فهرس الكتاب

شرح الزرقاني - بَابُ الزَّكَاةِ فِي الْعَيْنِ مِنَ الذَّهَبِ وَالْوَرِقِ

رقم الحديث 588 حَدَّثَنِي يَحْيَى، عَنْ مَالِكٍ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عُقْبَةَ مَوْلَى الزُّبَيْرِ، أَنَّهُ سَأَلَ الْقَاسِمَ بْنَ مُحَمَّدٍ عَنْ مُكَاتَبٍ لَهُ قَاطَعَهُ بِمَالٍ عَظِيمٍ، هَلْ عَلَيْهِ فِيهِ زَكَاةٌ؟ فَقَالَ الْقَاسِمُ إِنَّ أَبَا بَكْرٍ الصِّدِّيقَ لَمْ يَكُنْ يَأْخُذُ مِنْ مَالٍ زَكَاةً حَتَّى يَحُولَ عَلَيْهِ الْحَوْلُ.
قَالَ الْقَاسِمُ بْنُ مُحَمَّدٍ: وَكَانَ أَبُو بَكْرٍ إِذَا أَعْطَى النَّاسَ أَعْطِيَاتِهِمْ، يَسْأَلُ الرَّجُلَ: هَلْ عِنْدَكَ مِنْ مَالٍ وَجَبَتْ عَلَيْكَ فِيهِ الزَّكَاةُ؟ فَإِذَا قَالَ: نَعَمْ، أَخَذَ مِنْ عَطَائِهِ زَكَاةَ ذَلِكَ الْمَالِ، وَإِنْ قَالَ: لَا.
أَسْلَمَ إِلَيْهِ عَطَاءَهُ، وَلَمْ يَأْخُذْ مِنْهُ شَيْئًا.


( الزكاة في العين من الذهب والورق)

( مالك عن محمد بن عقبة) بالقاف ( مولى الزبير) المدني أخي موسى ثقة ( أنه سمع) كذا لعبد الله بن يحيى ولابن وضاح عنه أنه سأل ( القاسم بن محمد) بن أبي بكر ( عن مكاتب له قاطعه بمال عظيم) قال أبو عمر معنى مقاطعة المكاتب أخذ مال معجل منه دون ما كوتب عليه ليعجل عتقه ( هل عليه فيه زكاة فقال القاسم إن أبا بكر الصديق لم يكن يأخذ من مال زكاة حتى يحول عليه الحول) والمقاطعة فائدة لا زكاة فيها حتى يمر عليها عند مستفيدها الحول وأجمع العلماء على اشتراط الحول في الماشية والنقد دون المعشرات ( قال القاسم بن محمد وكان أبو بكر إذا أعطى الناس أعطياتهم) جمع عطايا جمع عطية ( يسأل الرجل هل عندك من مال وجبت عليك فيه الزكاة) بأن كان نصابًا مر عليه الحول ( فإن قال نعم أخذ من عطائه زكاة ذلك المال) الذي عنده ( وإن قال لا أسلم إليه عطاءه ولم يأخذ منه شيئًا) لعدم الوجوب ( مالك عن عمر بن حسين) بن عبد الله الجمحي مولاهم أبي قدامة المكي ثقة روى له مسلم ( عن عائشة بنت قدامة) القرشية الجمحية الصحابية ( عن أبيها) قدامة بضم القاف والتخفيف ابن مظعون بالظاء المشالة الصحابي البدري ( أنه قال كنت إذا جئت عثمان بن عفان) في خلافته ( أقبض عطائي سألني هل عندك من مال وجبت عليك فيه الزكاة قال) قدامة ( فإن قلت نعم أخذ من عطائي زكاة ذلك المال وإن قلت لا دفع إلي عطائي) كله وفي سؤاله كأبي بكر وقولهما وإن قلت لا إلخ دليل على تصديق الناس في أموالهم التي فيها الزكاة وجواز إخراج زكاة المال من غيره ولا مخالف لهما إذا كان من جنسه فإن كان ذهبًا عن فضة أو عكسه فخلاف ( مالك عن نافع أن عبد الله بن عمر كان يقول لا تجب في مال) عموم خص منه المعشرات لأدلة أخر ( زكاة حتى يحول عليه الحول) رواه مالك موقوفًا وأخرجه في التمهيد من طريق عبيد الله بن عمر عن نافع عن ابن عمر قال قال النبي صلى الله عليه وسلم ليس في مال زكاة حتى يحول عليه الحول وفي إسناده بقية بن الوليد مدلس وقد رواه بالعنعنة عن إسماعيل بن عياش عن عبيد الله وإسماعيل ضعيف في غير الشاميين قال الدارقطني والصحيح وقفه كما في الموطأ وقد أخرجه الدارقطني في الغرائب مرفوعًا وضعفه وأخرجه أيضًا من حديث أنس وضعفه وأخرجه ابن ماجه عن عائشة لكن الإجماع عليه أغنى عن إسناده ( مالك عن ابن شهاب أنه قال أول من أخذ من الأعطية) جمع جمع لعطية ( الزكاة معاوية بن أبي سفيان) قال ابن عبد البر يريد أخذ زكاتها نفسها منها لا أنه أخذ منها عن غيرها مما حال عليه الحول قال ولا أعلم من وافقه إلا ابن عباس ولم يعرفه الزهري فلذا قال أن معاوية أول من أخذ قال وهذا شذوذ لم يعرج عليه أحد من العلماء ولا قال به أحد من أئمة الفتوى وقال الباجي قال ابن مسعود وابن عامر مثل قولهما ثم انعقد الإجماع على خلافه قال وإنما كان معاوية يأخذ من العطاء زكاة ذلك العطاء لأنه كان يرى حقه واجبًا قبل دفعه إليه فكان يراه كالمال المشترك يمر عليه الحول في حالة الاشتراك وأما أبو بكر وعمر وعثمان فلم يأخذوا ذلك منها إذ لم يتحقق ملك من أعطيها إلا بعد القبض لأن للإمام أن يصرفها إلى غيره بالاجتهاد ونحو هذا التأويل ذكر ابن حبيب ( قال مالك السنة التي لا اختلاف فيها عندنا) بالمدينة ( أن الزكاة تجب في عشرين دينارًا عينًا كما تجب في مائتي درهم) قال ابن عبد البر لم يثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم في نصاب الذهب شيء إلا ما روى الحسن بن عمارة عن علي أنه صلى الله عليه وسلم قال هاتوا زكاة الذهب من كل عشرين دينارًا نصف دينار وابن عمارة أجمعوا على ترك حديثه لسوء حفظه وكثرة خطئه ورواه الحفاظ موقوفًا على علي لكن عليه جمهور العلماء وما زاد على عشرين فبحسابه قل أو كثر سواء كانت قيمتها مائتي درهم أو أقل أو أكثر وإليه ذهب الأئمة الأربعة وغيرهم إلا أن أبا حنيفة مع جماعة من أهل العراق جعلوا في العين أوقاصًا كالماشية وقالت طائفة لا زكاة في الذهب حتى يبلغ صرفها مائتي درهم فإذا بلغتها زكيت كانت أكثر من عشرين دينارًا أو أقل إلا أن تبلغ أربعين دينارًا ففيها دينار ولا يراعى حينئذٍ الصرف وقال الحسن البصري وأكثر أصحاب داود ورواية عن الثوري لا زكاة في الذهب حتى يبلغ أربعين دينارًا ففيها ربع عشره وما زاد فبحسابه ( قال مالك ليس في عشرين دينارًا ناقصة بينة النقصان زكاة) لعدم بلوغ النصاب ( فإن زادت حتى تبلغ بزيادتها عشرين دينارًا وازنة ففيها الزكاة) وجوبًا ( وليس فيما دون عشرين دينارًا عينًا الزكاة) ودون بمعنى أقل ( وليس في مائتي درهم ناقصة بينة النقصان زكاة فإن زادت حتى تبلغ بزيادتها مائتي درهم وافية ففيها الزكاة) وفي نسخة زكاة بالتنكير ( فإن كانت تجوز بجواز الوزانة رأيت فيها الزكاة دنانير كانت أو دراهم) قال الأبهري وابن القصار معناه أنها وازنة في ميزان وفي آخر ناقصة فإذا نقصت في جميع الموازين فلا زكاة وقال عبد الوهاب معناه النقص القليل في جميع الموازين كحبة وحبتين وما جرت العادة بالمسامحة فيه في البيع وغيره وعلى هذا جمهور أصحابنا وهو الأظهر ويحتمل وجهًا ثالثًا وهو أن يكون العوض فيها غالبًا عوض الوازنة وهو المشهور عن مالك وما سواه تأويل وهذا قول أصحابنا العراقيين وحملوا تفصيله على الدنانير والدراهم الموزونة والأظهر أن تكون في المعدودة قاله الباجي قال ابن زرقون ويظهر أن قول ابن القصار والأبهري في الموزونة وقول عبد الوهاب في المعدودة فلا يكون خلافًا كذا قال ولا يصح لأن نص عبد الوهاب في جميع الموازين فكيف يقال في المعدود ( قال مالك في رجل كانت عنده ستون ومائة درهم وازنة وصرف الدراهم ببلده ثمانية دراهم بدينار أنها لا تجب فيها الزكاة وإنما تجب الزكاة في عشرين دينارًا عينًا أو مائتي درهم) لأن المال إنما يعتبر بنصاب نفسه لا بقيمته فلا تعتبر الفضة بقيمتها من الذهب ولا عكسه كما لو كان له ثلاثون شاة قيمتها أربعون من غيرها أو قيمتها عشرون دينارًا أو أربعون دينارًا فلا زكاة وإن نقص النقد عن النصاب وبلغت قيمة صياغته أكثر من نصاب فلا زكاة قاله الباجي ( قال مالك في رجل كانت له خمسة دنانير) مثلاً والمراد أقل من نصاب ( من فائدة أو غيرها فتجر فيها فلم يأت الحول حتى بلغت ما تجب فيه الزكاة أنه يزكيها وإن لم تتم إلا قبل أن يحول عليها الحول بيوم واحد أو بعد ما يحول عليها الحول بيوم واحد ثم لا زكاة فيها حتى يحول عليها الحول من يوم زكيت) هذا مذهب مالك رحمه الله أن حول ربح المال حول أصله وإن لم يكن أصله نصابًا قياسًا على نسل الماشية ولم يتابعه غير أصحابه وقاسه على ما لا يشبهه في أصله ولا في فرعه وهما أصلان والأصول لا يرد بعضها إلى بعض وإنما يرد الفرع إلى أصله قال أبو عبيد لا نعلم أحدًا فرق بين ربح المال وغيره من الفوائد غير مالك وليس كما قال قد فرق بينهما الأوزاعي وأبو ثور وأحمد لكنهم شرطوا أن يكون أصله نصابًا وإنما أنكر أبو عبيد أنه يجعله كأصله وإن لم يكن أصله نصابًا وهذا لا يقوله غير مالك وأصحابه وقال الجمهور الربح كالفوائد يستأنف بها حول على ما وردت به السنة قاله ابن عبد البر ( وقال مالك في رجل كانت له) أي عنده ( عشرة دنانير فتجر فيها فحال عليها الحول وقد بلغت عشرين دينارًا إنه يزكيها مكانها ولا ينتظر بها أن يحول عليها الحول من يوم بلغت ما تجب فيه الزكاة) وهو العشرون ( لأن الحول قد حال عليها وهي عنده عشرون) بالربح وهو يقدر كأنه كائن فيها ( ثم لا زكاة فيها حتى يحول عليها الحول من يوم زكيت) وهذا بمعنى ما قبله غايته أنه فرضها في الأولى في خمسة والثانية في عشرة بحسب سؤاله عن ذلك وأجاب فيهما بحكم واحد وهو ضم الربح لأصله وإن لم يكن نصابًا ( قال مالك الأمر المجتمع عليه عندنا) بالمدينة ( في إجارة العبيد وخراجهم وكراء المساكن وكتابة المكاتب أنه لا تجب في شيء من ذلك الزكاة قل ذلك أو كثر حتى يحول عليه الحول من يوم يقبضه صاحبه) وهو نصاب لأنها فوائد تجددت لا عن مال فيستقبل بها ( وقال مالك في الذهب والورق يكون بين الشركاء أن من بلغت حصته منهم عشرين دينارًا عينًا أو مائتي درهم فعليه فيها الزكاة ومن نقصت حصته عما تجب فيه الزكاة فلا زكاة عليه وإن بلغت حصصهم جميعًا ما تجب فيه الزكاة وكان بعضهم في ذلك أفضل نصيبًا من بعض) بأن كان لواحد نصاب وآخر نصابان مثلاً ( أخذ من كل إنسان منهم بقدر حصته إذا كان في حصة كل إنسان منهم ما تجب فيه الزكاة وذلك أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال ليس فيما دون خمس أواق من الورق صدقة) ولم يفرق بين الشركاء وغيرهم فاقتضى أنه إنما يعتبر ملك كل واحد على حدة ( قال وهذا أحب ما سمعت إلي) يدل على أنه قد سمع خلافه وذلك أن عمر والحسن والشعبي قالوا إن الشركاء في العين والماشية والزرع إذا لم يعلم أحدهم ماله بعينه أنهم يزكون زكاة الواحد قياسًا على الخلطاء في الماشية وبه قال الشافعي في الجديد ووافق مالكًا أبو حنيفة وأبو ثور ( قال مالك وإذا كانت لرجل ذهب أو ورق متفرقة بأيدي أناس شتى فإنه ينبغي له أن يحصيها جميعًا ثم يخرج ما وجب عليه من زكاتها كلها) هذا إجماع إذا كان قادرًا على ذلك ولم تكن ديونًا في الذمم ولا قراضا ينتظر أن ينض قاله أبو عمر ( قال مالك ومن أفاد ذهبًا أو ورقًا) بنحو ميراث أو هبة أو صدقة وما تقدم من إجارة إلى آخره ( إنه) بكسر الهمزة هو مقول القول ( لا زكاة عليه فيها حتى يحول عليها الحول من يوم أفادها) إذ هي تجددت عن غير مال فيستقبل وما هنا أعم مما تقدم فليس بتكرار.



رقم الحديث 590 وَحَدَّثَنِي عَنْ مَالِكٍ، عَنْ عُمَرَ بْنِ حُسَيْنٍ، عَنْ عَائِشَةَ بِنْتِ قُدَامَةَ، عَنْ أَبِيهَا أَنَّهُ قَالَ: كُنْتُ إِذَا جِئْتُ عُثْمَانَ بْنَ عَفَّانَ أَقْبِضُ عَطَائِي، سَأَلَنِي: هَلْ عِنْدَكَ مِنْ مَالٍ وَجَبَتْ عَلَيْكَ فِيهِ الزَّكَاةُ؟ قَالَ: فَإِنْ قُلْتُ: نَعَمْ.
أَخَذَ مِنْ عَطَائِي زَكَاةَ ذَلِكَ الْمَالِ.
وَإِنْ قُلْتُ: لَا.
دَفَعَ إِلَيَّ عَطَائِي.


( الزكاة في العين من الذهب والورق)

( مالك عن محمد بن عقبة) بالقاف ( مولى الزبير) المدني أخي موسى ثقة ( أنه سمع) كذا لعبد الله بن يحيى ولابن وضاح عنه أنه سأل ( القاسم بن محمد) بن أبي بكر ( عن مكاتب له قاطعه بمال عظيم) قال أبو عمر معنى مقاطعة المكاتب أخذ مال معجل منه دون ما كوتب عليه ليعجل عتقه ( هل عليه فيه زكاة فقال القاسم إن أبا بكر الصديق لم يكن يأخذ من مال زكاة حتى يحول عليه الحول) والمقاطعة فائدة لا زكاة فيها حتى يمر عليها عند مستفيدها الحول وأجمع العلماء على اشتراط الحول في الماشية والنقد دون المعشرات ( قال القاسم بن محمد وكان أبو بكر إذا أعطى الناس أعطياتهم) جمع عطايا جمع عطية ( يسأل الرجل هل عندك من مال وجبت عليك فيه الزكاة) بأن كان نصابًا مر عليه الحول ( فإن قال نعم أخذ من عطائه زكاة ذلك المال) الذي عنده ( وإن قال لا أسلم إليه عطاءه ولم يأخذ منه شيئًا) لعدم الوجوب ( مالك عن عمر بن حسين) بن عبد الله الجمحي مولاهم أبي قدامة المكي ثقة روى له مسلم ( عن عائشة بنت قدامة) القرشية الجمحية الصحابية ( عن أبيها) قدامة بضم القاف والتخفيف ابن مظعون بالظاء المشالة الصحابي البدري ( أنه قال كنت إذا جئت عثمان بن عفان) في خلافته ( أقبض عطائي سألني هل عندك من مال وجبت عليك فيه الزكاة قال) قدامة ( فإن قلت نعم أخذ من عطائي زكاة ذلك المال وإن قلت لا دفع إلي عطائي) كله وفي سؤاله كأبي بكر وقولهما وإن قلت لا إلخ دليل على تصديق الناس في أموالهم التي فيها الزكاة وجواز إخراج زكاة المال من غيره ولا مخالف لهما إذا كان من جنسه فإن كان ذهبًا عن فضة أو عكسه فخلاف ( مالك عن نافع أن عبد الله بن عمر كان يقول لا تجب في مال) عموم خص منه المعشرات لأدلة أخر ( زكاة حتى يحول عليه الحول) رواه مالك موقوفًا وأخرجه في التمهيد من طريق عبيد الله بن عمر عن نافع عن ابن عمر قال قال النبي صلى الله عليه وسلم ليس في مال زكاة حتى يحول عليه الحول وفي إسناده بقية بن الوليد مدلس وقد رواه بالعنعنة عن إسماعيل بن عياش عن عبيد الله وإسماعيل ضعيف في غير الشاميين قال الدارقطني والصحيح وقفه كما في الموطأ وقد أخرجه الدارقطني في الغرائب مرفوعًا وضعفه وأخرجه أيضًا من حديث أنس وضعفه وأخرجه ابن ماجه عن عائشة لكن الإجماع عليه أغنى عن إسناده ( مالك عن ابن شهاب أنه قال أول من أخذ من الأعطية) جمع جمع لعطية ( الزكاة معاوية بن أبي سفيان) قال ابن عبد البر يريد أخذ زكاتها نفسها منها لا أنه أخذ منها عن غيرها مما حال عليه الحول قال ولا أعلم من وافقه إلا ابن عباس ولم يعرفه الزهري فلذا قال أن معاوية أول من أخذ قال وهذا شذوذ لم يعرج عليه أحد من العلماء ولا قال به أحد من أئمة الفتوى وقال الباجي قال ابن مسعود وابن عامر مثل قولهما ثم انعقد الإجماع على خلافه قال وإنما كان معاوية يأخذ من العطاء زكاة ذلك العطاء لأنه كان يرى حقه واجبًا قبل دفعه إليه فكان يراه كالمال المشترك يمر عليه الحول في حالة الاشتراك وأما أبو بكر وعمر وعثمان فلم يأخذوا ذلك منها إذ لم يتحقق ملك من أعطيها إلا بعد القبض لأن للإمام أن يصرفها إلى غيره بالاجتهاد ونحو هذا التأويل ذكر ابن حبيب ( قال مالك السنة التي لا اختلاف فيها عندنا) بالمدينة ( أن الزكاة تجب في عشرين دينارًا عينًا كما تجب في مائتي درهم) قال ابن عبد البر لم يثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم في نصاب الذهب شيء إلا ما روى الحسن بن عمارة عن علي أنه صلى الله عليه وسلم قال هاتوا زكاة الذهب من كل عشرين دينارًا نصف دينار وابن عمارة أجمعوا على ترك حديثه لسوء حفظه وكثرة خطئه ورواه الحفاظ موقوفًا على علي لكن عليه جمهور العلماء وما زاد على عشرين فبحسابه قل أو كثر سواء كانت قيمتها مائتي درهم أو أقل أو أكثر وإليه ذهب الأئمة الأربعة وغيرهم إلا أن أبا حنيفة مع جماعة من أهل العراق جعلوا في العين أوقاصًا كالماشية وقالت طائفة لا زكاة في الذهب حتى يبلغ صرفها مائتي درهم فإذا بلغتها زكيت كانت أكثر من عشرين دينارًا أو أقل إلا أن تبلغ أربعين دينارًا ففيها دينار ولا يراعى حينئذٍ الصرف وقال الحسن البصري وأكثر أصحاب داود ورواية عن الثوري لا زكاة في الذهب حتى يبلغ أربعين دينارًا ففيها ربع عشره وما زاد فبحسابه ( قال مالك ليس في عشرين دينارًا ناقصة بينة النقصان زكاة) لعدم بلوغ النصاب ( فإن زادت حتى تبلغ بزيادتها عشرين دينارًا وازنة ففيها الزكاة) وجوبًا ( وليس فيما دون عشرين دينارًا عينًا الزكاة) ودون بمعنى أقل ( وليس في مائتي درهم ناقصة بينة النقصان زكاة فإن زادت حتى تبلغ بزيادتها مائتي درهم وافية ففيها الزكاة) وفي نسخة زكاة بالتنكير ( فإن كانت تجوز بجواز الوزانة رأيت فيها الزكاة دنانير كانت أو دراهم) قال الأبهري وابن القصار معناه أنها وازنة في ميزان وفي آخر ناقصة فإذا نقصت في جميع الموازين فلا زكاة وقال عبد الوهاب معناه النقص القليل في جميع الموازين كحبة وحبتين وما جرت العادة بالمسامحة فيه في البيع وغيره وعلى هذا جمهور أصحابنا وهو الأظهر ويحتمل وجهًا ثالثًا وهو أن يكون العوض فيها غالبًا عوض الوازنة وهو المشهور عن مالك وما سواه تأويل وهذا قول أصحابنا العراقيين وحملوا تفصيله على الدنانير والدراهم الموزونة والأظهر أن تكون في المعدودة قاله الباجي قال ابن زرقون ويظهر أن قول ابن القصار والأبهري في الموزونة وقول عبد الوهاب في المعدودة فلا يكون خلافًا كذا قال ولا يصح لأن نص عبد الوهاب في جميع الموازين فكيف يقال في المعدود ( قال مالك في رجل كانت عنده ستون ومائة درهم وازنة وصرف الدراهم ببلده ثمانية دراهم بدينار أنها لا تجب فيها الزكاة وإنما تجب الزكاة في عشرين دينارًا عينًا أو مائتي درهم) لأن المال إنما يعتبر بنصاب نفسه لا بقيمته فلا تعتبر الفضة بقيمتها من الذهب ولا عكسه كما لو كان له ثلاثون شاة قيمتها أربعون من غيرها أو قيمتها عشرون دينارًا أو أربعون دينارًا فلا زكاة وإن نقص النقد عن النصاب وبلغت قيمة صياغته أكثر من نصاب فلا زكاة قاله الباجي ( قال مالك في رجل كانت له خمسة دنانير) مثلاً والمراد أقل من نصاب ( من فائدة أو غيرها فتجر فيها فلم يأت الحول حتى بلغت ما تجب فيه الزكاة أنه يزكيها وإن لم تتم إلا قبل أن يحول عليها الحول بيوم واحد أو بعد ما يحول عليها الحول بيوم واحد ثم لا زكاة فيها حتى يحول عليها الحول من يوم زكيت) هذا مذهب مالك رحمه الله أن حول ربح المال حول أصله وإن لم يكن أصله نصابًا قياسًا على نسل الماشية ولم يتابعه غير أصحابه وقاسه على ما لا يشبهه في أصله ولا في فرعه وهما أصلان والأصول لا يرد بعضها إلى بعض وإنما يرد الفرع إلى أصله قال أبو عبيد لا نعلم أحدًا فرق بين ربح المال وغيره من الفوائد غير مالك وليس كما قال قد فرق بينهما الأوزاعي وأبو ثور وأحمد لكنهم شرطوا أن يكون أصله نصابًا وإنما أنكر أبو عبيد أنه يجعله كأصله وإن لم يكن أصله نصابًا وهذا لا يقوله غير مالك وأصحابه وقال الجمهور الربح كالفوائد يستأنف بها حول على ما وردت به السنة قاله ابن عبد البر ( وقال مالك في رجل كانت له) أي عنده ( عشرة دنانير فتجر فيها فحال عليها الحول وقد بلغت عشرين دينارًا إنه يزكيها مكانها ولا ينتظر بها أن يحول عليها الحول من يوم بلغت ما تجب فيه الزكاة) وهو العشرون ( لأن الحول قد حال عليها وهي عنده عشرون) بالربح وهو يقدر كأنه كائن فيها ( ثم لا زكاة فيها حتى يحول عليها الحول من يوم زكيت) وهذا بمعنى ما قبله غايته أنه فرضها في الأولى في خمسة والثانية في عشرة بحسب سؤاله عن ذلك وأجاب فيهما بحكم واحد وهو ضم الربح لأصله وإن لم يكن نصابًا ( قال مالك الأمر المجتمع عليه عندنا) بالمدينة ( في إجارة العبيد وخراجهم وكراء المساكن وكتابة المكاتب أنه لا تجب في شيء من ذلك الزكاة قل ذلك أو كثر حتى يحول عليه الحول من يوم يقبضه صاحبه) وهو نصاب لأنها فوائد تجددت لا عن مال فيستقبل بها ( وقال مالك في الذهب والورق يكون بين الشركاء أن من بلغت حصته منهم عشرين دينارًا عينًا أو مائتي درهم فعليه فيها الزكاة ومن نقصت حصته عما تجب فيه الزكاة فلا زكاة عليه وإن بلغت حصصهم جميعًا ما تجب فيه الزكاة وكان بعضهم في ذلك أفضل نصيبًا من بعض) بأن كان لواحد نصاب وآخر نصابان مثلاً ( أخذ من كل إنسان منهم بقدر حصته إذا كان في حصة كل إنسان منهم ما تجب فيه الزكاة وذلك أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال ليس فيما دون خمس أواق من الورق صدقة) ولم يفرق بين الشركاء وغيرهم فاقتضى أنه إنما يعتبر ملك كل واحد على حدة ( قال وهذا أحب ما سمعت إلي) يدل على أنه قد سمع خلافه وذلك أن عمر والحسن والشعبي قالوا إن الشركاء في العين والماشية والزرع إذا لم يعلم أحدهم ماله بعينه أنهم يزكون زكاة الواحد قياسًا على الخلطاء في الماشية وبه قال الشافعي في الجديد ووافق مالكًا أبو حنيفة وأبو ثور ( قال مالك وإذا كانت لرجل ذهب أو ورق متفرقة بأيدي أناس شتى فإنه ينبغي له أن يحصيها جميعًا ثم يخرج ما وجب عليه من زكاتها كلها) هذا إجماع إذا كان قادرًا على ذلك ولم تكن ديونًا في الذمم ولا قراضا ينتظر أن ينض قاله أبو عمر ( قال مالك ومن أفاد ذهبًا أو ورقًا) بنحو ميراث أو هبة أو صدقة وما تقدم من إجارة إلى آخره ( إنه) بكسر الهمزة هو مقول القول ( لا زكاة عليه فيها حتى يحول عليها الحول من يوم أفادها) إذ هي تجددت عن غير مال فيستقبل وما هنا أعم مما تقدم فليس بتكرار.



رقم الحديث 590 وَحَدَّثَنِي عَنْ مَالِكٍ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ الْقَاسِمِ، عَنْ أَبِيهِ، أَنَّهُ قَالَ: كَانَتْ عَائِشَةُ تَلِينِي وَأَخًا لِي يَتِيمَيْنِ فِي حَجْرِهَا، فَكَانَتْ تُخْرِجُ مِنْ أَمْوَالِنَا الزَّكَاةَ.


( زكاة أموال اليتامى والتجارة لهم فيها)

( مالك أنه بلغه أن عمر بن الخطاب قال اتجروا في أموال اليتامى لا تأكلها الزكاة) إنما قال ذلك لقوله تعالى { { خذ من أموالهم صدقة تطهرهم وتزكيهم بها } } وفسره صلى الله عليه وسلم بقوله أمرت أن آخذ الصدقة من أغنيائكم وأردها على فقرائكم ولم يخصص كبيرًا من صغير وإنما الزكاة توسعة على الفقراء فمتى وجد الغني وجبت الزكاة وبه قال الجمهور وقال أبو حنيفة في طائفة لا زكاة في مال يتيم ولا صغير وتأول بعض أصحابه قول عمر على أن الزكاة هنا النفقة كحديث إذا أنفق المسلم على أهله كانت له صدقة وتعقب بأن اسم الزكاة لا يطلق على النفقة لغة ولا شرعًا ولا يقاس على لفظ صدقة لأن اللغة لا تؤخذ بالقياس وأيضًا فالصدقة لا تطلق على النفقة وإنما وصفت بالصدقة في الحديث لأنه يؤجر عليها وحجة الجمهور عموم حديث تؤخذ من أغنيائهم فترد على فقرائهم والقياس على زكاة الحرث والفطر والولي هو المخاطب بالزكاة فيأثم بترك إخراجها لا الطفل ( مالك عن عبد الرحمن بن القاسم) بن محمد بن الصديق ( عن أبيه أنه قال كانت عائشة تليني) تتولى أمري ( أنا وأخًا لي يتيمين في حجرها) بعد قتل أبيهما بمصر ( فكانت تخرج من أموالنا الزكاة) وهي بالمكان العالي من المصطفى فدل ذلك على وجوبها في مال اليتامى واحتج له أبو عمر بالإجماع على زكاة حرث اليتيم وثماره وعلى وجوب أرش جنايته وقيمة ما يتلفه وعلى أن من جن أحيانًا والحائض لا يراعى قدر الجنون والحيض من الحول فدل ذلك كله على أنها حق المال لا البدن كالصلاة فتجب الزكاة على من تجب عليه الصلاة ومن لا تجب ( مالك أنه بلغه أن عائشة زوج النبي صلى الله عليه وسلم كانت تعطي أموال اليتامى الذين في حجرها من يتجر لهم فيها) لئلا تأكلها الزكاة ( مالك عن يحيى بن سعيد) الأنصاري ( أنه اشترى لبني أخيه) عبد ربه بن سعيد يتامى في حجره ( مالا) أي شيئًا متمولا ( فبيع ذلك المال بعد) بالضم أي بعد ذلك ( بمال كثير) بموحدة أو مثلثة ( قال مالك لا بأس بالتجارة في أموال اليتامى لهم) قيد أول ( إذا كان الولي مأمونًا) قيد ثان في الجواز فإن خسرت أموالهم أو تلفت ( فلا أرى عليه ضمانًا) لأنه فعل ما هو مأمور به وأما إن تسلفها وتجر لنفسه فلا يجوز إلا أن تدعو ضرورة في وقت إلى قليل منه ثم يسرع برده وليس كتسلف المودع من الوديعة لأن المودع ترك الانتفاع به مع القدرة عليه فجاز للمودع الانتفاع على خلاف في ذلك ولا كذلك مال اليتيم لأنه مأمور بتنمية ماله كالمبضع معه؛ قاله الباجي والله أعلم.



رقم الحديث 591 وَحَدَّثَنِي عَنْ مَالِكٍ عَنْ نَافِعٍ، أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عُمَرَ كَانَ يَقُولُ: لَا تَجِبُ فِي مَالٍ زَكَاةٌ حَتَّى يَحُولَ عَلَيْهِ الْحَوْلُ.


( الزكاة في العين من الذهب والورق)

( مالك عن محمد بن عقبة) بالقاف ( مولى الزبير) المدني أخي موسى ثقة ( أنه سمع) كذا لعبد الله بن يحيى ولابن وضاح عنه أنه سأل ( القاسم بن محمد) بن أبي بكر ( عن مكاتب له قاطعه بمال عظيم) قال أبو عمر معنى مقاطعة المكاتب أخذ مال معجل منه دون ما كوتب عليه ليعجل عتقه ( هل عليه فيه زكاة فقال القاسم إن أبا بكر الصديق لم يكن يأخذ من مال زكاة حتى يحول عليه الحول) والمقاطعة فائدة لا زكاة فيها حتى يمر عليها عند مستفيدها الحول وأجمع العلماء على اشتراط الحول في الماشية والنقد دون المعشرات ( قال القاسم بن محمد وكان أبو بكر إذا أعطى الناس أعطياتهم) جمع عطايا جمع عطية ( يسأل الرجل هل عندك من مال وجبت عليك فيه الزكاة) بأن كان نصابًا مر عليه الحول ( فإن قال نعم أخذ من عطائه زكاة ذلك المال) الذي عنده ( وإن قال لا أسلم إليه عطاءه ولم يأخذ منه شيئًا) لعدم الوجوب ( مالك عن عمر بن حسين) بن عبد الله الجمحي مولاهم أبي قدامة المكي ثقة روى له مسلم ( عن عائشة بنت قدامة) القرشية الجمحية الصحابية ( عن أبيها) قدامة بضم القاف والتخفيف ابن مظعون بالظاء المشالة الصحابي البدري ( أنه قال كنت إذا جئت عثمان بن عفان) في خلافته ( أقبض عطائي سألني هل عندك من مال وجبت عليك فيه الزكاة قال) قدامة ( فإن قلت نعم أخذ من عطائي زكاة ذلك المال وإن قلت لا دفع إلي عطائي) كله وفي سؤاله كأبي بكر وقولهما وإن قلت لا إلخ دليل على تصديق الناس في أموالهم التي فيها الزكاة وجواز إخراج زكاة المال من غيره ولا مخالف لهما إذا كان من جنسه فإن كان ذهبًا عن فضة أو عكسه فخلاف ( مالك عن نافع أن عبد الله بن عمر كان يقول لا تجب في مال) عموم خص منه المعشرات لأدلة أخر ( زكاة حتى يحول عليه الحول) رواه مالك موقوفًا وأخرجه في التمهيد من طريق عبيد الله بن عمر عن نافع عن ابن عمر قال قال النبي صلى الله عليه وسلم ليس في مال زكاة حتى يحول عليه الحول وفي إسناده بقية بن الوليد مدلس وقد رواه بالعنعنة عن إسماعيل بن عياش عن عبيد الله وإسماعيل ضعيف في غير الشاميين قال الدارقطني والصحيح وقفه كما في الموطأ وقد أخرجه الدارقطني في الغرائب مرفوعًا وضعفه وأخرجه أيضًا من حديث أنس وضعفه وأخرجه ابن ماجه عن عائشة لكن الإجماع عليه أغنى عن إسناده ( مالك عن ابن شهاب أنه قال أول من أخذ من الأعطية) جمع جمع لعطية ( الزكاة معاوية بن أبي سفيان) قال ابن عبد البر يريد أخذ زكاتها نفسها منها لا أنه أخذ منها عن غيرها مما حال عليه الحول قال ولا أعلم من وافقه إلا ابن عباس ولم يعرفه الزهري فلذا قال أن معاوية أول من أخذ قال وهذا شذوذ لم يعرج عليه أحد من العلماء ولا قال به أحد من أئمة الفتوى وقال الباجي قال ابن مسعود وابن عامر مثل قولهما ثم انعقد الإجماع على خلافه قال وإنما كان معاوية يأخذ من العطاء زكاة ذلك العطاء لأنه كان يرى حقه واجبًا قبل دفعه إليه فكان يراه كالمال المشترك يمر عليه الحول في حالة الاشتراك وأما أبو بكر وعمر وعثمان فلم يأخذوا ذلك منها إذ لم يتحقق ملك من أعطيها إلا بعد القبض لأن للإمام أن يصرفها إلى غيره بالاجتهاد ونحو هذا التأويل ذكر ابن حبيب ( قال مالك السنة التي لا اختلاف فيها عندنا) بالمدينة ( أن الزكاة تجب في عشرين دينارًا عينًا كما تجب في مائتي درهم) قال ابن عبد البر لم يثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم في نصاب الذهب شيء إلا ما روى الحسن بن عمارة عن علي أنه صلى الله عليه وسلم قال هاتوا زكاة الذهب من كل عشرين دينارًا نصف دينار وابن عمارة أجمعوا على ترك حديثه لسوء حفظه وكثرة خطئه ورواه الحفاظ موقوفًا على علي لكن عليه جمهور العلماء وما زاد على عشرين فبحسابه قل أو كثر سواء كانت قيمتها مائتي درهم أو أقل أو أكثر وإليه ذهب الأئمة الأربعة وغيرهم إلا أن أبا حنيفة مع جماعة من أهل العراق جعلوا في العين أوقاصًا كالماشية وقالت طائفة لا زكاة في الذهب حتى يبلغ صرفها مائتي درهم فإذا بلغتها زكيت كانت أكثر من عشرين دينارًا أو أقل إلا أن تبلغ أربعين دينارًا ففيها دينار ولا يراعى حينئذٍ الصرف وقال الحسن البصري وأكثر أصحاب داود ورواية عن الثوري لا زكاة في الذهب حتى يبلغ أربعين دينارًا ففيها ربع عشره وما زاد فبحسابه ( قال مالك ليس في عشرين دينارًا ناقصة بينة النقصان زكاة) لعدم بلوغ النصاب ( فإن زادت حتى تبلغ بزيادتها عشرين دينارًا وازنة ففيها الزكاة) وجوبًا ( وليس فيما دون عشرين دينارًا عينًا الزكاة) ودون بمعنى أقل ( وليس في مائتي درهم ناقصة بينة النقصان زكاة فإن زادت حتى تبلغ بزيادتها مائتي درهم وافية ففيها الزكاة) وفي نسخة زكاة بالتنكير ( فإن كانت تجوز بجواز الوزانة رأيت فيها الزكاة دنانير كانت أو دراهم) قال الأبهري وابن القصار معناه أنها وازنة في ميزان وفي آخر ناقصة فإذا نقصت في جميع الموازين فلا زكاة وقال عبد الوهاب معناه النقص القليل في جميع الموازين كحبة وحبتين وما جرت العادة بالمسامحة فيه في البيع وغيره وعلى هذا جمهور أصحابنا وهو الأظهر ويحتمل وجهًا ثالثًا وهو أن يكون العوض فيها غالبًا عوض الوازنة وهو المشهور عن مالك وما سواه تأويل وهذا قول أصحابنا العراقيين وحملوا تفصيله على الدنانير والدراهم الموزونة والأظهر أن تكون في المعدودة قاله الباجي قال ابن زرقون ويظهر أن قول ابن القصار والأبهري في الموزونة وقول عبد الوهاب في المعدودة فلا يكون خلافًا كذا قال ولا يصح لأن نص عبد الوهاب في جميع الموازين فكيف يقال في المعدود ( قال مالك في رجل كانت عنده ستون ومائة درهم وازنة وصرف الدراهم ببلده ثمانية دراهم بدينار أنها لا تجب فيها الزكاة وإنما تجب الزكاة في عشرين دينارًا عينًا أو مائتي درهم) لأن المال إنما يعتبر بنصاب نفسه لا بقيمته فلا تعتبر الفضة بقيمتها من الذهب ولا عكسه كما لو كان له ثلاثون شاة قيمتها أربعون من غيرها أو قيمتها عشرون دينارًا أو أربعون دينارًا فلا زكاة وإن نقص النقد عن النصاب وبلغت قيمة صياغته أكثر من نصاب فلا زكاة قاله الباجي ( قال مالك في رجل كانت له خمسة دنانير) مثلاً والمراد أقل من نصاب ( من فائدة أو غيرها فتجر فيها فلم يأت الحول حتى بلغت ما تجب فيه الزكاة أنه يزكيها وإن لم تتم إلا قبل أن يحول عليها الحول بيوم واحد أو بعد ما يحول عليها الحول بيوم واحد ثم لا زكاة فيها حتى يحول عليها الحول من يوم زكيت) هذا مذهب مالك رحمه الله أن حول ربح المال حول أصله وإن لم يكن أصله نصابًا قياسًا على نسل الماشية ولم يتابعه غير أصحابه وقاسه على ما لا يشبهه في أصله ولا في فرعه وهما أصلان والأصول لا يرد بعضها إلى بعض وإنما يرد الفرع إلى أصله قال أبو عبيد لا نعلم أحدًا فرق بين ربح المال وغيره من الفوائد غير مالك وليس كما قال قد فرق بينهما الأوزاعي وأبو ثور وأحمد لكنهم شرطوا أن يكون أصله نصابًا وإنما أنكر أبو عبيد أنه يجعله كأصله وإن لم يكن أصله نصابًا وهذا لا يقوله غير مالك وأصحابه وقال الجمهور الربح كالفوائد يستأنف بها حول على ما وردت به السنة قاله ابن عبد البر ( وقال مالك في رجل كانت له) أي عنده ( عشرة دنانير فتجر فيها فحال عليها الحول وقد بلغت عشرين دينارًا إنه يزكيها مكانها ولا ينتظر بها أن يحول عليها الحول من يوم بلغت ما تجب فيه الزكاة) وهو العشرون ( لأن الحول قد حال عليها وهي عنده عشرون) بالربح وهو يقدر كأنه كائن فيها ( ثم لا زكاة فيها حتى يحول عليها الحول من يوم زكيت) وهذا بمعنى ما قبله غايته أنه فرضها في الأولى في خمسة والثانية في عشرة بحسب سؤاله عن ذلك وأجاب فيهما بحكم واحد وهو ضم الربح لأصله وإن لم يكن نصابًا ( قال مالك الأمر المجتمع عليه عندنا) بالمدينة ( في إجارة العبيد وخراجهم وكراء المساكن وكتابة المكاتب أنه لا تجب في شيء من ذلك الزكاة قل ذلك أو كثر حتى يحول عليه الحول من يوم يقبضه صاحبه) وهو نصاب لأنها فوائد تجددت لا عن مال فيستقبل بها ( وقال مالك في الذهب والورق يكون بين الشركاء أن من بلغت حصته منهم عشرين دينارًا عينًا أو مائتي درهم فعليه فيها الزكاة ومن نقصت حصته عما تجب فيه الزكاة فلا زكاة عليه وإن بلغت حصصهم جميعًا ما تجب فيه الزكاة وكان بعضهم في ذلك أفضل نصيبًا من بعض) بأن كان لواحد نصاب وآخر نصابان مثلاً ( أخذ من كل إنسان منهم بقدر حصته إذا كان في حصة كل إنسان منهم ما تجب فيه الزكاة وذلك أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال ليس فيما دون خمس أواق من الورق صدقة) ولم يفرق بين الشركاء وغيرهم فاقتضى أنه إنما يعتبر ملك كل واحد على حدة ( قال وهذا أحب ما سمعت إلي) يدل على أنه قد سمع خلافه وذلك أن عمر والحسن والشعبي قالوا إن الشركاء في العين والماشية والزرع إذا لم يعلم أحدهم ماله بعينه أنهم يزكون زكاة الواحد قياسًا على الخلطاء في الماشية وبه قال الشافعي في الجديد ووافق مالكًا أبو حنيفة وأبو ثور ( قال مالك وإذا كانت لرجل ذهب أو ورق متفرقة بأيدي أناس شتى فإنه ينبغي له أن يحصيها جميعًا ثم يخرج ما وجب عليه من زكاتها كلها) هذا إجماع إذا كان قادرًا على ذلك ولم تكن ديونًا في الذمم ولا قراضا ينتظر أن ينض قاله أبو عمر ( قال مالك ومن أفاد ذهبًا أو ورقًا) بنحو ميراث أو هبة أو صدقة وما تقدم من إجارة إلى آخره ( إنه) بكسر الهمزة هو مقول القول ( لا زكاة عليه فيها حتى يحول عليها الحول من يوم أفادها) إذ هي تجددت عن غير مال فيستقبل وما هنا أعم مما تقدم فليس بتكرار.



رقم الحديث 592 وَحَدَّثَنِي عَنْ مَالِكٍ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ أَنَّهُ قَالَ: أَوَّلُ مَنْ أَخَذَ مِنَ الْأَعْطِيَةِ الزَّكَاةَ مُعَاوِيَةُ بْنُ أَبِي سُفْيَانَ قَالَ مَالِكٌ: السُّنَّةُ الَّتِي لَا اخْتِلَافَ فِيهَا عِنْدَنَا، أَنَّ الزَّكَاةَ تَجِبُ فِي عِشْرِينَ دِينَارًا عَيْنًا.
كَمَا تَجِبُ فِي مِائَتَيْ دِرْهَمٍ قَالَ مَالِكٌ: لَيْسَ فِي عِشْرِينَ دِينَارًا، نَاقِصَةً بَيِّنَةَ النُّقْصَانِ، زَكَاةٌ.
فَإِنْ زَادَتْ حَتَّى تَبْلُغَ بِزِيَادَتِهَا عِشْرِينَ دِينَارًا، وَازِنَةً، فَفِيهَا الزَّكَاةُ.
وَلَيْسَ فِيمَا دُونَ عِشْرِينَ دِينَارًا عَيْنًا، الزَّكَاةُ.
وَلَيْسَ فِي مِائَتَيْ دِرْهَمٍ نَاقِصَةً بَيِّنَةَ النُّقْصَانِ، زَكَاةٌ.
فَإِنْ زَادَتْ حَتَّى تَبْلُغَ بِزِيَادَتِهَا مِائَتَيْ دِرْهَمٍ وَافِيَةً فَفِيهَا الزَّكَاةُ.
فَإِنْ كَانَتْ تَجُوزُ بِجَوَازِ الْوَازِنَةِ.
رَأَيْتُ فِيهَا الزَّكَاةَ.
دَنَانِيرَ كَانَتْ أَوْ دَرَاهِمَ قَالَ مَالِكٌ: فِي رَجُلٍ كَانَتْ عِنْدَهُ سِتُّونَ وَمِائَةُ دِرْهَمٍ وَازِنَةً، وَصَرْفُ الدَّرَاهِمِ بِبَلَدِهِ ثَمَانِيَةُ دَرَاهِمَ بِدِينَارٍ: أَنَّهَا لَا تَجِبُ فِيهَا الزَّكَاةُ.
وَإِنَّمَا تَجِبُ الزَّكَاةُ فِي عِشْرِينَ دِينَارًا عَيْنًا.
أَوْ مِائَتَيْ دِرْهَمٍ قَالَ مَالِكٌ: فِي رَجُلٍ كَانَتْ لَهُ خَمْسَةُ دَنَانِيرَ مِنْ فَائِدَةٍ، أَوْ غَيْرِهَا فَتَجَرَ فِيهَا، فَلَمْ يَأْتِ الْحَوْلُ حَتَّى بَلَغَتْ مَا تَجِبُ فِيهِ الزَّكَاةُ: أَنَّهُ يُزَكِّيهَا.
وَإِنْ لَمْ تَتِمَّ إِلَّا قَبْلَ أَنْ يَحُولَ عَلَيْهَا الْحَوْلُ بِيَوْمٍ وَاحِدٍ، أَوْ بَعْدَ مَا يَحُولُ عَلَيْهَا الْحَوْلُ بِيَوْمٍ وَاحِدٍ.
ثُمَّ لَا زَكَاةَ فِيهَا حَتَّى يَحُولَ عَلَيْهَا الْحَوْلُ مِنْ يَوْمَ زُكِّيَتْ وقَالَ مَالِكٌ: فِي رَجُلٍ كَانَتْ لَهُ عَشَرَةُ دَنَانِيرَ فَتَجَرَ فِيهَا، فَحَالَ عَلَيْهَا الْحَوْلُ وَقَدْ بَلَغَتْ عِشْرِينَ دِينَارًا، أَنَّهُ يُزَكِّيهَا مَكَانَهَا، وَلَا يَنْتَظِرُ بِهَا أَنْ يَحُولَ عَلَيْهَا الْحَوْلُ مِنْ يَوْمَ بَلَغَتْ مَا تَجِبُ فِيهِ الزَّكَاةُ، لِأَنَّ الْحَوْلَ قَدْ حَالَ عَلَيْهَا وَهِيَ عِنْدَهُ عِشْرُونَ، ثُمَّ لَا زَكَاةَ فِيهَا حَتَّى يَحُولَ عَلَيْهَا الْحَوْلُ مِنْ يَوْمَ زُكِّيَتْ قَالَ مَالِكٌ: الْأَمْرُ الْمُجْتَمَعُ عَلَيْهِ عِنْدَنَا فِي إِجَارَةِ الْعَبِيدِ، وَخَرَاجِهِمْ وَكِرَاءِ الْمَسَاكِينِ، وَكِتَابَةِ الْمُكَاتَبِ: أَنَّهُ لَا تَجِبُ فِي شَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ، الزَّكَاةُ.
قَلَّ ذَلِكَ أَوْ كَثُرَ.
حَتَّى يَحُولَ عَلَيْهِ الْحَوْلُ مِنْ يَوْمِ يَقْبِضُهُ صَاحِبُهُ وقَالَ مَالِكٌ: فِي الذَّهَبِ وَالْ وَرِقِ يَكُونُ بَيْنَ الشُّرَكَاءِ: إِنَّ مَنْ بَلَغَتْ حِصَّتُهُ مِنْهُمْ عِشْرِينَ دِينَارًا عَيْنًا.
أَوْ مِائَتَيْ دِرْهَمٍ، فَعَلَيْهِ فِيهَا الزَّكَاةُ.
وَمَنْ نَقَصَتْ حِصَّتُهُ عَمَّا تَجِبُ فِيهِ الزَّكَاةُ، فَلَا زَكَاةَ عَلَيْهِ، وَإِنْ بَلَغَتْ حِصَصُهُمْ جَمِيعًا، مَا تَجِبُ فِيهِ الزَّكَاةُ، وَكَانَ بَعْضُهُمْ فِي ذَلِكَ أَفْضَلَ نَصِيبًا مِنْ بَعْضٍ، أُخِذَ مِنْ كُلِّ إِنْسَانٍ مِنْهُمْ بِقَدْرِ حِصَّتِهِ، إِذَا كَانَ فِي حِصَّةِ كُلِّ إِنْسَانٍ مِنْهُمْ مَا تَجِبُ فِيهِ الزَّكَاةُ، وَذَلِكَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: لَيْسَ فِيمَا دُونَ خَمْسِ أَوَاقٍ مِنَ الْوَرِقِ صَدَقَةٌ قَالَ مَالِكٌ: وَهَذَا أَحَبُّ مَا سَمِعْتُ إِلَيَّ فِي ذَلِكَ قَالَ مَالِكٌ: وَإِذَا كَانَتْ لِرَجُلٍ ذَهَبٌ أَوْ وَرِقٌ مُتَفَرِّقَةٌ بِأَيْدِي أُنَاسٍ شَتَّى، فَإِنَّهُ يَنْبَغِي لَهُ أَنْ يُحْصِيَهَا جَمِيعًا، ثُمَّ يُخْرِجَ مَا وَجَبَ عَلَيْهِ مِنْ زَكَاتِهَا كُلِّهَا قَالَ مَالِكٌ: وَمَنْ أَفَادَ ذَهَبًا أَوْ وَرِقًا إِنَّهُ لَا زَكَاةَ عَلَيْهِ فِيهَا حَتَّى يَحُولَ عَلَيْهَا الْحَوْلُ مِنْ يَوْمَ أَفَادَهَا.


( الزكاة في العين من الذهب والورق)

( مالك عن محمد بن عقبة) بالقاف ( مولى الزبير) المدني أخي موسى ثقة ( أنه سمع) كذا لعبد الله بن يحيى ولابن وضاح عنه أنه سأل ( القاسم بن محمد) بن أبي بكر ( عن مكاتب له قاطعه بمال عظيم) قال أبو عمر معنى مقاطعة المكاتب أخذ مال معجل منه دون ما كوتب عليه ليعجل عتقه ( هل عليه فيه زكاة فقال القاسم إن أبا بكر الصديق لم يكن يأخذ من مال زكاة حتى يحول عليه الحول) والمقاطعة فائدة لا زكاة فيها حتى يمر عليها عند مستفيدها الحول وأجمع العلماء على اشتراط الحول في الماشية والنقد دون المعشرات ( قال القاسم بن محمد وكان أبو بكر إذا أعطى الناس أعطياتهم) جمع عطايا جمع عطية ( يسأل الرجل هل عندك من مال وجبت عليك فيه الزكاة) بأن كان نصابًا مر عليه الحول ( فإن قال نعم أخذ من عطائه زكاة ذلك المال) الذي عنده ( وإن قال لا أسلم إليه عطاءه ولم يأخذ منه شيئًا) لعدم الوجوب ( مالك عن عمر بن حسين) بن عبد الله الجمحي مولاهم أبي قدامة المكي ثقة روى له مسلم ( عن عائشة بنت قدامة) القرشية الجمحية الصحابية ( عن أبيها) قدامة بضم القاف والتخفيف ابن مظعون بالظاء المشالة الصحابي البدري ( أنه قال كنت إذا جئت عثمان بن عفان) في خلافته ( أقبض عطائي سألني هل عندك من مال وجبت عليك فيه الزكاة قال) قدامة ( فإن قلت نعم أخذ من عطائي زكاة ذلك المال وإن قلت لا دفع إلي عطائي) كله وفي سؤاله كأبي بكر وقولهما وإن قلت لا إلخ دليل على تصديق الناس في أموالهم التي فيها الزكاة وجواز إخراج زكاة المال من غيره ولا مخالف لهما إذا كان من جنسه فإن كان ذهبًا عن فضة أو عكسه فخلاف ( مالك عن نافع أن عبد الله بن عمر كان يقول لا تجب في مال) عموم خص منه المعشرات لأدلة أخر ( زكاة حتى يحول عليه الحول) رواه مالك موقوفًا وأخرجه في التمهيد من طريق عبيد الله بن عمر عن نافع عن ابن عمر قال قال النبي صلى الله عليه وسلم ليس في مال زكاة حتى يحول عليه الحول وفي إسناده بقية بن الوليد مدلس وقد رواه بالعنعنة عن إسماعيل بن عياش عن عبيد الله وإسماعيل ضعيف في غير الشاميين قال الدارقطني والصحيح وقفه كما في الموطأ وقد أخرجه الدارقطني في الغرائب مرفوعًا وضعفه وأخرجه أيضًا من حديث أنس وضعفه وأخرجه ابن ماجه عن عائشة لكن الإجماع عليه أغنى عن إسناده ( مالك عن ابن شهاب أنه قال أول من أخذ من الأعطية) جمع جمع لعطية ( الزكاة معاوية بن أبي سفيان) قال ابن عبد البر يريد أخذ زكاتها نفسها منها لا أنه أخذ منها عن غيرها مما حال عليه الحول قال ولا أعلم من وافقه إلا ابن عباس ولم يعرفه الزهري فلذا قال أن معاوية أول من أخذ قال وهذا شذوذ لم يعرج عليه أحد من العلماء ولا قال به أحد من أئمة الفتوى وقال الباجي قال ابن مسعود وابن عامر مثل قولهما ثم انعقد الإجماع على خلافه قال وإنما كان معاوية يأخذ من العطاء زكاة ذلك العطاء لأنه كان يرى حقه واجبًا قبل دفعه إليه فكان يراه كالمال المشترك يمر عليه الحول في حالة الاشتراك وأما أبو بكر وعمر وعثمان فلم يأخذوا ذلك منها إذ لم يتحقق ملك من أعطيها إلا بعد القبض لأن للإمام أن يصرفها إلى غيره بالاجتهاد ونحو هذا التأويل ذكر ابن حبيب ( قال مالك السنة التي لا اختلاف فيها عندنا) بالمدينة ( أن الزكاة تجب في عشرين دينارًا عينًا كما تجب في مائتي درهم) قال ابن عبد البر لم يثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم في نصاب الذهب شيء إلا ما روى الحسن بن عمارة عن علي أنه صلى الله عليه وسلم قال هاتوا زكاة الذهب من كل عشرين دينارًا نصف دينار وابن عمارة أجمعوا على ترك حديثه لسوء حفظه وكثرة خطئه ورواه الحفاظ موقوفًا على علي لكن عليه جمهور العلماء وما زاد على عشرين فبحسابه قل أو كثر سواء كانت قيمتها مائتي درهم أو أقل أو أكثر وإليه ذهب الأئمة الأربعة وغيرهم إلا أن أبا حنيفة مع جماعة من أهل العراق جعلوا في العين أوقاصًا كالماشية وقالت طائفة لا زكاة في الذهب حتى يبلغ صرفها مائتي درهم فإذا بلغتها زكيت كانت أكثر من عشرين دينارًا أو أقل إلا أن تبلغ أربعين دينارًا ففيها دينار ولا يراعى حينئذٍ الصرف وقال الحسن البصري وأكثر أصحاب داود ورواية عن الثوري لا زكاة في الذهب حتى يبلغ أربعين دينارًا ففيها ربع عشره وما زاد فبحسابه ( قال مالك ليس في عشرين دينارًا ناقصة بينة النقصان زكاة) لعدم بلوغ النصاب ( فإن زادت حتى تبلغ بزيادتها عشرين دينارًا وازنة ففيها الزكاة) وجوبًا ( وليس فيما دون عشرين دينارًا عينًا الزكاة) ودون بمعنى أقل ( وليس في مائتي درهم ناقصة بينة النقصان زكاة فإن زادت حتى تبلغ بزيادتها مائتي درهم وافية ففيها الزكاة) وفي نسخة زكاة بالتنكير ( فإن كانت تجوز بجواز الوزانة رأيت فيها الزكاة دنانير كانت أو دراهم) قال الأبهري وابن القصار معناه أنها وازنة في ميزان وفي آخر ناقصة فإذا نقصت في جميع الموازين فلا زكاة وقال عبد الوهاب معناه النقص القليل في جميع الموازين كحبة وحبتين وما جرت العادة بالمسامحة فيه في البيع وغيره وعلى هذا جمهور أصحابنا وهو الأظهر ويحتمل وجهًا ثالثًا وهو أن يكون العوض فيها غالبًا عوض الوازنة وهو المشهور عن مالك وما سواه تأويل وهذا قول أصحابنا العراقيين وحملوا تفصيله على الدنانير والدراهم الموزونة والأظهر أن تكون في المعدودة قاله الباجي قال ابن زرقون ويظهر أن قول ابن القصار والأبهري في الموزونة وقول عبد الوهاب في المعدودة فلا يكون خلافًا كذا قال ولا يصح لأن نص عبد الوهاب في جميع الموازين فكيف يقال في المعدود ( قال مالك في رجل كانت عنده ستون ومائة درهم وازنة وصرف الدراهم ببلده ثمانية دراهم بدينار أنها لا تجب فيها الزكاة وإنما تجب الزكاة في عشرين دينارًا عينًا أو مائتي درهم) لأن المال إنما يعتبر بنصاب نفسه لا بقيمته فلا تعتبر الفضة بقيمتها من الذهب ولا عكسه كما لو كان له ثلاثون شاة قيمتها أربعون من غيرها أو قيمتها عشرون دينارًا أو أربعون دينارًا فلا زكاة وإن نقص النقد عن النصاب وبلغت قيمة صياغته أكثر من نصاب فلا زكاة قاله الباجي ( قال مالك في رجل كانت له خمسة دنانير) مثلاً والمراد أقل من نصاب ( من فائدة أو غيرها فتجر فيها فلم يأت الحول حتى بلغت ما تجب فيه الزكاة أنه يزكيها وإن لم تتم إلا قبل أن يحول عليها الحول بيوم واحد أو بعد ما يحول عليها الحول بيوم واحد ثم لا زكاة فيها حتى يحول عليها الحول من يوم زكيت) هذا مذهب مالك رحمه الله أن حول ربح المال حول أصله وإن لم يكن أصله نصابًا قياسًا على نسل الماشية ولم يتابعه غير أصحابه وقاسه على ما لا يشبهه في أصله ولا في فرعه وهما أصلان والأصول لا يرد بعضها إلى بعض وإنما يرد الفرع إلى أصله قال أبو عبيد لا نعلم أحدًا فرق بين ربح المال وغيره من الفوائد غير مالك وليس كما قال قد فرق بينهما الأوزاعي وأبو ثور وأحمد لكنهم شرطوا أن يكون أصله نصابًا وإنما أنكر أبو عبيد أنه يجعله كأصله وإن لم يكن أصله نصابًا وهذا لا يقوله غير مالك وأصحابه وقال الجمهور الربح كالفوائد يستأنف بها حول على ما وردت به السنة قاله ابن عبد البر ( وقال مالك في رجل كانت له) أي عنده ( عشرة دنانير فتجر فيها فحال عليها الحول وقد بلغت عشرين دينارًا إنه يزكيها مكانها ولا ينتظر بها أن يحول عليها الحول من يوم بلغت ما تجب فيه الزكاة) وهو العشرون ( لأن الحول قد حال عليها وهي عنده عشرون) بالربح وهو يقدر كأنه كائن فيها ( ثم لا زكاة فيها حتى يحول عليها الحول من يوم زكيت) وهذا بمعنى ما قبله غايته أنه فرضها في الأولى في خمسة والثانية في عشرة بحسب سؤاله عن ذلك وأجاب فيهما بحكم واحد وهو ضم الربح لأصله وإن لم يكن نصابًا ( قال مالك الأمر المجتمع عليه عندنا) بالمدينة ( في إجارة العبيد وخراجهم وكراء المساكن وكتابة المكاتب أنه لا تجب في شيء من ذلك الزكاة قل ذلك أو كثر حتى يحول عليه الحول من يوم يقبضه صاحبه) وهو نصاب لأنها فوائد تجددت لا عن مال فيستقبل بها ( وقال مالك في الذهب والورق يكون بين الشركاء أن من بلغت حصته منهم عشرين دينارًا عينًا أو مائتي درهم فعليه فيها الزكاة ومن نقصت حصته عما تجب فيه الزكاة فلا زكاة عليه وإن بلغت حصصهم جميعًا ما تجب فيه الزكاة وكان بعضهم في ذلك أفضل نصيبًا من بعض) بأن كان لواحد نصاب وآخر نصابان مثلاً ( أخذ من كل إنسان منهم بقدر حصته إذا كان في حصة كل إنسان منهم ما تجب فيه الزكاة وذلك أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال ليس فيما دون خمس أواق من الورق صدقة) ولم يفرق بين الشركاء وغيرهم فاقتضى أنه إنما يعتبر ملك كل واحد على حدة ( قال وهذا أحب ما سمعت إلي) يدل على أنه قد سمع خلافه وذلك أن عمر والحسن والشعبي قالوا إن الشركاء في العين والماشية والزرع إذا لم يعلم أحدهم ماله بعينه أنهم يزكون زكاة الواحد قياسًا على الخلطاء في الماشية وبه قال الشافعي في الجديد ووافق مالكًا أبو حنيفة وأبو ثور ( قال مالك وإذا كانت لرجل ذهب أو ورق متفرقة بأيدي أناس شتى فإنه ينبغي له أن يحصيها جميعًا ثم يخرج ما وجب عليه من زكاتها كلها) هذا إجماع إذا كان قادرًا على ذلك ولم تكن ديونًا في الذمم ولا قراضا ينتظر أن ينض قاله أبو عمر ( قال مالك ومن أفاد ذهبًا أو ورقًا) بنحو ميراث أو هبة أو صدقة وما تقدم من إجارة إلى آخره ( إنه) بكسر الهمزة هو مقول القول ( لا زكاة عليه فيها حتى يحول عليها الحول من يوم أفادها) إذ هي تجددت عن غير مال فيستقبل وما هنا أعم مما تقدم فليس بتكرار.