فهرس الكتاب

شرح الزرقاني - بَابُ مَا جَاءَ فِي قَتْلِ الْحَيَّاتِ وَمَا يُقَالُ فِي ذَلِكَ

رقم الحديث 1788 حَدَّثَنِي مَالِكٌ عَنْ نَافِعٍ، عَنْ أَبِي لُبَابَةَ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَهَى عَنْ قَتْلِ الْحَيَّاتِ الَّتِي فِي الْبُيُوتِ.


( مالك عن نافع) مولى ابن عمر الثقة الثبت الفقيه المتوفى سنة سبع عشرة ومائة أو بعدها ( عن أبي لبابة) بضم اللام وبموحدتين خفيفتين صحابي مشهور اسمه بشير بفتح الموحدة وكسر المعجمة وقيل مصغر وقيل بتحتية ومهملة مصغر وقيل اسمه رفاعة وقيل اسمه كنيته ورفاعة وبشير أخواه واسم جده زنبر بزاي ونون وموحدة وزن جعفر وهو أوسي من بني أمية بن زيد وشذ من قال اسمه مروان وكان أحد النقباء وشهد أحدًا ويقال شهد بدرًا واستعمله النبي صلى الله عليه وسلم على المدينة وكانت معه راية قومه يوم الفتح ومات في أول خلافة عثمان على الصحيح كذا في الفتح وفي الإصابة مات في خلافة علي وقال خليفة مات بعد قتل عثمان ويقال عاش إلى بعد الخمسين روى عنه ابن عمر وابنه سالم ومولاه نافع وغيره ( أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى عن قتل الحيات التي في البيوت) يعني دون إنذار لأن الجن تتمثل بها قال الحافظ وظاهره تعميم جميع البيوت وعن مالك تخصيصه ببيوت المدينة وقيل تختص ببيوت المدينة دون غيرها وهو على كل قول فتقتل في البراري والصحاري من غير إنذار وروى الترمذي عن ابن المبارك أنها الحية التي تكون كأنها فضة ولا تلتوي في مشيتها انتهى وفي الأبي أن مالكًا نهى عن قتل حيات بيوت غير المدينة أيضًا بلا إنذار ولكنه عنده في بيوت المدينة آكد وقصره ابن نافع على بيوت المدينة ورأى أن حيات غيرها بخلافها لحديث اقتلوا الحيات وإنها إحدى الخمس التي يقتلها المحرم والحلال في الحل والحرم ولم يذكر إنذار فحديث المدينة مخصص لهذا العموم ( مالك عن نافع) مولى ابن عمر ( عن سائبة مولاة لعائشة) مرسل وهو موصول في الصحيحين بنحوه من حديث ابن عمر وعائشة وأبي لبابة ( أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى عن قتل الجنان) بكسر الجيم وفتح النون الثقيلة جمع جان وهي الحية الصغيرة وقيل الرفيعة الخفيفة وقيل الرقيقة البيضاء وقيل ما لا يتعرض لأذية الناس وعن ابن عباس الجنان مسخ الجن كما مسخت القردة من بني إسرائيل وقال ابن وهب هي عوامر البيوت فتمثل في صفة حية رقيقة بالمدينة وغيرها وهي التي نهى عن قتلها حتى تنذر وذكر الترمذي عن ابن المبارك إنما يقتل من الحيات التي تكون رقيقة كأنها فضة ولا تلتوي في مشيها قاله عياض قال الأبي لولا تفسير من فسر الجنان بالحيات عمومًا لتوهم أنه لا ينذر من جنان البيوت إلا الصغير على من فسر الجنان بالصغير ( التي في البيوت) عمومًا أو بيوت خاصة على ما مر حتى تنذر ويقتل ما وجد في الصحاري بلا إنذار قال مالك ويقتل ما وجد منها في المساجد ( إلا ذا الطفيتين) بضم الطاء المهملة وسكون الفاء تثنية طفية وهي خوصة المقل شبه به الخطين اللذين على ظهر الحية قاله المازري وغيره وقال ابن عبد البر يقال إن ذا الطفيتين جنس من الحيات يكون على ظهره خطان أبيضان ( والأبتر) مقطوع الذنب أو الحية الصغيرة الذنب وقال الداودي هو الأفعى التي قدر شبر أو أكثر قليلاً والعطف يقتضي التغاير بينهما وفي بعض طرق الحديث في الصحيح لا تقتلوا الجنان إلا كل أبتر ذي طفيتين وظاهره اتحادهما لكنه لا ينفي المغايرة وقال الكرماني الواو للجمع بين الوصفين لا بين الذاتين فالمعنى اقتلوا الحية الجامعة بين الأبترية وكونها ذات طفيتين كقولهم مررت بالرجل الكريم والنسمة المباركة ولا منافاة أيضًا بين الأمر بقتل ما اتصف بإحدى الصفتين وبقتل ما اتصف بهما معًا لأن الصفتين قد يجتمعان فيها وقد يفترقان ( فإنهما يخطفان) بفتح الطاء البصر وفي رواية يطمسان ( البصر) أي يمحوان نوره ( ويطرحان ما في بطون النساء) من الحمل وفي رواية ويسقطان الحبل بفتح الموحدة الجنين قال الأبي إما للفزع أو لخاصية فيهما وقد تكون الخاصية قول ابن شهاب نرى ذلك من سمهما قال الحافظ زعم الداودي أنه أذن في قتلهما لأن الجان لا يتمثل بهما وإنما يتم إن جعل الاستثناء منقطعًا فإن كان متصلاً ففيه رد عليه انتهى وبه علم قول السيوطي إنما استثنيا لأن مؤمني الجن لا يتصورون في صورهما لأذيتهما بنفس رؤيتهما وإنما يتصور مؤمنوا الجن بصورة من لا تضر رؤيته فإن هذا كلام الداودي وقد علم ما فيه وأيضًا تعليله بهذا خلاف ظاهر تعليله صلى الله عليه وسلم ( مالك عن صيفي) بن زياد الأنصاري مولاهم المدني من الثقات ( مولى ابن أفلح) بالفاء والمهملة ( عن ابن السائب) الأنصاري المدني يقال اسمه عبد الله بن السائب تابعي ثقة ( مولى هشام بن زهرة) بضم الزاي ( أنه قال دخلت على أبي سعيد الخدري) بيته ( فوجدته يصلي فجلست أنتظره حتى قضى) أي أتم ( صلاته فسمعت تحريكًا تحت سرير في بيته فإذا حية فقمت لأقتلها فأشار أبو سعيد أن اجلس) ولا تقتلها ( فلما انصرف) من الصلاة ( أشار إلى بيت في الدار قال أترى هذا البيت فقلت نعم) أراه ( قال إنه قد كان فيه فتى حديث عهد بعرس فخرج مع رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى الخندق) في غزوة الأحزاب ( فبينما هو به إذ أتاه يستأذنه) لقوله تعالى { { وإذا كانوا معه على أمر جامع } } الآية ( فقال يا رسول الله ائذن لي أحدث بأهلي) أي امرأتي ( عهدًا فأذن له رسول الله صلى الله عليه وسلم) في الذهاب إلى أهله ( وقال خذ عليك سلاحك فإني أخشى عليك بني قريظة) يقتضي أن بين المدينة والخندق خلاء يخشى عليه منهم قاله الأبي وزاد في رواية ابن وهب عن مالك وكان ذلك الفتى يستأذن رسول الله صلى الله عليه وسلم بإنصاف النهار فيرجع إلى أهله فاستأذنه يومًا فقال خذ عليك سلاحك إلخ قال عياض روينا أنصاف بفتح الهمزة أي بنصفي النهار وهو آخر نصفه الأول وأول الثاني وجمع مع الإضافة إلى النهار كما قال ظهور الترسين وقد يكون أنصاف مصدر نصف النهار إذا بلغ نصفه قال بعضهم إنما يقال نصف النهار إذا بلغ نصفه ولا يقال أنصف رباعيًا ( فانطلق) ولابن وهب فأخذ سلاحه ثم رجع ( الفتى إلى أهله فوجد امرأته قائمة بين البابين) خوفًا من الحية فظن هو سيئا ( فأهوى) مد يده ( إليها بالرمح ليطعنها) بضم العين ( وأدركته غيرة) بفتح المعجمة عطف علة على معلول ( فقالت لا تعجل حتى تدخل وتنظر ما في بيتك) وفي رواية ابن وهب فقالت اكفف عليك رمحك وادخل البيت حتى تنظر ما الذي أخرجني ( فدخل فإذا هو بحية منطوية على فراشه فركز فيها رمحه) ولابن وهب فأهوى إليها بالرمح فانتظمها به ( ثم خرج بها فنصبه) أي الرمح ( في الدار فاضطربت الحية في رأس الرمح وخر) سقط ( الفتى ميتًا فما يدرى أيهما كان أسرع موتًا الفتى أم الحية فذكر ذلك لرسول الله صلى الله عليه وسلم) ولابن وهب فجئنا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فذكرنا ذلك له وقلنا ادع الله أن يحييه لنا فقال استغفروا لصاحبكم قال القرطبي قالوا ذلك لما شاهدوه من إجابة دعوته وعموم بركته ( فقال إن بالمدينة جنا قد أسلموا) قال القرطبي وكذا أسلم بغيرها فيلزم المساواة في منع القتل إلا بإذن ولا يفهم من الحديث أن الذي قتله الفتى مسلم وأن الجن قتلته قصاصًا لأن القصاص وإن شرع بين الإنس والجن لكن شرطه العمد والفتى لم يتعمد قتل نفس مسلمة وإنما قتل مؤذيًا يسوغ له قتل نوعه شرعًا فهو من القتل خطأ فالأولى أن يقال إن فسقة الجن قتلته بصاحبهم عدوانًا وإنما قال صلى الله عليه وسلم إن بالمدينة جنًا قد أسلموا ليبين طريقًا يحصل بها التحرز عن قتل المسلم منهم ويسلط به على قتل الكافر منهم ( فإذا رأيتم منهم شيئًا فآذنوه ثلاثة أيام) قال عياض هذا تفسير قوله في الرواية الأخرى وبه أخذ مالك أن الإنذار ثلاثة أيام وإن ظهر في يوم ثلاث مرار لم يكف حتى ينذر ثلاثة أيام انتهى وصفة الإنذار روى الترمذي وحسنه عن أبي ليلى قال قال صلى الله عليه وسلم إذا ظهرت الحية في المسكن فقولوا لها نسألك بعهد نوح وبعهد سليمان بن داود لا تؤذينا فإن عادت فاقتلوها ولأبي داود من حديثه أنه صلى الله عليه وسلم سئل عن جنان البيوت فقال إذا رأيتم منهن شيئًا في مساكنكم فقولوا أنشدكم العهد الذي أخذ عليكم نوح أنشدكم العهد الذي أخذ عليكم سليمان أن لا تؤذونا فإن عدن فاقتلوهن وقال مالك يكفي أن يقال أحرج عليكم بالله واليوم الآخر أن لا تبدوا لنا ولا تؤذونا قال عياض أظنه أخذه من رواية لمسلم عن أبي سعيد فقال إن لهذه البيوت عوامر فإذا رأيتم شيئًا منها فحرجوا عليها ثلاثًا وقال في الفتح معناه أن يقال لهن أنتن في ضيق وحرج إن لبثت عندنا أو ظهرت لنا أو عدت إلينا ( فإن بدا لكم بعد ذلك فاقتلوه فإنما هو شيطان) وفي الطريق الثانية عند مسلم فإنه كافر وقال لهم اذهبوا فادفنوا صاحبكم قال عياض لأنه إذا لم يذهب بالإنذار بان أنه ليس من عمار البيوت ولا ممن أسلم وأنه شيطان فقتله مباح وأن الله سبحانه لم يجعل له سبيلاً إلى الاقتصاص ممن قتله كما فعل بجنان البيت ومن أسلم لم ينذر قال القرطبي والأمر في ذلك للإرشاد إلا محقق الضرر فيجب رفعه قال الأبي هل الموجب للاستئذان الإسلام أو خوف مثل ما وقع للفتى فإن كان الثاني فخوف وقوعه ممن لا يسلم أقوى إلا أن يقال يحتمل أن الله لم يقدر ذلك إلا على من يسلم دون الكافر ويدل عليه قوله فإنه كافر فإنه شيطان انتهى وبه جزم عياض كما رأيت وهو مدلول الحديث فالموجب للاستئذان الإسلام فلا معنى للتوقف والعجب أنه بعد أسطر نقل كلام عياض وهذا الحديث رواه مسلم من طريق ابن وهب عن مالك به ببعض زيادة علمتها وتابعه في ذلك شيخه صيفي بن أسماء بن عبيد عن أبي السائب عند مسلم قائلاً نحو حديث مالك عن صيفي وقال فيه فقال صلى الله عليه وسلم إن لهذه البيوت عوامر فإذا رأيتم شيئًا منها فحرجوا عليها ثلاثًا فإن ذهب وإلا فاقتلوه فإنه كافر وقال لهم اذهبوا فادفنوا صاحبكم وتابعه أيضًا في الحديث بدون القصة ابن عجلان عن صيفي في مسلم أيضًا نحوه.


رقم الحديث 1789 وَحَدَّثَنِي مَالِكٌ، عَنْ نَافِعٍ، عَنْ سَائِبَةَ مَوْلَاةٍ لِعَائِشَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَهَى عَنْ قَتْلِ الْجِنَّانِ الَّتِي فِي الْبُيُوتِ، إِلَّا ذَا الطُّفْيَتَيْنِ، وَالْأَبْتَرَ فَإِنَّهُمَا يَخْطِفَانِ الْبَصَرَ، وَيَطْرَحَانِ مَا فِي بُطُونِ النِّسَاءِ.


( مالك عن نافع) مولى ابن عمر الثقة الثبت الفقيه المتوفى سنة سبع عشرة ومائة أو بعدها ( عن أبي لبابة) بضم اللام وبموحدتين خفيفتين صحابي مشهور اسمه بشير بفتح الموحدة وكسر المعجمة وقيل مصغر وقيل بتحتية ومهملة مصغر وقيل اسمه رفاعة وقيل اسمه كنيته ورفاعة وبشير أخواه واسم جده زنبر بزاي ونون وموحدة وزن جعفر وهو أوسي من بني أمية بن زيد وشذ من قال اسمه مروان وكان أحد النقباء وشهد أحدًا ويقال شهد بدرًا واستعمله النبي صلى الله عليه وسلم على المدينة وكانت معه راية قومه يوم الفتح ومات في أول خلافة عثمان على الصحيح كذا في الفتح وفي الإصابة مات في خلافة علي وقال خليفة مات بعد قتل عثمان ويقال عاش إلى بعد الخمسين روى عنه ابن عمر وابنه سالم ومولاه نافع وغيره ( أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى عن قتل الحيات التي في البيوت) يعني دون إنذار لأن الجن تتمثل بها قال الحافظ وظاهره تعميم جميع البيوت وعن مالك تخصيصه ببيوت المدينة وقيل تختص ببيوت المدينة دون غيرها وهو على كل قول فتقتل في البراري والصحاري من غير إنذار وروى الترمذي عن ابن المبارك أنها الحية التي تكون كأنها فضة ولا تلتوي في مشيتها انتهى وفي الأبي أن مالكًا نهى عن قتل حيات بيوت غير المدينة أيضًا بلا إنذار ولكنه عنده في بيوت المدينة آكد وقصره ابن نافع على بيوت المدينة ورأى أن حيات غيرها بخلافها لحديث اقتلوا الحيات وإنها إحدى الخمس التي يقتلها المحرم والحلال في الحل والحرم ولم يذكر إنذار فحديث المدينة مخصص لهذا العموم ( مالك عن نافع) مولى ابن عمر ( عن سائبة مولاة لعائشة) مرسل وهو موصول في الصحيحين بنحوه من حديث ابن عمر وعائشة وأبي لبابة ( أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى عن قتل الجنان) بكسر الجيم وفتح النون الثقيلة جمع جان وهي الحية الصغيرة وقيل الرفيعة الخفيفة وقيل الرقيقة البيضاء وقيل ما لا يتعرض لأذية الناس وعن ابن عباس الجنان مسخ الجن كما مسخت القردة من بني إسرائيل وقال ابن وهب هي عوامر البيوت فتمثل في صفة حية رقيقة بالمدينة وغيرها وهي التي نهى عن قتلها حتى تنذر وذكر الترمذي عن ابن المبارك إنما يقتل من الحيات التي تكون رقيقة كأنها فضة ولا تلتوي في مشيها قاله عياض قال الأبي لولا تفسير من فسر الجنان بالحيات عمومًا لتوهم أنه لا ينذر من جنان البيوت إلا الصغير على من فسر الجنان بالصغير ( التي في البيوت) عمومًا أو بيوت خاصة على ما مر حتى تنذر ويقتل ما وجد في الصحاري بلا إنذار قال مالك ويقتل ما وجد منها في المساجد ( إلا ذا الطفيتين) بضم الطاء المهملة وسكون الفاء تثنية طفية وهي خوصة المقل شبه به الخطين اللذين على ظهر الحية قاله المازري وغيره وقال ابن عبد البر يقال إن ذا الطفيتين جنس من الحيات يكون على ظهره خطان أبيضان ( والأبتر) مقطوع الذنب أو الحية الصغيرة الذنب وقال الداودي هو الأفعى التي قدر شبر أو أكثر قليلاً والعطف يقتضي التغاير بينهما وفي بعض طرق الحديث في الصحيح لا تقتلوا الجنان إلا كل أبتر ذي طفيتين وظاهره اتحادهما لكنه لا ينفي المغايرة وقال الكرماني الواو للجمع بين الوصفين لا بين الذاتين فالمعنى اقتلوا الحية الجامعة بين الأبترية وكونها ذات طفيتين كقولهم مررت بالرجل الكريم والنسمة المباركة ولا منافاة أيضًا بين الأمر بقتل ما اتصف بإحدى الصفتين وبقتل ما اتصف بهما معًا لأن الصفتين قد يجتمعان فيها وقد يفترقان ( فإنهما يخطفان) بفتح الطاء البصر وفي رواية يطمسان ( البصر) أي يمحوان نوره ( ويطرحان ما في بطون النساء) من الحمل وفي رواية ويسقطان الحبل بفتح الموحدة الجنين قال الأبي إما للفزع أو لخاصية فيهما وقد تكون الخاصية قول ابن شهاب نرى ذلك من سمهما قال الحافظ زعم الداودي أنه أذن في قتلهما لأن الجان لا يتمثل بهما وإنما يتم إن جعل الاستثناء منقطعًا فإن كان متصلاً ففيه رد عليه انتهى وبه علم قول السيوطي إنما استثنيا لأن مؤمني الجن لا يتصورون في صورهما لأذيتهما بنفس رؤيتهما وإنما يتصور مؤمنوا الجن بصورة من لا تضر رؤيته فإن هذا كلام الداودي وقد علم ما فيه وأيضًا تعليله بهذا خلاف ظاهر تعليله صلى الله عليه وسلم ( مالك عن صيفي) بن زياد الأنصاري مولاهم المدني من الثقات ( مولى ابن أفلح) بالفاء والمهملة ( عن ابن السائب) الأنصاري المدني يقال اسمه عبد الله بن السائب تابعي ثقة ( مولى هشام بن زهرة) بضم الزاي ( أنه قال دخلت على أبي سعيد الخدري) بيته ( فوجدته يصلي فجلست أنتظره حتى قضى) أي أتم ( صلاته فسمعت تحريكًا تحت سرير في بيته فإذا حية فقمت لأقتلها فأشار أبو سعيد أن اجلس) ولا تقتلها ( فلما انصرف) من الصلاة ( أشار إلى بيت في الدار قال أترى هذا البيت فقلت نعم) أراه ( قال إنه قد كان فيه فتى حديث عهد بعرس فخرج مع رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى الخندق) في غزوة الأحزاب ( فبينما هو به إذ أتاه يستأذنه) لقوله تعالى { { وإذا كانوا معه على أمر جامع } } الآية ( فقال يا رسول الله ائذن لي أحدث بأهلي) أي امرأتي ( عهدًا فأذن له رسول الله صلى الله عليه وسلم) في الذهاب إلى أهله ( وقال خذ عليك سلاحك فإني أخشى عليك بني قريظة) يقتضي أن بين المدينة والخندق خلاء يخشى عليه منهم قاله الأبي وزاد في رواية ابن وهب عن مالك وكان ذلك الفتى يستأذن رسول الله صلى الله عليه وسلم بإنصاف النهار فيرجع إلى أهله فاستأذنه يومًا فقال خذ عليك سلاحك إلخ قال عياض روينا أنصاف بفتح الهمزة أي بنصفي النهار وهو آخر نصفه الأول وأول الثاني وجمع مع الإضافة إلى النهار كما قال ظهور الترسين وقد يكون أنصاف مصدر نصف النهار إذا بلغ نصفه قال بعضهم إنما يقال نصف النهار إذا بلغ نصفه ولا يقال أنصف رباعيًا ( فانطلق) ولابن وهب فأخذ سلاحه ثم رجع ( الفتى إلى أهله فوجد امرأته قائمة بين البابين) خوفًا من الحية فظن هو سيئا ( فأهوى) مد يده ( إليها بالرمح ليطعنها) بضم العين ( وأدركته غيرة) بفتح المعجمة عطف علة على معلول ( فقالت لا تعجل حتى تدخل وتنظر ما في بيتك) وفي رواية ابن وهب فقالت اكفف عليك رمحك وادخل البيت حتى تنظر ما الذي أخرجني ( فدخل فإذا هو بحية منطوية على فراشه فركز فيها رمحه) ولابن وهب فأهوى إليها بالرمح فانتظمها به ( ثم خرج بها فنصبه) أي الرمح ( في الدار فاضطربت الحية في رأس الرمح وخر) سقط ( الفتى ميتًا فما يدرى أيهما كان أسرع موتًا الفتى أم الحية فذكر ذلك لرسول الله صلى الله عليه وسلم) ولابن وهب فجئنا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فذكرنا ذلك له وقلنا ادع الله أن يحييه لنا فقال استغفروا لصاحبكم قال القرطبي قالوا ذلك لما شاهدوه من إجابة دعوته وعموم بركته ( فقال إن بالمدينة جنا قد أسلموا) قال القرطبي وكذا أسلم بغيرها فيلزم المساواة في منع القتل إلا بإذن ولا يفهم من الحديث أن الذي قتله الفتى مسلم وأن الجن قتلته قصاصًا لأن القصاص وإن شرع بين الإنس والجن لكن شرطه العمد والفتى لم يتعمد قتل نفس مسلمة وإنما قتل مؤذيًا يسوغ له قتل نوعه شرعًا فهو من القتل خطأ فالأولى أن يقال إن فسقة الجن قتلته بصاحبهم عدوانًا وإنما قال صلى الله عليه وسلم إن بالمدينة جنًا قد أسلموا ليبين طريقًا يحصل بها التحرز عن قتل المسلم منهم ويسلط به على قتل الكافر منهم ( فإذا رأيتم منهم شيئًا فآذنوه ثلاثة أيام) قال عياض هذا تفسير قوله في الرواية الأخرى وبه أخذ مالك أن الإنذار ثلاثة أيام وإن ظهر في يوم ثلاث مرار لم يكف حتى ينذر ثلاثة أيام انتهى وصفة الإنذار روى الترمذي وحسنه عن أبي ليلى قال قال صلى الله عليه وسلم إذا ظهرت الحية في المسكن فقولوا لها نسألك بعهد نوح وبعهد سليمان بن داود لا تؤذينا فإن عادت فاقتلوها ولأبي داود من حديثه أنه صلى الله عليه وسلم سئل عن جنان البيوت فقال إذا رأيتم منهن شيئًا في مساكنكم فقولوا أنشدكم العهد الذي أخذ عليكم نوح أنشدكم العهد الذي أخذ عليكم سليمان أن لا تؤذونا فإن عدن فاقتلوهن وقال مالك يكفي أن يقال أحرج عليكم بالله واليوم الآخر أن لا تبدوا لنا ولا تؤذونا قال عياض أظنه أخذه من رواية لمسلم عن أبي سعيد فقال إن لهذه البيوت عوامر فإذا رأيتم شيئًا منها فحرجوا عليها ثلاثًا وقال في الفتح معناه أن يقال لهن أنتن في ضيق وحرج إن لبثت عندنا أو ظهرت لنا أو عدت إلينا ( فإن بدا لكم بعد ذلك فاقتلوه فإنما هو شيطان) وفي الطريق الثانية عند مسلم فإنه كافر وقال لهم اذهبوا فادفنوا صاحبكم قال عياض لأنه إذا لم يذهب بالإنذار بان أنه ليس من عمار البيوت ولا ممن أسلم وأنه شيطان فقتله مباح وأن الله سبحانه لم يجعل له سبيلاً إلى الاقتصاص ممن قتله كما فعل بجنان البيت ومن أسلم لم ينذر قال القرطبي والأمر في ذلك للإرشاد إلا محقق الضرر فيجب رفعه قال الأبي هل الموجب للاستئذان الإسلام أو خوف مثل ما وقع للفتى فإن كان الثاني فخوف وقوعه ممن لا يسلم أقوى إلا أن يقال يحتمل أن الله لم يقدر ذلك إلا على من يسلم دون الكافر ويدل عليه قوله فإنه كافر فإنه شيطان انتهى وبه جزم عياض كما رأيت وهو مدلول الحديث فالموجب للاستئذان الإسلام فلا معنى للتوقف والعجب أنه بعد أسطر نقل كلام عياض وهذا الحديث رواه مسلم من طريق ابن وهب عن مالك به ببعض زيادة علمتها وتابعه في ذلك شيخه صيفي بن أسماء بن عبيد عن أبي السائب عند مسلم قائلاً نحو حديث مالك عن صيفي وقال فيه فقال صلى الله عليه وسلم إن لهذه البيوت عوامر فإذا رأيتم شيئًا منها فحرجوا عليها ثلاثًا فإن ذهب وإلا فاقتلوه فإنه كافر وقال لهم اذهبوا فادفنوا صاحبكم وتابعه أيضًا في الحديث بدون القصة ابن عجلان عن صيفي في مسلم أيضًا نحوه.


رقم الحديث 1790 وَحَدَّثَنِي مَالِكٌ، عَنْ صَيْفِيٍّ، مَوْلَى ابْنِ أَفْلَحَ، عَنْ أَبِي السَّائِبِ، مَوْلَى هِشَامِ بْنِ زُهْرَةَ أَنَّهُ قَالَ: دَخَلْتُ عَلَى أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ فَوَجَدْتُهُ يُصَلِّي، فَجَلَسْتُ أَنْتَظِرُهُ حَتَّى قَضَى صَلَاتَهُ، فَسَمِعْتُ تَحْرِيكًا تَحْتَ سَرِيرٍ فِي بَيْتِهِ، فَإِذَا حَيَّةٌ فَقُمْتُ لِأَقْتُلَهَا، فَأَشَارَ أَبُو سَعِيدٍ أَنِ اجْلِسْ، فَلَمَّا انْصَرَفَ أَشَارَ إِلَى بَيْتٍ فِي الدَّارِ، فَقَالَ: أَتَرَى هَذَا الْبَيْتَ؟ فَقُلْتُ: نَعَمْ، قَالَ: إِنَّهُ قَدْ كَانَ فِيهِ فَتًى حَدِيثُ عَهْدٍ بِعُرْسٍ، فَخَرَجَ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَى الْخَنْدَقِ، فَبَيْنَا هُوَ بِهِ إِذْ أَتَاهُ الْفَتَى يَسْتَأْذِنُهُ، فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، ائْذَنْ لِي أُحْدِثُ بِأَهْلِي عَهْدًا، فَأَذِنَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ،.

     وَقَالَ : خُذْ عَلَيْكَ سِلَاحَكَ، فَإِنِّي أَخْشَى عَلَيْكَ بَنِي قُرَيْظَةَ، فَانْطَلَقَ الْفَتَى إِلَى أَهْلِهِ، فَوَجَدَ امْرَأَتَهُ قَائِمَةً بَيْنَ الْبَابَيْنِ، فَأَهْوَى إِلَيْهَا بِالرُّمْحِ لِيَطْعُنَهَا، وَأَدْرَكَتْهُ غَيْرَةٌ، فَقَالَتْ: لَا تَعْجَلْ حَتَّى تَدْخُلَ وَتَنْظُرَ مَا فِي بَيْتِكَ، فَدَخَلَ فَإِذَا هُوَ بِحَيَّةٍ مُنْطَوِيَةٍ عَلَى فِرَاشِهِ، فَرَكَزَ فِيهَا رُمْحَهُ، ثُمَّ خَرَجَ بِهَا فَنَصَبَهُ فِي الدَّارِ، فَاضْطَرَبَتِ الْحَيَّةُ فِي رَأْسِ الرُّمْحِ، وَخَرَّ الْفَتَى مَيِّتًا، فَمَا يُدْرَى أَيُّهُمَا كَانَ أَسْرَعَ مَوْتًا الْفَتَى أَمِ الْحَيَّةُ؟ فَذُكِرَ ذَلِكَ لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ: إِنَّ بِالْمَدِينَةِ جِنًّا قَدْ أَسْلَمُوا، فَإِذَا رَأَيْتُمْ مِنْهُمْ شَيْئًا، فَآذِنُوهُ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ، فَإِنْ بَدَا لَكُمْ بَعْدَ ذَلِكَ فَاقْتُلُوهُ، فَإِنَّمَا هُوَ شَيْطَانٌ.


( مالك عن نافع) مولى ابن عمر الثقة الثبت الفقيه المتوفى سنة سبع عشرة ومائة أو بعدها ( عن أبي لبابة) بضم اللام وبموحدتين خفيفتين صحابي مشهور اسمه بشير بفتح الموحدة وكسر المعجمة وقيل مصغر وقيل بتحتية ومهملة مصغر وقيل اسمه رفاعة وقيل اسمه كنيته ورفاعة وبشير أخواه واسم جده زنبر بزاي ونون وموحدة وزن جعفر وهو أوسي من بني أمية بن زيد وشذ من قال اسمه مروان وكان أحد النقباء وشهد أحدًا ويقال شهد بدرًا واستعمله النبي صلى الله عليه وسلم على المدينة وكانت معه راية قومه يوم الفتح ومات في أول خلافة عثمان على الصحيح كذا في الفتح وفي الإصابة مات في خلافة علي وقال خليفة مات بعد قتل عثمان ويقال عاش إلى بعد الخمسين روى عنه ابن عمر وابنه سالم ومولاه نافع وغيره ( أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى عن قتل الحيات التي في البيوت) يعني دون إنذار لأن الجن تتمثل بها قال الحافظ وظاهره تعميم جميع البيوت وعن مالك تخصيصه ببيوت المدينة وقيل تختص ببيوت المدينة دون غيرها وهو على كل قول فتقتل في البراري والصحاري من غير إنذار وروى الترمذي عن ابن المبارك أنها الحية التي تكون كأنها فضة ولا تلتوي في مشيتها انتهى وفي الأبي أن مالكًا نهى عن قتل حيات بيوت غير المدينة أيضًا بلا إنذار ولكنه عنده في بيوت المدينة آكد وقصره ابن نافع على بيوت المدينة ورأى أن حيات غيرها بخلافها لحديث اقتلوا الحيات وإنها إحدى الخمس التي يقتلها المحرم والحلال في الحل والحرم ولم يذكر إنذار فحديث المدينة مخصص لهذا العموم ( مالك عن نافع) مولى ابن عمر ( عن سائبة مولاة لعائشة) مرسل وهو موصول في الصحيحين بنحوه من حديث ابن عمر وعائشة وأبي لبابة ( أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى عن قتل الجنان) بكسر الجيم وفتح النون الثقيلة جمع جان وهي الحية الصغيرة وقيل الرفيعة الخفيفة وقيل الرقيقة البيضاء وقيل ما لا يتعرض لأذية الناس وعن ابن عباس الجنان مسخ الجن كما مسخت القردة من بني إسرائيل وقال ابن وهب هي عوامر البيوت فتمثل في صفة حية رقيقة بالمدينة وغيرها وهي التي نهى عن قتلها حتى تنذر وذكر الترمذي عن ابن المبارك إنما يقتل من الحيات التي تكون رقيقة كأنها فضة ولا تلتوي في مشيها قاله عياض قال الأبي لولا تفسير من فسر الجنان بالحيات عمومًا لتوهم أنه لا ينذر من جنان البيوت إلا الصغير على من فسر الجنان بالصغير ( التي في البيوت) عمومًا أو بيوت خاصة على ما مر حتى تنذر ويقتل ما وجد في الصحاري بلا إنذار قال مالك ويقتل ما وجد منها في المساجد ( إلا ذا الطفيتين) بضم الطاء المهملة وسكون الفاء تثنية طفية وهي خوصة المقل شبه به الخطين اللذين على ظهر الحية قاله المازري وغيره وقال ابن عبد البر يقال إن ذا الطفيتين جنس من الحيات يكون على ظهره خطان أبيضان ( والأبتر) مقطوع الذنب أو الحية الصغيرة الذنب وقال الداودي هو الأفعى التي قدر شبر أو أكثر قليلاً والعطف يقتضي التغاير بينهما وفي بعض طرق الحديث في الصحيح لا تقتلوا الجنان إلا كل أبتر ذي طفيتين وظاهره اتحادهما لكنه لا ينفي المغايرة وقال الكرماني الواو للجمع بين الوصفين لا بين الذاتين فالمعنى اقتلوا الحية الجامعة بين الأبترية وكونها ذات طفيتين كقولهم مررت بالرجل الكريم والنسمة المباركة ولا منافاة أيضًا بين الأمر بقتل ما اتصف بإحدى الصفتين وبقتل ما اتصف بهما معًا لأن الصفتين قد يجتمعان فيها وقد يفترقان ( فإنهما يخطفان) بفتح الطاء البصر وفي رواية يطمسان ( البصر) أي يمحوان نوره ( ويطرحان ما في بطون النساء) من الحمل وفي رواية ويسقطان الحبل بفتح الموحدة الجنين قال الأبي إما للفزع أو لخاصية فيهما وقد تكون الخاصية قول ابن شهاب نرى ذلك من سمهما قال الحافظ زعم الداودي أنه أذن في قتلهما لأن الجان لا يتمثل بهما وإنما يتم إن جعل الاستثناء منقطعًا فإن كان متصلاً ففيه رد عليه انتهى وبه علم قول السيوطي إنما استثنيا لأن مؤمني الجن لا يتصورون في صورهما لأذيتهما بنفس رؤيتهما وإنما يتصور مؤمنوا الجن بصورة من لا تضر رؤيته فإن هذا كلام الداودي وقد علم ما فيه وأيضًا تعليله بهذا خلاف ظاهر تعليله صلى الله عليه وسلم ( مالك عن صيفي) بن زياد الأنصاري مولاهم المدني من الثقات ( مولى ابن أفلح) بالفاء والمهملة ( عن ابن السائب) الأنصاري المدني يقال اسمه عبد الله بن السائب تابعي ثقة ( مولى هشام بن زهرة) بضم الزاي ( أنه قال دخلت على أبي سعيد الخدري) بيته ( فوجدته يصلي فجلست أنتظره حتى قضى) أي أتم ( صلاته فسمعت تحريكًا تحت سرير في بيته فإذا حية فقمت لأقتلها فأشار أبو سعيد أن اجلس) ولا تقتلها ( فلما انصرف) من الصلاة ( أشار إلى بيت في الدار قال أترى هذا البيت فقلت نعم) أراه ( قال إنه قد كان فيه فتى حديث عهد بعرس فخرج مع رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى الخندق) في غزوة الأحزاب ( فبينما هو به إذ أتاه يستأذنه) لقوله تعالى { { وإذا كانوا معه على أمر جامع } } الآية ( فقال يا رسول الله ائذن لي أحدث بأهلي) أي امرأتي ( عهدًا فأذن له رسول الله صلى الله عليه وسلم) في الذهاب إلى أهله ( وقال خذ عليك سلاحك فإني أخشى عليك بني قريظة) يقتضي أن بين المدينة والخندق خلاء يخشى عليه منهم قاله الأبي وزاد في رواية ابن وهب عن مالك وكان ذلك الفتى يستأذن رسول الله صلى الله عليه وسلم بإنصاف النهار فيرجع إلى أهله فاستأذنه يومًا فقال خذ عليك سلاحك إلخ قال عياض روينا أنصاف بفتح الهمزة أي بنصفي النهار وهو آخر نصفه الأول وأول الثاني وجمع مع الإضافة إلى النهار كما قال ظهور الترسين وقد يكون أنصاف مصدر نصف النهار إذا بلغ نصفه قال بعضهم إنما يقال نصف النهار إذا بلغ نصفه ولا يقال أنصف رباعيًا ( فانطلق) ولابن وهب فأخذ سلاحه ثم رجع ( الفتى إلى أهله فوجد امرأته قائمة بين البابين) خوفًا من الحية فظن هو سيئا ( فأهوى) مد يده ( إليها بالرمح ليطعنها) بضم العين ( وأدركته غيرة) بفتح المعجمة عطف علة على معلول ( فقالت لا تعجل حتى تدخل وتنظر ما في بيتك) وفي رواية ابن وهب فقالت اكفف عليك رمحك وادخل البيت حتى تنظر ما الذي أخرجني ( فدخل فإذا هو بحية منطوية على فراشه فركز فيها رمحه) ولابن وهب فأهوى إليها بالرمح فانتظمها به ( ثم خرج بها فنصبه) أي الرمح ( في الدار فاضطربت الحية في رأس الرمح وخر) سقط ( الفتى ميتًا فما يدرى أيهما كان أسرع موتًا الفتى أم الحية فذكر ذلك لرسول الله صلى الله عليه وسلم) ولابن وهب فجئنا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فذكرنا ذلك له وقلنا ادع الله أن يحييه لنا فقال استغفروا لصاحبكم قال القرطبي قالوا ذلك لما شاهدوه من إجابة دعوته وعموم بركته ( فقال إن بالمدينة جنا قد أسلموا) قال القرطبي وكذا أسلم بغيرها فيلزم المساواة في منع القتل إلا بإذن ولا يفهم من الحديث أن الذي قتله الفتى مسلم وأن الجن قتلته قصاصًا لأن القصاص وإن شرع بين الإنس والجن لكن شرطه العمد والفتى لم يتعمد قتل نفس مسلمة وإنما قتل مؤذيًا يسوغ له قتل نوعه شرعًا فهو من القتل خطأ فالأولى أن يقال إن فسقة الجن قتلته بصاحبهم عدوانًا وإنما قال صلى الله عليه وسلم إن بالمدينة جنًا قد أسلموا ليبين طريقًا يحصل بها التحرز عن قتل المسلم منهم ويسلط به على قتل الكافر منهم ( فإذا رأيتم منهم شيئًا فآذنوه ثلاثة أيام) قال عياض هذا تفسير قوله في الرواية الأخرى وبه أخذ مالك أن الإنذار ثلاثة أيام وإن ظهر في يوم ثلاث مرار لم يكف حتى ينذر ثلاثة أيام انتهى وصفة الإنذار روى الترمذي وحسنه عن أبي ليلى قال قال صلى الله عليه وسلم إذا ظهرت الحية في المسكن فقولوا لها نسألك بعهد نوح وبعهد سليمان بن داود لا تؤذينا فإن عادت فاقتلوها ولأبي داود من حديثه أنه صلى الله عليه وسلم سئل عن جنان البيوت فقال إذا رأيتم منهن شيئًا في مساكنكم فقولوا أنشدكم العهد الذي أخذ عليكم نوح أنشدكم العهد الذي أخذ عليكم سليمان أن لا تؤذونا فإن عدن فاقتلوهن وقال مالك يكفي أن يقال أحرج عليكم بالله واليوم الآخر أن لا تبدوا لنا ولا تؤذونا قال عياض أظنه أخذه من رواية لمسلم عن أبي سعيد فقال إن لهذه البيوت عوامر فإذا رأيتم شيئًا منها فحرجوا عليها ثلاثًا وقال في الفتح معناه أن يقال لهن أنتن في ضيق وحرج إن لبثت عندنا أو ظهرت لنا أو عدت إلينا ( فإن بدا لكم بعد ذلك فاقتلوه فإنما هو شيطان) وفي الطريق الثانية عند مسلم فإنه كافر وقال لهم اذهبوا فادفنوا صاحبكم قال عياض لأنه إذا لم يذهب بالإنذار بان أنه ليس من عمار البيوت ولا ممن أسلم وأنه شيطان فقتله مباح وأن الله سبحانه لم يجعل له سبيلاً إلى الاقتصاص ممن قتله كما فعل بجنان البيت ومن أسلم لم ينذر قال القرطبي والأمر في ذلك للإرشاد إلا محقق الضرر فيجب رفعه قال الأبي هل الموجب للاستئذان الإسلام أو خوف مثل ما وقع للفتى فإن كان الثاني فخوف وقوعه ممن لا يسلم أقوى إلا أن يقال يحتمل أن الله لم يقدر ذلك إلا على من يسلم دون الكافر ويدل عليه قوله فإنه كافر فإنه شيطان انتهى وبه جزم عياض كما رأيت وهو مدلول الحديث فالموجب للاستئذان الإسلام فلا معنى للتوقف والعجب أنه بعد أسطر نقل كلام عياض وهذا الحديث رواه مسلم من طريق ابن وهب عن مالك به ببعض زيادة علمتها وتابعه في ذلك شيخه صيفي بن أسماء بن عبيد عن أبي السائب عند مسلم قائلاً نحو حديث مالك عن صيفي وقال فيه فقال صلى الله عليه وسلم إن لهذه البيوت عوامر فإذا رأيتم شيئًا منها فحرجوا عليها ثلاثًا فإن ذهب وإلا فاقتلوه فإنه كافر وقال لهم اذهبوا فادفنوا صاحبكم وتابعه أيضًا في الحديث بدون القصة ابن عجلان عن صيفي في مسلم أيضًا نحوه.