فهرس الكتاب

شرح الزرقاني - بَابُ تَرْكِ الْقِرَاءَةِ خَلْفَ الْإِمَامِ فِيمَا جَهَرَ فِيهِ

رقم الحديث 192 حَدَّثَنِي يَحْيَى، عَنْ مالِكٍ، عَنْ نَافِعٍ، أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عُمَرَ كَانَ إِذَا سُئِلَ: هَلْ يَقْرَأُ أَحَدٌ خَلْفَ الْإِمَامِ؟ قَالَ: إِذَا صَلَّى أَحَدُكُمْ خَلْفَ الْإِمَامِ فَحَسْبُهُ قِرَاءَةُ الْإِمَامِ، وَإِذَا صَلَّى وَحْدَهُ فَلْيَقْرَأْ، قَالَ: وَكَانَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ لَا يَقْرَأُ خَلْفَ الْإِمَامِ قَالَ يَحْيَى: سَمِعْتُ مَالِكًا يَقُولُ: الْأَمْرُ عِنْدَنَا أَنْ يَقْرَأَ الرَّجُلُ وَرَاءَ الْإِمَامِ، فِيمَا لَا يَجْهَرُ فِيهِ الْإِمَامُ بِالْقِرَاءَةِ، وَيَتْرُكُ الْقِرَاءَةَ فِيمَا يَجْهَرُ فِيهِ الْإِمَامُ بِالْقِرَاءَةِ.


تَرْكِ الْقِرَاءَةِ خَلْفَ الْإِمَامِ فِيمَا يَجَهَرَ فِيهِ

( مالِكٍ عَنْ نَافِعٍ أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عُمَرَ كَانَ إِذَا سُئِلَ هَلْ يَقْرَأُ أَحَدٌ خَلْفَ الْإِمَامِ قَالَ: إِذَا صَلَّى أَحَدُكُمْ خَلْفَ الْإِمَامِ فَحَسْبُهُ) أي كافيه ( قِرَاءَةُ الْإِمَامِ) ولا يقرأ لقوله صلى الله عليه وسلم: وإذا قرأ فأنصتوا ( وَإِذَا صَلَّى وَحْدَهُ فَلْيَقْرَأْ) فعلم منه وجوبها عنده على الإمام والفذ ( قَالَ: وَكَانَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ لَا يَقْرَأُ خَلْفَ الْإِمَامِ) .

قال ابن عبد البر: ظاهر هذا أنه لا يرى القراءة في سر الإمام ولا في جهره، ولكن مالك قيده بترجمة الباب أن ذلك فيما جهر به الإمام بما علم من المعنى، ويدل على صحته ما رواه عبد الرزاق عن ابن جريج عن الزهري عن سالم أن ابن عمر كان ينصت للإمام فيما جهر فيه ولا يقرأ معه، وهو يدل على أنه كان يقرأ معه فيما أسر فيه.

( قَالَ يَحْيَى: سَمِعْتُ مَالِكًا يَقُولُ: الْأَمْرُ عِنْدَنَا) بالمدينة ( أَنْ يَقْرَأَ الرَّجُلُ وَرَاءَ الْإِمَامِ فِيمَا لَا يَجْهَرُ فِيهِ الْإِمَامُ بِالْقِرَاءَةِ وَيَتْرُكُ الْقِرَاءَةَ فِيمَا يَجْهَرُ فِيهِ الْإِمَامُ بِالْقِرَاءَةِ) قال ابن عبد البر: وحجته قوله تعالى: { { وَإِذَا قُرِئَ الْقُرْآنُ فَاسْتَمِعُوا لَهُ وَأَنصِتُوا } } لا خلاف أنه نزل في هذا المعنى دون غيره، ومعلوم أنه في صلاة الجهر لأن السر لا يسمع فدل على أنه أراد الجهر خاصة، وأجمعوا على أنه لم يرد به كل موضع يستمع فيه القرآن وإنما أراد الصلاة ويشهد له قوله صلى الله عليه وسلم في الإمام: وإذا قرأ فأنصتوا صححه ابن حنبل فأين المذهب عن السنة؟ وظاهر القرآن قال أبو هريرة: كانوا يتكلمون في الصلاة حتى نزلت الآية.
قال إبراهيم بن مسلم: قلت لأبي عياض: لقد كنت أظن أن أحدًا لا يسمع القرآن إلا يستمع.
قال: لا إنما ذلك في الصلاة فأما في غيرها فإن شئت استمعت وأنصت وإن شئت مضيت ولم تستمع.
وبهذا قال جماعة من التابعين أن الآية في الصلاة، وزاد مجاهد وقتادة والضحاك وخطبة الجمعة.

( مالِكٍ عَنْ ابْنِ شِهَابٍ عَنِ ابْنِ أُكَيْمَةَ) بضم الهمزة وفتح الكاف مصغر أكمة واسمه عمارة بضم المهملة والتخفيف والهاء وقيل عمار بالفتح والتخفيف وقيل عمرو بفتح العين وقيل عامر ( اللَّيْثِيِّ) أبي الوليد المدني ثقة مات سنة إحدى ومائة وله تسع وسبعون سنة ( عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ انْصَرَفَ مِنْ صَلَاةٍ جَهَرَ فِيهَا بِالْقِرَاءَةِ) وعند ابن عبد البر من طريق سفيان عن الزهري: سمعت ابن أكيمة يحدث سعيد بن المسيب قال سمعت أبا هريرة يقول: صلى رسول الله صلى الله عليه وسلم صلاة الصبح.
ورواه أبو داود عن سفيان بن عيينة عن الزهري بسنده فقال: نظن أنها صلاة الصبح.

( فَقَالَ: هَلْ قَرَأَ مَعِي مِنْكُمْ أَحَدٌ آنِفًا؟) بمد أوله وكسر النون أي قريبًا ( فَقَالَ رَجُلٌ: نَعَمْ أَنَا يَا رَسُولَ اللَّهِ) قرأت ( قَالَ) أبو هريرة ( فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِنِّي أَقُولُ مَا لِي أُنَازَعُ الْقُرْآنَ) هو بمعنى التثريب واللوم لمن فعل ذلك.

قال أبو عبد الملك: أي إذا جهرت بالقراءة فإن قرأتم ورائي فكأنما تنازعوني القرآن الذي أقرأ ولكن أنصتوا.
وقال الباجي: ومعنى منازعتهم له أن لا يفردوه بالقراءة ويقرؤوا معه من التنازع بمعنى التجاذب.

وقوله: ( فَانْتَهَى النَّاسُ عَنِ الْقِرَاءَةِ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِيمَا جَهَرَ فِيهِ) لا فيما أسر فيه ( رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِالْقِرَاءَةِ حِينَ سَمِعُوا ذَلِكَ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ) يجعله أكثر رواة ابن شهاب من كلام ابن شهاب، ومنهم من يجعله من كلام أبي هريرة، وعموم الحديث يقتضي أن لا تجوز القراءة مع الإمام إذا جهر بأم القرآن ولا غيرها قاله ابن عبد البر وبسط الكلام على ذلك في التمهيد.

والحديث رواه أبو داود عن القعنبي والترمذي من طريق معن كلاهما عن مالك به.
وقال الترمذي: حديث حسن.



رقم الحديث 194 وَحَدَّثَنِي عَنْ مالِكٍ، عَنْ ابْنِ شِهَابٍ، عَنِ ابْنِ أُكَيْمَةَ اللَّيْثِيِّ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ انْصَرَفَ مِنْ صَلَاةٍ جَهَرَ فِيهَا بِالْقِرَاءَةِ، فَقَالَ: هَلْ قَرَأَ مَعِي مِنْكُمْ أَحَدٌ آنِفًا؟ فَقَالَ رَجُلٌ: نَعَمْ.
أَنَا يَا رَسُولَ اللَّهِ قَالَ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: إِنِّي أَقُولُ مَا لِي أُنَازَعُ الْقُرْآنَ، فَانْتَهَى النَّاسُ عَنِ الْقِرَاءَةِ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فِيمَا جَهَرَ فِيهِ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِالْقِرَاءَةِ، حِينَ سَمِعُوا ذَلِكَ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.


تَرْكِ الْقِرَاءَةِ خَلْفَ الْإِمَامِ فِيمَا يَجَهَرَ فِيهِ

( مالِكٍ عَنْ نَافِعٍ أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عُمَرَ كَانَ إِذَا سُئِلَ هَلْ يَقْرَأُ أَحَدٌ خَلْفَ الْإِمَامِ قَالَ: إِذَا صَلَّى أَحَدُكُمْ خَلْفَ الْإِمَامِ فَحَسْبُهُ) أي كافيه ( قِرَاءَةُ الْإِمَامِ) ولا يقرأ لقوله صلى الله عليه وسلم: وإذا قرأ فأنصتوا ( وَإِذَا صَلَّى وَحْدَهُ فَلْيَقْرَأْ) فعلم منه وجوبها عنده على الإمام والفذ ( قَالَ: وَكَانَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ لَا يَقْرَأُ خَلْفَ الْإِمَامِ) .

قال ابن عبد البر: ظاهر هذا أنه لا يرى القراءة في سر الإمام ولا في جهره، ولكن مالك قيده بترجمة الباب أن ذلك فيما جهر به الإمام بما علم من المعنى، ويدل على صحته ما رواه عبد الرزاق عن ابن جريج عن الزهري عن سالم أن ابن عمر كان ينصت للإمام فيما جهر فيه ولا يقرأ معه، وهو يدل على أنه كان يقرأ معه فيما أسر فيه.

( قَالَ يَحْيَى: سَمِعْتُ مَالِكًا يَقُولُ: الْأَمْرُ عِنْدَنَا) بالمدينة ( أَنْ يَقْرَأَ الرَّجُلُ وَرَاءَ الْإِمَامِ فِيمَا لَا يَجْهَرُ فِيهِ الْإِمَامُ بِالْقِرَاءَةِ وَيَتْرُكُ الْقِرَاءَةَ فِيمَا يَجْهَرُ فِيهِ الْإِمَامُ بِالْقِرَاءَةِ) قال ابن عبد البر: وحجته قوله تعالى: { { وَإِذَا قُرِئَ الْقُرْآنُ فَاسْتَمِعُوا لَهُ وَأَنصِتُوا } } لا خلاف أنه نزل في هذا المعنى دون غيره، ومعلوم أنه في صلاة الجهر لأن السر لا يسمع فدل على أنه أراد الجهر خاصة، وأجمعوا على أنه لم يرد به كل موضع يستمع فيه القرآن وإنما أراد الصلاة ويشهد له قوله صلى الله عليه وسلم في الإمام: وإذا قرأ فأنصتوا صححه ابن حنبل فأين المذهب عن السنة؟ وظاهر القرآن قال أبو هريرة: كانوا يتكلمون في الصلاة حتى نزلت الآية.
قال إبراهيم بن مسلم: قلت لأبي عياض: لقد كنت أظن أن أحدًا لا يسمع القرآن إلا يستمع.
قال: لا إنما ذلك في الصلاة فأما في غيرها فإن شئت استمعت وأنصت وإن شئت مضيت ولم تستمع.
وبهذا قال جماعة من التابعين أن الآية في الصلاة، وزاد مجاهد وقتادة والضحاك وخطبة الجمعة.

( مالِكٍ عَنْ ابْنِ شِهَابٍ عَنِ ابْنِ أُكَيْمَةَ) بضم الهمزة وفتح الكاف مصغر أكمة واسمه عمارة بضم المهملة والتخفيف والهاء وقيل عمار بالفتح والتخفيف وقيل عمرو بفتح العين وقيل عامر ( اللَّيْثِيِّ) أبي الوليد المدني ثقة مات سنة إحدى ومائة وله تسع وسبعون سنة ( عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ انْصَرَفَ مِنْ صَلَاةٍ جَهَرَ فِيهَا بِالْقِرَاءَةِ) وعند ابن عبد البر من طريق سفيان عن الزهري: سمعت ابن أكيمة يحدث سعيد بن المسيب قال سمعت أبا هريرة يقول: صلى رسول الله صلى الله عليه وسلم صلاة الصبح.
ورواه أبو داود عن سفيان بن عيينة عن الزهري بسنده فقال: نظن أنها صلاة الصبح.

( فَقَالَ: هَلْ قَرَأَ مَعِي مِنْكُمْ أَحَدٌ آنِفًا؟) بمد أوله وكسر النون أي قريبًا ( فَقَالَ رَجُلٌ: نَعَمْ أَنَا يَا رَسُولَ اللَّهِ) قرأت ( قَالَ) أبو هريرة ( فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِنِّي أَقُولُ مَا لِي أُنَازَعُ الْقُرْآنَ) هو بمعنى التثريب واللوم لمن فعل ذلك.

قال أبو عبد الملك: أي إذا جهرت بالقراءة فإن قرأتم ورائي فكأنما تنازعوني القرآن الذي أقرأ ولكن أنصتوا.
وقال الباجي: ومعنى منازعتهم له أن لا يفردوه بالقراءة ويقرؤوا معه من التنازع بمعنى التجاذب.

وقوله: ( فَانْتَهَى النَّاسُ عَنِ الْقِرَاءَةِ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِيمَا جَهَرَ فِيهِ) لا فيما أسر فيه ( رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِالْقِرَاءَةِ حِينَ سَمِعُوا ذَلِكَ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ) يجعله أكثر رواة ابن شهاب من كلام ابن شهاب، ومنهم من يجعله من كلام أبي هريرة، وعموم الحديث يقتضي أن لا تجوز القراءة مع الإمام إذا جهر بأم القرآن ولا غيرها قاله ابن عبد البر وبسط الكلام على ذلك في التمهيد.

والحديث رواه أبو داود عن القعنبي والترمذي من طريق معن كلاهما عن مالك به.
وقال الترمذي: حديث حسن.



رقم الحديث 194 وَحَدَّثَنِي عَنْ مالِكٍ، عَنْ سُمَيٍّ مَوْلَى أَبِي بَكْرٍ، عَنْ أَبِي صَالِحٍ السَّمَّانِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: إِذَا قَالَ الْإِمَامُ: سَمِعَ اللَّهُ لِمَنْ حَمِدَهُ، فَقُولُوا: اللَّهُمَّ رَبَّنَا لَكَ الْحَمْدُ، فَإِنَّهُ مَنْ وَافَقَ .

     قَوْلُهُ  قَوْلَ الْمَلَائِكَةِ غُفِرَ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ.


( مالِكٍ عَنْ ابْنِ شِهَابٍ عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ وَأَبِي سَلَمَةَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ) بن عوف التابعي ابن الصحابي وكذا سعيد ( أَنَّهُمَا أَخْبَرَاهُ) ظاهره أن لفظهما واحد لكن في رواية محمد بن عمرو عن أبي سلمة مغايرة قليلة للفظ الزهري ( عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: إِذَا أَمَّنَ الْإِمَامُ) ظاهر في أن الإمام يؤمن وبه قال مالك في رواية المدنيين والشافعي والجمهور وتعقب لأنها قضية شرطية.

وأجيب: بأن التعبير بإذا يشعر بتحقيق الوقوع.
وقال مالك في رواية ابن القاسم وهي المشهورة: لا يؤمن الإمام في الجهرية وعنه لا يؤمن مطلقًا.

وأجاب عن حديث ابن شهاب بأنه لم يره في حديث غيره وهي علة لا تقدح فابن شهاب إمام لا يضره التفرد مع أن ذلك جاء في حديث غيره أيضًا.
ورجح بعض المالكية كون الإمام لا يؤمن من جهة المعنى بأنه داع فناسب أن يختص المأموم بالتأمين، وهذا يجيء على قولهم لا قراءة على المأموم أما على قول من أوجبها فله أن يقول كما اشتركا في القراءة ينبغي أن يشتركا في التأمين، ومنهم من أول قوله: إذا أمن بأن معناه دعا وتسمية الداعي مؤمنًا سائغة كما في قوله: أجيبت دعوتكما وكان موسى داعيًا وهارون مؤمنًا رواه ابن مردويه من حديث أنس، ورد بعدم الملازمة فلا يلزم من تسمية المؤمن داعيًا عكسه قاله ابن عبد البر.

والحديث لا يصح ولو صح فكون هارون داعيًا تغليب وقيل معنى أمن بلغ موضع التأمين كما يقال أنجد بلغ نجدًا وإن لم يدخلها.
وقال ابن العربي: هذا بعيد لغة وشرعًا.
وقال ابن دقيق العيد: هذا مجاز فإن وجد دليل يرجحه عمل به اهـ.

ودليله الحديث التالي: إذا قال الإمام ولا الضالين فقولوا آمين فالجمع بين الروايتين يقتضي حمل أمن على المجاز ( فَأَمِّنُوا) أي قولوا آمين ( فَإِنَّهُ مَنْ وَافَقَ) ولابن عيينة في البخاري ويونس في مسلم كلاهما عن ابن شهاب فإن الملائكة تؤمن فمن وافق ( تَأْمِينُهُ تَأْمِينَ الْمَلَائِكَةِ) في القول والزمان كما دلت عليه رواية الصحيحين المذكورة خلافًا لمن قال المراد الموافقة في الإخلاص والخشوع كابن حبان فإنه لما ذكر الحديث قال: يريد موافقة الملائكة في الإخلاص بغير إعجاب، وكذا جنح إليه غيره فقال: ونحو ذلك من الصفات المحمودة أو في إجابة الدعاء أو في الدعاء بالطاعة خاصة، أو المراد بتأمين الملائكة استغفارهم للمؤمنين.

وقال ابن المنير: الحكمة في إيثار الموافقة في القول والزمان أن يكون المؤمن على يقظة للإتيان بالوظيفة في محلها لأن الملائكة لا غفلة عندهم فمن وافقهم كان مستيقظًا، ثم ظاهره أن المراد بالملائكة جميعهم واختاره ابن بزيزة، وقيل الحفظة منهم، وقيل الذين يتعاقبون منهم إذا قلنا أنهم غير الحفظة، والذي يظهر أن المراد بهم من يشهد تلك الصلاة من الملائكة ممن في الأرض أو في السماء للحديث الآتي وقالت الملائكة في السماء، وفي رواية لمسلم فوافق ذلك قول أهل السماء.

وروى عبد الرزاق عن عكرمة قال: صفوف أهل الأرض على صفوف أهل السماء فإذا وافق آمين في الأرض آمين في السماء غفر للعبد ومثله لا يقال بالرأي فالمصير إليه أولى ذكره الحافظ.

( غُفِرَ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ) قال الباجي: ظاهره غفران جميع ذنوبه المتقدمة، قال الحافظ: وهو محمول عند العلماء على الصغائر.
قال: ووقع في أمالي الجرجاني عن أبي العباس الأصم عن بحر بن نصر عن ابن وهب عن يونس وما تأخر وهي زيادة شاذة، فقد رواه ابن الجارود في المنتقى عن بحر بن نصر بدونها، وكذا مسلم عن حرملة ويونس بن عبد الأعلى كلاهما عن ابن وهب بدونها، وكذا في جميع الطرق عن أبي هريرة إلا أني وجدته في بعض نسخ ابن ماجه عن هشام بن عمار وأبي بكر بن أبي شيبة كلاهما عن ابن عيينة بإثباتها، ولا يصح لأن أبا بكر رواه في مسنده ومصنفه بدونها وكذا حفاظ أصحاب ابن عيينة الحميدي وابن المديني وغيرهما اهـ.

( قَالَ ابْنُ شِهَابٍ: وَكَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: آمِينَ) هذا مرسل وصله حفص بن عمر المدني عن مالك عن ابن شهاب عن سعيد بن المسيب عن أبي هريرة به أخرجه الدارقطني في الغرائب والعلل وقال: تفرد به حفص وهو ضعيف، وقال ابن عبد البر: لم يتابع حفص على هذا اللفظ بهذا الإسناد، ورواه روح بن عبادة عن مالك بلفظ، قال ابن شهاب: وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا قال: ولا الضالين جهر بآمين.
أخرجه ابن السراج ولابن حبان من رواية الزبيدي عن ابن شهاب، فإذا فرغ صلى الله عليه وسلم من قراءة أم القرآن رفع صوته وقال: آمين.

وللحميدي من طريق سعيد المقبري وأبي داود من رواية أبي عبد الله ابن عم أبي هريرة كلاهما عن أبي هريرة نحوه بلفظ: إذا قال ولا الضالين رفع صوته وقال آمين حتى يسمع من يليه من الصف الأول، فقد اعتضد هذا المرسل بالمسند لكن قال بعضهم: إنما كان صلى الله عليه وسلم يجهر بالتأمين في ابتداء الإسلام ليعلمهم فأومأ إلى نسخه، ورد بأن أبا داود وابن حبان رويا عن وائل بن حجر صليت خلف النبي صلى الله عليه وسلم فجهر بآمين، ووائل متأخر الإسلام.
والجواب أنه جهر لبيان الجواز.

وهذا الحديث رواه البخاري عن عبد الله بن يوسف، ومسلم عن يحيى كلاهما عن مالك به.

( مالِكٍ عَنْ سُمَيٍّ) بضم المهملة وفتح الميم وشد التحتية ( مَوْلَى أَبِي بَكْرٍ) بن عبد الرحمن بن الحارث ( عَنْ أَبِي صَالِحٍ) ذكوان ( السَّمَّانِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: إِذَا قَالَ الْإِمَامُ { { غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلَا الضَّالِّينَ } } فَقُولُوا) أيها المؤمنون ( آمِينَ) فيه حجة ظاهرة على أن الإمام لا يؤمن وهو الحامل على صرف قوله إذا أمن عن ظاهره لأن الأحاديث يفسر بعضها بعضًا والأمر للندب عند الجمهور.

وحكى ابن بزيزة عن بعض العلماء وجوبه على المأموم لظاهر الأمر قال: وأوجبه الظاهرية على كل مصل ورد بحديث المسيء صلاته حيث اقتصر له صلى الله عليه وسلم على الفرائض ولم يذكر له التأمين ولا غيره فدل على أنه استحباب، واستدل به القرطبي على تعيين قراءة الفاتحة للإمام أي لاختصاص التأمين بها، ومقتضى السياق أن قراءتها كانت أمرًا معلومًا عندهم وعلى أن المأموم ليس عليه أن يقرأ فيما جهر فيه إمامه وقد اتفقوا على أنه لا يقرؤها حال قراءة الإمام لها.

وقال ابن عبد البر: فيه دليل على أن المأموم لا يقرأ خلف الإمام إذا جهر لا بأم القرآن ولا غيرها لأن القراءة بها لو كانت عليهم لأمرهم إذا فرغوا من الفاتحة أن يؤمن كل واحد بعد فراغه من قراءته لأن السنة فيمن قرأ بأم القرآن أنه يؤمن عند فراغه منها، ومعلوم أن المأمومين إذا اشتغلوا بالقراءة خلف الإمام لم يسمعوا فراغه من قراءة الفاتحة فكيف يؤمرون بالتأمين عند قوله ولا الضالين ويؤمرون بالاشتغال عن سماع ذلك هذا لا يصح، وقد أجمع العلماء على أنه لا يقرأ مع الإمام فيما جهر فيه بغير الفاتحة، والقياس أن الفاتحة وغيرها سواء لأن عليهم إذا فرغ إمامهم منها أن يؤمنوا فوجب أن لا يشتغلوا بغير الاستماع اهـ.

( فَإِنَّهُ مَنْ وَافَقَ .

     قَوْلُهُ  قَوْلَ الْمَلَائِكَةِ غُفِرَ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ)
من الصغائر والكبائر على ظاهره، لكن ثبت أن الصلاة إلى الصلاة كفارة لما بينهما ما اجتنبت الكبائر فإذا كانت الفرائض لا تكفرها فأولى التأمين المستحب.

وأجيب: بأن المكفر ليس التأمين الذي هو فعل المؤمن بل وفاق الملائكة وليس ذلك إلى صنعه بل فضل من الله وعلامة على سعادة الموافق قاله التاج السبكي في الأشباه والنظائر.
ولا يرد عليه أنه عليه السلام عين محل إيقاع التأمين فيكون فائدته الموافقة لأنه لم يجزم بأنه موافق الملائكة بل أمر به فإن وافق غفر وذلك ليس من فعله، والحق أنه عام خص منه ما يتعلق بحقوق الناس فلا يغفر بالتأمين للأدلة فيه لكنه شامل للكبائر كما تقدم إلا أن يدعي خروجها بدليل آخر وفيه فضل التأمين.

قال ابن المنير: وأي فضل أعظم من كونه قولاً يسيرًا لا كلفة فيه ثم قد رتبت عليه المغفرة.

قال ابن عبد البر: وفيه أن أعمال البر تغفر بها الذنوب كقوله تعالى: { { إِنَّ الْحَسَنَاتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئَاتِ } } وقال الباجي: تقدم حديث أن المتوضئ يخرج نقيًا من الذنوب وأن مشيه إلى المسجد وصلاته نافلة فما الذي يغفر بقول آمين.
قال الداودي: يحتمل أنه صلى الله عليه وسلم قال هذا الحديث قبل قوله في الوضوء.
ويحتمل أنه قاله بعده فيكون معناه أنه يغفر له ما يحدث له في ممشاه من الذنوب.

وهذا الحديث أخرجه البخاري عن عبد الله بن مسلمة عن مالك به، ومسلم من رواية سهيل بن أبي صالح عن أبيه عن أبي هريرة به، فهي متابعة لمالك في شيخه.

( مالِكٍ عَنْ أَبِي الزِّنَادِ) عبد الله بن ذكوان ( عَنِ الْأَعْرَجِ) عبد الرحمن بن هرمز ( عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: إِذَا قَالَ أَحَدُكُمْ آمِينَ) عقب قراءة الفاتحة في صلاة أو غيرها على مقتضى إطلاقه، لكن في مسلم من هذا الوجه: إذا قال أحدكم في صلاته فيحمل المطلق على المقيد: نعم في رواية همام عن أبي هريرة عن أحمد: إذا أمن القارئ فأمنوا فيحمل المطلق على إطلاقه فيستحب التأمين لكل من سمعه من مصل أو غيره والمقيد على تقييده إلا أن يراد بالقارئ الإمام إذا قرأ الفاتحة، فإن الحديث واحد اختلفت ألفاظه فيبقى التقييد على حاله ذكره الحافظ وغيره.

( وَقَالَتِ) هكذا بالواو وفي النسخ الصحيحة من الموطأ وهو الذي في البخاري من طريق مالك ومسلم من طريق غيره فما يقع في نسخ من إسقاط الواو ليس بشيء لأنه ليس جواب الشرط إذ جوابه غفر له ولا يستقيم المعنى على حذفها ( الْمَلَائِكَةُ فِي السَّمَاءِ آمِينَ فَوَافَقَتْ إِحْدَاهُمَا الْأُخْرَى) أي وافقت كلمة تأمين أحدكم كلمة تأمين الملائكة في السماء وهو يفيد أن الملائكة لا تختص بالحفظة كما مر، ولمسلم من وجه آخر: فوافق قوله قول أهل السماء ،ولأحمد وابن خزيمة وغيرهما: فوافق ذلك قول أهل السماء ( غُفِرَ لَهُ) أي للقائل منكم ( مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِه) أي ذنبه المتقدم كله فمن بيانية لا تبعيضية، وظاهره أن المراد السماء حقيقة، وحمله ابن عبد البر على ما هو أعم منها، وأن المراد كل ما علا قائلاً لأن العرب تسمي المطر سماء لنزوله من علو والربيع أيضًا سماء لتولده من مطر السماء ويسمى الشيء باسم ما قرب منه وجاوره وقال الشاعر:

إذا نزل السماء بأرض قوم
رعيناه وإن كانوا غضابا

والله أعلم بمراد رسوله بقوله في السماء اهـ وفيه شيء.

والحديث رواه البخاري عن عبد الله بن يوسف عن مالك به، وتابعه المغيرة عن أبي الزناد به عند مسلم.

( مالِكٍ عَنْ سُمَيٍّ مَوْلَى أَبِي بَكْرٍ) بن عبد الرحمن ( عَنْ أَبِي صَالِحٍ السَّمَّانِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: إِذَا قَالَ الْإِمَامُ سَمِعَ اللَّهُ لِمَنْ حَمِدَهُ) بإجابة دعائه.
قال الباجي: الأظهر عندي أن معناه الترغيب في التحميد.
وقال ابن شعبان هو على معنى الدعاء.
وقال ابن عبد البر: معناه تقبل الله حمد من حمده ومنه قولهم سمع الله دعاءك أي أجابه وتقبله.

( فَقُولُوا: اللَّهُمَّ رَبَّنَا) أي يا الله يا ربنا ففيه تكرار النداء ( لَكَ الْحَمْدُ) وفي رواية: ولك بالواو.

وقال النووي: فيكون متعلقًا بما قبله أي سمع الله لمن حمده ربنا فاستجب دعاءنا ولك الحمد على هدايتنا، وفيه رد على ابن القيم حيث جزم بأنه لم يرد الجمع بين اللهم والواو في ولك الحمد.

وقال ابن دقيق العيد: كأن إثبات الواو دال على معنى زائد لأن تقديره مثلاً ربنا استجب ولك الحمد فيشتمل على معنى الدعاء ومعنى الخير وهذا بناء منه على أن الواو عاطفة، وقد تقدم أن ابن الأثير قال: أنها واو الحال وضعف ما عداه.
وروى ابن القاسم عن مالك أنه يقول: اللهم ربنا ولك الحمد بالواو.
وروى عنه أشهب إسقاط الواو واختار كل روايته.

قال الأثرم: سمعت أحمد يثبت الواو ويقول ثبتت فيه عدة أحاديث، وفيه دلالة ظاهرة لقول أبي حنيفة ومالك أن الإمام لا يقول ربنا ولك الحمد والمأموم لا يقول سمع الله لمن حمده لأنه جعل التسميع الذي هو طلب التحميد للإمام والتحميد الذي هو طلب الإجابة للمأموم لأنه المناسب لحال كل منهما، وهذه قسمة منافية للشركة كخبر البينة على المدعي واليمين على من أنكر، ويقويه حديث أبي موسى عند مسلم وغيره: وإذا قال سمع الله لمن حمده فقولوا ربنا ولك الحمد يسمع الله لكم.
وأجابوا عن حديث جمعه صلى الله عليه وسلم بينهما بأنه كان منفردًا أو في نافلة جمعًا بين الحديثين.
سلمنا أنه كان إمامًا لأنه غالب أحواله فجمع بينهما لبيان الجواز.

( فَإِنَّهُ مَنْ وَافَقَ .

     قَوْلُهُ  قَوْلَ الْمَلَائِكَةِ)
أي حمده حمدهم ( غُفِرَ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ) وفيه إشعار بأن الملائكة تقول ما يقول المأمومون.
وقال ابن عبد البر: الوجه عندي في هذا والله أعلم تعظيم فضل الذكر وأنه يحط الأوزار ويغفر الذنوب، وقد أخبر الله تعالى عن الملائكة بأنهم يستغفرون للذين آمنوا فمن كان منه من القول مثل هذا بإخلاص واجتهاد ونية صادقة وتوبة صحيحة غفرت ذنوبه إن شاء الله قال: ومثل هذه الأحاديث المشكلة المعاني البعيدة التأويل عن مخارج لفظها واجب ردها إلى الأصول المجمع عليها.

والحديث رواه البخاري عن عبد الله بن يوسف، ومسلم عن يحيى كلاهما عن مالك به وتابع سميًا سهيل عن أبيه أبي صالح عند مسلم.