فهرس الكتاب

شرح الزرقاني - بَابُ فِدْيَةِ مَنْ حَلَقَ قَبْلَ أَنْ يَنْحَرَ

رقم الحديث 950 وَحَدَّثَنِي عَنْ مَالِكٍ، عَنْ نَافِعٍ، وَعَبْدِ اللَّهِ بْنِ دِينَارٍ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ، أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ قَالَ: مَنْ رَمَى الْجَمْرَةَ، ثُمَّ حَلَقَ أَوْ قَصَّرَ، وَنَحَرَ هَدْيًا، إِنْ كَانَ مَعَهُ، فَقَدْ حَلَّ لَهُ مَا حَرُمَ عَلَيْهِ.
إِلَّا النِّسَاءَ وَالطِّيبَ، حَتَّى يَطُوفَ بِالْبَيْتِ.


( مالك عن نافع وعبد الله بن دينار عن عبد الله بن عمر أن عمر بن الخطاب قال من رمى الجمرة ثم حلق أو قصر ونحر هديًا إن كان معه فقد حل له ما حرم عليه إلا النساء والطيب حتى يطوف بالبيت) أعاده لزيادة ثم حلق إلخ ولم يدخل ذلك فيما قبله لأنه سمعه من شيخه كذلك وهم يحافظون على تأدية ما سمعوه لا سيما مالك.


رقم الحديث 951 حَدَّثَنِي يَحْيَى، عَنْ مَالِكٍ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ الْقَاسِمِ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عَائِشَةَ أُمِّ الْمُؤْمِنِينَ أَنَّهَا قَالَتْ: خَرَجْنَا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَامَ حَجَّةِ الْوَدَاعِ.
فَأَهْلَلْنَا بِعُمْرَةٍ.
ثُمَّ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: مَنْ كَانَ مَعَهُ هَدْيٌ فَلْيُهْلِلْ بِالْحَجِّ مَعَ الْعُمْرَةِ، ثُمَّ لَا يَحِلُّ حَتَّى يَحِلَّ مِنْهُمَا جَمِيعًا، قَالَتْ: فَقَدِمْتُ مَكَّةَ وَأَنَا حَائِضٌ.
فَلَمْ أَطُفْ بِالْبَيْتِ وَلَا بَيْنَ الصَّفَا وَالْمَرْوَةِ.
فَشَكَوْتُ ذَلِكَ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
فَقَالَ: انْقُضِي رَأْسَكِ وَامْتَشِطِي وَأَهِلِّي بِالْحَجِّ وَدَعِي الْعُمْرَةَ، قَالَتْ: فَفَعَلْتُ.
فَلَمَّا قَضَيْنَا الْحَجَّ، أَرْسَلَنِي رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَعَ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي بَكْرٍ الصِّدِّيقِ إِلَى التَّنْعِيمِ، فَاعْتَمَرْتُ.
فَقَالَ: هَذَا مَكَانُ عُمْرَتِكِ، فَطَافَ الَّذِينَ أَهَلُّوا بِالْعُمْرَةِ بِالْبَيْتِ وَبَيْنَ الصَّفَا وَالْمَرْوَةِ ثُمَّ حَلُّوا مِنْهَا.
ثُمَّ طَافُوا طَوَافًا آخَرَ.
بَعْدَ أَنْ رَجَعُوا مِنْ مِنًى لِحَجِّهِمْ،.
وَأَمَّا الَّذِينَ كَانُوا أَهَلُّوا بِالْحَجِّ أَوْ جَمَعُوا الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ، فَإِنَّمَا طَافُوا طَوَافًا وَاحِدًا.


( دخول الحائض مكة)

( مالك عن عبد الرحمن بن القاسم عن أبيه عن عائشة أم المؤمنين أنها قالت خرجنا) معاشر المسلمين ( مع رسول الله صلى الله عليه وسلم عام حجة الوداع) سميت بذلك لأنه صلى الله عليه وسلم ودع الناس فيها وقال لعلي لا أحج بعد عامي هذا ولم يحج بعد الهجرة غيرها ( فأهللنا بعمرة) أي أدخلناها على الحج بعد أن أهللنا به ابتداءً وهو إخبار عن حالها وحال من كان مثلها في الإهلال بعمرة لا عن فعل جميع الناس فلا ينافي قولها المتقدم فمنا من أهل بعمرة ومنا من أهل بحج وعمرة ومنا من أهل بالحج وقد اختلفت الروايات فيما أحرمت به عائشة اختلافًا كثيرًا ( ثم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم) لمن معه بعد إحرامهم بالحج وقربهم من مكة بسرف كما في رواية عائشة أو بعد طوافهم بالبيت كما في رواية جابر ويحتمل كما قال عياض وغيره أنه قاله مرتين في الموضعين وإن العزيمة كانت آخرًا لما أمرهم بفسخ الحج إلى العمرة ( من كان معه هدي) بإسكان الدال وخفة الياء وبكسرها وشد الياء والأولى أفصح وأشهر اسم لما يهدى إلى الحرم من الأنعام وسوق الهدي سنة لمريد الحج أو العمرة ( فليهلل بالحج مع العمرة ثم لا يحل حتى يحل) بالحاء فيهما ( منهما) أي الحج والعمرة ( جميعًا) وفيه دلالة على أن السبب في بقاء من ساق الهدي على إحرامه أنه أدخل الحج على العمرة لا مجرد سوق الهدي كما يقوله أبو حنيفة وأحمد وجماعة متمسكين برواية عقيل عن الزهري في الصحيحين فقال صلى الله عليه وسلم من أحرم بعمرة ولم يهد فليحلل ومن أحرم بعمرة وأهدى فلا يحل حتى ينحر هديه ومن أحرم بحج فليتم حجه وهي ظاهرة في الدلالة لمذهبهم وقال مالك والشافعي وجماعة يحل بتمام العمرة قياسًا على الإجماع على من لم يسق هديًا ولأنه يحل من نسكه فوجب أن يحل له كل شيء وأجابوا عن هذه الرواية بأن فيها حذفًا بينته رواية مالك هذه وتقديره ومن أحرم بعمرة وأهدى فليهلل بالحج وحينئذ فلا يحل حتى ينحر هديه وهذا التأويل متعين لأن فيه جمعًا بين الروايتين لأن القصة واحدة والمخرج واحد وهو عائشة ( قالت فقدمت مكة وأنا حائض) جملة إسمية وقعت حالاً وكان ابتداءً حيضها بسرف كما صح عنها وذلك يوم السبت لثلاث خلون من ذي الحجة ( فلم أطف بالبيت) لأن الطهارة شرط فيه ولأنه في المسجد ولا تدخله الحائض ( ولا بين الصفا والمروة) لأن شرطه أن يعقب الطواف قال الطيبي عطف على المنفي قبله على تقدير ولم أسع نحو

علفتها تبنا وماء باردًا

ويجوز أن يقدر ولم أطف على طريق المجاز لما في الحديث وطاف بالصفا والمروة سبعة أشواط وإنما ذهب إلى التقدير دون الانسحاب لئلا يلزم استعمال اللفظ الواحد حقيقة ومجازًا في حالة واحدة انتهى أي لأن حقيقة الطواف الشرعي لم توجد لأنها الطواف بالبيت وأجيب أيضًا بأنه سمي السعي طوافًا على حقيقته اللغوية فالطواف لغة المشي ( فشكوت ذلك إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم) لما دخل عليها وهي تبكي فقال ما يبكيك فقلت لا أصلي كما في رواية عنها في الصحيح كنت بذلك عن الحيض وهي من لطيف الكنايات وفي مسلم عن جابر أن دخوله عليها وشكواها كان يوم التروية ( فقال انقضي) بضم القاف وكسر الضاد المعجمة ( رأسك) أي حلي ضفر شعره ( وامتشطي) أي سرحيه بالمشط ( وأهلي بالحج ودعي) اتركي ( العمرة) ظاهره أنه أمرها أن تجعل عمرتها حجًا ولذا قالت يرجع الناس بحج وعمرة وأرجع بحج فأعمرها من التنعيم واستشكل إذ العمرة لا ترتفض كالحج وقال مالك ليس العمل على هذا الحديث قديمًا ولا حديثًا قال ابن عبد البر يريد ليس العمل عليه في رفض العمرة وجعلها حجًا بخلاف جعل الحج عمرة فإنه وقع للصحابة واختلف في جوازه من بعدهم وأجاب جماعة منهم الشافعي باحتمال أن معنى دعي عمرتك اتركي التحلل منها وأدخلي عليها الحج فتصير قارنة ويؤيده قوله في رواية مسلم وأمسكي عن العمرة أي عن أعمالها وإنما قالت وأرجع بحج لاعتقادها أن أفراد العمرة بالعمل أفضل كما وقع لغيرها من أمهات المؤمنين ولمسلم أيضًا فقال لها صلى الله عليه وسلم طوافك يسعك لحجك وعمرتك فهذا صريح في أنها قارنة وتعقب بأن قوله انقضي رأسك وامتشطي ظاهر في إبطال العمرة لأن المحرم لا يفعل مثل ذلك لتأديته إلى نتف الشعر وأجيب بجوازهما للمحرم حيث لا يؤدي إلى نتف الشعر مع الكراهة بغير عذر أو كان ذلك لأذى برأسها فأباح لها ذلك كما أباح لكعب بن عجرة الحلاق لا أذى برأسه أو نقض رأسها لأجل الغسل لتهل بالحج ولا سيما إن كانت تلبدت فتحتاج إلى نقض الضفر ولعل المراد بالامتشاط تسريح شعرها بأصابعها برفق حتى لا يسقط منه شيء ثم تضفره كما كان أو أعادت الشكوى بعد رمي جمرة العقبة فأباح لها الامتشاط حينئذ قال المازري وهو تعسف بعيد من لفظ الحديث أو كان مذهبها أن المعتمر إذا دخل مكة استباح له ما يستبيحه الحاج إذا رمى الجمرة قال الخطابي وهذا لا يعلم وجهه ( قالت) عائشة ( ففعلت) بسكون اللام ما ذكر من النقض والامتشاط والإهلال بالحج وترك العمرة وبظاهره استدل الحنفية على أن المرأة إذا أحرمت بالعمرة متمتعة فحاضت قبل أن تطوف تترك العمرة وتهل بالحج مفردًا كما صنعت عائشة فإنها تركتها وحجت مفردة ويقويه ما لأحمد عن عطاء عنها وأرجع بحجة ليس معها عمرة ورد بأن في رواية عطاء عنها ضعفًا وفي مسلم في حديث جابر أن عائشة أهلت بعمرة حتى إذا كانت بسرف حاضت فقال لها النبي صلى الله عليه وسلم أهلي بالحج حتى إذا طهرت طافت بالكعبة وسعت فقال قد حللت من حجك وعمرتك قالت يا رسول الله إني أجد في نفسي أني لم أطف بالبيت حتى حججت قال فأعمرها من التنعيم فهذا صريح في أنها كانت قارنة وإنما أعمرها من التنعيم تطييبًا لقلبها لكونها لم تطف بالبيت لما دخلت معتمرة وفي رواية لمسلم وكان صلى الله عليه وسلم رجلاً سهلاً إذا هويت الشيء تابعها عليه ( فلما قضينا الحج) أتممناه أي وطهرت وفي مسلم عن مجاهد عنها أنها طهرت بعرفة وعن القاسم عنها وطهرت صبيحة ليلة عرفة حين قدمنا منى وله عنه أيضًا فخرجت في حجتي حتى نزلنا منى فتطهرت ثم طفنا بالبيت فاتفقت الروايات كلها على أنها طافت طواف الإفاضة يوم النحر وجمع بين رواية مجاهد والقاسم بأنها ما رأت الطهر إلا بعد أن نزلت منى وقول ابن حزم حاضت يوم السبت لثلاث خلون من ذي الحجة وطهرت يوم السبت عاشره إنما أخذه من روايات مسلم المذكورة ( أرسلني رسول الله صلى الله عليه وسلم مع) أخي ( عبد الرحمن بن أبي بكر الصديق إلى التنعيم) بفتح الفوقية وسكون النون وكسر المهملة مكان خارج مكة على أربعة أميال منها إلى جهة المدينة كما نقله الفاكهي وقال المحب الطبري أبعد من أدنى الحل إلى مكة بقليل وليس بطرف الحل بل بينهما نحو ميل ومن أطلق عليه طرف الحل فهو تجوز قال الحافظ وأراد بالنسبة إلى بقية الجهات وروى الفاكهي عن عبيد بن عمير إنما سمي التنعيم لأن الجبل الذي عن يمين الداخل يقال له ناعم والذي على اليسار يقال له منعم والوادي نعمان أي بفتح النون وروى الأزرقي عن ابن جريج رأيت عطاء يصف الموضع الذي أحرمت منه عائشة فأشار إلى الموضع الذي وراء الأكمة وهو المسجد الخرب ونقل الفاكهي عن ابن جريج وغيره أن ثم مسجدين يزعم أهل مكة أن الخرب الأدنى من الحرم وهو الذي أحرمت منه عائشة وقيل هو المسجد الأبعد عن الأكمة الحمراء ورجحه المحب الطبري وقال الفاكهي لا أعلم ذلك إلا أني سمعت ابن أبي عمير يذكر عن أشياخه أن الأول هو الصحيح عندهم ( فاعتمرت فقال) صلى الله عليه وسلم ( هذا) الاعتمار وفي رواية هذه أي العمرة ( مكان) بالرفع خبر وبالنصب على الظرفية وعامله المحذوف وهو الخبر أي كائنة أو مجعولة مكان ( عمرتك) قال عياض والرفع أوجه عندي إذ لم يرد به الظرف إنما أراد عوض عمرتك فمن قال كانت قارنة قال مكان عمرتك التي أردت أن تأتي بها مفردة وحينئذ فتكون عمرتها من التنعيم تطوعًا لا عن فرض لكنه أراد تطييب نفسها بذلك ومن قال كانت مفردة قال مكان عمرتك التي فسخت الحج إليها ولم تتمكني من الإتيان بها للحيض وقال السهيلي الوجه النصب على الظرف لأن العمرة ليست بمكان لعمرة أخرى لكن إن جعلت مكان بمعنى عوض أو بدل مجازًا أي هذه بدل عمرتك جاز الرفع حينئذ ( فطاف الذين أهلوا بالعمرة) وحدها ( بالبيت و) سعوا أو طافوا ( بين الصفا والمروة ثم حلوا) منها بالحلق أو التقصير ( ثم طافوا طوافًا آخر) للإفاضة ووقع لبعض رواة البخاري طوافًا واحدًا والصواب الأول قاله عياض ( بعد أن رجعوا من منى لحجهم) يوم النحر ( وأما الذين كانوا أهلوا بالحج) مفردًا ( أو جمعوا الحج والعمرة فإنما طافوا طوافًا واحدًا) لأن القارن يكفيه طواف واحد وسعي واحد لأن أفعال العمرة تندرج في أفعال الحج وإلى هذا ذهب مالك والشافعي وأحمد والجمهور وقال الحنفية لا بد للقارن من طوافين وسعيين لأن القران هو الجمع بين العبادتين فلا يتحقق إلا بالإتيان بأفعال كل منهما والطواف والسعي مقصودان فيهما فلا يتداخلان إذ لا تداخل في العبادات وحكي عن العمرين وعلي وابنه الحسن وابن مسعود ولا يصح ذلك عن واحد منهم وحديث علي وابن عمر أنهما جمعا بين حجة وعمرة معًا وطافا لهما طوافين وسعيًا لهما سعيين وقال كل منهما هكذا رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم صنع وابن مسعود وعمران بن حصين نحوه رواها كلها الدارقطني لا يصح الاحتجاج بها لما في أسانيد كل منها من الضعف وفي أسانيد حديث ابن عمر الحسن بن عمارة وهو متروك والمروي عنه في الموطأ والصحيحين والسنن من طرق كثيرة الاكتفاء بطواف واحد وقال البيهقي إن ثبت أنه طاف طوافين حمل على طواف القدوم والإفاضة وقال ابن حزم لا يصح عن النبي صلى الله عليه وسلم ولا عن أحد من أصحابه في ذلك شيء أصلاً وقد روى سعيد بن منصور عن ابن عمر عن النبي صلى الله عليه وسلم قال من جمع بين الحج والعمرة كفاه لهما طواف واحد وسعي واحد وأعله الطحاوي بأن الدراوردي أخطأ في رفعه والصواب أنه موقوف لأن أيوب والليث وموسى بن عقبة وغير واحد رووه عن نافع عن ابن عمر موقوفًا وتعقب بأن الدراوردي صدوق وليس ما رواه مخالفًا لرواية غيره فلا مانع من أن الحديث عند نافع على الوجهين وحديث عائشة ظاهر في الدلالة على الوحدة ( مالك عن ابن شهاب عن عروة بن الزبير عن عائشة بمثل ذلك) الذي رويته عن عبد الرحمن بن القاسم عن أبيه عنها قال الحافظ ليس مراد المحدث بقوله بمثل ذلك إلا نفسه انتهى قال ابن عبد البر هكذا رواه يحيى بهذين الإسنادين ولم يروه أحد من رواة الموطأ ولا غيرهم عن مالك كذلك إنما هو عند جميعهم مالك عن ابن شهاب عن عروة عن عائشة ويمكن أنه عند مالك بالإسنادين فذكرهما لما حدث به يحيى انتهى وفي قوله يمكن إلخ نظر لأن من شرط قبول زيادة الثقة أن لا يكون من لم يزدها أوثق منه كما قاله ابن عبد البر نفسه وغيره وقد أخرجه البخاري في مواضع عن القعنبي وعبد الله بن يوسف وإسماعيل ومسلم عن يحيى وأبو داود عن القعنبي والنسائي من طريق ابن القاسم وأشهب وابن مهدي وبشير بن عمر ثمانيتهم عن مالك عن ابن شهاب به وتابعه إبراهيم بن أسعد عند البخاري ومعمر بن راشد عند مسلم كلاهما عن ابن شهاب به ( مالك عن عبد الرحمن بن القاسم عن أبيه عن عائشة أنها قالت قدمت مكة) في حجة الوداع ( وأنا حائض فلم أطف بالبيت) لأنه صلاة ( ولا بين الصفا والمروة) لتوقفه على سبق الطواف وإن صح بلا طهارة ( فشكوت ذلك إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال افعلي ما يفعل الحاج) من الوقوف بعرفة وغير ذلك ( غير أن لا تطوفي بالبيت ولا بين الصفا والمروة حتى تطهري) بسكون الطاء وضم الهاء كذا فيما وقفت عليه من الأصول قاله بعض الشراح وقال الحافظ بفتح التاء والطاء المهملة والهاء المشددتين على حذف إحدى التاءين وأصله تطهري ويؤيده رواية مسلم حتى تغتسلي والحديث ظاهر في نهي الحائض عن الطواف لو فعلته وفي معناها الجنب والمحدث وهو قول الجمهور وقال الحاكم وحماد ومنصور وسليمان لا بأس بالطواف على غير طهارة رواه ابن أبي شيبة وفي هذا تعقب على قول النووي انفرد أبو حنيفة بأن الطهارة ليست بشرط في الطواف واختلف أصحابه في وجوبها وجبره بالدم إن فعله فلم ينفرد بذلك كما ترى فلعله أراد انفراده عن الأئمة الثلاثة لكن عند أحمد أن الطهارة للطواف واجبة تجبر بالدم وللمالكية قول يوافقه انتهى وقال الولي في الحديث دليل على امتناع الطواف على الحائض وهو مجمع عليه لكن اختلفوا في علته على حسب اختلافهم في اشتراط الطهارة في صحة الطواف فقال الجمهور ومالك والشافعي وأحمد باشتراطها فالعلة في بطلانه عدم الطهارة وقال أبو حنيفة وداود ليست شرطًا فالعلة كونها ممنوعة من اللبث في المسجد بل ومن دخوله على رأي انتهى وأخرجه البخاري عن عبد الله بن يوسف عن مالك به ( قال مالك في المرأة التي تهل) تحرم ( بالعمرة) من الميقات ( ثم تدخل مكة موافية للحج) أي مظلة عليه ومشرفة يقال أوفى على ثنية كذا أي شارفها وأظل عليها ولا يلزم منه أن يكون دخل فيها ( وهي حائض لا تستطيع الطواف بالبيت) لفقد شرطه وهو الطهارة ( إنها) بكسر الهمزة ( إذا خشيت الفوات) للحج بانتظار الطهر وأفعال العمرة بعده ( أهلت بالحج وأهدت وكانت) أي صارت قارنة ( مثل من قرن الحج والعمرة) ابتداء ( وأجزأ عنها طواف واحد) لأنه الذي على القارن كما دلت عليه الأحاديث ( والمرأة الحائض إذا كانت قد طافت بالبيت وصلت) ركعتي الطواف ثم حاضت ( فإنها تسعى بين الصفا والمروة) إذ ليست الطهارة شرطًا فيه باتفاق إلا ما روي عن الحسن البصري ورواية عن أحمد لكن روى ابن أبي شيبة بإسناد صحيح عن الحسن مثل ما قال مالك إذا طافت ثم حاضت قبل السعي فلتسع فلعله يفرق بين الحائض والمحدث ( وتقف بعرفة والمزدلفة وترمي الجمار غير أنها لا تفيض حتى تطهر من حيضتها) كما قال في الحديث افعلي ما يفعل الحاج غير أن لا تطوفي بالبيت.



رقم الحديث 951 حَدَّثَنِي يَحْيَى، عَنْ مَالِكٍ، عَنْ عَبْدِ الْكَرِيمِ بْنِ مَالِكٍ الْجَزَرِيِّ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي لَيْلَى، عَنْ كَعْبِ بْنِ عُجْرَةَ، أَنَّهُ كَانَ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مُحْرِمًا، فَآذَاهُ الْقَمْلُ فِي رَأْسِهِ، فَأَمَرَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ يَحْلِقَ رَأْسَهُ.
.

     وَقَالَ : صُمْ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ.
أَوْ أَطْعِمْ سِتَّةَ مَسَاكِينَ، مُدَّيْنِ مُدَّيْنِ لِكُلِّ إِنْسَانٍ.
أَوِ انْسُكْ بِشَاةٍ.
أَيَّ ذَلِكَ فَعَلْتَ أَجْزَأَ عَنْكَ.


( فدية من حلق قبل أن ينحر)

( مالك عن عبد الكريم بن مالك الجزري) بفتح الجيم والزاي أبي سعيد مولى بني أمية الحراني وثقه الأئمة وقال ابن معين ثقة ثبت وحكى عنه أن حديثه عن عطاء ردي قال ابن معين عنى بذلك حديث عائشة كان صلى الله عليه وسلم يقبلها ولا يتوضأ قال وإذا روى الثقات عنه فأحاديثه مستقيمة وأنكر يحيى القطان حديثه عن عطاء في لحم البغل لكن احتج به الستة وكفى برواية مالك عنه توثيقًا قال أحمد ويحيى لا نبالي أن نسأل عمن روى عنه مالك وروى عنه أيضًا شعبة والسفيانان وقالا إنه ثقة ويقال أنه رأى أنس بن مالك مات سنة سبع وعشرين ومائة بحران ( عن عبد الرحمن بن أبي ليلى) كذا ليحيى وأبي مصعب وابن بكير والقعنبي ومطرف والشافعي ومعن وسعيد بن عفير وعبد الله بن يوسف ومصعب ومحمد بن المبارك الصوري ورواه ابن وهب وابن القاسم عن مالك عن عبد الكريم الجزري عن مجاهد عن عبد الرحمن وهو الصواب ومن أسقط مجاهدًا فقد أخطأ فإن عبد الكريم لم يلق ابن أبي ليلى ولا رآه وزعم الشافعي أن مالكًا هو الذي وهم في إسقاط مجاهد وذكر الطحاوي أن القعنبي رواه عن مالك بإثباته وكذا رواه عنه مكي بن إبراهيم قاله ابن عبد البر ( عن كعب بن عجرة) بضم العين المهملة وسكون الجيم وفتح الراء ابن أمية البلوي حليف الأنصار شهد الحديبية ونزلت فيه قصة الفدية وسكن الكوفة ومات بالمدينة سنة إحدى وخمسين ( أنه كان مع رسول الله صلى الله عليه وسلم محرمًا) بالحديبية ( فأذاه القمل في رأسه) وفي البخاري عنه وقف علي رسول الله صلى الله عليه وسلم بالحديبية ورأسي يتهافت قملاً وفي رواية والقمل يتناثر على وجهي ولأحمد وقع القمل في رأسي ولحيتي حتى حاجبي وشاربي فقال صلى الله عليه وسلم لقد أصابك بلاء وللطبراني إن هذا لأذى قلت شديد يا رسول الله ( فأمره رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يحلق رأسه) أي يزيل شعره أعم من أن يكون بموسى أو مقص أو نورة ( وقال صم ثلاثة أيام) بيان لقوله تعالى { { ففدية من صيام } } كما بين قوله { { أو صدقة } } بقوله ( أو أطعم ستة مساكين) المراد بهم ما يشمل الفقراء ( مدين مدين) بالتكرير لإفادة عموم التثنية ( لكل إنسان) منهم وفي رواية الصحيحين لكل مسكين نصف صاع والصاع أربعة أمداد عند الأئمة الثلاثة والجمهور فهو موافق لرواية الصحيحين أيضًا أو تصدق بفرق بين ستة فإنه بفتحتين وتسكن الراء أيضًا مكيال يسع ستة عشر رطلاً ولأحمد نصف صاع طعام وفي رواية نصف صاع حنطة ولمسلم والطبراني نصف صاع تمر ولأبي داود نصف صاع زبيب وفي إسناده ابن إسحاق وليس بحجة في الأحكام إذا خالف والمحفوظ كما قال الحافظ رواية التمر لأنها لم يختلف فيها على راويها قال وعرف بذلك قوة قول من قال لا فرق بين التمر والحنطة وأن الواجب ثلاثة آصع لكل مسكين نصف صاع ( أو انسك) أي تقرب ( بشاة) تذبحها ( أي ذلك فعلت أجزأ عنك) صرح بذلك بعد التعبير بأو المفيدة للتخيير زيادة في البيان ( مالك عن حميد بن قيس) المكي الأعرج القاري وثقه ابن معين وابن سعد وأبو زرعة وأبو حاتم الرازيان وأبو داود والنسائي وغيرهم كأحمد في رواية أبي طالب وقال في رواية ابنه ليس بالقوي لكن احتج به الستة وكفى برواية مالك عنه ( عن مجاهد أبي الحجاج) كنية مجاهد بن جبر بفتح الجيم وسكون الموحدة المخزومي مولاهم المكي ثقة إمام في التفسير وفي العلم مات سنة إحدى أو اثنين أو ثلاث أو أربع ومائة وله ثلاث وثمانون سنة وليحيى بن الحجاج وهو خطأ إذ لم يقل أحد أن اسم أبيه الحجاج فالصواب أبي بأداة الكنية ( عن) عبد الرحمن ( بن أبي ليلى) الأنصاري المدني ثم الكوفي ثقة من كبار التابعين اختلف في سماعه من عمر مات بوقعة الجماجم سنة ثلاث وثمانين قيل إنه غرق ( عن كعب بن عجرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال) له وهو محرم معه بالحديبية والقمل يتناثر على وجهه ( لعلك آذاك هوامك) بشد الميم جمع هامة بشدها وهي الدابة والمراد بها هنا القمل كما في كثير من الروايات لأنها تطلق على ما يدب من الحيوان وإن لم يقتل كالحشرات والقمل ( فقلت نعم يا رسول الله) آذاني ( فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم احلق) بكسر اللام ( رأسك) أزل شعره ( وصم ثلاثة أيام أو أطعم ستة مساكين) مدين مدين لكل إنسان كما في الرواية السابقة ( أو انسك بشاة) أي تقرب بها وهذا دم تخيير استفيد من التعبير بأو المكررة قال ابن عباس ما كان في القرآن أو فصاحبه بالخيار ومر في السابق أي ذلك فعلت أجزأ عنك ولأبي داود من وجه آخر أنه صلى الله عليه وسلم قال له إن شئت فانسك نسيكة وإن شئت فصم ثلاثة أيام وإن شئت فأطعم ثلاثة آصع من تمر لستة مساكين وفي رواية للشيخين أو انسك ما تيسر ولهما أيضًا أتجد شاة قلت لا فنزلت هذه الآية { { ففدية من صيام أو صدقة أو نسك } } قال فصم ثلاثة أيام أو أطعم ستة مساكين فنزلت في خاصة وهي لكم عامة واستشكل بأن الفاء تدل على الترتيب والآية وردت للتخيير وأجيب بأن التخيير إنما هو عند وجود الشاة أما عند عدمها فالتخيير بين أمرين لا بين الثلاثة وقال النووي ليس المراد أن الصوم لا يجزئ إلا لعادم الهدي بل هو محمول على أنه سأل عن النسك فإن وجده أخبره أنه مخير بين الثلاث وإن عدمه فهو مخير بين اثنين والحديث رواه البخاري عن عبد الله بن يوسف عن مالك به ( مالك عن عطاء بن عبد الله الخراساني) كان فاضلاً عالمًا بالقرآن عاملاً روى عنه جماعة من الأئمة وإدخاله البخاري في كتاب الضعفاء رده ابن عبد البر كما تقدم وقال قد وثقه ابن معين ولمالك عنه مرفوعًا ثلاثة أحاديث هذا ثانيها ( أنه قال حدثني شيخ بسوق البرم) بضم الموحدة وفتح الراء جمع برمة وهي القدر من الحجر ( بالكوفة) قال ابن عبد البر يقولون إن هذا الشيخ عبد الرحمن بن أبي ليلى وهذا بعيد لأنه أشهر في التابعين من أن يقول فيه عطاء شيخ وأظن قائل ذلك لما عرف أنه كوفي وأنه الذي يروي الحديث عن كعب ظن أنه هو وقد روى هذا الحديث عبد الله بن معقل عن كعب وقد يكون هو الشيخ الذي ذكره عطاء فهو كوفي لا يبعد أن يلقاه عطاء وهو أشبه عندي انتهى ورواية ابن معقل وهو بالمهملة وكسر القاف في الصحيحين ( عن كعب بن عجرة أنه قال جاءني رسول الله صلى الله عليه وسلم) زاد في رواية لمسلم زمن الحديبية ( وأنا أنفخ تحت قدر لأصحابي) وفي رواية قدر لي وفي رواية تحت برمة لي فبين أن القدر برمة ولا تنافي بين إضافته له تارة ولأصحابه أخرى كما هو ظاهر ( وقد امتلأ رأسي ولحيتي قملاً) زاد أحمد حتى حاجبي وشاربي ( فأخذ بجبهتي ثم قال احلق هذا الشعر) وفي رواية لمسلم فدعا الحلاق فحلق رأسه ( وصم ثلاثة أيام أو أطعم ستة مساكين) مدين مدين لكل إنسان ( وقد كان رسول الله صلى الله عليه وسلم علم) بقوله لي أتجد شاة قلت لا ( إنه ليس عندي ما أنسك به) فلم يأمرني به فلا يخالف الروايات الكثيرة أنه خيره بين الثلاثة لأن ذلك عند وجود الشاة فلما أخبره أنها ليست عنده خيره بين الصيام والإطعام وفي رواية لأبي داود فحلقت رأسي ونسكت وله وللطبراني وغيرهما من طرق تدور على نافع قال فحلق فأمره صلى الله عليه وسلم أن يهدي بقرة وقد اختلف على نافع في الواسطة الذي بينه وبين كعب وعارضه ما هو أصح منه أن الذي أمر به كعب وفعله إنما هو شاة قال الحافظ العراقي لفظ بقرة منكر شاذ ثم لا يعارض هذا ما في الصحيحين أنه سأله أتجد شاة قال لا لاحتمال أنه وجدها بعد ما أخبره أنه لا يجدها فنسك بها وأما ما أخرجه ابن عبد البر أنه قال فحلقت وصمت فإما أنها رواية شاذة أو أنه فعل الصوم أيضًا باجتهاده وفي هذه الأحاديث أن السنة مبينة لمجمل القرآن لإطلاق الفدية فيه وتقييدها بالسنة وحرمة حلق الرأس عن المحرم والرخصة له في حلقها إذا آذاه القمل أو غيره من الأوجاع ووجوب الفدية على العامد بلا عذر فإن إيجابها على المعذور من التنبيه بالأدنى على الأعلى وأنها على التخيير عمدًا أو سهوًا أو لعذر وقال أبو حنيفة والشافعي لا يتخير العامد بل يتعين الدم ( قال مالك في فدية الأذى إن الأمر فيه أن أحدًا لا يفتدي حتى يفعل ما يوجب عليه الفدية وأن الكفارة إنما تكون بعد وجوبها على صاحبها وأنه يضع فديته حيثما شاء) بزيادة ما ( النسك أو الصيام أو الصدقة بمكة أو بغيرها من البلاد) زيادة إيضاح لقوله حيث شاء بخلاف جزاء الصيد لقوله تعالى { { هديًا بالغ الكعبة } } والإطلاق في آية { { ففدية من صيام أو صدقة أو نسك } } ولما بين النبي صلى الله عليه وسلم مجملها في أحاديث كعب لم يقيد بمكة فدل ذلك على الإطلاق ( قال مالك لا يصلح للمحرم) أي يحرم عليه من الصلاح ضد الفساد وهو حرام ( أن ينتف من شعره شيء ولا يحلقه) يزيله بموسى أو مقص أو نورة ( ولا يقصره حتى يحل إلا أن يصيبه أذى في رأسه) كقمل وصداع ( فعليه فدية كما ذكره الله تعالى) بقوله { { فمن كان منكم مريضًا أو به أذى من رأسه ففدية من صيام أو صدقة أو نسك } } وفي الصحيحين عن كعب بن عجرة في نزلت الآية خاصة وهي لكم عامة وفي لفظ فأنزل الله في خاصة ثم كانت للمسلمين عامة وفي هذا دلالة لأصح قولي مالك إن العبرة بعموم اللفظ لا بخصوص السبب ( ولا يصلح له أن يقلم أظفاره) لأنه إزالة أذى أو ترفه ( ولا يقتل قملة) واحدة وأولى ما زاد ( ولا يطرحها من رأسه إلى الأرض) قيد ( ولا من جلده) جسده ( ولا من ثوبه فإن طرحها المحرم من جلده أو من ثوبه فليطعم حفنة من طعام) أي ملء يد واحدة كما قاله في المدونة وإن كانت لغة ملء اليدين ( قال مالك من نتف شعرًا من أنفه أو من إبطه أو اطلى) بشد الطاء افتعل ( جسده بنورة) بضم النون حجر الكاس ثم غلبت على أخلاط تضاف إليه من زرنيخ وغيره يستعمل لإزالة الشعر ( أو يحلق عن شجة رأسه لضرورة أو يحلق قفاه لموضع المحاجم وهو محرم ناسيًا أو جاهلاً إن فعل شيئًا من ذلك فعليه الفدية في ذلك كله ولا ينبغي له أن يحلق موضع المحاجم ومن جهل) وفي نسخة نسي ( فحلق رأسه قبل أن يرمي الجمرة افتدى) لأنه ألقى التفث قبل التحلل وقد أمر كعب بالفدية في الحلق قبل محله لضرورته فكيف بالجاهل والناسي.