأمرها أن تغتسل عند كل صلاة، فيحمل الأمر على الندب جمعًا بين الروايتين هذه ورواية عكرمة.

وقال الطحاوي: حديث أم حبيبة منسوخ بحديث فاطمة بنت أبي حبيش أي لأن فيه الأمر بالوضوء لكل صلاة لا الغسل والجمع بين الحديثين بحمل الأمر في حديث أم حبيبة على الندب أولى انتهى.

( مَالِكٍ عَنْ سُمَيٍّ) بضم السين المهملة مصغر ( مَوْلَى أَبِي بَكْرِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ) بن الحارث بن هشام ثقة روى له الجميع مات مقتولاً سنة ثلاثين ومائة ( أَنَّ الْقَعْقَاعَ) بقافين مفتوحتين بينهما عين ساكنة ثم ألف فعين ( بْنَ حَكِيمٍ) الكناني المدني تابعي وثقه أحمد ويحيى وغيرهما وروى له مسلم والأربعة ( وَزَيْدَ بْنَ أَسْلَمَ أَرْسَلَاهُ إِلَى سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ يَسْأَلُهُ كَيْفَ تَغْتَسِلُ الْمُسْتَحَاضَةُ؟ فَقَالَ: تَغْتَسِلُ مِنْ طُهْرٍ إِلَى طُهْرٍ) .

قال ابن سيد الناس: اختلف فيه فمنهم من رواه بالطاء المهملة ومنهم من رواه بالظاء المعجمة أي من وقت صلاة الظهر إلى وقت صلاة الظهر.

قال ابن العراقي: وفيه نظر فالمروي إنما هو الإعجام وأما الإهمال فليس رواية مجزومًا بها، فقد قال أبو داود قال مالك: إني لأظن حديث ابن المسيب من طهر إلى طهر أي بالإهمال فيهما، ولكن الوهم دخل فيه.
قال أبو داود: ورواه مسور بن عبد الملك من طهر إلى طهر أي بالإهمال فقلبها الناس.

وقال ابن عبد البر قال مالك: ما أرى الذي حدثني به من ظهر إلا قد وهم قال أبو عمر: ليس ذلك بوهم لأنه صحيح عن سعيد معروف من مذهبه، وقد رواه كذلك السفيانان عن سمي به بالإعجام ولم ينفرد به سمي ولا القعقاع، فقد رواه وكيع عن سعيد بن أبي عروبة عن قتادة عن ابن المسيب مثله بالإعجام وأخرجه ابن أبي شيبة.

وقال الخطابي: ما أحسن ما قال مالك وما أشبهه بما ظن لأنه لا معنى للاغتسال في وقت صلاة الظهر إلى مثلها من الغد ولا أعلمه قولاً لأحد، وإنما هو من طهر إلى طهر وقت انقطاع الحيض، وتعقبه ابن العربي بأن له معنى لأنه إذا سقط لأجل المشقة اغتسالها لكل صلاة فلا أقل من الاغتسال مرة في كل يوم عند الظهر في وقت دفء النهار وذلك للتنظيف انتهى.

قال ابن العراقي: وقوله لا أعلمه قولاً لأحد فيه نظر لأن أبا داود نقله عن جماعة من الصحابة والتابعين، ولعل الخطابي يرى أنه حرف النقل عنهم كما حرف عن ابن المسيب، لكن برد دعوى التحريف ورود مثله عن عائشة بلفظ تغتسل كل يوم، وفي رواية عنها تغتسل عند الظهر.
حكاهما أبو داود وكذا رواه ابن أبي شيبة عن الحسن البصري بلفظ تغتسل من صلاة الظهر إلى مثلها من الغد انتهى.

( وَتَتَوَضَّأُ لِكُلِّ صَلَاةٍ) وجوبًا عند الجمهور واستحبابًا عند مالك ( فَإِنْ غَلَبَهَا الدَّمُ اسْتَثْفَرَتْ) هكذا رواية مالك في الموطأ وكذا الشافعي عنه بالمثلثة بين الفوقية والفاء، ورواه أبو داود عن القعنبي عن مالك بلفظ: استذفرت بثوب بذال معجمة بدل المثلثة فقيل إنه مثل الاستثفار قلبت الثاء ذالاً وهو الثفر والذفر، وقيل معناه فلتستعمل طيبًا تزيل به هذا الشيء عنها.
والذفر: بفتح المعجمة والفاء كل رائحة ذكية من طيب أو نتن وسمي الثوب طيبًا لقيامه مقامه في إزالة الرائحة وإن روي بالدال المهملة فمعناه تدفع عن نفسها الذفر بإسكان الفاء وهو الرائحة الكريهة.

فإن قيل: سئل ابن المسيب عن كيفية اغتسال المستحاضة؟ فأجاب: بذكر وقته.

قلت: وفيه من جملة صفاته وهيئاته وكيفية اغتسالها لا تخالف كيفية اغتسال غيرها، وإنما تخالف غيرها في الوقت فأجاب بذكر ما خالفت فيه غيرها أو أنه فهم من السائل استبعاد اغتسالها مع جريان الدم منها، فأجابه بأن جريانه منها لا يمنع من اغتسالها في وقته وهو وقت صلاة الظهر عنده، وغايته أنه إذا قوي عليها الدم وغلبها استثفرت ذكره العلامة الولي بن العراقي.

( مَالِكٍ عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ عَنْ أَبِيهِ أَنَّهُ قَالَ: لَيْسَ عَلَى الْمُسْتَحَاضَةِ إِلَّا أَنْ تَغْتَسِلَ) عند انقضاء المدة التي كانت تحيض فيها قبل الاستحاضة ( غُسْلًا وَاحِدًا) لأنه الذي أمر به النبي صلى الله عليه وسلم أم حبيبة وأحاديث أمرها به لكل صلاة روي من وجوه كلها ضعيفة كما صرح به ابن عبد البر والبيهقي وغيرهما، وأما فعلها هي ذلك فمن عند نفسها كما قاله الزهري والليث والشافعي وغيرهم فلا حجة فيها لمن ذهب إلى أنه يجب عليها الاغتسال لكل صلاة خلافًا لابن حزم حيث صححها، وزعم أنه قال بها جماعة من الصحابة فقد رده عليه الولي العراقي.

( ثُمَّ تَتَوَضَّأُ بَعْدَ ذَلِكَ لِكُلِّ صَلَاةٍ) وجوبًا عند الجمهور واستحبابًا عند مالك محتجًا لعدم الوجوب بقوله ذلك عرق والعرق لا يجب منه الوضوء.

( قَالَ مَالِكٌ: الْأَمْرُ عِنْدَنَا أَنَّ الْمُسْتَحَاضَةَ إِذَا صَلَّتْ أَنَّ لِزَوْجِهَا أَنْ يُصِيبَهَا) وبه قال جمهور العلماء وفي البخاري عن ابن عباس ويأتيها زوجها إذا صلت الصلاة أعظم قال مالك: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم إنما ذلك عرق وليس بالحيضة فإذا لم تكن حيضة فما يمنعه أن يصيبها وهي تصلي.
وقال سليمان بن يسار والزهري والنخعي وابن سيرين وطائفة لا يصيبها.
وروي عن عائشة، وقال أحمد: أحب إلي أن لا يطأ إلا أن يطول.

( وَكَذَا النُّفَسَاءُ إِذَا بَلَغَتْ أَقْصَى مَا يُمْسِكُ النِّسَاءَ) بالنصب مفعول فاعله ( الدَّمُ) أي لا يصيبها وأقصاه عند مالك وبه أخذ أصحابه شهران ستون يومًا وقال أكثر العلماء: أربعون يومًا وقيل غير ذلك ( فَإِنْ رَأَتِ الدَّمَ بَعْدَ ذَلِكَ فَإِنَّهُ يُصِيبُهَا زَوْجُهَا وَإِنَّمَا هِيَ بِمَنْزِلَةِ الْمُسْتَحَاضَةِ) وقد علم إجماع أهل المدينة على جواز إصابته لها.

( قَالَ مَالِكٌ: الْأَمْرُ عِنْدَنَا فِي الْمُسْتَحَاضَةِ عَلَى حَدِيثِ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ عَنْ أَبِيهِ) عن عائشة المتقدم أولاً ( وَهُوَ أَحَبُّ مَا سَمِعْتُ إِلَيَّ فِي ذَلِكَ) قال ابن منده في صحيحه بعد إخراجه من طريق مالك: هذا إسناد مجمع على صحته، وقال الأصيلي: هو أصح حديث جاء في المستحاضة.
وقال أحمد بن حنبل: في الحيض ثلاثة أحاديث حديثان ليس في نفسي منهما شيء حديث عائشة في قصة فاطمة بنت أبي حبيش وحديث أم سلمة، والثالث في قلبي منه شيء وهو حديث حمنة بنت جحش.
قال أبو داود: وما عدا هذه الثلاثة أحاديث ففيها اختلاف واضطراب.

وعد في فتح الباري المستحاضات من الصحابيات في زمن النبي صلى الله عليه وسلم عشرًا.
بنات جحش الثلاثة على ما تقدم، وفاطمة بنت أبي حبيش المتقدمة، وسودة بنت زمعة وحديثها عند أبي داود معلقًا وابن خزيمة موصولاً، وأم سلمة وحديثها في سنن سعيد بن منصور، وأسماء بنت عميس رواه الدارقطني وهو في أبي داود لكن على التردد هل هو عنها أو عن فاطمة بنت أبي حبيش، وسهلة بنت سهيل ذكرها أبو داود أيضًا، وأسماء بنت مرثد ذكرها البيهقي وغيره، وبادية بنت غيلان ذكرها ابن منده.

وروى البيهقي والإسماعيلي أن زينب ابنة أم سلمة استحيضت لكن الحديث في أبي داود من حكاية زينب عن غيرها وهو أشبه فإنها كانت في زمنه صلى الله عليه وسلم صغيرة لأنه دخل على أمها في السنة الثالثة، وزينب ترضع وقد كملن عشرًا بحذف زينب بنت أبي سلمة انتهى.

ونظم السيوطي في قلائد الفوائد تسعًا فقال:

قد استحيضت في زمان المصطفى
تسع نساء قد رواها الراويه

بنت جحش سودة فاطمة
زينب أسما سهلة وباديه

فعد بنت أبي سلمة وأسقط أم سلمة وأسماء بنت عميس أو بنت مرثد لأن النظم فيه أسماء واحدة وهما اثنتان فلو قال:

قد استحيضت في زمان المصطفى
بنات جحش سهلة وباديه

وهند أسما سودة فاطمة
وبنت مرثد رواها الراويه

لوفى بالعشرة وسلم من عد زينب ابنة أم سلمة واسمها هند، والله أعلم.