فهرس الكتاب

شرح الزرقاني - بَابُ الْعَمَلِ فِي الْإِهْلَالِ

رقم الحديث 737 حَدَّثَنِي يَحْيَى، عَنْ مَالِكٍ عَنْ نَافِعٍ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ أَنَّ تَلْبِيَةَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: لَبَّيْكَ اللَّهُمَّ لَبَّيْكَ، لَبَّيْكَ لَا شَرِيكَ لَكَ لَبَّيْكَ، إِنَّ الْحَمْدَ وَالنِّعْمَةَ لَكَ وَالْمُلْكَ، لَا شَرِيكَ لَكَ.
قَالَ وَكَانَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ يَزِيدُ فِيهَا: لَبَّيْكَ لَبَّيْكَ لَبَّيْكَ وَسَعْدَيْكَ، وَالْخَيْرُ بِيَدَيْكَ لَبَّيْكَ، وَالرَّغْبَاءُ إِلَيْكَ وَالْعَمَلُ.


( مالك عن نافع عن عبد الله بن عمر أن تلبية رسول الله صلى الله عليه وسلم) مصدر لبى أي قال لبيك ولا يكون عامله إلا مضمرًا ولمسلم من رواية موسى بن عقبة عن نافع عن ابن عمر كان صلى الله عليه وسلم إذا استوت به راحلته عند مسجد ذي الحليفة أهل فقال وللبخاري من طريق الزهري عن سالم عن أبيه سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يهل ملبيًا يقول ( لبيك) لفظ مثنى عند سيبويه ومن تبعه وقال يونس اسم مفرد وألفه إنما انقلبت ياء لاتصالها بالضمير كلدي وعلي ورد بأنها قلبت ياء مع المظهر وعن الفراء نصب على المصدر وأصله لبًا لك فثنى على التأكيد أي إلبابًا بعد إلباب وهذه التثنية ليست حقيقية بل للتكثير أو للمبالغة ومعناه إجابة بعد إجابة لازمة قال ابن الأنباري ومثله حنانيك أي تحننا بعد تحنن وقيل معنى لبيك اتجاهي وقصدي إليك مأخوذ من قولهم داري تلب دارك أي تجاهها وقيل محبتي لك من قولهم امرأة لبة أي محبة وقيل إخلاصي لك من قولهم حسب لباب أي خالص ومنه لب الطعام ولبابه وقيل أنا مقيم على طاعتك من لب الرجل بالمكان أقام وقيل قربًا منك من الإلباب وهو القرب وقيل خاضعًا لك والأول أظهر وأشهر لأن المحرم مستجيب لدعائه تعالى إياه في حج بيته ( اللهم لبيك) أي يا الله أجبناك فيما دعوتنا قال ابن عبد البر قال جماعة من العلماء معنى التلبية إجابة دعوة إبراهيم حين أذن في الناس بالحج قال الحافظ وهذا أخرجه عبد بن حميد وابن جرير وابن أبي حاتم في تفاسيره بأسانيد قوية عن ابن عباس ومجاهد وعطاء وعكرمة وقتادة وغير واحد وأقوى ما فيه ما أخرجه أحمد بن منيع في مسنده وابن أبي حاتم من طريق قابوس بن أبي ظبيان عن أبيه عن ابن عباس قال لما فرغ إبراهيم من بناء البيت قيل له أذن في الناس بالحج قال يا رب وما يبلغ صوتي قال أذن وعلي البلاغ قال فنادى إبراهيم يا أيها الناس كتب عليكم الحج إلى البيت العتيق فسمعه من بين السماء والأرض أفلا ترون الناس يجيبون من أقصى الأرض يلبون ومن طريق ابن جريج عن عطاء عن ابن عباس وفيه فأجابوه بالتلبية في أصلاب الرجال وأرحام النساء وأول من أجابه أهل اليمن فليس حاج يحج من يومئذ إلى أن تقوم الساعة إلا من كان أجاب إبراهيم يومئذ قال الزين بن المنير وفي مشروعية التلبية تنبيه على إكرام الله تعالى لعباده بأن وفودهم على بيته إنما كان باستدعاء منه سبحانه وتعالى ( لبيك) في ذكره ثلاثًا إشارة إلى أن التأكيد اللفظي لا يزاد فيه على ثلاث مرات واتفق عليه البلغاء وأما تكرير { { فبأي آلاء ربكما تكذبان } } و { { ويل يومئذ للمكذبين } } فليس من التأكيد في شيء ( لبيك لا شريك لك لبيك إن الحمد) روي بكسر الهمزة استئناف وفتحها تعليل والكسر أجود عند الجمهور قال ثعلب لأن معناه لك الحمد على كل حال ومعنى الفتح لهذا السبب وقال الخطابي لهج العامة بالفتح وقال ابن عبد البر المعنى عندي واحد لأن من فتح أراد لبيك لأن الحمد لك على كل حال ورد بأن التقييد ليس في الحمد بل في التلبية قال ابن دقيق العيد الكسر أجود لأنه يقتضي أن الإجابة مطلقة غير معللة وأن الحمد والنعمة لله على كل حال والفتح يدل على التعليل كأنه قيل أجبتك لهذا السبب والأول أعم فهو أكثر فائدة ورجح النووي الكسر وهو خلاف نقل الزمخشري أن الشافعي اختار الفتح وأبا حنيفة اختار الكسر وابن قدامة عن أحمد وابن عبد البر عن اختيار أهل العربية لكن قال في اللامع والعدة أنه إذا كسر صار للتعليل أيضًا من حيث إنه استئناف جوابًا عن السؤال عن العلة على ما قرر في البيان ( والنعمة لك) بكسر النون الإحسان والمنة مطلقًا وبالفتح التنعيم قال تعالى { { وذرني والمكذبين أولي النعمة } } أي التنعم في الدنيا وبالنصب على المشهور قال عياض ويجوز الرفع على الابتداء والخبر محذوف أي مستقرة لك وجوز ابن الأنباري أن الموجود خبر المبتدأ وخبر إن هو المحذوف ( والملك) بالنصب أيضًا على المشهور ويجوز الرفع أي كذلك أو محذوف لدلالة الخبر المتقدم عليه قال الزين بن المنير قرن الحمد والنعمة وأفرد الملك لأن الحمد متعلق النعمة ولهذا يقال الحمد لله على نعمه فجمع بينهما كأنه قال لا حمد إلا لك وأما الملك فهو معنى مستقل بنفسه ذكر لتحقيق أن النعمة كلها لله لأنه صاحب الملك ( لا شريك لك) في ملكك ( قال) نافع ( وكان عبد الله بن عمر يزيد فيها) فيقول ( لبيك لبيك لبيك) ثلاث مرات كما في المرفوع إلا أن فيه الفصل بين الأولى والثانية بلفظ اللهم ( وسعديك) قال عياض إفرادها وتثنيتها كلبيك ومعناه ساعدت طاعتك مساعدة بعد مساعدة وإسعادًا بعد إسعاد ولذا ثنى وهو من المصادر المنصوبة بفعل لا يظهر في الاستعمال قال الجرمي لم يسمع سعديك مفردًا ( والخير بيديك) أي الخير كله بيد الله ومن فضله أي بقدرته وكرمه قال ابن دقيق العيد وهذا من إصلاح المخاطبة كقوله تعالى وإذا مرضت فهو يشفين ( لبيك والرغبى إليك) قال المازري يروى بفتح الراء والمد وبضم الراء مع القصر قال ونظيره العلياء والعليا والنعماء والنعمى قال عياض وحكى أبو علي فيه أيضًا الفتح مع القصر مثل سكرى ومعناها الطلب والمسألة إلى من بيده الأمر والمقصود بالعمل المستحق للعبادة ( والعمل) إليك أي القصد به والانتهاء به إليك ويحتمل أن يقدر والعمل لك قاله ابن دقيق العيد فإن قيل كيف زاد ابن عمر في التلبية ما ليس منها مع أنه كان شديد التحري لاتباع السنة وفي حديث عند مسلم من رواية سالم عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم لا يزيد على هذه الكلمات أي المذكورة أولاً أجاب الأبي بأنه رأى أن الزيادة على النص ليست نسخًا وأن الشيء وحده كذلك هو مع غيره فزيادته لا تمنع من إتيانه بتلبية النبي صلى الله عليه وسلم أو فهم عدم القصر على أولئك الكلمات وأن الثواب يتضاعف بكثرة العمل واقتصار المصطفى بيان لأقل ما يكفي وأجاب الولي العراقي بأنه ليس فيه خلط السنة بغيرها بل لما أتى بما سمعه ضم إليه ذكرًا آخر في معناه وباب الأذكار لا تحجير فيه إذا لم يؤد إلى تحريف ما قاله النبي صلى الله عليه وسلم فإن الذكر خير موضوع والاستكثار منه حسن على أن أكثر هذا الذي زاده كان صلى الله عليه وسلم يقوله في دعاء استفتاح الصلاة وهو لبيك وسعديك والخير في يديك والشر ليس إليك انتهى.
والجوابان متقاربان وفي مسلم عن ابن عمر كان عمر يهل بإهلال رسول الله صلى الله عليه وسلم من هؤلاء الكلمات ويقول لبيك اللهم لبيك وسعديك إلى آخر ما زاده هنا قال الحافظ فعرف أنه اقتدى بأبيه وأخرج ابن أبي شيبة عن المسور بن مخرمة قال كانت تلبية عمر فذكر مثل المرفوع وزاد لبيك مرغوبًا ومرهوبًا إليك ذا النعماء والفضل الحسن انتهى.
وقد استحب العلماء الاقتصار على تلبية الرسول واختلفوا في جواز الزيادة عليها وكراهتها وبه قال مالك والشافعي في أحد قوليه لأنه صلى الله عليه وسلم علمهم التلبية كما في حديث عمرو بن معدي كرب ثم فعلها هو ولم يقل لبوا بما شئتم مما هو من جنس هذا بل علمهم كما علمهم التكبير في الصلاة فلا ينبغي أن يتعدى في ذلك شيئًا مما علمه وأخرج الطحاوي عن سعد بن أبي وقاص أنه سمع رجلاً يقول لبيك ذا المعارج فقال إنه لذو المعارج وما هكذا كنا نلبي على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم وقال آخرون يجوز بلا كراهة لفعل عمر وابنه وفي النسائي عن ابن مسعود كان من تلبية النبي صلى الله عليه وسلم فذكره فدل على أنه كان يلبي بغيرها وله ولابن ماجه وابن حبان والحاكم عن أبي هريرة كان من تلبية النبي صلى الله عليه وسلم لبيك إله الحق وللحاكم عن ابن عباس أنه صلى الله عليه وسلم وقف بعرفات فلما قال لبيك اللهم لبيك قال إنما الخير خير الآخرة وللدارقطني في العلل عن أنس أنه عليه السلام قال لبيك حجًا حقًا تعبدا ورقًا وفي مسلم في الحديث الطويل عن جابر حتى استوت به ناقته على البيداء أهل بالتوحيد لبيك اللهم إلى آخره قال وأهل الناس بهذا الذي يهلون به فلم يزد عليهم شيئًا منه ولزم تلبيته وفي أبي داود عن جابر قال أهل رسول الله صلى الله عليه وسلم فذكر التلبية مثل حديث ابن عمر قال والناس يزيدون ذا المعارج ونحوه من الكلام والنبي صلى الله عليه وسلم يسمع فلا يقول لهم شيئًا وفي ابن ماجه عن علي نحوه وأجاب من قال بالكراهة بأن هذا كله يدل على أن الاقتصار على تلبية الرسول أفضل لمداومته هو صلى الله عليه وسلم عليها وأما عدم نهيهم عن الزيادة فلئلا يتوهم المنع كما أن زيادته هو ما ذكر في بعض الأماكن لبيان الجواز وفيه مشروعية التلبية وهو إجماع وأوجبها أبو حنيفة ويجزي عنده ما في معناها من تسبيح وتهليل وسائر الأذكار كما قاله هو أن التسبيح وغيره يقوم في الإحرام بالصلاة مقام التكبير وقال مالك والشافعي سنة ثم اختلفا فأوجب مالك في تركها الدم ولم يوجبه الشافعي وقال بوجوبها ابن حبيب والباجي وقال قول أصحابنا سنة معناه عندي أنها ليست شرطًا في صحة الحج وإلا فهي واجبة بدليل أن في تركها الدم فهي واجبة غير شرط فهو فرق ما بيننا وبين أبي حنيفة فإنها عنده واجبة شرطًا ومع ذلك لا يتعين عنده لفظها بل يكفي ما في معناه من ذكر وهذا الحديث رواه البخاري عن عبد الله بن يوسف ومسلم عن يحيى وأبو داود عن القعنبي والنسائي عن قتيبة أربعتهم عن مالك به إلا أن البخاري لم يذكر زيادة ابن عمر وتابع مالكًا الليث عند الترمذي وعبيد الله بن عمر عند ابن ماجه كلاهما عن نافع به ( مالك عن هشام بن عروة عن أبيه) مرسل وصله الشيخان وغيرهما من حديث أنس ومن طريق صالح بن كيسان عن نافع عن ابن عمر ( أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يصلي في مسجد ذي الحليفة ركعتين) سنة الإحرام ففيه صلاتهما قبل الإحرام وأنهما نافلة وبه قال الجمهور سلفًا وخلفًا واستحب الحسن البصري الإحرام بعد صلاة فرض لأنه روى أن الركعتين كانتا الصبح وأجيب بأن هذا لم يثبت ( فإذا استوت به راحلته) ولمسلم في حديث ابن عمر استوت به الناقة قائمة ( أهل) أي رفع صوته بالتلبية عند الدخول في الإحرام وفيه دليل لمالك والشافعي والجمهور أن الأفضل أن يهل إذا انبعثت به راحلته وتوجه لطريقه ماشيًا وقال الحنفية الأفضل عقب الصلاة لما في أبي داود والترمذي وحسنه عن ابن عباس أنه صلى الله عليه وسلم أهل بالحج حين فرغ من الركعتين وأجيب بأنه حديث ضعيف كما قاله النووي والمنذري وإن حسنه الترمذي وسكت عليه أبو داود لأن فيه خصيف بن عبد الرحمن ضعيف عند الجمهور ووثقه ابن معين وأبو زرعة ( مالك عن موسى بن عقبة) بضم العين وسكون القاف ( عن سالم بن عبد الله) بن عمر ( أنه سمع أباه يقول بيداؤكم) بالمد ( هذه) التي فوق علمي ذي الحليفة لمن صعد الوادي قاله أبو عبيد البكري وغيره وأضافها إليهم لكونهم كذبوا بسببها كذبًا يحصل لها به الشرف ( التي تكذبون على رسول الله صلى الله عليه وسلم فيها) أي بسببها ففي للتعليل نحو { { لمتنني فيه } }{ { لمسكم فيما أفضتم } } وحديث دخلت النار امرأة في هرة فتقولون إنه أحرم منها ولم يحرم منها ( ما أهل) وللحميدي عن سفيان عن ابن عيينة بسنده والله ما أهل ( رسول الله صلى الله عليه وسلم إلا من عند المسجد يعني مسجد ذي الحليفة) ولمسلم من طريق حاتم بن إسماعيل عن موسى ما أهل إلا من عند الشجرة حين قام به بعيره ولا خلف فالشجرة عند المسجد قال الحافظ وكان ابن عمر ينكر رواية ابن عباس عند البخاري بلفظ ركب راحلته حتى استوت به على البيداء أهل وقد أزال الإشكال ما رواه أبو داود والحاكم من طريق سعيد بن جبير قلت لابن عباس عجبت لاختلاف أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم في إهلاله فقال إني لأعلم الناس بذلك إنما كانت من رسول الله صلى الله عليه وسلم حجة واحدة فمن هناك اختلفوا خرج صلى الله عليه وسلم حاجًا فلما صلى في مسجد ذي الحليفة ركعتين أوجب في مجلسه فأهل بالحج حين فرغ منهما فسمع ذلك منه قوم فحفظوه ثم ركب فلما استقلت به راحلته أهل وأدرك ذلك قوم لم يشهدوا في المرة الأولى فسمعوه حين ذاك فقالوا إنما أهل حين استقلت به راحلته ثم مضى فلما علا شرف البيداء أهل وأدرك ذلك قوم لم يشهدوه فنقل كل واحد ما سمع وإنما كان إهلاله في مصلاه وأيم الله ثم أهل ثانيًا وثالثًا فعلى هذا فكان إنكار ابن عمر على من يخص الإهلال بالقيام على شرف البيداء وقد اتفق فقهاء الأمصار على جواز جميع ذلك وإنما الخلاف في الأفضل انتهى وحديث ابن عباس وإن زال به الإشكال لكن فيه خصيف بن عبد الرحمن ضعيف عند الجمهور ومحمد بن إسحاق الراوي عنه مدلس وفيه مقال وإن صرح بالتحديث ولذا قال النووي والمنذري حديث ضعيف كما مر وعلى تسليم توثيق خصيف وتلميذه فقد عارضه حديث ابن عمر وأنس في الصحيحين وغيرهما أنه إنما أهل حين استوت به ناقته قائمة وقال عياض ليس من شرط الكذب العمد فقول ابن عمر محمول على أن ذلك وقع منهم سهوًا إذ لا يظن به نسبة الصحابة إلى الكذب الذي لا يحل وبسط هذا الولي العراقي فقال إن قلت كيف جعلهم كاذبين مع أنه وقع منهم باجتهاد فلا يطلق عليهم الكذب وإنما يطلق الخطأ قلت الكذب عند أهل السنة الإخبار عن الشيء بخلاف ما هو عليه عمدًا كان أو غلطًا أو سهوًا والعمد شرط للإثم خلافًا للمعتزلة في جعله شرطًا في صدق اسم الكذب فإن قلت كان ينبغي الاحتراز عن هذه اللفظة لأن المفهوم منها الذم والقائلون بذلك غير مذمومين بل مشكورون لصدوره عن اجتهاد قلت أراد ابن عمر التنفير من هذه المقالة وتشنيعها على قائلها ليحذر مع صدق اللفظ الذي ذكره فإن قلت يحصل مقصوده بكونه صلى الله عليه وسلم أحرم من المسجد ولا حاجة إلى إنكار كونه أهل أي رفع صوته بالتلبية بعد وصوله إلى البيداء إذ هو غير منافٍ للإحرام السابق قلت إنما أراد إنكار كون ابتداء الإحرام وقع عند البيداء لا كونه أهل عندها فقوله ما أهل إلا من عند المسجد إهلال مخصوص وهو الذي ابتدأ به الإحرام انتهى وفيه أن الإحرام من الميقات أفضل من دويرة الأهل لأنه صلى الله عليه وسلم لم يحرم من مسجده مع شرفه المعلوم وأخرجه البخاري وأبو داود عن القعنبي ومسلم عن يحيى النيسابوري عن مالك به وتابعه سفيان بن عيينة عند البخاري وغيره وحاتم بن إسماعيل عند مسلم كلاهما عن موسى بن عقبة ( مالك عن سعيد) بكسر العين ( ابن أبي سعيد) كيسان ( المقبري) بضم الباء وفتحها ( عن عبيد بن جريج) بتصغيرهما التيمي مولاهم المدني ثقة قال الحافظ وليس بينه وبين عبد الملك بن عبد العزيز بن جريج المكي مولى بني أمية نسب فقد يظن أن هذا عمه وليس كذلك وهذا من رواية الأقران لأن عبيدًا وسعيدًا تابعيان من طبقة واحدة ( أنه قال لعبد الله بن عمر يا أبا عبد الرحمن) كنية ابن عمر ( رأيتك تصنع أربعًا) من الخصال ( لم أر أحدًا من أصحابك) أي أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم والمراد بعضهم ( يصنعها) مجتمعة وإن كان يصنع بعضها قاله المازري وظاهر السياق انفراد ابن عمر بما ذكر كان دون غيره ممن رآهم عبيد ( قال وما هن يا ابن جريج قال رأيتك لا تمس من الأركان) الأربعة للكعبة ( إلا) الركنين ( اليمانيين) بتخفيف الياء لأن الألف بدل من إحدى يائي النسب ولا يجمع بين البدل والمبدل وفي لغة قليلة تشديدها على أن الألف زائدة لا بدل والمراد بهما الركن اليماني والركن الذي فيه الحجر الأسود وهو العراقي لأنه إلى جهته تغليبًا ولم يقع التغليب باعتبار الأسود خوف الاشتباه على جاهل ولم يقع باعتبار العراقيين لخفة اليمانيين والتخفيف من محسنات التغليب وظاهره أن غير ابن عمر من الصحابة الذين رآهم عبيد كانوا يستلمون الأركان كلها وصح ذلك عن معاوية وابن الزبير وروي عن الحسن والحسين وجابر ( ورأيتك تلبس) بفتح أوله وثالثه ( النعال السبتية) بكسر السين المهملة وسكون الموحدة ففوقية أي التي لا شعر فيها مشتق من السبت وهو الحلق قاله الأزهري أو لأنها سبتت بالدباغ أي لانت قال أبو عمرو الشيباني السبت كل جلد مدبوغ وقال أبو زيد جلود البقر مدبوغة أم لا أو نوع من الدباغ يقلع الشعر أو جلد البقر المدبوغ بالقرظ وقيل بالسبت بضم أوله نبت يدبغ به قاله صاحب المنتهى وقال الداودي هي منسوبة إلى موضع يقال له سوق السبت وقال ابن وهب كانت سوداء لا شعر فيها وقيل هي التي لا شعر عليها أي لون كانت ومن أي جلد كانت وبأي دباغ دبغت وقال عياض في الإكمال الأصح عندي أن اشتقاقها وإضافتها إلى السبت الذي هو الجلد المدبوغ أو إلى الدباغة لأن السين مكسورة ولو كانت من السبت الذي هو الحلق كما قال الأزهري وغيره لكانت النسبة سبتية بالفتح ولم يروها أحد في هذا الحديث ولا غيره ولا في الشعر فيما علمت إلا بالكسر قال وكان من عادة العرب لبس النعال بشعرها غير مدبوغة وكانت المدبوغة تعمل بالطائف وغيره ويلبسها أهل الرفاهية ( ورأيتك تصبغ) بضم الموحدة وحكى فتحها وكسرها ( بالصفرة) ثوبك أو شعرك ( ورأيتك إذا كنت) مستقرًا ( بمكة أهل الناس) أي رفعوا أصواتهم بالتلبية للإحرام بحج أو عمرة ( إذا رأوا الهلال) أي هلال ذي الحجة ( ولم تهلل) بلامين بفك الإدغام ( أنت حتى يكون) أي يوجد وفي رواية كان أي وجد ( يوم) بالرفع فاعل يكون التامة والنصب خبر على أنها ناقصة ( التروية) ثامن ذي الحجة لأن الناس كانوا يروون فيه من الماء أي يحملونه من مكة إلى عرفات ليستعملوه شربًا وغيره وقيل غير ذلك ( فتهل أنت) وتبين من جوابه أنه كان لا يهل حتى يركب قاصدًا إلى منى ( فقال عبد الله بن عمر أما الأركان فإني لم أر رسول الله صلى الله عليه وسلم يمس) وفي رواية يستلم منها ( إلا) الركنين ( اليمانيين) بالتخفيف لأنهما على قواعد إبراهيم ومسهما واستلامهما مختلف فالعراقي مسه وهو استلامه التقبيل لاختصاصه بالحجر الأسود إن قدر وإلا فبيده أو بعود ثم وضعه على فيه بلا تقبيل واليماني مسه بيده ثم يضعها على فيه بلا تقبيل ولا يمسه بفيه بخلاف الشاميين فليسا على قواعد إبراهيم فلم يمسهما فالعلة ذلك قال القابسي لو أدخل الحجر في البيت حتى عاد الشاميان على قواعد إبراهيم استلما قال ابن القصار ولذا لما بنى ابن الزبير الكعبة على قواعده استلم الأركان كلها والذي قاله الجمهور سلفًا وخلفًا أن الشاميين لا يستلمان قال عياض واتفق عليه أئمة الأمصار والفقهاء وإنما كان الخلاف في ذلك في العصر الأول من بعض الصحابة وبعض التابعين ثم ذهب وقال بعض العلماء اختصاص الركنين بين بالسنة ومستند التعميم القياس وأجاب الشافعي عن قول من قال ليس شيء من البيت مهجورًا بأنا لم ندع استلامهما هجرًا للبيت وكيف يهجره وهو يطوف به ولكنا نتبع السنة فعلاً أو تركًا ولو كان ترك استلامهما هجرًا لهما لكان ترك استلام ما بين الأركان هجرًا لها ولا قائل به ( وأما النعال السبتية فإني رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يلبس النعال التي ليس فيها شعر) أشار إلى تفسيرها بذلك وهكذا قال جماهير أهل اللغة والغريب والحديث أنها التي لا شعر فيها ( ويتوضأ فيها) أي النعال أي يتوضأ ويلبسها ورجلاه رطبتان قاله النووي ( فأنا أحب أن ألبسهما) اقتداءً به ( وأما الصفرة فإني رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يصبغ بها فأنا أحب أن أصبغ بها) قال المازري قيل المراد صبغ الشعر وقيل صبغ الثوب قال والأشبه الثاني لأنه أخبر أنه صلى الله عليه وسلم صبغ ولم ينقل عنه صلى الله عليه وسلم أنه صبغ شعره قال عياض وهذا أظهر الوجهين وقد جاءت آثار عن ابن عمر بين فيها تصفير ابن عمر لحيته واحتج بأنه صلى الله عليه وسلم كان يصفر لحيته بالورس والزعفران رواه أبو داود وذكر أيضًا في حديث آخر احتجاجه بأن النبي صلى الله عليه وسلم كان يصبغ بها ثيابه حتى عمامته وأجيب عن الأول باحتمال أنه كان مما يتطيب به لا أنه كان يصبغ بها شعره وقال ابن عبد البر لم يكن صلى الله عليه وسلم يصبغ بالصفرة إلا ثيابه وأما الخضاب فلم يكن يخضب وتعقبه في المفهم بأن في سنن أبي داود عن أبي رمثة قال انطلقت مع أبي نحو النبي صلى الله عليه وسلم فإذا هو ذو وفرة وفيها ردع من حناء وعليه بردان أخضران قال الولي العراقي وكأن ابن عبد البر إنما أراد نفي الخضاب في لحيته فقط ( وأما الإهلال فإني لم أر رسول الله صلى الله عليه وسلم يهل حتى تنبعث به راحلته) أي تستوي قائمة إلى طريقه قال المازري ما تقدم من جواباته نص في عين ما سئل عنه ولما لم يكن عنده نص في الرابع أجاب بضرب من القياس ووجهه أنه لما رآه في حجه من غير مكة إنما يهل عند الشروع في الفعل أخر هو إلى يوم التروية لأنه الذي يبتدأ فيه بأعمال الحج من الخروج إلى منى وغيره وقال القرطبي أبعد من قال هذا قياس بل هو تمسك بنوع الفعل الذي رآه يفعله وتعقب بأن ابن عمر ما رآه صلى الله عليه وسلم أحرم من مكة يوم التروية كما رآه استلم الركنين اليمانيين فقط بل رآه أحرم من ذي الحليفة حين استوت به راحلته فقاس الإحرام من مكة على الإحرام من الميقات لأنها ميقات الكائن بمكة فأحرم يوم التروية لأنه يوم التوجه إلى منى والشروع في العمل قياسًا على إحرامه صلى الله عليه وسلم من الميقات حين توجه إلى مكة فالظاهر قول المازري وقد قال ابن عبد البر جاء ابن عمر بحجة قاطعة نزع بها فأخذ بالعموم في إهلاله صلى الله عليه وسلم ولم يخص مكة من غيرها فكأنه قال لا يهل الحاج إلا في وقت يتصل له عمله وقصده إلى البيت ومواضع المناسك والشعائر لأنه صلى الله عليه وسلم أهل واتصل له عمله ووافق ابن عمر على هذا جماعة من السلف وبه قال الشافعي وأصحابه وهو رواية عن مالك والرواية الأخرى الأفضل أن يحرم من أول ذي الحجة قال عياض وحمل شيوخنا رواية استحباب الإهلال يوم التروية على من كان خارجًا من مكة ورواية استحبابه أول الشهر على من كان في مكة وهو قول أكثر الصحابة والعلماء ليحصل له من الشعث ما يساوي من أحرم من الميقات قال النووي والخلاف في الاستحباب وكل منهما جائز بالإجماع وكلام القاضي وغيره يدل على ذلك قال ابن عبد البر في الحديث دليل على أن الاختلاف في الأفعال والأقوال والمذاهب كان موجودًا في الصحابة وهو عند العلماء أصح ما يكون من الاختلاف وإنما اختلفوا بالتأويل المحتمل فيما سمعوه ورأوه أو فيما انفرد بعضهم بعلمه دون بعض وما أجمع عليه الصحابة واختلف فيه من بعدهم فليس اختلافهم بشيء وفيه أن الحجة عند الاختلاف السنة وأنها حجة على من خالفها وليس من خالفها حجة عليها ألا ترى أن ابن عمر لم يستوحش من مفارقة أصحابه إذ كان عنده في ذلك علم من النبي صلى الله عليه وسلم ولم يقل له ابن جريج الجماعة أعلم به منك ولعلك وهمت كما يقول اليوم من لا علم له بل انقاد للحق إذ سمعه وهكذا يلزم الجميع انتهى.
وأخرجه البخاري في الطهارة عن عبد الله بن يوسف وفي اللباس وأبو داود في الحج عن القعنبي ومسلم عن يحيى كلهم عن مالك به ( مالك عن نافع أن عبد الله بن عمر كان يصلي في مسجد ذي الحليفة) ركعتين سنة الإحرام ( ثم يخرج فيركب فإذا استوت به راحلته) قائمة ( أحرم) اتباعًا لما رآه من فعل المصطفى لذلك كما في الصحيحين من طريق صالح بن كيسان عن نافع عنه مرفوعًا وفي مسلم من رواية الزهري عن سالم عن أبيه كان صلى الله عليه وسلم يركع بذي الحليفة ركعتين ثم إذا استوت به الناقة قائمة عند مسجد ذي الحليفة أهل ( مالك أنه بلغه أن عبد الملك بن مروان) بن الحكم الأموي أحد ملوك بني أمية ( أهل من عند مسجد ذي الحليفة حين استوت به راحلته وأن أبان) بفتح الهمزة والباء فألف فنون ( ابن عثمان) بن عفان الأموي المدني التابعي الثقة مات سنة خمس ومائة ( أشار عليه) بالإفراد وفي نسخة عليهم أي على عبد الملك ومن معه ( بذلك) فاتبعوه والقصد من هذا أن العمل استمر على فعل المصطفى فيرد على من قال يحرم من البيداء أو عقب صلاة الركعتين.


رقم الحديث 738 وَحَدَّثَنِي عَنْ مَالِكٍ، عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ، عَنْ أَبِيهِ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ: يُصَلِّي فِي مَسْجِدِ ذِي الْحُلَيْفَةِ رَكْعَتَيْنِ.
فَإِذَا اسْتَوَتْ بِهِ رَاحِلَتُهُ أَهَلَّ.


( مالك عن نافع عن عبد الله بن عمر أن تلبية رسول الله صلى الله عليه وسلم) مصدر لبى أي قال لبيك ولا يكون عامله إلا مضمرًا ولمسلم من رواية موسى بن عقبة عن نافع عن ابن عمر كان صلى الله عليه وسلم إذا استوت به راحلته عند مسجد ذي الحليفة أهل فقال وللبخاري من طريق الزهري عن سالم عن أبيه سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يهل ملبيًا يقول ( لبيك) لفظ مثنى عند سيبويه ومن تبعه وقال يونس اسم مفرد وألفه إنما انقلبت ياء لاتصالها بالضمير كلدي وعلي ورد بأنها قلبت ياء مع المظهر وعن الفراء نصب على المصدر وأصله لبًا لك فثنى على التأكيد أي إلبابًا بعد إلباب وهذه التثنية ليست حقيقية بل للتكثير أو للمبالغة ومعناه إجابة بعد إجابة لازمة قال ابن الأنباري ومثله حنانيك أي تحننا بعد تحنن وقيل معنى لبيك اتجاهي وقصدي إليك مأخوذ من قولهم داري تلب دارك أي تجاهها وقيل محبتي لك من قولهم امرأة لبة أي محبة وقيل إخلاصي لك من قولهم حسب لباب أي خالص ومنه لب الطعام ولبابه وقيل أنا مقيم على طاعتك من لب الرجل بالمكان أقام وقيل قربًا منك من الإلباب وهو القرب وقيل خاضعًا لك والأول أظهر وأشهر لأن المحرم مستجيب لدعائه تعالى إياه في حج بيته ( اللهم لبيك) أي يا الله أجبناك فيما دعوتنا قال ابن عبد البر قال جماعة من العلماء معنى التلبية إجابة دعوة إبراهيم حين أذن في الناس بالحج قال الحافظ وهذا أخرجه عبد بن حميد وابن جرير وابن أبي حاتم في تفاسيره بأسانيد قوية عن ابن عباس ومجاهد وعطاء وعكرمة وقتادة وغير واحد وأقوى ما فيه ما أخرجه أحمد بن منيع في مسنده وابن أبي حاتم من طريق قابوس بن أبي ظبيان عن أبيه عن ابن عباس قال لما فرغ إبراهيم من بناء البيت قيل له أذن في الناس بالحج قال يا رب وما يبلغ صوتي قال أذن وعلي البلاغ قال فنادى إبراهيم يا أيها الناس كتب عليكم الحج إلى البيت العتيق فسمعه من بين السماء والأرض أفلا ترون الناس يجيبون من أقصى الأرض يلبون ومن طريق ابن جريج عن عطاء عن ابن عباس وفيه فأجابوه بالتلبية في أصلاب الرجال وأرحام النساء وأول من أجابه أهل اليمن فليس حاج يحج من يومئذ إلى أن تقوم الساعة إلا من كان أجاب إبراهيم يومئذ قال الزين بن المنير وفي مشروعية التلبية تنبيه على إكرام الله تعالى لعباده بأن وفودهم على بيته إنما كان باستدعاء منه سبحانه وتعالى ( لبيك) في ذكره ثلاثًا إشارة إلى أن التأكيد اللفظي لا يزاد فيه على ثلاث مرات واتفق عليه البلغاء وأما تكرير { { فبأي آلاء ربكما تكذبان } } و { { ويل يومئذ للمكذبين } } فليس من التأكيد في شيء ( لبيك لا شريك لك لبيك إن الحمد) روي بكسر الهمزة استئناف وفتحها تعليل والكسر أجود عند الجمهور قال ثعلب لأن معناه لك الحمد على كل حال ومعنى الفتح لهذا السبب وقال الخطابي لهج العامة بالفتح وقال ابن عبد البر المعنى عندي واحد لأن من فتح أراد لبيك لأن الحمد لك على كل حال ورد بأن التقييد ليس في الحمد بل في التلبية قال ابن دقيق العيد الكسر أجود لأنه يقتضي أن الإجابة مطلقة غير معللة وأن الحمد والنعمة لله على كل حال والفتح يدل على التعليل كأنه قيل أجبتك لهذا السبب والأول أعم فهو أكثر فائدة ورجح النووي الكسر وهو خلاف نقل الزمخشري أن الشافعي اختار الفتح وأبا حنيفة اختار الكسر وابن قدامة عن أحمد وابن عبد البر عن اختيار أهل العربية لكن قال في اللامع والعدة أنه إذا كسر صار للتعليل أيضًا من حيث إنه استئناف جوابًا عن السؤال عن العلة على ما قرر في البيان ( والنعمة لك) بكسر النون الإحسان والمنة مطلقًا وبالفتح التنعيم قال تعالى { { وذرني والمكذبين أولي النعمة } } أي التنعم في الدنيا وبالنصب على المشهور قال عياض ويجوز الرفع على الابتداء والخبر محذوف أي مستقرة لك وجوز ابن الأنباري أن الموجود خبر المبتدأ وخبر إن هو المحذوف ( والملك) بالنصب أيضًا على المشهور ويجوز الرفع أي كذلك أو محذوف لدلالة الخبر المتقدم عليه قال الزين بن المنير قرن الحمد والنعمة وأفرد الملك لأن الحمد متعلق النعمة ولهذا يقال الحمد لله على نعمه فجمع بينهما كأنه قال لا حمد إلا لك وأما الملك فهو معنى مستقل بنفسه ذكر لتحقيق أن النعمة كلها لله لأنه صاحب الملك ( لا شريك لك) في ملكك ( قال) نافع ( وكان عبد الله بن عمر يزيد فيها) فيقول ( لبيك لبيك لبيك) ثلاث مرات كما في المرفوع إلا أن فيه الفصل بين الأولى والثانية بلفظ اللهم ( وسعديك) قال عياض إفرادها وتثنيتها كلبيك ومعناه ساعدت طاعتك مساعدة بعد مساعدة وإسعادًا بعد إسعاد ولذا ثنى وهو من المصادر المنصوبة بفعل لا يظهر في الاستعمال قال الجرمي لم يسمع سعديك مفردًا ( والخير بيديك) أي الخير كله بيد الله ومن فضله أي بقدرته وكرمه قال ابن دقيق العيد وهذا من إصلاح المخاطبة كقوله تعالى وإذا مرضت فهو يشفين ( لبيك والرغبى إليك) قال المازري يروى بفتح الراء والمد وبضم الراء مع القصر قال ونظيره العلياء والعليا والنعماء والنعمى قال عياض وحكى أبو علي فيه أيضًا الفتح مع القصر مثل سكرى ومعناها الطلب والمسألة إلى من بيده الأمر والمقصود بالعمل المستحق للعبادة ( والعمل) إليك أي القصد به والانتهاء به إليك ويحتمل أن يقدر والعمل لك قاله ابن دقيق العيد فإن قيل كيف زاد ابن عمر في التلبية ما ليس منها مع أنه كان شديد التحري لاتباع السنة وفي حديث عند مسلم من رواية سالم عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم لا يزيد على هذه الكلمات أي المذكورة أولاً أجاب الأبي بأنه رأى أن الزيادة على النص ليست نسخًا وأن الشيء وحده كذلك هو مع غيره فزيادته لا تمنع من إتيانه بتلبية النبي صلى الله عليه وسلم أو فهم عدم القصر على أولئك الكلمات وأن الثواب يتضاعف بكثرة العمل واقتصار المصطفى بيان لأقل ما يكفي وأجاب الولي العراقي بأنه ليس فيه خلط السنة بغيرها بل لما أتى بما سمعه ضم إليه ذكرًا آخر في معناه وباب الأذكار لا تحجير فيه إذا لم يؤد إلى تحريف ما قاله النبي صلى الله عليه وسلم فإن الذكر خير موضوع والاستكثار منه حسن على أن أكثر هذا الذي زاده كان صلى الله عليه وسلم يقوله في دعاء استفتاح الصلاة وهو لبيك وسعديك والخير في يديك والشر ليس إليك انتهى.
والجوابان متقاربان وفي مسلم عن ابن عمر كان عمر يهل بإهلال رسول الله صلى الله عليه وسلم من هؤلاء الكلمات ويقول لبيك اللهم لبيك وسعديك إلى آخر ما زاده هنا قال الحافظ فعرف أنه اقتدى بأبيه وأخرج ابن أبي شيبة عن المسور بن مخرمة قال كانت تلبية عمر فذكر مثل المرفوع وزاد لبيك مرغوبًا ومرهوبًا إليك ذا النعماء والفضل الحسن انتهى.
وقد استحب العلماء الاقتصار على تلبية الرسول واختلفوا في جواز الزيادة عليها وكراهتها وبه قال مالك والشافعي في أحد قوليه لأنه صلى الله عليه وسلم علمهم التلبية كما في حديث عمرو بن معدي كرب ثم فعلها هو ولم يقل لبوا بما شئتم مما هو من جنس هذا بل علمهم كما علمهم التكبير في الصلاة فلا ينبغي أن يتعدى في ذلك شيئًا مما علمه وأخرج الطحاوي عن سعد بن أبي وقاص أنه سمع رجلاً يقول لبيك ذا المعارج فقال إنه لذو المعارج وما هكذا كنا نلبي على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم وقال آخرون يجوز بلا كراهة لفعل عمر وابنه وفي النسائي عن ابن مسعود كان من تلبية النبي صلى الله عليه وسلم فذكره فدل على أنه كان يلبي بغيرها وله ولابن ماجه وابن حبان والحاكم عن أبي هريرة كان من تلبية النبي صلى الله عليه وسلم لبيك إله الحق وللحاكم عن ابن عباس أنه صلى الله عليه وسلم وقف بعرفات فلما قال لبيك اللهم لبيك قال إنما الخير خير الآخرة وللدارقطني في العلل عن أنس أنه عليه السلام قال لبيك حجًا حقًا تعبدا ورقًا وفي مسلم في الحديث الطويل عن جابر حتى استوت به ناقته على البيداء أهل بالتوحيد لبيك اللهم إلى آخره قال وأهل الناس بهذا الذي يهلون به فلم يزد عليهم شيئًا منه ولزم تلبيته وفي أبي داود عن جابر قال أهل رسول الله صلى الله عليه وسلم فذكر التلبية مثل حديث ابن عمر قال والناس يزيدون ذا المعارج ونحوه من الكلام والنبي صلى الله عليه وسلم يسمع فلا يقول لهم شيئًا وفي ابن ماجه عن علي نحوه وأجاب من قال بالكراهة بأن هذا كله يدل على أن الاقتصار على تلبية الرسول أفضل لمداومته هو صلى الله عليه وسلم عليها وأما عدم نهيهم عن الزيادة فلئلا يتوهم المنع كما أن زيادته هو ما ذكر في بعض الأماكن لبيان الجواز وفيه مشروعية التلبية وهو إجماع وأوجبها أبو حنيفة ويجزي عنده ما في معناها من تسبيح وتهليل وسائر الأذكار كما قاله هو أن التسبيح وغيره يقوم في الإحرام بالصلاة مقام التكبير وقال مالك والشافعي سنة ثم اختلفا فأوجب مالك في تركها الدم ولم يوجبه الشافعي وقال بوجوبها ابن حبيب والباجي وقال قول أصحابنا سنة معناه عندي أنها ليست شرطًا في صحة الحج وإلا فهي واجبة بدليل أن في تركها الدم فهي واجبة غير شرط فهو فرق ما بيننا وبين أبي حنيفة فإنها عنده واجبة شرطًا ومع ذلك لا يتعين عنده لفظها بل يكفي ما في معناه من ذكر وهذا الحديث رواه البخاري عن عبد الله بن يوسف ومسلم عن يحيى وأبو داود عن القعنبي والنسائي عن قتيبة أربعتهم عن مالك به إلا أن البخاري لم يذكر زيادة ابن عمر وتابع مالكًا الليث عند الترمذي وعبيد الله بن عمر عند ابن ماجه كلاهما عن نافع به ( مالك عن هشام بن عروة عن أبيه) مرسل وصله الشيخان وغيرهما من حديث أنس ومن طريق صالح بن كيسان عن نافع عن ابن عمر ( أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يصلي في مسجد ذي الحليفة ركعتين) سنة الإحرام ففيه صلاتهما قبل الإحرام وأنهما نافلة وبه قال الجمهور سلفًا وخلفًا واستحب الحسن البصري الإحرام بعد صلاة فرض لأنه روى أن الركعتين كانتا الصبح وأجيب بأن هذا لم يثبت ( فإذا استوت به راحلته) ولمسلم في حديث ابن عمر استوت به الناقة قائمة ( أهل) أي رفع صوته بالتلبية عند الدخول في الإحرام وفيه دليل لمالك والشافعي والجمهور أن الأفضل أن يهل إذا انبعثت به راحلته وتوجه لطريقه ماشيًا وقال الحنفية الأفضل عقب الصلاة لما في أبي داود والترمذي وحسنه عن ابن عباس أنه صلى الله عليه وسلم أهل بالحج حين فرغ من الركعتين وأجيب بأنه حديث ضعيف كما قاله النووي والمنذري وإن حسنه الترمذي وسكت عليه أبو داود لأن فيه خصيف بن عبد الرحمن ضعيف عند الجمهور ووثقه ابن معين وأبو زرعة ( مالك عن موسى بن عقبة) بضم العين وسكون القاف ( عن سالم بن عبد الله) بن عمر ( أنه سمع أباه يقول بيداؤكم) بالمد ( هذه) التي فوق علمي ذي الحليفة لمن صعد الوادي قاله أبو عبيد البكري وغيره وأضافها إليهم لكونهم كذبوا بسببها كذبًا يحصل لها به الشرف ( التي تكذبون على رسول الله صلى الله عليه وسلم فيها) أي بسببها ففي للتعليل نحو { { لمتنني فيه } }{ { لمسكم فيما أفضتم } } وحديث دخلت النار امرأة في هرة فتقولون إنه أحرم منها ولم يحرم منها ( ما أهل) وللحميدي عن سفيان عن ابن عيينة بسنده والله ما أهل ( رسول الله صلى الله عليه وسلم إلا من عند المسجد يعني مسجد ذي الحليفة) ولمسلم من طريق حاتم بن إسماعيل عن موسى ما أهل إلا من عند الشجرة حين قام به بعيره ولا خلف فالشجرة عند المسجد قال الحافظ وكان ابن عمر ينكر رواية ابن عباس عند البخاري بلفظ ركب راحلته حتى استوت به على البيداء أهل وقد أزال الإشكال ما رواه أبو داود والحاكم من طريق سعيد بن جبير قلت لابن عباس عجبت لاختلاف أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم في إهلاله فقال إني لأعلم الناس بذلك إنما كانت من رسول الله صلى الله عليه وسلم حجة واحدة فمن هناك اختلفوا خرج صلى الله عليه وسلم حاجًا فلما صلى في مسجد ذي الحليفة ركعتين أوجب في مجلسه فأهل بالحج حين فرغ منهما فسمع ذلك منه قوم فحفظوه ثم ركب فلما استقلت به راحلته أهل وأدرك ذلك قوم لم يشهدوا في المرة الأولى فسمعوه حين ذاك فقالوا إنما أهل حين استقلت به راحلته ثم مضى فلما علا شرف البيداء أهل وأدرك ذلك قوم لم يشهدوه فنقل كل واحد ما سمع وإنما كان إهلاله في مصلاه وأيم الله ثم أهل ثانيًا وثالثًا فعلى هذا فكان إنكار ابن عمر على من يخص الإهلال بالقيام على شرف البيداء وقد اتفق فقهاء الأمصار على جواز جميع ذلك وإنما الخلاف في الأفضل انتهى وحديث ابن عباس وإن زال به الإشكال لكن فيه خصيف بن عبد الرحمن ضعيف عند الجمهور ومحمد بن إسحاق الراوي عنه مدلس وفيه مقال وإن صرح بالتحديث ولذا قال النووي والمنذري حديث ضعيف كما مر وعلى تسليم توثيق خصيف وتلميذه فقد عارضه حديث ابن عمر وأنس في الصحيحين وغيرهما أنه إنما أهل حين استوت به ناقته قائمة وقال عياض ليس من شرط الكذب العمد فقول ابن عمر محمول على أن ذلك وقع منهم سهوًا إذ لا يظن به نسبة الصحابة إلى الكذب الذي لا يحل وبسط هذا الولي العراقي فقال إن قلت كيف جعلهم كاذبين مع أنه وقع منهم باجتهاد فلا يطلق عليهم الكذب وإنما يطلق الخطأ قلت الكذب عند أهل السنة الإخبار عن الشيء بخلاف ما هو عليه عمدًا كان أو غلطًا أو سهوًا والعمد شرط للإثم خلافًا للمعتزلة في جعله شرطًا في صدق اسم الكذب فإن قلت كان ينبغي الاحتراز عن هذه اللفظة لأن المفهوم منها الذم والقائلون بذلك غير مذمومين بل مشكورون لصدوره عن اجتهاد قلت أراد ابن عمر التنفير من هذه المقالة وتشنيعها على قائلها ليحذر مع صدق اللفظ الذي ذكره فإن قلت يحصل مقصوده بكونه صلى الله عليه وسلم أحرم من المسجد ولا حاجة إلى إنكار كونه أهل أي رفع صوته بالتلبية بعد وصوله إلى البيداء إذ هو غير منافٍ للإحرام السابق قلت إنما أراد إنكار كون ابتداء الإحرام وقع عند البيداء لا كونه أهل عندها فقوله ما أهل إلا من عند المسجد إهلال مخصوص وهو الذي ابتدأ به الإحرام انتهى وفيه أن الإحرام من الميقات أفضل من دويرة الأهل لأنه صلى الله عليه وسلم لم يحرم من مسجده مع شرفه المعلوم وأخرجه البخاري وأبو داود عن القعنبي ومسلم عن يحيى النيسابوري عن مالك به وتابعه سفيان بن عيينة عند البخاري وغيره وحاتم بن إسماعيل عند مسلم كلاهما عن موسى بن عقبة ( مالك عن سعيد) بكسر العين ( ابن أبي سعيد) كيسان ( المقبري) بضم الباء وفتحها ( عن عبيد بن جريج) بتصغيرهما التيمي مولاهم المدني ثقة قال الحافظ وليس بينه وبين عبد الملك بن عبد العزيز بن جريج المكي مولى بني أمية نسب فقد يظن أن هذا عمه وليس كذلك وهذا من رواية الأقران لأن عبيدًا وسعيدًا تابعيان من طبقة واحدة ( أنه قال لعبد الله بن عمر يا أبا عبد الرحمن) كنية ابن عمر ( رأيتك تصنع أربعًا) من الخصال ( لم أر أحدًا من أصحابك) أي أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم والمراد بعضهم ( يصنعها) مجتمعة وإن كان يصنع بعضها قاله المازري وظاهر السياق انفراد ابن عمر بما ذكر كان دون غيره ممن رآهم عبيد ( قال وما هن يا ابن جريج قال رأيتك لا تمس من الأركان) الأربعة للكعبة ( إلا) الركنين ( اليمانيين) بتخفيف الياء لأن الألف بدل من إحدى يائي النسب ولا يجمع بين البدل والمبدل وفي لغة قليلة تشديدها على أن الألف زائدة لا بدل والمراد بهما الركن اليماني والركن الذي فيه الحجر الأسود وهو العراقي لأنه إلى جهته تغليبًا ولم يقع التغليب باعتبار الأسود خوف الاشتباه على جاهل ولم يقع باعتبار العراقيين لخفة اليمانيين والتخفيف من محسنات التغليب وظاهره أن غير ابن عمر من الصحابة الذين رآهم عبيد كانوا يستلمون الأركان كلها وصح ذلك عن معاوية وابن الزبير وروي عن الحسن والحسين وجابر ( ورأيتك تلبس) بفتح أوله وثالثه ( النعال السبتية) بكسر السين المهملة وسكون الموحدة ففوقية أي التي لا شعر فيها مشتق من السبت وهو الحلق قاله الأزهري أو لأنها سبتت بالدباغ أي لانت قال أبو عمرو الشيباني السبت كل جلد مدبوغ وقال أبو زيد جلود البقر مدبوغة أم لا أو نوع من الدباغ يقلع الشعر أو جلد البقر المدبوغ بالقرظ وقيل بالسبت بضم أوله نبت يدبغ به قاله صاحب المنتهى وقال الداودي هي منسوبة إلى موضع يقال له سوق السبت وقال ابن وهب كانت سوداء لا شعر فيها وقيل هي التي لا شعر عليها أي لون كانت ومن أي جلد كانت وبأي دباغ دبغت وقال عياض في الإكمال الأصح عندي أن اشتقاقها وإضافتها إلى السبت الذي هو الجلد المدبوغ أو إلى الدباغة لأن السين مكسورة ولو كانت من السبت الذي هو الحلق كما قال الأزهري وغيره لكانت النسبة سبتية بالفتح ولم يروها أحد في هذا الحديث ولا غيره ولا في الشعر فيما علمت إلا بالكسر قال وكان من عادة العرب لبس النعال بشعرها غير مدبوغة وكانت المدبوغة تعمل بالطائف وغيره ويلبسها أهل الرفاهية ( ورأيتك تصبغ) بضم الموحدة وحكى فتحها وكسرها ( بالصفرة) ثوبك أو شعرك ( ورأيتك إذا كنت) مستقرًا ( بمكة أهل الناس) أي رفعوا أصواتهم بالتلبية للإحرام بحج أو عمرة ( إذا رأوا الهلال) أي هلال ذي الحجة ( ولم تهلل) بلامين بفك الإدغام ( أنت حتى يكون) أي يوجد وفي رواية كان أي وجد ( يوم) بالرفع فاعل يكون التامة والنصب خبر على أنها ناقصة ( التروية) ثامن ذي الحجة لأن الناس كانوا يروون فيه من الماء أي يحملونه من مكة إلى عرفات ليستعملوه شربًا وغيره وقيل غير ذلك ( فتهل أنت) وتبين من جوابه أنه كان لا يهل حتى يركب قاصدًا إلى منى ( فقال عبد الله بن عمر أما الأركان فإني لم أر رسول الله صلى الله عليه وسلم يمس) وفي رواية يستلم منها ( إلا) الركنين ( اليمانيين) بالتخفيف لأنهما على قواعد إبراهيم ومسهما واستلامهما مختلف فالعراقي مسه وهو استلامه التقبيل لاختصاصه بالحجر الأسود إن قدر وإلا فبيده أو بعود ثم وضعه على فيه بلا تقبيل واليماني مسه بيده ثم يضعها على فيه بلا تقبيل ولا يمسه بفيه بخلاف الشاميين فليسا على قواعد إبراهيم فلم يمسهما فالعلة ذلك قال القابسي لو أدخل الحجر في البيت حتى عاد الشاميان على قواعد إبراهيم استلما قال ابن القصار ولذا لما بنى ابن الزبير الكعبة على قواعده استلم الأركان كلها والذي قاله الجمهور سلفًا وخلفًا أن الشاميين لا يستلمان قال عياض واتفق عليه أئمة الأمصار والفقهاء وإنما كان الخلاف في ذلك في العصر الأول من بعض الصحابة وبعض التابعين ثم ذهب وقال بعض العلماء اختصاص الركنين بين بالسنة ومستند التعميم القياس وأجاب الشافعي عن قول من قال ليس شيء من البيت مهجورًا بأنا لم ندع استلامهما هجرًا للبيت وكيف يهجره وهو يطوف به ولكنا نتبع السنة فعلاً أو تركًا ولو كان ترك استلامهما هجرًا لهما لكان ترك استلام ما بين الأركان هجرًا لها ولا قائل به ( وأما النعال السبتية فإني رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يلبس النعال التي ليس فيها شعر) أشار إلى تفسيرها بذلك وهكذا قال جماهير أهل اللغة والغريب والحديث أنها التي لا شعر فيها ( ويتوضأ فيها) أي النعال أي يتوضأ ويلبسها ورجلاه رطبتان قاله النووي ( فأنا أحب أن ألبسهما) اقتداءً به ( وأما الصفرة فإني رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يصبغ بها فأنا أحب أن أصبغ بها) قال المازري قيل المراد صبغ الشعر وقيل صبغ الثوب قال والأشبه الثاني لأنه أخبر أنه صلى الله عليه وسلم صبغ ولم ينقل عنه صلى الله عليه وسلم أنه صبغ شعره قال عياض وهذا أظهر الوجهين وقد جاءت آثار عن ابن عمر بين فيها تصفير ابن عمر لحيته واحتج بأنه صلى الله عليه وسلم كان يصفر لحيته بالورس والزعفران رواه أبو داود وذكر أيضًا في حديث آخر احتجاجه بأن النبي صلى الله عليه وسلم كان يصبغ بها ثيابه حتى عمامته وأجيب عن الأول باحتمال أنه كان مما يتطيب به لا أنه كان يصبغ بها شعره وقال ابن عبد البر لم يكن صلى الله عليه وسلم يصبغ بالصفرة إلا ثيابه وأما الخضاب فلم يكن يخضب وتعقبه في المفهم بأن في سنن أبي داود عن أبي رمثة قال انطلقت مع أبي نحو النبي صلى الله عليه وسلم فإذا هو ذو وفرة وفيها ردع من حناء وعليه بردان أخضران قال الولي العراقي وكأن ابن عبد البر إنما أراد نفي الخضاب في لحيته فقط ( وأما الإهلال فإني لم أر رسول الله صلى الله عليه وسلم يهل حتى تنبعث به راحلته) أي تستوي قائمة إلى طريقه قال المازري ما تقدم من جواباته نص في عين ما سئل عنه ولما لم يكن عنده نص في الرابع أجاب بضرب من القياس ووجهه أنه لما رآه في حجه من غير مكة إنما يهل عند الشروع في الفعل أخر هو إلى يوم التروية لأنه الذي يبتدأ فيه بأعمال الحج من الخروج إلى منى وغيره وقال القرطبي أبعد من قال هذا قياس بل هو تمسك بنوع الفعل الذي رآه يفعله وتعقب بأن ابن عمر ما رآه صلى الله عليه وسلم أحرم من مكة يوم التروية كما رآه استلم الركنين اليمانيين فقط بل رآه أحرم من ذي الحليفة حين استوت به راحلته فقاس الإحرام من مكة على الإحرام من الميقات لأنها ميقات الكائن بمكة فأحرم يوم التروية لأنه يوم التوجه إلى منى والشروع في العمل قياسًا على إحرامه صلى الله عليه وسلم من الميقات حين توجه إلى مكة فالظاهر قول المازري وقد قال ابن عبد البر جاء ابن عمر بحجة قاطعة نزع بها فأخذ بالعموم في إهلاله صلى الله عليه وسلم ولم يخص مكة من غيرها فكأنه قال لا يهل الحاج إلا في وقت يتصل له عمله وقصده إلى البيت ومواضع المناسك والشعائر لأنه صلى الله عليه وسلم أهل واتصل له عمله ووافق ابن عمر على هذا جماعة من السلف وبه قال الشافعي وأصحابه وهو رواية عن مالك والرواية الأخرى الأفضل أن يحرم من أول ذي الحجة قال عياض وحمل شيوخنا رواية استحباب الإهلال يوم التروية على من كان خارجًا من مكة ورواية استحبابه أول الشهر على من كان في مكة وهو قول أكثر الصحابة والعلماء ليحصل له من الشعث ما يساوي من أحرم من الميقات قال النووي والخلاف في الاستحباب وكل منهما جائز بالإجماع وكلام القاضي وغيره يدل على ذلك قال ابن عبد البر في الحديث دليل على أن الاختلاف في الأفعال والأقوال والمذاهب كان موجودًا في الصحابة وهو عند العلماء أصح ما يكون من الاختلاف وإنما اختلفوا بالتأويل المحتمل فيما سمعوه ورأوه أو فيما انفرد بعضهم بعلمه دون بعض وما أجمع عليه الصحابة واختلف فيه من بعدهم فليس اختلافهم بشيء وفيه أن الحجة عند الاختلاف السنة وأنها حجة على من خالفها وليس من خالفها حجة عليها ألا ترى أن ابن عمر لم يستوحش من مفارقة أصحابه إذ كان عنده في ذلك علم من النبي صلى الله عليه وسلم ولم يقل له ابن جريج الجماعة أعلم به منك ولعلك وهمت كما يقول اليوم من لا علم له بل انقاد للحق إذ سمعه وهكذا يلزم الجميع انتهى.
وأخرجه البخاري في الطهارة عن عبد الله بن يوسف وفي اللباس وأبو داود في الحج عن القعنبي ومسلم عن يحيى كلهم عن مالك به ( مالك عن نافع أن عبد الله بن عمر كان يصلي في مسجد ذي الحليفة) ركعتين سنة الإحرام ( ثم يخرج فيركب فإذا استوت به راحلته) قائمة ( أحرم) اتباعًا لما رآه من فعل المصطفى لذلك كما في الصحيحين من طريق صالح بن كيسان عن نافع عنه مرفوعًا وفي مسلم من رواية الزهري عن سالم عن أبيه كان صلى الله عليه وسلم يركع بذي الحليفة ركعتين ثم إذا استوت به الناقة قائمة عند مسجد ذي الحليفة أهل ( مالك أنه بلغه أن عبد الملك بن مروان) بن الحكم الأموي أحد ملوك بني أمية ( أهل من عند مسجد ذي الحليفة حين استوت به راحلته وأن أبان) بفتح الهمزة والباء فألف فنون ( ابن عثمان) بن عفان الأموي المدني التابعي الثقة مات سنة خمس ومائة ( أشار عليه) بالإفراد وفي نسخة عليهم أي على عبد الملك ومن معه ( بذلك) فاتبعوه والقصد من هذا أن العمل استمر على فعل المصطفى فيرد على من قال يحرم من البيداء أو عقب صلاة الركعتين.


رقم الحديث 739 وَحَدَّثَنِي عَنْ مَالِكٍ، عَنْ مُوسَى بْنِ عُقْبَةَ، عَنْ سَالِمِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ أَنَّهُ سَمِعَ أَبَاهُ يَقُولُ: بَيْدَاؤُكُمْ هَذِهِ الَّتِي تَكْذِبُونَ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِيهَا.
مَا أَهَلَّ رَسُولُ اللَّهِ إِلَّا مِنْ عِنْدِ الْمَسْجِدِ.
يَعْنِي مَسْجِدَ ذِي الْحُلَيْفَةِ.


( مالك عن نافع عن عبد الله بن عمر أن تلبية رسول الله صلى الله عليه وسلم) مصدر لبى أي قال لبيك ولا يكون عامله إلا مضمرًا ولمسلم من رواية موسى بن عقبة عن نافع عن ابن عمر كان صلى الله عليه وسلم إذا استوت به راحلته عند مسجد ذي الحليفة أهل فقال وللبخاري من طريق الزهري عن سالم عن أبيه سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يهل ملبيًا يقول ( لبيك) لفظ مثنى عند سيبويه ومن تبعه وقال يونس اسم مفرد وألفه إنما انقلبت ياء لاتصالها بالضمير كلدي وعلي ورد بأنها قلبت ياء مع المظهر وعن الفراء نصب على المصدر وأصله لبًا لك فثنى على التأكيد أي إلبابًا بعد إلباب وهذه التثنية ليست حقيقية بل للتكثير أو للمبالغة ومعناه إجابة بعد إجابة لازمة قال ابن الأنباري ومثله حنانيك أي تحننا بعد تحنن وقيل معنى لبيك اتجاهي وقصدي إليك مأخوذ من قولهم داري تلب دارك أي تجاهها وقيل محبتي لك من قولهم امرأة لبة أي محبة وقيل إخلاصي لك من قولهم حسب لباب أي خالص ومنه لب الطعام ولبابه وقيل أنا مقيم على طاعتك من لب الرجل بالمكان أقام وقيل قربًا منك من الإلباب وهو القرب وقيل خاضعًا لك والأول أظهر وأشهر لأن المحرم مستجيب لدعائه تعالى إياه في حج بيته ( اللهم لبيك) أي يا الله أجبناك فيما دعوتنا قال ابن عبد البر قال جماعة من العلماء معنى التلبية إجابة دعوة إبراهيم حين أذن في الناس بالحج قال الحافظ وهذا أخرجه عبد بن حميد وابن جرير وابن أبي حاتم في تفاسيره بأسانيد قوية عن ابن عباس ومجاهد وعطاء وعكرمة وقتادة وغير واحد وأقوى ما فيه ما أخرجه أحمد بن منيع في مسنده وابن أبي حاتم من طريق قابوس بن أبي ظبيان عن أبيه عن ابن عباس قال لما فرغ إبراهيم من بناء البيت قيل له أذن في الناس بالحج قال يا رب وما يبلغ صوتي قال أذن وعلي البلاغ قال فنادى إبراهيم يا أيها الناس كتب عليكم الحج إلى البيت العتيق فسمعه من بين السماء والأرض أفلا ترون الناس يجيبون من أقصى الأرض يلبون ومن طريق ابن جريج عن عطاء عن ابن عباس وفيه فأجابوه بالتلبية في أصلاب الرجال وأرحام النساء وأول من أجابه أهل اليمن فليس حاج يحج من يومئذ إلى أن تقوم الساعة إلا من كان أجاب إبراهيم يومئذ قال الزين بن المنير وفي مشروعية التلبية تنبيه على إكرام الله تعالى لعباده بأن وفودهم على بيته إنما كان باستدعاء منه سبحانه وتعالى ( لبيك) في ذكره ثلاثًا إشارة إلى أن التأكيد اللفظي لا يزاد فيه على ثلاث مرات واتفق عليه البلغاء وأما تكرير { { فبأي آلاء ربكما تكذبان } } و { { ويل يومئذ للمكذبين } } فليس من التأكيد في شيء ( لبيك لا شريك لك لبيك إن الحمد) روي بكسر الهمزة استئناف وفتحها تعليل والكسر أجود عند الجمهور قال ثعلب لأن معناه لك الحمد على كل حال ومعنى الفتح لهذا السبب وقال الخطابي لهج العامة بالفتح وقال ابن عبد البر المعنى عندي واحد لأن من فتح أراد لبيك لأن الحمد لك على كل حال ورد بأن التقييد ليس في الحمد بل في التلبية قال ابن دقيق العيد الكسر أجود لأنه يقتضي أن الإجابة مطلقة غير معللة وأن الحمد والنعمة لله على كل حال والفتح يدل على التعليل كأنه قيل أجبتك لهذا السبب والأول أعم فهو أكثر فائدة ورجح النووي الكسر وهو خلاف نقل الزمخشري أن الشافعي اختار الفتح وأبا حنيفة اختار الكسر وابن قدامة عن أحمد وابن عبد البر عن اختيار أهل العربية لكن قال في اللامع والعدة أنه إذا كسر صار للتعليل أيضًا من حيث إنه استئناف جوابًا عن السؤال عن العلة على ما قرر في البيان ( والنعمة لك) بكسر النون الإحسان والمنة مطلقًا وبالفتح التنعيم قال تعالى { { وذرني والمكذبين أولي النعمة } } أي التنعم في الدنيا وبالنصب على المشهور قال عياض ويجوز الرفع على الابتداء والخبر محذوف أي مستقرة لك وجوز ابن الأنباري أن الموجود خبر المبتدأ وخبر إن هو المحذوف ( والملك) بالنصب أيضًا على المشهور ويجوز الرفع أي كذلك أو محذوف لدلالة الخبر المتقدم عليه قال الزين بن المنير قرن الحمد والنعمة وأفرد الملك لأن الحمد متعلق النعمة ولهذا يقال الحمد لله على نعمه فجمع بينهما كأنه قال لا حمد إلا لك وأما الملك فهو معنى مستقل بنفسه ذكر لتحقيق أن النعمة كلها لله لأنه صاحب الملك ( لا شريك لك) في ملكك ( قال) نافع ( وكان عبد الله بن عمر يزيد فيها) فيقول ( لبيك لبيك لبيك) ثلاث مرات كما في المرفوع إلا أن فيه الفصل بين الأولى والثانية بلفظ اللهم ( وسعديك) قال عياض إفرادها وتثنيتها كلبيك ومعناه ساعدت طاعتك مساعدة بعد مساعدة وإسعادًا بعد إسعاد ولذا ثنى وهو من المصادر المنصوبة بفعل لا يظهر في الاستعمال قال الجرمي لم يسمع سعديك مفردًا ( والخير بيديك) أي الخير كله بيد الله ومن فضله أي بقدرته وكرمه قال ابن دقيق العيد وهذا من إصلاح المخاطبة كقوله تعالى وإذا مرضت فهو يشفين ( لبيك والرغبى إليك) قال المازري يروى بفتح الراء والمد وبضم الراء مع القصر قال ونظيره العلياء والعليا والنعماء والنعمى قال عياض وحكى أبو علي فيه أيضًا الفتح مع القصر مثل سكرى ومعناها الطلب والمسألة إلى من بيده الأمر والمقصود بالعمل المستحق للعبادة ( والعمل) إليك أي القصد به والانتهاء به إليك ويحتمل أن يقدر والعمل لك قاله ابن دقيق العيد فإن قيل كيف زاد ابن عمر في التلبية ما ليس منها مع أنه كان شديد التحري لاتباع السنة وفي حديث عند مسلم من رواية سالم عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم لا يزيد على هذه الكلمات أي المذكورة أولاً أجاب الأبي بأنه رأى أن الزيادة على النص ليست نسخًا وأن الشيء وحده كذلك هو مع غيره فزيادته لا تمنع من إتيانه بتلبية النبي صلى الله عليه وسلم أو فهم عدم القصر على أولئك الكلمات وأن الثواب يتضاعف بكثرة العمل واقتصار المصطفى بيان لأقل ما يكفي وأجاب الولي العراقي بأنه ليس فيه خلط السنة بغيرها بل لما أتى بما سمعه ضم إليه ذكرًا آخر في معناه وباب الأذكار لا تحجير فيه إذا لم يؤد إلى تحريف ما قاله النبي صلى الله عليه وسلم فإن الذكر خير موضوع والاستكثار منه حسن على أن أكثر هذا الذي زاده كان صلى الله عليه وسلم يقوله في دعاء استفتاح الصلاة وهو لبيك وسعديك والخير في يديك والشر ليس إليك انتهى.
والجوابان متقاربان وفي مسلم عن ابن عمر كان عمر يهل بإهلال رسول الله صلى الله عليه وسلم من هؤلاء الكلمات ويقول لبيك اللهم لبيك وسعديك إلى آخر ما زاده هنا قال الحافظ فعرف أنه اقتدى بأبيه وأخرج ابن أبي شيبة عن المسور بن مخرمة قال كانت تلبية عمر فذكر مثل المرفوع وزاد لبيك مرغوبًا ومرهوبًا إليك ذا النعماء والفضل الحسن انتهى.
وقد استحب العلماء الاقتصار على تلبية الرسول واختلفوا في جواز الزيادة عليها وكراهتها وبه قال مالك والشافعي في أحد قوليه لأنه صلى الله عليه وسلم علمهم التلبية كما في حديث عمرو بن معدي كرب ثم فعلها هو ولم يقل لبوا بما شئتم مما هو من جنس هذا بل علمهم كما علمهم التكبير في الصلاة فلا ينبغي أن يتعدى في ذلك شيئًا مما علمه وأخرج الطحاوي عن سعد بن أبي وقاص أنه سمع رجلاً يقول لبيك ذا المعارج فقال إنه لذو المعارج وما هكذا كنا نلبي على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم وقال آخرون يجوز بلا كراهة لفعل عمر وابنه وفي النسائي عن ابن مسعود كان من تلبية النبي صلى الله عليه وسلم فذكره فدل على أنه كان يلبي بغيرها وله ولابن ماجه وابن حبان والحاكم عن أبي هريرة كان من تلبية النبي صلى الله عليه وسلم لبيك إله الحق وللحاكم عن ابن عباس أنه صلى الله عليه وسلم وقف بعرفات فلما قال لبيك اللهم لبيك قال إنما الخير خير الآخرة وللدارقطني في العلل عن أنس أنه عليه السلام قال لبيك حجًا حقًا تعبدا ورقًا وفي مسلم في الحديث الطويل عن جابر حتى استوت به ناقته على البيداء أهل بالتوحيد لبيك اللهم إلى آخره قال وأهل الناس بهذا الذي يهلون به فلم يزد عليهم شيئًا منه ولزم تلبيته وفي أبي داود عن جابر قال أهل رسول الله صلى الله عليه وسلم فذكر التلبية مثل حديث ابن عمر قال والناس يزيدون ذا المعارج ونحوه من الكلام والنبي صلى الله عليه وسلم يسمع فلا يقول لهم شيئًا وفي ابن ماجه عن علي نحوه وأجاب من قال بالكراهة بأن هذا كله يدل على أن الاقتصار على تلبية الرسول أفضل لمداومته هو صلى الله عليه وسلم عليها وأما عدم نهيهم عن الزيادة فلئلا يتوهم المنع كما أن زيادته هو ما ذكر في بعض الأماكن لبيان الجواز وفيه مشروعية التلبية وهو إجماع وأوجبها أبو حنيفة ويجزي عنده ما في معناها من تسبيح وتهليل وسائر الأذكار كما قاله هو أن التسبيح وغيره يقوم في الإحرام بالصلاة مقام التكبير وقال مالك والشافعي سنة ثم اختلفا فأوجب مالك في تركها الدم ولم يوجبه الشافعي وقال بوجوبها ابن حبيب والباجي وقال قول أصحابنا سنة معناه عندي أنها ليست شرطًا في صحة الحج وإلا فهي واجبة بدليل أن في تركها الدم فهي واجبة غير شرط فهو فرق ما بيننا وبين أبي حنيفة فإنها عنده واجبة شرطًا ومع ذلك لا يتعين عنده لفظها بل يكفي ما في معناه من ذكر وهذا الحديث رواه البخاري عن عبد الله بن يوسف ومسلم عن يحيى وأبو داود عن القعنبي والنسائي عن قتيبة أربعتهم عن مالك به إلا أن البخاري لم يذكر زيادة ابن عمر وتابع مالكًا الليث عند الترمذي وعبيد الله بن عمر عند ابن ماجه كلاهما عن نافع به ( مالك عن هشام بن عروة عن أبيه) مرسل وصله الشيخان وغيرهما من حديث أنس ومن طريق صالح بن كيسان عن نافع عن ابن عمر ( أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يصلي في مسجد ذي الحليفة ركعتين) سنة الإحرام ففيه صلاتهما قبل الإحرام وأنهما نافلة وبه قال الجمهور سلفًا وخلفًا واستحب الحسن البصري الإحرام بعد صلاة فرض لأنه روى أن الركعتين كانتا الصبح وأجيب بأن هذا لم يثبت ( فإذا استوت به راحلته) ولمسلم في حديث ابن عمر استوت به الناقة قائمة ( أهل) أي رفع صوته بالتلبية عند الدخول في الإحرام وفيه دليل لمالك والشافعي والجمهور أن الأفضل أن يهل إذا انبعثت به راحلته وتوجه لطريقه ماشيًا وقال الحنفية الأفضل عقب الصلاة لما في أبي داود والترمذي وحسنه عن ابن عباس أنه صلى الله عليه وسلم أهل بالحج حين فرغ من الركعتين وأجيب بأنه حديث ضعيف كما قاله النووي والمنذري وإن حسنه الترمذي وسكت عليه أبو داود لأن فيه خصيف بن عبد الرحمن ضعيف عند الجمهور ووثقه ابن معين وأبو زرعة ( مالك عن موسى بن عقبة) بضم العين وسكون القاف ( عن سالم بن عبد الله) بن عمر ( أنه سمع أباه يقول بيداؤكم) بالمد ( هذه) التي فوق علمي ذي الحليفة لمن صعد الوادي قاله أبو عبيد البكري وغيره وأضافها إليهم لكونهم كذبوا بسببها كذبًا يحصل لها به الشرف ( التي تكذبون على رسول الله صلى الله عليه وسلم فيها) أي بسببها ففي للتعليل نحو { { لمتنني فيه } }{ { لمسكم فيما أفضتم } } وحديث دخلت النار امرأة في هرة فتقولون إنه أحرم منها ولم يحرم منها ( ما أهل) وللحميدي عن سفيان عن ابن عيينة بسنده والله ما أهل ( رسول الله صلى الله عليه وسلم إلا من عند المسجد يعني مسجد ذي الحليفة) ولمسلم من طريق حاتم بن إسماعيل عن موسى ما أهل إلا من عند الشجرة حين قام به بعيره ولا خلف فالشجرة عند المسجد قال الحافظ وكان ابن عمر ينكر رواية ابن عباس عند البخاري بلفظ ركب راحلته حتى استوت به على البيداء أهل وقد أزال الإشكال ما رواه أبو داود والحاكم من طريق سعيد بن جبير قلت لابن عباس عجبت لاختلاف أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم في إهلاله فقال إني لأعلم الناس بذلك إنما كانت من رسول الله صلى الله عليه وسلم حجة واحدة فمن هناك اختلفوا خرج صلى الله عليه وسلم حاجًا فلما صلى في مسجد ذي الحليفة ركعتين أوجب في مجلسه فأهل بالحج حين فرغ منهما فسمع ذلك منه قوم فحفظوه ثم ركب فلما استقلت به راحلته أهل وأدرك ذلك قوم لم يشهدوا في المرة الأولى فسمعوه حين ذاك فقالوا إنما أهل حين استقلت به راحلته ثم مضى فلما علا شرف البيداء أهل وأدرك ذلك قوم لم يشهدوه فنقل كل واحد ما سمع وإنما كان إهلاله في مصلاه وأيم الله ثم أهل ثانيًا وثالثًا فعلى هذا فكان إنكار ابن عمر على من يخص الإهلال بالقيام على شرف البيداء وقد اتفق فقهاء الأمصار على جواز جميع ذلك وإنما الخلاف في الأفضل انتهى وحديث ابن عباس وإن زال به الإشكال لكن فيه خصيف بن عبد الرحمن ضعيف عند الجمهور ومحمد بن إسحاق الراوي عنه مدلس وفيه مقال وإن صرح بالتحديث ولذا قال النووي والمنذري حديث ضعيف كما مر وعلى تسليم توثيق خصيف وتلميذه فقد عارضه حديث ابن عمر وأنس في الصحيحين وغيرهما أنه إنما أهل حين استوت به ناقته قائمة وقال عياض ليس من شرط الكذب العمد فقول ابن عمر محمول على أن ذلك وقع منهم سهوًا إذ لا يظن به نسبة الصحابة إلى الكذب الذي لا يحل وبسط هذا الولي العراقي فقال إن قلت كيف جعلهم كاذبين مع أنه وقع منهم باجتهاد فلا يطلق عليهم الكذب وإنما يطلق الخطأ قلت الكذب عند أهل السنة الإخبار عن الشيء بخلاف ما هو عليه عمدًا كان أو غلطًا أو سهوًا والعمد شرط للإثم خلافًا للمعتزلة في جعله شرطًا في صدق اسم الكذب فإن قلت كان ينبغي الاحتراز عن هذه اللفظة لأن المفهوم منها الذم والقائلون بذلك غير مذمومين بل مشكورون لصدوره عن اجتهاد قلت أراد ابن عمر التنفير من هذه المقالة وتشنيعها على قائلها ليحذر مع صدق اللفظ الذي ذكره فإن قلت يحصل مقصوده بكونه صلى الله عليه وسلم أحرم من المسجد ولا حاجة إلى إنكار كونه أهل أي رفع صوته بالتلبية بعد وصوله إلى البيداء إذ هو غير منافٍ للإحرام السابق قلت إنما أراد إنكار كون ابتداء الإحرام وقع عند البيداء لا كونه أهل عندها فقوله ما أهل إلا من عند المسجد إهلال مخصوص وهو الذي ابتدأ به الإحرام انتهى وفيه أن الإحرام من الميقات أفضل من دويرة الأهل لأنه صلى الله عليه وسلم لم يحرم من مسجده مع شرفه المعلوم وأخرجه البخاري وأبو داود عن القعنبي ومسلم عن يحيى النيسابوري عن مالك به وتابعه سفيان بن عيينة عند البخاري وغيره وحاتم بن إسماعيل عند مسلم كلاهما عن موسى بن عقبة ( مالك عن سعيد) بكسر العين ( ابن أبي سعيد) كيسان ( المقبري) بضم الباء وفتحها ( عن عبيد بن جريج) بتصغيرهما التيمي مولاهم المدني ثقة قال الحافظ وليس بينه وبين عبد الملك بن عبد العزيز بن جريج المكي مولى بني أمية نسب فقد يظن أن هذا عمه وليس كذلك وهذا من رواية الأقران لأن عبيدًا وسعيدًا تابعيان من طبقة واحدة ( أنه قال لعبد الله بن عمر يا أبا عبد الرحمن) كنية ابن عمر ( رأيتك تصنع أربعًا) من الخصال ( لم أر أحدًا من أصحابك) أي أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم والمراد بعضهم ( يصنعها) مجتمعة وإن كان يصنع بعضها قاله المازري وظاهر السياق انفراد ابن عمر بما ذكر كان دون غيره ممن رآهم عبيد ( قال وما هن يا ابن جريج قال رأيتك لا تمس من الأركان) الأربعة للكعبة ( إلا) الركنين ( اليمانيين) بتخفيف الياء لأن الألف بدل من إحدى يائي النسب ولا يجمع بين البدل والمبدل وفي لغة قليلة تشديدها على أن الألف زائدة لا بدل والمراد بهما الركن اليماني والركن الذي فيه الحجر الأسود وهو العراقي لأنه إلى جهته تغليبًا ولم يقع التغليب باعتبار الأسود خوف الاشتباه على جاهل ولم يقع باعتبار العراقيين لخفة اليمانيين والتخفيف من محسنات التغليب وظاهره أن غير ابن عمر من الصحابة الذين رآهم عبيد كانوا يستلمون الأركان كلها وصح ذلك عن معاوية وابن الزبير وروي عن الحسن والحسين وجابر ( ورأيتك تلبس) بفتح أوله وثالثه ( النعال السبتية) بكسر السين المهملة وسكون الموحدة ففوقية أي التي لا شعر فيها مشتق من السبت وهو الحلق قاله الأزهري أو لأنها سبتت بالدباغ أي لانت قال أبو عمرو الشيباني السبت كل جلد مدبوغ وقال أبو زيد جلود البقر مدبوغة أم لا أو نوع من الدباغ يقلع الشعر أو جلد البقر المدبوغ بالقرظ وقيل بالسبت بضم أوله نبت يدبغ به قاله صاحب المنتهى وقال الداودي هي منسوبة إلى موضع يقال له سوق السبت وقال ابن وهب كانت سوداء لا شعر فيها وقيل هي التي لا شعر عليها أي لون كانت ومن أي جلد كانت وبأي دباغ دبغت وقال عياض في الإكمال الأصح عندي أن اشتقاقها وإضافتها إلى السبت الذي هو الجلد المدبوغ أو إلى الدباغة لأن السين مكسورة ولو كانت من السبت الذي هو الحلق كما قال الأزهري وغيره لكانت النسبة سبتية بالفتح ولم يروها أحد في هذا الحديث ولا غيره ولا في الشعر فيما علمت إلا بالكسر قال وكان من عادة العرب لبس النعال بشعرها غير مدبوغة وكانت المدبوغة تعمل بالطائف وغيره ويلبسها أهل الرفاهية ( ورأيتك تصبغ) بضم الموحدة وحكى فتحها وكسرها ( بالصفرة) ثوبك أو شعرك ( ورأيتك إذا كنت) مستقرًا ( بمكة أهل الناس) أي رفعوا أصواتهم بالتلبية للإحرام بحج أو عمرة ( إذا رأوا الهلال) أي هلال ذي الحجة ( ولم تهلل) بلامين بفك الإدغام ( أنت حتى يكون) أي يوجد وفي رواية كان أي وجد ( يوم) بالرفع فاعل يكون التامة والنصب خبر على أنها ناقصة ( التروية) ثامن ذي الحجة لأن الناس كانوا يروون فيه من الماء أي يحملونه من مكة إلى عرفات ليستعملوه شربًا وغيره وقيل غير ذلك ( فتهل أنت) وتبين من جوابه أنه كان لا يهل حتى يركب قاصدًا إلى منى ( فقال عبد الله بن عمر أما الأركان فإني لم أر رسول الله صلى الله عليه وسلم يمس) وفي رواية يستلم منها ( إلا) الركنين ( اليمانيين) بالتخفيف لأنهما على قواعد إبراهيم ومسهما واستلامهما مختلف فالعراقي مسه وهو استلامه التقبيل لاختصاصه بالحجر الأسود إن قدر وإلا فبيده أو بعود ثم وضعه على فيه بلا تقبيل واليماني مسه بيده ثم يضعها على فيه بلا تقبيل ولا يمسه بفيه بخلاف الشاميين فليسا على قواعد إبراهيم فلم يمسهما فالعلة ذلك قال القابسي لو أدخل الحجر في البيت حتى عاد الشاميان على قواعد إبراهيم استلما قال ابن القصار ولذا لما بنى ابن الزبير الكعبة على قواعده استلم الأركان كلها والذي قاله الجمهور سلفًا وخلفًا أن الشاميين لا يستلمان قال عياض واتفق عليه أئمة الأمصار والفقهاء وإنما كان الخلاف في ذلك في العصر الأول من بعض الصحابة وبعض التابعين ثم ذهب وقال بعض العلماء اختصاص الركنين بين بالسنة ومستند التعميم القياس وأجاب الشافعي عن قول من قال ليس شيء من البيت مهجورًا بأنا لم ندع استلامهما هجرًا للبيت وكيف يهجره وهو يطوف به ولكنا نتبع السنة فعلاً أو تركًا ولو كان ترك استلامهما هجرًا لهما لكان ترك استلام ما بين الأركان هجرًا لها ولا قائل به ( وأما النعال السبتية فإني رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يلبس النعال التي ليس فيها شعر) أشار إلى تفسيرها بذلك وهكذا قال جماهير أهل اللغة والغريب والحديث أنها التي لا شعر فيها ( ويتوضأ فيها) أي النعال أي يتوضأ ويلبسها ورجلاه رطبتان قاله النووي ( فأنا أحب أن ألبسهما) اقتداءً به ( وأما الصفرة فإني رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يصبغ بها فأنا أحب أن أصبغ بها) قال المازري قيل المراد صبغ الشعر وقيل صبغ الثوب قال والأشبه الثاني لأنه أخبر أنه صلى الله عليه وسلم صبغ ولم ينقل عنه صلى الله عليه وسلم أنه صبغ شعره قال عياض وهذا أظهر الوجهين وقد جاءت آثار عن ابن عمر بين فيها تصفير ابن عمر لحيته واحتج بأنه صلى الله عليه وسلم كان يصفر لحيته بالورس والزعفران رواه أبو داود وذكر أيضًا في حديث آخر احتجاجه بأن النبي صلى الله عليه وسلم كان يصبغ بها ثيابه حتى عمامته وأجيب عن الأول باحتمال أنه كان مما يتطيب به لا أنه كان يصبغ بها شعره وقال ابن عبد البر لم يكن صلى الله عليه وسلم يصبغ بالصفرة إلا ثيابه وأما الخضاب فلم يكن يخضب وتعقبه في المفهم بأن في سنن أبي داود عن أبي رمثة قال انطلقت مع أبي نحو النبي صلى الله عليه وسلم فإذا هو ذو وفرة وفيها ردع من حناء وعليه بردان أخضران قال الولي العراقي وكأن ابن عبد البر إنما أراد نفي الخضاب في لحيته فقط ( وأما الإهلال فإني لم أر رسول الله صلى الله عليه وسلم يهل حتى تنبعث به راحلته) أي تستوي قائمة إلى طريقه قال المازري ما تقدم من جواباته نص في عين ما سئل عنه ولما لم يكن عنده نص في الرابع أجاب بضرب من القياس ووجهه أنه لما رآه في حجه من غير مكة إنما يهل عند الشروع في الفعل أخر هو إلى يوم التروية لأنه الذي يبتدأ فيه بأعمال الحج من الخروج إلى منى وغيره وقال القرطبي أبعد من قال هذا قياس بل هو تمسك بنوع الفعل الذي رآه يفعله وتعقب بأن ابن عمر ما رآه صلى الله عليه وسلم أحرم من مكة يوم التروية كما رآه استلم الركنين اليمانيين فقط بل رآه أحرم من ذي الحليفة حين استوت به راحلته فقاس الإحرام من مكة على الإحرام من الميقات لأنها ميقات الكائن بمكة فأحرم يوم التروية لأنه يوم التوجه إلى منى والشروع في العمل قياسًا على إحرامه صلى الله عليه وسلم من الميقات حين توجه إلى مكة فالظاهر قول المازري وقد قال ابن عبد البر جاء ابن عمر بحجة قاطعة نزع بها فأخذ بالعموم في إهلاله صلى الله عليه وسلم ولم يخص مكة من غيرها فكأنه قال لا يهل الحاج إلا في وقت يتصل له عمله وقصده إلى البيت ومواضع المناسك والشعائر لأنه صلى الله عليه وسلم أهل واتصل له عمله ووافق ابن عمر على هذا جماعة من السلف وبه قال الشافعي وأصحابه وهو رواية عن مالك والرواية الأخرى الأفضل أن يحرم من أول ذي الحجة قال عياض وحمل شيوخنا رواية استحباب الإهلال يوم التروية على من كان خارجًا من مكة ورواية استحبابه أول الشهر على من كان في مكة وهو قول أكثر الصحابة والعلماء ليحصل له من الشعث ما يساوي من أحرم من الميقات قال النووي والخلاف في الاستحباب وكل منهما جائز بالإجماع وكلام القاضي وغيره يدل على ذلك قال ابن عبد البر في الحديث دليل على أن الاختلاف في الأفعال والأقوال والمذاهب كان موجودًا في الصحابة وهو عند العلماء أصح ما يكون من الاختلاف وإنما اختلفوا بالتأويل المحتمل فيما سمعوه ورأوه أو فيما انفرد بعضهم بعلمه دون بعض وما أجمع عليه الصحابة واختلف فيه من بعدهم فليس اختلافهم بشيء وفيه أن الحجة عند الاختلاف السنة وأنها حجة على من خالفها وليس من خالفها حجة عليها ألا ترى أن ابن عمر لم يستوحش من مفارقة أصحابه إذ كان عنده في ذلك علم من النبي صلى الله عليه وسلم ولم يقل له ابن جريج الجماعة أعلم به منك ولعلك وهمت كما يقول اليوم من لا علم له بل انقاد للحق إذ سمعه وهكذا يلزم الجميع انتهى.
وأخرجه البخاري في الطهارة عن عبد الله بن يوسف وفي اللباس وأبو داود في الحج عن القعنبي ومسلم عن يحيى كلهم عن مالك به ( مالك عن نافع أن عبد الله بن عمر كان يصلي في مسجد ذي الحليفة) ركعتين سنة الإحرام ( ثم يخرج فيركب فإذا استوت به راحلته) قائمة ( أحرم) اتباعًا لما رآه من فعل المصطفى لذلك كما في الصحيحين من طريق صالح بن كيسان عن نافع عنه مرفوعًا وفي مسلم من رواية الزهري عن سالم عن أبيه كان صلى الله عليه وسلم يركع بذي الحليفة ركعتين ثم إذا استوت به الناقة قائمة عند مسجد ذي الحليفة أهل ( مالك أنه بلغه أن عبد الملك بن مروان) بن الحكم الأموي أحد ملوك بني أمية ( أهل من عند مسجد ذي الحليفة حين استوت به راحلته وأن أبان) بفتح الهمزة والباء فألف فنون ( ابن عثمان) بن عفان الأموي المدني التابعي الثقة مات سنة خمس ومائة ( أشار عليه) بالإفراد وفي نسخة عليهم أي على عبد الملك ومن معه ( بذلك) فاتبعوه والقصد من هذا أن العمل استمر على فعل المصطفى فيرد على من قال يحرم من البيداء أو عقب صلاة الركعتين.


رقم الحديث 740 وَحَدَّثَنِي عَنْ مَالِكٍ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ أَبِي سَعِيدٍ الْمَقْبُرِيِّ، عَنْ عُبَيْدِ بْنِ جُرَيْجٍ أَنَّهُ قَالَ لِعَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ: يَا أَبَا عَبْدِ الرَّحْمَنِ.
رَأَيْتُكَ تَصْنَعُ أَرْبَعًا لَمْ أَرَ أَحَدًا مِنْ أَصْحَابِكَ يَصْنَعُهَا.
قَالَ: وَمَا هُنَّ يَا ابْنَ جُرَيْجٍ؟ قَالَ: رَأَيْتُكَ لَا تَمَسُّ مِنَ الْأَرْكَانِ إِلَّا الْيَمَانِيَّيْنِ، وَرَأَيْتُكَ تَلْبَسُ النِّعَالَ السِّبْتِيَّةَ، وَرَأَيْتُكَ تَصْبُغُ بِالصُّفْرَةِ، وَرَأَيْتُكَ إِذَا كُنْتَ بِمَكَّةَ أَهَلَّ النَّاسُ إِذَا رَأَوُا الْهِلَالَ، وَلَمْ تُهْلِلْ أَنْتَ حَتَّى يَكُونَ يَوْمُ التَّرْوِيَةِ.
فَقَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ: أَمَّا الْأَرْكَانُ فَإِنِّي لَمْ أَرَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَمَسُّ إِلَّا الْيَمَانِيَّيْنِ،.
وَأَمَّا النِّعَالُ السِّبْتِيَّةُ فَإِنِّي رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَلْبَسُ النِّعَالَ الَّتِي لَيْسَ فِيهَا شَعَرٌ، وَيَتَوَضَّأُ فِيهَا، فَأَنَا أُحِبُّ أَنْ أَلْبَسَهَا.
.
وَأَمَّا الصُّفْرَةُ فَإِنِّي رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَصْبُغُ بِهَا، فَأَنَا أُحِبُّ أَنْ أَصْبُغَ بِهَا.
.
وَأَمَّا الْإِهْلَالُ فَإِنِّي لَمْ أَرَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُهِلُّ حَتَّى تَنْبَعِثَ بِهِ رَاحِلَتُهُ.


( مالك عن نافع عن عبد الله بن عمر أن تلبية رسول الله صلى الله عليه وسلم) مصدر لبى أي قال لبيك ولا يكون عامله إلا مضمرًا ولمسلم من رواية موسى بن عقبة عن نافع عن ابن عمر كان صلى الله عليه وسلم إذا استوت به راحلته عند مسجد ذي الحليفة أهل فقال وللبخاري من طريق الزهري عن سالم عن أبيه سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يهل ملبيًا يقول ( لبيك) لفظ مثنى عند سيبويه ومن تبعه وقال يونس اسم مفرد وألفه إنما انقلبت ياء لاتصالها بالضمير كلدي وعلي ورد بأنها قلبت ياء مع المظهر وعن الفراء نصب على المصدر وأصله لبًا لك فثنى على التأكيد أي إلبابًا بعد إلباب وهذه التثنية ليست حقيقية بل للتكثير أو للمبالغة ومعناه إجابة بعد إجابة لازمة قال ابن الأنباري ومثله حنانيك أي تحننا بعد تحنن وقيل معنى لبيك اتجاهي وقصدي إليك مأخوذ من قولهم داري تلب دارك أي تجاهها وقيل محبتي لك من قولهم امرأة لبة أي محبة وقيل إخلاصي لك من قولهم حسب لباب أي خالص ومنه لب الطعام ولبابه وقيل أنا مقيم على طاعتك من لب الرجل بالمكان أقام وقيل قربًا منك من الإلباب وهو القرب وقيل خاضعًا لك والأول أظهر وأشهر لأن المحرم مستجيب لدعائه تعالى إياه في حج بيته ( اللهم لبيك) أي يا الله أجبناك فيما دعوتنا قال ابن عبد البر قال جماعة من العلماء معنى التلبية إجابة دعوة إبراهيم حين أذن في الناس بالحج قال الحافظ وهذا أخرجه عبد بن حميد وابن جرير وابن أبي حاتم في تفاسيره بأسانيد قوية عن ابن عباس ومجاهد وعطاء وعكرمة وقتادة وغير واحد وأقوى ما فيه ما أخرجه أحمد بن منيع في مسنده وابن أبي حاتم من طريق قابوس بن أبي ظبيان عن أبيه عن ابن عباس قال لما فرغ إبراهيم من بناء البيت قيل له أذن في الناس بالحج قال يا رب وما يبلغ صوتي قال أذن وعلي البلاغ قال فنادى إبراهيم يا أيها الناس كتب عليكم الحج إلى البيت العتيق فسمعه من بين السماء والأرض أفلا ترون الناس يجيبون من أقصى الأرض يلبون ومن طريق ابن جريج عن عطاء عن ابن عباس وفيه فأجابوه بالتلبية في أصلاب الرجال وأرحام النساء وأول من أجابه أهل اليمن فليس حاج يحج من يومئذ إلى أن تقوم الساعة إلا من كان أجاب إبراهيم يومئذ قال الزين بن المنير وفي مشروعية التلبية تنبيه على إكرام الله تعالى لعباده بأن وفودهم على بيته إنما كان باستدعاء منه سبحانه وتعالى ( لبيك) في ذكره ثلاثًا إشارة إلى أن التأكيد اللفظي لا يزاد فيه على ثلاث مرات واتفق عليه البلغاء وأما تكرير { { فبأي آلاء ربكما تكذبان } } و { { ويل يومئذ للمكذبين } } فليس من التأكيد في شيء ( لبيك لا شريك لك لبيك إن الحمد) روي بكسر الهمزة استئناف وفتحها تعليل والكسر أجود عند الجمهور قال ثعلب لأن معناه لك الحمد على كل حال ومعنى الفتح لهذا السبب وقال الخطابي لهج العامة بالفتح وقال ابن عبد البر المعنى عندي واحد لأن من فتح أراد لبيك لأن الحمد لك على كل حال ورد بأن التقييد ليس في الحمد بل في التلبية قال ابن دقيق العيد الكسر أجود لأنه يقتضي أن الإجابة مطلقة غير معللة وأن الحمد والنعمة لله على كل حال والفتح يدل على التعليل كأنه قيل أجبتك لهذا السبب والأول أعم فهو أكثر فائدة ورجح النووي الكسر وهو خلاف نقل الزمخشري أن الشافعي اختار الفتح وأبا حنيفة اختار الكسر وابن قدامة عن أحمد وابن عبد البر عن اختيار أهل العربية لكن قال في اللامع والعدة أنه إذا كسر صار للتعليل أيضًا من حيث إنه استئناف جوابًا عن السؤال عن العلة على ما قرر في البيان ( والنعمة لك) بكسر النون الإحسان والمنة مطلقًا وبالفتح التنعيم قال تعالى { { وذرني والمكذبين أولي النعمة } } أي التنعم في الدنيا وبالنصب على المشهور قال عياض ويجوز الرفع على الابتداء والخبر محذوف أي مستقرة لك وجوز ابن الأنباري أن الموجود خبر المبتدأ وخبر إن هو المحذوف ( والملك) بالنصب أيضًا على المشهور ويجوز الرفع أي كذلك أو محذوف لدلالة الخبر المتقدم عليه قال الزين بن المنير قرن الحمد والنعمة وأفرد الملك لأن الحمد متعلق النعمة ولهذا يقال الحمد لله على نعمه فجمع بينهما كأنه قال لا حمد إلا لك وأما الملك فهو معنى مستقل بنفسه ذكر لتحقيق أن النعمة كلها لله لأنه صاحب الملك ( لا شريك لك) في ملكك ( قال) نافع ( وكان عبد الله بن عمر يزيد فيها) فيقول ( لبيك لبيك لبيك) ثلاث مرات كما في المرفوع إلا أن فيه الفصل بين الأولى والثانية بلفظ اللهم ( وسعديك) قال عياض إفرادها وتثنيتها كلبيك ومعناه ساعدت طاعتك مساعدة بعد مساعدة وإسعادًا بعد إسعاد ولذا ثنى وهو من المصادر المنصوبة بفعل لا يظهر في الاستعمال قال الجرمي لم يسمع سعديك مفردًا ( والخير بيديك) أي الخير كله بيد الله ومن فضله أي بقدرته وكرمه قال ابن دقيق العيد وهذا من إصلاح المخاطبة كقوله تعالى وإذا مرضت فهو يشفين ( لبيك والرغبى إليك) قال المازري يروى بفتح الراء والمد وبضم الراء مع القصر قال ونظيره العلياء والعليا والنعماء والنعمى قال عياض وحكى أبو علي فيه أيضًا الفتح مع القصر مثل سكرى ومعناها الطلب والمسألة إلى من بيده الأمر والمقصود بالعمل المستحق للعبادة ( والعمل) إليك أي القصد به والانتهاء به إليك ويحتمل أن يقدر والعمل لك قاله ابن دقيق العيد فإن قيل كيف زاد ابن عمر في التلبية ما ليس منها مع أنه كان شديد التحري لاتباع السنة وفي حديث عند مسلم من رواية سالم عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم لا يزيد على هذه الكلمات أي المذكورة أولاً أجاب الأبي بأنه رأى أن الزيادة على النص ليست نسخًا وأن الشيء وحده كذلك هو مع غيره فزيادته لا تمنع من إتيانه بتلبية النبي صلى الله عليه وسلم أو فهم عدم القصر على أولئك الكلمات وأن الثواب يتضاعف بكثرة العمل واقتصار المصطفى بيان لأقل ما يكفي وأجاب الولي العراقي بأنه ليس فيه خلط السنة بغيرها بل لما أتى بما سمعه ضم إليه ذكرًا آخر في معناه وباب الأذكار لا تحجير فيه إذا لم يؤد إلى تحريف ما قاله النبي صلى الله عليه وسلم فإن الذكر خير موضوع والاستكثار منه حسن على أن أكثر هذا الذي زاده كان صلى الله عليه وسلم يقوله في دعاء استفتاح الصلاة وهو لبيك وسعديك والخير في يديك والشر ليس إليك انتهى.
والجوابان متقاربان وفي مسلم عن ابن عمر كان عمر يهل بإهلال رسول الله صلى الله عليه وسلم من هؤلاء الكلمات ويقول لبيك اللهم لبيك وسعديك إلى آخر ما زاده هنا قال الحافظ فعرف أنه اقتدى بأبيه وأخرج ابن أبي شيبة عن المسور بن مخرمة قال كانت تلبية عمر فذكر مثل المرفوع وزاد لبيك مرغوبًا ومرهوبًا إليك ذا النعماء والفضل الحسن انتهى.
وقد استحب العلماء الاقتصار على تلبية الرسول واختلفوا في جواز الزيادة عليها وكراهتها وبه قال مالك والشافعي في أحد قوليه لأنه صلى الله عليه وسلم علمهم التلبية كما في حديث عمرو بن معدي كرب ثم فعلها هو ولم يقل لبوا بما شئتم مما هو من جنس هذا بل علمهم كما علمهم التكبير في الصلاة فلا ينبغي أن يتعدى في ذلك شيئًا مما علمه وأخرج الطحاوي عن سعد بن أبي وقاص أنه سمع رجلاً يقول لبيك ذا المعارج فقال إنه لذو المعارج وما هكذا كنا نلبي على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم وقال آخرون يجوز بلا كراهة لفعل عمر وابنه وفي النسائي عن ابن مسعود كان من تلبية النبي صلى الله عليه وسلم فذكره فدل على أنه كان يلبي بغيرها وله ولابن ماجه وابن حبان والحاكم عن أبي هريرة كان من تلبية النبي صلى الله عليه وسلم لبيك إله الحق وللحاكم عن ابن عباس أنه صلى الله عليه وسلم وقف بعرفات فلما قال لبيك اللهم لبيك قال إنما الخير خير الآخرة وللدارقطني في العلل عن أنس أنه عليه السلام قال لبيك حجًا حقًا تعبدا ورقًا وفي مسلم في الحديث الطويل عن جابر حتى استوت به ناقته على البيداء أهل بالتوحيد لبيك اللهم إلى آخره قال وأهل الناس بهذا الذي يهلون به فلم يزد عليهم شيئًا منه ولزم تلبيته وفي أبي داود عن جابر قال أهل رسول الله صلى الله عليه وسلم فذكر التلبية مثل حديث ابن عمر قال والناس يزيدون ذا المعارج ونحوه من الكلام والنبي صلى الله عليه وسلم يسمع فلا يقول لهم شيئًا وفي ابن ماجه عن علي نحوه وأجاب من قال بالكراهة بأن هذا كله يدل على أن الاقتصار على تلبية الرسول أفضل لمداومته هو صلى الله عليه وسلم عليها وأما عدم نهيهم عن الزيادة فلئلا يتوهم المنع كما أن زيادته هو ما ذكر في بعض الأماكن لبيان الجواز وفيه مشروعية التلبية وهو إجماع وأوجبها أبو حنيفة ويجزي عنده ما في معناها من تسبيح وتهليل وسائر الأذكار كما قاله هو أن التسبيح وغيره يقوم في الإحرام بالصلاة مقام التكبير وقال مالك والشافعي سنة ثم اختلفا فأوجب مالك في تركها الدم ولم يوجبه الشافعي وقال بوجوبها ابن حبيب والباجي وقال قول أصحابنا سنة معناه عندي أنها ليست شرطًا في صحة الحج وإلا فهي واجبة بدليل أن في تركها الدم فهي واجبة غير شرط فهو فرق ما بيننا وبين أبي حنيفة فإنها عنده واجبة شرطًا ومع ذلك لا يتعين عنده لفظها بل يكفي ما في معناه من ذكر وهذا الحديث رواه البخاري عن عبد الله بن يوسف ومسلم عن يحيى وأبو داود عن القعنبي والنسائي عن قتيبة أربعتهم عن مالك به إلا أن البخاري لم يذكر زيادة ابن عمر وتابع مالكًا الليث عند الترمذي وعبيد الله بن عمر عند ابن ماجه كلاهما عن نافع به ( مالك عن هشام بن عروة عن أبيه) مرسل وصله الشيخان وغيرهما من حديث أنس ومن طريق صالح بن كيسان عن نافع عن ابن عمر ( أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يصلي في مسجد ذي الحليفة ركعتين) سنة الإحرام ففيه صلاتهما قبل الإحرام وأنهما نافلة وبه قال الجمهور سلفًا وخلفًا واستحب الحسن البصري الإحرام بعد صلاة فرض لأنه روى أن الركعتين كانتا الصبح وأجيب بأن هذا لم يثبت ( فإذا استوت به راحلته) ولمسلم في حديث ابن عمر استوت به الناقة قائمة ( أهل) أي رفع صوته بالتلبية عند الدخول في الإحرام وفيه دليل لمالك والشافعي والجمهور أن الأفضل أن يهل إذا انبعثت به راحلته وتوجه لطريقه ماشيًا وقال الحنفية الأفضل عقب الصلاة لما في أبي داود والترمذي وحسنه عن ابن عباس أنه صلى الله عليه وسلم أهل بالحج حين فرغ من الركعتين وأجيب بأنه حديث ضعيف كما قاله النووي والمنذري وإن حسنه الترمذي وسكت عليه أبو داود لأن فيه خصيف بن عبد الرحمن ضعيف عند الجمهور ووثقه ابن معين وأبو زرعة ( مالك عن موسى بن عقبة) بضم العين وسكون القاف ( عن سالم بن عبد الله) بن عمر ( أنه سمع أباه يقول بيداؤكم) بالمد ( هذه) التي فوق علمي ذي الحليفة لمن صعد الوادي قاله أبو عبيد البكري وغيره وأضافها إليهم لكونهم كذبوا بسببها كذبًا يحصل لها به الشرف ( التي تكذبون على رسول الله صلى الله عليه وسلم فيها) أي بسببها ففي للتعليل نحو { { لمتنني فيه } }{ { لمسكم فيما أفضتم } } وحديث دخلت النار امرأة في هرة فتقولون إنه أحرم منها ولم يحرم منها ( ما أهل) وللحميدي عن سفيان عن ابن عيينة بسنده والله ما أهل ( رسول الله صلى الله عليه وسلم إلا من عند المسجد يعني مسجد ذي الحليفة) ولمسلم من طريق حاتم بن إسماعيل عن موسى ما أهل إلا من عند الشجرة حين قام به بعيره ولا خلف فالشجرة عند المسجد قال الحافظ وكان ابن عمر ينكر رواية ابن عباس عند البخاري بلفظ ركب راحلته حتى استوت به على البيداء أهل وقد أزال الإشكال ما رواه أبو داود والحاكم من طريق سعيد بن جبير قلت لابن عباس عجبت لاختلاف أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم في إهلاله فقال إني لأعلم الناس بذلك إنما كانت من رسول الله صلى الله عليه وسلم حجة واحدة فمن هناك اختلفوا خرج صلى الله عليه وسلم حاجًا فلما صلى في مسجد ذي الحليفة ركعتين أوجب في مجلسه فأهل بالحج حين فرغ منهما فسمع ذلك منه قوم فحفظوه ثم ركب فلما استقلت به راحلته أهل وأدرك ذلك قوم لم يشهدوا في المرة الأولى فسمعوه حين ذاك فقالوا إنما أهل حين استقلت به راحلته ثم مضى فلما علا شرف البيداء أهل وأدرك ذلك قوم لم يشهدوه فنقل كل واحد ما سمع وإنما كان إهلاله في مصلاه وأيم الله ثم أهل ثانيًا وثالثًا فعلى هذا فكان إنكار ابن عمر على من يخص الإهلال بالقيام على شرف البيداء وقد اتفق فقهاء الأمصار على جواز جميع ذلك وإنما الخلاف في الأفضل انتهى وحديث ابن عباس وإن زال به الإشكال لكن فيه خصيف بن عبد الرحمن ضعيف عند الجمهور ومحمد بن إسحاق الراوي عنه مدلس وفيه مقال وإن صرح بالتحديث ولذا قال النووي والمنذري حديث ضعيف كما مر وعلى تسليم توثيق خصيف وتلميذه فقد عارضه حديث ابن عمر وأنس في الصحيحين وغيرهما أنه إنما أهل حين استوت به ناقته قائمة وقال عياض ليس من شرط الكذب العمد فقول ابن عمر محمول على أن ذلك وقع منهم سهوًا إذ لا يظن به نسبة الصحابة إلى الكذب الذي لا يحل وبسط هذا الولي العراقي فقال إن قلت كيف جعلهم كاذبين مع أنه وقع منهم باجتهاد فلا يطلق عليهم الكذب وإنما يطلق الخطأ قلت الكذب عند أهل السنة الإخبار عن الشيء بخلاف ما هو عليه عمدًا كان أو غلطًا أو سهوًا والعمد شرط للإثم خلافًا للمعتزلة في جعله شرطًا في صدق اسم الكذب فإن قلت كان ينبغي الاحتراز عن هذه اللفظة لأن المفهوم منها الذم والقائلون بذلك غير مذمومين بل مشكورون لصدوره عن اجتهاد قلت أراد ابن عمر التنفير من هذه المقالة وتشنيعها على قائلها ليحذر مع صدق اللفظ الذي ذكره فإن قلت يحصل مقصوده بكونه صلى الله عليه وسلم أحرم من المسجد ولا حاجة إلى إنكار كونه أهل أي رفع صوته بالتلبية بعد وصوله إلى البيداء إذ هو غير منافٍ للإحرام السابق قلت إنما أراد إنكار كون ابتداء الإحرام وقع عند البيداء لا كونه أهل عندها فقوله ما أهل إلا من عند المسجد إهلال مخصوص وهو الذي ابتدأ به الإحرام انتهى وفيه أن الإحرام من الميقات أفضل من دويرة الأهل لأنه صلى الله عليه وسلم لم يحرم من مسجده مع شرفه المعلوم وأخرجه البخاري وأبو داود عن القعنبي ومسلم عن يحيى النيسابوري عن مالك به وتابعه سفيان بن عيينة عند البخاري وغيره وحاتم بن إسماعيل عند مسلم كلاهما عن موسى بن عقبة ( مالك عن سعيد) بكسر العين ( ابن أبي سعيد) كيسان ( المقبري) بضم الباء وفتحها ( عن عبيد بن جريج) بتصغيرهما التيمي مولاهم المدني ثقة قال الحافظ وليس بينه وبين عبد الملك بن عبد العزيز بن جريج المكي مولى بني أمية نسب فقد يظن أن هذا عمه وليس كذلك وهذا من رواية الأقران لأن عبيدًا وسعيدًا تابعيان من طبقة واحدة ( أنه قال لعبد الله بن عمر يا أبا عبد الرحمن) كنية ابن عمر ( رأيتك تصنع أربعًا) من الخصال ( لم أر أحدًا من أصحابك) أي أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم والمراد بعضهم ( يصنعها) مجتمعة وإن كان يصنع بعضها قاله المازري وظاهر السياق انفراد ابن عمر بما ذكر كان دون غيره ممن رآهم عبيد ( قال وما هن يا ابن جريج قال رأيتك لا تمس من الأركان) الأربعة للكعبة ( إلا) الركنين ( اليمانيين) بتخفيف الياء لأن الألف بدل من إحدى يائي النسب ولا يجمع بين البدل والمبدل وفي لغة قليلة تشديدها على أن الألف زائدة لا بدل والمراد بهما الركن اليماني والركن الذي فيه الحجر الأسود وهو العراقي لأنه إلى جهته تغليبًا ولم يقع التغليب باعتبار الأسود خوف الاشتباه على جاهل ولم يقع باعتبار العراقيين لخفة اليمانيين والتخفيف من محسنات التغليب وظاهره أن غير ابن عمر من الصحابة الذين رآهم عبيد كانوا يستلمون الأركان كلها وصح ذلك عن معاوية وابن الزبير وروي عن الحسن والحسين وجابر ( ورأيتك تلبس) بفتح أوله وثالثه ( النعال السبتية) بكسر السين المهملة وسكون الموحدة ففوقية أي التي لا شعر فيها مشتق من السبت وهو الحلق قاله الأزهري أو لأنها سبتت بالدباغ أي لانت قال أبو عمرو الشيباني السبت كل جلد مدبوغ وقال أبو زيد جلود البقر مدبوغة أم لا أو نوع من الدباغ يقلع الشعر أو جلد البقر المدبوغ بالقرظ وقيل بالسبت بضم أوله نبت يدبغ به قاله صاحب المنتهى وقال الداودي هي منسوبة إلى موضع يقال له سوق السبت وقال ابن وهب كانت سوداء لا شعر فيها وقيل هي التي لا شعر عليها أي لون كانت ومن أي جلد كانت وبأي دباغ دبغت وقال عياض في الإكمال الأصح عندي أن اشتقاقها وإضافتها إلى السبت الذي هو الجلد المدبوغ أو إلى الدباغة لأن السين مكسورة ولو كانت من السبت الذي هو الحلق كما قال الأزهري وغيره لكانت النسبة سبتية بالفتح ولم يروها أحد في هذا الحديث ولا غيره ولا في الشعر فيما علمت إلا بالكسر قال وكان من عادة العرب لبس النعال بشعرها غير مدبوغة وكانت المدبوغة تعمل بالطائف وغيره ويلبسها أهل الرفاهية ( ورأيتك تصبغ) بضم الموحدة وحكى فتحها وكسرها ( بالصفرة) ثوبك أو شعرك ( ورأيتك إذا كنت) مستقرًا ( بمكة أهل الناس) أي رفعوا أصواتهم بالتلبية للإحرام بحج أو عمرة ( إذا رأوا الهلال) أي هلال ذي الحجة ( ولم تهلل) بلامين بفك الإدغام ( أنت حتى يكون) أي يوجد وفي رواية كان أي وجد ( يوم) بالرفع فاعل يكون التامة والنصب خبر على أنها ناقصة ( التروية) ثامن ذي الحجة لأن الناس كانوا يروون فيه من الماء أي يحملونه من مكة إلى عرفات ليستعملوه شربًا وغيره وقيل غير ذلك ( فتهل أنت) وتبين من جوابه أنه كان لا يهل حتى يركب قاصدًا إلى منى ( فقال عبد الله بن عمر أما الأركان فإني لم أر رسول الله صلى الله عليه وسلم يمس) وفي رواية يستلم منها ( إلا) الركنين ( اليمانيين) بالتخفيف لأنهما على قواعد إبراهيم ومسهما واستلامهما مختلف فالعراقي مسه وهو استلامه التقبيل لاختصاصه بالحجر الأسود إن قدر وإلا فبيده أو بعود ثم وضعه على فيه بلا تقبيل واليماني مسه بيده ثم يضعها على فيه بلا تقبيل ولا يمسه بفيه بخلاف الشاميين فليسا على قواعد إبراهيم فلم يمسهما فالعلة ذلك قال القابسي لو أدخل الحجر في البيت حتى عاد الشاميان على قواعد إبراهيم استلما قال ابن القصار ولذا لما بنى ابن الزبير الكعبة على قواعده استلم الأركان كلها والذي قاله الجمهور سلفًا وخلفًا أن الشاميين لا يستلمان قال عياض واتفق عليه أئمة الأمصار والفقهاء وإنما كان الخلاف في ذلك في العصر الأول من بعض الصحابة وبعض التابعين ثم ذهب وقال بعض العلماء اختصاص الركنين بين بالسنة ومستند التعميم القياس وأجاب الشافعي عن قول من قال ليس شيء من البيت مهجورًا بأنا لم ندع استلامهما هجرًا للبيت وكيف يهجره وهو يطوف به ولكنا نتبع السنة فعلاً أو تركًا ولو كان ترك استلامهما هجرًا لهما لكان ترك استلام ما بين الأركان هجرًا لها ولا قائل به ( وأما النعال السبتية فإني رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يلبس النعال التي ليس فيها شعر) أشار إلى تفسيرها بذلك وهكذا قال جماهير أهل اللغة والغريب والحديث أنها التي لا شعر فيها ( ويتوضأ فيها) أي النعال أي يتوضأ ويلبسها ورجلاه رطبتان قاله النووي ( فأنا أحب أن ألبسهما) اقتداءً به ( وأما الصفرة فإني رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يصبغ بها فأنا أحب أن أصبغ بها) قال المازري قيل المراد صبغ الشعر وقيل صبغ الثوب قال والأشبه الثاني لأنه أخبر أنه صلى الله عليه وسلم صبغ ولم ينقل عنه صلى الله عليه وسلم أنه صبغ شعره قال عياض وهذا أظهر الوجهين وقد جاءت آثار عن ابن عمر بين فيها تصفير ابن عمر لحيته واحتج بأنه صلى الله عليه وسلم كان يصفر لحيته بالورس والزعفران رواه أبو داود وذكر أيضًا في حديث آخر احتجاجه بأن النبي صلى الله عليه وسلم كان يصبغ بها ثيابه حتى عمامته وأجيب عن الأول باحتمال أنه كان مما يتطيب به لا أنه كان يصبغ بها شعره وقال ابن عبد البر لم يكن صلى الله عليه وسلم يصبغ بالصفرة إلا ثيابه وأما الخضاب فلم يكن يخضب وتعقبه في المفهم بأن في سنن أبي داود عن أبي رمثة قال انطلقت مع أبي نحو النبي صلى الله عليه وسلم فإذا هو ذو وفرة وفيها ردع من حناء وعليه بردان أخضران قال الولي العراقي وكأن ابن عبد البر إنما أراد نفي الخضاب في لحيته فقط ( وأما الإهلال فإني لم أر رسول الله صلى الله عليه وسلم يهل حتى تنبعث به راحلته) أي تستوي قائمة إلى طريقه قال المازري ما تقدم من جواباته نص في عين ما سئل عنه ولما لم يكن عنده نص في الرابع أجاب بضرب من القياس ووجهه أنه لما رآه في حجه من غير مكة إنما يهل عند الشروع في الفعل أخر هو إلى يوم التروية لأنه الذي يبتدأ فيه بأعمال الحج من الخروج إلى منى وغيره وقال القرطبي أبعد من قال هذا قياس بل هو تمسك بنوع الفعل الذي رآه يفعله وتعقب بأن ابن عمر ما رآه صلى الله عليه وسلم أحرم من مكة يوم التروية كما رآه استلم الركنين اليمانيين فقط بل رآه أحرم من ذي الحليفة حين استوت به راحلته فقاس الإحرام من مكة على الإحرام من الميقات لأنها ميقات الكائن بمكة فأحرم يوم التروية لأنه يوم التوجه إلى منى والشروع في العمل قياسًا على إحرامه صلى الله عليه وسلم من الميقات حين توجه إلى مكة فالظاهر قول المازري وقد قال ابن عبد البر جاء ابن عمر بحجة قاطعة نزع بها فأخذ بالعموم في إهلاله صلى الله عليه وسلم ولم يخص مكة من غيرها فكأنه قال لا يهل الحاج إلا في وقت يتصل له عمله وقصده إلى البيت ومواضع المناسك والشعائر لأنه صلى الله عليه وسلم أهل واتصل له عمله ووافق ابن عمر على هذا جماعة من السلف وبه قال الشافعي وأصحابه وهو رواية عن مالك والرواية الأخرى الأفضل أن يحرم من أول ذي الحجة قال عياض وحمل شيوخنا رواية استحباب الإهلال يوم التروية على من كان خارجًا من مكة ورواية استحبابه أول الشهر على من كان في مكة وهو قول أكثر الصحابة والعلماء ليحصل له من الشعث ما يساوي من أحرم من الميقات قال النووي والخلاف في الاستحباب وكل منهما جائز بالإجماع وكلام القاضي وغيره يدل على ذلك قال ابن عبد البر في الحديث دليل على أن الاختلاف في الأفعال والأقوال والمذاهب كان موجودًا في الصحابة وهو عند العلماء أصح ما يكون من الاختلاف وإنما اختلفوا بالتأويل المحتمل فيما سمعوه ورأوه أو فيما انفرد بعضهم بعلمه دون بعض وما أجمع عليه الصحابة واختلف فيه من بعدهم فليس اختلافهم بشيء وفيه أن الحجة عند الاختلاف السنة وأنها حجة على من خالفها وليس من خالفها حجة عليها ألا ترى أن ابن عمر لم يستوحش من مفارقة أصحابه إذ كان عنده في ذلك علم من النبي صلى الله عليه وسلم ولم يقل له ابن جريج الجماعة أعلم به منك ولعلك وهمت كما يقول اليوم من لا علم له بل انقاد للحق إذ سمعه وهكذا يلزم الجميع انتهى.
وأخرجه البخاري في الطهارة عن عبد الله بن يوسف وفي اللباس وأبو داود في الحج عن القعنبي ومسلم عن يحيى كلهم عن مالك به ( مالك عن نافع أن عبد الله بن عمر كان يصلي في مسجد ذي الحليفة) ركعتين سنة الإحرام ( ثم يخرج فيركب فإذا استوت به راحلته) قائمة ( أحرم) اتباعًا لما رآه من فعل المصطفى لذلك كما في الصحيحين من طريق صالح بن كيسان عن نافع عنه مرفوعًا وفي مسلم من رواية الزهري عن سالم عن أبيه كان صلى الله عليه وسلم يركع بذي الحليفة ركعتين ثم إذا استوت به الناقة قائمة عند مسجد ذي الحليفة أهل ( مالك أنه بلغه أن عبد الملك بن مروان) بن الحكم الأموي أحد ملوك بني أمية ( أهل من عند مسجد ذي الحليفة حين استوت به راحلته وأن أبان) بفتح الهمزة والباء فألف فنون ( ابن عثمان) بن عفان الأموي المدني التابعي الثقة مات سنة خمس ومائة ( أشار عليه) بالإفراد وفي نسخة عليهم أي على عبد الملك ومن معه ( بذلك) فاتبعوه والقصد من هذا أن العمل استمر على فعل المصطفى فيرد على من قال يحرم من البيداء أو عقب صلاة الركعتين.


رقم الحديث 741 وَحَدَّثَنِي عَنْ مَالِكٍ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ دينَارٍ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ أَنَّهُ قَالَ: أَمَرَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَهْلَ الْمَدِينَةِ أَنْ يُهِلُّوا مِنْ ذِي الْحُلَيْفَةِ، وَأَهْلَ الشَّامِ مِنَ الْجُحْفَةِ، وَأَهْلَ نَجْدٍ مِنْ قَرْنٍ، قَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ: أَمَّا هَؤُلَاءِ الثَّلَاثُ فَسَمِعْتُهُنَّ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَأُخْبِرْتُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: وَيُهِلُّ أَهْلُ الْيَمَنِ مِنْ يَلَمْلَمَ.


( مالك عن نافع عن عبد الله بن عمر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال) وللبخاري من طريق الليث عن نافع عن ابن عمر أن رجلاً قام في المسجد فقال يا رسول الله من أين تأمرنا أن نهل قال ( يهل) بضم أوله يحرم ( أهل المدينة) بصيغة الخبر مرادًا به الأمر أي مدينته صلى الله عليه وسلم ( من ذي الحليفة) بالحاء المهملة والفاء مصغر حلفة نبات معروف وهي قرية خربة بينها وبين مكة مائتا ميل قاله ابن حزم وقال غيره بينهما عشرة مراحل أو تسعة وبينها وبين المدينة ستة أميال وقول ابن الصباغ ميل واحد وهم يرده الحس وبها مسجد يعرف بمسجد الشجرة خراب وبها بئر يقال لها بئر علي وهي أبعد المواقيت من مكة فقيل حكمة ذلك أن يعظم أجور أهل المدينة وقيل رفقًا بأهل الآفاق لأن المدينة أقرب الآفاق إلى مكة أي من له ميقات معين ( ويهل أهل الشام) زاد النسائي من حديث عائشة ومصر وزاد الشافعي في روايته والمغرب ( من الجحفة) بضم الجيم وسكون المهملة وهي قرية خربة بينها وبين مكة خمس مراحل أو ستة وقول النووي ثلاث مراحل فيه نظر وهي مهيعة بفتح الميم وسكون الهاء وفتح التحتية بوزن علقمة وقيل بوزن لطيفة والمشهور الأول وسميت الجحفة لأن السيل أجحف بها قال ابن الكلبي كان العماليق يسكنون يثرب فوقع بينهم وبين بني عبيل بفتح المهملة وكسر الموحدة وهم إخوة عاد فأخرجوهم من يثرب فنزلوا مهيعة فجاء سيل فأجحفهم أي استأصلهم فسميت الجحفة والمصريون الآن يحرمون من رابغ براء وموحدة وغين معجمة قرب الجحفة لكثرة حماها فلا ينزلها أحد إلا حم ( ويهل أهل نجد) كل مكان مرتفع وهو اسم لعشرة مواضع والمراد هنا التي أعلى تهامة واليمن وأسفلها الشام والعراق ( من قرن) بفتح القاف وسكون الراء فنون بلا إضافة وفي حديث ابن عباس في الصحيحين قرن المنازل بلفظ جمع المنزل والمركب الإضافي هو اسم المكان وضبط الجوهري قرن بفتح الراء وغلطوه وبالغ النووي فحكى الاتفاق على تخطئته في ذلك وفي نسبة أويس القرني إليه وإنما هو منسوب إلى قبيلة بني قرن بطن من مراد لكن حكى عياض عن القابسي أن من سكن الراء أراد الجبل ومن فتح أراد الطريق والجبل المذكور بينه وبين مكة من جهة المشرق مرحلتان وفي أخبار مكة للفاكهي أن قرن الثعالب جبل مشرف على أسفل منى بينه وبين مسجد منى ألف وخمسمائة ذراع سمي قرن الثعالب لكثرة ما كان يأوي إليه من الثعالب فقد ظهر أنه ليس من المواقيت ( قال عبد الله بن عمر) بن الخطاب راوي الحديث ( وبلغني أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال ويهل أهل اليمن من يلملم) بفتح التحتية واللام وسكون الميم وفتح اللام مكان على مرحلتين من مكة بينهما ثلاثون ميلاً ويقال ألملم بالهمزة وهو الأصل والياء تسهيل لها وحكى ابن السيد فيه يرمرم براءين بدل اللامين وللبخاري من طريق الليث عن نافع عن ابن عمر لم أفقه هذه من النبي صلى الله عليه وسلم وفي الصحيحين عن سالم عن أبيه وزعموا أن النبي صلى الله عليه وسلم قال ولم أسمعه ويهل أهل اليمن من يلملم وهو من استعمال الزعم على القول المحقق وهو يشعر بأن الذي بلغ ابن عمر ذلك جماعة وقد ثبت ذلك عن ابن عباس في الصحيحين وجابر عند مسلم إلا أنه قال أحسبه رفعه وعائشة عند النسائي والحارث بن عمر والسهمي عند أحمد وأبي داود والنسائي قال ابن عبد البر اتفقوا على أن ابن عمر لم يسمع ذلك من النبي صلى الله عليه وسلم ولا خلاف بين العلماء أن مرسل الصاحب صحيح حجة وكأنه لم يعتبر قول أبي إسحاق الأسفرايني أنه ليس بحجة وهذا الحديث رواه البخاري عن عبد الله بن يوسف ومسلم عن يحيى وأبو داود عن القعنبي وأحمد بن يونس كلهم عن مالك به ( مالك عن عبد الله بن دينار عن عبد الله بن عمر أنه قال أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم أهل المدينة أن يهلوا من ذي الحليفة) ففي هذا أن الخبر في رواية نافع مراد به الأمر ولذا أتى به الإمام تلوه فهو من حسن التأليف ( وأهل الشام) ومصر والمغرب ( من الجحفة وأهل نجد من قرن) أي قرن المنازل لا قرن الثعالب ( قال عبد الله بن عمر أما هؤلاء الثلاث فسمعتهن من رسول الله صلى الله عليه وسلم وأخبرت أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال ويهل أهل اليمن من يلملم) ولم أسمع ذلك منه وحكى الأثرم عن أحمد أنه سئل أي سنة وقت النبي صلى الله عليه وسلم المواقيت فقال عام حج وفي الحديثين حرمة مجاوزة هذه المواقيت لمريد الحج أو العمرة بلا إحرام وبه قال الأئمة الأربعة والجمهور وقالوا عليه الدم لكن بدليل آخر وذهب عطاء والنخعي إلى عدم الوجوب وقال سعيد بن جبير لا يصح حجه وقال الحسن يجب عليه العود للميقات فإن لم يعد حتى تم حجه رجع للميقات وأهل منه بعمرة قال ابن عبد البر وهذه الأقاويل الثلاثة شاذة ضعيفة فلو رجع للميقات قبل التلبس بالنسك سقط عنه الدم عند الجمهور قال مالك بشرط أن لا يبعد وأبو حنيفة بشرط أن يعود ملبيًا وقال أحمد لا يسقط وهذا فيمن لم يكن بين يديه ميقاته فأما كمصري وشامي أراد النسك فمر بالمدينة فميقاته ذو الحليفة لاجتيازه عليها ولا يؤخر حتى يأتي الجحفة التي هي ميقاته الأصلي فإن أخر أساء ولزمه دم عند الجمهور وقول النووي بلا خلاف قال الأبي والولي العراقي والحافظ لعله أراد في مذهب الشافعي وإلا فالمعروف عند المالكية أن الشامي مثلاً إذا جاوز ذا الحليفة بلا إحرام إلى ميقاته الأصلي وهو الجحفة جاز له ذلك وإن كان الأفضل خلافه وبه قال الحنفية وأبو ثور وابن المنذر من الشافعية كذا قالوا ولا يصح الاعتذار مع وجود قول هذين من الشافعية قال عياض فيه رفق النبي صلى الله عليه وسلم بأمته في توقيت هذه المواقيت فجعل الأمر لأهل الآفاق بالقرب ولأهل المدينة أبعد المواقيت لأنها أقرب الآفاق إلى مكة قال وقال بعض علمائنا في المواقيت حجة لنا أن أقل ما تقصر فيه الصلاة سفر يوم وليلة لأنه أقل مقادير المواقيت لأهل الآفاق والمسافرين حتى يمر بهم سفر وهم محرمون وذلك أن قرن أقرب المواقيت من مكة على يوم وليلة وفيه معجزة من معجزاته صلى الله عليه وسلم وهو ما تضمنه توقيت الجحفة لأهل الشام من الإشارة إلى فتحها وأنها تصير دار الإسلام تحج المسلمون منها ولم تكن ذلك الوقت فتحت ولا شيء منها وهذا الحديث تابع فيه مالكًا إسماعيل بن جعفر عند مسلم وسفيان بن عيينة عند البخاري في الاعتصام كلاهما عن ابن دينار به وزاد فذكر العراق فقال أي ابن عمر لم يكن عراق يومئذ ولأحمد عن صدقة فقال له قائل فأين العراق فقال ابن عمر لم يكن يومئذ عراق وروى الشافعي عن طاوس قال لم يوقت رسول الله صلى الله عليه وسلم ذات عرق ولم يكن حينئذ أهل المشرق وكذا قال مالك في المدونة والشافعي في الأم فميقات ذات عرق ليس منصوصًا عليه وإنما أجمع عليه وبه قطع الغزالي والرافعي في شرح المسند والنووي في شرح مسلم ويدل له ما في البخاري أن أهل العراق أتوا عمر فوقت لهم ذات عرق وصحح الحنفية والحنابلة وجمهور الشافعية والرافعي في الشرح الصغير والنووي في شرح المهذب أنه منصوص وفي مسلم من طريق ابن جريج عن أبي الزبير عن جابر ومهل أهل العراق ذات عرق إلا أنه مشكوك في رفعه لأن أبا الزبير قال سمعت جابرًا قال سمعت أحسبه رفع إلى النبي صلى الله عليه وسلم فذكره لكن قال ابن العراقي قوله أحسبه أي أظنه والظن في باب الرواية يتنزل منزلة اليقين فليس ذلك قادحًا في رفعه وأيضًا فلو لم يصرح برفعه لا يقينًا ولا ظنًا فهو منزل منزلة المرفوع لأنه لا يقال من قبل الرأي وإنما يؤخذ توقيفًا من الشارع لا سيما وقد ضمه جابر إلى المواقيت المنصوص عليها وقد أخرجه أحمد من رواية ابن لهيعة وابن ماجه من رواية إبراهيم بن يزيد كلاهما عن أبي الزبير فلم يشكا في رفعه وروى أحمد وأبو داود والنسائي عن عائشة وعن الحارث بن عمر والسهمي قالا وقت رسول الله صلى الله عليه وسلم لأهل العراق ذات عرق قال الحافظ وهذا يدل على أن للحديث أصلاً فلعل من قال إنه غير منصوص لم يبلغه أو رأى ضعف الحديث باعتبار أن كل طريق منها لا تخلو عن مقال ولذا قال ابن خزيمة روي في ذات عرق أخبار لا يثبت منها شيء عند أهل الحديث وقال ابن المنذر لم نجد فيها حديثًا ثابتًا لكن الحديث بمجموع الطرق يقوى كما ذكرنا وأما من أعله بأن العراق لم تكن فتحت يومئذ فقال ابن عبد البر هي غفلة لأن النبي صلى الله عليه وسلم وقت المواقيت لأهل النواحي قبل الفتوح لأنه علم أنها ستفتح فلا فرق بين الشام والعراق وبهذا أجاب الماوردي وآخرون لكن يظهر أن مراد ابن عمر بقوله لم يكن عراق يومئذٍ أي لم يكن في تلك الجهة ناس مسلمون وسبب ذلك أنه روى الحديث بلفظ أن رجلاً قال يا رسول الله من أين تأمرنا أن نهل فأجابه وكل جهة عينها كان من قبلها ناس مسلمون بخلاف المشرق وأما ما أخرجه أبو داود والترمذي من وجه آخر عن ابن عباس أن النبي صلى الله عليه وسلم وقت لأهل المشرق العقيق فقد تفرد به يزيد بن أبي زياد وهو ضعيف وإن كان حفظه فقد جمع بينه وبين حديث جابر بأن ذات عرق ميقات الوجوب والعقيق ميقات الاستحباب لأنه أبعد من ذات عرق وبأن العقيق ميقات بعض العراقيين وهم أهل المدائن والعقيق ميقات لأهل البصرة كما جاء ذلك في حديث أنس عند الطبراني وإسناده ضعيف وبأن ذات عرق كانت في موضع العقيق الآن ثم حولت وقربت إلى مكة فعلى هذا فذات عرق والعقيق شيء واحد ويتعين الإحرام من العقيق ولم يقل به أحد وإنما قالوا يستحب احتياطًا واستدل به على أن من ليس له ميقات عليه أن يحرم إذا حاذى ميقاتًا من هذه الخمسة ولا شك أن هذه محيطة بالحرم فذو الحليفة شامية ويلملم يمانية فهي تقابله وإن كانت إحداهما أقرب إلى مكة من الأخرى وقرن شرقية والجحفة غربية فهي تقابلها وإن كانت إحداهما كذلك وذات عرق تحاذي قرنا فعلى هذا لا تخلو بقعة من بقاع الأرض من أن تحاذي ميقاتًا من هذه المواقيت ثم المحاذاة مختصة بمن ليس ميقاته أمامه كالمصري يمر ببدر وهي تحاذي ذا الحليفة فليس عليه الإحرام منها بل يؤخر إلى الجحفة والعقيق المذكور هنا واد يتدفق ماؤه في غور تهامة وهو غير العقيق الوارد في حديث أتاني آت من ربي فقال صل في هذا الوادي المبارك يعني العقيق وهو بقرب البقيع بينه وبين المدينة أربعة أميال ( مالك عن نافع أن عبد الله بن عمر أهل) أحرم ( من الفرع) بضم الفاء والراء وبإسكانها موضع بناحية المدينة يقال هي أول قرية مارت إسماعيل وأمه التمر بمكة وفيها عينان يقال لهما الربض والتحف كانتا يسقيان عشرين ألف نخلة كانت لحمزة بن عبد الله بن الزبير والربض منابت الأراك في الأرض قال ابن عبد البر محمله عند العلماء أنه مر بميقات لا يريد إحرامًا ثم بدا له فأهل منه أو جاء إلى الفرع من مكة أو غيرها ثم بدا له في الإحرام كما قاله الشافعي وغيره وقد روى حديث المواقيت ومحال أن يتعداه مع علمه به فيوجب على نفسه دمًا هذا لا يظنه عالم انتهى ( مالك عن الثقة عنده) قيل هو نافع ( أن عبد الله بن عمر أهل من إيلياء) بالمد أي بيت المقدس عام الحكمين لما افترق أبو موسى وعمرو بن العاصي عن غير اتفاق بدومة الجندل فنهض ابن عمر إلى بيت المقدس فأحرم منه كما رواه البيهقي وابن عبد البر وغيرهما مع كونه روى حديث المواقيت فدل على أنه فهم أن المراد منع مجاوزتها حلالاً لا منع الإحرام قبلها وأما الكراهة فقدر آخر لعلة أخرى هي خوف أن يعرض للمحرم إذا بعدت مسافته ما يفسد إحرامه وأما قصيرها فلما فيه من التباس الميقات والتضليل عنه وهذا مذهب مالك وجماعة من السلف فأنكر عمر على عمران بن حصين إحرامه من البصرة وأنكر عثمان على عبد الله بن عامر إحرامه قبل الميقات قال ابن عبد البر وهذا من هؤلاء والله أعلم كراهة أن يضيق المرء على نفسه ما وسع الله عليه وأن يتعرض لما لا يؤمن أن يحدث في إحرامه وكلهم ألزمه الإحرام إذا فعل لأنه زاد ولم ينقص وذهب جماعة إلى جوازه من غير كراهة وقال به الشافعية وإن كان الأفضل الإحرام من الميقات اقتداء بفعله صلى الله عليه وسلم وأما حديث أبي داود عن أم سلمة مرفوعًا من أهل بحجة أو عمرة من المسجد الأقصى غفر له ما تقدم من ذنبه وما تأخر أو وجبت له الجنة ورواه ابن ماجه بلفظ من أهل بعمرة من بيت المقدس كانت كفارة لما قبلها من الذنوب وفي لفظ له من أهل بعمرة من بيت المقدس غفر له فحديث معلول قال المنذري اختلف الرواة في متنه وإسناده اختلافًا كثيرًا وضعفه عبد الحق وغيره ( مالك أنه بلغه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أهل) في ذي القعدة سنة ثمان بعد قسمه غنائم حنين ( من الجعرانة بعمرة) أخرجه أبو داود والترمذي والنسائي من حديث محرش الكعبي الخزاعي عداده في أهل مكة وهو بضم الميم وفتح المهملة وقيل إنها معجمة وكسر الراء الثقيلة بعدها معجمة ضبطه الأمير ابن ماكولا تبعًا لهشام بن يوسف ويحيى بن معين ويقال بسكون الحاء المهملة وفتح الراء وصوبه ابن السكن تبعًا لابن المديني ولفظه عند النسائي رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم خرج من الجعرانة ليلة فنظرت إلى ظهره كأنه سبيكة فضة فاعتمر وأصبح بها كبائت ولفظه عند الترمذي أن رسول الله صلى الله عليه وسلم خرج من الجعرانة ليلاً معتمرًا فدخل مكة ليلاً فقضى عمرته ثم خرج من ليلته فأصبح بالجعرانة كبائت فلما زالت الشمس من الغد خرج في بطن سرف حتى جامع الطريق طريق جمع ببطن سرف فمن أجل ذلك خفيت عمرته على الناس قال الترمذي حسن غريب ولا يعرف لمحرش عن النبي صلى الله عليه وسلم غير هذا الحديث، وقال ابن عبد البر: حديث صحيح انتهى.


رقم الحديث 741 وَحَدَّثَنِي عَنْ مَالِكٍ عَنْ نَافِعٍ، أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عُمَرَ كَانَ يُصَلِّي فِي مَسْجِدِ ذِي الْحُلَيْفَةِ.
ثُمَّ يَخْرُجُ فَيَرْكَبُ.
فَإِذَا اسْتَوَتْ بِهِ رَاحِلَتُهُ أَحْرَمَ.


( مالك عن نافع عن عبد الله بن عمر أن تلبية رسول الله صلى الله عليه وسلم) مصدر لبى أي قال لبيك ولا يكون عامله إلا مضمرًا ولمسلم من رواية موسى بن عقبة عن نافع عن ابن عمر كان صلى الله عليه وسلم إذا استوت به راحلته عند مسجد ذي الحليفة أهل فقال وللبخاري من طريق الزهري عن سالم عن أبيه سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يهل ملبيًا يقول ( لبيك) لفظ مثنى عند سيبويه ومن تبعه وقال يونس اسم مفرد وألفه إنما انقلبت ياء لاتصالها بالضمير كلدي وعلي ورد بأنها قلبت ياء مع المظهر وعن الفراء نصب على المصدر وأصله لبًا لك فثنى على التأكيد أي إلبابًا بعد إلباب وهذه التثنية ليست حقيقية بل للتكثير أو للمبالغة ومعناه إجابة بعد إجابة لازمة قال ابن الأنباري ومثله حنانيك أي تحننا بعد تحنن وقيل معنى لبيك اتجاهي وقصدي إليك مأخوذ من قولهم داري تلب دارك أي تجاهها وقيل محبتي لك من قولهم امرأة لبة أي محبة وقيل إخلاصي لك من قولهم حسب لباب أي خالص ومنه لب الطعام ولبابه وقيل أنا مقيم على طاعتك من لب الرجل بالمكان أقام وقيل قربًا منك من الإلباب وهو القرب وقيل خاضعًا لك والأول أظهر وأشهر لأن المحرم مستجيب لدعائه تعالى إياه في حج بيته ( اللهم لبيك) أي يا الله أجبناك فيما دعوتنا قال ابن عبد البر قال جماعة من العلماء معنى التلبية إجابة دعوة إبراهيم حين أذن في الناس بالحج قال الحافظ وهذا أخرجه عبد بن حميد وابن جرير وابن أبي حاتم في تفاسيره بأسانيد قوية عن ابن عباس ومجاهد وعطاء وعكرمة وقتادة وغير واحد وأقوى ما فيه ما أخرجه أحمد بن منيع في مسنده وابن أبي حاتم من طريق قابوس بن أبي ظبيان عن أبيه عن ابن عباس قال لما فرغ إبراهيم من بناء البيت قيل له أذن في الناس بالحج قال يا رب وما يبلغ صوتي قال أذن وعلي البلاغ قال فنادى إبراهيم يا أيها الناس كتب عليكم الحج إلى البيت العتيق فسمعه من بين السماء والأرض أفلا ترون الناس يجيبون من أقصى الأرض يلبون ومن طريق ابن جريج عن عطاء عن ابن عباس وفيه فأجابوه بالتلبية في أصلاب الرجال وأرحام النساء وأول من أجابه أهل اليمن فليس حاج يحج من يومئذ إلى أن تقوم الساعة إلا من كان أجاب إبراهيم يومئذ قال الزين بن المنير وفي مشروعية التلبية تنبيه على إكرام الله تعالى لعباده بأن وفودهم على بيته إنما كان باستدعاء منه سبحانه وتعالى ( لبيك) في ذكره ثلاثًا إشارة إلى أن التأكيد اللفظي لا يزاد فيه على ثلاث مرات واتفق عليه البلغاء وأما تكرير { { فبأي آلاء ربكما تكذبان } } و { { ويل يومئذ للمكذبين } } فليس من التأكيد في شيء ( لبيك لا شريك لك لبيك إن الحمد) روي بكسر الهمزة استئناف وفتحها تعليل والكسر أجود عند الجمهور قال ثعلب لأن معناه لك الحمد على كل حال ومعنى الفتح لهذا السبب وقال الخطابي لهج العامة بالفتح وقال ابن عبد البر المعنى عندي واحد لأن من فتح أراد لبيك لأن الحمد لك على كل حال ورد بأن التقييد ليس في الحمد بل في التلبية قال ابن دقيق العيد الكسر أجود لأنه يقتضي أن الإجابة مطلقة غير معللة وأن الحمد والنعمة لله على كل حال والفتح يدل على التعليل كأنه قيل أجبتك لهذا السبب والأول أعم فهو أكثر فائدة ورجح النووي الكسر وهو خلاف نقل الزمخشري أن الشافعي اختار الفتح وأبا حنيفة اختار الكسر وابن قدامة عن أحمد وابن عبد البر عن اختيار أهل العربية لكن قال في اللامع والعدة أنه إذا كسر صار للتعليل أيضًا من حيث إنه استئناف جوابًا عن السؤال عن العلة على ما قرر في البيان ( والنعمة لك) بكسر النون الإحسان والمنة مطلقًا وبالفتح التنعيم قال تعالى { { وذرني والمكذبين أولي النعمة } } أي التنعم في الدنيا وبالنصب على المشهور قال عياض ويجوز الرفع على الابتداء والخبر محذوف أي مستقرة لك وجوز ابن الأنباري أن الموجود خبر المبتدأ وخبر إن هو المحذوف ( والملك) بالنصب أيضًا على المشهور ويجوز الرفع أي كذلك أو محذوف لدلالة الخبر المتقدم عليه قال الزين بن المنير قرن الحمد والنعمة وأفرد الملك لأن الحمد متعلق النعمة ولهذا يقال الحمد لله على نعمه فجمع بينهما كأنه قال لا حمد إلا لك وأما الملك فهو معنى مستقل بنفسه ذكر لتحقيق أن النعمة كلها لله لأنه صاحب الملك ( لا شريك لك) في ملكك ( قال) نافع ( وكان عبد الله بن عمر يزيد فيها) فيقول ( لبيك لبيك لبيك) ثلاث مرات كما في المرفوع إلا أن فيه الفصل بين الأولى والثانية بلفظ اللهم ( وسعديك) قال عياض إفرادها وتثنيتها كلبيك ومعناه ساعدت طاعتك مساعدة بعد مساعدة وإسعادًا بعد إسعاد ولذا ثنى وهو من المصادر المنصوبة بفعل لا يظهر في الاستعمال قال الجرمي لم يسمع سعديك مفردًا ( والخير بيديك) أي الخير كله بيد الله ومن فضله أي بقدرته وكرمه قال ابن دقيق العيد وهذا من إصلاح المخاطبة كقوله تعالى وإذا مرضت فهو يشفين ( لبيك والرغبى إليك) قال المازري يروى بفتح الراء والمد وبضم الراء مع القصر قال ونظيره العلياء والعليا والنعماء والنعمى قال عياض وحكى أبو علي فيه أيضًا الفتح مع القصر مثل سكرى ومعناها الطلب والمسألة إلى من بيده الأمر والمقصود بالعمل المستحق للعبادة ( والعمل) إليك أي القصد به والانتهاء به إليك ويحتمل أن يقدر والعمل لك قاله ابن دقيق العيد فإن قيل كيف زاد ابن عمر في التلبية ما ليس منها مع أنه كان شديد التحري لاتباع السنة وفي حديث عند مسلم من رواية سالم عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم لا يزيد على هذه الكلمات أي المذكورة أولاً أجاب الأبي بأنه رأى أن الزيادة على النص ليست نسخًا وأن الشيء وحده كذلك هو مع غيره فزيادته لا تمنع من إتيانه بتلبية النبي صلى الله عليه وسلم أو فهم عدم القصر على أولئك الكلمات وأن الثواب يتضاعف بكثرة العمل واقتصار المصطفى بيان لأقل ما يكفي وأجاب الولي العراقي بأنه ليس فيه خلط السنة بغيرها بل لما أتى بما سمعه ضم إليه ذكرًا آخر في معناه وباب الأذكار لا تحجير فيه إذا لم يؤد إلى تحريف ما قاله النبي صلى الله عليه وسلم فإن الذكر خير موضوع والاستكثار منه حسن على أن أكثر هذا الذي زاده كان صلى الله عليه وسلم يقوله في دعاء استفتاح الصلاة وهو لبيك وسعديك والخير في يديك والشر ليس إليك انتهى.
والجوابان متقاربان وفي مسلم عن ابن عمر كان عمر يهل بإهلال رسول الله صلى الله عليه وسلم من هؤلاء الكلمات ويقول لبيك اللهم لبيك وسعديك إلى آخر ما زاده هنا قال الحافظ فعرف أنه اقتدى بأبيه وأخرج ابن أبي شيبة عن المسور بن مخرمة قال كانت تلبية عمر فذكر مثل المرفوع وزاد لبيك مرغوبًا ومرهوبًا إليك ذا النعماء والفضل الحسن انتهى.
وقد استحب العلماء الاقتصار على تلبية الرسول واختلفوا في جواز الزيادة عليها وكراهتها وبه قال مالك والشافعي في أحد قوليه لأنه صلى الله عليه وسلم علمهم التلبية كما في حديث عمرو بن معدي كرب ثم فعلها هو ولم يقل لبوا بما شئتم مما هو من جنس هذا بل علمهم كما علمهم التكبير في الصلاة فلا ينبغي أن يتعدى في ذلك شيئًا مما علمه وأخرج الطحاوي عن سعد بن أبي وقاص أنه سمع رجلاً يقول لبيك ذا المعارج فقال إنه لذو المعارج وما هكذا كنا نلبي على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم وقال آخرون يجوز بلا كراهة لفعل عمر وابنه وفي النسائي عن ابن مسعود كان من تلبية النبي صلى الله عليه وسلم فذكره فدل على أنه كان يلبي بغيرها وله ولابن ماجه وابن حبان والحاكم عن أبي هريرة كان من تلبية النبي صلى الله عليه وسلم لبيك إله الحق وللحاكم عن ابن عباس أنه صلى الله عليه وسلم وقف بعرفات فلما قال لبيك اللهم لبيك قال إنما الخير خير الآخرة وللدارقطني في العلل عن أنس أنه عليه السلام قال لبيك حجًا حقًا تعبدا ورقًا وفي مسلم في الحديث الطويل عن جابر حتى استوت به ناقته على البيداء أهل بالتوحيد لبيك اللهم إلى آخره قال وأهل الناس بهذا الذي يهلون به فلم يزد عليهم شيئًا منه ولزم تلبيته وفي أبي داود عن جابر قال أهل رسول الله صلى الله عليه وسلم فذكر التلبية مثل حديث ابن عمر قال والناس يزيدون ذا المعارج ونحوه من الكلام والنبي صلى الله عليه وسلم يسمع فلا يقول لهم شيئًا وفي ابن ماجه عن علي نحوه وأجاب من قال بالكراهة بأن هذا كله يدل على أن الاقتصار على تلبية الرسول أفضل لمداومته هو صلى الله عليه وسلم عليها وأما عدم نهيهم عن الزيادة فلئلا يتوهم المنع كما أن زيادته هو ما ذكر في بعض الأماكن لبيان الجواز وفيه مشروعية التلبية وهو إجماع وأوجبها أبو حنيفة ويجزي عنده ما في معناها من تسبيح وتهليل وسائر الأذكار كما قاله هو أن التسبيح وغيره يقوم في الإحرام بالصلاة مقام التكبير وقال مالك والشافعي سنة ثم اختلفا فأوجب مالك في تركها الدم ولم يوجبه الشافعي وقال بوجوبها ابن حبيب والباجي وقال قول أصحابنا سنة معناه عندي أنها ليست شرطًا في صحة الحج وإلا فهي واجبة بدليل أن في تركها الدم فهي واجبة غير شرط فهو فرق ما بيننا وبين أبي حنيفة فإنها عنده واجبة شرطًا ومع ذلك لا يتعين عنده لفظها بل يكفي ما في معناه من ذكر وهذا الحديث رواه البخاري عن عبد الله بن يوسف ومسلم عن يحيى وأبو داود عن القعنبي والنسائي عن قتيبة أربعتهم عن مالك به إلا أن البخاري لم يذكر زيادة ابن عمر وتابع مالكًا الليث عند الترمذي وعبيد الله بن عمر عند ابن ماجه كلاهما عن نافع به ( مالك عن هشام بن عروة عن أبيه) مرسل وصله الشيخان وغيرهما من حديث أنس ومن طريق صالح بن كيسان عن نافع عن ابن عمر ( أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يصلي في مسجد ذي الحليفة ركعتين) سنة الإحرام ففيه صلاتهما قبل الإحرام وأنهما نافلة وبه قال الجمهور سلفًا وخلفًا واستحب الحسن البصري الإحرام بعد صلاة فرض لأنه روى أن الركعتين كانتا الصبح وأجيب بأن هذا لم يثبت ( فإذا استوت به راحلته) ولمسلم في حديث ابن عمر استوت به الناقة قائمة ( أهل) أي رفع صوته بالتلبية عند الدخول في الإحرام وفيه دليل لمالك والشافعي والجمهور أن الأفضل أن يهل إذا انبعثت به راحلته وتوجه لطريقه ماشيًا وقال الحنفية الأفضل عقب الصلاة لما في أبي داود والترمذي وحسنه عن ابن عباس أنه صلى الله عليه وسلم أهل بالحج حين فرغ من الركعتين وأجيب بأنه حديث ضعيف كما قاله النووي والمنذري وإن حسنه الترمذي وسكت عليه أبو داود لأن فيه خصيف بن عبد الرحمن ضعيف عند الجمهور ووثقه ابن معين وأبو زرعة ( مالك عن موسى بن عقبة) بضم العين وسكون القاف ( عن سالم بن عبد الله) بن عمر ( أنه سمع أباه يقول بيداؤكم) بالمد ( هذه) التي فوق علمي ذي الحليفة لمن صعد الوادي قاله أبو عبيد البكري وغيره وأضافها إليهم لكونهم كذبوا بسببها كذبًا يحصل لها به الشرف ( التي تكذبون على رسول الله صلى الله عليه وسلم فيها) أي بسببها ففي للتعليل نحو { { لمتنني فيه } }{ { لمسكم فيما أفضتم } } وحديث دخلت النار امرأة في هرة فتقولون إنه أحرم منها ولم يحرم منها ( ما أهل) وللحميدي عن سفيان عن ابن عيينة بسنده والله ما أهل ( رسول الله صلى الله عليه وسلم إلا من عند المسجد يعني مسجد ذي الحليفة) ولمسلم من طريق حاتم بن إسماعيل عن موسى ما أهل إلا من عند الشجرة حين قام به بعيره ولا خلف فالشجرة عند المسجد قال الحافظ وكان ابن عمر ينكر رواية ابن عباس عند البخاري بلفظ ركب راحلته حتى استوت به على البيداء أهل وقد أزال الإشكال ما رواه أبو داود والحاكم من طريق سعيد بن جبير قلت لابن عباس عجبت لاختلاف أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم في إهلاله فقال إني لأعلم الناس بذلك إنما كانت من رسول الله صلى الله عليه وسلم حجة واحدة فمن هناك اختلفوا خرج صلى الله عليه وسلم حاجًا فلما صلى في مسجد ذي الحليفة ركعتين أوجب في مجلسه فأهل بالحج حين فرغ منهما فسمع ذلك منه قوم فحفظوه ثم ركب فلما استقلت به راحلته أهل وأدرك ذلك قوم لم يشهدوا في المرة الأولى فسمعوه حين ذاك فقالوا إنما أهل حين استقلت به راحلته ثم مضى فلما علا شرف البيداء أهل وأدرك ذلك قوم لم يشهدوه فنقل كل واحد ما سمع وإنما كان إهلاله في مصلاه وأيم الله ثم أهل ثانيًا وثالثًا فعلى هذا فكان إنكار ابن عمر على من يخص الإهلال بالقيام على شرف البيداء وقد اتفق فقهاء الأمصار على جواز جميع ذلك وإنما الخلاف في الأفضل انتهى وحديث ابن عباس وإن زال به الإشكال لكن فيه خصيف بن عبد الرحمن ضعيف عند الجمهور ومحمد بن إسحاق الراوي عنه مدلس وفيه مقال وإن صرح بالتحديث ولذا قال النووي والمنذري حديث ضعيف كما مر وعلى تسليم توثيق خصيف وتلميذه فقد عارضه حديث ابن عمر وأنس في الصحيحين وغيرهما أنه إنما أهل حين استوت به ناقته قائمة وقال عياض ليس من شرط الكذب العمد فقول ابن عمر محمول على أن ذلك وقع منهم سهوًا إذ لا يظن به نسبة الصحابة إلى الكذب الذي لا يحل وبسط هذا الولي العراقي فقال إن قلت كيف جعلهم كاذبين مع أنه وقع منهم باجتهاد فلا يطلق عليهم الكذب وإنما يطلق الخطأ قلت الكذب عند أهل السنة الإخبار عن الشيء بخلاف ما هو عليه عمدًا كان أو غلطًا أو سهوًا والعمد شرط للإثم خلافًا للمعتزلة في جعله شرطًا في صدق اسم الكذب فإن قلت كان ينبغي الاحتراز عن هذه اللفظة لأن المفهوم منها الذم والقائلون بذلك غير مذمومين بل مشكورون لصدوره عن اجتهاد قلت أراد ابن عمر التنفير من هذه المقالة وتشنيعها على قائلها ليحذر مع صدق اللفظ الذي ذكره فإن قلت يحصل مقصوده بكونه صلى الله عليه وسلم أحرم من المسجد ولا حاجة إلى إنكار كونه أهل أي رفع صوته بالتلبية بعد وصوله إلى البيداء إذ هو غير منافٍ للإحرام السابق قلت إنما أراد إنكار كون ابتداء الإحرام وقع عند البيداء لا كونه أهل عندها فقوله ما أهل إلا من عند المسجد إهلال مخصوص وهو الذي ابتدأ به الإحرام انتهى وفيه أن الإحرام من الميقات أفضل من دويرة الأهل لأنه صلى الله عليه وسلم لم يحرم من مسجده مع شرفه المعلوم وأخرجه البخاري وأبو داود عن القعنبي ومسلم عن يحيى النيسابوري عن مالك به وتابعه سفيان بن عيينة عند البخاري وغيره وحاتم بن إسماعيل عند مسلم كلاهما عن موسى بن عقبة ( مالك عن سعيد) بكسر العين ( ابن أبي سعيد) كيسان ( المقبري) بضم الباء وفتحها ( عن عبيد بن جريج) بتصغيرهما التيمي مولاهم المدني ثقة قال الحافظ وليس بينه وبين عبد الملك بن عبد العزيز بن جريج المكي مولى بني أمية نسب فقد يظن أن هذا عمه وليس كذلك وهذا من رواية الأقران لأن عبيدًا وسعيدًا تابعيان من طبقة واحدة ( أنه قال لعبد الله بن عمر يا أبا عبد الرحمن) كنية ابن عمر ( رأيتك تصنع أربعًا) من الخصال ( لم أر أحدًا من أصحابك) أي أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم والمراد بعضهم ( يصنعها) مجتمعة وإن كان يصنع بعضها قاله المازري وظاهر السياق انفراد ابن عمر بما ذكر كان دون غيره ممن رآهم عبيد ( قال وما هن يا ابن جريج قال رأيتك لا تمس من الأركان) الأربعة للكعبة ( إلا) الركنين ( اليمانيين) بتخفيف الياء لأن الألف بدل من إحدى يائي النسب ولا يجمع بين البدل والمبدل وفي لغة قليلة تشديدها على أن الألف زائدة لا بدل والمراد بهما الركن اليماني والركن الذي فيه الحجر الأسود وهو العراقي لأنه إلى جهته تغليبًا ولم يقع التغليب باعتبار الأسود خوف الاشتباه على جاهل ولم يقع باعتبار العراقيين لخفة اليمانيين والتخفيف من محسنات التغليب وظاهره أن غير ابن عمر من الصحابة الذين رآهم عبيد كانوا يستلمون الأركان كلها وصح ذلك عن معاوية وابن الزبير وروي عن الحسن والحسين وجابر ( ورأيتك تلبس) بفتح أوله وثالثه ( النعال السبتية) بكسر السين المهملة وسكون الموحدة ففوقية أي التي لا شعر فيها مشتق من السبت وهو الحلق قاله الأزهري أو لأنها سبتت بالدباغ أي لانت قال أبو عمرو الشيباني السبت كل جلد مدبوغ وقال أبو زيد جلود البقر مدبوغة أم لا أو نوع من الدباغ يقلع الشعر أو جلد البقر المدبوغ بالقرظ وقيل بالسبت بضم أوله نبت يدبغ به قاله صاحب المنتهى وقال الداودي هي منسوبة إلى موضع يقال له سوق السبت وقال ابن وهب كانت سوداء لا شعر فيها وقيل هي التي لا شعر عليها أي لون كانت ومن أي جلد كانت وبأي دباغ دبغت وقال عياض في الإكمال الأصح عندي أن اشتقاقها وإضافتها إلى السبت الذي هو الجلد المدبوغ أو إلى الدباغة لأن السين مكسورة ولو كانت من السبت الذي هو الحلق كما قال الأزهري وغيره لكانت النسبة سبتية بالفتح ولم يروها أحد في هذا الحديث ولا غيره ولا في الشعر فيما علمت إلا بالكسر قال وكان من عادة العرب لبس النعال بشعرها غير مدبوغة وكانت المدبوغة تعمل بالطائف وغيره ويلبسها أهل الرفاهية ( ورأيتك تصبغ) بضم الموحدة وحكى فتحها وكسرها ( بالصفرة) ثوبك أو شعرك ( ورأيتك إذا كنت) مستقرًا ( بمكة أهل الناس) أي رفعوا أصواتهم بالتلبية للإحرام بحج أو عمرة ( إذا رأوا الهلال) أي هلال ذي الحجة ( ولم تهلل) بلامين بفك الإدغام ( أنت حتى يكون) أي يوجد وفي رواية كان أي وجد ( يوم) بالرفع فاعل يكون التامة والنصب خبر على أنها ناقصة ( التروية) ثامن ذي الحجة لأن الناس كانوا يروون فيه من الماء أي يحملونه من مكة إلى عرفات ليستعملوه شربًا وغيره وقيل غير ذلك ( فتهل أنت) وتبين من جوابه أنه كان لا يهل حتى يركب قاصدًا إلى منى ( فقال عبد الله بن عمر أما الأركان فإني لم أر رسول الله صلى الله عليه وسلم يمس) وفي رواية يستلم منها ( إلا) الركنين ( اليمانيين) بالتخفيف لأنهما على قواعد إبراهيم ومسهما واستلامهما مختلف فالعراقي مسه وهو استلامه التقبيل لاختصاصه بالحجر الأسود إن قدر وإلا فبيده أو بعود ثم وضعه على فيه بلا تقبيل واليماني مسه بيده ثم يضعها على فيه بلا تقبيل ولا يمسه بفيه بخلاف الشاميين فليسا على قواعد إبراهيم فلم يمسهما فالعلة ذلك قال القابسي لو أدخل الحجر في البيت حتى عاد الشاميان على قواعد إبراهيم استلما قال ابن القصار ولذا لما بنى ابن الزبير الكعبة على قواعده استلم الأركان كلها والذي قاله الجمهور سلفًا وخلفًا أن الشاميين لا يستلمان قال عياض واتفق عليه أئمة الأمصار والفقهاء وإنما كان الخلاف في ذلك في العصر الأول من بعض الصحابة وبعض التابعين ثم ذهب وقال بعض العلماء اختصاص الركنين بين بالسنة ومستند التعميم القياس وأجاب الشافعي عن قول من قال ليس شيء من البيت مهجورًا بأنا لم ندع استلامهما هجرًا للبيت وكيف يهجره وهو يطوف به ولكنا نتبع السنة فعلاً أو تركًا ولو كان ترك استلامهما هجرًا لهما لكان ترك استلام ما بين الأركان هجرًا لها ولا قائل به ( وأما النعال السبتية فإني رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يلبس النعال التي ليس فيها شعر) أشار إلى تفسيرها بذلك وهكذا قال جماهير أهل اللغة والغريب والحديث أنها التي لا شعر فيها ( ويتوضأ فيها) أي النعال أي يتوضأ ويلبسها ورجلاه رطبتان قاله النووي ( فأنا أحب أن ألبسهما) اقتداءً به ( وأما الصفرة فإني رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يصبغ بها فأنا أحب أن أصبغ بها) قال المازري قيل المراد صبغ الشعر وقيل صبغ الثوب قال والأشبه الثاني لأنه أخبر أنه صلى الله عليه وسلم صبغ ولم ينقل عنه صلى الله عليه وسلم أنه صبغ شعره قال عياض وهذا أظهر الوجهين وقد جاءت آثار عن ابن عمر بين فيها تصفير ابن عمر لحيته واحتج بأنه صلى الله عليه وسلم كان يصفر لحيته بالورس والزعفران رواه أبو داود وذكر أيضًا في حديث آخر احتجاجه بأن النبي صلى الله عليه وسلم كان يصبغ بها ثيابه حتى عمامته وأجيب عن الأول باحتمال أنه كان مما يتطيب به لا أنه كان يصبغ بها شعره وقال ابن عبد البر لم يكن صلى الله عليه وسلم يصبغ بالصفرة إلا ثيابه وأما الخضاب فلم يكن يخضب وتعقبه في المفهم بأن في سنن أبي داود عن أبي رمثة قال انطلقت مع أبي نحو النبي صلى الله عليه وسلم فإذا هو ذو وفرة وفيها ردع من حناء وعليه بردان أخضران قال الولي العراقي وكأن ابن عبد البر إنما أراد نفي الخضاب في لحيته فقط ( وأما الإهلال فإني لم أر رسول الله صلى الله عليه وسلم يهل حتى تنبعث به راحلته) أي تستوي قائمة إلى طريقه قال المازري ما تقدم من جواباته نص في عين ما سئل عنه ولما لم يكن عنده نص في الرابع أجاب بضرب من القياس ووجهه أنه لما رآه في حجه من غير مكة إنما يهل عند الشروع في الفعل أخر هو إلى يوم التروية لأنه الذي يبتدأ فيه بأعمال الحج من الخروج إلى منى وغيره وقال القرطبي أبعد من قال هذا قياس بل هو تمسك بنوع الفعل الذي رآه يفعله وتعقب بأن ابن عمر ما رآه صلى الله عليه وسلم أحرم من مكة يوم التروية كما رآه استلم الركنين اليمانيين فقط بل رآه أحرم من ذي الحليفة حين استوت به راحلته فقاس الإحرام من مكة على الإحرام من الميقات لأنها ميقات الكائن بمكة فأحرم يوم التروية لأنه يوم التوجه إلى منى والشروع في العمل قياسًا على إحرامه صلى الله عليه وسلم من الميقات حين توجه إلى مكة فالظاهر قول المازري وقد قال ابن عبد البر جاء ابن عمر بحجة قاطعة نزع بها فأخذ بالعموم في إهلاله صلى الله عليه وسلم ولم يخص مكة من غيرها فكأنه قال لا يهل الحاج إلا في وقت يتصل له عمله وقصده إلى البيت ومواضع المناسك والشعائر لأنه صلى الله عليه وسلم أهل واتصل له عمله ووافق ابن عمر على هذا جماعة من السلف وبه قال الشافعي وأصحابه وهو رواية عن مالك والرواية الأخرى الأفضل أن يحرم من أول ذي الحجة قال عياض وحمل شيوخنا رواية استحباب الإهلال يوم التروية على من كان خارجًا من مكة ورواية استحبابه أول الشهر على من كان في مكة وهو قول أكثر الصحابة والعلماء ليحصل له من الشعث ما يساوي من أحرم من الميقات قال النووي والخلاف في الاستحباب وكل منهما جائز بالإجماع وكلام القاضي وغيره يدل على ذلك قال ابن عبد البر في الحديث دليل على أن الاختلاف في الأفعال والأقوال والمذاهب كان موجودًا في الصحابة وهو عند العلماء أصح ما يكون من الاختلاف وإنما اختلفوا بالتأويل المحتمل فيما سمعوه ورأوه أو فيما انفرد بعضهم بعلمه دون بعض وما أجمع عليه الصحابة واختلف فيه من بعدهم فليس اختلافهم بشيء وفيه أن الحجة عند الاختلاف السنة وأنها حجة على من خالفها وليس من خالفها حجة عليها ألا ترى أن ابن عمر لم يستوحش من مفارقة أصحابه إذ كان عنده في ذلك علم من النبي صلى الله عليه وسلم ولم يقل له ابن جريج الجماعة أعلم به منك ولعلك وهمت كما يقول اليوم من لا علم له بل انقاد للحق إذ سمعه وهكذا يلزم الجميع انتهى.
وأخرجه البخاري في الطهارة عن عبد الله بن يوسف وفي اللباس وأبو داود في الحج عن القعنبي ومسلم عن يحيى كلهم عن مالك به ( مالك عن نافع أن عبد الله بن عمر كان يصلي في مسجد ذي الحليفة) ركعتين سنة الإحرام ( ثم يخرج فيركب فإذا استوت به راحلته) قائمة ( أحرم) اتباعًا لما رآه من فعل المصطفى لذلك كما في الصحيحين من طريق صالح بن كيسان عن نافع عنه مرفوعًا وفي مسلم من رواية الزهري عن سالم عن أبيه كان صلى الله عليه وسلم يركع بذي الحليفة ركعتين ثم إذا استوت به الناقة قائمة عند مسجد ذي الحليفة أهل ( مالك أنه بلغه أن عبد الملك بن مروان) بن الحكم الأموي أحد ملوك بني أمية ( أهل من عند مسجد ذي الحليفة حين استوت به راحلته وأن أبان) بفتح الهمزة والباء فألف فنون ( ابن عثمان) بن عفان الأموي المدني التابعي الثقة مات سنة خمس ومائة ( أشار عليه) بالإفراد وفي نسخة عليهم أي على عبد الملك ومن معه ( بذلك) فاتبعوه والقصد من هذا أن العمل استمر على فعل المصطفى فيرد على من قال يحرم من البيداء أو عقب صلاة الركعتين.


رقم الحديث 742 وَحَدَّثَنِي عَنْ مَالِكٍ أَنَّهُ بَلَغَهُ، أَنَّ عَبْدَ الْمَلِكِ بْنَ مَرْوَانَ أَهَلَّ مِنْ عِنْدِ مَسْجِدِ ذِي الْحُلَيْفَةِ، حِينَ اسْتَوَتْ بِهِ رَاحِلَتُهُ، وَأَنَّ أَبَانَ بْنَ عُثْمَانَ أَشَارَ عَلَيْهِ بِذَلِكَ.


( مالك عن نافع عن عبد الله بن عمر أن تلبية رسول الله صلى الله عليه وسلم) مصدر لبى أي قال لبيك ولا يكون عامله إلا مضمرًا ولمسلم من رواية موسى بن عقبة عن نافع عن ابن عمر كان صلى الله عليه وسلم إذا استوت به راحلته عند مسجد ذي الحليفة أهل فقال وللبخاري من طريق الزهري عن سالم عن أبيه سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يهل ملبيًا يقول ( لبيك) لفظ مثنى عند سيبويه ومن تبعه وقال يونس اسم مفرد وألفه إنما انقلبت ياء لاتصالها بالضمير كلدي وعلي ورد بأنها قلبت ياء مع المظهر وعن الفراء نصب على المصدر وأصله لبًا لك فثنى على التأكيد أي إلبابًا بعد إلباب وهذه التثنية ليست حقيقية بل للتكثير أو للمبالغة ومعناه إجابة بعد إجابة لازمة قال ابن الأنباري ومثله حنانيك أي تحننا بعد تحنن وقيل معنى لبيك اتجاهي وقصدي إليك مأخوذ من قولهم داري تلب دارك أي تجاهها وقيل محبتي لك من قولهم امرأة لبة أي محبة وقيل إخلاصي لك من قولهم حسب لباب أي خالص ومنه لب الطعام ولبابه وقيل أنا مقيم على طاعتك من لب الرجل بالمكان أقام وقيل قربًا منك من الإلباب وهو القرب وقيل خاضعًا لك والأول أظهر وأشهر لأن المحرم مستجيب لدعائه تعالى إياه في حج بيته ( اللهم لبيك) أي يا الله أجبناك فيما دعوتنا قال ابن عبد البر قال جماعة من العلماء معنى التلبية إجابة دعوة إبراهيم حين أذن في الناس بالحج قال الحافظ وهذا أخرجه عبد بن حميد وابن جرير وابن أبي حاتم في تفاسيره بأسانيد قوية عن ابن عباس ومجاهد وعطاء وعكرمة وقتادة وغير واحد وأقوى ما فيه ما أخرجه أحمد بن منيع في مسنده وابن أبي حاتم من طريق قابوس بن أبي ظبيان عن أبيه عن ابن عباس قال لما فرغ إبراهيم من بناء البيت قيل له أذن في الناس بالحج قال يا رب وما يبلغ صوتي قال أذن وعلي البلاغ قال فنادى إبراهيم يا أيها الناس كتب عليكم الحج إلى البيت العتيق فسمعه من بين السماء والأرض أفلا ترون الناس يجيبون من أقصى الأرض يلبون ومن طريق ابن جريج عن عطاء عن ابن عباس وفيه فأجابوه بالتلبية في أصلاب الرجال وأرحام النساء وأول من أجابه أهل اليمن فليس حاج يحج من يومئذ إلى أن تقوم الساعة إلا من كان أجاب إبراهيم يومئذ قال الزين بن المنير وفي مشروعية التلبية تنبيه على إكرام الله تعالى لعباده بأن وفودهم على بيته إنما كان باستدعاء منه سبحانه وتعالى ( لبيك) في ذكره ثلاثًا إشارة إلى أن التأكيد اللفظي لا يزاد فيه على ثلاث مرات واتفق عليه البلغاء وأما تكرير { { فبأي آلاء ربكما تكذبان } } و { { ويل يومئذ للمكذبين } } فليس من التأكيد في شيء ( لبيك لا شريك لك لبيك إن الحمد) روي بكسر الهمزة استئناف وفتحها تعليل والكسر أجود عند الجمهور قال ثعلب لأن معناه لك الحمد على كل حال ومعنى الفتح لهذا السبب وقال الخطابي لهج العامة بالفتح وقال ابن عبد البر المعنى عندي واحد لأن من فتح أراد لبيك لأن الحمد لك على كل حال ورد بأن التقييد ليس في الحمد بل في التلبية قال ابن دقيق العيد الكسر أجود لأنه يقتضي أن الإجابة مطلقة غير معللة وأن الحمد والنعمة لله على كل حال والفتح يدل على التعليل كأنه قيل أجبتك لهذا السبب والأول أعم فهو أكثر فائدة ورجح النووي الكسر وهو خلاف نقل الزمخشري أن الشافعي اختار الفتح وأبا حنيفة اختار الكسر وابن قدامة عن أحمد وابن عبد البر عن اختيار أهل العربية لكن قال في اللامع والعدة أنه إذا كسر صار للتعليل أيضًا من حيث إنه استئناف جوابًا عن السؤال عن العلة على ما قرر في البيان ( والنعمة لك) بكسر النون الإحسان والمنة مطلقًا وبالفتح التنعيم قال تعالى { { وذرني والمكذبين أولي النعمة } } أي التنعم في الدنيا وبالنصب على المشهور قال عياض ويجوز الرفع على الابتداء والخبر محذوف أي مستقرة لك وجوز ابن الأنباري أن الموجود خبر المبتدأ وخبر إن هو المحذوف ( والملك) بالنصب أيضًا على المشهور ويجوز الرفع أي كذلك أو محذوف لدلالة الخبر المتقدم عليه قال الزين بن المنير قرن الحمد والنعمة وأفرد الملك لأن الحمد متعلق النعمة ولهذا يقال الحمد لله على نعمه فجمع بينهما كأنه قال لا حمد إلا لك وأما الملك فهو معنى مستقل بنفسه ذكر لتحقيق أن النعمة كلها لله لأنه صاحب الملك ( لا شريك لك) في ملكك ( قال) نافع ( وكان عبد الله بن عمر يزيد فيها) فيقول ( لبيك لبيك لبيك) ثلاث مرات كما في المرفوع إلا أن فيه الفصل بين الأولى والثانية بلفظ اللهم ( وسعديك) قال عياض إفرادها وتثنيتها كلبيك ومعناه ساعدت طاعتك مساعدة بعد مساعدة وإسعادًا بعد إسعاد ولذا ثنى وهو من المصادر المنصوبة بفعل لا يظهر في الاستعمال قال الجرمي لم يسمع سعديك مفردًا ( والخير بيديك) أي الخير كله بيد الله ومن فضله أي بقدرته وكرمه قال ابن دقيق العيد وهذا من إصلاح المخاطبة كقوله تعالى وإذا مرضت فهو يشفين ( لبيك والرغبى إليك) قال المازري يروى بفتح الراء والمد وبضم الراء مع القصر قال ونظيره العلياء والعليا والنعماء والنعمى قال عياض وحكى أبو علي فيه أيضًا الفتح مع القصر مثل سكرى ومعناها الطلب والمسألة إلى من بيده الأمر والمقصود بالعمل المستحق للعبادة ( والعمل) إليك أي القصد به والانتهاء به إليك ويحتمل أن يقدر والعمل لك قاله ابن دقيق العيد فإن قيل كيف زاد ابن عمر في التلبية ما ليس منها مع أنه كان شديد التحري لاتباع السنة وفي حديث عند مسلم من رواية سالم عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم لا يزيد على هذه الكلمات أي المذكورة أولاً أجاب الأبي بأنه رأى أن الزيادة على النص ليست نسخًا وأن الشيء وحده كذلك هو مع غيره فزيادته لا تمنع من إتيانه بتلبية النبي صلى الله عليه وسلم أو فهم عدم القصر على أولئك الكلمات وأن الثواب يتضاعف بكثرة العمل واقتصار المصطفى بيان لأقل ما يكفي وأجاب الولي العراقي بأنه ليس فيه خلط السنة بغيرها بل لما أتى بما سمعه ضم إليه ذكرًا آخر في معناه وباب الأذكار لا تحجير فيه إذا لم يؤد إلى تحريف ما قاله النبي صلى الله عليه وسلم فإن الذكر خير موضوع والاستكثار منه حسن على أن أكثر هذا الذي زاده كان صلى الله عليه وسلم يقوله في دعاء استفتاح الصلاة وهو لبيك وسعديك والخير في يديك والشر ليس إليك انتهى.
والجوابان متقاربان وفي مسلم عن ابن عمر كان عمر يهل بإهلال رسول الله صلى الله عليه وسلم من هؤلاء الكلمات ويقول لبيك اللهم لبيك وسعديك إلى آخر ما زاده هنا قال الحافظ فعرف أنه اقتدى بأبيه وأخرج ابن أبي شيبة عن المسور بن مخرمة قال كانت تلبية عمر فذكر مثل المرفوع وزاد لبيك مرغوبًا ومرهوبًا إليك ذا النعماء والفضل الحسن انتهى.
وقد استحب العلماء الاقتصار على تلبية الرسول واختلفوا في جواز الزيادة عليها وكراهتها وبه قال مالك والشافعي في أحد قوليه لأنه صلى الله عليه وسلم علمهم التلبية كما في حديث عمرو بن معدي كرب ثم فعلها هو ولم يقل لبوا بما شئتم مما هو من جنس هذا بل علمهم كما علمهم التكبير في الصلاة فلا ينبغي أن يتعدى في ذلك شيئًا مما علمه وأخرج الطحاوي عن سعد بن أبي وقاص أنه سمع رجلاً يقول لبيك ذا المعارج فقال إنه لذو المعارج وما هكذا كنا نلبي على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم وقال آخرون يجوز بلا كراهة لفعل عمر وابنه وفي النسائي عن ابن مسعود كان من تلبية النبي صلى الله عليه وسلم فذكره فدل على أنه كان يلبي بغيرها وله ولابن ماجه وابن حبان والحاكم عن أبي هريرة كان من تلبية النبي صلى الله عليه وسلم لبيك إله الحق وللحاكم عن ابن عباس أنه صلى الله عليه وسلم وقف بعرفات فلما قال لبيك اللهم لبيك قال إنما الخير خير الآخرة وللدارقطني في العلل عن أنس أنه عليه السلام قال لبيك حجًا حقًا تعبدا ورقًا وفي مسلم في الحديث الطويل عن جابر حتى استوت به ناقته على البيداء أهل بالتوحيد لبيك اللهم إلى آخره قال وأهل الناس بهذا الذي يهلون به فلم يزد عليهم شيئًا منه ولزم تلبيته وفي أبي داود عن جابر قال أهل رسول الله صلى الله عليه وسلم فذكر التلبية مثل حديث ابن عمر قال والناس يزيدون ذا المعارج ونحوه من الكلام والنبي صلى الله عليه وسلم يسمع فلا يقول لهم شيئًا وفي ابن ماجه عن علي نحوه وأجاب من قال بالكراهة بأن هذا كله يدل على أن الاقتصار على تلبية الرسول أفضل لمداومته هو صلى الله عليه وسلم عليها وأما عدم نهيهم عن الزيادة فلئلا يتوهم المنع كما أن زيادته هو ما ذكر في بعض الأماكن لبيان الجواز وفيه مشروعية التلبية وهو إجماع وأوجبها أبو حنيفة ويجزي عنده ما في معناها من تسبيح وتهليل وسائر الأذكار كما قاله هو أن التسبيح وغيره يقوم في الإحرام بالصلاة مقام التكبير وقال مالك والشافعي سنة ثم اختلفا فأوجب مالك في تركها الدم ولم يوجبه الشافعي وقال بوجوبها ابن حبيب والباجي وقال قول أصحابنا سنة معناه عندي أنها ليست شرطًا في صحة الحج وإلا فهي واجبة بدليل أن في تركها الدم فهي واجبة غير شرط فهو فرق ما بيننا وبين أبي حنيفة فإنها عنده واجبة شرطًا ومع ذلك لا يتعين عنده لفظها بل يكفي ما في معناه من ذكر وهذا الحديث رواه البخاري عن عبد الله بن يوسف ومسلم عن يحيى وأبو داود عن القعنبي والنسائي عن قتيبة أربعتهم عن مالك به إلا أن البخاري لم يذكر زيادة ابن عمر وتابع مالكًا الليث عند الترمذي وعبيد الله بن عمر عند ابن ماجه كلاهما عن نافع به ( مالك عن هشام بن عروة عن أبيه) مرسل وصله الشيخان وغيرهما من حديث أنس ومن طريق صالح بن كيسان عن نافع عن ابن عمر ( أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يصلي في مسجد ذي الحليفة ركعتين) سنة الإحرام ففيه صلاتهما قبل الإحرام وأنهما نافلة وبه قال الجمهور سلفًا وخلفًا واستحب الحسن البصري الإحرام بعد صلاة فرض لأنه روى أن الركعتين كانتا الصبح وأجيب بأن هذا لم يثبت ( فإذا استوت به راحلته) ولمسلم في حديث ابن عمر استوت به الناقة قائمة ( أهل) أي رفع صوته بالتلبية عند الدخول في الإحرام وفيه دليل لمالك والشافعي والجمهور أن الأفضل أن يهل إذا انبعثت به راحلته وتوجه لطريقه ماشيًا وقال الحنفية الأفضل عقب الصلاة لما في أبي داود والترمذي وحسنه عن ابن عباس أنه صلى الله عليه وسلم أهل بالحج حين فرغ من الركعتين وأجيب بأنه حديث ضعيف كما قاله النووي والمنذري وإن حسنه الترمذي وسكت عليه أبو داود لأن فيه خصيف بن عبد الرحمن ضعيف عند الجمهور ووثقه ابن معين وأبو زرعة ( مالك عن موسى بن عقبة) بضم العين وسكون القاف ( عن سالم بن عبد الله) بن عمر ( أنه سمع أباه يقول بيداؤكم) بالمد ( هذه) التي فوق علمي ذي الحليفة لمن صعد الوادي قاله أبو عبيد البكري وغيره وأضافها إليهم لكونهم كذبوا بسببها كذبًا يحصل لها به الشرف ( التي تكذبون على رسول الله صلى الله عليه وسلم فيها) أي بسببها ففي للتعليل نحو { { لمتنني فيه } }{ { لمسكم فيما أفضتم } } وحديث دخلت النار امرأة في هرة فتقولون إنه أحرم منها ولم يحرم منها ( ما أهل) وللحميدي عن سفيان عن ابن عيينة بسنده والله ما أهل ( رسول الله صلى الله عليه وسلم إلا من عند المسجد يعني مسجد ذي الحليفة) ولمسلم من طريق حاتم بن إسماعيل عن موسى ما أهل إلا من عند الشجرة حين قام به بعيره ولا خلف فالشجرة عند المسجد قال الحافظ وكان ابن عمر ينكر رواية ابن عباس عند البخاري بلفظ ركب راحلته حتى استوت به على البيداء أهل وقد أزال الإشكال ما رواه أبو داود والحاكم من طريق سعيد بن جبير قلت لابن عباس عجبت لاختلاف أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم في إهلاله فقال إني لأعلم الناس بذلك إنما كانت من رسول الله صلى الله عليه وسلم حجة واحدة فمن هناك اختلفوا خرج صلى الله عليه وسلم حاجًا فلما صلى في مسجد ذي الحليفة ركعتين أوجب في مجلسه فأهل بالحج حين فرغ منهما فسمع ذلك منه قوم فحفظوه ثم ركب فلما استقلت به راحلته أهل وأدرك ذلك قوم لم يشهدوا في المرة الأولى فسمعوه حين ذاك فقالوا إنما أهل حين استقلت به راحلته ثم مضى فلما علا شرف البيداء أهل وأدرك ذلك قوم لم يشهدوه فنقل كل واحد ما سمع وإنما كان إهلاله في مصلاه وأيم الله ثم أهل ثانيًا وثالثًا فعلى هذا فكان إنكار ابن عمر على من يخص الإهلال بالقيام على شرف البيداء وقد اتفق فقهاء الأمصار على جواز جميع ذلك وإنما الخلاف في الأفضل انتهى وحديث ابن عباس وإن زال به الإشكال لكن فيه خصيف بن عبد الرحمن ضعيف عند الجمهور ومحمد بن إسحاق الراوي عنه مدلس وفيه مقال وإن صرح بالتحديث ولذا قال النووي والمنذري حديث ضعيف كما مر وعلى تسليم توثيق خصيف وتلميذه فقد عارضه حديث ابن عمر وأنس في الصحيحين وغيرهما أنه إنما أهل حين استوت به ناقته قائمة وقال عياض ليس من شرط الكذب العمد فقول ابن عمر محمول على أن ذلك وقع منهم سهوًا إذ لا يظن به نسبة الصحابة إلى الكذب الذي لا يحل وبسط هذا الولي العراقي فقال إن قلت كيف جعلهم كاذبين مع أنه وقع منهم باجتهاد فلا يطلق عليهم الكذب وإنما يطلق الخطأ قلت الكذب عند أهل السنة الإخبار عن الشيء بخلاف ما هو عليه عمدًا كان أو غلطًا أو سهوًا والعمد شرط للإثم خلافًا للمعتزلة في جعله شرطًا في صدق اسم الكذب فإن قلت كان ينبغي الاحتراز عن هذه اللفظة لأن المفهوم منها الذم والقائلون بذلك غير مذمومين بل مشكورون لصدوره عن اجتهاد قلت أراد ابن عمر التنفير من هذه المقالة وتشنيعها على قائلها ليحذر مع صدق اللفظ الذي ذكره فإن قلت يحصل مقصوده بكونه صلى الله عليه وسلم أحرم من المسجد ولا حاجة إلى إنكار كونه أهل أي رفع صوته بالتلبية بعد وصوله إلى البيداء إذ هو غير منافٍ للإحرام السابق قلت إنما أراد إنكار كون ابتداء الإحرام وقع عند البيداء لا كونه أهل عندها فقوله ما أهل إلا من عند المسجد إهلال مخصوص وهو الذي ابتدأ به الإحرام انتهى وفيه أن الإحرام من الميقات أفضل من دويرة الأهل لأنه صلى الله عليه وسلم لم يحرم من مسجده مع شرفه المعلوم وأخرجه البخاري وأبو داود عن القعنبي ومسلم عن يحيى النيسابوري عن مالك به وتابعه سفيان بن عيينة عند البخاري وغيره وحاتم بن إسماعيل عند مسلم كلاهما عن موسى بن عقبة ( مالك عن سعيد) بكسر العين ( ابن أبي سعيد) كيسان ( المقبري) بضم الباء وفتحها ( عن عبيد بن جريج) بتصغيرهما التيمي مولاهم المدني ثقة قال الحافظ وليس بينه وبين عبد الملك بن عبد العزيز بن جريج المكي مولى بني أمية نسب فقد يظن أن هذا عمه وليس كذلك وهذا من رواية الأقران لأن عبيدًا وسعيدًا تابعيان من طبقة واحدة ( أنه قال لعبد الله بن عمر يا أبا عبد الرحمن) كنية ابن عمر ( رأيتك تصنع أربعًا) من الخصال ( لم أر أحدًا من أصحابك) أي أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم والمراد بعضهم ( يصنعها) مجتمعة وإن كان يصنع بعضها قاله المازري وظاهر السياق انفراد ابن عمر بما ذكر كان دون غيره ممن رآهم عبيد ( قال وما هن يا ابن جريج قال رأيتك لا تمس من الأركان) الأربعة للكعبة ( إلا) الركنين ( اليمانيين) بتخفيف الياء لأن الألف بدل من إحدى يائي النسب ولا يجمع بين البدل والمبدل وفي لغة قليلة تشديدها على أن الألف زائدة لا بدل والمراد بهما الركن اليماني والركن الذي فيه الحجر الأسود وهو العراقي لأنه إلى جهته تغليبًا ولم يقع التغليب باعتبار الأسود خوف الاشتباه على جاهل ولم يقع باعتبار العراقيين لخفة اليمانيين والتخفيف من محسنات التغليب وظاهره أن غير ابن عمر من الصحابة الذين رآهم عبيد كانوا يستلمون الأركان كلها وصح ذلك عن معاوية وابن الزبير وروي عن الحسن والحسين وجابر ( ورأيتك تلبس) بفتح أوله وثالثه ( النعال السبتية) بكسر السين المهملة وسكون الموحدة ففوقية أي التي لا شعر فيها مشتق من السبت وهو الحلق قاله الأزهري أو لأنها سبتت بالدباغ أي لانت قال أبو عمرو الشيباني السبت كل جلد مدبوغ وقال أبو زيد جلود البقر مدبوغة أم لا أو نوع من الدباغ يقلع الشعر أو جلد البقر المدبوغ بالقرظ وقيل بالسبت بضم أوله نبت يدبغ به قاله صاحب المنتهى وقال الداودي هي منسوبة إلى موضع يقال له سوق السبت وقال ابن وهب كانت سوداء لا شعر فيها وقيل هي التي لا شعر عليها أي لون كانت ومن أي جلد كانت وبأي دباغ دبغت وقال عياض في الإكمال الأصح عندي أن اشتقاقها وإضافتها إلى السبت الذي هو الجلد المدبوغ أو إلى الدباغة لأن السين مكسورة ولو كانت من السبت الذي هو الحلق كما قال الأزهري وغيره لكانت النسبة سبتية بالفتح ولم يروها أحد في هذا الحديث ولا غيره ولا في الشعر فيما علمت إلا بالكسر قال وكان من عادة العرب لبس النعال بشعرها غير مدبوغة وكانت المدبوغة تعمل بالطائف وغيره ويلبسها أهل الرفاهية ( ورأيتك تصبغ) بضم الموحدة وحكى فتحها وكسرها ( بالصفرة) ثوبك أو شعرك ( ورأيتك إذا كنت) مستقرًا ( بمكة أهل الناس) أي رفعوا أصواتهم بالتلبية للإحرام بحج أو عمرة ( إذا رأوا الهلال) أي هلال ذي الحجة ( ولم تهلل) بلامين بفك الإدغام ( أنت حتى يكون) أي يوجد وفي رواية كان أي وجد ( يوم) بالرفع فاعل يكون التامة والنصب خبر على أنها ناقصة ( التروية) ثامن ذي الحجة لأن الناس كانوا يروون فيه من الماء أي يحملونه من مكة إلى عرفات ليستعملوه شربًا وغيره وقيل غير ذلك ( فتهل أنت) وتبين من جوابه أنه كان لا يهل حتى يركب قاصدًا إلى منى ( فقال عبد الله بن عمر أما الأركان فإني لم أر رسول الله صلى الله عليه وسلم يمس) وفي رواية يستلم منها ( إلا) الركنين ( اليمانيين) بالتخفيف لأنهما على قواعد إبراهيم ومسهما واستلامهما مختلف فالعراقي مسه وهو استلامه التقبيل لاختصاصه بالحجر الأسود إن قدر وإلا فبيده أو بعود ثم وضعه على فيه بلا تقبيل واليماني مسه بيده ثم يضعها على فيه بلا تقبيل ولا يمسه بفيه بخلاف الشاميين فليسا على قواعد إبراهيم فلم يمسهما فالعلة ذلك قال القابسي لو أدخل الحجر في البيت حتى عاد الشاميان على قواعد إبراهيم استلما قال ابن القصار ولذا لما بنى ابن الزبير الكعبة على قواعده استلم الأركان كلها والذي قاله الجمهور سلفًا وخلفًا أن الشاميين لا يستلمان قال عياض واتفق عليه أئمة الأمصار والفقهاء وإنما كان الخلاف في ذلك في العصر الأول من بعض الصحابة وبعض التابعين ثم ذهب وقال بعض العلماء اختصاص الركنين بين بالسنة ومستند التعميم القياس وأجاب الشافعي عن قول من قال ليس شيء من البيت مهجورًا بأنا لم ندع استلامهما هجرًا للبيت وكيف يهجره وهو يطوف به ولكنا نتبع السنة فعلاً أو تركًا ولو كان ترك استلامهما هجرًا لهما لكان ترك استلام ما بين الأركان هجرًا لها ولا قائل به ( وأما النعال السبتية فإني رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يلبس النعال التي ليس فيها شعر) أشار إلى تفسيرها بذلك وهكذا قال جماهير أهل اللغة والغريب والحديث أنها التي لا شعر فيها ( ويتوضأ فيها) أي النعال أي يتوضأ ويلبسها ورجلاه رطبتان قاله النووي ( فأنا أحب أن ألبسهما) اقتداءً به ( وأما الصفرة فإني رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يصبغ بها فأنا أحب أن أصبغ بها) قال المازري قيل المراد صبغ الشعر وقيل صبغ الثوب قال والأشبه الثاني لأنه أخبر أنه صلى الله عليه وسلم صبغ ولم ينقل عنه صلى الله عليه وسلم أنه صبغ شعره قال عياض وهذا أظهر الوجهين وقد جاءت آثار عن ابن عمر بين فيها تصفير ابن عمر لحيته واحتج بأنه صلى الله عليه وسلم كان يصفر لحيته بالورس والزعفران رواه أبو داود وذكر أيضًا في حديث آخر احتجاجه بأن النبي صلى الله عليه وسلم كان يصبغ بها ثيابه حتى عمامته وأجيب عن الأول باحتمال أنه كان مما يتطيب به لا أنه كان يصبغ بها شعره وقال ابن عبد البر لم يكن صلى الله عليه وسلم يصبغ بالصفرة إلا ثيابه وأما الخضاب فلم يكن يخضب وتعقبه في المفهم بأن في سنن أبي داود عن أبي رمثة قال انطلقت مع أبي نحو النبي صلى الله عليه وسلم فإذا هو ذو وفرة وفيها ردع من حناء وعليه بردان أخضران قال الولي العراقي وكأن ابن عبد البر إنما أراد نفي الخضاب في لحيته فقط ( وأما الإهلال فإني لم أر رسول الله صلى الله عليه وسلم يهل حتى تنبعث به راحلته) أي تستوي قائمة إلى طريقه قال المازري ما تقدم من جواباته نص في عين ما سئل عنه ولما لم يكن عنده نص في الرابع أجاب بضرب من القياس ووجهه أنه لما رآه في حجه من غير مكة إنما يهل عند الشروع في الفعل أخر هو إلى يوم التروية لأنه الذي يبتدأ فيه بأعمال الحج من الخروج إلى منى وغيره وقال القرطبي أبعد من قال هذا قياس بل هو تمسك بنوع الفعل الذي رآه يفعله وتعقب بأن ابن عمر ما رآه صلى الله عليه وسلم أحرم من مكة يوم التروية كما رآه استلم الركنين اليمانيين فقط بل رآه أحرم من ذي الحليفة حين استوت به راحلته فقاس الإحرام من مكة على الإحرام من الميقات لأنها ميقات الكائن بمكة فأحرم يوم التروية لأنه يوم التوجه إلى منى والشروع في العمل قياسًا على إحرامه صلى الله عليه وسلم من الميقات حين توجه إلى مكة فالظاهر قول المازري وقد قال ابن عبد البر جاء ابن عمر بحجة قاطعة نزع بها فأخذ بالعموم في إهلاله صلى الله عليه وسلم ولم يخص مكة من غيرها فكأنه قال لا يهل الحاج إلا في وقت يتصل له عمله وقصده إلى البيت ومواضع المناسك والشعائر لأنه صلى الله عليه وسلم أهل واتصل له عمله ووافق ابن عمر على هذا جماعة من السلف وبه قال الشافعي وأصحابه وهو رواية عن مالك والرواية الأخرى الأفضل أن يحرم من أول ذي الحجة قال عياض وحمل شيوخنا رواية استحباب الإهلال يوم التروية على من كان خارجًا من مكة ورواية استحبابه أول الشهر على من كان في مكة وهو قول أكثر الصحابة والعلماء ليحصل له من الشعث ما يساوي من أحرم من الميقات قال النووي والخلاف في الاستحباب وكل منهما جائز بالإجماع وكلام القاضي وغيره يدل على ذلك قال ابن عبد البر في الحديث دليل على أن الاختلاف في الأفعال والأقوال والمذاهب كان موجودًا في الصحابة وهو عند العلماء أصح ما يكون من الاختلاف وإنما اختلفوا بالتأويل المحتمل فيما سمعوه ورأوه أو فيما انفرد بعضهم بعلمه دون بعض وما أجمع عليه الصحابة واختلف فيه من بعدهم فليس اختلافهم بشيء وفيه أن الحجة عند الاختلاف السنة وأنها حجة على من خالفها وليس من خالفها حجة عليها ألا ترى أن ابن عمر لم يستوحش من مفارقة أصحابه إذ كان عنده في ذلك علم من النبي صلى الله عليه وسلم ولم يقل له ابن جريج الجماعة أعلم به منك ولعلك وهمت كما يقول اليوم من لا علم له بل انقاد للحق إذ سمعه وهكذا يلزم الجميع انتهى.
وأخرجه البخاري في الطهارة عن عبد الله بن يوسف وفي اللباس وأبو داود في الحج عن القعنبي ومسلم عن يحيى كلهم عن مالك به ( مالك عن نافع أن عبد الله بن عمر كان يصلي في مسجد ذي الحليفة) ركعتين سنة الإحرام ( ثم يخرج فيركب فإذا استوت به راحلته) قائمة ( أحرم) اتباعًا لما رآه من فعل المصطفى لذلك كما في الصحيحين من طريق صالح بن كيسان عن نافع عنه مرفوعًا وفي مسلم من رواية الزهري عن سالم عن أبيه كان صلى الله عليه وسلم يركع بذي الحليفة ركعتين ثم إذا استوت به الناقة قائمة عند مسجد ذي الحليفة أهل ( مالك أنه بلغه أن عبد الملك بن مروان) بن الحكم الأموي أحد ملوك بني أمية ( أهل من عند مسجد ذي الحليفة حين استوت به راحلته وأن أبان) بفتح الهمزة والباء فألف فنون ( ابن عثمان) بن عفان الأموي المدني التابعي الثقة مات سنة خمس ومائة ( أشار عليه) بالإفراد وفي نسخة عليهم أي على عبد الملك ومن معه ( بذلك) فاتبعوه والقصد من هذا أن العمل استمر على فعل المصطفى فيرد على من قال يحرم من البيداء أو عقب صلاة الركعتين.