فهرس الكتاب

شرح الزرقاني - بَابُ مَا جَاءَ فِي الْمَسَاكِينِ

رقم الحديث 1676 وَحَدَّثَنِي عَنْ مَالِكٍ، عَنْ أَبِي الزِّنَادِ، عَنِ الْأَعْرَجِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: لَيْسَ الْمِسْكِينُ بِهَذَا الطَّوَّافِ الَّذِي يَطُوفُ عَلَى النَّاسِ، فَتَرُدُّهُ اللُّقْمَةُ وَاللُّقْمَتَانِ، وَالتَّمْرَةُ وَالتَّمْرَتَانِ، قَالُوا: فَمَا الْمِسْكِينُ يَا رَسُولَ اللَّهِ؟ قَالَ: الَّذِي لَا يَجِدُ غِنًى يُغْنِيهِ، وَلَا يَفْطُنُ النَّاسُ لَهُ فَيُتَصَدَّقَ عَلَيْهِ، وَلَا يَقُومُ فَيَسْأَلَ النَّاسَ.


( مالك عن أبي الزناد) عبد الله بن ذكوان ( عن الأعرج) عبد الرحمن بن هرمز ( عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال ليس المسكين) بكسر الميم وقد تفتح أي الكامل في المسكنة ( بهذا الطواف الذي يطوف على الناس) يسألهم الصدقة عليه ( فترده اللقمة واللقمتان والتمرة والتمرتان) بفوقية فيهما أي عند طوافه لأنه قادر على تحصيل قوته وربما يقع له زيادة عليه وليس المراد نفي المسكنة عن الطواف بل المراد أن غيره أشد حالاً منه والإجماع على أن الطواف المحتاج مسكين فهو كقوله تعالى { { ليس البر } } الآية وقوله صلى الله عليه وسلم أتدرون من المفلس ( قالوا فما) كذا ليحيى وحده ولغيره فمن كذا قيل وقد رواه قتيبة أيضًا عن مالك بلفظ ما وهي رواية مسلم من طريق الخزامي عن أبي الزناد نظرًا إلى أنه سؤال عن الصفة وهي المسكنة وما يقع عن صفات العقلاء يقال فيه ما نحو { { ما طاب لكم من النساء } } فالروايتان صحيحتان ( المسكين) الكامل في المسكنة ( يا رسول الله قال) وسقط ذلك في رواية إسماعيل عن مالك وقال عقب اللقمتان ولكن المسكين ( الذي لا يجد غنى) بكسر المعجمة مقصور أي يسارًا ( يغنيه) صفة زائدة على اليسار المنفي إذ لا يلزم من حصوله للمرء أن يغتني به بحيث لا يحتاج إلى شيء آخر واللفظ محتمل لأن يكون المراد نفي أصل اليسار ولأن يكون نفي اليسار المقيد بأنه يغنيه مع وجود أصله فلا دلالة فيه على أنه أحسن حالاً من الفقير ( ولا يفطن) بضم الطاء وفتحها أي لا يتنبه ( الناس له فيتصدق عليه) بالرفع والنصب ( ولا يقوم فيسأل الناس) وفي بعض طرقه في البخاري ويستحي أن يسأل ولا يسأل الناس إلحافًا قال بعض الشراح المضارع الواقع بعد الفاء في الموضعين بالرفع عطفًا على المنفي المرفوع فينسحب النفي عليه أي لا يفطن فلا يتصدق ولا يقوم فلا يسأل وبالنصب فيهما بأن مضمرة وجوبًا لوقوعه في جواب النفي بعد الفاء انتهى واقتصر الحافظ على النصب وقد يستدل بقوله ولا يقوم فيسأل على أحد محملي قوله تعالى لا يسألون الناس إلحافا أن معناه نفي السؤال أصلاً أو نفي السؤال بالإلحاف خاصة فلا ينفي السؤال بغيره والثاني أكثر استعمالاً وقد يقال لفظة يقوم تدل على التأكيد في السؤال فليس فيه نفي أصله والتأكيد في السؤال أهو الإلحاف وهو الإلحاح مشتق من اللحاف لاشتماله على وجوه الطلب في المسألة كاشتمال اللحاف في التغطية وزاد في بعض طرقه في الصحيحين إنما المسكين المتعفف اقرؤوا إن شئتم { لا يسألون الناس إلحافا} وانتصابه على أنه مصدر في موضع الحال أي لا يسألون في حال الإلحاف أو مفعول لأجله أي لا يسألون لأجل الإلحاف وهذا الحديث أخرجه البخاري في الزكاة عن إسماعيل والنسائي عن قتيبة كليهما عن مالك به وتابعه المغيرة الخزامي عن أبي الزناد عند مسلم وله طرق ( مالك عن زيد بن أسلم عن ابن بجيد) بموحدة وجيم مصغر ( الأنصاري ثم الحارثي) بحاء مهملة ومثلثة نسبة إلى بني حارثة بطن من الخزرج قال الحافظ في تعجيل المنفعة اتفق رواة الموطأ على إبهامه إلا يحيى بن بكير فقال عن محمد بن بجيد وبه جزم ابن البرقي فيما حكاه أبو القاسم الجوهري في مسند الموطأ ووقع في أطراف المزي أن النسائي أخرجه من وجهين عن مالك عن زيد عن عبد الرحمن بن بجيد ولم يترجم في التهذيب لمحمد بل جزم في مبهماته بأن اسمه عبد الرحمن وليس ذلك بجيد لأن النسائي إنما رواه غير مسمى كأكثر رواة الموطأ ومستند من سماه عبد الرحمن ما في السنن الثلاثة عن الليث عن سعيد المقبري عن عبد الرحمن بن بجيد عن جده فذكره ولا يلزم من كون شيخ سعيد المقبري عبد الرحمن أن لا يكون شيخ زيد بن أسلم فيه آخر اسمه محمد ( عن جدته) أم بجيد مشهورة بكنيتها قال أبو عمر يقال اسمها حواء وترجم لها أحمد في المسند حواء جدة عمرو بن معاذ ويأتي في جامع الطعام وبعده في الترغيب في الصدقة حديث عمرو عنها وكانت من المبايعات ( أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال ردوا) أي أعطوا ( المسكين) وفي رواية السائل ( ولو بظلف) بكسر الظاء المعجمة وإسكان اللام وبالفاء وهو للبقر والغنم كالحافر للفرس ولو للتقليل لأن ذلك أقل ما يعطى والمعنى تصدقوا بما تيسر كثر أو قل ولو بلغ في القلة الظلف مثلاً فإنه خير من العدم وقال ( محرق) لأنه مظنة الانتفاع به بخلاف غيره فقد يلقيه آخذه وقال أبو حبان الواو الداخلة على الشرط للعطف لكنها لعطف حال على حال محذوفة وقد تضمنها السياق تقديره ردوه بشيء على حال ولو بظلف وقيد بالإحراق أي الشيء كما هو عادتهم فيه لأن النيء قد لا يؤخذ وقد يرميه آخذه فلا ينتفع بخلاف المشوي وقال الطيبي هذا تتميم لإرادة المبالغة في ظلف كقولها
كأنه علم في رأسه نار

يعني لا تردوه رد حرمان بلا شيء ولو أنه ظلف فهو مثل ضرب للمبالغة والذهاب إلى أن الظلف إذ ذاك كان له قيمة عندهم بعيد عن الاتجاه انتهى وهذا الحديث رواه أحمد عن روح بن عبادة والنسائي عن قتيبة بن سعيد وعن هارون بن عبد الله عن معن الثلاثة عن مالك به.



رقم الحديث 1677 وحَدَّثَنِي مَالِكٌ، أَنَّهُ بَلَغَهُ أَنَّ مَرْوَانَ بْنَ الْحَكَمِ كَانَ يَقْضِي فِي الْعَبْدِ يُصَابُ بِالْجِرَاحِ أَنَّ عَلَى مَنْ جَرَحَهُ قَدْرَ مَا نَقَصَ مِنْ ثَمَنِ الْعَبْدِ.
قَالَ مَالِكٌ: وَالْأَمْرُ عِنْدَنَا أَنَّ فِي مُوضِحَةِ الْعَبْدِ نِصْفَ عُشْرِ ثَمَنِهِ، وَفِي مُنَقِّلَتِهِ الْعُشْرُ وَنِصْفُ الْعُشْرِ مِنْ ثَمَنِهِ، وَفِي مَأْمُومَتِهِ وَجَائِفَتِهِ فِي كُلِّ وَاحِدَةٍ مِنْهُمَا ثُلُثُ ثَمَنِهِ، وَفِيمَا سِوَى هَذِهِ الْخِصَالِ الْأَرْبَعِ مِمَّا يُصَابُ بِهِ الْعَبْدُ مَا نَقَصَ مِنْ ثَمَنِهِ يُنْظَرُ فِي ذَلِكَ بَعْدَ مَا يَصِحُّ الْعَبْدُ، وَيَبْرَأُ كَمْ بَيْنَ قِيمَةِ الْعَبْدِ بَعْدَ أَنْ أَصَابَهُ الْجُرْحُ، وَقِيمَتِهِ صَحِيحًا قَبْلَ أَنْ يُصِيبَهُ هَذَا، ثُمَّ يَغْرَمُ الَّذِي أَصَابَهُ مَا بَيْنَ الْقِيمَتَيْنِ.
قَالَ مَالِكٌ: فِي الْعَبْدِ إِذَا كُسِرَتْ يَدُهُ أَوْ رِجْلُهُ، ثُمَّ صَحَّ كَسْرُهُ فَلَيْسَ عَلَى مَنْ أَصَابَهُ شَيْءٌ، فَإِنْ أَصَابَ كَسْرَهُ ذَلِكَ نَقْصٌ أَوْ عَثَلٌ كَانَ عَلَى مَنْ أَصَابَهُ قَدْرُ مَا نَقَصَ مِنْ ثَمَنِ الْعَبْدِ قَالَ مَالِكٌ: الْأَمْرُ عِنْدَنَا فِي الْقِصَاصِ بَيْنَ الْمَمَالِيكِ، كَهَيْئَةِ قِصَاصِ الْأَحْرَارِ نَفْسُ الْأَمَةِ بِنَفْسِ الْعَبْدِ، وَجُرْحُهَا بِجُرْحِهِ، فَإِذَا قَتَلَ الْعَبْدُ عَبْدًا عَمْدًا خُيِّرَ سَيِّدُ الْعَبْدِ الْمَقْتُولِ، فَإِنْ شَاءَ قَتَلَ، وَإِنْ شَاءَ أَخَذَ الْعَقْلَ، فَإِنْ أَخَذَ الْعَقْلَ أَخَذَ قِيمَةَ عَبْدِهِ، وَإِنْ شَاءَ رَبُّ الْعَبْدِ الْقَاتِلِ أَنْ يُعْطِيَ ثَمَنَ الْعَبْدِ الْمَقْتُولِ فَعَلَ، وَإِنْ شَاءَ أَسْلَمَ عَبْدَهُ، فَإِذَا أَسْلَمَهُ فَلَيْسَ عَلَيْهِ غَيْرُ ذَلِكَ، وَلَيْسَ لِرَبِّ الْعَبْدِ الْمَقْتُولِ إِذَا أَخَذَ الْعَبْدَ الْقَاتِلَ، وَرَضِيَ بِهِ أَنْ يَقْتُلَهُ، وَذَلِكَ فِي الْقِصَاصِ كُلِّهِ بَيْنَ الْعَبِيدِ فِي قَطْعِ الْيَدِ وَالرِّجْلِ وَأَشْبَاهِ ذَلِكَ بِمَنْزِلَتِهِ فِي الْقَتْلِ قَالَ مَالِكٌ: فِي الْعَبْدِ الْمُسْلِمِ يَجْرَحُ الْيَهُودِيَّ أَوِ النَّصْرَانِيَّ إِنَّ سَيِّدَ الْعَبْدِ إِنْ شَاءَ أَنْ يَعْقِلَ عَنْهُ مَا قَدْ أَصَابَ فَعَلَ، أَوْ أَسْلَمَهُ، فَيُبَاعُ فَيُعْطِي الْيَهُودِيَّ أَوِ النَّصْرَانِيَّ مِنْ ثَمَنِ الْعَبْدِ دِيَةَ جُرْحِهِ أَوْ ثَمَنَهُ كُلَّهُ إِنْ أَحَاطَ بِثَمَنِهِ، وَلَا يُعْطِي الْيَهُودِيَّ وَلَا النَّصْرَانِيَّ عَبْدًا مُسْلِمًا.


( ما جاء في دية جراح العبيد)

( مالك أنه بلغه أن سعيد بن المسيب وسليمان بن يسار كانا يقولان في موضحة العبد نصف عشر ثمنه) أي قيمته لأن الحر في موضحته نصف عشر ديته كما في الحديث وفي الموضحة خمس والمعتبر في الرقيق قيمته ( مالك أنه بلغه أن مروان بن الحكم كان يقضي في العبد يصاب بالجراح أن على من جرحه قدر ما نقص من ثمن العبد) أي قيمته ( قال مالك والأمر عندنا أن في موضحة العبد نصف عشر ثمنه وفي منقلته) بفتح القاف وكسرها ( العشر ونصف العشر من ثمنه) قيمته ولو زادت ( وفي مأمومته وجائفته في كل واحدة منهما ثلث ثمنه وفيما سوى هذه الخصال الأربع مما يصاب به العبد ما نقص من ثمنه ينظر في ذلك بعد ما يصح العبد ويبرأ) عطف تفسير أو مساو حسنه اختلاف اللفظ ( كم ما بين قيمة العبد بعد أن أصابه الجرح وقيمته صحيحًا قبل أن يصيبه هذا) الجرح ( ثم يغرم) بدفع ( الذي أصابه ما بين القيمتين) قبل الجرح وبعده ( قال مالك في العبد إذا كسرت يده أو رجله) من شخص فعل به ذلك ( ثم صح كسره) بلا نقص ( فليس على من أصابه) كسره ( شيء فإن أصاب كسره ذلك نقص أو عثل) بفتح المهملة والمثلثة برء على غير استواء ( كان على من أصابه) قدر ( ما نقص من ثمن العبد) قيمته ( والأمر عندنا في القصاص بين المماليك كهيئة) صفة ( قصاص الأحرار نفس الأمة بنفس العبد وجرحها بجرحه) لآية { { النفس بالنفس } } ثم قال { { والجروح قصاص } } ( فإذا قتل العبد عبدًا عمدًا خير سيد العبد المقتول) بين القتل والعقل ( فإن شاء قتل) العبد القاتل ولا كلام لسيده ( وإن شاء أخذ العقل فإن أخذ العقل أخذ قيمة عبده) لأن الرقيق إنما فيه قيمته ولو زادت على دية الحر وحينئذ فيخير سيد العبد القاتل كما قال ( وإن شاء رب العبد القاتل أن يعطي ثمن العبد المقتول) أي قيمته كما عبر به أولاً ( فعل وإن شاء أسلم عبده) لأن في إلزامه القيمة ضررًا عليه فتخييره ينفيه ( فإذا أسلمه فليس عليه غير ذلك) لأنه أسلم الجاني وليس هو الجاني ( وليس لرب العبد المقتول إذا أخذ العبد القاتل ورضي به أن يقتله) لأن عدوله عن قتله أولاً بمنزلة العفو على الدية فلما خير سيده في إسلامه وفدائه وأسلمه لم يكن لذلك قتله بعد العفو ولا يشكل تخيير سيد المقتول بأن المذهب أن الواجب في العمد القتل أو العفو مجانًا وليس له إلزام القاتل الدية لأنه فرق بأن المطلوب هنا غير القاتل وهو السيد ولا ضرر عليه في واحد مما يختاره ولي الدم بخلاف الحر فله غرض في إغناء ورثته ( وذلك في القصاص كله بين العبيد في قطع اليد والرجل وأشباه ذلك بمنزلته في القتل) خبر المبتدأ ( قال مالك في العبد المسلم يجرح اليهودي أو النصراني أن سيد العبد إن شاء أن يعقل عنه ما قد أصاب فعل) بدفع دية ذلك الجرح لليهودي أو النصراني ( أو أسلمه السيد فيباع فيعطي اليهودي أو النصراني من ثمن العبد دية جرحه أو ثمنه كله إن أحاط بثمنه ولا يعطي اليهودي ولا النصراني عبدًا مسلمًا) لئلا يلزم استيلاء الكافر على المسلم { { ولن يجعل الله للكافرين على المؤمنين سبيلا } }



رقم الحديث 1677 وَحَدَّثَنِي عَنْ مَالِكٍ، عَنْ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ، عَنِ ابْنِ بُجَيْدٍ الْأَنْصَارِيِّ ثُمَّ الْحَارِثِيِّ، عَنْ جَدَّتِهِ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: رُدُّوا الْمِسْكِينَ وَلَوْ بِظِلْفٍ مُحْرَقٍ.


( مالك عن أبي الزناد) عبد الله بن ذكوان ( عن الأعرج) عبد الرحمن بن هرمز ( عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال ليس المسكين) بكسر الميم وقد تفتح أي الكامل في المسكنة ( بهذا الطواف الذي يطوف على الناس) يسألهم الصدقة عليه ( فترده اللقمة واللقمتان والتمرة والتمرتان) بفوقية فيهما أي عند طوافه لأنه قادر على تحصيل قوته وربما يقع له زيادة عليه وليس المراد نفي المسكنة عن الطواف بل المراد أن غيره أشد حالاً منه والإجماع على أن الطواف المحتاج مسكين فهو كقوله تعالى { { ليس البر } } الآية وقوله صلى الله عليه وسلم أتدرون من المفلس ( قالوا فما) كذا ليحيى وحده ولغيره فمن كذا قيل وقد رواه قتيبة أيضًا عن مالك بلفظ ما وهي رواية مسلم من طريق الخزامي عن أبي الزناد نظرًا إلى أنه سؤال عن الصفة وهي المسكنة وما يقع عن صفات العقلاء يقال فيه ما نحو { { ما طاب لكم من النساء } } فالروايتان صحيحتان ( المسكين) الكامل في المسكنة ( يا رسول الله قال) وسقط ذلك في رواية إسماعيل عن مالك وقال عقب اللقمتان ولكن المسكين ( الذي لا يجد غنى) بكسر المعجمة مقصور أي يسارًا ( يغنيه) صفة زائدة على اليسار المنفي إذ لا يلزم من حصوله للمرء أن يغتني به بحيث لا يحتاج إلى شيء آخر واللفظ محتمل لأن يكون المراد نفي أصل اليسار ولأن يكون نفي اليسار المقيد بأنه يغنيه مع وجود أصله فلا دلالة فيه على أنه أحسن حالاً من الفقير ( ولا يفطن) بضم الطاء وفتحها أي لا يتنبه ( الناس له فيتصدق عليه) بالرفع والنصب ( ولا يقوم فيسأل الناس) وفي بعض طرقه في البخاري ويستحي أن يسأل ولا يسأل الناس إلحافًا قال بعض الشراح المضارع الواقع بعد الفاء في الموضعين بالرفع عطفًا على المنفي المرفوع فينسحب النفي عليه أي لا يفطن فلا يتصدق ولا يقوم فلا يسأل وبالنصب فيهما بأن مضمرة وجوبًا لوقوعه في جواب النفي بعد الفاء انتهى واقتصر الحافظ على النصب وقد يستدل بقوله ولا يقوم فيسأل على أحد محملي قوله تعالى لا يسألون الناس إلحافا أن معناه نفي السؤال أصلاً أو نفي السؤال بالإلحاف خاصة فلا ينفي السؤال بغيره والثاني أكثر استعمالاً وقد يقال لفظة يقوم تدل على التأكيد في السؤال فليس فيه نفي أصله والتأكيد في السؤال أهو الإلحاف وهو الإلحاح مشتق من اللحاف لاشتماله على وجوه الطلب في المسألة كاشتمال اللحاف في التغطية وزاد في بعض طرقه في الصحيحين إنما المسكين المتعفف اقرؤوا إن شئتم { لا يسألون الناس إلحافا} وانتصابه على أنه مصدر في موضع الحال أي لا يسألون في حال الإلحاف أو مفعول لأجله أي لا يسألون لأجل الإلحاف وهذا الحديث أخرجه البخاري في الزكاة عن إسماعيل والنسائي عن قتيبة كليهما عن مالك به وتابعه المغيرة الخزامي عن أبي الزناد عند مسلم وله طرق ( مالك عن زيد بن أسلم عن ابن بجيد) بموحدة وجيم مصغر ( الأنصاري ثم الحارثي) بحاء مهملة ومثلثة نسبة إلى بني حارثة بطن من الخزرج قال الحافظ في تعجيل المنفعة اتفق رواة الموطأ على إبهامه إلا يحيى بن بكير فقال عن محمد بن بجيد وبه جزم ابن البرقي فيما حكاه أبو القاسم الجوهري في مسند الموطأ ووقع في أطراف المزي أن النسائي أخرجه من وجهين عن مالك عن زيد عن عبد الرحمن بن بجيد ولم يترجم في التهذيب لمحمد بل جزم في مبهماته بأن اسمه عبد الرحمن وليس ذلك بجيد لأن النسائي إنما رواه غير مسمى كأكثر رواة الموطأ ومستند من سماه عبد الرحمن ما في السنن الثلاثة عن الليث عن سعيد المقبري عن عبد الرحمن بن بجيد عن جده فذكره ولا يلزم من كون شيخ سعيد المقبري عبد الرحمن أن لا يكون شيخ زيد بن أسلم فيه آخر اسمه محمد ( عن جدته) أم بجيد مشهورة بكنيتها قال أبو عمر يقال اسمها حواء وترجم لها أحمد في المسند حواء جدة عمرو بن معاذ ويأتي في جامع الطعام وبعده في الترغيب في الصدقة حديث عمرو عنها وكانت من المبايعات ( أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال ردوا) أي أعطوا ( المسكين) وفي رواية السائل ( ولو بظلف) بكسر الظاء المعجمة وإسكان اللام وبالفاء وهو للبقر والغنم كالحافر للفرس ولو للتقليل لأن ذلك أقل ما يعطى والمعنى تصدقوا بما تيسر كثر أو قل ولو بلغ في القلة الظلف مثلاً فإنه خير من العدم وقال ( محرق) لأنه مظنة الانتفاع به بخلاف غيره فقد يلقيه آخذه وقال أبو حبان الواو الداخلة على الشرط للعطف لكنها لعطف حال على حال محذوفة وقد تضمنها السياق تقديره ردوه بشيء على حال ولو بظلف وقيد بالإحراق أي الشيء كما هو عادتهم فيه لأن النيء قد لا يؤخذ وقد يرميه آخذه فلا ينتفع بخلاف المشوي وقال الطيبي هذا تتميم لإرادة المبالغة في ظلف كقولها
كأنه علم في رأسه نار

يعني لا تردوه رد حرمان بلا شيء ولو أنه ظلف فهو مثل ضرب للمبالغة والذهاب إلى أن الظلف إذ ذاك كان له قيمة عندهم بعيد عن الاتجاه انتهى وهذا الحديث رواه أحمد عن روح بن عبادة والنسائي عن قتيبة بن سعيد وعن هارون بن عبد الله عن معن الثلاثة عن مالك به.