فهرس الكتاب

شرح الزرقاني - بَابُ مَا جَاءَ فِي الْكَنْزِ

رقم الحديث 605 حَدَّثَنِي يَحْيَى، عَنْ مَالِكٍ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ دِينَارٍ، أَنَّهُ قَالَ: سَمِعْتُ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عُمَرَ وَهُوَ يُسْأَلُ عَنِ الْكَنْزِ مَا هُوَ؟ فَقَالَ: هُوَ الْمَالُ الَّذِي لَا تُؤَدَّى مِنْهُ الزَّكَاةُ.


( مالك عن عبد الله بن دينار) المدني مولى ابن عمر ( أنه قال سمعت عبد الله بن عمر) بن الخطاب ( وهو يسأل عن الكنز) في قوله تعالى { { والذين يكنزون الذهب والفضة } }( ما هو فقال هو المال الذي لا تؤدى منه الزكاة) فما أديت منه فليس بكنز وعلى هذا التفسير جمهور العلماء وفقهاء الأمصار وقد رواه سفيان الثوري عن ابن دينار عن ابن عمر مرفوعًا أخرجه الطبراني والبيهقي وقال ليس بمحفوظ وروى ابن مردويه من طريق سويد بن عبد العزيز والبيهقي من رواية عبد الله بن نمير كلاهما عن عبيد الله بن عمر عن نافع عن ابن عمر مرفوعًا كل ما أديت زكاته وإن كان تحت سبع أرضين فليس بكنز وكل ما لا تؤدى زكاته فهو كنز وإن كان ظاهرًا على وجه الأرض قال البيهقي ليس بمحفوظ والمشهور وقفه قال ابن عبد البر ويشهد له حديث أبي هريرة مرفوعًا إذا أديت زكاة مالك فقد قضيت ما عليك أخرجه الترمذي وقال حسن غريب وصححه الحاكم ولأبي داود عن أم سلمة كنت ألبس أوضاحًا من ذهب فقلت يا رسول الله أكنز فقال ما بلغ أن تؤدى زكاته فيزكي فليس بكنز صححه الحاكم وابن القطان وقال ابن عبد البر في سنده مقال وقال الزين العراقي سنده جيد وروى ابن أبي شيبة عن ابن عباس ما أدى زكاته فليس بكنز وللحاكم عن جابر مرفوعًا إذا أديت زكاة مالك فقد أذهبت عنك شره ورواه عبد الرزاق موقوفًا ورجحه أبو زرعة والبيهقي وغيرهما وقد استدل له البخاري بقوله صلى الله عليه وسلم ليس فيما دون خمس أواقٍ صدقة قال ابن بطال وغيره وجه الاستدلال أن الكنز المذموم هو المتوعد عليه الموجب لصاحبه النار لا مطلق الكنز الذي هو أعم من ذلك ومفهومه أن ما زاد فيه الصدقة وما أخرجت منه الصدقة لا وعيد على صاحبه فلا يسمى كنزًا وقال ابن رشد ما لا تجب فيه الزكاة لا يسمى كنزًا لأنه معفو عنه فما أخرجت زكاته كذلك لأنه عفي عنه بإخراج الواجب فيه فلا يسمى كنزًا قال أبو عمر لا أعلم خلافًا في تفسير الكنز بذلك إلا ما روي عن علي وأبي ذر والضحاك وأبي ذر وقوم من أهل الزهد أن في المال حقًا سوى الزكاة وجاءت آثار عن أبي ذر تدل على أن الكنز ما فضل عن القوت وسداد العيش وأن آية الوعيد نزلت في ذلك وعنه أيضًا أنها في منع الزكاة ( مالك عن عبد الله بن دينار عن أبي صالح) ذكوان ( السمان) بائع السمن ( عن أبي هريرة أنه كان يقول) موقوفًا ورفعه عبد الرحمن بن عبد الله بن دينار عن أبيه عن أبي صالح عن أبي هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم رواه البخاري وتابعه زيد بن أسلم عن أبي صالح عن أبي هريرة مرفوعًا عند مسلم وساقه مطولاً وكذا رفعه أبو الزناد عن الأعرج عن أبي هريرة عند البخاري وسهيل بن أبي صالح عن أبيه عن أبي هريرة عند مسلم والقعقاع بن حكيم عن أبي صالح عن أبي هريرة عند النسائي وخالفهم عبد العزيز بن أبي سلمة فرواه عن عبد الله بن دينار عن ابن عمر عن النبي صلى الله عليه وسلم أخرجه النسائي ورجحه لكن قال ابن عبد البر رواية عبد العزيز خطأ بين في الإسناد لأنه لو كان عند ابن دينار عن ابن عمر ما رواه عن أبي صالح أصلاً قال الحافظ وفي هذا التعليل نظر وما المانع أن له فيه شيخين نعم الذي على طريقة أهل الحديث أن رواية عبد العزيز شاذة لأنه سلك طريق الجادة ومن عدل عنها دل على مزيد حفظه ( من كان عنده مال لم يؤد زكاته) وفي رواية البخاري من آتاه الله مالاً فلم يؤد زكاته ( مثل) بضم الميم مبنيًا للمفعول أي صور ( له يوم القيامة) ماله الذي لم يؤد زكاته ( شجاعًا) بضم الشين والنصب مفعول ثان لمثل والضمير الذي فيه يرجع إلى مال وقد ناب عن المفعول الأول وقال الطيبي نصب لجريه مجرى المفعول الثاني أي صور ماله شجاعًا وقال الدماميني نصب على الحال وهو الحية الذكر وقيل الذي يقوم على ذنبه ويواثب الفارس والراجل وربما بلغت وجه الفارس تكون في الصحارى ( أقرع) برأسه بياض وكلما كثر سمه أبيض رأسه قاله ابن عبد البر وفي الفتح الأقرع الذي تقرع رأسه أي تمعط لكثرة سمه وفي كتاب أبي عبيد سمي أقرع لأن شعر رأسه يتمعط لجمعه السم فيه وتعقبه القزاز بأن الحية لا شعر برأسها فلعله يذهب جلد رأسه وفي تهذيب الأزهري سمي أقرع لأنه يفري السم ويجمعه في رأسه حتى تتمعط فروة رأسه قال ذو الرمة

فرى السم حتى انمار فروة رأسه
عن العظم صل فاتك اللسع مارده

( له زبيبتان) بفتح الزاي وموحدتين تثنية زبيبة وهما الزبدتان اللتان في الشدقين يقال تكلم فلان حتى زبب شدقاه أي خرج الزبد منهما وقيل هما النكتتان السوداوان فوق عينيه وهي علامة الحية الذكر المؤذي وقيل نقطتان يكتنفان فاه وقيل هما في حلقه بمنزلة زنمتي العنز وقيل لحمتان على رأسه مثل القرنين وقيل نابان يخرجان من فيه ( يطلبه حتى يمكنه) وللبخاري والنسائي فلا يزال يتبعه حتى يلقمه أصبعه ( يقول أنا كنزك) وللبخاري أقرع يطوقه يوم القيامة ثم يأخذ بلهزمتيه يعني شدقيه ثم يقول أنا مالك أنا كنزك ثم تلا { { ولا يحسبن الذين يبخلون } } الآية وفائدة هذا القول زيادة الحسرة في العذاب حتى لا ينفعه الندم وفيه نوع من التهكم ولابن حبان في حديث ثوبان يتبعه فيقول أنا كنزك الذي تركته بعدك فلا يزال يتبعه حتى يلقمه يده فيمضغها ثم يتبعه سائر جسده ولمسلم في حديث جابر يتبع صاحبه حيث ذهب وهو يفر منه فإذا رأى أنه لا بد له منه أدخل يده في فيه فجعل يقضمها كما يقضم الفعل وظاهر الحديث أن الله يصير نفس المال بهذه الصفة وفي حديث جابر عند مسلم مثل كما هنا قال القرطبي أي صور أو نصب وأقيم من قولهم مثل قائمًا أي منتصبًا أو ضمن مثل معنى التصيير أي صير ماله على هذه الصورة وقال عياض ظاهره أن الله خلق هذا الشجاع لعذابه ومعنى مثل نصب كقوله من سره أن يتمثل له الناس قيامًا أي ينتصبون وقد يكون معناه صور ماله على هذه الصورة كقوله أشد الناس عذابًا الممثلون أي المصورون ويشهد له رواية إلا جاء كنزه يوم القيامة شجاعًا ثم لا تنافي بين هذا وبين رواية مسلم مرفوعًا ما من صاحب ذهب ولا فضة لا يؤدي منها حقها إلا إذا كان يوم القيامة صفحت له صفائح من نار فأحمي عليها في نار جهنم فتكوى بها جبهته وجنبه وظهره لأنه يجتمع له الأمران جميعًا فحديث الباب يوافق الآية وهي { { سيطوقون ما بخلوا به يوم القيامة } } ورواية مسلم توافق الآية فتكوى بها جباههم وجنوبهم وظهورهم لأنه جمع المال ولم يصرفه في حقه لتحصيل الجاه والتنعم بالمطاعم والملابس أو لأنه أعرض عن الفقير وولاه ظهره أو لأنها أشرف الأعضاء الظاهرة لاشتمالها على الأعضاء الرئيسية وقيل المراد بها الجهات الأربع التي هي مقدم البدن ومؤخره وجنباه نسأل الله السلامة هذا وفي الحديث دلالة على أن المراد بالتطويق في الآية الحقيقة خلافًا لمن قال معناه سيطوقون الإثم وفي تلاوته صلى الله عليه وسلم لها كما صرح به في حديث ابن مسعود عند الحميدي والشافعي ثم قرأ رسول الله صلى الله عليه وسلم { { لا تحسبن } } الآية وللترمذي ثم قرأ مصداقه سيطوقون ما بخلوا به دلالة على أنها في مانعي الزكاة وهو قول أكثر علماء التفسير وقيل نزلت في اليهود الذين كتموا صفته صلى الله عليه وسلم وقيل فيمن له قرابة لا يصلهم قاله مسروق.