فهرس الكتاب

شرح الزرقاني - بَابُ وُضُوءِ الْجُنُبِ إِذَا أَرَادَ أَنْ يَنَامَ أَوْ يَطْعَمَ قَبْلَ أَنْ

رقم الحديث 37 حَدَّثَنِي يَحْيَى، عَنْ مَالِكٍ، عَنْ أَبِي الزِّنَادِ عَنِ الْأَعْرَجِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: إِذَا اسْتَيْقَظَ أَحَدُكُمْ مِنْ نَوْمِهِ فَلْيَغْسِلْ يَدَهُ قَبْلَ أَنْ يُدْخِلَهَا فِي وَضُوئِهِ، فَإِنَّ أَحَدَكُمْ لَا يَدْرِي أَيْنَ بَاتَتْ يَدُهُ.


وُضُوءِ النَّائِمِ إِذَا قَامَ إِلَى الصَّلَاةِ

( مَالِكٍ عَنْ أَبِي الزِّنَادِ) عبد الله بن ذكوان ( عَنِ الْأَعْرَجِ) عبد الرحمن بن هرمز ( عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: إِذَا اسْتَيْقَظَ أَحَدُكُمْ مِنْ نَوْمِهِ فَلْيَغْسِلْ) ندبًا ( يَدَهُ) بالإفراد زاد مسلم وغيره ثلاثًا وفي رواية ثلاث مرات ( قَبْلَ أَنْ يُدْخِلَهَا فِي وَضُوئِهِ) بفتح الواو الماء الذي يتوضأ به أي في الإناء المعد للوضوء، ولمسلم في الإناء ولابن خزيمة في إنائه أو وضوئه على الشك، ولمسلم وابن خزيمة وغيرهما من طرق فلا يغمس يده في الإناء حتى يغسلها وهي أبين في المراد من رواية الإدخال لأن مطلق الإدخال لا يترتب عليه كراهة كمن أدخل يده في إناء واسع فاغترف منه بإناء صغير لم يلامس يده الماء.

قال الحافظ: والظاهر اختصاص ذلك بإناء الوضوء ويلحق به إناء الغسل وكذا في الآنية قياسًا لكن في الاستحباب بلا كراهة لعدم النهي فيها عن ذلك وخرج بالإناء البرك والحياض التي لا تفسد بغمس اليد فيها على تقدير نجاستها فلا يتناولها الأمر والنهي للاستحباب عند الجمهور لأنه علله بالشك في قوله ( فَإِنَّ أَحَدَكُمْ لَا يَدْرِي أَيْنَ بَاتَتْ يَدُهُ) أي كفه لا ما زاد عليه اتفاقًا.
زاد ابن خزيمة والدارقطني منه أي من جسده أي هل لاقت مكانًا طاهرًا منه أو نجسًا أو بثرة أو جرحًا أو أثر الاستنجاء بالأحجار بعد بلل الماء أو اليد بنحو عرق، ومقتضاه إلحاق من شك في ذلك ولو مستيقظًا.
ومفهومه أن من درى أين باتت يده كمن لف عليها خرقة مثلاً فاستيقظ وهي على حالها لا كراهة وإن سن غسلها كالمستيقظ، ومن قال الأمر للتعبد كمالك لا يفرق بين شاك ومتيقن وحمله أحمد على الوجوب في نوم الليل دون النهار وعنه في رواية استحبابه في نوم النهار واتفقوا على أنه لو غمس يده لم يضر الماء.

وقال إسحاق وداود والطبري: ينجس لأمره بإراقته بلفظ فإن غمس يده في الإناء قبل أن يغسلها فليرق ذلك الماء لكنه حديث ضعيف أخرجه ابن عدي وقال هذه زيادة منكرة لا تحفظ والقرينة الصارفة للأمر عن الوجوب التعليل بأمر يقتضي الشك لأنه لا يقتضي وجوبًا استصحابًا لأصل الطهارة.

واحتج أبو عوانة بوضوئه صلى الله عليه وسلم من الشن بعد قيامه من الليل وتعقب بأن قوله أحدكم يقتضي اختصاصه بغيره.
وأجيب: بأنه صح عنه غسل يديه قبل إدخالهما الإناء في حديث اليقظة فبعد النوم أولى ويكون تركه لبيان الجواز وأيضًا فقد قال في روايات لمسلم وأبي داود وغيرهما فليغسلهما ثلاثًا، وفي رواية ثلاث مرات والتقييد بالعدد في غير النجاسة العينية يدل على السنية.

وفي رواية لأحمد فلا يضع يده في الوضوء حتى يغسلها والنهي للتنزيه فإن ترك كره وهذا لمن قام من النوم كما دل عليه مفهوم الشرط وهذا حجة عند الجمهور، أما المستيقظ فيطلب بالفعل ولا يكره الترك لعدم ورود نهي عنه.
وقال البيضاوي: فيه إيماء إلى أن الباعث على الأمر بذلك احتمال النجاسة لأن الشارع إذا ذكر حكمًا وعقبه بعلة دل على أن ثبوت الحكم لأجلها ومثله قوله في حديث المحرم الذي سقط فمات فإنه يبعث ملبيًا بعد نهيهم عن تطييبه فنبه على علة النهي وهي كونه محرمًا.

وعبارة الشيخ أكمل الدين: إذا ذكر الشارع حكمًا وعقبه أمرًا مصدرًا بالفاء كان ذلك إيماء إلى ثبوت الحكم لأجله نظيره قوله: الهرة ليست نجسة فإنها من الطوافين عليكم والطوافات وعموم قوله من نومه يشمل النهار.

وبه قال الجمهور وخصه أحمد بنوم الليل لقوله باتت لأن حقيقة البيات بالليل ولأبي داود والترمذي من وجه آخر إذا قام أحدكم من الليل، ولأبي عوانة إذا قام أحدكم إلى الصلاة حين يصبح لكن التعليل يقتضي إلحاق نوم النهار بنوم الليل وإنما خصه للغلبة.

قال الرافعي في شرح المسند: يمكن أن يقال الكراهة في الغمس لمن نام ليلاً أشد لمن نام نهارًا لأن الاحتمال في نوم الليل أقرب لطوله عادة.

وفي الدارقطني عن جابر فإنه لا يدري أين باتت يده ولا على ما وضعها.

ولأبي داود عن أبي هريرة فإنه لا يدري أين باتت يده أو أين كانت تطوف.
قال الولي العراقي: يحتمل أنه شك من بعض رواته وهو الأقرب ويحتمل أنه ترديد من النبي صلى الله عليه وسلم وذكر غير واحد أن بات بمعنى صار وإن كان أصلها للكون ليلاً كما قاله الخليل وغيره.

واستشكل هذا التركيب بأن انتفاء الدراية لا يتعلق بلفظ أين باتت يده ولا بمعناه لأن معناه الاستفهام ولا يقال إنه لا يدري الاستفهام.
وأجيب: بأن معناه لا يدري تعيين الموضع الذي باتت فيه يده ففيه مضاف محذوف وليس استفهامًا وإن كان على صورته وهذا الحديث أخرجه البخاري عن عبد الله بن يوسف عن مالك به لكنه وصله بالحديث السابق إذا توضأ أحدكم فقال عقب فليوتر وإذا استيقظ قال الحافظ فاقتضى سياقه أنه حديث واحد وليس هو كذلك في الموطأ.

وقد أخرجه أبو نعيم في المستخرج من الموطأ من رواية عبد الله بن يوسف شيخ البخاري مفرقًا وكذا هو في موطأ يحيى بن بكير وغيره وكذا فرقه الإسماعيلي من حديث مالك وأخرج مسلم الحديث الأول من طريق ابن عيينة عن أبي الزناد والثاني من طريق المغيرة بن عبد الرحمن عن أبي الزناد وعلى هذا فكان البخاري يرى جمع الحديثين إذا اتحد سندهما في سياق واحد كما يرى جواز تفريق الحديث الواحد إذا اشتمل على حكمين مستقلين انتهى.

( مَالِكٍ عَنْ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ قَالَ إِذَا نَامَ أَحَدُكُمْ مُضْطَجِعًا فَلْيَتَوَضَّأْ) وجوبًا لانتقاض وضوئه وهذا ونحوه محمول عند مالك على ما إذا كان ثقيلاً ولو قصر لا إن خف إلا أن يطول فيستحب الوضوء لأن العبرة عنده بصفة النوم لا النائم واعتبر الشافعي صفة النائم لا النوم.

( مَالِكٍ عَنْ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ) العدوي وكان من العلماء بالتفسير وله كتاب فيه ( أَنَّ تَفْسِيرَ هَذِهِ الْآيَةِ) وهي { { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلاَةِ فاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ إِلَى الْمَرَافِقِ } } أي معها كما بينته السنة ففي مسلم وغيره أن أبا هريرة توضأ فغسل وجهه ثم غسل يده اليمنى حتى أشرع في العضد الحديث.
ثم قال: هكذا رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يتوضأ وكذا الإجماع كما حكاه الشافعي فهو حجة على زفر لانعقاد الإجماع قبله على خلافه كما مر { { وَامْسَحُوا بِرُؤُوسِكُمْ } } أي رؤوسكم كلها بالماء فزيدت الباء لتفيد ممسوحًا به { { وَأَرْجُلَكُمْ } } بالنصب عطفًا على أيديكم والجر على الجوار { { إِلَى الْكَعْبَينِ } } أي معهما كما بينته السنة ( أَنَّ ذَلِكَ إِذَا قُمْتُمْ مِنَ الْمَضَاجِعِ يَعْنِي النَّوْمَ) .
وهذا التفسير موافق لقول أكثر السلف أن التقدير إذا قمتم محدثين وقيل لا تقدير بل الأمر على عمومه لكنه في حق المحدث على الإيجاب وفي غيره على الندب واختلف العلماء أيضًا في موجب الوضوء فقيل يجب بالحدث وجوبًا موسعًا وقيل به وبالقيام إلى الصلاة معًا، ورجحه جماعة من الشافعية وقيل بالقيام إلى الصلاة فقط لقوله صلى الله عليه وسلم: إنما أمرت بالوضوء إذا قمت إلى الصلاة رواه أصحاب السنن عن ابن عباس، واستنبط بعض العلماء من الآية إيجاب النية في الوضوء لأن التقدير إذا أردتم القيام إلى الصلاة فتوضؤوا لأجلها ومثله قولهم إذا رأيت الأمير فقم لأجله.

( قَالَ مالِكٍ: الْأَمْرُ) المعمول به ( عِنْدَنَا) بالمدينة ( أَنَّهُ لَا يَتَوَضَّأُ مِنْ رُعَافٍ) خروج الدم من الأنف ( وَلَا مِنْ دَمٍ) خرج من الجسد ولو بحجامة وفصد ( وَلَا مِنْ قَيْحٍ يَسِيلُ مِنَ الْجَسَدِ) وفي رواية ولا من شيء يسيل وهي أعم وسواء كان طاهرًا أو نجسًا لأن الوضوء المجمع عليه لا ينتقض إلا بسنة أو إجماع ولم يرد في ذلك سنة ولا إجماع.

( وَلَا يَتَوَضَّأُ إِلَّا مِنْ حَدَثٍ يَخْرُجُ مِنْ ذَكَرٍ) وهو البول والمذي والمني في بعض أحواله ( أَوْ دُبُرٍ) وهو الغائط والريح ولو بلا صوت ( أَوْ نَوْمٍ) ثقيل.
زاد ابن بكير أو مباشرة أي لمس بلذة أو قصد وذكر النوم مع الحدث لأن النوم إذا ثقل كان من باب الحدث في الأغلب، وكذا يتوضأ من مس الذكر، وقد قال صلى الله عليه وسلم: لا يقبل الله صلاة من أحدث حتى يتوضأ فقال رجل من حضرموت ما الحدث يا أبا هريرة؟ قال: فساء أو ضراط رواه البخاري وغيره، وإنما فسره أبو هريرة بهما تنبيهًا بالأخف على الأغلظ، وأنه أجاب السائل بما يحتاج إلى معرفته في غالب الأمور وإلا فالحدث يطلق على الخارج المعتاد وعلى نفس الخروج وعلى الوصف الحكمي المقدر قيامه بالأعضاء قيام الأوصاف الحسية وعلى المنع من العبادة المترتب على كل واحد من الثلاثة، وقد جعل في الحديث الوضوء رافعًا للحدث فلا يعني به الخارج ولا نفس الخروج لأن الواقع لا يرتفع فلم يبق إلا أنه يعني المنع والصفة.

( مَالِكٍ عَنْ نَافِعٍ أَنَّ ابْنَ عُمَرَ كَانَ يَنَامُ جَالِسًا ثُمَّ يُصَلِّي وَلَا يَتَوَضَّأُ) لأن النوم ليس بحدث وإنما هو سبب وقد كان نومه خفيفًا أو أنه كان مستثفرًا سادًّا مخرجه والله أعلم.



رقم الحديث 107 حَدَّثَنِي يَحْيَى، عَنْ مَالِكٍ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ دِينَارٍ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ، أَنَّهُ قَالَ: ذَكَرَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، أَنَّهُ يُصِيبُهُ جَنَابَةٌ مِنَ اللَّيْلِ.
فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ: تَوَضَّأْ، وَاغْسِلْ ذَكَرَكَ، ثُمَّ نَمْ.


( مَالِكٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ دِينَارٍ) هكذا اتفق عليه رواة الموطأ، ورواه مالك خارج الموطأ عن نافع بدل ابن دينار، وقال أبو علي الجياني: والحديث محفوظ لمالك عنهما جميعًا.
وقال ابن عبد البر: الحديث لمالك عنهما لكن المحفوظ عن ابن دينار وحديث نافع غريب، وتعقبه الحافظ بأنه رواه عن مالك عن نافع خمسة أو ستة فلا غرابة وإن ساقه الدارقطني في غرائب مالك فمراده ما رواه خارج الموطأ فهي غرابة خاصة بالنسبة للموطأ نعم رواية الموطأ أشهر.

( عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ أَنَّهُ قَالَ: ذَكَرَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ) مقتضاه أنه من مسند ابن عمر كما هو عند أكثر الرواة ورواه أبو نوح عن مالك فزاد فيه عن عمر، وقد بين النسائي سبب ذلك من طريق ابن عون عن نافع قال: أصاب ابن عمر جنابة فأتى عمر فذكر ذلك له فأتى عمر النبي صلى الله عليه وسلم فاستأمره فقال: ليتوضأ ويرقد وعلى هذا فالضمير في قوله.

( أَنَّهُ يُصِيبُهُ) لابن عمر ( جَنَابَةٌ مِنَ اللَّيْلِ) أي في الليل كقوله { { مِن يَوْمِ الْجُمُعَةِ } } أي فيه، ويحتمل أنها لابتداء الغاية في الزمان أي ابتداء إصابة الجنابة الليل كما قيل في قوله تعالى { { مِنْ أَوَّلِ يَوْمٍ } } ( فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: تَوَضَّأْ) يحتمل أن يكون ابن عمر كان حاضرًا فوجه الخطاب إليه، ويحتمل أن الخطاب لعمر في غيبة ابنه جواب استفتائه ولكن يرجع إلى ابنه لأن استفتاء عمر إنما هو لأجل ابنه ( وَاغْسِلْ ذَكَرَكَ) أي اجمع بينهما فالواو لا ترتب، وفي رواية أبي نوح عن مالك اغسل ذكرك ثم توضأ، ولذا قال أبو عمر هذا من التقديم والتأخير أراد اغسل ذكرك وتوضأ، وكذا روي من غير طريق بتقديم غسله على الوضوء.

قال الحافظ: وهو يرد على من حمله على ظاهره فقال يجوز تقديم الوضوء على غسل الذكر لأنه ليس بوضوء يرفع الحدث.
وإنما هو للتعبد، إذ الجنابة أشدّ من مس الذكر، وتبين من رواية أبي نوح أن غسله مقدّم على الوضوء ويمكن أن يؤخر عنه بشرط أن لا يمسه على القول بأن مسه ينقض.

( ثُمَّ نَمْ) فيه من البديع جناس التصحيف، وجاء هذا الحديث بصيغة الأمر وجاء بصيغة الشرط في البخاري من طريق جويرية بن أسماء عن نافع عن ابن عمر قال: استفتى عمر النبي صلى الله عليه وسلم أينام أحدنا وهو جنب؟ قال: نعم ينام إذا توضأ.

قال ابن دقيق العيد: وهو متمسك لمن قال بوجوبه، وقال ابن عبد البر ذهب الجمهور إلى أنها للاستحباب وهو قول مالك والشافعي وأحمد، وذهب أهل الظاهر إلى وجوبه وهو شذوذ، وقال ابن العربي قال مالك والشافعي: لا يجوز للجنب أن ينام قبل أن يتوضأ وأنكر عليه لأنهما لم يقولا بوجوبه ولا يعرف عنهما، وقد نص مالك في المجموعة على أن هذا الوضوء ليس بواجب.

وأجيب: بأنّ مراده نفي الإباحة المستوية الطرفين لا إثبات الوجوب أو أراد أنه متأكد الاستحباب بدليل أنه قابله بقول ابن حبيب هو واجب وجوب الفرائض، واستدل ابن خزيمة وأبو عوانة لعدم الوجوب بقوله صلى الله عليه وسلم: إنما أمرت بالوضوء إذا قمت إلى الصلاة وقدح في هذا الاستدلال ابن رشد وهو واضح ثم جمهور العلماء أن الوضوء هنا الشرعي، وحكمته تخفيف الحدث لا سيما على القول بجواز تفريق الغسل فينويه فيرتفع الحدث عن تلك الأعضاء، وقد علله شدّاد بن أوس الصحابي بأنه نصف غسل الجنابة رواه ابن أبي شيبة ورجاله ثقات، وقيل حكمته أنه ينشط إلى العود أو إلى الغسل إذا بل أعضاءه، وقيل ليبيت على إحدى طهارتين خشية أن يموت في منامه.

وقد روى الطبراني في الكبير بسند لا بأس به عن ميمونة بنت سعد قالت: قلت يا رسول الله هل يأكل أحدنا وهو جنب؟ قال: لا يأكل حتى يتوضأ قلت: يا رسول الله هل يرقد الجنب؟ قال: ما أحب أن يرقد وهو جنب حتى يتوضأ فإني أخشى أن يتوفى فلا يحضره جبريل.

وفي الحديث أن غسل الجنابة ليس على الفور وإنما يتضيق عند القيام إلى الصلاة واستحباب التنظيف عند النوم.

قال ابن الجوزي: وحكمته أن الملائكة تبعد عن الوسخ والريح الكريهة بخلاف الشياطين فإنها تقرب من ذلك.

وأخرجه البخاري عن عبد الله بن يوسف، ومسلم عن يحيى، وأبو داود عن القعنبي، والنسائي عن قتيبة الأربعة عن مالك به.

( مَالِكٍ عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَائِشَةَ زَوْجِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهَا كَانَتْ تَقُولُ: إِذَا أَصَابَ أَحَدُكُمُ الْمَرْأَةَ) أي جامعها من أصاب بغيته نالها ( ثُمَّ أَرَادَ أَنْ يَنَامَ قَبْلَ أَنْ يَغْتَسِلَ فَلَا يَنَمْ حَتَّى يَتَوَضَّأَ وُضُوءَهُ لِلصَّلَاةِ) .

وفي الصحيحين واللفظ لمسلم من طريق أبي سلمة عن عائشة أنه صلى الله عليه وسلم كان إذا أراد أن ينام وهو جنب توضأ وضوءه للصلاة قبل أن ينام.
قال ابن عبد البر: أردف مالك حديث ابن عمر بقول عائشة هذا لإفادة أن الوضوء المأمور به ليس للصلاة.

قلت: ولإفادة أنه مثله خلافًا لمن ذهب إلى أن الوضوء المأمور به غسل الأذى وغسل ذكره ويديه وهو التنظف.
قال مالك: في المجموعة ولا يبطل هذا الوضوء ببول ولا غائط ولا يبطل بشيء إلا بمعاودة الجماع ونظمه القائل:

إذا سئلت وضوءًا ليس ينقضه
سوى الجماع وضوء النوم للجنب

( مَالِكٍ عَنْ نَافِعٍ أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عُمَرَ كَانَ إِذَا أَرَادَ أَنْ يَنَامَ أَوْ يَطْعَمَ وَهُوَ جُنُبٌ غَسَلَ وَجْهَهُ وَيَدَيْهِ إِلَى الْمِرْفَقَيْنِ وَمَسَحَ بِرَأْسِهِ ثُمَّ طَعِمَ أَوْ نَامَ) .

قال ابن عبد البر: أتبعه بفعل ابن عمر أنه كان لا يغسل رجليه إعلامًا بأن هذا الوضوء ليس بواجب ولم يعجب مالكًا فعل ابن عمر اهـ.
أو يحمل على أنه كان لعذر، وقد ذكر بعض العلماء أنه فدع في خيبر في رجليه فكان يضره غسلهما.

وفي فتح الباري: ونقل الطحاوي أن أبا يوسف ذهب إلى عدم الاستحباب وتمسك بما رواه أبو إسحاق السبيعي عن الأسود عن عائشة أنه صلى الله عليه وسلم كان يجنب ثم ينام ولا يمس ماء رواه أبو داود وغيره.
وتعقب بأن الحفاظ قالوا: إن أبا إسحاق غلط فيه، وبأنه لو صح حمل على أنه ترك الوضوء لبيان الجواز لئلا يعتقد وجوبه أو أن المعنى لم يمس ماء للغسل، وقد أورد الطحاوي من الطريق المذكورة عن أبي إسحاق ما يدل على ذلك، ثم جنح الطحاوي إلى أن المراد بالوضوء التنظيف، واحتج بأن ابن عمر راوي الحديث وهو صاحب القصة كان يتوضأ وهو جنب ولا يغسل رجليه كما في الموطأ.

وأجيب: بأنه ثبت تقييد الوضوء بأنه كوضوء الصلاة من روايته ومن رواية عائشة كما تقدّم فيعتمد، ويحمل ترك ابن عمر على عذر.

وروى البيهقي بإسناد حسن عن عائشة أنه صلى الله عليه وسلم كان إذا أجنب فأراد أن ينام توضأ أو تيمم.
يحتمل أنّ التيمم هنا عند عسر وجود الماء انتهى.

قال مالك والشافعي: ليس ذلك على الحائض لأنها لو اغتسلت لم يرتفع حدثها بخلاف الجنب.
قال مالك: يأكل الجنب بلا وضوء.
الباجي لأنّ النوم وفاة فشرع له نوع من الطهارة كالموت بخلاف الأكل الذي يراد للحياة، وقول عائشة كان صلى الله عليه وسلم إذا كان جنبًا فأراد أن يأكل أو ينام توضأ وضوءه للصلاة.
أخرجه مسلم عن الأسود عنها أوّله الباجي بأنها أرادت أنه يتوضأ للنوم الوضوء الشرعي وللأكل غسل يديه من الأذى، فلما اشتركا في اللفظ جمعت بينهما كقوله تعالى: { { إِنَّ اللَّهَ وَمَلاَئِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ } } والصلاة من الله رحمة ومن الملائكة دعاء انتهى.
يعني لما رواه النسائي عنها: كان صلى الله عليه وسلم إذا أراد أن ينام وهو جنب توضأ، وإذا أراد أن يأكل أو يشرب غسل يديه ثم يأكل ويشرب.



رقم الحديث 108 وَحَدَّثَنِي عَنْ مَالِكٍ، عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عَائِشَةَ، زَوْجِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، أَنَّهَا كَانَتْ تَقُولُ: إِذَا أَصَابَ أَحَدُكُمُ الْمَرْأَةَ، ثُمَّ أَرَادَ أَنْ يَنَامَ قَبْلَ أَنْ يَغْتَسِلَ، فَلَا يَنَمْ حَتَّى يَتَوَضَّأَ وُضُوءَهُ لِلصَّلَاةِ.


( مَالِكٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ دِينَارٍ) هكذا اتفق عليه رواة الموطأ، ورواه مالك خارج الموطأ عن نافع بدل ابن دينار، وقال أبو علي الجياني: والحديث محفوظ لمالك عنهما جميعًا.
وقال ابن عبد البر: الحديث لمالك عنهما لكن المحفوظ عن ابن دينار وحديث نافع غريب، وتعقبه الحافظ بأنه رواه عن مالك عن نافع خمسة أو ستة فلا غرابة وإن ساقه الدارقطني في غرائب مالك فمراده ما رواه خارج الموطأ فهي غرابة خاصة بالنسبة للموطأ نعم رواية الموطأ أشهر.

( عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ أَنَّهُ قَالَ: ذَكَرَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ) مقتضاه أنه من مسند ابن عمر كما هو عند أكثر الرواة ورواه أبو نوح عن مالك فزاد فيه عن عمر، وقد بين النسائي سبب ذلك من طريق ابن عون عن نافع قال: أصاب ابن عمر جنابة فأتى عمر فذكر ذلك له فأتى عمر النبي صلى الله عليه وسلم فاستأمره فقال: ليتوضأ ويرقد وعلى هذا فالضمير في قوله.

( أَنَّهُ يُصِيبُهُ) لابن عمر ( جَنَابَةٌ مِنَ اللَّيْلِ) أي في الليل كقوله { { مِن يَوْمِ الْجُمُعَةِ } } أي فيه، ويحتمل أنها لابتداء الغاية في الزمان أي ابتداء إصابة الجنابة الليل كما قيل في قوله تعالى { { مِنْ أَوَّلِ يَوْمٍ } } ( فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: تَوَضَّأْ) يحتمل أن يكون ابن عمر كان حاضرًا فوجه الخطاب إليه، ويحتمل أن الخطاب لعمر في غيبة ابنه جواب استفتائه ولكن يرجع إلى ابنه لأن استفتاء عمر إنما هو لأجل ابنه ( وَاغْسِلْ ذَكَرَكَ) أي اجمع بينهما فالواو لا ترتب، وفي رواية أبي نوح عن مالك اغسل ذكرك ثم توضأ، ولذا قال أبو عمر هذا من التقديم والتأخير أراد اغسل ذكرك وتوضأ، وكذا روي من غير طريق بتقديم غسله على الوضوء.

قال الحافظ: وهو يرد على من حمله على ظاهره فقال يجوز تقديم الوضوء على غسل الذكر لأنه ليس بوضوء يرفع الحدث.
وإنما هو للتعبد، إذ الجنابة أشدّ من مس الذكر، وتبين من رواية أبي نوح أن غسله مقدّم على الوضوء ويمكن أن يؤخر عنه بشرط أن لا يمسه على القول بأن مسه ينقض.

( ثُمَّ نَمْ) فيه من البديع جناس التصحيف، وجاء هذا الحديث بصيغة الأمر وجاء بصيغة الشرط في البخاري من طريق جويرية بن أسماء عن نافع عن ابن عمر قال: استفتى عمر النبي صلى الله عليه وسلم أينام أحدنا وهو جنب؟ قال: نعم ينام إذا توضأ.

قال ابن دقيق العيد: وهو متمسك لمن قال بوجوبه، وقال ابن عبد البر ذهب الجمهور إلى أنها للاستحباب وهو قول مالك والشافعي وأحمد، وذهب أهل الظاهر إلى وجوبه وهو شذوذ، وقال ابن العربي قال مالك والشافعي: لا يجوز للجنب أن ينام قبل أن يتوضأ وأنكر عليه لأنهما لم يقولا بوجوبه ولا يعرف عنهما، وقد نص مالك في المجموعة على أن هذا الوضوء ليس بواجب.

وأجيب: بأنّ مراده نفي الإباحة المستوية الطرفين لا إثبات الوجوب أو أراد أنه متأكد الاستحباب بدليل أنه قابله بقول ابن حبيب هو واجب وجوب الفرائض، واستدل ابن خزيمة وأبو عوانة لعدم الوجوب بقوله صلى الله عليه وسلم: إنما أمرت بالوضوء إذا قمت إلى الصلاة وقدح في هذا الاستدلال ابن رشد وهو واضح ثم جمهور العلماء أن الوضوء هنا الشرعي، وحكمته تخفيف الحدث لا سيما على القول بجواز تفريق الغسل فينويه فيرتفع الحدث عن تلك الأعضاء، وقد علله شدّاد بن أوس الصحابي بأنه نصف غسل الجنابة رواه ابن أبي شيبة ورجاله ثقات، وقيل حكمته أنه ينشط إلى العود أو إلى الغسل إذا بل أعضاءه، وقيل ليبيت على إحدى طهارتين خشية أن يموت في منامه.

وقد روى الطبراني في الكبير بسند لا بأس به عن ميمونة بنت سعد قالت: قلت يا رسول الله هل يأكل أحدنا وهو جنب؟ قال: لا يأكل حتى يتوضأ قلت: يا رسول الله هل يرقد الجنب؟ قال: ما أحب أن يرقد وهو جنب حتى يتوضأ فإني أخشى أن يتوفى فلا يحضره جبريل.

وفي الحديث أن غسل الجنابة ليس على الفور وإنما يتضيق عند القيام إلى الصلاة واستحباب التنظيف عند النوم.

قال ابن الجوزي: وحكمته أن الملائكة تبعد عن الوسخ والريح الكريهة بخلاف الشياطين فإنها تقرب من ذلك.

وأخرجه البخاري عن عبد الله بن يوسف، ومسلم عن يحيى، وأبو داود عن القعنبي، والنسائي عن قتيبة الأربعة عن مالك به.

( مَالِكٍ عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَائِشَةَ زَوْجِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهَا كَانَتْ تَقُولُ: إِذَا أَصَابَ أَحَدُكُمُ الْمَرْأَةَ) أي جامعها من أصاب بغيته نالها ( ثُمَّ أَرَادَ أَنْ يَنَامَ قَبْلَ أَنْ يَغْتَسِلَ فَلَا يَنَمْ حَتَّى يَتَوَضَّأَ وُضُوءَهُ لِلصَّلَاةِ) .

وفي الصحيحين واللفظ لمسلم من طريق أبي سلمة عن عائشة أنه صلى الله عليه وسلم كان إذا أراد أن ينام وهو جنب توضأ وضوءه للصلاة قبل أن ينام.
قال ابن عبد البر: أردف مالك حديث ابن عمر بقول عائشة هذا لإفادة أن الوضوء المأمور به ليس للصلاة.

قلت: ولإفادة أنه مثله خلافًا لمن ذهب إلى أن الوضوء المأمور به غسل الأذى وغسل ذكره ويديه وهو التنظف.
قال مالك: في المجموعة ولا يبطل هذا الوضوء ببول ولا غائط ولا يبطل بشيء إلا بمعاودة الجماع ونظمه القائل:

إذا سئلت وضوءًا ليس ينقضه
سوى الجماع وضوء النوم للجنب

( مَالِكٍ عَنْ نَافِعٍ أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عُمَرَ كَانَ إِذَا أَرَادَ أَنْ يَنَامَ أَوْ يَطْعَمَ وَهُوَ جُنُبٌ غَسَلَ وَجْهَهُ وَيَدَيْهِ إِلَى الْمِرْفَقَيْنِ وَمَسَحَ بِرَأْسِهِ ثُمَّ طَعِمَ أَوْ نَامَ) .

قال ابن عبد البر: أتبعه بفعل ابن عمر أنه كان لا يغسل رجليه إعلامًا بأن هذا الوضوء ليس بواجب ولم يعجب مالكًا فعل ابن عمر اهـ.
أو يحمل على أنه كان لعذر، وقد ذكر بعض العلماء أنه فدع في خيبر في رجليه فكان يضره غسلهما.

وفي فتح الباري: ونقل الطحاوي أن أبا يوسف ذهب إلى عدم الاستحباب وتمسك بما رواه أبو إسحاق السبيعي عن الأسود عن عائشة أنه صلى الله عليه وسلم كان يجنب ثم ينام ولا يمس ماء رواه أبو داود وغيره.
وتعقب بأن الحفاظ قالوا: إن أبا إسحاق غلط فيه، وبأنه لو صح حمل على أنه ترك الوضوء لبيان الجواز لئلا يعتقد وجوبه أو أن المعنى لم يمس ماء للغسل، وقد أورد الطحاوي من الطريق المذكورة عن أبي إسحاق ما يدل على ذلك، ثم جنح الطحاوي إلى أن المراد بالوضوء التنظيف، واحتج بأن ابن عمر راوي الحديث وهو صاحب القصة كان يتوضأ وهو جنب ولا يغسل رجليه كما في الموطأ.

وأجيب: بأنه ثبت تقييد الوضوء بأنه كوضوء الصلاة من روايته ومن رواية عائشة كما تقدّم فيعتمد، ويحمل ترك ابن عمر على عذر.

وروى البيهقي بإسناد حسن عن عائشة أنه صلى الله عليه وسلم كان إذا أجنب فأراد أن ينام توضأ أو تيمم.
يحتمل أنّ التيمم هنا عند عسر وجود الماء انتهى.

قال مالك والشافعي: ليس ذلك على الحائض لأنها لو اغتسلت لم يرتفع حدثها بخلاف الجنب.
قال مالك: يأكل الجنب بلا وضوء.
الباجي لأنّ النوم وفاة فشرع له نوع من الطهارة كالموت بخلاف الأكل الذي يراد للحياة، وقول عائشة كان صلى الله عليه وسلم إذا كان جنبًا فأراد أن يأكل أو ينام توضأ وضوءه للصلاة.
أخرجه مسلم عن الأسود عنها أوّله الباجي بأنها أرادت أنه يتوضأ للنوم الوضوء الشرعي وللأكل غسل يديه من الأذى، فلما اشتركا في اللفظ جمعت بينهما كقوله تعالى: { { إِنَّ اللَّهَ وَمَلاَئِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ } } والصلاة من الله رحمة ومن الملائكة دعاء انتهى.
يعني لما رواه النسائي عنها: كان صلى الله عليه وسلم إذا أراد أن ينام وهو جنب توضأ، وإذا أراد أن يأكل أو يشرب غسل يديه ثم يأكل ويشرب.



رقم الحديث 109 وَحَدَّثَنِي عَنْ مَالِكٍ عَنْ نَافِعٍ، أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عُمَرَ كَانَ إِذَا أَرَادَ أَنْ يَنَامَ أَوْ يَطْعَمَ وَهُوَ جُنُبٌ غَسَلَ وَجْهَهُ، وَيَدَيْهِ إِلَى الْمِرْفَقَيْنِ، وَمَسَحَ بِرَأْسِهِ، ثُمَّ طَعِمَ أَوْ نَامَ.


( مَالِكٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ دِينَارٍ) هكذا اتفق عليه رواة الموطأ، ورواه مالك خارج الموطأ عن نافع بدل ابن دينار، وقال أبو علي الجياني: والحديث محفوظ لمالك عنهما جميعًا.
وقال ابن عبد البر: الحديث لمالك عنهما لكن المحفوظ عن ابن دينار وحديث نافع غريب، وتعقبه الحافظ بأنه رواه عن مالك عن نافع خمسة أو ستة فلا غرابة وإن ساقه الدارقطني في غرائب مالك فمراده ما رواه خارج الموطأ فهي غرابة خاصة بالنسبة للموطأ نعم رواية الموطأ أشهر.

( عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ أَنَّهُ قَالَ: ذَكَرَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ) مقتضاه أنه من مسند ابن عمر كما هو عند أكثر الرواة ورواه أبو نوح عن مالك فزاد فيه عن عمر، وقد بين النسائي سبب ذلك من طريق ابن عون عن نافع قال: أصاب ابن عمر جنابة فأتى عمر فذكر ذلك له فأتى عمر النبي صلى الله عليه وسلم فاستأمره فقال: ليتوضأ ويرقد وعلى هذا فالضمير في قوله.

( أَنَّهُ يُصِيبُهُ) لابن عمر ( جَنَابَةٌ مِنَ اللَّيْلِ) أي في الليل كقوله { { مِن يَوْمِ الْجُمُعَةِ } } أي فيه، ويحتمل أنها لابتداء الغاية في الزمان أي ابتداء إصابة الجنابة الليل كما قيل في قوله تعالى { { مِنْ أَوَّلِ يَوْمٍ } } ( فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: تَوَضَّأْ) يحتمل أن يكون ابن عمر كان حاضرًا فوجه الخطاب إليه، ويحتمل أن الخطاب لعمر في غيبة ابنه جواب استفتائه ولكن يرجع إلى ابنه لأن استفتاء عمر إنما هو لأجل ابنه ( وَاغْسِلْ ذَكَرَكَ) أي اجمع بينهما فالواو لا ترتب، وفي رواية أبي نوح عن مالك اغسل ذكرك ثم توضأ، ولذا قال أبو عمر هذا من التقديم والتأخير أراد اغسل ذكرك وتوضأ، وكذا روي من غير طريق بتقديم غسله على الوضوء.

قال الحافظ: وهو يرد على من حمله على ظاهره فقال يجوز تقديم الوضوء على غسل الذكر لأنه ليس بوضوء يرفع الحدث.
وإنما هو للتعبد، إذ الجنابة أشدّ من مس الذكر، وتبين من رواية أبي نوح أن غسله مقدّم على الوضوء ويمكن أن يؤخر عنه بشرط أن لا يمسه على القول بأن مسه ينقض.

( ثُمَّ نَمْ) فيه من البديع جناس التصحيف، وجاء هذا الحديث بصيغة الأمر وجاء بصيغة الشرط في البخاري من طريق جويرية بن أسماء عن نافع عن ابن عمر قال: استفتى عمر النبي صلى الله عليه وسلم أينام أحدنا وهو جنب؟ قال: نعم ينام إذا توضأ.

قال ابن دقيق العيد: وهو متمسك لمن قال بوجوبه، وقال ابن عبد البر ذهب الجمهور إلى أنها للاستحباب وهو قول مالك والشافعي وأحمد، وذهب أهل الظاهر إلى وجوبه وهو شذوذ، وقال ابن العربي قال مالك والشافعي: لا يجوز للجنب أن ينام قبل أن يتوضأ وأنكر عليه لأنهما لم يقولا بوجوبه ولا يعرف عنهما، وقد نص مالك في المجموعة على أن هذا الوضوء ليس بواجب.

وأجيب: بأنّ مراده نفي الإباحة المستوية الطرفين لا إثبات الوجوب أو أراد أنه متأكد الاستحباب بدليل أنه قابله بقول ابن حبيب هو واجب وجوب الفرائض، واستدل ابن خزيمة وأبو عوانة لعدم الوجوب بقوله صلى الله عليه وسلم: إنما أمرت بالوضوء إذا قمت إلى الصلاة وقدح في هذا الاستدلال ابن رشد وهو واضح ثم جمهور العلماء أن الوضوء هنا الشرعي، وحكمته تخفيف الحدث لا سيما على القول بجواز تفريق الغسل فينويه فيرتفع الحدث عن تلك الأعضاء، وقد علله شدّاد بن أوس الصحابي بأنه نصف غسل الجنابة رواه ابن أبي شيبة ورجاله ثقات، وقيل حكمته أنه ينشط إلى العود أو إلى الغسل إذا بل أعضاءه، وقيل ليبيت على إحدى طهارتين خشية أن يموت في منامه.

وقد روى الطبراني في الكبير بسند لا بأس به عن ميمونة بنت سعد قالت: قلت يا رسول الله هل يأكل أحدنا وهو جنب؟ قال: لا يأكل حتى يتوضأ قلت: يا رسول الله هل يرقد الجنب؟ قال: ما أحب أن يرقد وهو جنب حتى يتوضأ فإني أخشى أن يتوفى فلا يحضره جبريل.

وفي الحديث أن غسل الجنابة ليس على الفور وإنما يتضيق عند القيام إلى الصلاة واستحباب التنظيف عند النوم.

قال ابن الجوزي: وحكمته أن الملائكة تبعد عن الوسخ والريح الكريهة بخلاف الشياطين فإنها تقرب من ذلك.

وأخرجه البخاري عن عبد الله بن يوسف، ومسلم عن يحيى، وأبو داود عن القعنبي، والنسائي عن قتيبة الأربعة عن مالك به.

( مَالِكٍ عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَائِشَةَ زَوْجِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهَا كَانَتْ تَقُولُ: إِذَا أَصَابَ أَحَدُكُمُ الْمَرْأَةَ) أي جامعها من أصاب بغيته نالها ( ثُمَّ أَرَادَ أَنْ يَنَامَ قَبْلَ أَنْ يَغْتَسِلَ فَلَا يَنَمْ حَتَّى يَتَوَضَّأَ وُضُوءَهُ لِلصَّلَاةِ) .

وفي الصحيحين واللفظ لمسلم من طريق أبي سلمة عن عائشة أنه صلى الله عليه وسلم كان إذا أراد أن ينام وهو جنب توضأ وضوءه للصلاة قبل أن ينام.
قال ابن عبد البر: أردف مالك حديث ابن عمر بقول عائشة هذا لإفادة أن الوضوء المأمور به ليس للصلاة.

قلت: ولإفادة أنه مثله خلافًا لمن ذهب إلى أن الوضوء المأمور به غسل الأذى وغسل ذكره ويديه وهو التنظف.
قال مالك: في المجموعة ولا يبطل هذا الوضوء ببول ولا غائط ولا يبطل بشيء إلا بمعاودة الجماع ونظمه القائل:

إذا سئلت وضوءًا ليس ينقضه
سوى الجماع وضوء النوم للجنب

( مَالِكٍ عَنْ نَافِعٍ أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عُمَرَ كَانَ إِذَا أَرَادَ أَنْ يَنَامَ أَوْ يَطْعَمَ وَهُوَ جُنُبٌ غَسَلَ وَجْهَهُ وَيَدَيْهِ إِلَى الْمِرْفَقَيْنِ وَمَسَحَ بِرَأْسِهِ ثُمَّ طَعِمَ أَوْ نَامَ) .

قال ابن عبد البر: أتبعه بفعل ابن عمر أنه كان لا يغسل رجليه إعلامًا بأن هذا الوضوء ليس بواجب ولم يعجب مالكًا فعل ابن عمر اهـ.
أو يحمل على أنه كان لعذر، وقد ذكر بعض العلماء أنه فدع في خيبر في رجليه فكان يضره غسلهما.

وفي فتح الباري: ونقل الطحاوي أن أبا يوسف ذهب إلى عدم الاستحباب وتمسك بما رواه أبو إسحاق السبيعي عن الأسود عن عائشة أنه صلى الله عليه وسلم كان يجنب ثم ينام ولا يمس ماء رواه أبو داود وغيره.
وتعقب بأن الحفاظ قالوا: إن أبا إسحاق غلط فيه، وبأنه لو صح حمل على أنه ترك الوضوء لبيان الجواز لئلا يعتقد وجوبه أو أن المعنى لم يمس ماء للغسل، وقد أورد الطحاوي من الطريق المذكورة عن أبي إسحاق ما يدل على ذلك، ثم جنح الطحاوي إلى أن المراد بالوضوء التنظيف، واحتج بأن ابن عمر راوي الحديث وهو صاحب القصة كان يتوضأ وهو جنب ولا يغسل رجليه كما في الموطأ.

وأجيب: بأنه ثبت تقييد الوضوء بأنه كوضوء الصلاة من روايته ومن رواية عائشة كما تقدّم فيعتمد، ويحمل ترك ابن عمر على عذر.

وروى البيهقي بإسناد حسن عن عائشة أنه صلى الله عليه وسلم كان إذا أجنب فأراد أن ينام توضأ أو تيمم.
يحتمل أنّ التيمم هنا عند عسر وجود الماء انتهى.

قال مالك والشافعي: ليس ذلك على الحائض لأنها لو اغتسلت لم يرتفع حدثها بخلاف الجنب.
قال مالك: يأكل الجنب بلا وضوء.
الباجي لأنّ النوم وفاة فشرع له نوع من الطهارة كالموت بخلاف الأكل الذي يراد للحياة، وقول عائشة كان صلى الله عليه وسلم إذا كان جنبًا فأراد أن يأكل أو ينام توضأ وضوءه للصلاة.
أخرجه مسلم عن الأسود عنها أوّله الباجي بأنها أرادت أنه يتوضأ للنوم الوضوء الشرعي وللأكل غسل يديه من الأذى، فلما اشتركا في اللفظ جمعت بينهما كقوله تعالى: { { إِنَّ اللَّهَ وَمَلاَئِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ } } والصلاة من الله رحمة ومن الملائكة دعاء انتهى.
يعني لما رواه النسائي عنها: كان صلى الله عليه وسلم إذا أراد أن ينام وهو جنب توضأ، وإذا أراد أن يأكل أو يشرب غسل يديه ثم يأكل ويشرب.