فهرس الكتاب

شرح الزرقاني - بَابُ مَا يُؤْمَرُ بِهِ مِنَ التَّحَفُّظِ فِي الْكَلَامِ

رقم الحديث 1809 حَدَّثَنِي مَالِكٌ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَمْرِو بْنِ عَلْقَمَةَ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ بِلَالِ بْنِ الْحَارِثِ الْمُزَنِيِّ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: إِنَّ الرَّجُلَ لَيَتَكَلَّمُ بِالْكَلِمَةِ مِنْ رِضْوَانِ اللَّهِ، مَا كَانَ يَظُنُّ أَنْ تَبْلُغَ مَا بَلَغَتْ، يَكْتُبُ اللَّهُ لَهُ بِهَا رِضْوَانَهُ إِلَى يَوْمِ يَلْقَاهُ، وَإِنَّ الرَّجُلَ لَيَتَكَلَّمُ بِالْكَلِمَةِ مِنْ سَخَطِ اللَّهِ، مَا كَانَ يَظُنُّ أَنْ تَبْلُغَ مَا بَلَغَتْ يَكْتُبُ اللَّهُ لَهُ بِهَا سَخَطَهُ إِلَى يَوْمِ يَلْقَاهُ.


(ما يؤمر به من التحفظ في الكلام)

(مالك عن محمد بن عمرو) بفتح العين (ابن علقمة) بن وقاص الليثي المدني صدوق من رجال الجميع مقبول روى له في السنن قال ابن عبد البر تابع مالكًا على ذلك الليث بن سعد وابن لهيعة لم يقولوا عن جده ورواه ابن عيينة وآخرون عن محمد بن عمرو عن أبيه عن جده عن بلال قال وهو الصواب وإليه مال الدارقطني وكذا رواه أبو سفيان أن عبد الرحمن بن عبد ربه السكري عن مالك فقال عن جده (عن بلال بن الحارث) المزني أبي عبد الرحمن المدني صحابي أقطعه النبي صلى الله عليه وسلم العقيق وكان يسكن وراء المدينة ثم تحول إلى البصرة مات سنة ستين وله ثمانون سنة (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال إن الرجل ليتكلم بالكلمة) الواحدة واللام للجنس فالمراد الكلام المشتمل على ما يفهم الخير أو الشر طال أو قصر كما يقال كلمة الشهادة وكما يقال للقصيدة كلمة فلان حال كونها (من رضوان الله) أي كلام فيه رضاه تعالى كلمة يدفع بها مظلمة (ما كان يظن أن تبلغ ما بلغت) لقلتها (يكتب الله له بها رضوانه إلى يوم يلقاه) يوم القيامة والغاية به عبارة عن كونه لا يسخط عليه أبدًا (وإن الرجل ليتكلم بالكلمة من سخط الله) مصدر بمعنى اسم الفاعل أي من الكلام المسخط أي المغضب لله الموجب عقابه وهو حال من الكلمة أو صفة لأن اللام جنسية فلك اعتبار المعنى واعتبار اللفظ والجملة الفعلية إما حال من ضمير الرجل المستكن في ليتكلم أو صفة لها بالاعتبارين المذكورين (ما كان يظن أن تبلغ ما بلغت) من المؤاخذة بها (يكتب الله له بها سخطه إلى يوم القيامة) ثم إن شاء عذبه وإن شاء عفا قال ابن عيينة هي الكلمة عند السلطان فالأولى ليرده بها عن ظلم والثانية ليجره بها إلى ظلم قال أبو عمر لا أعلم خلافًا في تفسيره بذلك وإن كان لا يتعين قصره عليه فقد روى الحاكم كان رجل يدخل على الأمراء فيضحكهم فقال له علقمة ويحك لم تدخل على هؤلاء فتضحكهم سمعت بلال بن الحارث فذكره قال مالك قال بلال بن الحارث لقد منعني هذا الحديث من كلام كثير (مالك عن عبد الله بن دينار) مولى ابن عمر (عن أبي صالح) ذكوان (السمان) بائع السمن (أنه أخبره أن أبا هريرة قال) موقوفًا وقد رواه عبد الرحمن بن عبد الله بن دينار عن أبيه عن أبي صالح عن أبي هريرة مرفوعًا أخرجه البخاري في الرقاق وأحمد والبزار ورواه ابن عبد البر من طريق الحسين المروزي عن عبد الله بن المبارك عن مالك عن ابن دينار عن أبي صالح عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال (إن الرجل) وفي رواية البخاري إن العبد فالمراد الإنسان حرًا أو قنًا (ليتكلم بالكلمة) عند ذي سلطان جائر مريدًا بها هلاك مسلم أو المراد يتكلم بكلمة غير حسناء أو يعرض بمسلم بكبيرة أو بمجون أو استخفاف بشريعة وإن كان غير معتقد أو غير ذلك (ما يلقي) بضم الياء وكسر القاف في جميع الروايات (لها بالاً) أي لا يتأملها بخاطره ولا يتفكر في عاقبتها ولا يظن أنها تؤثر شيئًا وهو من نحو قوله تعالى { { وتحسبونه هينا وهو عند الله عظيم } } يهوي) بفتح الياء وسكون الهاء وكسر الواو (في نار جهنم) قال عياض أي ينزل فيها ساقطًا وجاء بلفظ ينزل بها في النار لأن دركات النار إلى أسفل فهو نزول سقوط وقيل أهوى من قريب وهوى من بعيد (وإن الرجل ليتكلم بالكلمة) بالكلام المفيد رضوان الله ما يرضى الله تعالى (ما يلقي لها بالا يرفعه الله بها في الجنة) زاد في رواية البخاري درجات قال ابن عبد البر الكلمة الأولى هي التي يقولها عند سلطان جائر زاد ابن بطال بالبغي أو بالسعي على المسلم فتكون سببًا لهلاكه وإن لم يرد القائل ذلك لكنها ربما أدت إليه فيكتب على القائل إثمها والكلمة التي يرفع بها الدرجات ويكتب بها الرضوان وهي التي يدفع بها عن مسلم مظلمة أو يفرج بها عنه كربة أو ينصر بها مظلومًا وقال غيره الأولى هي الكلمة عند ذي سلطان يرضيه بها فيما يسخط الله قال ابن التين هذا هو الغالب وربما كانت عند غير السلطان ممن يتأتى منه ذلك ونقل عن ابن وهب أن المراد بها التلفظ بالسوء والفحش ما لم يرد بذلك الحجة لأمر الله في الدين وقال عياض يحتمل أن تكون الكلمة من الخنا والرفث وأن يكون في التعريض بالمسلم بكبيرة أو مجون أو استخفاف بحق النبوة والشريعة وإن لم يعتقد ذلك وقال العز بن عبد السلام هي الكلمة التي لا يعرف قائلها حسنها من قبحها قال فيحرم على الإنسان أن يتكلم بما لا يعرف حسنه من قبحه وقال النووي فيه حفظ اللسان فينبغي لمن أراد أن ينطق أن يتدبر ما يقول قبل أن ينطق فإن ظهرت فيه مصلحة تكلم وإلا أمسك وقال الغزالي عليك بالتأمل والتدبر في كل قول وفعل فقد يكون في جزع وتسخط فتظنه تضرعًا وابتهالاً ويكون في رياء محض وتحسبه حمدًا وشكرًا أو دعوة للناس إلى الخير فتعد المعاصي طاعات وتحسب الثواب العظيم في موضع العقوبات فتكون في غرور شنيع وغفلة قبيحة مغضبة للجبار موقعة في النار وبئس القرار.



رقم الحديث 1810 وَحَدَّثَنِي مَالِكٌ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ دِينَارٍ، عَنْ أَبِي صَالِحٍ السَّمَّانِ، أَنَّهُ أَخْبَرَهُ، أَنَّ أَبَا هُرَيْرَةَ قَالَ: إِنَّ الرَّجُلَ لَيَتَكَلَّمُ بِالْكَلِمَةِ مَا يُلْقِي لَهَا بَالًا، يَهْوِي بِهَا فِي نَارِ جَهَنَّمَ، وَإِنَّ الرَّجُلَ لَيَتَكَلَّمُ بِالْكَلِمَةِ مَا يُلْقِي لَهَا بَالًا، يَرْفَعُهُ اللَّهُ بِهَا فِي الْجَنَّةِ.


(ما يؤمر به من التحفظ في الكلام)

(مالك عن محمد بن عمرو) بفتح العين (ابن علقمة) بن وقاص الليثي المدني صدوق من رجال الجميع مقبول روى له في السنن قال ابن عبد البر تابع مالكًا على ذلك الليث بن سعد وابن لهيعة لم يقولوا عن جده ورواه ابن عيينة وآخرون عن محمد بن عمرو عن أبيه عن جده عن بلال قال وهو الصواب وإليه مال الدارقطني وكذا رواه أبو سفيان أن عبد الرحمن بن عبد ربه السكري عن مالك فقال عن جده (عن بلال بن الحارث) المزني أبي عبد الرحمن المدني صحابي أقطعه النبي صلى الله عليه وسلم العقيق وكان يسكن وراء المدينة ثم تحول إلى البصرة مات سنة ستين وله ثمانون سنة (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال إن الرجل ليتكلم بالكلمة) الواحدة واللام للجنس فالمراد الكلام المشتمل على ما يفهم الخير أو الشر طال أو قصر كما يقال كلمة الشهادة وكما يقال للقصيدة كلمة فلان حال كونها (من رضوان الله) أي كلام فيه رضاه تعالى كلمة يدفع بها مظلمة (ما كان يظن أن تبلغ ما بلغت) لقلتها (يكتب الله له بها رضوانه إلى يوم يلقاه) يوم القيامة والغاية به عبارة عن كونه لا يسخط عليه أبدًا (وإن الرجل ليتكلم بالكلمة من سخط الله) مصدر بمعنى اسم الفاعل أي من الكلام المسخط أي المغضب لله الموجب عقابه وهو حال من الكلمة أو صفة لأن اللام جنسية فلك اعتبار المعنى واعتبار اللفظ والجملة الفعلية إما حال من ضمير الرجل المستكن في ليتكلم أو صفة لها بالاعتبارين المذكورين (ما كان يظن أن تبلغ ما بلغت) من المؤاخذة بها (يكتب الله له بها سخطه إلى يوم القيامة) ثم إن شاء عذبه وإن شاء عفا قال ابن عيينة هي الكلمة عند السلطان فالأولى ليرده بها عن ظلم والثانية ليجره بها إلى ظلم قال أبو عمر لا أعلم خلافًا في تفسيره بذلك وإن كان لا يتعين قصره عليه فقد روى الحاكم كان رجل يدخل على الأمراء فيضحكهم فقال له علقمة ويحك لم تدخل على هؤلاء فتضحكهم سمعت بلال بن الحارث فذكره قال مالك قال بلال بن الحارث لقد منعني هذا الحديث من كلام كثير (مالك عن عبد الله بن دينار) مولى ابن عمر (عن أبي صالح) ذكوان (السمان) بائع السمن (أنه أخبره أن أبا هريرة قال) موقوفًا وقد رواه عبد الرحمن بن عبد الله بن دينار عن أبيه عن أبي صالح عن أبي هريرة مرفوعًا أخرجه البخاري في الرقاق وأحمد والبزار ورواه ابن عبد البر من طريق الحسين المروزي عن عبد الله بن المبارك عن مالك عن ابن دينار عن أبي صالح عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال (إن الرجل) وفي رواية البخاري إن العبد فالمراد الإنسان حرًا أو قنًا (ليتكلم بالكلمة) عند ذي سلطان جائر مريدًا بها هلاك مسلم أو المراد يتكلم بكلمة غير حسناء أو يعرض بمسلم بكبيرة أو بمجون أو استخفاف بشريعة وإن كان غير معتقد أو غير ذلك (ما يلقي) بضم الياء وكسر القاف في جميع الروايات (لها بالاً) أي لا يتأملها بخاطره ولا يتفكر في عاقبتها ولا يظن أنها تؤثر شيئًا وهو من نحو قوله تعالى { { وتحسبونه هينا وهو عند الله عظيم } } يهوي) بفتح الياء وسكون الهاء وكسر الواو (في نار جهنم) قال عياض أي ينزل فيها ساقطًا وجاء بلفظ ينزل بها في النار لأن دركات النار إلى أسفل فهو نزول سقوط وقيل أهوى من قريب وهوى من بعيد (وإن الرجل ليتكلم بالكلمة) بالكلام المفيد رضوان الله ما يرضى الله تعالى (ما يلقي لها بالا يرفعه الله بها في الجنة) زاد في رواية البخاري درجات قال ابن عبد البر الكلمة الأولى هي التي يقولها عند سلطان جائر زاد ابن بطال بالبغي أو بالسعي على المسلم فتكون سببًا لهلاكه وإن لم يرد القائل ذلك لكنها ربما أدت إليه فيكتب على القائل إثمها والكلمة التي يرفع بها الدرجات ويكتب بها الرضوان وهي التي يدفع بها عن مسلم مظلمة أو يفرج بها عنه كربة أو ينصر بها مظلومًا وقال غيره الأولى هي الكلمة عند ذي سلطان يرضيه بها فيما يسخط الله قال ابن التين هذا هو الغالب وربما كانت عند غير السلطان ممن يتأتى منه ذلك ونقل عن ابن وهب أن المراد بها التلفظ بالسوء والفحش ما لم يرد بذلك الحجة لأمر الله في الدين وقال عياض يحتمل أن تكون الكلمة من الخنا والرفث وأن يكون في التعريض بالمسلم بكبيرة أو مجون أو استخفاف بحق النبوة والشريعة وإن لم يعتقد ذلك وقال العز بن عبد السلام هي الكلمة التي لا يعرف قائلها حسنها من قبحها قال فيحرم على الإنسان أن يتكلم بما لا يعرف حسنه من قبحه وقال النووي فيه حفظ اللسان فينبغي لمن أراد أن ينطق أن يتدبر ما يقول قبل أن ينطق فإن ظهرت فيه مصلحة تكلم وإلا أمسك وقال الغزالي عليك بالتأمل والتدبر في كل قول وفعل فقد يكون في جزع وتسخط فتظنه تضرعًا وابتهالاً ويكون في رياء محض وتحسبه حمدًا وشكرًا أو دعوة للناس إلى الخير فتعد المعاصي طاعات وتحسب الثواب العظيم في موضع العقوبات فتكون في غرور شنيع وغفلة قبيحة مغضبة للجبار موقعة في النار وبئس القرار.