فهرس الكتاب

شرح الزرقاني - بَابُ وَضْعِ الْيَدَيْنِ إِحْدَاهُمَا عَلَى الْأُخْرَى فِي الصَّلَاةِ

رقم الحديث 385 حَدَّثَنِي يَحْيَى، عَنْ مَالِكٍ، عَنْ عَبْدِ الْكَرِيمِ بْنِ أَبِي الْمُخَارِقِ الْبَصْرِيِّ، أَنَّهُ قَالَ: مِنْ كَلَامِ النُّبُوَّةِ إِذَا لَمْ تَسْتَحْيِ فَافْعَلْ مَا شِئْتَ، وَوَضْعُ الْيَدَيْنِ إِحْدَاهُمَا عَلَى الْأُخْرَى فِي الصَّلَاةِ، يَضَعُ الْيُمْنَى عَلَى الْيُسْرَى وَتَعْجِيلُ الْفِطْرِ وَالِاسْتِينَاءُ بِالسَّحُورِ.


( مالك عن عبد الكريم بن أبي المخارق) بضم الميم وبالخاء المعجمة أبي أمية المعلم ( البصري) نزيل مكة واسم أبيه قيس وقيل طارق.
قال في التمهيد: ضعيف متروك باتفاق أهل الحديث لقيه مالك بمكة وكان مؤدّب كتاب حسن السمت فغرّه منه سمته ولم يكن من أهل بلده فيعرفه فروى عنه من المرفوع في الموطأ هذا الحديث الواحد فيه ثلاثة أحاديث مرسلة يتصل من غير روايته من وجوه صحاح ولم يرو عنه حكمًا إنما روى عنه ترغيبًا وفضلاً، وكذلك غرّ الشافعي من إبراهيم بن أبي يحيى حذقه ونباهته فروى عنه وهو مجمع على ضعفه لكنه أيضًا لم يحتج به في حكم أفرده به انتهى باختصار.

وقد روى البخاري لعبد الكريم هذا في قيام الليل، ومسلم في مقدمة صحيحه وأصحاب السنن إلا أن النسائي ما روى له إلا قليلاً مات سنة ست وعشرين ومائة.

( أنه قال: من كلام النبوة) أي مما اتفق عليه شرائع الأنبياء لأنه جاء في أولاها ثم تتابعت بقيتها عليه ولم ينسخ فيما نسخ من شرائعهم لأنه أمر أطبقت عليه العقول ( إذا لم تستحي فافعل ما شئت) قال ابن عبد البر: لفظه أمر ومعناه الخبر بأن من لم يكن له حياء يحجزه عن محارم الله فسواء عليه فعل الصغائر والكبائر، ومنه حديث المغيرة مرفوعًا: من باع الخمر فليشقص الخنازير وقال أبو دلف:

إذا لم تصن عرضًا ولم تخش خالقًا
وتستحي مخلوقًا فما شئت فاصنع

وفيه معنى التحذير والوعيد على قلة الحياء ومنه أخذ القائل:

إذا لم تخش عاقبة الليالي
ولم تستحي فاصنع ما تشاء

فلا والله ما في العيش خير
ولا الدنيا إذا ذهب الحياء

وقيل: معناه إذا كان الفعل مما لا يستحيا منه شرعًا فافعله ولا عليك من الناس.
قال: وهذا تأويل ضعيف والأوّل هو المعروف عند العلماء والمشهور مخرجه عند العرب والفصحاء.

وهذا الحديث أخرجه البخاري وأبو داود وابن ماجه من طريق منصور عن ربعي بن حراش عن أبي مسعود عقبة بن عمرو الأنصاري البدري أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: إن مما أدرك الناس من كلام النبوّة الأولى إذا لم تستحي فاصنع ما شئت ورواه بلفظ: فافعل ابن أبي شيبة وليس في رواية البخاري الأولى.

قال في فتح الباري: الناس بالرفع في جميع الطرق ويجوز النصب أي مما بلغ الناس قال وهو أمر بمعنى الخبر أو هو للتهديد أي فإن الله يجزيك أو معناه انظر إلى ما تريد فعله فإن كان مما لا يستحيا منه فافعله وإلا فدعه أو المعنى أنك إذا لم تستحِ من الله من شيء يجب أن لا تستحي منه من أمر الدين فافعله ولا تبال بالخلق أو المراد الحث على الحياء والتنويه بفضله أي لما لم يجز صنع جميع ما شئت لم يجز ترك الاستحياء.

( ووضع اليدين إحداهما على الأخرى في الصلاة) وقوله ( يضع اليمنى على اليسرى) من قول مالك ليس من الحديث، وهو أمر مجمع عليه في هيئة وضع اليدين إحداهما على الأخرى قاله أبو عمر في التقصي.
قال ابن حبيب: ليس لذلك موضع معروف.
وقال عبد الوهاب: المذهب وضعهما تحت الصدر وفوق السرة.
وقال أبو حنيفة: السنة وضعهما تحت السرة ويقبض يمناه على الكوع وبعض المعصم من اليسرى ولا يعتمد عليها.

قال العلماء: الحكمة في هذه الهيئة أنه صفة السائل الذليل وهو أمنع من العبث وأقرب إلى الخشوع، ومن اللطائف قول بعضهم القلب موضع النية والعادة أن من احترز على حفظ شيء جعل يديه عليه.
وروى أشهب عن مالك لا بأس به في النافلة والفريضة وكذا قال أصحاب مالك المدنيون.
وروى مطرف وابن الماجشون أن مالكًا استحسنه.

قال ابن عبد البر: لم يأت عن النبي صلى الله عليه وسلم فيه خلاف وهو قول جمهور الصحابة والتابعين وهو الذي ذكره مالك في الموطأ ولم يحك ابن المنذر وغيره عن مالك غيره.
وروى ابن القاسم عن مالك الإرسال وصار إليه أكثر أصحابه، وروي أيضًا عنه إباحته في النافلة لطول القيام وكرهه في الفريضة، ونقل ابن الحاجب أن ذلك حيث تمسك معتمدًا لقصد الراحة.

( وتعجيل الفطر والاستيناء بالسحور) أخرج الطبراني في الكبير بسند صحيح عن ابن عباس سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول: إنا معاشر الأنبياء أمرنا بتعجيل فطرنا وتأخير سحورنا وأن نضع أيماننا على شمائلنا في الصلاة وروى الطبراني عن أبي الدرداء وابن عبد البر عن أبي هريرة رفعاه: ثلاث من أخلاق النبوّة تعجيل الإفطار وتأخير السحور ووضع اليمنى على اليسرى في الصلاة.
ورواه سعيد بن منصور عن عائشة وللطبراني عن يعلى بن مرّة رفعه: ثلاث يحبها الله عز وجل تعجيل الإفطار وتأخير السحور وضرب اليدين إحداهما بالأخرى في الصلاة.

( مالك عن أبي حازم) بمهملة وزاي سلمة ( بن دينار) المدني الثقة ( عن سهل بن سعد) بسكون الهاء والعين ابن مالك بن خالد الأنصاري الخزرجي الساعدي الصحابي ابن الصحابي مات سنة ثمان وثمانين وقيل بعدها وقد جاوز المائة ( أنه قال: كان الناس يؤمرون) قال الحافظ: هذا حكمه الرفع لأنه محمول على أن الآمر لهم النبي صلى الله عليه وسلم ( أن يضع الرجل اليد اليمنى على ذراعه اليسرى في الصلاة) أبهم موضعه من الذراع، وفي حديث وائل عند أبي داود والنسائي ثم وضع صلى الله عليه وسلم يده اليمنى على ظهر كفه اليسرى والرسغ من الساعد، وصححه ابن خزيمة وغيره وأصله في مسلم والرسغ بضم الراء وسكون المهملة ومعجمة هو المفصل بين الساعد والكف ولم يذكر أيضًا محلهما من الجسد، ولابن خزيمة عن وائل أنه صلى الله عليه وسلم وضعهما على صدره، وللبزار عند صدره، وفي زيادات المسند من حديث عليّ أنه وضعهما تحت السرة وإسناده ضعيف.

( قال أبو حازم: لا أعلم إلا أنه) أي سهلاً ( ينمي ذلك) بفتح أوّله وسكون النون وكسر الميم أي يرفعه إلى النبي صلى الله عليه وسلم.
وحكي في المطالع أن القعنبي رواه بضم أوّله من أنمى قال وهو غلط، وردّ بأن الزجاج وابن دريد وغيرهما حكوا نميت الحديث وأنميته ومع ذلك فالذي ضبطناه في البخاري عن القعنبي بفتح أوّله من الثلاثي فلعل الضم رواية القعنبي في الموطأ.

قال أهل اللغة: يقال نميت الحديث رفعته وأسندته وصرح معن بن عيسى وعبد الله بن يوسف وابن وهب ثلاثتهم عن مالك عند الدارقطني بلفظ يرفع ذلك، ومن اصطلاح أهل الحديث إذا قال الراوي ينمي فمراده يرفع ذلك إلى النبي صلى الله عليه وسلم ولو لم يقيد.

واعترض الداني في أطراف الموطأ فقال: هذا معلول لأنه ظنّ من أبي حازم، وردّ بأن أبا حازم لو لم يقل لا أعلم..... إلخ لكان في حكم المرفوع لأن قول الصحابي كنا نؤمر بكذا يصرف بظاهره إلى من له الأمر وهو النبي صلى الله عليه وسلم، لأن الصحابي في مقام تعريف الشرع فيحمل على من صدر عنه الشرع، ومثله قول عائشة كنا نؤمر بقضاء الصوم فإنه محمول على أن الآمر بذلك هو النبي صلى الله عليه وسلم، وأطلق البيهقي أنه لا خلاف في ذلك بين أهل النقل قيل: لو كان مرفوعًا ما احتاج أبو حازم إلى قوله لا أعلم..... إلخ وجوابه أنه أراد الانتقال إلى التصريح فالأوّل لا يقال له مرفوع، وإنما يقال: له حكم الرفع.

وقد ورد ما يستأنس به على تعيين الآمر والمأمور ففي سنن أبي داود والنسائي وصحيح ابن السكن بإسناد حسن عن ابن مسعود قال: رآني النبي صلى الله عليه وسلم واضعًا يدي اليسرى على اليمنى فنزعها ووضع اليمنى على اليسرى انتهى.

وقال ابن عبد البر: رواه عمار بن مطرف عن مالك عن أبي حازم عن سهل قال: أمرنا أن نضع اليمنى على الذراع اليسرى في الصلاة انتهى.

وحديث الباب رواه البخاري عن القعنبي عن مالك به ثم قال وقال إسماعيل: ينمى ذلك ولم يقل ينمي أي قاله إسماعيل بن أويس بضم أوّله وفتح الميم بلفظ المجهول فعليه الهاء ضمير الشأن فيكون مرسلاً لأن أبا حازم لم يعين من نماه له، وعلى رواية غيره بفتح أوله وكسر الميم يكون متصلاً لأن الضمير لسهل شيخه كما تقدّم.