فهرس الكتاب

شرح الزرقاني - بَابُ اشْتِرَاءِ الصَّدَقَةِ وَالْعَوْدِ فِيهَا

رقم الحديث 631 حَدَّثَنِي يَحْيَى، عَنْ مَالِكٍ، عَنْ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ، عَنْ أَبِيهِ، أَنَّهُ قَالَ: سَمِعْتُ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ وَهُوَ يَقُولُ: حَمَلْتُ عَلَى فَرَسٍ عَتِيقٍ فِي سَبِيلِ اللَّهِ، وَكَانَ الرَّجُلُ الَّذِي هُوَ عِنْدَهُ قَدْ أَضَاعَهُ.
فَأَرَدْتُ أَنْ أَشْتَرِيَهُ مِنْهُ.
وَظَنَنْتُ أَنَّهُ بَائِعُهُ بِرُخْصٍ.
فَسَأَلْتُ عَنْ ذَلِكَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ: لَا تَشْتَرِهِ وَإِنْ أَعْطَاكَهُ بِدِرْهَمٍ وَاحِدٍ.
فَإِنَّ الْعَائِدَ فِي صَدَقَتِهِ، كَالْكَلْبِ يَعُودُ فِي قَيْئِهِ.


( اشتراء الصدقة والعود فيها)

( مالك عن زيد بن أسلم) العدوي مولاهم المدني عن أبيه أسلم المخضرم مولى عمر مات سنة ستين وهو ابن أربع عشرة ومائة سنة ( أنه قال سمعت عمر بن الخطاب وهو يقول حملت) رجلاً ( على فرس) أي تصدقت به ووهبته له ليقاتل عليه ( عتيق) أي كريم سابق والجمع عتاق والعتيق الفائق من كل شيء واسم هذا الفرس الورد أهداه تميم الداري للنبي صلى الله عليه وسلم فأعطاه عمر فحمل عليه أخرجه ابن سعد عن سهل بن سعد ولا يعارضه ما رواه مسلم ولم يسق لفظه وساقه أبو عوانة عن ابن عمر أن عمر حمل على فرس فأعطاه صلى الله عليه وسلم رجلاً لأنه يحمل على أن عمر لما أراد أن يتصدق به فوض إليه صلى الله عليه وسلم اختيار من يتصدق به عليه أو استشاره فيمن يحمله عليه فأشار عليه فنسبت إليه العطية لكونه أمر بها ( في سبيل الله) الجهاد لا الوقف فلا حجة فيه لمن أجاز بيع الموقوف إذا بلغ غاية لا يتصور الانتفاع به فيما وقف له ( وكان الرجل الذي هو عنده) أي الذي حمله عليه قال الحافظ لم أقف على اسمه ( قد أضاعه) أي لم يحسن القيام عليه وقصر في مؤنته وخدمته وقيل لم يعرف مقداره فأراد بيعه بدون قيمته وقيل معناه استعمله في غير ما جعل له والأول أظهر ويدل له رواية مسلم من طريق روح بن القاسم عن زيد بن أسلم فوجده قد أضاعه وكان قليل المال فأشار إلى علة ذلك وإلى عذره في إرادة بيعه انتهى وقال الباجي أي لم يحسن القيام عليه وهذا يبعد في حق الصحابة إلا لعذر أو صيره ضائعًا من الهزال لفرط مباشرة الجهاد والأتعاب له فيه ( فأردت أن أشتريه منه وظننت أنه بائعه برخص) بضم الراء مصدر رخص السعر وأرخصه الله فهو رخيص ( فسألت عن ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال لا تشتره) بلا ياء قبل الهاء جزم على النهي ولابن مهدي لا تبتعه ( وإن أعطاكه بدرهم واحد) مبالغة في رخصه وهو الحامل له على شرائه ويستفاد منه أن البائع ملكه ولو كان وقفًا كما قيل وجاز له بيعه لأنه لا ينتفع فيما حبس عليه لما كان له بيعه إلا بالقيمة الوافرة ولا كان له أن يسامح منها بشيء ولو كان المشتري هو المحبس ويستفاد من التعليل المذكور أيضًا أنه لو وجده مثلاً يباع بأغلى من ثمنه لم يتناوله النهي كذا في الفتح وفي رواية التنيسي لا تشتره ولا تعد في صدقتك وإن أعطاكه بدرهم وعليها سأل ابن المنير أن الاغياء في النهي عادته أن يكون بالأخفى والأدنى كقوله تعالى { { فلا تقل لهما أف } } ولا خفاء أن إعطاءه إياه بدرهم أقرب إلى الرجوع في الصدقة مما إذا باعه بقيمته وكلامه صلى الله عليه وسلم هو الحجة في الفصاحة وأجاب بأن المراد لا تغلب الدنيا على الآخرة وإن وفرها معطيها فإذا زهد فيها وهي موفرة فلأن يزهد فيها وهي مقترة أولى فهذا على وفق القاعدة ( فإن العائد في صدقته كالكلب يعود في قيئه) الفاء للتعليل أي كما يقبح أن يقيء ثم يأكل كذلك يقبح أن يتصدق بشيء ثم يجره إلى نفسه بوجه من الوجوه فشبه بأخس الحيوان في أخس أحواله تصويرًا للتهجين وتنفيرًا منه وبه استدل على حرمة ذلك لأن القيء حرام قال القرطبي وغيره وهو الظاهر من سياق الحديث وذهب الجمهور إلى الكراهة لأن فعل الكلب لا يوصف بتحريم لعدم تكليفه فالتشبيه للتنفير خاصة لأن القيء مما يستقذر ووجه الشبه أنه أخرج في الصدقة أوساخه وأدناسه فأشبه تغير الطعام إلى حال القيء وألحق بالصدقة ما شابهها من كفارة ونذر وغيرهما من القربات وبالشراء الهبة ونحوها مما يتملكه باختياره وأما إذا ورثه فلا كراهة وأبعد من قال يتصدق به قال الطبري يخص من عموم هذا الحديث من وهب بشرط الثواب ووالد وهب ولده والهبة التي لم تقبض والتي ردها الميراث إلى الواهب لثبوت الأخبار باستثناء كل ذلك وما عدا ذلك كالغني يهب للفقير ونحو من يصل رحمه فلا رجوع لهؤلاء ومما لا رجوع فيه مطلقًا الصدقة يراد بها ثواب الآخرة واستشكل ذكر عمر لذلك مع ما فيه من إذاعة عمل البر وكتمانه أرجح وأجيب بأنه تعارض عنده المصلحتان الكتمان وتبليغ الحكم الشرعي فرجح الثاني فعمل به وتعقب بأنه كان يمكنه أن يقول حمل رجل رجلاً على فرس مثلاً ولا يقول حملت فيجمع بين المصلحتين قال الحافظ والظاهر أن محل رجحان الكتمان إنما هو قبل الفعل وعنده وأما بعد وقوعه فلعل الذي أعطيه أذاع ذلك فانتفى الكتمان ويضاف إليه أن في إضافة ذلك إلى نفسه تأكيدًا لصحة الحكم المذكور لأن الذي تقع له القصة أجدر بضبطها ممن ليس عنده إلا وقوعها بحضوره فلما أمن ما يخشى من الإعلان بالقصد صرح بإضافة الحكم إلى نفسه ويحتمل أن محل ترجيح الكتمان إن خشي على نفسه من الإعلان العجب والرياء أما من أمن ذلك كعمر فلا انتهى وهذا الحديث أخرجه البخاري في الزكاة عن عبد الله بن يوسف وفي الهبة عن يحيى بن قزعة بفتح القاف والزاي والمهملة وفي الجهاد عن إسماعيل ومسلم في الوصايا والصدقة عن القعنبي ومن طريق ابن مهدي الخمسة عن مالك به ( مالك عن نافع عن عبد الله بن عمر أن عمر بن الخطاب حمل على فرس) أي جعله حمولة لرجل مجاهد ليس له حمولة وفي رواية سالم عن أبيه أن عمر تصدق بفرس ( في سبيل الله) وظاهره أنه حمله عليه حمل تمليك ليغزو عليه ولذا ساغ له بيعه وقيل إن عمر وقفه وإنما ساغ للرجل بيعه لأنه حصل فيه هزال عجز لأجله عن اللحاق بالخيل وضعف عن ذلك وانتهى إلى عدم الانتفاع به ويحتاج إلى ثبوت ذلك ويدل على أنه تمليك قوله ( فأراد أن يبتاعه) أي يشتريه إذ لو كان وقفًا لم يرد ذلك ( فسأل عن ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال لا تبتعه) بالجزم أي لا تشتره ( ولا تعد في صدقتك) وفيه دلالة على أنه تمليك ولو كان حبسًا لقال في وقفك أو حبسك وسمى الشراء عودًا في الصدقة لأن العادة جرت بالمسامحة من البائع في مثل ذلك للمشتري فأطلق على القدر الذي يسامح به رجوعًا وهذا الحديث رواه البخاري في الجهاد عن إسماعيل وعن عبد الله بن يوسف ومسلم في الوصايا والصدقة عن يحيى الثلاثة عن مالك به ولمالك في هذا الحديث إسناد ثالث عن عمرو بن دينار عن ثابت الأحنف عن ابن عمر أخرجه ابن عبد البر ( قال يحيى سئل مالك عن رجل تصدق بصدقة فوجدها مع غير الذي تصدق بها عليه تباع أيشتريها فقال تركها أحب إلي) إذ لا فرق بين اشترائها من نفس من تصدق بها عليه أو من غيره في المعنى لرجوعه فيما تركه لله تعالى كما حرم الله على المهاجرين سكنى مكة بعد هجرتهم منها لله عز وجل ولا يفسخ البيع إن وقع مع أن النهي يقتضي الفساد للإجماع على ثبوت البيع كما قال ابن المنذر قال ابن عبد البر لاحتمال أن حديث الباب على التنزيه وقطع الذريعة ويدل له قوله صلى الله عليه وسلم في الخمسة الذين تحل لهم الصدقة أو رجل اشتراها بماله فلم يخص المتصدق من غيره قال وعندي أن الخصوص قاض على العموم لأنه مستثنى منه فلو قيل لا تحل الصدقة لغني إلا لمن اشتراها بماله ما لم يكن هو المتصدق لم يكن معارضًا فيستعمل الحديثين دون رد أحدهما فيمنع المتصدق من شراء صدقته انتهى ولك أن تقول نعم الخصوص قاض على العام لكن لا نسلم إفادته الحرمة لأن غاية قولنا ما لم يكن هو المتصدق فلا تحل له وعدم الحل صادق بالكراهة وإن احتملها واحتمل الحرمة سقط به الاستدلال.



رقم الحديث 631 وَحَدَّثَنِي عَنْ مَالِكٍ أَنَّ أَحْسَنَ مَا سَمِعْتُ فِيمَا يَجِبُ عَلَى الرَّجُلِ مِنْ زَكَاةِ الْفِطْرِ، أَنَّ الرَّجُلَ يُؤَدِّي ذَلِكَ عَنْ كُلِّ مَنْ يَضْمَنُ نَفَقَتَهُ، وَلَا بُدَّ لَهُ مِنْ أَنْ يُنْفِقَ عَلَيْهِ، وَالرَّجُلُ يُؤَدِّي عَنْ مُكَاتَبِهِ وَمُدَبَّرِهِ وَرَقِيقِهِ كُلِّهِمْ غَائِبِهِمْ وَشَاهِدِهِمْ.
مَنْ كَانَ مِنْهُمْ مُسْلِمًا وَمَنْ كَانَ مِنْهُمْ لِتِجَارَةٍ أَوْ لِغَيْرِ تِجَارَةٍ.
وَمَنْ لَمْ يَكُنْ مِنْهُمْ مُسْلِمًا فَلَا زَكَاةَ عَلَيْهِ فِيهِ قَالَ مَالِكٌ: فِي الْعَبْدِ الْآبِقِ إِنَّ سَيِّدَهُ، إِنْ عَلِمَ مَكَانَهُ، أَوْ لَمْ يَعْلَمْ، وَكَانَتْ غَيْبَتُهُ قَرِيبَةً، وَهُوَ يَرْجُو حَيَاتَهُ وَرَجْعَتَهُ، فَإِنِّي أَرَى أَنْ يُزَكِّيَ عَنْهُ.
وَإِنْ كَانَ إِبَاقُهُ قَدْ طَالَ، وَيَئِسَ مِنْهُ، فَلَا أَرَى أَنْ يُزَكِّيَ عَنْهُ قَالَ مَالِكٍ: تَجِبُ زَكَاةُ الْفِطْرِ عَلَى أَهْلِ الْبَادِيَةِ كَمَا تَجِبُ عَلَى أَهْلِ الْقُرَى، وَذَلِكَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَرَضَ زَكَاةَ الْفِطْرِ مِنْ رَمَضَانَ عَلَى النَّاسِ.
عَلَى كُلِّ حُرٍّ أَوْ عَبْدٍ.
ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى مِنَ الْمُسْلِمِينَ.


( مالك عن نافع أن عبد الله بن عمر كان يخرج زكاة الفطر عن غلمانه) أرقائه ( الذين بوادي القرى) بضم القاف وفتح الراء مقصور موضع بقرب المدينة ( وبخيبر) بمعجمة وتحتية فموحدة فراء بوزن جعفر مدينة كبيرة ذات حصون ومزارع ونخل كثير على نحو أربعة أيام من المدينة إلى جهة الشام ( مالك أن أحسن ما سمعت فيما يجب على الرجل من زكاة الفطر أن الرجل يؤدي ذلك عن كل من يضمن نفقته) ضمان وجوب كما قال ( ولا بد له) لا فراق ولا محالة ( من أن ينفق عليه) كزوجته ( والرجل يؤدي عن مكاتبه) لأنه عبد ما بقي عليه درهم ولأن الأصل أن السيد يمونه ولكنه لكتابته اشترط عليه ما هو لازم للسيد من مؤنته فبقيت زكاة الفطر على السيد وبهذا قال عطاء وأبو ثور وقال الأئمة الثلاثة وهي رواية عن مالك أيضًا لا زكاة عليه في مكاتبه لأنه لا يمونه وجائز له أخذ الصدقة وإن كان مولاه غنيًا وروي عن ابن عمر ( ومدبره) فإنه لا خلاف أنه كالقن ( ورقيقه كلهم غائبهم وشاهدهم) حاضرهم عطف عام قدم عليه الخاص اهتمامًا به لفضله نحو سبعًا من المثاني والقرآن العظيم وقيد الجميع بقوله ( من كان منهم مسلمًا ومن كان منهم لتجارة أو لغير تجارة) وبهذا قال الشافعي وأحمد والليث والأوزاعي وإسحاق والجمهور وقال أبو حنيفة والثوري وغيرهما لا زكاة فطر في رقيق التجارة لأن عليه فيهم الزكاة ولا تجب في مال واحد زكاتان ( ومن لم يكن منهم مسلمًا فلا زكاة عليه فيه) لأن الحديث قيد بقوله من المسلمين ( قال مالك في العبد الآبق إن سيده إن علم مكانه أو لم يعلم وكانت غيبته قريبة وهو يرجو حياته ورجعته) رجوعه إليه ( فإني أرى أن يزكي عنه) وجوبًا ( وإن كان إباقه قد طال ويئس منه فلا أرى أن يزكي عنه) وقال أبو حنيفة لا زكاة على سيده فيهما والشافعي يزكي إن علم حياته وإن لم يرج رجعته وأحمد إن علم مكانه ( قال مالك تجب زكاة الفطر على أهل البادية كما تجب على أهل القرى وذلك أن رسول الله صلى الله عليه وسلم فرض زكاة الفطر من رمضان) قال الجمهور أي ألزم وأوجب ( على الناس) وقالت طائفة قدر ورده الباجي بأن على تقتضي الإيجاب فلا يصح أن فرض بمعنى قدر ولأن الموجب عليه غير الموجب عنه وقد صح أنه صلى الله عليه وسلم أمر بذلك وهو يدل على أنه لا يراد به قدر ( على كل حر أو عبد ذكر أو أنثى من المسلمين) فعمومه شامل لأهل البادية فهذا نص من الإمام بصحة الاحتجاج بالعموم وبهذا قال الجمهور وقال الليث والزهري وربيعة ليس على أهل البادية زكاة فطر إنما هي على أهل القرى.


رقم الحديث 632 وَحَدَّثَنِي عَنْ مَالِكٍ عَنْ نَافِعٍ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ، أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ حَمَلَ عَلَى فَرَسٍ فِي سَبِيلِ اللَّهِ، فَأَرَادَ أَنْ يَبْتَاعَهُ فَسَأَلَ عَنْ ذَلِكَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ: لَا تَبْتَعْهُ وَلَا تَعُدْ فِي صَدَقَتِكَ قَالَ يَحْيَى: سُئِلَ مَالِكٌ عَنْ رَجُلٍ تَصَدَّقَ بِصَدَقَةٍ، فَوَجَدَهَا مَعَ غَيْرِ الَّذِي تَصَدَّقَ بِهَا عَلَيْهِ تُبَاعُ، أَيَشْتَرِيهَا؟ فَقَالَ: تَرْكُهَا أَحَبُّ إِلَيَّ.


( اشتراء الصدقة والعود فيها)

( مالك عن زيد بن أسلم) العدوي مولاهم المدني عن أبيه أسلم المخضرم مولى عمر مات سنة ستين وهو ابن أربع عشرة ومائة سنة ( أنه قال سمعت عمر بن الخطاب وهو يقول حملت) رجلاً ( على فرس) أي تصدقت به ووهبته له ليقاتل عليه ( عتيق) أي كريم سابق والجمع عتاق والعتيق الفائق من كل شيء واسم هذا الفرس الورد أهداه تميم الداري للنبي صلى الله عليه وسلم فأعطاه عمر فحمل عليه أخرجه ابن سعد عن سهل بن سعد ولا يعارضه ما رواه مسلم ولم يسق لفظه وساقه أبو عوانة عن ابن عمر أن عمر حمل على فرس فأعطاه صلى الله عليه وسلم رجلاً لأنه يحمل على أن عمر لما أراد أن يتصدق به فوض إليه صلى الله عليه وسلم اختيار من يتصدق به عليه أو استشاره فيمن يحمله عليه فأشار عليه فنسبت إليه العطية لكونه أمر بها ( في سبيل الله) الجهاد لا الوقف فلا حجة فيه لمن أجاز بيع الموقوف إذا بلغ غاية لا يتصور الانتفاع به فيما وقف له ( وكان الرجل الذي هو عنده) أي الذي حمله عليه قال الحافظ لم أقف على اسمه ( قد أضاعه) أي لم يحسن القيام عليه وقصر في مؤنته وخدمته وقيل لم يعرف مقداره فأراد بيعه بدون قيمته وقيل معناه استعمله في غير ما جعل له والأول أظهر ويدل له رواية مسلم من طريق روح بن القاسم عن زيد بن أسلم فوجده قد أضاعه وكان قليل المال فأشار إلى علة ذلك وإلى عذره في إرادة بيعه انتهى وقال الباجي أي لم يحسن القيام عليه وهذا يبعد في حق الصحابة إلا لعذر أو صيره ضائعًا من الهزال لفرط مباشرة الجهاد والأتعاب له فيه ( فأردت أن أشتريه منه وظننت أنه بائعه برخص) بضم الراء مصدر رخص السعر وأرخصه الله فهو رخيص ( فسألت عن ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال لا تشتره) بلا ياء قبل الهاء جزم على النهي ولابن مهدي لا تبتعه ( وإن أعطاكه بدرهم واحد) مبالغة في رخصه وهو الحامل له على شرائه ويستفاد منه أن البائع ملكه ولو كان وقفًا كما قيل وجاز له بيعه لأنه لا ينتفع فيما حبس عليه لما كان له بيعه إلا بالقيمة الوافرة ولا كان له أن يسامح منها بشيء ولو كان المشتري هو المحبس ويستفاد من التعليل المذكور أيضًا أنه لو وجده مثلاً يباع بأغلى من ثمنه لم يتناوله النهي كذا في الفتح وفي رواية التنيسي لا تشتره ولا تعد في صدقتك وإن أعطاكه بدرهم وعليها سأل ابن المنير أن الاغياء في النهي عادته أن يكون بالأخفى والأدنى كقوله تعالى { { فلا تقل لهما أف } } ولا خفاء أن إعطاءه إياه بدرهم أقرب إلى الرجوع في الصدقة مما إذا باعه بقيمته وكلامه صلى الله عليه وسلم هو الحجة في الفصاحة وأجاب بأن المراد لا تغلب الدنيا على الآخرة وإن وفرها معطيها فإذا زهد فيها وهي موفرة فلأن يزهد فيها وهي مقترة أولى فهذا على وفق القاعدة ( فإن العائد في صدقته كالكلب يعود في قيئه) الفاء للتعليل أي كما يقبح أن يقيء ثم يأكل كذلك يقبح أن يتصدق بشيء ثم يجره إلى نفسه بوجه من الوجوه فشبه بأخس الحيوان في أخس أحواله تصويرًا للتهجين وتنفيرًا منه وبه استدل على حرمة ذلك لأن القيء حرام قال القرطبي وغيره وهو الظاهر من سياق الحديث وذهب الجمهور إلى الكراهة لأن فعل الكلب لا يوصف بتحريم لعدم تكليفه فالتشبيه للتنفير خاصة لأن القيء مما يستقذر ووجه الشبه أنه أخرج في الصدقة أوساخه وأدناسه فأشبه تغير الطعام إلى حال القيء وألحق بالصدقة ما شابهها من كفارة ونذر وغيرهما من القربات وبالشراء الهبة ونحوها مما يتملكه باختياره وأما إذا ورثه فلا كراهة وأبعد من قال يتصدق به قال الطبري يخص من عموم هذا الحديث من وهب بشرط الثواب ووالد وهب ولده والهبة التي لم تقبض والتي ردها الميراث إلى الواهب لثبوت الأخبار باستثناء كل ذلك وما عدا ذلك كالغني يهب للفقير ونحو من يصل رحمه فلا رجوع لهؤلاء ومما لا رجوع فيه مطلقًا الصدقة يراد بها ثواب الآخرة واستشكل ذكر عمر لذلك مع ما فيه من إذاعة عمل البر وكتمانه أرجح وأجيب بأنه تعارض عنده المصلحتان الكتمان وتبليغ الحكم الشرعي فرجح الثاني فعمل به وتعقب بأنه كان يمكنه أن يقول حمل رجل رجلاً على فرس مثلاً ولا يقول حملت فيجمع بين المصلحتين قال الحافظ والظاهر أن محل رجحان الكتمان إنما هو قبل الفعل وعنده وأما بعد وقوعه فلعل الذي أعطيه أذاع ذلك فانتفى الكتمان ويضاف إليه أن في إضافة ذلك إلى نفسه تأكيدًا لصحة الحكم المذكور لأن الذي تقع له القصة أجدر بضبطها ممن ليس عنده إلا وقوعها بحضوره فلما أمن ما يخشى من الإعلان بالقصد صرح بإضافة الحكم إلى نفسه ويحتمل أن محل ترجيح الكتمان إن خشي على نفسه من الإعلان العجب والرياء أما من أمن ذلك كعمر فلا انتهى وهذا الحديث أخرجه البخاري في الزكاة عن عبد الله بن يوسف وفي الهبة عن يحيى بن قزعة بفتح القاف والزاي والمهملة وفي الجهاد عن إسماعيل ومسلم في الوصايا والصدقة عن القعنبي ومن طريق ابن مهدي الخمسة عن مالك به ( مالك عن نافع عن عبد الله بن عمر أن عمر بن الخطاب حمل على فرس) أي جعله حمولة لرجل مجاهد ليس له حمولة وفي رواية سالم عن أبيه أن عمر تصدق بفرس ( في سبيل الله) وظاهره أنه حمله عليه حمل تمليك ليغزو عليه ولذا ساغ له بيعه وقيل إن عمر وقفه وإنما ساغ للرجل بيعه لأنه حصل فيه هزال عجز لأجله عن اللحاق بالخيل وضعف عن ذلك وانتهى إلى عدم الانتفاع به ويحتاج إلى ثبوت ذلك ويدل على أنه تمليك قوله ( فأراد أن يبتاعه) أي يشتريه إذ لو كان وقفًا لم يرد ذلك ( فسأل عن ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال لا تبتعه) بالجزم أي لا تشتره ( ولا تعد في صدقتك) وفيه دلالة على أنه تمليك ولو كان حبسًا لقال في وقفك أو حبسك وسمى الشراء عودًا في الصدقة لأن العادة جرت بالمسامحة من البائع في مثل ذلك للمشتري فأطلق على القدر الذي يسامح به رجوعًا وهذا الحديث رواه البخاري في الجهاد عن إسماعيل وعن عبد الله بن يوسف ومسلم في الوصايا والصدقة عن يحيى الثلاثة عن مالك به ولمالك في هذا الحديث إسناد ثالث عن عمرو بن دينار عن ثابت الأحنف عن ابن عمر أخرجه ابن عبد البر ( قال يحيى سئل مالك عن رجل تصدق بصدقة فوجدها مع غير الذي تصدق بها عليه تباع أيشتريها فقال تركها أحب إلي) إذ لا فرق بين اشترائها من نفس من تصدق بها عليه أو من غيره في المعنى لرجوعه فيما تركه لله تعالى كما حرم الله على المهاجرين سكنى مكة بعد هجرتهم منها لله عز وجل ولا يفسخ البيع إن وقع مع أن النهي يقتضي الفساد للإجماع على ثبوت البيع كما قال ابن المنذر قال ابن عبد البر لاحتمال أن حديث الباب على التنزيه وقطع الذريعة ويدل له قوله صلى الله عليه وسلم في الخمسة الذين تحل لهم الصدقة أو رجل اشتراها بماله فلم يخص المتصدق من غيره قال وعندي أن الخصوص قاض على العموم لأنه مستثنى منه فلو قيل لا تحل الصدقة لغني إلا لمن اشتراها بماله ما لم يكن هو المتصدق لم يكن معارضًا فيستعمل الحديثين دون رد أحدهما فيمنع المتصدق من شراء صدقته انتهى ولك أن تقول نعم الخصوص قاض على العام لكن لا نسلم إفادته الحرمة لأن غاية قولنا ما لم يكن هو المتصدق فلا تحل له وعدم الحل صادق بالكراهة وإن احتملها واحتمل الحرمة سقط به الاستدلال.