فهرس الكتاب

شرح الزرقاني - بَابُ الْقِرَاءَةِ فِي صَلَاةِ الْجُمُعَةِ ، وَالْاحْتِبَاءِ ، وَمَنْ تَرَكَهَا مِنْ

رقم الحديث 250 حَدَّثَنِي يَحْيَى، عَنْ مَالِكٍ، عَنْ ضَمْرَةَ بْنِ سَعِيدٍ الْمَازِنِيِّ عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُتْبَةَ بْنِ مَسْعُودٍ أَنَّ الضَّحَّاكَ بْنَ قَيْسٍ، سَأَلَ النُّعْمَانَ بْنَ بَشِيرٍ مَاذَا كَانَ يَقْرَأُ بِهِ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَوْمَ الْجُمُعَةِ، عَلَى إِثْرِ سُورَةِ الْجُمُعَةِ؟ قَالَ: كَانَ يَقْرَأُ { { هَلْ أَتَاكَ حَدِيثُ الْغَاشِيَةِ } }

( مَالِكٍ عَنْ ضَمْرَةَ) بفتح المعجمة وسكون الميم ( بْنِ سَعِيدٍ) بفتح السين ابن أبي حنة بمهملة ثم نون وقيل موحدة الأنصاري ( الْمَازِنِيِّ) بزاي ونون من بني مازن بن النجار المدني ثقة روى له مسلم وأصحاب السنن ( عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ) بضم العين ( بْنِ عَبْدِ اللَّهِ) بفتحها ( بْنِ عُتْبَةَ) بضمها وإسكان الفوقية ( بْنِ مَسْعُودٍ) أحد الفقهاء ( أَنَّ الضَّحَّاكَ بْنَ قَيْسٍ) بن خالد بن وهب الفهري أبو أنيس الأمير المشهور صحابي قتل في وقعة مرج راهط سنة أربع وستين ( سَأَلَ النُّعْمَانَ بْنَ بَشِيرٍ) بن سعد بن ثعلبة الأنصاري الخزرجي له ولأبيه صحبة ثم سكن الشام ثم ولي إمرة الكوفة ثم قتل بحمص سنة خمس وستين وله أربع وستون سنة ( مَاذَا كَانَ يَقْرَأُ بِهِ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَوْمَ الْجُمُعَةِ) بعد الفاتحة في الركعة الثانية ( عَلَى إِثْرِ سُورَةِ الْجُمُعَةِ؟) التي كان يقرؤها في الركعة الأولى ( قَالَ: كَانَ يَقْرَأُ { { هَلْ أَتَاكَ حَدِيثُ الْغَاشِيَةِ } } )

قال أبو عمر قوله: على أثر سورة الجمعة يدل على أنه كان يقرؤها فلم يحتج إلى السؤال عن ذلك لعلمه به، ويدل على أنه لو كان يقرأ معها شيئًا واحدًا أبدًا لعلمه كما علم سورة الجمعة ولكنه كان مختلفًا فسأل عن الأغلب منه، وقد اختلفت الآثار فيه والعلماء وهو من الاختلاف المباح الذي ورد ورود التخيير فروي أنه صلى الله عليه وسلم كان يقرأ في العيدين والجمعة بـ { { سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الأعْلَى } } و { { هَلْ أَتَاكَ حَدِيثُ الْغَاشِيَةِ } } وإذا اجتمع العيدان في يوم قرأهما جميعًا.

وروي أنه صلى الله عليه وسلم قرأ بسورة الجمعة في الركعة الأولى و { { إِذَا جَاءَكَ الْمُنَافِقُونَ } } في الآخرة، واختار هذا الشافعي وهو قول أبي هريرة وعلي وهي آثار صحاح، وذهب مالك إلى ما في الموطأ أنه يقرأ بسورة الجمعة و { { هَلْ أَتَاكَ } } وأجاز في الثانية { { سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الأعْلَى } } وجملة قوله أنه لا يترك الجمعة في الأولى ويقرأ في الثانية بما شاء إلا أنه يستحب ما ذكرنا.

( مَالِكٍ عَنْ صَفْوَانَ بْنِ سُلَيْمٍ) بضم السين الزهري مولاهم المدني الثقة العابد التابعي الصغير ( قَالَ مَالِكٌ: لَا أَدْرِي أَعَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَمْ لَا) قال أبو عمر: هذا يسند من وجوه أحسنها حديث أبي الجعد الضمري بنحوه عن النبي صلى الله عليه وسلم ( أَنَّهُ قَالَ: مَنْ تَرَكَ الْجُمُعَةَ) ممن تجب عليه ( ثَلَاثَ مَرَّاتٍ مِنْ غَيْرِ عُذْرٍ) كشدّة وحل ( وَلَا عِلَّةٍ) من مرض ونحوه ( طَبَعَ اللَّهُ عَلَى قَلْبِهِ) أي ختم عليه وغشاه ومنعه ألطافه فلا يصل إليه شيء من الخير أو جعل فيه الجهل والجفاء والقسوة أو صير قلبه قلب منافق والطبع بسكون الباء الختم وبالتحريك الدنس وأصله الوسخ يغشى السيف، ثم استعمل فيما يشبه ذلك من الآثام والقبائح.

أخرج الشافعي في الأمّ وأحمد وأصحاب السنن وصححه الحاكم وغيره عن أبي الجعد الضمري مرفوعًا: من ترك الجمعة ثلاث مرات تهاونًا بها طبع الله على قلبه.

وأخرج ابن عبد البر عن أبي قتادة مرفوعًا: من ترك الجمعة ثلاث مرات من غير ضرورة فقد طبع على قلبه.

وأخرج أيضًا عن أبي هريرة رفعه: من ترك الجمعة ثلاثًا ولاء من غير عذر فقد طبع الله على قلبه.

وأخرج الشافعي عن ابن عباس مرفوعًا: من ترك الجمعة ثلاثًا من غير ضرورة كتب منافقًا في كتاب لا يمحى ولا يبدل والمراد النفاق العملي.

وأخرج أبو يعلى برواة الصحيح عن ابن عباس رفعه: من ترك ثلاث جمعات متواليات فقد نبذ الإسلام وراء ظهره.

وفي مسلم عن ابن عمر وأبي هريرة أنهما سمعا رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: لينتهين أقوام عن ودعهم الجمعات أو ليختمن على قلوبهم ثم ليكونن من الغافلين.

وقال ابن مسعود والحسن: إنّ الصلاة التي أراد صلى الله عليه وسلم أن يحرق على من تخلف عنها بيته هي الجمعة.
قال أبو عمر: سأل رجل ابن عباس شهرًا كل يوم يسأله ما تقول في رجل يصوم النهار ويقوم الليل ولا يشهد الجمعة ولا الجماعات؟ فكان ابن عباس يقول له في ذلك كله: صاحبك في النار، ويحتمل أن ابن عباس عرف حال المسئول عنه باعتقاد مذهب الخوارج في استحلال دماء المسلمين وتكفيرهم، ولذا ترك الجمعة والجماعات فأجابه بذلك تغليظًا عليه.

( مَالِكٍ عَنْ جَعْفَرِ) الصادق لصدقه في مقاله ( بْنِ مُحَمَّدٍ) الباقر بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب الهاشمي المدني الفقيه الصدوق الإمام المتوفى سنة ثمان وأربعين ومائة.
ذكر مصعب الزبيري عن مالك قال: اختلفت إلى جعفر بن محمد زمانًا فما كنت أراه إلا على ثلاث خصال: إما مصل وإما صائم وإما يقرأ القرآن وما رأيته يحدّث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم إلا على طهارة، وكان لا يتكلم فيما لا يعنيه، وكان من العلماء العباد الزهاد الذين يخشون الله، ولقد حججت معه سنة فلما أتى الشجرة أحرم، فلما أراد أن يهل كاد يغشى عليه فقلت له: لا بدّ لك من ذلك وكان يحبني وينبسط إلي فقال لي: يا ابن أبي عامر إني أخشى أن أقول لبيك اللهم لبيك.
فيقول: لا لبيك ولا سعديك، وذكر عن جدّه علي بن حسين أنه لما أراد أن يقول لبيك أو قالها غشي عليه وسقط من ناقته فتهشم وجهه.

( عَنْ أَبِيهِ) محمد الباقر لأنه بقر العلم أي شقه فعرف أصله وخفيه ثقة فاضل تابعي ( أنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خَطَبَ خُطْبَتَيْنِ يَوْمَ الْجُمُعَةِ وَجَلَسَ بَيْنَهُمَا) أرسله الموطأ وهو يتصل من غير حديث مالك ففي الصحيحين من طريق عبيد الله بن عمر عن نافع عن ابن عمر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يخطب خطبتين قائمًا يفصل بينهما بجلوس، وبهذا استدل الشافعية على وجوب الجلوس بينهما لمواظبته عليه السلام على ذلك مع قوله: صلوا كما رأيتموني أصلي وتعقبه ابن دقيق العيد: بأن ذلك يتوقف على ثبوت أن إقامة الخطبتين داخل في كيفية الصلاة وإلاّ فهو استدلال بمجرد الفعل اهـ.

وذهب الجمهور والأئمة الثلاثة إلى أنها سنة وحكمة ذلك الفصل بين الخطبتين وقيل الراحة، وعلى الأوّل وهو الأظهر يكفي السكوت بقدرها.



رقم الحديث 251 وَحَدَّثَنِي عَنْ مَالِكٍ، عَنْ صَفْوَانَ بْنِ سُلَيْمٍ قَالَ مَالِكٌ: لَا أَدْرِي أَعَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَمْ لَا؟ أَنَّهُ قَالَ: مَنْ تَرَكَ الْجُمُعَةَ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ، مِنْ غَيْرِ عُذْرٍ وَلَا عِلَّةٍ، طَبَعَ اللَّهُ عَلَى قَلْبِهِ.


( مَالِكٍ عَنْ ضَمْرَةَ) بفتح المعجمة وسكون الميم ( بْنِ سَعِيدٍ) بفتح السين ابن أبي حنة بمهملة ثم نون وقيل موحدة الأنصاري ( الْمَازِنِيِّ) بزاي ونون من بني مازن بن النجار المدني ثقة روى له مسلم وأصحاب السنن ( عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ) بضم العين ( بْنِ عَبْدِ اللَّهِ) بفتحها ( بْنِ عُتْبَةَ) بضمها وإسكان الفوقية ( بْنِ مَسْعُودٍ) أحد الفقهاء ( أَنَّ الضَّحَّاكَ بْنَ قَيْسٍ) بن خالد بن وهب الفهري أبو أنيس الأمير المشهور صحابي قتل في وقعة مرج راهط سنة أربع وستين ( سَأَلَ النُّعْمَانَ بْنَ بَشِيرٍ) بن سعد بن ثعلبة الأنصاري الخزرجي له ولأبيه صحبة ثم سكن الشام ثم ولي إمرة الكوفة ثم قتل بحمص سنة خمس وستين وله أربع وستون سنة ( مَاذَا كَانَ يَقْرَأُ بِهِ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَوْمَ الْجُمُعَةِ) بعد الفاتحة في الركعة الثانية ( عَلَى إِثْرِ سُورَةِ الْجُمُعَةِ؟) التي كان يقرؤها في الركعة الأولى ( قَالَ: كَانَ يَقْرَأُ { { هَلْ أَتَاكَ حَدِيثُ الْغَاشِيَةِ } } )

قال أبو عمر قوله: على أثر سورة الجمعة يدل على أنه كان يقرؤها فلم يحتج إلى السؤال عن ذلك لعلمه به، ويدل على أنه لو كان يقرأ معها شيئًا واحدًا أبدًا لعلمه كما علم سورة الجمعة ولكنه كان مختلفًا فسأل عن الأغلب منه، وقد اختلفت الآثار فيه والعلماء وهو من الاختلاف المباح الذي ورد ورود التخيير فروي أنه صلى الله عليه وسلم كان يقرأ في العيدين والجمعة بـ { { سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الأعْلَى } } و { { هَلْ أَتَاكَ حَدِيثُ الْغَاشِيَةِ } } وإذا اجتمع العيدان في يوم قرأهما جميعًا.

وروي أنه صلى الله عليه وسلم قرأ بسورة الجمعة في الركعة الأولى و { { إِذَا جَاءَكَ الْمُنَافِقُونَ } } في الآخرة، واختار هذا الشافعي وهو قول أبي هريرة وعلي وهي آثار صحاح، وذهب مالك إلى ما في الموطأ أنه يقرأ بسورة الجمعة و { { هَلْ أَتَاكَ } } وأجاز في الثانية { { سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الأعْلَى } } وجملة قوله أنه لا يترك الجمعة في الأولى ويقرأ في الثانية بما شاء إلا أنه يستحب ما ذكرنا.

( مَالِكٍ عَنْ صَفْوَانَ بْنِ سُلَيْمٍ) بضم السين الزهري مولاهم المدني الثقة العابد التابعي الصغير ( قَالَ مَالِكٌ: لَا أَدْرِي أَعَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَمْ لَا) قال أبو عمر: هذا يسند من وجوه أحسنها حديث أبي الجعد الضمري بنحوه عن النبي صلى الله عليه وسلم ( أَنَّهُ قَالَ: مَنْ تَرَكَ الْجُمُعَةَ) ممن تجب عليه ( ثَلَاثَ مَرَّاتٍ مِنْ غَيْرِ عُذْرٍ) كشدّة وحل ( وَلَا عِلَّةٍ) من مرض ونحوه ( طَبَعَ اللَّهُ عَلَى قَلْبِهِ) أي ختم عليه وغشاه ومنعه ألطافه فلا يصل إليه شيء من الخير أو جعل فيه الجهل والجفاء والقسوة أو صير قلبه قلب منافق والطبع بسكون الباء الختم وبالتحريك الدنس وأصله الوسخ يغشى السيف، ثم استعمل فيما يشبه ذلك من الآثام والقبائح.

أخرج الشافعي في الأمّ وأحمد وأصحاب السنن وصححه الحاكم وغيره عن أبي الجعد الضمري مرفوعًا: من ترك الجمعة ثلاث مرات تهاونًا بها طبع الله على قلبه.

وأخرج ابن عبد البر عن أبي قتادة مرفوعًا: من ترك الجمعة ثلاث مرات من غير ضرورة فقد طبع على قلبه.

وأخرج أيضًا عن أبي هريرة رفعه: من ترك الجمعة ثلاثًا ولاء من غير عذر فقد طبع الله على قلبه.

وأخرج الشافعي عن ابن عباس مرفوعًا: من ترك الجمعة ثلاثًا من غير ضرورة كتب منافقًا في كتاب لا يمحى ولا يبدل والمراد النفاق العملي.

وأخرج أبو يعلى برواة الصحيح عن ابن عباس رفعه: من ترك ثلاث جمعات متواليات فقد نبذ الإسلام وراء ظهره.

وفي مسلم عن ابن عمر وأبي هريرة أنهما سمعا رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: لينتهين أقوام عن ودعهم الجمعات أو ليختمن على قلوبهم ثم ليكونن من الغافلين.

وقال ابن مسعود والحسن: إنّ الصلاة التي أراد صلى الله عليه وسلم أن يحرق على من تخلف عنها بيته هي الجمعة.
قال أبو عمر: سأل رجل ابن عباس شهرًا كل يوم يسأله ما تقول في رجل يصوم النهار ويقوم الليل ولا يشهد الجمعة ولا الجماعات؟ فكان ابن عباس يقول له في ذلك كله: صاحبك في النار، ويحتمل أن ابن عباس عرف حال المسئول عنه باعتقاد مذهب الخوارج في استحلال دماء المسلمين وتكفيرهم، ولذا ترك الجمعة والجماعات فأجابه بذلك تغليظًا عليه.

( مَالِكٍ عَنْ جَعْفَرِ) الصادق لصدقه في مقاله ( بْنِ مُحَمَّدٍ) الباقر بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب الهاشمي المدني الفقيه الصدوق الإمام المتوفى سنة ثمان وأربعين ومائة.
ذكر مصعب الزبيري عن مالك قال: اختلفت إلى جعفر بن محمد زمانًا فما كنت أراه إلا على ثلاث خصال: إما مصل وإما صائم وإما يقرأ القرآن وما رأيته يحدّث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم إلا على طهارة، وكان لا يتكلم فيما لا يعنيه، وكان من العلماء العباد الزهاد الذين يخشون الله، ولقد حججت معه سنة فلما أتى الشجرة أحرم، فلما أراد أن يهل كاد يغشى عليه فقلت له: لا بدّ لك من ذلك وكان يحبني وينبسط إلي فقال لي: يا ابن أبي عامر إني أخشى أن أقول لبيك اللهم لبيك.
فيقول: لا لبيك ولا سعديك، وذكر عن جدّه علي بن حسين أنه لما أراد أن يقول لبيك أو قالها غشي عليه وسقط من ناقته فتهشم وجهه.

( عَنْ أَبِيهِ) محمد الباقر لأنه بقر العلم أي شقه فعرف أصله وخفيه ثقة فاضل تابعي ( أنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خَطَبَ خُطْبَتَيْنِ يَوْمَ الْجُمُعَةِ وَجَلَسَ بَيْنَهُمَا) أرسله الموطأ وهو يتصل من غير حديث مالك ففي الصحيحين من طريق عبيد الله بن عمر عن نافع عن ابن عمر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يخطب خطبتين قائمًا يفصل بينهما بجلوس، وبهذا استدل الشافعية على وجوب الجلوس بينهما لمواظبته عليه السلام على ذلك مع قوله: صلوا كما رأيتموني أصلي وتعقبه ابن دقيق العيد: بأن ذلك يتوقف على ثبوت أن إقامة الخطبتين داخل في كيفية الصلاة وإلاّ فهو استدلال بمجرد الفعل اهـ.

وذهب الجمهور والأئمة الثلاثة إلى أنها سنة وحكمة ذلك الفصل بين الخطبتين وقيل الراحة، وعلى الأوّل وهو الأظهر يكفي السكوت بقدرها.



رقم الحديث 252 وَحَدَّثَنِي عَنْ مَالِكٍ، عَنْ جَعْفَرِ بْنِ مُحَمَّدٍ، عَنْ أَبِيهِ أنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خَطَبَ خُطْبَتَيْنِ يَوْمَ الْجُمُعَةِ، وَجَلَسَ بَيْنَهُمَا.


( مَالِكٍ عَنْ ضَمْرَةَ) بفتح المعجمة وسكون الميم ( بْنِ سَعِيدٍ) بفتح السين ابن أبي حنة بمهملة ثم نون وقيل موحدة الأنصاري ( الْمَازِنِيِّ) بزاي ونون من بني مازن بن النجار المدني ثقة روى له مسلم وأصحاب السنن ( عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ) بضم العين ( بْنِ عَبْدِ اللَّهِ) بفتحها ( بْنِ عُتْبَةَ) بضمها وإسكان الفوقية ( بْنِ مَسْعُودٍ) أحد الفقهاء ( أَنَّ الضَّحَّاكَ بْنَ قَيْسٍ) بن خالد بن وهب الفهري أبو أنيس الأمير المشهور صحابي قتل في وقعة مرج راهط سنة أربع وستين ( سَأَلَ النُّعْمَانَ بْنَ بَشِيرٍ) بن سعد بن ثعلبة الأنصاري الخزرجي له ولأبيه صحبة ثم سكن الشام ثم ولي إمرة الكوفة ثم قتل بحمص سنة خمس وستين وله أربع وستون سنة ( مَاذَا كَانَ يَقْرَأُ بِهِ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَوْمَ الْجُمُعَةِ) بعد الفاتحة في الركعة الثانية ( عَلَى إِثْرِ سُورَةِ الْجُمُعَةِ؟) التي كان يقرؤها في الركعة الأولى ( قَالَ: كَانَ يَقْرَأُ { { هَلْ أَتَاكَ حَدِيثُ الْغَاشِيَةِ } } )

قال أبو عمر قوله: على أثر سورة الجمعة يدل على أنه كان يقرؤها فلم يحتج إلى السؤال عن ذلك لعلمه به، ويدل على أنه لو كان يقرأ معها شيئًا واحدًا أبدًا لعلمه كما علم سورة الجمعة ولكنه كان مختلفًا فسأل عن الأغلب منه، وقد اختلفت الآثار فيه والعلماء وهو من الاختلاف المباح الذي ورد ورود التخيير فروي أنه صلى الله عليه وسلم كان يقرأ في العيدين والجمعة بـ { { سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الأعْلَى } } و { { هَلْ أَتَاكَ حَدِيثُ الْغَاشِيَةِ } } وإذا اجتمع العيدان في يوم قرأهما جميعًا.

وروي أنه صلى الله عليه وسلم قرأ بسورة الجمعة في الركعة الأولى و { { إِذَا جَاءَكَ الْمُنَافِقُونَ } } في الآخرة، واختار هذا الشافعي وهو قول أبي هريرة وعلي وهي آثار صحاح، وذهب مالك إلى ما في الموطأ أنه يقرأ بسورة الجمعة و { { هَلْ أَتَاكَ } } وأجاز في الثانية { { سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الأعْلَى } } وجملة قوله أنه لا يترك الجمعة في الأولى ويقرأ في الثانية بما شاء إلا أنه يستحب ما ذكرنا.

( مَالِكٍ عَنْ صَفْوَانَ بْنِ سُلَيْمٍ) بضم السين الزهري مولاهم المدني الثقة العابد التابعي الصغير ( قَالَ مَالِكٌ: لَا أَدْرِي أَعَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَمْ لَا) قال أبو عمر: هذا يسند من وجوه أحسنها حديث أبي الجعد الضمري بنحوه عن النبي صلى الله عليه وسلم ( أَنَّهُ قَالَ: مَنْ تَرَكَ الْجُمُعَةَ) ممن تجب عليه ( ثَلَاثَ مَرَّاتٍ مِنْ غَيْرِ عُذْرٍ) كشدّة وحل ( وَلَا عِلَّةٍ) من مرض ونحوه ( طَبَعَ اللَّهُ عَلَى قَلْبِهِ) أي ختم عليه وغشاه ومنعه ألطافه فلا يصل إليه شيء من الخير أو جعل فيه الجهل والجفاء والقسوة أو صير قلبه قلب منافق والطبع بسكون الباء الختم وبالتحريك الدنس وأصله الوسخ يغشى السيف، ثم استعمل فيما يشبه ذلك من الآثام والقبائح.

أخرج الشافعي في الأمّ وأحمد وأصحاب السنن وصححه الحاكم وغيره عن أبي الجعد الضمري مرفوعًا: من ترك الجمعة ثلاث مرات تهاونًا بها طبع الله على قلبه.

وأخرج ابن عبد البر عن أبي قتادة مرفوعًا: من ترك الجمعة ثلاث مرات من غير ضرورة فقد طبع على قلبه.

وأخرج أيضًا عن أبي هريرة رفعه: من ترك الجمعة ثلاثًا ولاء من غير عذر فقد طبع الله على قلبه.

وأخرج الشافعي عن ابن عباس مرفوعًا: من ترك الجمعة ثلاثًا من غير ضرورة كتب منافقًا في كتاب لا يمحى ولا يبدل والمراد النفاق العملي.

وأخرج أبو يعلى برواة الصحيح عن ابن عباس رفعه: من ترك ثلاث جمعات متواليات فقد نبذ الإسلام وراء ظهره.

وفي مسلم عن ابن عمر وأبي هريرة أنهما سمعا رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: لينتهين أقوام عن ودعهم الجمعات أو ليختمن على قلوبهم ثم ليكونن من الغافلين.

وقال ابن مسعود والحسن: إنّ الصلاة التي أراد صلى الله عليه وسلم أن يحرق على من تخلف عنها بيته هي الجمعة.
قال أبو عمر: سأل رجل ابن عباس شهرًا كل يوم يسأله ما تقول في رجل يصوم النهار ويقوم الليل ولا يشهد الجمعة ولا الجماعات؟ فكان ابن عباس يقول له في ذلك كله: صاحبك في النار، ويحتمل أن ابن عباس عرف حال المسئول عنه باعتقاد مذهب الخوارج في استحلال دماء المسلمين وتكفيرهم، ولذا ترك الجمعة والجماعات فأجابه بذلك تغليظًا عليه.

( مَالِكٍ عَنْ جَعْفَرِ) الصادق لصدقه في مقاله ( بْنِ مُحَمَّدٍ) الباقر بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب الهاشمي المدني الفقيه الصدوق الإمام المتوفى سنة ثمان وأربعين ومائة.
ذكر مصعب الزبيري عن مالك قال: اختلفت إلى جعفر بن محمد زمانًا فما كنت أراه إلا على ثلاث خصال: إما مصل وإما صائم وإما يقرأ القرآن وما رأيته يحدّث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم إلا على طهارة، وكان لا يتكلم فيما لا يعنيه، وكان من العلماء العباد الزهاد الذين يخشون الله، ولقد حججت معه سنة فلما أتى الشجرة أحرم، فلما أراد أن يهل كاد يغشى عليه فقلت له: لا بدّ لك من ذلك وكان يحبني وينبسط إلي فقال لي: يا ابن أبي عامر إني أخشى أن أقول لبيك اللهم لبيك.
فيقول: لا لبيك ولا سعديك، وذكر عن جدّه علي بن حسين أنه لما أراد أن يقول لبيك أو قالها غشي عليه وسقط من ناقته فتهشم وجهه.

( عَنْ أَبِيهِ) محمد الباقر لأنه بقر العلم أي شقه فعرف أصله وخفيه ثقة فاضل تابعي ( أنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خَطَبَ خُطْبَتَيْنِ يَوْمَ الْجُمُعَةِ وَجَلَسَ بَيْنَهُمَا) أرسله الموطأ وهو يتصل من غير حديث مالك ففي الصحيحين من طريق عبيد الله بن عمر عن نافع عن ابن عمر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يخطب خطبتين قائمًا يفصل بينهما بجلوس، وبهذا استدل الشافعية على وجوب الجلوس بينهما لمواظبته عليه السلام على ذلك مع قوله: صلوا كما رأيتموني أصلي وتعقبه ابن دقيق العيد: بأن ذلك يتوقف على ثبوت أن إقامة الخطبتين داخل في كيفية الصلاة وإلاّ فهو استدلال بمجرد الفعل اهـ.

وذهب الجمهور والأئمة الثلاثة إلى أنها سنة وحكمة ذلك الفصل بين الخطبتين وقيل الراحة، وعلى الأوّل وهو الأظهر يكفي السكوت بقدرها.