فهرس الكتاب

شرح الزرقاني - بَابُ مَا جَاءَ فِي الْخِيَارِ

رقم الحديث 1187 وَحَدَّثَنِي عَنْ مَالِكٍ عَنْ نَافِعٍ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ أَنَّهُ كَانَ يَقُولُ فِي الْأَمَةِ تَكُونُ تَحْتَ الْعَبْدِ فَتَعْتِقُ إِنَّ الْأَمَةَ لَهَا الْخِيَارُ مَا لَمْ يَمَسَّهَا قَالَ مَالِكٌ: وَإِنْ مَسَّهَا زَوْجُهَا فَزَعَمَتْ أَنَّهَا جَهِلَتْ، أَنَّ لَهَا الْخِيَارَ، فَإِنَّهَا تُتَّهَمُ وَلَا تُصَدَّقُ بِمَا ادَّعَتْ مِنَ الْجَهَالَةِ، وَلَا خِيَارَ لَهَا بَعْدَ أَنْ يَمَسَّهَا.


( ما جاء في الخيار)

( مالك عن ربيعة بن أبي عبد الرحمن) المدني الفقيه المعروف بربيعة الرأي القائل فيه مالك: ذهبت حلاوة الفقه منذ مات ربيعة ( عن القاسم بن محمد) بن الصديق ( عن) عمته ( عائشة أم المؤمنين أنها قالت كان في بريرة) بفتح الموحدة وكسر الراء وإسكان التحتية فراء ثانية فهاء تأنيث بزنة فعيلة من البرير؛ وهو ثمر الأراك، قيل: اسم أبيها صفوان وأن له صحبة وقيل كانت نبطية وقيل قبطية وقيل حبشية مولاة عائشة، وكانت تخدمها قبل أن تشتريها.
قيل: وكانت مولاة لقوم من الأنصار، وقيل لآل عتبة بن أبي لهب، وقيل لبني هلال، وقيل لآل أبي أحمد بن جحش.

قال في الإصابة: وفيه نظر فالذي هو مولاهم إنما هو زوجها.
والثاني خطأ فإن مولى عتبة سأل عائشة عن حكم هذه المسألة فذكرت له قصة بريرة أخرجه ابن سعد وأصله عند البخاري وأخرج أبو عمر عن زيد بن واقد أن عبد الملك بن مروان قال: كنت أجالس بريرة بالمدينة فكانت تقول لي: إني أرى فيك خصالاً وإنك لخليق أن تلي هذا الأمر فإن وليته فاحذر الدماء فإني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: إن الرجل ليدفع عن باب الجنة بعد أن ينظر إليه بملء محجمة من دم يريقه من مسلم بغير حق.
انتهى.
عاشت بريرة إلى زمن يزيد بن معاوية ( ثلاث سنن) أي علم بسببها ثلاثة أحكام من الشريعة، قال عياض: المعنى أنها شرعت في قصتها وما يظهر فيها مما سوى ذلك كان قد علم من غير قصتها.
وقال ابن عبد البر: قد أكثر الناس في تشقيق المعاني من حديث بريرة وتخريجها فلمحمد بن جرير في ذلك كتاب، ولمحمد بن خزيمة فيه كتاب، ولجماعة في ذلك أبواب وأكثر ذلك تكلف واستنباط محتمل لا يستغني عن دليل.
والذي قصدته عائشة هو عظم الأمر في قصتها.
وذكر ابن العربي أن ابن خزيمة استخرج منه ما ينيف عن مائتين وخمسين فائدة.
وجمع بعض الأئمة فوائد هذا الحديث فزادت على ثلثمائة لخصها في فتح الباري ووقع في رواية يزيد بن هارون عن عروة عن بريرة قالت: كان في ثلاث سنن أخرجه النسائي وقال: إنه خطأ، يعني والصواب عن عروة عن عائشة.
ولأبي داود من وجه آخر عن عائشة أربع سنن، وزاد وأمرها أن تعتد عدة الحرائر.
( فكانت إحدى السنن الثلاث أنها أعتقت) بضم الهمزة وكسر الفوقية، والذي أعتقها عائشة كما يأتي في كتاب العتق في حديث عائشة وابن عمر.
( فخيرت) بضم الخاء ( في) فراق ( زوجها) وفي البقاء معه على عصمته.
وفي رواية الدارقطني من طريق أبان بن صالح عن هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لبريرة: اذهبي فقد عتق معك بضعك.
وزاد ابن سعد عن الشعبي مرسلاً فاختاري، وإنما خيرت لتضررها بالمقام تحته من جهة أنها تتغير به وأن لسيده منعه عنها وأنه لا ولاية له على ولده.
وغير ذلك وهذا بخلاف ما إذا عتقت تحت حر فلا خيار لها لأن الكمال الحادث لها حاصل له فأشبه ما إذا أسلمت كتابية تحت مسلم فلو عتق بعضها فلا خيار لبقاء النقصان.
وأحكام الرق.

وفيه أن بيع الأمة المتزوجة ليس بطلاق إذ لو طلقت بمجرد البيع لم يكن للتخيير فائدة وإليه ذهب الجمهور، وقال بعض الصحابة والتابعين: البيع طلاق لظاهر قوله تعالى: { { وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ النِّسَاءِ إِلاَّ مَا مَلَكْتَ أَيْمَانُكُمْ } } واحتج الجمهور بحديث الباب ومن حيث النظر أنه عقد على منفعة فلا يبطل بيع الرقبة كما في العين المؤخرة والآية نزلت في المسبيات فهن المراد بملك اليمين على ما ثبت في الصحيح من سبب نزولها وليس في هذا الحديث تصريح بأن زوج بريرة عبد أو حر حين عتقت.
وفي البخاري عن ابن عباس: كان زوج بريرة عبدًا يقال له مغيث كأني أنظر إليه يطوف خلفها ويبكي ودموعه تسيل على لحيته.
فقال النبي صلى الله عليه وسلم لعباس: يا عباس ألا تعجب من حب مغيث بريرة ومن بغض بريرة مغيثًا فقال النبي صلى الله عليه وسلم: لو راجعته قالت: يا رسول الله تأمرني؟ قال: إنما أشفع قالت: لا حاجة لي فيه.

وفي الصحيحين والسنن الأربعة عن الأسود عن عائشة: أنه كان حرًا وبه تمسك الحنفية لقولهم يثبت الخيار للأمة إذا عتقت مطلقًا كانت تحت حر أو عبد، وتعقب بأن حديث الأسود اختلف فيه على راويه هل هو من قول الأسود؟ أو رواه عن عائشة؟ أو هو قول غيره؟ قال إبراهيم بن أبي طالب أحد الحفاظ من طبقة مسلم: خالف الأسود الناس في زوج بريرة.
وقال الإمام أحمد إنما يصح أنه كان حرًا عن الأسود وحده وصح عن ابن عباس وغيره أنه كان عبدًا.
ورواه علماء المدينة وإذا روى علماء المدينة شيئًا وعملوا به فهو أصح شيء وإذا عتقت الأمة تحت الحر فعقدها المتفق على صحته لا يفسخ بأمر مختلف فيه، وقال البخاري: قول الأسود منقطع وقول العباس وابنه عبدًا أصح.
وقال الدارقطني: لم يختلف على عروة عن عائشة أنه كان عبدًا.
وكذا قال جعفر بن محمد بن علي عن أبيه عن عائشة، وأبو الأسود أسامة الليثي عن القاسم.
وأما ما أخرجه قاسم بن أصبغ قال: أخبرنا أحمد بن يزيد المعلم ثنا موسى بن معاوية عن جرير عن هشام عن أبيه عن عائشة: كان زوج بريرة حرًا فهو وهم من موسى أو من أحمد فإن الحفاظ من أصحاب هشام ثم أصحاب جرير قالوا: كان عبدًا، ولم يختلف على ابن عباس أنه كان عبدًا.
وبه جزم الترمذي عن ابن عمر وحديثه عند الشافعي والدارقطني وغيرهما.

وأخرج النسائي بسند صحيح عن صفية بنت أبي عبيد قالت: كان زوج بريرة عبدًا.
قال النووي: ويؤيد ذلك قول عائشة: كان عبدًا ولو كان حرًا لم يخيرها فأخبرت وهي صاحبة القصة بأنه كان عبدًا، ثم عللت بقولها: ولو كان حرًا لم يخيرها، وهذا لا يكاد أحد يقوله إلا توقيفًا.
وقول من قال: كان عبدًا قبل العتق حرًا عنده لأن الرق يعقبه الحرية، لا العكس، فلا منافاة بين الروايتين تعقب بأن محل الجمع المذكور إذا تساوت الروايتان في القوة أما مع التفرد في مقابلة الجمع فالمنفردة شاذة والشاذ مردود ولهذا لم يعتبر الجمهور الجمع بينهما بما ذكر مع قولهم لا يصار إلى الترجيح مع إمكان الجمع بينهما لأن محله عندهم ما لم يظهر الغلط في إحداهما.
وقد روى الترمذي عن ابن عباس أنه كان عبدًا أسود يوم أعتقت وهذا يبطل الجمع.
ومغيث بضم الميم وكسر المعجمة وإسكان التحتية آخره مثلثة كما جزم به ابن ماكولا وغيره، وهو أثبت ممن قال معتب بفتح العين المهملة وشد الفوقية آخره موحدة.

( و) السنة الثانية ( قال رسول الله صلى الله عليه وسلم) حين أرادت عائشة أن تشتريها وقال أهلها: الولاء لنا ( الولاء لمن أعتق) وفي رواية: إنما الولاء ويأتي إن شاء الله شرحه في كتاب الولاء ( و) السنة الثالثة ( دخل رسول الله صلى الله عليه وسلم) حجرة عائشة ( والبرمة) بضم الموحدة وإسكان الراء، قال ابن الأثير: هي القدر مطلقًا وجمعها برم وهي في الأصل المتخذة من الحجر المعروف بالحجاز ( تفور) بالفاء ( بلحم) وفي رواية التنيسي والبرمة على النار، وكذا لابن وهب وزاد فدعا بطعام ( فقرب) بضم القاف وكسر الراء الثقيلة، قدم ( إليه خبز وأدم من أدم البيت) بضم الهمزة وإسكان المهملة، جمع إدام، وهو ما يؤكل مع الخبز أي شيء كان والإضافة للتخصيص ( فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ألم أر برمة) على النار ( فيها لحم) والهمزة للتقرير ( فقالوا: بلى يا رسول الله ولكن ذلك لحم تصدق) بضم التاء والصاد وكسر الدال المشددة ( به على بريرة وأنت لا تأكل الصدقة) لحرمتها عليك ( فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: هو عليها) وفي رواية لها ( صدقة وهو لنا هدية) حيث أهدته لنا لأن الصدقة يسوغ للفقير التصرف فيها بالإهداء والبيع وغير ذلك كتصرف الملاك في أملاكهم.
وأفاد أن التحريم إنما هو على الصفة لا على العين، فإذا تغيرت صفة الصدقة تغير حكمها فيجوز للغني ولو هاشميًا أكلها وشراؤها.

وسأل الأبي: هل من ذلك ما يتفق من نزول المرابطين ببعض أحياء العرب فيضيفونهم بحرام أو الغالب عليه الحرام فيجعلون بعض فقرائهم يقبل ذلك منهم صدقة ثم يهبه لهم؟ قال: وكان شيخنا أبو عبد الله يعني ابن عرفة يقول: لا ينجيهم ذلك لأنه تحيل، نعم إذا تحققت المفسدة بعدم الأكل جاز، ومن المصالح المجوزة للأكل خوفهم إن لم يأكلوا عدم قبولهم في ردّ ما نهبوه من أموال الناس ولكن الأولى تقليل الأكل.
قال عياض: وفيه أن سؤال الرجل عما يرى في بيته ليس بمذموم ولا مناف لمكارم الأخلاق، وقوله في حديث أم زرع ولا يسأل عما عهد ليس من هذا، وإنما ذلك أن يقول فيما عهد أين هو وما صنع به وأما شيء يجده فيقول: ما هذا فليس منه مع أن سؤاله صلى الله عليه وسلم إنما كان ليبين لهم حكم ما جهلوا لأنه علم أنهم لم يقدموا له إدام البيت دون سيد الأدم إلا لأمر اعتقدوه فكان كذلك فبين لهم حكمه.

وأخرجه البخاري في النكاح عن عبد الله بن يوسف وفي الطلاق عن إسماعيل ومسلم في الزكاة والعتق من طريق ابن وهب الثلاثة عن مالك به.

( مالك عن نافع عن عبد الله بن عمر أنه كان يقول في الأمة تكون تحت العبد فتعتق إن الأمة لها الخيار ما لم يمسها) فإن مسها سقط خيارها ( قال مالك وإن مسها زوجها فزعمت أنها جهلت أن لها الخيار فإنها تتهم ولا تصدق بما ادعت من الجهالة ولا خيار لها بعد أن يمسها) لاشتهار الحكم.

( مالك عن ابن شهاب عن عروة بن الزبير أن مولاة لبني عدي) من قريش ( يقال لها: زبراء) بزاي مفتوحة فموحدة ساكنة فراء فألف ممدودة، كما ضبطها ابن الأثير ( كانت تحت عبد وهي أمة يومئذ فعتقت قالت) زبراء ( فأرسلت إلي حفصة زوج النبي صلى الله عليه وسلم فدعتني فقالت: إني مخبرتك) بضم الميم وإسكان المعجمة فموحدة ( خبرًا ولا أحب أن تصنعي شيئًا إن أمرك بيدك ما لم يمسسك زوجك فإن مسك فليس لك من الأمر شيء) أي سقط خيارك ( قالت) زبراء ( فقلت: هو الطلاق ثم الطلاق ثم الطلاق ففارقته ثلاثًا) لكراهتها البقاء معه.
قال أبو عمر: لا أعلم لابن عمر وحفصة في ذلك مخالفًا من الصحابة.. وقد روي في قصة بريرة مرفوعًا دليل واضح على ما ذهبا إليه روى سعيد بن منصور عن ابن عباس: لما خيرت بريرة رأيت زوجها يتبعها في سكك المدينة ودموعه تسيل على لحيته، فكلم الناس له رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يطلب إليها فقال لها صلى الله عليه وسلم: زوجك وأبو ولدك.
فقالت: أتأمرني.
قال: إنما أنا شافع.
قالت: فلا حاجة لي فيه واختارت نفسها وكان اسمه مغيثًا عبدًا لآل المغيرة من بني مخزوم.

( مالك أنه بلغه عن سعيد بن المسيب أنه قال: أيما رجل تزوج امرأة وبه جنون أو ضرر فإنها تخير فإن شاءت قرت) بقيت عنده ( وإن شاءت فارقت) لما ينالها من الضرر وتخييرها ينفيه ( قال مالك في الأمة تكون تحت العبد ثم تعتق قبل أن يدخل بها أو يمسها إنها إن اختارت نفسها فلا صداق لها) لبقاء بضعها ( وهي تطليقة) واحدة لزوال الضرر بها ( وذلك الأمر عندنا) بالمدينة.

( مالك عن ابن شهاب أنه سمعه يقول: إذا خير الرجل امرأته فاختارته) أي الرجل ( فليس ذلك بطلاق قال مالك وذلك أحسن ما سمعت) لأنها ردت ما جعله لها ( قال مالك في المخيرة: إذا خيرها زوجها فاختارت نفسها فقد طلقت ثلاثًا وإن قال زوجها لم أخيرك إلا واحدة فليس له ذلك وذلك أحسن ما سمعته) فهي بخلاف المملكة ( وإن خيرها فقالت: قد قبلت واحدة وقال: لم أرد هذا وإنما خيرتك في الثلاث جميعًا أنها إن لم تقبل إلا واحدة أقامت عنده على نكاحها ولم يكن ذلك فراقًا إن شاء الله تعالى) أتى به تبركًا إذ الحكم عنده ما ذكر.



رقم الحديث 1188 وَحَدَّثَنِي عَنْ مَالِكٍ، عَنْ ابْنِ شِهَابٍ، عَنْ عُرْوَةَ بْنِ الزُّبَيْرِ أَنَّ مَوْلَاةً لِبَنِي عَدِيٍّ يُقَالُ لَهَا زَبْرَاءُ، أَخْبَرَتْهُ أَنَّهَا كَانَتْ تَحْتَ عَبْدٍ، وَهِيَ أَمَةٌ يَوْمَئِذٍ.
فَعَتَقَتْ، قَالَتْ: فَأَرْسَلَتْ إِلَيَّ حَفْصَةُ زَوْجُ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَدَعَتْنِي.
فَقَالَتْ: إِنِّي مُخْبِرَتُكِ خَبَرًا.
وَلَا أُحِبُّ أَنْ تَصْنَعِي شَيْئًا.
إِنَّ أَمْرَكِ بِيَدِكِ، مَا لَمْ يَمْسَسْكِ زَوْجُكِ، فَإِنْ مَسَّكِ فَلَيْسَ لَكِ مِنَ الْأَمْرِ شَيْءٌ.
قَالَتْ، فَقُلْتُ: هُوَ الطَّلَاقُ ثُمَّ الطَّلَاقُ ثُمَّ الطَّلَاقُ فَفَارَقَتْهُ ثَلَاثًا.


( ما جاء في الخيار)

( مالك عن ربيعة بن أبي عبد الرحمن) المدني الفقيه المعروف بربيعة الرأي القائل فيه مالك: ذهبت حلاوة الفقه منذ مات ربيعة ( عن القاسم بن محمد) بن الصديق ( عن) عمته ( عائشة أم المؤمنين أنها قالت كان في بريرة) بفتح الموحدة وكسر الراء وإسكان التحتية فراء ثانية فهاء تأنيث بزنة فعيلة من البرير؛ وهو ثمر الأراك، قيل: اسم أبيها صفوان وأن له صحبة وقيل كانت نبطية وقيل قبطية وقيل حبشية مولاة عائشة، وكانت تخدمها قبل أن تشتريها.
قيل: وكانت مولاة لقوم من الأنصار، وقيل لآل عتبة بن أبي لهب، وقيل لبني هلال، وقيل لآل أبي أحمد بن جحش.

قال في الإصابة: وفيه نظر فالذي هو مولاهم إنما هو زوجها.
والثاني خطأ فإن مولى عتبة سأل عائشة عن حكم هذه المسألة فذكرت له قصة بريرة أخرجه ابن سعد وأصله عند البخاري وأخرج أبو عمر عن زيد بن واقد أن عبد الملك بن مروان قال: كنت أجالس بريرة بالمدينة فكانت تقول لي: إني أرى فيك خصالاً وإنك لخليق أن تلي هذا الأمر فإن وليته فاحذر الدماء فإني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: إن الرجل ليدفع عن باب الجنة بعد أن ينظر إليه بملء محجمة من دم يريقه من مسلم بغير حق.
انتهى.
عاشت بريرة إلى زمن يزيد بن معاوية ( ثلاث سنن) أي علم بسببها ثلاثة أحكام من الشريعة، قال عياض: المعنى أنها شرعت في قصتها وما يظهر فيها مما سوى ذلك كان قد علم من غير قصتها.
وقال ابن عبد البر: قد أكثر الناس في تشقيق المعاني من حديث بريرة وتخريجها فلمحمد بن جرير في ذلك كتاب، ولمحمد بن خزيمة فيه كتاب، ولجماعة في ذلك أبواب وأكثر ذلك تكلف واستنباط محتمل لا يستغني عن دليل.
والذي قصدته عائشة هو عظم الأمر في قصتها.
وذكر ابن العربي أن ابن خزيمة استخرج منه ما ينيف عن مائتين وخمسين فائدة.
وجمع بعض الأئمة فوائد هذا الحديث فزادت على ثلثمائة لخصها في فتح الباري ووقع في رواية يزيد بن هارون عن عروة عن بريرة قالت: كان في ثلاث سنن أخرجه النسائي وقال: إنه خطأ، يعني والصواب عن عروة عن عائشة.
ولأبي داود من وجه آخر عن عائشة أربع سنن، وزاد وأمرها أن تعتد عدة الحرائر.
( فكانت إحدى السنن الثلاث أنها أعتقت) بضم الهمزة وكسر الفوقية، والذي أعتقها عائشة كما يأتي في كتاب العتق في حديث عائشة وابن عمر.
( فخيرت) بضم الخاء ( في) فراق ( زوجها) وفي البقاء معه على عصمته.
وفي رواية الدارقطني من طريق أبان بن صالح عن هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لبريرة: اذهبي فقد عتق معك بضعك.
وزاد ابن سعد عن الشعبي مرسلاً فاختاري، وإنما خيرت لتضررها بالمقام تحته من جهة أنها تتغير به وأن لسيده منعه عنها وأنه لا ولاية له على ولده.
وغير ذلك وهذا بخلاف ما إذا عتقت تحت حر فلا خيار لها لأن الكمال الحادث لها حاصل له فأشبه ما إذا أسلمت كتابية تحت مسلم فلو عتق بعضها فلا خيار لبقاء النقصان.
وأحكام الرق.

وفيه أن بيع الأمة المتزوجة ليس بطلاق إذ لو طلقت بمجرد البيع لم يكن للتخيير فائدة وإليه ذهب الجمهور، وقال بعض الصحابة والتابعين: البيع طلاق لظاهر قوله تعالى: { { وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ النِّسَاءِ إِلاَّ مَا مَلَكْتَ أَيْمَانُكُمْ } } واحتج الجمهور بحديث الباب ومن حيث النظر أنه عقد على منفعة فلا يبطل بيع الرقبة كما في العين المؤخرة والآية نزلت في المسبيات فهن المراد بملك اليمين على ما ثبت في الصحيح من سبب نزولها وليس في هذا الحديث تصريح بأن زوج بريرة عبد أو حر حين عتقت.
وفي البخاري عن ابن عباس: كان زوج بريرة عبدًا يقال له مغيث كأني أنظر إليه يطوف خلفها ويبكي ودموعه تسيل على لحيته.
فقال النبي صلى الله عليه وسلم لعباس: يا عباس ألا تعجب من حب مغيث بريرة ومن بغض بريرة مغيثًا فقال النبي صلى الله عليه وسلم: لو راجعته قالت: يا رسول الله تأمرني؟ قال: إنما أشفع قالت: لا حاجة لي فيه.

وفي الصحيحين والسنن الأربعة عن الأسود عن عائشة: أنه كان حرًا وبه تمسك الحنفية لقولهم يثبت الخيار للأمة إذا عتقت مطلقًا كانت تحت حر أو عبد، وتعقب بأن حديث الأسود اختلف فيه على راويه هل هو من قول الأسود؟ أو رواه عن عائشة؟ أو هو قول غيره؟ قال إبراهيم بن أبي طالب أحد الحفاظ من طبقة مسلم: خالف الأسود الناس في زوج بريرة.
وقال الإمام أحمد إنما يصح أنه كان حرًا عن الأسود وحده وصح عن ابن عباس وغيره أنه كان عبدًا.
ورواه علماء المدينة وإذا روى علماء المدينة شيئًا وعملوا به فهو أصح شيء وإذا عتقت الأمة تحت الحر فعقدها المتفق على صحته لا يفسخ بأمر مختلف فيه، وقال البخاري: قول الأسود منقطع وقول العباس وابنه عبدًا أصح.
وقال الدارقطني: لم يختلف على عروة عن عائشة أنه كان عبدًا.
وكذا قال جعفر بن محمد بن علي عن أبيه عن عائشة، وأبو الأسود أسامة الليثي عن القاسم.
وأما ما أخرجه قاسم بن أصبغ قال: أخبرنا أحمد بن يزيد المعلم ثنا موسى بن معاوية عن جرير عن هشام عن أبيه عن عائشة: كان زوج بريرة حرًا فهو وهم من موسى أو من أحمد فإن الحفاظ من أصحاب هشام ثم أصحاب جرير قالوا: كان عبدًا، ولم يختلف على ابن عباس أنه كان عبدًا.
وبه جزم الترمذي عن ابن عمر وحديثه عند الشافعي والدارقطني وغيرهما.

وأخرج النسائي بسند صحيح عن صفية بنت أبي عبيد قالت: كان زوج بريرة عبدًا.
قال النووي: ويؤيد ذلك قول عائشة: كان عبدًا ولو كان حرًا لم يخيرها فأخبرت وهي صاحبة القصة بأنه كان عبدًا، ثم عللت بقولها: ولو كان حرًا لم يخيرها، وهذا لا يكاد أحد يقوله إلا توقيفًا.
وقول من قال: كان عبدًا قبل العتق حرًا عنده لأن الرق يعقبه الحرية، لا العكس، فلا منافاة بين الروايتين تعقب بأن محل الجمع المذكور إذا تساوت الروايتان في القوة أما مع التفرد في مقابلة الجمع فالمنفردة شاذة والشاذ مردود ولهذا لم يعتبر الجمهور الجمع بينهما بما ذكر مع قولهم لا يصار إلى الترجيح مع إمكان الجمع بينهما لأن محله عندهم ما لم يظهر الغلط في إحداهما.
وقد روى الترمذي عن ابن عباس أنه كان عبدًا أسود يوم أعتقت وهذا يبطل الجمع.
ومغيث بضم الميم وكسر المعجمة وإسكان التحتية آخره مثلثة كما جزم به ابن ماكولا وغيره، وهو أثبت ممن قال معتب بفتح العين المهملة وشد الفوقية آخره موحدة.

( و) السنة الثانية ( قال رسول الله صلى الله عليه وسلم) حين أرادت عائشة أن تشتريها وقال أهلها: الولاء لنا ( الولاء لمن أعتق) وفي رواية: إنما الولاء ويأتي إن شاء الله شرحه في كتاب الولاء ( و) السنة الثالثة ( دخل رسول الله صلى الله عليه وسلم) حجرة عائشة ( والبرمة) بضم الموحدة وإسكان الراء، قال ابن الأثير: هي القدر مطلقًا وجمعها برم وهي في الأصل المتخذة من الحجر المعروف بالحجاز ( تفور) بالفاء ( بلحم) وفي رواية التنيسي والبرمة على النار، وكذا لابن وهب وزاد فدعا بطعام ( فقرب) بضم القاف وكسر الراء الثقيلة، قدم ( إليه خبز وأدم من أدم البيت) بضم الهمزة وإسكان المهملة، جمع إدام، وهو ما يؤكل مع الخبز أي شيء كان والإضافة للتخصيص ( فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ألم أر برمة) على النار ( فيها لحم) والهمزة للتقرير ( فقالوا: بلى يا رسول الله ولكن ذلك لحم تصدق) بضم التاء والصاد وكسر الدال المشددة ( به على بريرة وأنت لا تأكل الصدقة) لحرمتها عليك ( فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: هو عليها) وفي رواية لها ( صدقة وهو لنا هدية) حيث أهدته لنا لأن الصدقة يسوغ للفقير التصرف فيها بالإهداء والبيع وغير ذلك كتصرف الملاك في أملاكهم.
وأفاد أن التحريم إنما هو على الصفة لا على العين، فإذا تغيرت صفة الصدقة تغير حكمها فيجوز للغني ولو هاشميًا أكلها وشراؤها.

وسأل الأبي: هل من ذلك ما يتفق من نزول المرابطين ببعض أحياء العرب فيضيفونهم بحرام أو الغالب عليه الحرام فيجعلون بعض فقرائهم يقبل ذلك منهم صدقة ثم يهبه لهم؟ قال: وكان شيخنا أبو عبد الله يعني ابن عرفة يقول: لا ينجيهم ذلك لأنه تحيل، نعم إذا تحققت المفسدة بعدم الأكل جاز، ومن المصالح المجوزة للأكل خوفهم إن لم يأكلوا عدم قبولهم في ردّ ما نهبوه من أموال الناس ولكن الأولى تقليل الأكل.
قال عياض: وفيه أن سؤال الرجل عما يرى في بيته ليس بمذموم ولا مناف لمكارم الأخلاق، وقوله في حديث أم زرع ولا يسأل عما عهد ليس من هذا، وإنما ذلك أن يقول فيما عهد أين هو وما صنع به وأما شيء يجده فيقول: ما هذا فليس منه مع أن سؤاله صلى الله عليه وسلم إنما كان ليبين لهم حكم ما جهلوا لأنه علم أنهم لم يقدموا له إدام البيت دون سيد الأدم إلا لأمر اعتقدوه فكان كذلك فبين لهم حكمه.

وأخرجه البخاري في النكاح عن عبد الله بن يوسف وفي الطلاق عن إسماعيل ومسلم في الزكاة والعتق من طريق ابن وهب الثلاثة عن مالك به.

( مالك عن نافع عن عبد الله بن عمر أنه كان يقول في الأمة تكون تحت العبد فتعتق إن الأمة لها الخيار ما لم يمسها) فإن مسها سقط خيارها ( قال مالك وإن مسها زوجها فزعمت أنها جهلت أن لها الخيار فإنها تتهم ولا تصدق بما ادعت من الجهالة ولا خيار لها بعد أن يمسها) لاشتهار الحكم.

( مالك عن ابن شهاب عن عروة بن الزبير أن مولاة لبني عدي) من قريش ( يقال لها: زبراء) بزاي مفتوحة فموحدة ساكنة فراء فألف ممدودة، كما ضبطها ابن الأثير ( كانت تحت عبد وهي أمة يومئذ فعتقت قالت) زبراء ( فأرسلت إلي حفصة زوج النبي صلى الله عليه وسلم فدعتني فقالت: إني مخبرتك) بضم الميم وإسكان المعجمة فموحدة ( خبرًا ولا أحب أن تصنعي شيئًا إن أمرك بيدك ما لم يمسسك زوجك فإن مسك فليس لك من الأمر شيء) أي سقط خيارك ( قالت) زبراء ( فقلت: هو الطلاق ثم الطلاق ثم الطلاق ففارقته ثلاثًا) لكراهتها البقاء معه.
قال أبو عمر: لا أعلم لابن عمر وحفصة في ذلك مخالفًا من الصحابة.. وقد روي في قصة بريرة مرفوعًا دليل واضح على ما ذهبا إليه روى سعيد بن منصور عن ابن عباس: لما خيرت بريرة رأيت زوجها يتبعها في سكك المدينة ودموعه تسيل على لحيته، فكلم الناس له رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يطلب إليها فقال لها صلى الله عليه وسلم: زوجك وأبو ولدك.
فقالت: أتأمرني.
قال: إنما أنا شافع.
قالت: فلا حاجة لي فيه واختارت نفسها وكان اسمه مغيثًا عبدًا لآل المغيرة من بني مخزوم.

( مالك أنه بلغه عن سعيد بن المسيب أنه قال: أيما رجل تزوج امرأة وبه جنون أو ضرر فإنها تخير فإن شاءت قرت) بقيت عنده ( وإن شاءت فارقت) لما ينالها من الضرر وتخييرها ينفيه ( قال مالك في الأمة تكون تحت العبد ثم تعتق قبل أن يدخل بها أو يمسها إنها إن اختارت نفسها فلا صداق لها) لبقاء بضعها ( وهي تطليقة) واحدة لزوال الضرر بها ( وذلك الأمر عندنا) بالمدينة.

( مالك عن ابن شهاب أنه سمعه يقول: إذا خير الرجل امرأته فاختارته) أي الرجل ( فليس ذلك بطلاق قال مالك وذلك أحسن ما سمعت) لأنها ردت ما جعله لها ( قال مالك في المخيرة: إذا خيرها زوجها فاختارت نفسها فقد طلقت ثلاثًا وإن قال زوجها لم أخيرك إلا واحدة فليس له ذلك وذلك أحسن ما سمعته) فهي بخلاف المملكة ( وإن خيرها فقالت: قد قبلت واحدة وقال: لم أرد هذا وإنما خيرتك في الثلاث جميعًا أنها إن لم تقبل إلا واحدة أقامت عنده على نكاحها ولم يكن ذلك فراقًا إن شاء الله تعالى) أتى به تبركًا إذ الحكم عنده ما ذكر.



رقم الحديث 1189 وَحَدَّثَنِي عَنْ مَالِكٍ أَنَّهُ بَلَغَهُ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ، أَنَّهُ قَالَ: أَيُّمَا رَجُلٍ تَزَوَّجَ امْرَأَةً، وَبِهِ جُنُونٌ أَوْ ضَرَرٌ، فَإِنَّهَا تُخَيَّرُ فَإِنْ شَاءَتْ قَرَّتْ، وَإِنْ شَاءَتْ فَارَقَتْ قَالَ مَالِكٌ: فِي الْأَمَةِ تَكُونُ تَحْتَ الْعَبْدِ، ثُمَّ تَعْتِقُ قَبْلَ أَنْ يَدْخُلَ بِهَا أَوْ يَمَسَّهَا، إِنَّهَا إِنِ اخْتَارَتْ نَفْسَهَا فَلَا صَدَاقَ لَهَا، وَهِيَ تَطْلِيقَةٌ وَذَلِكَ الْأَمْرُ عِنْدَنَا.


( ما جاء في الخيار)

( مالك عن ربيعة بن أبي عبد الرحمن) المدني الفقيه المعروف بربيعة الرأي القائل فيه مالك: ذهبت حلاوة الفقه منذ مات ربيعة ( عن القاسم بن محمد) بن الصديق ( عن) عمته ( عائشة أم المؤمنين أنها قالت كان في بريرة) بفتح الموحدة وكسر الراء وإسكان التحتية فراء ثانية فهاء تأنيث بزنة فعيلة من البرير؛ وهو ثمر الأراك، قيل: اسم أبيها صفوان وأن له صحبة وقيل كانت نبطية وقيل قبطية وقيل حبشية مولاة عائشة، وكانت تخدمها قبل أن تشتريها.
قيل: وكانت مولاة لقوم من الأنصار، وقيل لآل عتبة بن أبي لهب، وقيل لبني هلال، وقيل لآل أبي أحمد بن جحش.

قال في الإصابة: وفيه نظر فالذي هو مولاهم إنما هو زوجها.
والثاني خطأ فإن مولى عتبة سأل عائشة عن حكم هذه المسألة فذكرت له قصة بريرة أخرجه ابن سعد وأصله عند البخاري وأخرج أبو عمر عن زيد بن واقد أن عبد الملك بن مروان قال: كنت أجالس بريرة بالمدينة فكانت تقول لي: إني أرى فيك خصالاً وإنك لخليق أن تلي هذا الأمر فإن وليته فاحذر الدماء فإني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: إن الرجل ليدفع عن باب الجنة بعد أن ينظر إليه بملء محجمة من دم يريقه من مسلم بغير حق.
انتهى.
عاشت بريرة إلى زمن يزيد بن معاوية ( ثلاث سنن) أي علم بسببها ثلاثة أحكام من الشريعة، قال عياض: المعنى أنها شرعت في قصتها وما يظهر فيها مما سوى ذلك كان قد علم من غير قصتها.
وقال ابن عبد البر: قد أكثر الناس في تشقيق المعاني من حديث بريرة وتخريجها فلمحمد بن جرير في ذلك كتاب، ولمحمد بن خزيمة فيه كتاب، ولجماعة في ذلك أبواب وأكثر ذلك تكلف واستنباط محتمل لا يستغني عن دليل.
والذي قصدته عائشة هو عظم الأمر في قصتها.
وذكر ابن العربي أن ابن خزيمة استخرج منه ما ينيف عن مائتين وخمسين فائدة.
وجمع بعض الأئمة فوائد هذا الحديث فزادت على ثلثمائة لخصها في فتح الباري ووقع في رواية يزيد بن هارون عن عروة عن بريرة قالت: كان في ثلاث سنن أخرجه النسائي وقال: إنه خطأ، يعني والصواب عن عروة عن عائشة.
ولأبي داود من وجه آخر عن عائشة أربع سنن، وزاد وأمرها أن تعتد عدة الحرائر.
( فكانت إحدى السنن الثلاث أنها أعتقت) بضم الهمزة وكسر الفوقية، والذي أعتقها عائشة كما يأتي في كتاب العتق في حديث عائشة وابن عمر.
( فخيرت) بضم الخاء ( في) فراق ( زوجها) وفي البقاء معه على عصمته.
وفي رواية الدارقطني من طريق أبان بن صالح عن هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لبريرة: اذهبي فقد عتق معك بضعك.
وزاد ابن سعد عن الشعبي مرسلاً فاختاري، وإنما خيرت لتضررها بالمقام تحته من جهة أنها تتغير به وأن لسيده منعه عنها وأنه لا ولاية له على ولده.
وغير ذلك وهذا بخلاف ما إذا عتقت تحت حر فلا خيار لها لأن الكمال الحادث لها حاصل له فأشبه ما إذا أسلمت كتابية تحت مسلم فلو عتق بعضها فلا خيار لبقاء النقصان.
وأحكام الرق.

وفيه أن بيع الأمة المتزوجة ليس بطلاق إذ لو طلقت بمجرد البيع لم يكن للتخيير فائدة وإليه ذهب الجمهور، وقال بعض الصحابة والتابعين: البيع طلاق لظاهر قوله تعالى: { { وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ النِّسَاءِ إِلاَّ مَا مَلَكْتَ أَيْمَانُكُمْ } } واحتج الجمهور بحديث الباب ومن حيث النظر أنه عقد على منفعة فلا يبطل بيع الرقبة كما في العين المؤخرة والآية نزلت في المسبيات فهن المراد بملك اليمين على ما ثبت في الصحيح من سبب نزولها وليس في هذا الحديث تصريح بأن زوج بريرة عبد أو حر حين عتقت.
وفي البخاري عن ابن عباس: كان زوج بريرة عبدًا يقال له مغيث كأني أنظر إليه يطوف خلفها ويبكي ودموعه تسيل على لحيته.
فقال النبي صلى الله عليه وسلم لعباس: يا عباس ألا تعجب من حب مغيث بريرة ومن بغض بريرة مغيثًا فقال النبي صلى الله عليه وسلم: لو راجعته قالت: يا رسول الله تأمرني؟ قال: إنما أشفع قالت: لا حاجة لي فيه.

وفي الصحيحين والسنن الأربعة عن الأسود عن عائشة: أنه كان حرًا وبه تمسك الحنفية لقولهم يثبت الخيار للأمة إذا عتقت مطلقًا كانت تحت حر أو عبد، وتعقب بأن حديث الأسود اختلف فيه على راويه هل هو من قول الأسود؟ أو رواه عن عائشة؟ أو هو قول غيره؟ قال إبراهيم بن أبي طالب أحد الحفاظ من طبقة مسلم: خالف الأسود الناس في زوج بريرة.
وقال الإمام أحمد إنما يصح أنه كان حرًا عن الأسود وحده وصح عن ابن عباس وغيره أنه كان عبدًا.
ورواه علماء المدينة وإذا روى علماء المدينة شيئًا وعملوا به فهو أصح شيء وإذا عتقت الأمة تحت الحر فعقدها المتفق على صحته لا يفسخ بأمر مختلف فيه، وقال البخاري: قول الأسود منقطع وقول العباس وابنه عبدًا أصح.
وقال الدارقطني: لم يختلف على عروة عن عائشة أنه كان عبدًا.
وكذا قال جعفر بن محمد بن علي عن أبيه عن عائشة، وأبو الأسود أسامة الليثي عن القاسم.
وأما ما أخرجه قاسم بن أصبغ قال: أخبرنا أحمد بن يزيد المعلم ثنا موسى بن معاوية عن جرير عن هشام عن أبيه عن عائشة: كان زوج بريرة حرًا فهو وهم من موسى أو من أحمد فإن الحفاظ من أصحاب هشام ثم أصحاب جرير قالوا: كان عبدًا، ولم يختلف على ابن عباس أنه كان عبدًا.
وبه جزم الترمذي عن ابن عمر وحديثه عند الشافعي والدارقطني وغيرهما.

وأخرج النسائي بسند صحيح عن صفية بنت أبي عبيد قالت: كان زوج بريرة عبدًا.
قال النووي: ويؤيد ذلك قول عائشة: كان عبدًا ولو كان حرًا لم يخيرها فأخبرت وهي صاحبة القصة بأنه كان عبدًا، ثم عللت بقولها: ولو كان حرًا لم يخيرها، وهذا لا يكاد أحد يقوله إلا توقيفًا.
وقول من قال: كان عبدًا قبل العتق حرًا عنده لأن الرق يعقبه الحرية، لا العكس، فلا منافاة بين الروايتين تعقب بأن محل الجمع المذكور إذا تساوت الروايتان في القوة أما مع التفرد في مقابلة الجمع فالمنفردة شاذة والشاذ مردود ولهذا لم يعتبر الجمهور الجمع بينهما بما ذكر مع قولهم لا يصار إلى الترجيح مع إمكان الجمع بينهما لأن محله عندهم ما لم يظهر الغلط في إحداهما.
وقد روى الترمذي عن ابن عباس أنه كان عبدًا أسود يوم أعتقت وهذا يبطل الجمع.
ومغيث بضم الميم وكسر المعجمة وإسكان التحتية آخره مثلثة كما جزم به ابن ماكولا وغيره، وهو أثبت ممن قال معتب بفتح العين المهملة وشد الفوقية آخره موحدة.

( و) السنة الثانية ( قال رسول الله صلى الله عليه وسلم) حين أرادت عائشة أن تشتريها وقال أهلها: الولاء لنا ( الولاء لمن أعتق) وفي رواية: إنما الولاء ويأتي إن شاء الله شرحه في كتاب الولاء ( و) السنة الثالثة ( دخل رسول الله صلى الله عليه وسلم) حجرة عائشة ( والبرمة) بضم الموحدة وإسكان الراء، قال ابن الأثير: هي القدر مطلقًا وجمعها برم وهي في الأصل المتخذة من الحجر المعروف بالحجاز ( تفور) بالفاء ( بلحم) وفي رواية التنيسي والبرمة على النار، وكذا لابن وهب وزاد فدعا بطعام ( فقرب) بضم القاف وكسر الراء الثقيلة، قدم ( إليه خبز وأدم من أدم البيت) بضم الهمزة وإسكان المهملة، جمع إدام، وهو ما يؤكل مع الخبز أي شيء كان والإضافة للتخصيص ( فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ألم أر برمة) على النار ( فيها لحم) والهمزة للتقرير ( فقالوا: بلى يا رسول الله ولكن ذلك لحم تصدق) بضم التاء والصاد وكسر الدال المشددة ( به على بريرة وأنت لا تأكل الصدقة) لحرمتها عليك ( فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: هو عليها) وفي رواية لها ( صدقة وهو لنا هدية) حيث أهدته لنا لأن الصدقة يسوغ للفقير التصرف فيها بالإهداء والبيع وغير ذلك كتصرف الملاك في أملاكهم.
وأفاد أن التحريم إنما هو على الصفة لا على العين، فإذا تغيرت صفة الصدقة تغير حكمها فيجوز للغني ولو هاشميًا أكلها وشراؤها.

وسأل الأبي: هل من ذلك ما يتفق من نزول المرابطين ببعض أحياء العرب فيضيفونهم بحرام أو الغالب عليه الحرام فيجعلون بعض فقرائهم يقبل ذلك منهم صدقة ثم يهبه لهم؟ قال: وكان شيخنا أبو عبد الله يعني ابن عرفة يقول: لا ينجيهم ذلك لأنه تحيل، نعم إذا تحققت المفسدة بعدم الأكل جاز، ومن المصالح المجوزة للأكل خوفهم إن لم يأكلوا عدم قبولهم في ردّ ما نهبوه من أموال الناس ولكن الأولى تقليل الأكل.
قال عياض: وفيه أن سؤال الرجل عما يرى في بيته ليس بمذموم ولا مناف لمكارم الأخلاق، وقوله في حديث أم زرع ولا يسأل عما عهد ليس من هذا، وإنما ذلك أن يقول فيما عهد أين هو وما صنع به وأما شيء يجده فيقول: ما هذا فليس منه مع أن سؤاله صلى الله عليه وسلم إنما كان ليبين لهم حكم ما جهلوا لأنه علم أنهم لم يقدموا له إدام البيت دون سيد الأدم إلا لأمر اعتقدوه فكان كذلك فبين لهم حكمه.

وأخرجه البخاري في النكاح عن عبد الله بن يوسف وفي الطلاق عن إسماعيل ومسلم في الزكاة والعتق من طريق ابن وهب الثلاثة عن مالك به.

( مالك عن نافع عن عبد الله بن عمر أنه كان يقول في الأمة تكون تحت العبد فتعتق إن الأمة لها الخيار ما لم يمسها) فإن مسها سقط خيارها ( قال مالك وإن مسها زوجها فزعمت أنها جهلت أن لها الخيار فإنها تتهم ولا تصدق بما ادعت من الجهالة ولا خيار لها بعد أن يمسها) لاشتهار الحكم.

( مالك عن ابن شهاب عن عروة بن الزبير أن مولاة لبني عدي) من قريش ( يقال لها: زبراء) بزاي مفتوحة فموحدة ساكنة فراء فألف ممدودة، كما ضبطها ابن الأثير ( كانت تحت عبد وهي أمة يومئذ فعتقت قالت) زبراء ( فأرسلت إلي حفصة زوج النبي صلى الله عليه وسلم فدعتني فقالت: إني مخبرتك) بضم الميم وإسكان المعجمة فموحدة ( خبرًا ولا أحب أن تصنعي شيئًا إن أمرك بيدك ما لم يمسسك زوجك فإن مسك فليس لك من الأمر شيء) أي سقط خيارك ( قالت) زبراء ( فقلت: هو الطلاق ثم الطلاق ثم الطلاق ففارقته ثلاثًا) لكراهتها البقاء معه.
قال أبو عمر: لا أعلم لابن عمر وحفصة في ذلك مخالفًا من الصحابة.. وقد روي في قصة بريرة مرفوعًا دليل واضح على ما ذهبا إليه روى سعيد بن منصور عن ابن عباس: لما خيرت بريرة رأيت زوجها يتبعها في سكك المدينة ودموعه تسيل على لحيته، فكلم الناس له رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يطلب إليها فقال لها صلى الله عليه وسلم: زوجك وأبو ولدك.
فقالت: أتأمرني.
قال: إنما أنا شافع.
قالت: فلا حاجة لي فيه واختارت نفسها وكان اسمه مغيثًا عبدًا لآل المغيرة من بني مخزوم.

( مالك أنه بلغه عن سعيد بن المسيب أنه قال: أيما رجل تزوج امرأة وبه جنون أو ضرر فإنها تخير فإن شاءت قرت) بقيت عنده ( وإن شاءت فارقت) لما ينالها من الضرر وتخييرها ينفيه ( قال مالك في الأمة تكون تحت العبد ثم تعتق قبل أن يدخل بها أو يمسها إنها إن اختارت نفسها فلا صداق لها) لبقاء بضعها ( وهي تطليقة) واحدة لزوال الضرر بها ( وذلك الأمر عندنا) بالمدينة.

( مالك عن ابن شهاب أنه سمعه يقول: إذا خير الرجل امرأته فاختارته) أي الرجل ( فليس ذلك بطلاق قال مالك وذلك أحسن ما سمعت) لأنها ردت ما جعله لها ( قال مالك في المخيرة: إذا خيرها زوجها فاختارت نفسها فقد طلقت ثلاثًا وإن قال زوجها لم أخيرك إلا واحدة فليس له ذلك وذلك أحسن ما سمعته) فهي بخلاف المملكة ( وإن خيرها فقالت: قد قبلت واحدة وقال: لم أرد هذا وإنما خيرتك في الثلاث جميعًا أنها إن لم تقبل إلا واحدة أقامت عنده على نكاحها ولم يكن ذلك فراقًا إن شاء الله تعالى) أتى به تبركًا إذ الحكم عنده ما ذكر.



رقم الحديث 1190 وَحَدَّثَنِي عَنْ مَالِكٍ عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، أَنَّهُ سَمِعَهُ يَقُولُ: إِذَا خَيَّرَ الرَّجُلُ امْرَأَتَهُ، فَاخْتَارَتْهُ، فَلَيْسَ ذَلِكَ بِطَلَاقٍ قَالَ مَالِكٌ: وَذَلِكَ أَحْسَنُ مَا سَمِعْتُ قَالَ مَالِكٌ: فِي الْمُخَيَّرَةِ إِذَا خَيَّرَهَا زَوْجُهَا، فَاخْتَارَتْ نَفْسَهَا، فَقَدْ طَلُقَتْ ثَلَاثًا، وَإِنْ قَالَ زَوْجُهَا لَمْ أُخَيِّرْكِ إِلَّا وَاحِدَةً، فَلَيْسَ لَهُ ذَلِكَ، وَذَلِكَ أَحْسَنُ مَا سَمِعْتُهُ قَالَ مَالِكٌ: وَإِنْ خَيَّرَهَا.
فَقَالَتْ: قَدْ قَبِلْتُ وَاحِدَةً،.

     وَقَالَ : لَمْ أُرِدْ هَذَا وَإِنَّمَا خَيَّرْتُكِ فِي الثَّلَاثِ جَمِيعًا، أَنَّهَا إِنْ لَمْ تَقْبَلْ إِلَّا وَاحِدَةً، أَقَامَتْ عِنْدَهُ عَلَى نِكَاحِهَا، وَلَمْ يَكُنْ ذَلِكَ فِرَاقًا إِنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى.


( ما جاء في الخيار)

( مالك عن ربيعة بن أبي عبد الرحمن) المدني الفقيه المعروف بربيعة الرأي القائل فيه مالك: ذهبت حلاوة الفقه منذ مات ربيعة ( عن القاسم بن محمد) بن الصديق ( عن) عمته ( عائشة أم المؤمنين أنها قالت كان في بريرة) بفتح الموحدة وكسر الراء وإسكان التحتية فراء ثانية فهاء تأنيث بزنة فعيلة من البرير؛ وهو ثمر الأراك، قيل: اسم أبيها صفوان وأن له صحبة وقيل كانت نبطية وقيل قبطية وقيل حبشية مولاة عائشة، وكانت تخدمها قبل أن تشتريها.
قيل: وكانت مولاة لقوم من الأنصار، وقيل لآل عتبة بن أبي لهب، وقيل لبني هلال، وقيل لآل أبي أحمد بن جحش.

قال في الإصابة: وفيه نظر فالذي هو مولاهم إنما هو زوجها.
والثاني خطأ فإن مولى عتبة سأل عائشة عن حكم هذه المسألة فذكرت له قصة بريرة أخرجه ابن سعد وأصله عند البخاري وأخرج أبو عمر عن زيد بن واقد أن عبد الملك بن مروان قال: كنت أجالس بريرة بالمدينة فكانت تقول لي: إني أرى فيك خصالاً وإنك لخليق أن تلي هذا الأمر فإن وليته فاحذر الدماء فإني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: إن الرجل ليدفع عن باب الجنة بعد أن ينظر إليه بملء محجمة من دم يريقه من مسلم بغير حق.
انتهى.
عاشت بريرة إلى زمن يزيد بن معاوية ( ثلاث سنن) أي علم بسببها ثلاثة أحكام من الشريعة، قال عياض: المعنى أنها شرعت في قصتها وما يظهر فيها مما سوى ذلك كان قد علم من غير قصتها.
وقال ابن عبد البر: قد أكثر الناس في تشقيق المعاني من حديث بريرة وتخريجها فلمحمد بن جرير في ذلك كتاب، ولمحمد بن خزيمة فيه كتاب، ولجماعة في ذلك أبواب وأكثر ذلك تكلف واستنباط محتمل لا يستغني عن دليل.
والذي قصدته عائشة هو عظم الأمر في قصتها.
وذكر ابن العربي أن ابن خزيمة استخرج منه ما ينيف عن مائتين وخمسين فائدة.
وجمع بعض الأئمة فوائد هذا الحديث فزادت على ثلثمائة لخصها في فتح الباري ووقع في رواية يزيد بن هارون عن عروة عن بريرة قالت: كان في ثلاث سنن أخرجه النسائي وقال: إنه خطأ، يعني والصواب عن عروة عن عائشة.
ولأبي داود من وجه آخر عن عائشة أربع سنن، وزاد وأمرها أن تعتد عدة الحرائر.
( فكانت إحدى السنن الثلاث أنها أعتقت) بضم الهمزة وكسر الفوقية، والذي أعتقها عائشة كما يأتي في كتاب العتق في حديث عائشة وابن عمر.
( فخيرت) بضم الخاء ( في) فراق ( زوجها) وفي البقاء معه على عصمته.
وفي رواية الدارقطني من طريق أبان بن صالح عن هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لبريرة: اذهبي فقد عتق معك بضعك.
وزاد ابن سعد عن الشعبي مرسلاً فاختاري، وإنما خيرت لتضررها بالمقام تحته من جهة أنها تتغير به وأن لسيده منعه عنها وأنه لا ولاية له على ولده.
وغير ذلك وهذا بخلاف ما إذا عتقت تحت حر فلا خيار لها لأن الكمال الحادث لها حاصل له فأشبه ما إذا أسلمت كتابية تحت مسلم فلو عتق بعضها فلا خيار لبقاء النقصان.
وأحكام الرق.

وفيه أن بيع الأمة المتزوجة ليس بطلاق إذ لو طلقت بمجرد البيع لم يكن للتخيير فائدة وإليه ذهب الجمهور، وقال بعض الصحابة والتابعين: البيع طلاق لظاهر قوله تعالى: { { وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ النِّسَاءِ إِلاَّ مَا مَلَكْتَ أَيْمَانُكُمْ } } واحتج الجمهور بحديث الباب ومن حيث النظر أنه عقد على منفعة فلا يبطل بيع الرقبة كما في العين المؤخرة والآية نزلت في المسبيات فهن المراد بملك اليمين على ما ثبت في الصحيح من سبب نزولها وليس في هذا الحديث تصريح بأن زوج بريرة عبد أو حر حين عتقت.
وفي البخاري عن ابن عباس: كان زوج بريرة عبدًا يقال له مغيث كأني أنظر إليه يطوف خلفها ويبكي ودموعه تسيل على لحيته.
فقال النبي صلى الله عليه وسلم لعباس: يا عباس ألا تعجب من حب مغيث بريرة ومن بغض بريرة مغيثًا فقال النبي صلى الله عليه وسلم: لو راجعته قالت: يا رسول الله تأمرني؟ قال: إنما أشفع قالت: لا حاجة لي فيه.

وفي الصحيحين والسنن الأربعة عن الأسود عن عائشة: أنه كان حرًا وبه تمسك الحنفية لقولهم يثبت الخيار للأمة إذا عتقت مطلقًا كانت تحت حر أو عبد، وتعقب بأن حديث الأسود اختلف فيه على راويه هل هو من قول الأسود؟ أو رواه عن عائشة؟ أو هو قول غيره؟ قال إبراهيم بن أبي طالب أحد الحفاظ من طبقة مسلم: خالف الأسود الناس في زوج بريرة.
وقال الإمام أحمد إنما يصح أنه كان حرًا عن الأسود وحده وصح عن ابن عباس وغيره أنه كان عبدًا.
ورواه علماء المدينة وإذا روى علماء المدينة شيئًا وعملوا به فهو أصح شيء وإذا عتقت الأمة تحت الحر فعقدها المتفق على صحته لا يفسخ بأمر مختلف فيه، وقال البخاري: قول الأسود منقطع وقول العباس وابنه عبدًا أصح.
وقال الدارقطني: لم يختلف على عروة عن عائشة أنه كان عبدًا.
وكذا قال جعفر بن محمد بن علي عن أبيه عن عائشة، وأبو الأسود أسامة الليثي عن القاسم.
وأما ما أخرجه قاسم بن أصبغ قال: أخبرنا أحمد بن يزيد المعلم ثنا موسى بن معاوية عن جرير عن هشام عن أبيه عن عائشة: كان زوج بريرة حرًا فهو وهم من موسى أو من أحمد فإن الحفاظ من أصحاب هشام ثم أصحاب جرير قالوا: كان عبدًا، ولم يختلف على ابن عباس أنه كان عبدًا.
وبه جزم الترمذي عن ابن عمر وحديثه عند الشافعي والدارقطني وغيرهما.

وأخرج النسائي بسند صحيح عن صفية بنت أبي عبيد قالت: كان زوج بريرة عبدًا.
قال النووي: ويؤيد ذلك قول عائشة: كان عبدًا ولو كان حرًا لم يخيرها فأخبرت وهي صاحبة القصة بأنه كان عبدًا، ثم عللت بقولها: ولو كان حرًا لم يخيرها، وهذا لا يكاد أحد يقوله إلا توقيفًا.
وقول من قال: كان عبدًا قبل العتق حرًا عنده لأن الرق يعقبه الحرية، لا العكس، فلا منافاة بين الروايتين تعقب بأن محل الجمع المذكور إذا تساوت الروايتان في القوة أما مع التفرد في مقابلة الجمع فالمنفردة شاذة والشاذ مردود ولهذا لم يعتبر الجمهور الجمع بينهما بما ذكر مع قولهم لا يصار إلى الترجيح مع إمكان الجمع بينهما لأن محله عندهم ما لم يظهر الغلط في إحداهما.
وقد روى الترمذي عن ابن عباس أنه كان عبدًا أسود يوم أعتقت وهذا يبطل الجمع.
ومغيث بضم الميم وكسر المعجمة وإسكان التحتية آخره مثلثة كما جزم به ابن ماكولا وغيره، وهو أثبت ممن قال معتب بفتح العين المهملة وشد الفوقية آخره موحدة.

( و) السنة الثانية ( قال رسول الله صلى الله عليه وسلم) حين أرادت عائشة أن تشتريها وقال أهلها: الولاء لنا ( الولاء لمن أعتق) وفي رواية: إنما الولاء ويأتي إن شاء الله شرحه في كتاب الولاء ( و) السنة الثالثة ( دخل رسول الله صلى الله عليه وسلم) حجرة عائشة ( والبرمة) بضم الموحدة وإسكان الراء، قال ابن الأثير: هي القدر مطلقًا وجمعها برم وهي في الأصل المتخذة من الحجر المعروف بالحجاز ( تفور) بالفاء ( بلحم) وفي رواية التنيسي والبرمة على النار، وكذا لابن وهب وزاد فدعا بطعام ( فقرب) بضم القاف وكسر الراء الثقيلة، قدم ( إليه خبز وأدم من أدم البيت) بضم الهمزة وإسكان المهملة، جمع إدام، وهو ما يؤكل مع الخبز أي شيء كان والإضافة للتخصيص ( فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ألم أر برمة) على النار ( فيها لحم) والهمزة للتقرير ( فقالوا: بلى يا رسول الله ولكن ذلك لحم تصدق) بضم التاء والصاد وكسر الدال المشددة ( به على بريرة وأنت لا تأكل الصدقة) لحرمتها عليك ( فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: هو عليها) وفي رواية لها ( صدقة وهو لنا هدية) حيث أهدته لنا لأن الصدقة يسوغ للفقير التصرف فيها بالإهداء والبيع وغير ذلك كتصرف الملاك في أملاكهم.
وأفاد أن التحريم إنما هو على الصفة لا على العين، فإذا تغيرت صفة الصدقة تغير حكمها فيجوز للغني ولو هاشميًا أكلها وشراؤها.

وسأل الأبي: هل من ذلك ما يتفق من نزول المرابطين ببعض أحياء العرب فيضيفونهم بحرام أو الغالب عليه الحرام فيجعلون بعض فقرائهم يقبل ذلك منهم صدقة ثم يهبه لهم؟ قال: وكان شيخنا أبو عبد الله يعني ابن عرفة يقول: لا ينجيهم ذلك لأنه تحيل، نعم إذا تحققت المفسدة بعدم الأكل جاز، ومن المصالح المجوزة للأكل خوفهم إن لم يأكلوا عدم قبولهم في ردّ ما نهبوه من أموال الناس ولكن الأولى تقليل الأكل.
قال عياض: وفيه أن سؤال الرجل عما يرى في بيته ليس بمذموم ولا مناف لمكارم الأخلاق، وقوله في حديث أم زرع ولا يسأل عما عهد ليس من هذا، وإنما ذلك أن يقول فيما عهد أين هو وما صنع به وأما شيء يجده فيقول: ما هذا فليس منه مع أن سؤاله صلى الله عليه وسلم إنما كان ليبين لهم حكم ما جهلوا لأنه علم أنهم لم يقدموا له إدام البيت دون سيد الأدم إلا لأمر اعتقدوه فكان كذلك فبين لهم حكمه.

وأخرجه البخاري في النكاح عن عبد الله بن يوسف وفي الطلاق عن إسماعيل ومسلم في الزكاة والعتق من طريق ابن وهب الثلاثة عن مالك به.

( مالك عن نافع عن عبد الله بن عمر أنه كان يقول في الأمة تكون تحت العبد فتعتق إن الأمة لها الخيار ما لم يمسها) فإن مسها سقط خيارها ( قال مالك وإن مسها زوجها فزعمت أنها جهلت أن لها الخيار فإنها تتهم ولا تصدق بما ادعت من الجهالة ولا خيار لها بعد أن يمسها) لاشتهار الحكم.

( مالك عن ابن شهاب عن عروة بن الزبير أن مولاة لبني عدي) من قريش ( يقال لها: زبراء) بزاي مفتوحة فموحدة ساكنة فراء فألف ممدودة، كما ضبطها ابن الأثير ( كانت تحت عبد وهي أمة يومئذ فعتقت قالت) زبراء ( فأرسلت إلي حفصة زوج النبي صلى الله عليه وسلم فدعتني فقالت: إني مخبرتك) بضم الميم وإسكان المعجمة فموحدة ( خبرًا ولا أحب أن تصنعي شيئًا إن أمرك بيدك ما لم يمسسك زوجك فإن مسك فليس لك من الأمر شيء) أي سقط خيارك ( قالت) زبراء ( فقلت: هو الطلاق ثم الطلاق ثم الطلاق ففارقته ثلاثًا) لكراهتها البقاء معه.
قال أبو عمر: لا أعلم لابن عمر وحفصة في ذلك مخالفًا من الصحابة.. وقد روي في قصة بريرة مرفوعًا دليل واضح على ما ذهبا إليه روى سعيد بن منصور عن ابن عباس: لما خيرت بريرة رأيت زوجها يتبعها في سكك المدينة ودموعه تسيل على لحيته، فكلم الناس له رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يطلب إليها فقال لها صلى الله عليه وسلم: زوجك وأبو ولدك.
فقالت: أتأمرني.
قال: إنما أنا شافع.
قالت: فلا حاجة لي فيه واختارت نفسها وكان اسمه مغيثًا عبدًا لآل المغيرة من بني مخزوم.

( مالك أنه بلغه عن سعيد بن المسيب أنه قال: أيما رجل تزوج امرأة وبه جنون أو ضرر فإنها تخير فإن شاءت قرت) بقيت عنده ( وإن شاءت فارقت) لما ينالها من الضرر وتخييرها ينفيه ( قال مالك في الأمة تكون تحت العبد ثم تعتق قبل أن يدخل بها أو يمسها إنها إن اختارت نفسها فلا صداق لها) لبقاء بضعها ( وهي تطليقة) واحدة لزوال الضرر بها ( وذلك الأمر عندنا) بالمدينة.

( مالك عن ابن شهاب أنه سمعه يقول: إذا خير الرجل امرأته فاختارته) أي الرجل ( فليس ذلك بطلاق قال مالك وذلك أحسن ما سمعت) لأنها ردت ما جعله لها ( قال مالك في المخيرة: إذا خيرها زوجها فاختارت نفسها فقد طلقت ثلاثًا وإن قال زوجها لم أخيرك إلا واحدة فليس له ذلك وذلك أحسن ما سمعته) فهي بخلاف المملكة ( وإن خيرها فقالت: قد قبلت واحدة وقال: لم أرد هذا وإنما خيرتك في الثلاث جميعًا أنها إن لم تقبل إلا واحدة أقامت عنده على نكاحها ولم يكن ذلك فراقًا إن شاء الله تعالى) أتى به تبركًا إذ الحكم عنده ما ذكر.