فهرس الكتاب

شرح الزرقاني - بَابُ مَا يُوجِبُ الْعَقْلَ عَلَى الرَّجُلِ فِي خَاصَّةِ مَالِهِ

رقم الحديث 1591 حَدَّثَنِي يَحْيَى، عَنْ مَالِكٍ، عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ، عَنْ أَبِيهِ، أَنَّهُ كَانَ يَقُولُ: لَيْسَ عَلَى الْعَاقِلَةِ عَقْلٌ فِي قَتْلِ الْعَمْدِ، إِنَّمَا عَلَيْهِمْ عَقْلُ قَتْلِ الْخَطَإِ.


( ما يوجب العقل على الرجل في خاصة ماله)

( مالك عن هشام بن عروة عن أبيه أنه كان يقول ليس على العاقلة عقل) دية ( في قتل العمد إنما عليهم عقل قتل الخطأ) لثبوته بالسنة للمصلحة فلا يقاس عليه العمد إذ الأصل أنه { { ولا تزر وازرة وزر أخرى } } خص منه حمل العاقلة الخطأ فبقي العمد على الأصل ( مالك عن ابن شهاب أنه قال مضت السنة أن العاقلة لا تحمل شيئًا من دية العمد إلا أن يشاؤوا ذلك مالك عن يحيى بن سعيد مثل ذلك) أي قول ابن شهاب وجاء عن ابن عباس مرفوعًا لا تحمل العاقلة عمدًا ولا عبدًا ولا اعترافًا ولا صلحًا ولا ما دون الثلث ( مالك أن ابن شهاب قال مضت السنة في قتل العمد حين يعفو أولياء المقتول) عن القاتل على الدية ( أن الدية تكون على القاتل في ماله خاصة إلا أن تعينه) تساعده ( العاقلة) إعانة صادرة ( عن طيب أنفس منها) بلا جبر وكذا حكم غيرها إذا أعانه فله ذلك ( مالك والأمر عندنا أن الدية لا تجب على العاقلة حتى تبلغ الثلث) أي ثلث دية المجني عليه أو الجاني ( فصاعدا فما بلغ الثلث فهو على العاقلة وما كان دون الثلث فهو في مال الجارح خاصة) للحديث وبه قال الفقهاء السبعة وقال الشافعي تحمل القليل والكثير ( والأمر الذي لا اختلاف فيه عندنا فيمن قبلت منه الدية في قتل العمد أو في شيء من الجراح التي فيها القصاص أن عقل ذلك لا يكون على العاقلة إلا أن يشاؤوا وإنما عقل ذلك في مال القاتل أو الجراح خاصة إن وجد له مال فإن لم يوجد له مال كان دينًا عليه وليس على العاقلة منه شيء إلا أن يشاؤوا) استثناء منقطع ( ولا تعقل العاقلة أحدًا أصاب نفسه عمدًا أو خطأ بشيء وعلى ذلك رأى أهل الفقه عندنا ولم أسمع أن أحدًا ضمن العاقلة من دية العمد شيئًا) لأنها إنما ثبتت بالسنة في الخطأ وأجمع عليها العلماء وهو مخالف لظاهر قوله تعالى { { ولا تزر وازرة وزر أخرى } } لكنه خص من عمومها بالسنة والإجماع ولما فيه من المصلحة لأن القاتل لو أخذ بالدية لأوشك أن يأتي على جميع ماله لأن تتابع الخطأ منه لا يؤمن ولو ترك بلا تغريم لأهدر دم المقتول فلا يقاس العمد على ذلك ومما يعرف به ذلك أن الله تبارك وتعالى قال في كتابه { { فمن عفي له } } من القاتلين { { من } } دم { { أخيه } } المقتول { { شيء } } بأن ترك القصاص منه وتنكير شيء يفيد سقوط القصاص بالعفو عن بعضه ومن بعض الورثة وفي ذكر أخيه تعطيف داع إلى العفو وإيذان بأن القتل لا يقطع إخوة الإيمان ومن مبتدأ شرطية أو موصولة والخبر { { فاتباع } } أي فعلى العافي اتباع القاتل { { بالمعروف } } بأن يطالبه بالدية بلا عنف { { و } } على القاتل { { أداء } } الدية { { إليه } } إلى العافي وهو الوارث { { بإحسان } } بلا مطل ولا بخس ( فتفسير ذلك فيما نرى) بضم النون نظن ( والله أعلم) بمراده ( أنه من أعطي من أخيه شيئًا من العقل) الدية ( فليتبعه بالمعروف ليؤد إليه القاتل بإحسان) فدل ذلك على أن دية العمد إنما هي على القاتل لأن الأمر إنما هو باتباعه لا عاقلته وترتيب الاتباع على العفو يفيد أن الواجب أحدهما أي القصاص أو العفو وهو المشهور عن مالك ورواية ابن القاسم عنه وروى أشهب عن مالك الواجب القصاص أو الدية واختاره جماعة من المتأخرين لحديث الصحيحين مرفوعًا من قتل له قتيل فهو بخير النظرين إما أن يؤدي وإما أن يقاد ( قال مالك في الصبي الذي لا مال له والمرأة التي لا مال لها إذا جنى أحدهما جناية دون الثلث أنه ضامن) أي مضمون كعيشة راضية أي مرضية ( على الصبي أو المرأة في مالهما خاصة إن كان لهما مال أخذ منه وإلا فجناية كل واحد منهما دين عليه ليس على العاقلة منه شيء ولا يؤخذ أبو الصبي بعقل جناية الصبي وليس ذلك عليه) لحديث أبي رمثة في ابنه لا تجني عليه ولا يجني عليك وفي النسائي مرفوعًا لا تجني نفس عن أخرى أي لا يؤاخذ أحد بجناية أحد ( والأمر عندنا الذي لا اختلاف فيه أن العبد إذا قتل) بالبناء للمفعول ( كانت فيه القيمة يوم يقتل) على قاتله ( ولا تحمل عاقلة قاتله من قيمة العبد شيئًا قل أو كثر) لأنها لا تحمل عبدًا كما مر في الحديث ( وإنما ذلك على الذي أصابه في ماله خاصة بالغًا ما بلغ وإن كانت قيمة العبد الدية) أي قدرها ( أو أكثر فذلك عليه في ماله وذلك لأن العبد سلعة من السلع) جمع سلعة كسدرة وسدر أي بضاعة بالكسر قطعة من المال تعد للتجارة.



رقم الحديث 1591 قَالَ مَالِكٌ فِي أُمِّ الْوَلَدِ تَجْرَحُ: إِنَّ عَقْلَ ذَلِكَ الْجَرْحِ ضَامِنٌ عَلَى سَيِّدِهَا فِي مَالِهِ.
إِلَّا أَنْ يَكُونَ عَقْلُ ذَلِكَ الْجَرْحِ أَكْثَرَ مِنْ قِيمَةِ أُمِّ الْوَلَدِ.
فَلَيْسَ عَلَى سَيِّدِهَا أَنْ يُخْرِجَ أَكْثَرَ مِنْ قِيمَتِهَا.
وَذَلِكَ أَنَّ رَبَّ الْعَبْدِ أَوِ الْوَلِيدَةِ.
إِذَا أَسْلَمَ غُلَامَهُ أَوْ وَلِيدَتَهُ، بِجُرْحٍ أَصَابَهُ وَاحِدٌ مِنْهُمَا.
فَلَيْسَ عَلَيْهِ أَكْثَرُ مِنْ ذَلِكَ، وَإِنْ كَثُرَ الْعَقْلُ.
فَإِذَا لَمْ يَسْتَطِعْ سَيِّدُ أُمِّ الْوَلَدِ أَنْ يُسَلِّمَهَا، لِمَا مَضَى فِي ذَلِكَ مِنَ السُّنَّةِ، فَإِنَّهُ إِذَا أَخْرَجَ قِيمَتَهَا فَكَأَنَّهُ أَسْلَمَهَا.
فَلَيْسَ عَلَيْهِ أَكْثَرُ مِنْ ذَلِكَ.
وَهَذَا أَحْسَنُ مَا سَمِعْتُ.
وَلَيْسَ عَلَيْهِ أَنْ يَحْمِلَ مِنْ جِنَايَتِهَا أَكْثَرَ مِنْ قِيمَتِهَا.



جراح أم الولد

( قال مالك في أم الولد تجرح) شخصا ( إن عقل ذلك الجرح ضامن) أي مضمون ( على سيدها في ماله) كقولهم سر كاتم أي مكتوم وعيشة راضية أي مرضية ( إلا أن يكون عقل ذلك الجرح أكثر من قيمة أم الولد فليس على سيدها أن يخرج) أي يعطي من ماله ( أكثر من قيمتها و) وجه ( ذلك أن رب) أي سيد ( العبد أو الوليدة إذا أسلم غلامه أو وليدته) أمته ( بجرح) أي في جرح ( أصابه واحد منهما فليس عليه أكثر من ذلك وإن كثر) زاد ( العقل) عن قيمة كل منهما ( فإذا لم يستطع) لم يقدر ( سيد أم الولد أن يسلمها لما مضى من السنة) أنه يجب عليه فداؤها ( فإنه إذا أخرج قيمتها فكأنه أسلمها فليس عليه أكثر من ذلك) لأنه ظلم له إذ هو ليس بجان ( وهذا أحسن ما سمعت وليس عليه أن يحمل من جنايتها أكثر من قيمتها) بل إنما عليه

الأقل من قيمتها أو أرش ما جنت والله تعالى أعلم بالصواب.



رقم الحديث 1592 وَحَدَّثَنِي يَحْيَى، عَنْ مَالِكٍ عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، أَنَّهُ قَالَ: مَضَتِ السُّنَّةُ أَنَّ الْعَاقِلَةَ لَا تَحْمِلُ شَيْئًا مِنْ دِيَةِ الْعَمْدِ، إِلَّا أَنْ يَشَاءُوا ذَلِكَ.


( ما يوجب العقل على الرجل في خاصة ماله)

( مالك عن هشام بن عروة عن أبيه أنه كان يقول ليس على العاقلة عقل) دية ( في قتل العمد إنما عليهم عقل قتل الخطأ) لثبوته بالسنة للمصلحة فلا يقاس عليه العمد إذ الأصل أنه { { ولا تزر وازرة وزر أخرى } } خص منه حمل العاقلة الخطأ فبقي العمد على الأصل ( مالك عن ابن شهاب أنه قال مضت السنة أن العاقلة لا تحمل شيئًا من دية العمد إلا أن يشاؤوا ذلك مالك عن يحيى بن سعيد مثل ذلك) أي قول ابن شهاب وجاء عن ابن عباس مرفوعًا لا تحمل العاقلة عمدًا ولا عبدًا ولا اعترافًا ولا صلحًا ولا ما دون الثلث ( مالك أن ابن شهاب قال مضت السنة في قتل العمد حين يعفو أولياء المقتول) عن القاتل على الدية ( أن الدية تكون على القاتل في ماله خاصة إلا أن تعينه) تساعده ( العاقلة) إعانة صادرة ( عن طيب أنفس منها) بلا جبر وكذا حكم غيرها إذا أعانه فله ذلك ( مالك والأمر عندنا أن الدية لا تجب على العاقلة حتى تبلغ الثلث) أي ثلث دية المجني عليه أو الجاني ( فصاعدا فما بلغ الثلث فهو على العاقلة وما كان دون الثلث فهو في مال الجارح خاصة) للحديث وبه قال الفقهاء السبعة وقال الشافعي تحمل القليل والكثير ( والأمر الذي لا اختلاف فيه عندنا فيمن قبلت منه الدية في قتل العمد أو في شيء من الجراح التي فيها القصاص أن عقل ذلك لا يكون على العاقلة إلا أن يشاؤوا وإنما عقل ذلك في مال القاتل أو الجراح خاصة إن وجد له مال فإن لم يوجد له مال كان دينًا عليه وليس على العاقلة منه شيء إلا أن يشاؤوا) استثناء منقطع ( ولا تعقل العاقلة أحدًا أصاب نفسه عمدًا أو خطأ بشيء وعلى ذلك رأى أهل الفقه عندنا ولم أسمع أن أحدًا ضمن العاقلة من دية العمد شيئًا) لأنها إنما ثبتت بالسنة في الخطأ وأجمع عليها العلماء وهو مخالف لظاهر قوله تعالى { { ولا تزر وازرة وزر أخرى } } لكنه خص من عمومها بالسنة والإجماع ولما فيه من المصلحة لأن القاتل لو أخذ بالدية لأوشك أن يأتي على جميع ماله لأن تتابع الخطأ منه لا يؤمن ولو ترك بلا تغريم لأهدر دم المقتول فلا يقاس العمد على ذلك ومما يعرف به ذلك أن الله تبارك وتعالى قال في كتابه { { فمن عفي له } } من القاتلين { { من } } دم { { أخيه } } المقتول { { شيء } } بأن ترك القصاص منه وتنكير شيء يفيد سقوط القصاص بالعفو عن بعضه ومن بعض الورثة وفي ذكر أخيه تعطيف داع إلى العفو وإيذان بأن القتل لا يقطع إخوة الإيمان ومن مبتدأ شرطية أو موصولة والخبر { { فاتباع } } أي فعلى العافي اتباع القاتل { { بالمعروف } } بأن يطالبه بالدية بلا عنف { { و } } على القاتل { { أداء } } الدية { { إليه } } إلى العافي وهو الوارث { { بإحسان } } بلا مطل ولا بخس ( فتفسير ذلك فيما نرى) بضم النون نظن ( والله أعلم) بمراده ( أنه من أعطي من أخيه شيئًا من العقل) الدية ( فليتبعه بالمعروف ليؤد إليه القاتل بإحسان) فدل ذلك على أن دية العمد إنما هي على القاتل لأن الأمر إنما هو باتباعه لا عاقلته وترتيب الاتباع على العفو يفيد أن الواجب أحدهما أي القصاص أو العفو وهو المشهور عن مالك ورواية ابن القاسم عنه وروى أشهب عن مالك الواجب القصاص أو الدية واختاره جماعة من المتأخرين لحديث الصحيحين مرفوعًا من قتل له قتيل فهو بخير النظرين إما أن يؤدي وإما أن يقاد ( قال مالك في الصبي الذي لا مال له والمرأة التي لا مال لها إذا جنى أحدهما جناية دون الثلث أنه ضامن) أي مضمون كعيشة راضية أي مرضية ( على الصبي أو المرأة في مالهما خاصة إن كان لهما مال أخذ منه وإلا فجناية كل واحد منهما دين عليه ليس على العاقلة منه شيء ولا يؤخذ أبو الصبي بعقل جناية الصبي وليس ذلك عليه) لحديث أبي رمثة في ابنه لا تجني عليه ولا يجني عليك وفي النسائي مرفوعًا لا تجني نفس عن أخرى أي لا يؤاخذ أحد بجناية أحد ( والأمر عندنا الذي لا اختلاف فيه أن العبد إذا قتل) بالبناء للمفعول ( كانت فيه القيمة يوم يقتل) على قاتله ( ولا تحمل عاقلة قاتله من قيمة العبد شيئًا قل أو كثر) لأنها لا تحمل عبدًا كما مر في الحديث ( وإنما ذلك على الذي أصابه في ماله خاصة بالغًا ما بلغ وإن كانت قيمة العبد الدية) أي قدرها ( أو أكثر فذلك عليه في ماله وذلك لأن العبد سلعة من السلع) جمع سلعة كسدرة وسدر أي بضاعة بالكسر قطعة من المال تعد للتجارة.