فهرس الكتاب

شرح الزرقاني - بَابُ الْقَضَاءِ فِي شَهَادَةِ الصِّبْيَانِ

رقم الحديث 1418 قَالَ مَالِكٌ: فِي الرَّجُلِ يَبِيعُ الْبَزَّ الْمُصَنَّفَ، وَيَسْتَثْنِي ثِيَابًا بِرُقُومِهَا، إِنَّهُ إِنِ اشْتَرَطَ أَنْ يَخْتَارَ مِنْ ذَلِكَ الرَّقْمَ، فَلَا بَأْسَ بِهِ، وَإِنْ لَمْ يَشْتَرِطْ أَنْ يَخْتَارَ مِنْهُ حِينَ اسْتَثْنَى، فَإِنِّي أَرَاهُ شَرِيكًا فِي عَدَدِ الْبَزِّ الَّذِي اشْتُرِيَ مِنْهُ، وَذَلِكَ أَنَّ الثَّوْبَيْنِ يَكُونُ رَقْمُهُمَا سَوَاءً وَبَيْنَهُمَا تَفَاوُتٌ فِي الثَّمَنِ قَالَ مَالِكٌ: الْأَمْرُ عِنْدَنَا أَنَّهُ لَا بَأْسَ بِالشِّرْكِ وَالتَّوْلِيَةِ وَالْإِقَالَةِ مِنْهُ فِي الطَّعَامِ وَغَيْرِهِ، قَبَضَ ذَلِكَ أَوْ لَمْ يَقْبِضْ، إِذَا كَانَ ذَلِكَ بِالنَّقْدِ، وَلَمْ يَكُنْ فِيهِ رِبْحٌ، وَلَا وَضِيعَةٌ، وَلَا تَأْخِيرٌ لِلثَّمَنِ، فَإِنْ دَخَلَ ذَلِكَ رِبْحٌ أَوْ وَضِيعَةٌ أَوْ تَأْخِيرٌ مِنْ وَاحِدٍ مِنْهُمَا، صَارَ بَيْعًا يُحِلُّهُ مَا يُحِلُّ الْبَيْعَ، وَيُحَرِّمُهُ مَا يُحَرِّمُ الْبَيْعَ، وَلَيْسَ بِشِرْكٍ وَلَا تَوْلِيَةٍ وَلَا إِقَالَةٍ قَالَ مَالِكٌ: مَنِ اشْتَرَى سِلْعَةً بَزًّا أَوْ رَقِيقًا، فَبَتَّ بِهِ، ثُمَّ سَأَلَهُ رَجُلٌ أَنْ يُشَرِّكَهُ فَفَعَلَ، وَنَقَدَا الثَّمَنَ صَاحِبَ السِّلْعَةِ جَمِيعًا، ثُمَّ أَدْرَكَ السِّلْعَةَ شَيْءٌ يَنْتَزِعُهَا مِنْ أَيْدِيهِمَا، فَإِنَّ الْمُشَرَّكَ يَأْخُذُ مِنِ الَّذِي أَشْرَكَهُ الثَّمَنَ، وَيَطْلُبُ الَّذِي أَشْرَكَ بَيِّعَهُ الَّذِي بَاعَهُ السِّلْعَةَ بِالثَّمَنِ كُلِّهِ، إِلَّا أَنْ يَشْتَرِطَ الْمُشَرِّكُ عَلَى الَّذِي أَشْرَكَ بِحَضْرَةِ الْبَيْعِ، وَعِنْدَ مُبَايَعَةِ الْبَائِعِ الْأَوَّلِ، وَقَبْلَ أَنْ يَتَفَاوَتَ ذَلِكَ أَنَّ عُهْدَتَكَ عَلَى الَّذِي ابْتَعْتُ مِنْهُ، وَإِنْ تَفَاوَتَ ذَلِكَ، وَفَاتَ الْبَائِعَ الْأَوَّلَ فَشَرْطُ الْآخَرِ بَاطِلٌ وَعَلَيْهِ الْعُهْدَةُ قَالَ مَالِكٌ: فِي الرَّجُلِ يَقُولُ لِلرَّجُلِ: اشْتَرِ هَذِهِ السِّلْعَةَ بَيْنِي وَبَيْنَكَ، وَانْقُدْ عَنِّي وَأَنَا أَبِيعُهَا لَكَ: إِنَّ ذَلِكَ لَا يَصْلُحُ.
حِينَ قَالَ: انْقُدْ عَنِّي وَأَنَا أَبِيعُهَا لَكَ.
وَإِنَّمَا ذَلِكَ سَلَفٌ يُسْلِفُهُ إِيَّاهُ، عَلَى أَنْ يَبِيعَهَا لَهُ.
وَلَوْ أَنَّ تِلْكَ السِّلْعَةَ هَلَكَتْ.
أَوْ فَاتَتْ.
أَخَذَ ذَلِكَ الرَّجُلُ الَّذِي نَقَدَ الثَّمَنَ.
مِنْ شَرِيكِهِ مَا نَقَدَ عَنْهُ فَهَذَا مِنَ السَّلَفِ الَّذِي يَجُرُّ مَنْفَعَةً قَالَ مَالِكٌ: وَلَوْ أَنَّ رَجُلًا ابْتَاعَ سِلْعَةً، فَوَجَبَتْ لَهُ، ثُمَّ قَالَ لَهُ رَجُلٌ: أَشْرِكْنِي بِنِصْفِ هَذِهِ السِّلْعَةِ، وَأَنَا أَبِيعُهَا لَكَ جَمِيعًا، كَانَ ذَلِكَ حَلَالًا لَا بَأْسَ بِهِ، وَتَفْسِيرُ ذَلِكَ أَنَّ هَذَا بَيْعٌ جَدِيدٌ.
بَاعَهُ نِصْفَ السِّلْعَةِ، عَلَى أَنْ يَبِيعَ لَهُ النِّصْفَ الْآخَرَ.



( ما جاء في الشركة والتولية والإقالة)

قال المجد الشرك والشركة بكسرهما وضم الثاني بمعنى وقد اشتركا وتشاركا وشارك أحدهما الآخر والشرك بالكسر وكأمير المشارك والجمع أشراك وشركاء وهي شريكة جمعها شرائك وشركة في البيع والميراث كعلمه شركة بالكسر.

( قال مالك في الرجل يبيع البز المصنف) بضم الميم وفتح الصاد والنون الثقيلة، المجموع من أصناف ( ويستثني ثيابًا برقومها) جمع رقم ( إنه إن اشترط أن يختار من ذلك الرقم فلا بأس به) أي يجوز إن لم يكن الأكثر ( وإن لم يشترط أن يختار منه حين استثنى فإني أراه) أعتقده ( شريكًا في عدد البز الذي اشتري منه) فإن كان ثلاثين ثوبًا واستثنى منها عشرة كان له ثلثها وللمبتاع الثلثان ( وذلك أن الثوبين يكون رقمهما سواء وبينهما تفاوت في الثمن) فلذا جعل شريكًا ( والأمر عندنا أنه لا بأس بالشرك) بكسر فسكون، من إطلاق اسم المصدر وإرادة المعنى الحاصل به أي التشريك لغيره فيما اشتراه بما اشتراه ( والتولية) لغيره فيما اشتراه بما اشتراه ( والإقالة منه في الطعام وغيره قبض ذلك أو لم يقبض إذا كان ذلك بالنقد ولم يكن فيه ربح) أي زيادة ( ولا وضيعة) أي نقص ( ولا تأخير للثمن) لأن الثلاثة من عقود المكارمة فاستثنيت من بيع الطعام قبل قبضه كما استثنى بيع العرية من بيع الرطب بالتمر وللحديث الوارد باستثنائها كما مر ( فإن دخل ذلك ربح أو وضيعة أو تأخير من واحد منهما صار بيعًا يحله ما يحل البيع ويحرمه ما يحرم البيع وليس بشرك ولا تولية ولا إقالة) حين دخلها ذلك لأن من سنة هذه العقود الثلاثة أن يتساوى البيع الأول والثاني.

( قال مالك من اشترى سلعة بزًا أو رقيقًا فبت به) وفي نسخة فبت شراءه، وأخرى بيعه من إطلاق البيع على الشراء ( ثم سأله رجل أن يشركه ففعل ونقدا) بالتثنية أي المشتري ومن شركه ( الثمن صاحب السلعة جميعًا) تأكيد لضمير التثنية ( ثم أدرك السلعة شيء ينتزعها من أيديهما) بأن استحقت ( فإن المشرك) بلفظ اسم المفعول ( يأخذ من الذي أشركه الثمن) لأن عهدة الشريك على من شركه ( ويطلب الذي أشرك بيعه) بكسر التحتية الثقيلة بمعنى بائعه ( الذي باعه السلعة بالثمن كله) لأن عهدته عليه ( إلا أن يشترط المشرك على الذي أشرك بحضرة البيع وعند مبايعة البائع الأول وقبل أن يتفاوت ذلك أن عهدتك على الذي ابتعت) بضم تاء المتكلم ( منه) فلا عهدة على المشرك بالكسر عملاً بشرطه ( وإن تفاوت ذلك وفات البائع الأول فشرط الآخر) الذي أشرك غيره ( باطل وعليه العهدة) ووافق الإمام على هذا أصبغ وقال عيسى عن ابن القاسم العهدة في الشركة والتولية إذا كانت بحضرة البيع أنها أبدًا على البائع الأول وقيل غير ذلك.

( قال مالك في الرجل يقول للرجل اشتر هذه السلعة بيني وبينك وانقد عني وأنا أبيعها لك إن ذلك لا يصلح حين قال انقد عني وأنا أبيعها لك وإنما ذلك سلف يسلفه إياه على أن يبيعها له) قال الباجي: فإن وقع هذا فالسلعة بينهما وليس عليه بيع حظ المسلف من السلعة إلا أن يستأجره بعد ذلك استئجارًا صحيحًا مستأنفًا وعليه ما أسلفه نقدًا وإن كان قد باع فله أجر مثله في بيع نصيب المسلف ولو ظهر عليه قبل النقد لأمسك المسلف فلم ينقد عنه وهما فيها شريكان يبيع كل نصيبه أو يستأجر على بيعه ( ولو أن تلك السلعة هلكت أو فاتت أخذ ذلك الرجل الذي نقد الثمن من شريكه ما نقد عنه فهذا من السلف الذي يجر منفعة) فلذا منع قال أبو عمر: اختلف قول مالك فيمن أسلف رجلاً سلفًا ليشاركه وذلك على وجه الرفق والمعروف فكرهه مرة وأجازه مرة واختاره ابن القاسم فإن كان لنفاد بصيرته بالتجارة امتنع لأنه سلف جر نفعًا ( ولو أن رجلاً ابتاع سلعة فوجبت له ثم قال له الرجل أشركني بنصف هذه السلعة وأنا أبيعها لك جميعًا كان ذلك حلالاً لا بأس به) لا شدة ولا حرج لحله ( وتفسير ذلك) أي بيانه ( أن هذا بيع جديد باعه نصف السلعة على أن يبيع له النصف الآخر) واجتماع البيع والإجارة جائز عند مالك وأصحابه لأنهما عقدان مبنيان على اللزوم فلا يتنافيان وممنوع عند الشافعي والكوفيين لأن الثمن عندهم مجهول لا يعلم مبلغه من مبلغ ثمن الإجارة حين العقد ولأن الإجارة بيع منافع فصار بيعتين في بيعة.



رقم الحديث 1418 قَالَ يَحْيَى: قَالَ مَالِكٌ، عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ، أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ الزُّبَيْرِ كَانَ يَقْضِي بِشَهَادَةِ الصِّبْيَانِ فِيمَا بَيْنَهُمْ مِنَ الْجِرَاحِ قَالَ مَالِكٌ: الْأَمْرُ الْمُجْتَمَعُ عَلَيْهِ عِنْدَنَا، أَنَّ شَهَادَةَ الصِّبْيَانِ تَجُوزُ فِيمَا بَيْنَهُمْ مِنَ الْجِرَاحِ، وَلَا تَجُوزُ عَلَى غَيْرِهِمْ، وَإِنَّمَا تَجُوزُ شَهَادَتُهُمْ فِيمَا بَيْنَهُمْ مِنَ الْجِرَاحِ وَحْدَهَا، لَا تَجُوزُ فِي غَيْرِ ذَلِكَ.
إِذَا كَانَ ذَلِكَ قَبْلَ أَنْ يَتَفَرَّقُوا.
أَوْ يُخَبَّبُوا أَوْ يُعَلَّمُوا.
فَإِنِ افْتَرَقُوا فَلَا شَهَادَةَ لَهُمْ، إِلَّا أَنْ يَكُونُوا قَدْ أَشْهَدُوا الْعُدُولَ عَلَى شَهَادَتِهِمْ.
قَبْلَ أَنْ يَتَفَرَّقُوا.


( القضاء في شهادة الصبيان)

( مالك عن هشام بن عروة أن) عمه ( عبد الله بن الزبير) الصحابي أمير المؤمنين ( كان يقضي بشهادة الصبيان فيما بينهم من الجراح) قال أبو عمر: اختلف عن ابن الزبير في ذلك والأصح أنه كان يجيزها إذا جيء بهم في حال نزول النازلة وروي مثله عن علي من طرق ضعيفة ( قال مالك الأمر المجتمع عليه عندنا) بالمدينة ( أن شهادة الصبيان تجوز فيما بينهم من الجراح ولا تجوز على غيرهم) أي الكبار ( وإنما تجوز شهادتهم فيما بينهم من) أي في ( الجراح وحدها لا تجوز في غير ذلك) من الأموال وغيرها ( إذا كان ذلك قبل أن يفترقوا أو يخببوا) بخاء معجمة فموحدتين، يخدعوا من الخب بالكسر الخداع ( أو يعلموا فإن افترقوا فلا شهادة لهم) أي لا تقبل ( إلا أن يكونوا قد أشهدوا العدول على شهادتهم قبل أن يفترقوا) فتقبل بباقي الشروط المذكورة في الفروع وبإجازتها.
قال معاوية وعمر بن عبد العزيز وابن المسيب وعروة وأبو جعفر محمد بن علي والشعبي وابن أبي ليلى وابن شهاب والنخعي بخلف عنه ولم يجزها الجمهور والأئمة الثلاثة.
وحمل مالك قول ابن عباس بعدم إجازتها على شهادتهم على الكبار.