فهرس الكتاب

شرح الزرقاني - بَابُ النَّهْيِ عَنْ أَنْ يُسَافَرَ بِالْقُرْآنِ إِلَى أَرْضِ الْعَدُوِّ

رقم الحديث 973 حَدَّثَنِي يَحْيَى، عَنْ مَالِكٍ عَنْ نَافِعٍ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ أَنَّهُ قَالَ: نَهَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ يُسَافَرَ بِالْقُرْآنِ إِلَى أَرْضِ الْعَدُوِّ قَالَ مَالِكٌ: وَإِنَّمَا ذَلِكَ مَخَافَةَ أَنْ يَنَالَهُ الْعَدُوُّ.


( النَّهْيِ عَنْ أَنْ يُسَافَرَ بِالْقُرْآنِ إِلَى أَرْضِ الْعَدُوِّ)

( مَالِكٍ عَنْ نَافِعٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ أَنَّهُ قَالَ: نَهَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ يُسَافَرَ بِالْقُرْآنِ) بالمصحف أي وبهذا اللفظ رواه عبد الرحمن بن مهدي عن مالك ( إِلَى أَرْضِ الْعَدُوِّ) الكفار، فالنهي إنما هو عن السفر بالمصحف لا السفر بالقرآن نفسه لأن القرآن المنزل نفسه لا يمكن السفر به وهذا مراد البخاري بقوله: قد سافر النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه وهم يعلمون القرآن واعترضه الإسماعيلي بأنه لم يقل أحد أن من يحسن القرآن لا يغزو العدو في دارهم.
قال الحافظ: هذا اعتراض من لم يفهم مراد البخاري، وادعى المهلب أن مراده تقوية القول بالتفرقة بين الجيش الكثير فيجوز والطائفة القليلة فيمنع.

( قَالَ مَالِكٌ: وَإِنَّمَا) أي النهي ( مَخَافَةَ أَنْ يَنَالَهُ الْعَدُوُّ) فيؤدي إلى استهانته.
قال ابن عبد البر: كذا قال يحيى الأندلسي وابن بكير وأكثر الرواة عن مالك، ورواه ابن وهب عنه فقال خشية أن يناله العدّو فجعله من المرفوع وكذا قال عبيد الله بن عمر وأيوب عن نافع نُهي أن يسافر بالقرآن إلى أرض العدو مخافة أن يناله العدو.
قال الحافظ: أشار إلى تفرد ابن وهب برفعها عن مالك وليس كذلك فقد تابعه عبد الرحمن بن مهدي عن مالك عند ابن ماجه بلفظ مخافة أن يناله العدو ولم يجعله قول مالك، وقد رفعها ابن إسحاق أيضًا عند أحمد والليث وأيوب عند مسلم فصح أن التعليل مرفوع وليس بمدرج ولعل مالكًا كان يجزم برفعه ثم صار يشك فيه فجعله من تفسير نفسه.
قال ابن عبد البر: أجمع الفقهاء أن لا يسافر بالمصحف في السرايا والعسكر الصغير المخوف عليه وفي الكبير المأمون خلاف فمنع مالك أيضًا مطلقًا وفصل أبو حنيفة وأدار الشافعي الكراهة مع الخوف وجودًا وعدمًا واستدل به على منع بيع المصحف من الكافر للعلة المذكورة فيه وهو التمكن من استهانته ولا خلاف في تحريم ذلك، إنما اختلف هل يصح لو وقع ويؤمر بإزالة ملكه عنه أم لا؟ واستدل به على منع تعليم الكافر القرآن وبه قال مالك مطلقًا وأجازه أبو حنيفة مطلقًا، وعن الشافعي القولان وفصل بعض المالكية بين القليل لأجل مصلحة قيام الحجة عليهم فأجازه وبين الكثير فمنعه ويؤيده كتب النبي صلى الله عليه وسلم إلى هرقل بعض آيات.
ونقل النووي الاتفاق على جواز الكتابة إليهم بمثله زاد بعضهم منع بيع كتب فقه فيها آثار.
قال السبكي: بل الأحسن أن يقال كتب علم وإن لم يكن فيها آثار تعظيمًا للعلم الشرعي.
قال ولده التاج: وينبغي منع ما يتعلق بالشرعي ككتب النحو والفقه.

وهذا الحديث رواه البخاري وأبو داود عن القعنبي ومسلم عن يحيى كليهما عن مالك به غير أن البخاري ومسلمًا لم يذكرا التعليل للاختلاف في رفعه وذكره أبو داود بلفظ أراه مخافة إلخ.