فهرس الكتاب

شرح الزرقاني - بَابُ مَا يَجِبُ فِيهِ قَصْرُ الصَّلَاةِ

رقم الحديث 344 حَدَّثَنِي يَحْيَى، عَنْ مَالِكٍ عَنْ نَافِعٍ، أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عُمَرَ كَانَ إِذَا خَرَجَ حَاجًّا أَوْ مُعْتَمِرًا قَصَرَ الصَّلَاةَ بِذِي الْحُلَيْفَةِ.


( مَالِكٍ عَنْ نَافِعٍ أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عُمَرَ كَانَ إِذَا خَرَجَ حَاجًّا أَوْ مُعْتَمِرًا قَصَرَ الصَّلَاةَ بِذِي الْحُلَيْفَةِ) قال الباجي: خص سفره بهما لأنهما مما لا خلاف في القصر فيه.
وقال أبو عمر: كان ابن عمر يتبرك بالمواضع التي كان صلى الله عليه وسلم ينزلها ويمتثل فعله بكل ما يمكنه، ولما علم أنه صلى الله عليه وسلم قصر العصر بذي الحليفة حين خرج في حجة الوداع فعل مثله وأما سفر ابن عمر في غير الحج والعمرة فكان يقصر إذا خرج من بيوت المدينة ويقصر إذا رجع حتى يدخل بيوتها كما رواه عنه نافع أيضًا.

( مَالِكٍ عَنْ ابْنِ شِهَابٍ عَنْ سَالِمِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ عَنْ أَبِيهِ أَنَّهُ رَكِبَ إِلَى رِيمٍ) بكسر الراء وإسكان التحتية وميم ( فَقَصَرَ الصَّلَاةَ فِي مَسِيرِهِ ذَلِكَ.
قَالَ مَالِكٌ: وَذَلِكَ نَحْوٌ مِنْ أَرْبَعَةِ بُرُدٍ)
من المدينة.
ولعبد الرزاق عن مالك ثلاثون ميلاً من المدينة، قال ابن عبد البر: وأراها وهمًا بخلاف ما في الموطأ، ورواه عقيل عن ابن شهاب وقال: هي ثلاثون فيحتمل أن ريم موضع متسع كالإقليم فيكون تقدير مالك عند آخره وعقيل عند أوّله وقال بعض شعراء المدينة:

فكم من حرّة بين المنقى
إلى أحد إلى جنبات ريم

فقال: جنبات وربما كانت بعيدة الأقطار.

( مَالِكٍ عَنْ نَافِعٍ عَنْ سَالِمِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عُمَرَ رَكِبَ إِلَى ذَاتِ النُّصُبِ) بضم النون موضع قرب المدينة ( فَقَصَرَ الصَّلَاةَ فِي مَسِيرِهِ ذَلِكَ.
قَالَ مَالِكٌ: وَبَيْنَ ذَاتِ النُّصُبِ وَالْمَدِينَةِ أَرْبَعَةُ بُرُدٍ)
وكذا رواه الشافعي عن مالك، ورواه عبد الرزاق عن مالك فقال بينهما ثمانية عشر ميلاً.

( مَالِكٍ عَنْ نَافِعٍ عَنِ ابْنِ عُمَرَ أَنَّهُ كَانَ يُسَافِرُ إِلَى خَيْبَرَ فَيَقْصُرُ الصَّلَاةَ) بضم الصاد وبين خيبر والمدينة ستة وتسعون ميلاً، وروى عبد الرزاق عن ابن جريج عن نافع أن ابن عمر كان أدنى ما يقصر الصلاة فيه مال له بخيبر.
قال ابن عبد البر ومالك: أثبت في نافع من ابن جريج فالمقدّمون في حفظ حديث نافع مالك وعبيد الله بن عمر وأيوب، وأما ابن جريج فبعد هؤلاء.

( مَالِكٍ عَنْ ابْنِ شِهَابٍ عَنْ سَالِمِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عُمَرَ كَانَ يَقْصُرُ الصَّلَاةَ فِي مَسِيرِهِ الْيَوْمَ التَّامَّ) وتقدير ذلك بالسير الحثيث نحو أربعة برد قاله ابن عبد البر.
وقال ابن المواز: معناه في الصيف وجد السير.

( مَالِكٍ عَنْ نَافِعٍ أَنَّهُ كَانَ يُسَافِرُ مَعَ ابْنِ عُمَرَ الْبَرِيدَ فَلَا يَقْصُرُ الصَّلَاةَ) قال الباجي: سمي الخروج إلى البريد ونحوه سفرًا مجازًا واتساعًا ولا يطلق عليه اسم السفر حقيقة في كلام العرب، ولا يفهم من قولهم سافر فلان الخروج إلى الميلين والثلاثة مع أنّ هذا لفظ نافع وليس من العرب، وروي أنه كان في نطقه لكنة.

( مَالِكٍ أَنَّهُ بَلَغَهُ أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عَبَّاسٍ كَانَ يَقْصُرُ الصَّلَاةَ فِي مِثْلِ مَا بَيْنَ مَكَّةَ وَالطَّائِفِ) وبينهما ثلاثة مراحل أو اثنان ( وَفِي مِثْلِ مَا بَيْنَ مَكَّةَ وَعُسْفَانَ) وبينهما ثلاثة مراحل ونونه زائدة ويذكر ويؤنث ( وَفِي مِثْلِ مَا بَيْنَ مَكَّةَ وَجُدَّةَ) بضم الجيم ساحل البحر بمكة.
قال الباجي: أكثر مالك من ذكر أفعال الصحابة لما لم يصح عنده في ذلك توقيف عن النبي صلى الله عليه وسلم انتهى.

( قَالَ مَالِكٌ: وَذَلِكَ) المذكور من هذه الأماكن ( أَرْبَعَةُ بُرُدٍ) قال الحافظ: روي عن ابن عباس مرفوعًا أخرجه الدارقطني وابن أبي شيبة من طريق عبد الوهاب عن مجاهد عن أبيه وعطاء عن ابن عباس أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: يا أهل مكة لا تقصروا الصلاة في أدنى من أربعة برد من مكة إلى عسفان.
وإسناده ضعيف من أجل عبد الوهاب.

وروى عبد الرزاق عن ابن جريج عن عطاء عن ابن عباس قال: لا تقصر الصلاة إلا في اليوم ولا تقصر فيما دون اليوم.
ولابن أبي شيبة من وجه آخر صحيح عنه قال: تقصر الصلاة في مسير يوم وليلة، ويمكن الجمع بين هذه الروايات بأن مسافة برد يمكن سيرها في يوم واحد.

( وَذَلِكَ أَحَبُّ مَا تُقْصَرُ إِلَيَّ فِيهِ الصَّلَاةُ) من الأقوال المنتشرة إلى نحو عشرين قولاً فأحب عائد لاختياره يعني أنه لا يقصر في أقل منها وهي ستة عشر فرسخًا ثمانية وأربعون ميلاً، وإلى هذا ذهب الشافعي وأحمد وجماعة وعن مالك مسيرة يوم وليلة.
قال ابن القاسم: رجع عنه.
قال عبد الوهاب: وهو وفاق فإنما رجع عن التحديد بيوم وليلة إلى لفظ أبين منه، وقال أبو حنيفة: لا تقصر في أقل من ثلاثة أيام لحديث الصحيحين: لا تسافر المرأة ثلاثة أيام إلا مع ذي محرم.

وأجيب: بأنه لم يسق لبيان مسافة القصر بل لنهي المرأة عن الخروج وحدها، ولذا اختلفت ألفاظه فروي يومًا وليلة ومسيرة يومين وبريدًا وأيد بأنّ الحكم في نهي المرأة عن السفر وحدها متعلق بالزمان فلو قطعت مسيرة ساعة واحدة في يوم لتعلق بها النهي بخلاف المسافر لو قطع مسيرة نصف يوم في يومين مثلاً لم يقصر فافترقا على أن تمسك الحنفية بالحديث مخالف لقاعدتهم أنّ الاعتبار برأي الصحابي لا بما روي، فلو كان الحديث عنه لبيان أقل مسافة القصر لما خالفه وقصر في مسير اليوم التام.

وقالت طائفة من أهل الظاهر: يقصر في كل سفر ولو ثلاثة أميال لظاهر قوله تعالى: { { وَإِذَا ضَرَبْتُمْ فِي الأَرْضِ } } ولم يحدّ المسافة وروى مسلم وأبو داود عن أنس كان صلى الله عليه وسلم إذا خرج مسيرة ثلاثة أميال أو ثلاثة فراسخ قصر الصلاة وهو أصح ما ورد في بيان ذلك وأصرحه، وقد حمله من خالفه على أنّ المراد به المسافة التي يبتدأ منها القصر لا غاية السفر.

قال الحافظ: ولا يخفى بعد هذا الحمل مع أنّ البيهقي روى أنّ يحيى بن يزيد قال: سألت أنسًا عن قصر الصلاة وكنت أخرج إلى الكوفة يعني من البصرة فأصلي ركعتين ركعتين حتى أرجع فقال أنس: فذكر الحديث فظهر أنه سأله عن جواز القصر في السفر لا عن الموضع الذي يبتدأ منه القصر، ثم الصحيح أنه لا يتقيد بمسافة بل بمجاوزة البلد الذي يخرج منه.
وردّه القرطبي بأنه مشكوك فيه فلا يحتج به فإن أراد لا يحتج به في التحديد بثلاثة أميال فمسلم لكن لا يمتنع أن يحتج به في التحديد بثلاثة فراسخ فإنّ الثلاثة أميال مندرجة فيها فيؤخذ بالأكثر احتياطًا.

( قَالَ مَالِكٌ: لَا يَقْصُرُ الَّذِي يُرِيدُ السَّفَرَ الصَّلَاةَ حَتَّى يَخْرُجَ مِنْ بُيُوتِ الْقَرْيَةِ) كلها وهذا مجمع عليه واختلف فيما قبل الخروج من البيوت فعن بعض السلف إذا أراد السفر قصر ولو في بيته وردّه ابن المنذر بأنه لا يعلم أنّ النبي صلى الله عليه وسلم قصر في شيء من أسفاره إلا بعد خروجه عن المدينة.

وحديث الصحيحين عن أنس: صليت مع النبي صلى الله عليه وسلم الظهر بالمدينة أربعًا والعصر بذي الحليفة ركعتين دليل على ذلك، ولا دلالة فيه على القصر في السفر القصير لأن بين ذي الحليفة والمدينة ستة أميال لأنها لم تكن منتهى سفره، بل كان ذلك لخروجه لحجة الوداع فنزل بها فقصر العصر واستمرّ يقصر حتى رجع ( وَلَا يُتِمُّ حَتَّى يَدْخُلَ أَوَّلَ بُيُوتِ الْقَرْيَةِ أَوْ يُقَارِبَ ذَلِكَ) وكذا رواه ابن القاسم في المدّونة، وروى علي في المجموعة عن مالك حتى يدخل منزله، وروى مطرف وابن الماجشون يقصر إلى الموضع الذي يقصر منه عند خروجه.



رقم الحديث 345 وَحَدَّثَنِي عَنْ مَالِكٍ، عَنْ ابْنِ شِهَابٍ، عَنْ سَالِمِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ، عَنْ أَبِيهِ، أَنَّهُ رَكِبَ إِلَى رِيمٍ، فَقَصَرَ الصَّلَاةَ فِي مَسِيرِهِ ذَلِكَ، قَالَ مَالِكٌ: وَذَلِكَ نَحْوٌ مِنْ أَرْبَعَةِ بُرُدٍ.


( مَالِكٍ عَنْ نَافِعٍ أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عُمَرَ كَانَ إِذَا خَرَجَ حَاجًّا أَوْ مُعْتَمِرًا قَصَرَ الصَّلَاةَ بِذِي الْحُلَيْفَةِ) قال الباجي: خص سفره بهما لأنهما مما لا خلاف في القصر فيه.
وقال أبو عمر: كان ابن عمر يتبرك بالمواضع التي كان صلى الله عليه وسلم ينزلها ويمتثل فعله بكل ما يمكنه، ولما علم أنه صلى الله عليه وسلم قصر العصر بذي الحليفة حين خرج في حجة الوداع فعل مثله وأما سفر ابن عمر في غير الحج والعمرة فكان يقصر إذا خرج من بيوت المدينة ويقصر إذا رجع حتى يدخل بيوتها كما رواه عنه نافع أيضًا.

( مَالِكٍ عَنْ ابْنِ شِهَابٍ عَنْ سَالِمِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ عَنْ أَبِيهِ أَنَّهُ رَكِبَ إِلَى رِيمٍ) بكسر الراء وإسكان التحتية وميم ( فَقَصَرَ الصَّلَاةَ فِي مَسِيرِهِ ذَلِكَ.
قَالَ مَالِكٌ: وَذَلِكَ نَحْوٌ مِنْ أَرْبَعَةِ بُرُدٍ)
من المدينة.
ولعبد الرزاق عن مالك ثلاثون ميلاً من المدينة، قال ابن عبد البر: وأراها وهمًا بخلاف ما في الموطأ، ورواه عقيل عن ابن شهاب وقال: هي ثلاثون فيحتمل أن ريم موضع متسع كالإقليم فيكون تقدير مالك عند آخره وعقيل عند أوّله وقال بعض شعراء المدينة:

فكم من حرّة بين المنقى
إلى أحد إلى جنبات ريم

فقال: جنبات وربما كانت بعيدة الأقطار.

( مَالِكٍ عَنْ نَافِعٍ عَنْ سَالِمِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عُمَرَ رَكِبَ إِلَى ذَاتِ النُّصُبِ) بضم النون موضع قرب المدينة ( فَقَصَرَ الصَّلَاةَ فِي مَسِيرِهِ ذَلِكَ.
قَالَ مَالِكٌ: وَبَيْنَ ذَاتِ النُّصُبِ وَالْمَدِينَةِ أَرْبَعَةُ بُرُدٍ)
وكذا رواه الشافعي عن مالك، ورواه عبد الرزاق عن مالك فقال بينهما ثمانية عشر ميلاً.

( مَالِكٍ عَنْ نَافِعٍ عَنِ ابْنِ عُمَرَ أَنَّهُ كَانَ يُسَافِرُ إِلَى خَيْبَرَ فَيَقْصُرُ الصَّلَاةَ) بضم الصاد وبين خيبر والمدينة ستة وتسعون ميلاً، وروى عبد الرزاق عن ابن جريج عن نافع أن ابن عمر كان أدنى ما يقصر الصلاة فيه مال له بخيبر.
قال ابن عبد البر ومالك: أثبت في نافع من ابن جريج فالمقدّمون في حفظ حديث نافع مالك وعبيد الله بن عمر وأيوب، وأما ابن جريج فبعد هؤلاء.

( مَالِكٍ عَنْ ابْنِ شِهَابٍ عَنْ سَالِمِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عُمَرَ كَانَ يَقْصُرُ الصَّلَاةَ فِي مَسِيرِهِ الْيَوْمَ التَّامَّ) وتقدير ذلك بالسير الحثيث نحو أربعة برد قاله ابن عبد البر.
وقال ابن المواز: معناه في الصيف وجد السير.

( مَالِكٍ عَنْ نَافِعٍ أَنَّهُ كَانَ يُسَافِرُ مَعَ ابْنِ عُمَرَ الْبَرِيدَ فَلَا يَقْصُرُ الصَّلَاةَ) قال الباجي: سمي الخروج إلى البريد ونحوه سفرًا مجازًا واتساعًا ولا يطلق عليه اسم السفر حقيقة في كلام العرب، ولا يفهم من قولهم سافر فلان الخروج إلى الميلين والثلاثة مع أنّ هذا لفظ نافع وليس من العرب، وروي أنه كان في نطقه لكنة.

( مَالِكٍ أَنَّهُ بَلَغَهُ أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عَبَّاسٍ كَانَ يَقْصُرُ الصَّلَاةَ فِي مِثْلِ مَا بَيْنَ مَكَّةَ وَالطَّائِفِ) وبينهما ثلاثة مراحل أو اثنان ( وَفِي مِثْلِ مَا بَيْنَ مَكَّةَ وَعُسْفَانَ) وبينهما ثلاثة مراحل ونونه زائدة ويذكر ويؤنث ( وَفِي مِثْلِ مَا بَيْنَ مَكَّةَ وَجُدَّةَ) بضم الجيم ساحل البحر بمكة.
قال الباجي: أكثر مالك من ذكر أفعال الصحابة لما لم يصح عنده في ذلك توقيف عن النبي صلى الله عليه وسلم انتهى.

( قَالَ مَالِكٌ: وَذَلِكَ) المذكور من هذه الأماكن ( أَرْبَعَةُ بُرُدٍ) قال الحافظ: روي عن ابن عباس مرفوعًا أخرجه الدارقطني وابن أبي شيبة من طريق عبد الوهاب عن مجاهد عن أبيه وعطاء عن ابن عباس أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: يا أهل مكة لا تقصروا الصلاة في أدنى من أربعة برد من مكة إلى عسفان.
وإسناده ضعيف من أجل عبد الوهاب.

وروى عبد الرزاق عن ابن جريج عن عطاء عن ابن عباس قال: لا تقصر الصلاة إلا في اليوم ولا تقصر فيما دون اليوم.
ولابن أبي شيبة من وجه آخر صحيح عنه قال: تقصر الصلاة في مسير يوم وليلة، ويمكن الجمع بين هذه الروايات بأن مسافة برد يمكن سيرها في يوم واحد.

( وَذَلِكَ أَحَبُّ مَا تُقْصَرُ إِلَيَّ فِيهِ الصَّلَاةُ) من الأقوال المنتشرة إلى نحو عشرين قولاً فأحب عائد لاختياره يعني أنه لا يقصر في أقل منها وهي ستة عشر فرسخًا ثمانية وأربعون ميلاً، وإلى هذا ذهب الشافعي وأحمد وجماعة وعن مالك مسيرة يوم وليلة.
قال ابن القاسم: رجع عنه.
قال عبد الوهاب: وهو وفاق فإنما رجع عن التحديد بيوم وليلة إلى لفظ أبين منه، وقال أبو حنيفة: لا تقصر في أقل من ثلاثة أيام لحديث الصحيحين: لا تسافر المرأة ثلاثة أيام إلا مع ذي محرم.

وأجيب: بأنه لم يسق لبيان مسافة القصر بل لنهي المرأة عن الخروج وحدها، ولذا اختلفت ألفاظه فروي يومًا وليلة ومسيرة يومين وبريدًا وأيد بأنّ الحكم في نهي المرأة عن السفر وحدها متعلق بالزمان فلو قطعت مسيرة ساعة واحدة في يوم لتعلق بها النهي بخلاف المسافر لو قطع مسيرة نصف يوم في يومين مثلاً لم يقصر فافترقا على أن تمسك الحنفية بالحديث مخالف لقاعدتهم أنّ الاعتبار برأي الصحابي لا بما روي، فلو كان الحديث عنه لبيان أقل مسافة القصر لما خالفه وقصر في مسير اليوم التام.

وقالت طائفة من أهل الظاهر: يقصر في كل سفر ولو ثلاثة أميال لظاهر قوله تعالى: { { وَإِذَا ضَرَبْتُمْ فِي الأَرْضِ } } ولم يحدّ المسافة وروى مسلم وأبو داود عن أنس كان صلى الله عليه وسلم إذا خرج مسيرة ثلاثة أميال أو ثلاثة فراسخ قصر الصلاة وهو أصح ما ورد في بيان ذلك وأصرحه، وقد حمله من خالفه على أنّ المراد به المسافة التي يبتدأ منها القصر لا غاية السفر.

قال الحافظ: ولا يخفى بعد هذا الحمل مع أنّ البيهقي روى أنّ يحيى بن يزيد قال: سألت أنسًا عن قصر الصلاة وكنت أخرج إلى الكوفة يعني من البصرة فأصلي ركعتين ركعتين حتى أرجع فقال أنس: فذكر الحديث فظهر أنه سأله عن جواز القصر في السفر لا عن الموضع الذي يبتدأ منه القصر، ثم الصحيح أنه لا يتقيد بمسافة بل بمجاوزة البلد الذي يخرج منه.
وردّه القرطبي بأنه مشكوك فيه فلا يحتج به فإن أراد لا يحتج به في التحديد بثلاثة أميال فمسلم لكن لا يمتنع أن يحتج به في التحديد بثلاثة فراسخ فإنّ الثلاثة أميال مندرجة فيها فيؤخذ بالأكثر احتياطًا.

( قَالَ مَالِكٌ: لَا يَقْصُرُ الَّذِي يُرِيدُ السَّفَرَ الصَّلَاةَ حَتَّى يَخْرُجَ مِنْ بُيُوتِ الْقَرْيَةِ) كلها وهذا مجمع عليه واختلف فيما قبل الخروج من البيوت فعن بعض السلف إذا أراد السفر قصر ولو في بيته وردّه ابن المنذر بأنه لا يعلم أنّ النبي صلى الله عليه وسلم قصر في شيء من أسفاره إلا بعد خروجه عن المدينة.

وحديث الصحيحين عن أنس: صليت مع النبي صلى الله عليه وسلم الظهر بالمدينة أربعًا والعصر بذي الحليفة ركعتين دليل على ذلك، ولا دلالة فيه على القصر في السفر القصير لأن بين ذي الحليفة والمدينة ستة أميال لأنها لم تكن منتهى سفره، بل كان ذلك لخروجه لحجة الوداع فنزل بها فقصر العصر واستمرّ يقصر حتى رجع ( وَلَا يُتِمُّ حَتَّى يَدْخُلَ أَوَّلَ بُيُوتِ الْقَرْيَةِ أَوْ يُقَارِبَ ذَلِكَ) وكذا رواه ابن القاسم في المدّونة، وروى علي في المجموعة عن مالك حتى يدخل منزله، وروى مطرف وابن الماجشون يقصر إلى الموضع الذي يقصر منه عند خروجه.



رقم الحديث 346 وَحَدَّثَنِي عَنْ مَالِكٍ، عَنْ نَافِعٍ، عَنْ سَالِمِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ، أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عُمَرَ رَكِبَ إِلَى ذَاتِ النُّصُبِ فَقَصَرَ الصَّلَاةَ فِي مَسِيرِهِ ذَلِكَ، قَالَ مَالِكٌ: وَبَيْنَ ذَاتِ النُّصُبِ وَالْمَدِينَةِ أَرْبَعَةُ بُرُدٍ.


( مَالِكٍ عَنْ نَافِعٍ أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عُمَرَ كَانَ إِذَا خَرَجَ حَاجًّا أَوْ مُعْتَمِرًا قَصَرَ الصَّلَاةَ بِذِي الْحُلَيْفَةِ) قال الباجي: خص سفره بهما لأنهما مما لا خلاف في القصر فيه.
وقال أبو عمر: كان ابن عمر يتبرك بالمواضع التي كان صلى الله عليه وسلم ينزلها ويمتثل فعله بكل ما يمكنه، ولما علم أنه صلى الله عليه وسلم قصر العصر بذي الحليفة حين خرج في حجة الوداع فعل مثله وأما سفر ابن عمر في غير الحج والعمرة فكان يقصر إذا خرج من بيوت المدينة ويقصر إذا رجع حتى يدخل بيوتها كما رواه عنه نافع أيضًا.

( مَالِكٍ عَنْ ابْنِ شِهَابٍ عَنْ سَالِمِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ عَنْ أَبِيهِ أَنَّهُ رَكِبَ إِلَى رِيمٍ) بكسر الراء وإسكان التحتية وميم ( فَقَصَرَ الصَّلَاةَ فِي مَسِيرِهِ ذَلِكَ.
قَالَ مَالِكٌ: وَذَلِكَ نَحْوٌ مِنْ أَرْبَعَةِ بُرُدٍ)
من المدينة.
ولعبد الرزاق عن مالك ثلاثون ميلاً من المدينة، قال ابن عبد البر: وأراها وهمًا بخلاف ما في الموطأ، ورواه عقيل عن ابن شهاب وقال: هي ثلاثون فيحتمل أن ريم موضع متسع كالإقليم فيكون تقدير مالك عند آخره وعقيل عند أوّله وقال بعض شعراء المدينة:

فكم من حرّة بين المنقى
إلى أحد إلى جنبات ريم

فقال: جنبات وربما كانت بعيدة الأقطار.

( مَالِكٍ عَنْ نَافِعٍ عَنْ سَالِمِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عُمَرَ رَكِبَ إِلَى ذَاتِ النُّصُبِ) بضم النون موضع قرب المدينة ( فَقَصَرَ الصَّلَاةَ فِي مَسِيرِهِ ذَلِكَ.
قَالَ مَالِكٌ: وَبَيْنَ ذَاتِ النُّصُبِ وَالْمَدِينَةِ أَرْبَعَةُ بُرُدٍ)
وكذا رواه الشافعي عن مالك، ورواه عبد الرزاق عن مالك فقال بينهما ثمانية عشر ميلاً.

( مَالِكٍ عَنْ نَافِعٍ عَنِ ابْنِ عُمَرَ أَنَّهُ كَانَ يُسَافِرُ إِلَى خَيْبَرَ فَيَقْصُرُ الصَّلَاةَ) بضم الصاد وبين خيبر والمدينة ستة وتسعون ميلاً، وروى عبد الرزاق عن ابن جريج عن نافع أن ابن عمر كان أدنى ما يقصر الصلاة فيه مال له بخيبر.
قال ابن عبد البر ومالك: أثبت في نافع من ابن جريج فالمقدّمون في حفظ حديث نافع مالك وعبيد الله بن عمر وأيوب، وأما ابن جريج فبعد هؤلاء.

( مَالِكٍ عَنْ ابْنِ شِهَابٍ عَنْ سَالِمِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عُمَرَ كَانَ يَقْصُرُ الصَّلَاةَ فِي مَسِيرِهِ الْيَوْمَ التَّامَّ) وتقدير ذلك بالسير الحثيث نحو أربعة برد قاله ابن عبد البر.
وقال ابن المواز: معناه في الصيف وجد السير.

( مَالِكٍ عَنْ نَافِعٍ أَنَّهُ كَانَ يُسَافِرُ مَعَ ابْنِ عُمَرَ الْبَرِيدَ فَلَا يَقْصُرُ الصَّلَاةَ) قال الباجي: سمي الخروج إلى البريد ونحوه سفرًا مجازًا واتساعًا ولا يطلق عليه اسم السفر حقيقة في كلام العرب، ولا يفهم من قولهم سافر فلان الخروج إلى الميلين والثلاثة مع أنّ هذا لفظ نافع وليس من العرب، وروي أنه كان في نطقه لكنة.

( مَالِكٍ أَنَّهُ بَلَغَهُ أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عَبَّاسٍ كَانَ يَقْصُرُ الصَّلَاةَ فِي مِثْلِ مَا بَيْنَ مَكَّةَ وَالطَّائِفِ) وبينهما ثلاثة مراحل أو اثنان ( وَفِي مِثْلِ مَا بَيْنَ مَكَّةَ وَعُسْفَانَ) وبينهما ثلاثة مراحل ونونه زائدة ويذكر ويؤنث ( وَفِي مِثْلِ مَا بَيْنَ مَكَّةَ وَجُدَّةَ) بضم الجيم ساحل البحر بمكة.
قال الباجي: أكثر مالك من ذكر أفعال الصحابة لما لم يصح عنده في ذلك توقيف عن النبي صلى الله عليه وسلم انتهى.

( قَالَ مَالِكٌ: وَذَلِكَ) المذكور من هذه الأماكن ( أَرْبَعَةُ بُرُدٍ) قال الحافظ: روي عن ابن عباس مرفوعًا أخرجه الدارقطني وابن أبي شيبة من طريق عبد الوهاب عن مجاهد عن أبيه وعطاء عن ابن عباس أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: يا أهل مكة لا تقصروا الصلاة في أدنى من أربعة برد من مكة إلى عسفان.
وإسناده ضعيف من أجل عبد الوهاب.

وروى عبد الرزاق عن ابن جريج عن عطاء عن ابن عباس قال: لا تقصر الصلاة إلا في اليوم ولا تقصر فيما دون اليوم.
ولابن أبي شيبة من وجه آخر صحيح عنه قال: تقصر الصلاة في مسير يوم وليلة، ويمكن الجمع بين هذه الروايات بأن مسافة برد يمكن سيرها في يوم واحد.

( وَذَلِكَ أَحَبُّ مَا تُقْصَرُ إِلَيَّ فِيهِ الصَّلَاةُ) من الأقوال المنتشرة إلى نحو عشرين قولاً فأحب عائد لاختياره يعني أنه لا يقصر في أقل منها وهي ستة عشر فرسخًا ثمانية وأربعون ميلاً، وإلى هذا ذهب الشافعي وأحمد وجماعة وعن مالك مسيرة يوم وليلة.
قال ابن القاسم: رجع عنه.
قال عبد الوهاب: وهو وفاق فإنما رجع عن التحديد بيوم وليلة إلى لفظ أبين منه، وقال أبو حنيفة: لا تقصر في أقل من ثلاثة أيام لحديث الصحيحين: لا تسافر المرأة ثلاثة أيام إلا مع ذي محرم.

وأجيب: بأنه لم يسق لبيان مسافة القصر بل لنهي المرأة عن الخروج وحدها، ولذا اختلفت ألفاظه فروي يومًا وليلة ومسيرة يومين وبريدًا وأيد بأنّ الحكم في نهي المرأة عن السفر وحدها متعلق بالزمان فلو قطعت مسيرة ساعة واحدة في يوم لتعلق بها النهي بخلاف المسافر لو قطع مسيرة نصف يوم في يومين مثلاً لم يقصر فافترقا على أن تمسك الحنفية بالحديث مخالف لقاعدتهم أنّ الاعتبار برأي الصحابي لا بما روي، فلو كان الحديث عنه لبيان أقل مسافة القصر لما خالفه وقصر في مسير اليوم التام.

وقالت طائفة من أهل الظاهر: يقصر في كل سفر ولو ثلاثة أميال لظاهر قوله تعالى: { { وَإِذَا ضَرَبْتُمْ فِي الأَرْضِ } } ولم يحدّ المسافة وروى مسلم وأبو داود عن أنس كان صلى الله عليه وسلم إذا خرج مسيرة ثلاثة أميال أو ثلاثة فراسخ قصر الصلاة وهو أصح ما ورد في بيان ذلك وأصرحه، وقد حمله من خالفه على أنّ المراد به المسافة التي يبتدأ منها القصر لا غاية السفر.

قال الحافظ: ولا يخفى بعد هذا الحمل مع أنّ البيهقي روى أنّ يحيى بن يزيد قال: سألت أنسًا عن قصر الصلاة وكنت أخرج إلى الكوفة يعني من البصرة فأصلي ركعتين ركعتين حتى أرجع فقال أنس: فذكر الحديث فظهر أنه سأله عن جواز القصر في السفر لا عن الموضع الذي يبتدأ منه القصر، ثم الصحيح أنه لا يتقيد بمسافة بل بمجاوزة البلد الذي يخرج منه.
وردّه القرطبي بأنه مشكوك فيه فلا يحتج به فإن أراد لا يحتج به في التحديد بثلاثة أميال فمسلم لكن لا يمتنع أن يحتج به في التحديد بثلاثة فراسخ فإنّ الثلاثة أميال مندرجة فيها فيؤخذ بالأكثر احتياطًا.

( قَالَ مَالِكٌ: لَا يَقْصُرُ الَّذِي يُرِيدُ السَّفَرَ الصَّلَاةَ حَتَّى يَخْرُجَ مِنْ بُيُوتِ الْقَرْيَةِ) كلها وهذا مجمع عليه واختلف فيما قبل الخروج من البيوت فعن بعض السلف إذا أراد السفر قصر ولو في بيته وردّه ابن المنذر بأنه لا يعلم أنّ النبي صلى الله عليه وسلم قصر في شيء من أسفاره إلا بعد خروجه عن المدينة.

وحديث الصحيحين عن أنس: صليت مع النبي صلى الله عليه وسلم الظهر بالمدينة أربعًا والعصر بذي الحليفة ركعتين دليل على ذلك، ولا دلالة فيه على القصر في السفر القصير لأن بين ذي الحليفة والمدينة ستة أميال لأنها لم تكن منتهى سفره، بل كان ذلك لخروجه لحجة الوداع فنزل بها فقصر العصر واستمرّ يقصر حتى رجع ( وَلَا يُتِمُّ حَتَّى يَدْخُلَ أَوَّلَ بُيُوتِ الْقَرْيَةِ أَوْ يُقَارِبَ ذَلِكَ) وكذا رواه ابن القاسم في المدّونة، وروى علي في المجموعة عن مالك حتى يدخل منزله، وروى مطرف وابن الماجشون يقصر إلى الموضع الذي يقصر منه عند خروجه.



رقم الحديث 346 وَحَدَّثَنِي عَنْ مَالِكٍ، عَنْ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ مِثْلَ ذَلِكَ.


صَلَاةِ الْمُسَافِرِ إِذَا كَانَ إِمَامًا أَوْ كَانَ وَرَاءَ إِمَامٍ

( مَالِكٍ عَنِ ابْنِ شِهَابٍ عَنْ سَالِمِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ عَنْ أَبِيهِ أَنَّ) أباه ( عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ كَانَ إِذَا قَدِمَ مَكَّةَ صَلَّى بِهِمْ) إمامًا لأنه الخليفة ولا يؤمّ الرجل في سلطانه ( رَكْعَتَيْنِ ثُمَّ يَقُولُ: يَا أَهْلَ مَكَّةَ أَتِمُّوا صَلَاتَكُمْ فَإِنَّا قَوْمٌ سَفْرٌ) بفتح فسكون جمع سافر كراكب وركب، قال أبو عمر: امتثل عمر فعل رسول الله صلى الله عليه وسلم.
قال عمران بن حصين: شهدت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم الفتح فأقام بمكة ثمان عشرة ليلة لا يصلي إلا ركعتين ثم يقول لأهل البلد: صلوا أربعًا فإنا سفر انتهى.
وهذا رواه الترمذي وفي إسناده ضعف.

( مَالِكٍ عَنْ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ مِثْلَ ذَلِكَ) فله طريقان عن عمر كل منهما صحيح وذكر الإمام لفظ هذه الطريق في الحج.
قال الباجي: كان عمر لا يستوطن مكة لأن المهاجري ممنوع من استيطانها لأنه قد هجرها لله تعالى، وكان عمر أمير المؤمنين والمستحق للإمامة ومحل كون الأفضل تقديم غير المسافر في الإمامة في غير موضع الأمراء والإمام الراتب.

( مَالِكٍ عَنْ نَافِعٍ أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عُمَرَ كَانَ يُصَلِّي وَرَاءَ الْإِمَامِ بِمِنًى أَرْبَعًا) لوجوب متابعة الإمام وترك الخلاف له وإن اعتقد المأموم أن القصر أفضل لكن فضيلة الجماعة آكد للاتفاق عليها والاختلاف في القصر ( فَإِذَا صَلَّى لِنَفْسِهِ صَلَّى رَكْعَتَيْنِ) على سنته لأنه مسافر.

( مَالِكٍ عَنْ ابْنِ شِهَابٍ عَنْ صَفْوَانَ) بن عبد الله بن صفوان بن أمية القرشي التابعي ( أَنَّهُ قَالَ: جَاءَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ يَعُودُ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ صَفْوَانَ) بن أمية بن خلف الجمحي المالكي، ولد على عهد النبي صلى الله عليه وسلم وأبوه صحابي مشهور، وقتل عبد الله مع ابن الزبير وهو متعلق بأستار الكعبة سنة ثلاث وسبعين ذكره ابن سعد في الطبقة الأولى من التابعين ( فَصَلَّى) ابن عمر ( لَنَا) أي بنا إمامًا ( رَكْعَتَيْنِ) لأنه مسافر ( ثُمَّ انْصَرَفَ) سلم من الصلاة ( فَقُمْنَا فَأَتْمَمْنَا) لأنهم مقيمون ولا كراهة في إمامة المسافر للمقيم لأن صلاته لم تتغير بخلاف عكسه كذا قاله الباجي، والمذهب كراهة الصورتين غايته أن عكسه أقوى فلعله أراد لا كراهة أكيدة وإنما أمّ ابن عمر الحضريين لأنه أعلمهم وأفضلهم.



رقم الحديث 347 وَحَدَّثَنِي عَنْ مَالِكٍ عَنْ نَافِعٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ أَنَّهُ كَانَ يُسَافِرُ إِلَى خَيْبَرَ فَيَقْصُرُ الصَّلَاةَ.


( مَالِكٍ عَنْ نَافِعٍ أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عُمَرَ كَانَ إِذَا خَرَجَ حَاجًّا أَوْ مُعْتَمِرًا قَصَرَ الصَّلَاةَ بِذِي الْحُلَيْفَةِ) قال الباجي: خص سفره بهما لأنهما مما لا خلاف في القصر فيه.
وقال أبو عمر: كان ابن عمر يتبرك بالمواضع التي كان صلى الله عليه وسلم ينزلها ويمتثل فعله بكل ما يمكنه، ولما علم أنه صلى الله عليه وسلم قصر العصر بذي الحليفة حين خرج في حجة الوداع فعل مثله وأما سفر ابن عمر في غير الحج والعمرة فكان يقصر إذا خرج من بيوت المدينة ويقصر إذا رجع حتى يدخل بيوتها كما رواه عنه نافع أيضًا.

( مَالِكٍ عَنْ ابْنِ شِهَابٍ عَنْ سَالِمِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ عَنْ أَبِيهِ أَنَّهُ رَكِبَ إِلَى رِيمٍ) بكسر الراء وإسكان التحتية وميم ( فَقَصَرَ الصَّلَاةَ فِي مَسِيرِهِ ذَلِكَ.
قَالَ مَالِكٌ: وَذَلِكَ نَحْوٌ مِنْ أَرْبَعَةِ بُرُدٍ)
من المدينة.
ولعبد الرزاق عن مالك ثلاثون ميلاً من المدينة، قال ابن عبد البر: وأراها وهمًا بخلاف ما في الموطأ، ورواه عقيل عن ابن شهاب وقال: هي ثلاثون فيحتمل أن ريم موضع متسع كالإقليم فيكون تقدير مالك عند آخره وعقيل عند أوّله وقال بعض شعراء المدينة:

فكم من حرّة بين المنقى
إلى أحد إلى جنبات ريم

فقال: جنبات وربما كانت بعيدة الأقطار.

( مَالِكٍ عَنْ نَافِعٍ عَنْ سَالِمِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عُمَرَ رَكِبَ إِلَى ذَاتِ النُّصُبِ) بضم النون موضع قرب المدينة ( فَقَصَرَ الصَّلَاةَ فِي مَسِيرِهِ ذَلِكَ.
قَالَ مَالِكٌ: وَبَيْنَ ذَاتِ النُّصُبِ وَالْمَدِينَةِ أَرْبَعَةُ بُرُدٍ)
وكذا رواه الشافعي عن مالك، ورواه عبد الرزاق عن مالك فقال بينهما ثمانية عشر ميلاً.

( مَالِكٍ عَنْ نَافِعٍ عَنِ ابْنِ عُمَرَ أَنَّهُ كَانَ يُسَافِرُ إِلَى خَيْبَرَ فَيَقْصُرُ الصَّلَاةَ) بضم الصاد وبين خيبر والمدينة ستة وتسعون ميلاً، وروى عبد الرزاق عن ابن جريج عن نافع أن ابن عمر كان أدنى ما يقصر الصلاة فيه مال له بخيبر.
قال ابن عبد البر ومالك: أثبت في نافع من ابن جريج فالمقدّمون في حفظ حديث نافع مالك وعبيد الله بن عمر وأيوب، وأما ابن جريج فبعد هؤلاء.

( مَالِكٍ عَنْ ابْنِ شِهَابٍ عَنْ سَالِمِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عُمَرَ كَانَ يَقْصُرُ الصَّلَاةَ فِي مَسِيرِهِ الْيَوْمَ التَّامَّ) وتقدير ذلك بالسير الحثيث نحو أربعة برد قاله ابن عبد البر.
وقال ابن المواز: معناه في الصيف وجد السير.

( مَالِكٍ عَنْ نَافِعٍ أَنَّهُ كَانَ يُسَافِرُ مَعَ ابْنِ عُمَرَ الْبَرِيدَ فَلَا يَقْصُرُ الصَّلَاةَ) قال الباجي: سمي الخروج إلى البريد ونحوه سفرًا مجازًا واتساعًا ولا يطلق عليه اسم السفر حقيقة في كلام العرب، ولا يفهم من قولهم سافر فلان الخروج إلى الميلين والثلاثة مع أنّ هذا لفظ نافع وليس من العرب، وروي أنه كان في نطقه لكنة.

( مَالِكٍ أَنَّهُ بَلَغَهُ أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عَبَّاسٍ كَانَ يَقْصُرُ الصَّلَاةَ فِي مِثْلِ مَا بَيْنَ مَكَّةَ وَالطَّائِفِ) وبينهما ثلاثة مراحل أو اثنان ( وَفِي مِثْلِ مَا بَيْنَ مَكَّةَ وَعُسْفَانَ) وبينهما ثلاثة مراحل ونونه زائدة ويذكر ويؤنث ( وَفِي مِثْلِ مَا بَيْنَ مَكَّةَ وَجُدَّةَ) بضم الجيم ساحل البحر بمكة.
قال الباجي: أكثر مالك من ذكر أفعال الصحابة لما لم يصح عنده في ذلك توقيف عن النبي صلى الله عليه وسلم انتهى.

( قَالَ مَالِكٌ: وَذَلِكَ) المذكور من هذه الأماكن ( أَرْبَعَةُ بُرُدٍ) قال الحافظ: روي عن ابن عباس مرفوعًا أخرجه الدارقطني وابن أبي شيبة من طريق عبد الوهاب عن مجاهد عن أبيه وعطاء عن ابن عباس أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: يا أهل مكة لا تقصروا الصلاة في أدنى من أربعة برد من مكة إلى عسفان.
وإسناده ضعيف من أجل عبد الوهاب.

وروى عبد الرزاق عن ابن جريج عن عطاء عن ابن عباس قال: لا تقصر الصلاة إلا في اليوم ولا تقصر فيما دون اليوم.
ولابن أبي شيبة من وجه آخر صحيح عنه قال: تقصر الصلاة في مسير يوم وليلة، ويمكن الجمع بين هذه الروايات بأن مسافة برد يمكن سيرها في يوم واحد.

( وَذَلِكَ أَحَبُّ مَا تُقْصَرُ إِلَيَّ فِيهِ الصَّلَاةُ) من الأقوال المنتشرة إلى نحو عشرين قولاً فأحب عائد لاختياره يعني أنه لا يقصر في أقل منها وهي ستة عشر فرسخًا ثمانية وأربعون ميلاً، وإلى هذا ذهب الشافعي وأحمد وجماعة وعن مالك مسيرة يوم وليلة.
قال ابن القاسم: رجع عنه.
قال عبد الوهاب: وهو وفاق فإنما رجع عن التحديد بيوم وليلة إلى لفظ أبين منه، وقال أبو حنيفة: لا تقصر في أقل من ثلاثة أيام لحديث الصحيحين: لا تسافر المرأة ثلاثة أيام إلا مع ذي محرم.

وأجيب: بأنه لم يسق لبيان مسافة القصر بل لنهي المرأة عن الخروج وحدها، ولذا اختلفت ألفاظه فروي يومًا وليلة ومسيرة يومين وبريدًا وأيد بأنّ الحكم في نهي المرأة عن السفر وحدها متعلق بالزمان فلو قطعت مسيرة ساعة واحدة في يوم لتعلق بها النهي بخلاف المسافر لو قطع مسيرة نصف يوم في يومين مثلاً لم يقصر فافترقا على أن تمسك الحنفية بالحديث مخالف لقاعدتهم أنّ الاعتبار برأي الصحابي لا بما روي، فلو كان الحديث عنه لبيان أقل مسافة القصر لما خالفه وقصر في مسير اليوم التام.

وقالت طائفة من أهل الظاهر: يقصر في كل سفر ولو ثلاثة أميال لظاهر قوله تعالى: { { وَإِذَا ضَرَبْتُمْ فِي الأَرْضِ } } ولم يحدّ المسافة وروى مسلم وأبو داود عن أنس كان صلى الله عليه وسلم إذا خرج مسيرة ثلاثة أميال أو ثلاثة فراسخ قصر الصلاة وهو أصح ما ورد في بيان ذلك وأصرحه، وقد حمله من خالفه على أنّ المراد به المسافة التي يبتدأ منها القصر لا غاية السفر.

قال الحافظ: ولا يخفى بعد هذا الحمل مع أنّ البيهقي روى أنّ يحيى بن يزيد قال: سألت أنسًا عن قصر الصلاة وكنت أخرج إلى الكوفة يعني من البصرة فأصلي ركعتين ركعتين حتى أرجع فقال أنس: فذكر الحديث فظهر أنه سأله عن جواز القصر في السفر لا عن الموضع الذي يبتدأ منه القصر، ثم الصحيح أنه لا يتقيد بمسافة بل بمجاوزة البلد الذي يخرج منه.
وردّه القرطبي بأنه مشكوك فيه فلا يحتج به فإن أراد لا يحتج به في التحديد بثلاثة أميال فمسلم لكن لا يمتنع أن يحتج به في التحديد بثلاثة فراسخ فإنّ الثلاثة أميال مندرجة فيها فيؤخذ بالأكثر احتياطًا.

( قَالَ مَالِكٌ: لَا يَقْصُرُ الَّذِي يُرِيدُ السَّفَرَ الصَّلَاةَ حَتَّى يَخْرُجَ مِنْ بُيُوتِ الْقَرْيَةِ) كلها وهذا مجمع عليه واختلف فيما قبل الخروج من البيوت فعن بعض السلف إذا أراد السفر قصر ولو في بيته وردّه ابن المنذر بأنه لا يعلم أنّ النبي صلى الله عليه وسلم قصر في شيء من أسفاره إلا بعد خروجه عن المدينة.

وحديث الصحيحين عن أنس: صليت مع النبي صلى الله عليه وسلم الظهر بالمدينة أربعًا والعصر بذي الحليفة ركعتين دليل على ذلك، ولا دلالة فيه على القصر في السفر القصير لأن بين ذي الحليفة والمدينة ستة أميال لأنها لم تكن منتهى سفره، بل كان ذلك لخروجه لحجة الوداع فنزل بها فقصر العصر واستمرّ يقصر حتى رجع ( وَلَا يُتِمُّ حَتَّى يَدْخُلَ أَوَّلَ بُيُوتِ الْقَرْيَةِ أَوْ يُقَارِبَ ذَلِكَ) وكذا رواه ابن القاسم في المدّونة، وروى علي في المجموعة عن مالك حتى يدخل منزله، وروى مطرف وابن الماجشون يقصر إلى الموضع الذي يقصر منه عند خروجه.



رقم الحديث 348 وَحَدَّثَنِي عَنْ مَالِكٍ، عَنْ ابْنِ شِهَابٍ، عَنْ سَالِمِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ، أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عُمَرَ كَانَ يُكَبِّرُ فِي الصَّلَاةِ كُلَّمَا خَفَضَ وَرَفَعَ.


افْتِتَاحِ الصَّلَاةِ

( مَالِكٍ عَنِ ابْنِ شِهَابٍ) محمد بن مسلم الزهري ( عَنْ سَالِمِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ) بن عمر ( عَنْ) أبيه ( عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ إِذَا افْتَتَحَ الصَّلَاةَ رَفَعَ يَدَيْهِ حَذْوَ) بحاء مهملة وذال معجمة ساكنة أي مقابل ( مَنْكِبَيْهِ) تثنية منكب وهو مجمع عظم العضد والكتف وبهذا أخذ مالك والشافعي والجمهور، وذهب الحنفية إلى حديث مالك بن الحويرث أنه صلى الله عليه وسلم كان إذا صلى كبر ثم رفع حتى يحاذي بهما أذنيه رواه مسلم، وفي لفظ له حتى يحاذي بهما فروع أذنيه، ولأبي داود عن وائل بن حجر حتى حاذيا أذنيه ورجح الأول بكونه أصح إسنادًا ثم الرفع يكون مقارنًا للتكبير وانتهاؤه مع انتهائه لرواية شعيب عن الزهري في هذا الحديث عند البخاري يرفع يديه حين يكبر.

وروى أبو داود عن وائل بن حجر أنه صلى الله عليه وسلم رفع يديه مع التكبير وقضية المقارنة أنه ينتهي بانتهائه وهذا هو الأصح عند الشافعية والمالكية وجاء تقديم الرفع على التكبير وعكسه أخرجهما مسلم فعنده من رواية ابن جريج وغيره عن ابن شهاب بلفظ رفع يديه ثم كبر وله في حديث مالك بن الحويرث كبر ثم رفع يديه.

وقال صاحب الهداية من الحنفية: الأصح يرفع ثم يكبر لأن الرفع صفة نفي الكبرياء عن غير الله والتكبير إثبات ذلك له والنفي سابق على الإثبات كما في كلمة الشهادة قال الحافظ وهذا مبني على أن حكمة الرفع ما ذكر.
وقد قال فريق من العلماء الحكمة في اقترانهما أنه يراه الأصم ويسمعه الأعمى وقيل الإشارة إلى طرح الدنيا والإقبال بكليته على العبادة وقيل إلى الاستسلام والانقياد ليناسب فعله قوله الله أكبر، وقيل إلى استعظام ما دخل فيه وقيل إلى تمام القيام، وقيل إلى رفع الحجاب بين العبد والمعبود وقيل ليستقبل بجميع بدنه.

قال القرطبي: هذا أشبهها.
وقال الربيع: قلت للشافعي ما معنى رفع اليدين؟ قال: تعظيم الله واتباع سنة نبيه انتهى.

وقال ابن عبد البر: رفع اليدين معناه عند أهل العلم تعظيم لله وعبادة له وابتهال إليه واستسلام له وخضوع في حالة الوقوف بين يديه واتباع لسنة نبيه صلى الله عليه وسلم وكان ابن عمر يقول لكل شيء زينة وزينة الصلاة التكبير ورفع الأيدي، وقال عقبة بن عامر له بكل إشارة عشر حسنات بكل أصبع حسنة انتهى.

وهذا رواه الطبراني بسند حسن عن عقبة قال: يكتب في كل إشارة يشيرها الرجل بيده في الصلاة بكل أصبع حسنة أو درجة موقوف لفظًا مرفوع حكمًا إذ لا دخل للرأي فيه وهذا الرفع مستحب عند جمهور العلماء عند افتتاح الصلاة لا واجب كما قال الأوزاعي والحميدي شيخ البخاري وابن خزيمة وداود وبعض الشافعية والمالكية.

قال ابن عبد البر: وكل من نقل عنه الوجوب لا يبطل الصلاة بتركه إلا في رواية عن الأوزاعي والحميدي وهو شذوذ وخطأ وقيل لا يستحب حكاه الباجي عن كثير من المالكية ونقله اللخمي رواية عن مالك، ولذا كان أسلم العبارات قول أبي عمر أجمع العلماء على جواز رفع اليدين عند افتتاح الصلاة، وقول ابن المنذر لم يختلفوا أنه صلى الله عليه وسلم كان يرفع يديه إذا افتتح الصلاة.

( وَإِذَا رَفَعَ رَأْسَهُ مِنَ الرُّكُوعِ رَفَعَهُمَا) أي يديه ( كَذَلِكَ) أي حذو منكبيه ( أَيْضًا) كذا ليحيى والقعنبي والشافعي ومعن ويحيى والنيسابوري وابن نافع وجماعة فلم يذكروا الرفع عند الانحطاط للركوع.
ورواه ابن وهب وابن القاسم وابن مهدي ومحمد بن الحسن وعبد الله بن يوسف وابن نافع وجماعة غيرهم في الموطأ بإثباته فقالوا: وإذا ركع وإذا رفع رأسه من الركوع رفعهما كذلك أيضًا.

قال ابن عبد البر: وهو الصواب وكذلك لسائر من رواه عن ابن شهاب وقال جماعة إن ترك ذكر الرفع عند الانحطاط إنما أتى من مالك وهو الذي ربما أوهم فيه لأن جماعة حفاظًا رووا عنه الوجهين جميعًا واختلف في مشروعيته، فروى ابن القاسم عن مالك لا يرفع في غير الإحرام وبه قال أبو حنيفة وغيره من الكوفيين.
وروى أبو مصعب وابن وهب وأشهب وغيرهم عن مالك أنه كان يرفع إذا ركع وإذا رفع منه على حديث ابن عمر وبه قال الأوزاعي والشافعي وأحمد وإسحاق والطبري وجماعة أهل الحديث، وكل من روى عنه من الصحابة ترك الرفع فيهما روى عنه فعله إلا ابن مسعود، وقال محمد بن عبد الحكم لم يرو أحد عن مالك ترك الرفع فيهما إلا ابن القاسم والذي نأخذ به الرفع لحديث ابن عمر انتهى كلام ابن عبد البر.

وقال الأصيلي: لم يأخذ به مالك لأن نافعًا وقفه على ابن عمر وهو أحد الأربع التي اختلف فيها سالم ونافع، ثانيهما من باع عبدًا وله مال فماله للبائع، والثالث الناس كإبل مائة لا تكاد تجد فيها راحلة.
والرابع فيما سقت السماء والعيون العشر فرفع الأربعة سالم ووقفها نافع انتهى، وبه يعلم تحامل الحافظ.
في قوله لم أر للمالكية دليلاً على تركه ولا متمسكًا إلا قول ابن القاسم انتهى، لأن سالمًا ونافعًا لما اختلفا في رفعه ووقفه ترك مالك في المشهور القول باستحباب ذلك لأن الأصل صيانة الصلاة عن الأفعال.

قال الحافظ: وأما الحنفية فعولوا على رواية مجاهد أنه صلى خلف ابن عمر فلم يره يرفع فيهما ورد بأن في إسناده عن مجاهد مقالاً وعلى تقدير صحته فقد أثبت ذلك سالم ونافع وغيرهما عنه والعدد الكثير أولى من واحد لا سيما وهم مثبتون وهو نافي مع أن الجمع ممكن بأنه لم يره واجبًا ففعله تارة وتركه أخرى يدل على ضعفه ما رواه البخاري في جزء رفع اليدين عن مالك عن نافع أن ابن عمر كان إذا رأى رجلاً لا يرفع يديه إذا ركع وإذا رفع رماه بالحصى، واحتجوا أيضًا بحديث ابن مسعود أنه رأى النبي صلى الله عليه وسلم يرفع يديه عند الافتتاح ثم لا يعود أخرجه أبو داود ورده الشافعي بأنه لم يثبت قال: ولو ثبت لكان المثبت مقدمًا على النافي، وقد صححه بعض أهل الحديث لكنه استدل به على عدم الوجوب، ومقابل هذا قول بعض الحنفية أنه يبطل الصلاة ونسب بعض متأخري المغاربة فاعله إلى البدعة وبه قال بعض محققيهم درءًا لهذه المفسدة، لكن قال البخاري في جزء رفع اليدين: من زعم أنه بدعة فقد طعن في الصحابة لأنه لم يثبت عن أحد منهم تركه ولا أسانيد أصح من أسانيد الرفع.

( وَقَالَ سَمِعَ اللَّهُ لِمَنْ حَمِدَهُ) قال العلماء: معنى سمع هنا أجاب ومعناه أن من حمده متعرضًا لثوابه استجاب الله تعالى له وأعطاه ما تعرض له فإنا نقول ربنا لك الحمد لتحصيل ذلك ( رَبَّنَا وَلَكَ الْحَمْدُ) قال العلماء: الرواية بثبوت الواو أرجح وهي زائدة، وقيل عاطفة على محذوف أي حمدناك، وقيل هي واو الحال قاله ابن الأثير وضعف ما عداه واستدل به على أن الإمام يجمع بين اللفظين لأن غالب أحواله صلى الله عليه وسلم الإمامة وعليه الشافعي وأبو يوسف ومحمد وجماعة أن الإمام والمأموم والفذ يقول اللفظين.
وقال مالك وأبو حنيفة يقول الإمام سمع الله لمن حمده فقط، والمأموم ربنا لك الحمد فقط لحديث: إذا قال الإمام سمع الله لمن حمده فقولوا ربنا ولك الحمد، فقصر الإمام على قول ذلك والمأموم على الآخر وهذه قسمة منافية للشركة كحديث البينة على المدعي واليمين على من أنكر.
وأجابوا عن هذا الحديث بحمله على صلاته صلى الله عليه وسلم منفردًا أو على صلاة النافلة توفيقًا بين الحديثين والمنفرد يجمع بينهما على الأصح.

( وَكَانَ لَا يَفْعَلُ ذَلِكَ) أي رفع يديه ( فِي السُّجُودِ) لا في الهوي إليه ولا في الرفع منه كما صرح به في رواية شعيب عن الزهري بلفظ حين يسجد ولا حين يرفع رأسه، وهذا يشمل ما إذا نهض من السجود إلى الثانية والرابعة والتشهدين ويشمل ما إذا قام إلى الثالثة أيضًا لكن بدون تشهد لكونه غير واجب، وإذا قلنا باستحباب جلسة الاستراحة لم يدل هذا اللفظ على نفي ذلك عن القيام منها إلى الثانية والرابعة، لكن روى يحيى القطان عن مالك عن نافع عن ابن عمر مرفوعًا هذا الحديث وفيه ولا يرفع بعد ذلك أخرجه الدارقطني في الغرائب بإسناد حسن وظاهره النفي عما عدا المواطن الثلاثة، لكن روى البخاري من رواية عبيد الله عن نافع وأبو داود من رواية محارب بن دثار كلاهما عن ابن عمر أن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا قام من الركعتين كبر ورفع يديه، وله شواهد من حديث علي وأبي حميد الساعدي أخرجهما أبو داود وصححهما ابن خزيمة وابن حبان.

وقال البخاري في جزء رفع اليدين: ما زاده ابن عمر وعلي وأبو حميد في عشرة من الصحابة من الرفع عند القيام من الركعتين صحيح لأنهم لم يخلوا صلاة واحدة فاختلفوا فيها، وإنما زاد بعضهم على بعض والزيادة مقبولة من أهل العلم.

وقال ابن بطال: هذه الزيادة يجب قبولها لمن يقول بالرفع، وقال الخطابي: لم يقل به الشافعي وهو لازم على أصله في قبول الزيادة، وقال ابن خزيمة: هو سنة وإن لم يذكره الشافعي فالإسناد صحيح وقد قال قولوا بالسنة ودعوا قولي، وقد قال ابن دقيق العيد: قياس نظير الشافعي أنه يستحب الرفع فيه لأنه أثبت الرفع عند الركوع والرفع منه لكونه زائدًا على من اقتصر عليه عند الافتتاح والحجة في الموضعين واحدة وأول راض سيرة من يسيرها.
قال: والصواب إثباته وأما كونه مذهب الشافعي لقوله إذا صح الحديث فهو مذهبي ففيه نظر انتهى لأن محل العمل به إذا علم أنه لم يطلع على الحديث أما إذا عرف أنه اطلع عليه ورده أو تأوله بوجه فلا والأمر هنا محتمل.

وأطلق النووي في الروضة أنه نص عليه لكن الذي في الأم خلافه لقوله ولا يأمره بالرفع إلا في هذه المواضع الثلاثة المذكورة في حديث ابن عمر يعني حديث الباب وهو متواتر ذكر البخاري في جزء رفع اليدين أنه رواه سبعة عشر رجلاً من الصحابة وذكر الحاكم وابن منده ممن رواه العشرة المبشرة، وذكر شيخنا أبو الفضل الحافظ أنه تتبع من رواه من الصحابة فبلغوا خمسين رجلاً ذكره في فتح الباري.

والحديث رواه البخاري عن القعنبي عن مالك بنحوه.

( مَالِكٍ عَنْ ابْنِ شِهَابٍ عَنْ عَلِيِّ بْنِ حُسَيْنِ بْنِ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ) الهاشمي زين العابدين ثقة ثبت عابد فقيه فاضل مشهور من رجال الجميع قال الزهري: ما رأيت قرشيًا أفضل منه مات سنة ثلاث وتسعين وقيل غير ذلك.

( أَنَّهُ قَالَ كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُكَبِّرُ فِي الصَّلَاةِ كُلَّمَا خَفَضَ) للركوع والسجود ( وَرَفَعَ) رأسه من السجود لا من الركوع لأنه كان يقول سمع الله لمن حمده كما مر في حديث ابن عمر ( فَلَمْ تَزَلْ تِلْكَ صَلَاتَهُ حَتَّى لَقِيَ اللَّهَ) .

قال ابن عبد البر: لا أعلم خلافًا بين رواة الموطأ في إرسال هذا الحديث ورواه عبد الوهاب بن عطاء عن مالك عن ابن شهاب عن علي عن أبيه موصولاً، ورواه عبد الرحمن بن خالد بن نجيح عن أبيه عن مالك عن ابن شهاب عن علي بن الحسين عن علي بن أبي طالب ولا يصح فيه إلا ما في الموطأ مرسل، وأخطأ فيه محمد بن مصعب فرواه عن مالك عن الزهري عن سالم عن أبيه ولا يصح فيه هذا الإسناد والصواب عندهم ما في الموطأ.

( مالِكٍ عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ عَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ يَسَارٍ) أحد الفقهاء التابعي ( أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يَرْفَعُ يَدَيْهِ فِي الصَّلَاةِ) رواه شعبة عن يحيى بن سعيد عن سليمان كذلك مرسلاً بلفظ كان يرفع يديه إذا كبر لافتتاح الصلاة وإذا رفع رأسه من الركوع.

( مَالِكٍ عَنْ ابْنِ شِهَابٍ عَنْ أَبِي سَلَمَةَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ) التابعي ابن الصحابي ( أَنَّ أَبَا هُرَيْرَةَ كَانَ يُصَلِّي لَهُمْ) أي لأجلهم إمامًا وفي رواية بهم بالباء ( فَيُكَبِّرُ كُلَّمَا خَفَضَ وَرَفَعَ) تجديدًا للعهد في أثناء الصلاة بالتكبير الذي هو شعار النية المأمور بها في أول الصلاة مقرونة بالتكبير التي كان من حقها أن تستصحب إلى آخر الصلاة قاله الناصر بن المنير، وظاهر الحديث عمومه في جميع الانتقالات لكن خص منه الرفع من الركوع بالإجماع فإنه يشرع فيه التحميد، وقد جاء بهذا اللفظ العام أيضًا من حديث أبي موسى عند أحمد، وابن مسعود عند الدارمي، والطحاوي وابن عمر عند أحمد والنسائي، وعبد الله بن زيد عند سعيد بن منصور، ووائل بن حجر عند ابن حبان، وجابر عند البزار، وعمران بن حصين في البخاري ومسلم أنه صلى مع علي بالبصرة فقال ذكرنا هذا الرجل صلاة كنا نصليها مع النبي صلى الله عليه وسلم فذكر أنه كان يكبر كلما رفع وكلما وضع.

وروى أحمد والطحاوي بإسناد صحيح عن أبي موسى الأشعري قال: ذكرنا علي صلاة كنا نصليها مع رسول الله صلى الله عليه وسلم إما نسيناها وإما تركناها عمدًا وفيه إشارة إلى أن التكبير المذكور كان قد ترك، ولأحمد عن عمران أول من ترك التكبير عثمان بن عفان حين كبر وضعف صوته، وهذا يحتمل إرادة ترك الجهر، وللطبري عن أبي هريرة أول من تركه معاوية، ولأبي عبيد أول من تركه زياد ولا ينافي ما قبله لأن زيادًا تركه بترك معاوية وكأنه تركه بترك عثمان، وقد حمله جماعة من العلماء على الإخفاء، لكن حكى الطحاوي أن قومًا كانوا يتركون التكبير في الخفض دون الرفع قال: وكذلك كانت بنو أمية تفعل، وروى ابن المنذر نحوه عن ابن عمر وأن بعض السلف كان لا يكبر سوى تكبيرة الإحرام وفرق بعضهم بين الفذ وغيره ووجهه بأنه شرع للإيذان بحركة الإمام فلا يحتاج إليه الفذ لكن استقر الأمر على مشروعية التكبير في الخفض والرفع لكل مصل، والجمهور على سنية ما عدا تكبيرة الإحرام.
وعن أحمد وبعض أهل الظاهر يجب كله.

قال ابن بطال: ترك الإنكار على من تركه يدل على أن السلف لم يتلقوه على أنه ركن من الصلاة.

وقال ابن عبد البر: هذا يدل على أن السلف لم يتلقوه على الوجوب ولا على السنن المؤكدة قال: وقد اختلف في تاركه فقال ابن القاسم: إن أسقط ثلاث تكبيرات سجد لسهوه وإلا بطلت وواحدة أو اثنتين سجد أيضًا فإن لم يسجد فلا شيء عليه.

وقال عبد الله بن عبد الحكم وأصبغ: إن سها سجد فإن لم يسجد فلا شيء عليه وعمدًا أساء وصلاته صحيحة وعلى هذا فقهاء الأمصار من الشافعيين والكوفيين وأهل الحديث والمالكيين إلا من ذهب منهم مذهب ابن القاسم.

( فَإِذَا انْصَرَفَ) من الصلاة ( قَالَ: وَاللَّهِ إِنِّي لَأَشْبَهُكُمْ بِصَلَاةِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ) في تكبيرات الانتقالات والإتيان بها.
قال الرافعي: هذه الكلمة مع الفعل المأتي به نازلة منزلة حكاية فعله صلى الله عليه وسلم انتهى.

وقد جاء ذلك عنه صريحًا ففي الصحيحين من رواية ابن شهاب أخبرني أبو بكر بن عبد الرحمن أنه سمع أبا هريرة يقول: كان صلى الله عليه وسلم إذا قام إلى الصلاة يكبر حين يقوم ثم يكبر حين يرفع، ثم يقول سمع الله لمن حمده حين يرفع صلبه من الركوع، ثم يقول وهو قائم ربنا لك الحمد ثم يكبر حين يهوي ثم يكبر حين يرفع رأسه ثم يكبر حين يسجد ثم يكبر حين يرفع رأسه ثم يفعل ذلك في الصلاة جميعًا حتى يقضيها ويكبر حين يقوم من اثنتين بعد الجلوس.

وهذا الحديث رواه البخاري عن عبد الله بن يوسف ومسلم عن يحيى كلاهما عن مالك به.

( مَالِكٍ عَنْ ابْنِ شِهَابٍ عَنْ سَالِمِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عُمَرَ كَانَ يُكَبِّرُ فِي الصَّلَاةِ كُلَّمَا خَفَضَ وَرَفَعَ) زاد أشهب ويخفض بذلك صوته.

قال ابن عبد البر: لم يقله عن مالك غيره من الرواة، وقال الإمام أحمد يروى عن ابن عمر أنه كان لا يكبر إذا صلى وحده ورواية مالك أولى إلا أن تحمل على المجمل والمفسر فتكون رواية مالك إذا صلى إمامًا أو مأمومًا وما حكى أحمد إذا صلى وحده.

( مَالِكٍ عَنْ نَافِعٍ أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عُمَرَ كَانَ إِذَا افْتَتَحَ الصَّلَاةَ رَفَعَ يَدَيْهِ حَذْوَ مَنْكِبَيْهِ) نقل ابن عبد البر وغيره أن هذا أحد الأحاديث الأربعة التي وقفها نافع عن ابن عمر ورفعها سالم عن أبيه والقول قول سالم ولم يلتفت الناس فيها إلى نافع.

ونقل الحافظ أن البخاري أشار إلى رد هذا بأنه اختلف على نافع في رفعه ووقفه فرواه مالك وغيره عنه موقوفًا، ورواه أيوب عنه عن ابن عمر كان صلى الله عليه وسلم إذا كبر رفع يديه وإذا ركع وإذا رفع رأسه من الركوع والذي يظهر لي أن السبب في هذا الاختلاف أن نافعًا كان يرويه موقوفًا ثم يعقبه بالرفع فكأنه كان أحيانًا يقتصر على الموقوف أو يقتصر عليه بعض الرواة عنه والله أعلم بالصواب.

( وَإِذَا رَفَعَ رَأْسَهُ مِنَ الرُّكُوعِ رَفَعَهُمَا دُونَ ذَلِكَ) كذا رواه مالك عن نافع وأخرجه من طريقه أبو داود ويعارضه قول ابن جريج قلت لنافع: أكان ابن عمر يجعل الأولى أرفعهن؟ قال: لا.
ذكره أبو داود أيضًا وقال لم يذكر رفعهما دون ذلك غير مالك فيما أعلم انتهى.

ومعارضته بذلك لا تنهض إذ مالك أثبت من ابن جريج لا سيما في نافع لكثرة ملازمته له على أنه يمكن الجمع بأن نافعًا نسي لما سأله ابن جريج فأجابه بالنفي ولما حدث به مالكًا كان متذكرًا فحدثه به تامًا فصدق كل من روايتيه، وأما زعم أبي داود تفرد مالك بزيادة دون ذلك فبفرض تسليمه لا يقدح لأنها زيادة من ثقة حافظ غير منافية فيجب قبولها كما هو مقرر في علوم الحديث.

( مَالِكٍ عَنْ أَبِي نُعَيْمٍ وَهْبِ بْنِ كَيْسَانَ) القرشي مولاهم المدني المعلم ثقة روى له الجميع.

( عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ أَنَّهُ كَانَ يُعَلِّمُهُمُ) أي أصحابه التابعين ( التَّكْبِيرَ فِي الصَّلَاةِ قَالَ) وهب ( فَكَانَ) جابر ( يَأْمُرُنَا أَنْ نُكَبِّرَ كُلَّمَا خَفَضْنَا) أي هبطنا للركوع والسجود ( وَرَفَعْنَا) من السجود.
وفي هذا وما قبله من المرفوع تضعيف ما رواه أبو داود عن عبد الرحمن بن أبزى صليت خلف النبي صلى الله عليه وسلم فلم يتم التكبير.
وقد نقل البخاري في التاريخ عن أبي داود الطيالسي أنه قال هذا عندنا باطل.
وقال الطبري والبزار: تفرد به الحسن بن عمارة وهو مجهول.
وأجيب: على تقدير صحته بأنه فعله لبيان الجواز أو المراد لم يتم الجهر به أو لم يمد.

( مَالِكٍ عَنْ ابْنِ شِهَابٍ أَنَّهُ كَانَ يَقُولُ: إِذَا أَدْرَكَ الرَّجُلُ الرَّكْعَةَ) مع الإمام قبل رفع رأسه من الركوع ( فَكَبَّرَ تَكْبِيرَةً وَاحِدَةً أَجْزَأَتْ عَنْهُ تِلْكَ التَّكْبِيرَةُ) ظاهره وإن لم ينو بها تكبيرة الإحرام.

( قَالَ مَالِكٌ: وَذَلِكَ إِذَا نَوَى بِتِلْكَ التَّكْبِيرَةِ افْتِتَاحَ الصَّلَاةِ) قال ابن عبد البر: ليس في قول ابن شهاب دليل على تفسير مالك بل هو معروف من مذهب ابن شهاب أن تكبيرة الافتتاح ليست فرضًا ففسره مالك على مذهبه كأنه قال وذلك عندنا.

وقال الباجي: عن مالك روايتان إحداهما أنه يبتديها والثانية يتمادى ويعيد لئلا يبطل عملاً اختلف في إجزائه لقوله تعالى { { وَلاَ تُبْطِلُوا أَعْمَالَكُمْ } } انتهى.
وتكبيرة الإحرام ركن عند الجمهور ومنهم الأئمة الأربعة وقيل شرط وهو عند الحنفية ووجه للشافعية وقيل: سنة.

قال ابن المنذر: لم يقل به غير ابن شهاب.
ونقل ابن عبد البر عنه وعن ابن المسيب والحسن والحكم وقتادة والأوزاعي أنهم قالوا تجزيه تكبيرة الركوع.

قال في فتح الباري: وكذا نقل عن مالك ولم يثبت عن أحد منهم التصريح بالسنية إنما قالوا فيمن أدرك الإمام راكعًا تجزيه تكبيرة الركوع.
نعم نقله الكرخي من الحنفية عن ابن علية وأبي بكر الأصم ومخالفتهما للجمهور كثيرة وأما وجوب النية للصلاة فلا خلاف فيها.

( وَسُئِلَ مَالِكٌ عَنْ رَجُلٍ دَخَلَ مَعَ الْإِمَامِ فَنَسِيَ تَكْبِيرَةَ الِافْتِتَاحِ وَتَكْبِيرَةَ الرُّكُوعِ حَتَّى صَلَّى رَكْعَةً ثُمَّ ذَكَرَ أَنَّهُ لَمْ يَكُنْ كَبَّرَ تَكْبِيرَةَ الِافْتِتَاحِ وَلَا عِنْدَ الرُّكُوعِ وَكَبَّرَ فِي الرَّكْعَةِ الثَّانِيَةِ؟ قَالَ: يَبْتَدِئُ صَلَاتَهُ أَحَبُّ إِلَيَّ) أحب للوجوب فإنه قد يطلقه عليه أحيانًا قاله ابن عبد البر قال: وقد اضطرب أصحاب مالك في هذه المسألة وفرقوا بين تكبيرة الداخل للركوع دون الإحرام بين الركعة الأولى والثانية بما لا معنى لإيراده.

( وَلَوْ سَهَا) المأموم حال كونه ( مَعَ الْإِمَامِ) فليس السهو واقعًا من الإمام أيضًا ( عَنْ تَكْبِيرَةِ الِافْتِتَاحِ وَكَبَّرَ فِي الرُّكُوعِ الْأَوَّلِ رَأَيْتُ ذَلِكَ مُجْزِيًا عَنْهُ إِذَا نَوَى بِهَا تَكْبِيرَةَ الِافْتِتَاحِ) وحكم من وقع منه ذلك في أي ركعة كذلك، وإنما جاء التقييد لكونه جوابًا للسؤال والمسألة مبسوطة في الفروع وهذا كله للمأموم فقط لا للمنفرد ولا للإمام فصلاتهما باطلة كما ( قَالَ مَالِكٌ فِي الَّذِي يُصَلِّي لِنَفْسِهِ فَنَسِيَ تَكْبِيرَةَ الِافْتِتَاحِ إِنَّهُ يَسْتَأْنِفُ صَلَاتَهُ) لبطلانها بترك ركن وهو تكبيرة الإحرام.

( وقَالَ مَالِكٌ فِي إِمَامٍ يَنْسَى تَكْبِيرَةَ الِافْتِتَاحِ حَتَّى يَفْرُغَ مِنْ صَلَاتِهِ قَالَ: أَرَى أَنْ يُعِيدَ وَيُعِيدُ مَنْ خَلْفَهُ الصَّلَاةَ) لبطلانها ( وَإِنْ كَانَ مَنْ خَلْفَهُ قَدْ كَبَّرُوا فَإِنَّهُمْ يُعِيدُونَ) لأن كل صلاة بطلت على الإمام بطلت على المأموم إلا في مسائل ليست هذه منها.



رقم الحديث 348 وَحَدَّثَنِي عَنْ مَالِكٍ، عَنْ ابْنِ شِهَابٍ، عَنْ صَفْوَانَ، أَنَّهُ قَالَ: جَاءَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ يَعُودُ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ صَفْوَانَ فَصَلَّى لَنَا رَكْعَتَيْنِ، ثُمَّ انْصَرَفَ فَقُمْنَا فَأَتْمَمْنَا.


صَلَاةِ الْمُسَافِرِ إِذَا كَانَ إِمَامًا أَوْ كَانَ وَرَاءَ إِمَامٍ

( مَالِكٍ عَنِ ابْنِ شِهَابٍ عَنْ سَالِمِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ عَنْ أَبِيهِ أَنَّ) أباه ( عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ كَانَ إِذَا قَدِمَ مَكَّةَ صَلَّى بِهِمْ) إمامًا لأنه الخليفة ولا يؤمّ الرجل في سلطانه ( رَكْعَتَيْنِ ثُمَّ يَقُولُ: يَا أَهْلَ مَكَّةَ أَتِمُّوا صَلَاتَكُمْ فَإِنَّا قَوْمٌ سَفْرٌ) بفتح فسكون جمع سافر كراكب وركب، قال أبو عمر: امتثل عمر فعل رسول الله صلى الله عليه وسلم.
قال عمران بن حصين: شهدت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم الفتح فأقام بمكة ثمان عشرة ليلة لا يصلي إلا ركعتين ثم يقول لأهل البلد: صلوا أربعًا فإنا سفر انتهى.
وهذا رواه الترمذي وفي إسناده ضعف.

( مَالِكٍ عَنْ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ مِثْلَ ذَلِكَ) فله طريقان عن عمر كل منهما صحيح وذكر الإمام لفظ هذه الطريق في الحج.
قال الباجي: كان عمر لا يستوطن مكة لأن المهاجري ممنوع من استيطانها لأنه قد هجرها لله تعالى، وكان عمر أمير المؤمنين والمستحق للإمامة ومحل كون الأفضل تقديم غير المسافر في الإمامة في غير موضع الأمراء والإمام الراتب.

( مَالِكٍ عَنْ نَافِعٍ أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عُمَرَ كَانَ يُصَلِّي وَرَاءَ الْإِمَامِ بِمِنًى أَرْبَعًا) لوجوب متابعة الإمام وترك الخلاف له وإن اعتقد المأموم أن القصر أفضل لكن فضيلة الجماعة آكد للاتفاق عليها والاختلاف في القصر ( فَإِذَا صَلَّى لِنَفْسِهِ صَلَّى رَكْعَتَيْنِ) على سنته لأنه مسافر.

( مَالِكٍ عَنْ ابْنِ شِهَابٍ عَنْ صَفْوَانَ) بن عبد الله بن صفوان بن أمية القرشي التابعي ( أَنَّهُ قَالَ: جَاءَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ يَعُودُ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ صَفْوَانَ) بن أمية بن خلف الجمحي المالكي، ولد على عهد النبي صلى الله عليه وسلم وأبوه صحابي مشهور، وقتل عبد الله مع ابن الزبير وهو متعلق بأستار الكعبة سنة ثلاث وسبعين ذكره ابن سعد في الطبقة الأولى من التابعين ( فَصَلَّى) ابن عمر ( لَنَا) أي بنا إمامًا ( رَكْعَتَيْنِ) لأنه مسافر ( ثُمَّ انْصَرَفَ) سلم من الصلاة ( فَقُمْنَا فَأَتْمَمْنَا) لأنهم مقيمون ولا كراهة في إمامة المسافر للمقيم لأن صلاته لم تتغير بخلاف عكسه كذا قاله الباجي، والمذهب كراهة الصورتين غايته أن عكسه أقوى فلعله أراد لا كراهة أكيدة وإنما أمّ ابن عمر الحضريين لأنه أعلمهم وأفضلهم.



رقم الحديث 349 وَحَدَّثَنِي عَنْ مَالِكٍ، عَنْ نَافِعٍ، أَنَّهُ كَانَ يُسَافِرُ مَعَ ابْنِ عُمَرَ الْبَرِيدَ فَلَا يَقْصُرُ الصَّلَاةَ.


( مَالِكٍ عَنْ نَافِعٍ أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عُمَرَ كَانَ إِذَا خَرَجَ حَاجًّا أَوْ مُعْتَمِرًا قَصَرَ الصَّلَاةَ بِذِي الْحُلَيْفَةِ) قال الباجي: خص سفره بهما لأنهما مما لا خلاف في القصر فيه.
وقال أبو عمر: كان ابن عمر يتبرك بالمواضع التي كان صلى الله عليه وسلم ينزلها ويمتثل فعله بكل ما يمكنه، ولما علم أنه صلى الله عليه وسلم قصر العصر بذي الحليفة حين خرج في حجة الوداع فعل مثله وأما سفر ابن عمر في غير الحج والعمرة فكان يقصر إذا خرج من بيوت المدينة ويقصر إذا رجع حتى يدخل بيوتها كما رواه عنه نافع أيضًا.

( مَالِكٍ عَنْ ابْنِ شِهَابٍ عَنْ سَالِمِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ عَنْ أَبِيهِ أَنَّهُ رَكِبَ إِلَى رِيمٍ) بكسر الراء وإسكان التحتية وميم ( فَقَصَرَ الصَّلَاةَ فِي مَسِيرِهِ ذَلِكَ.
قَالَ مَالِكٌ: وَذَلِكَ نَحْوٌ مِنْ أَرْبَعَةِ بُرُدٍ)
من المدينة.
ولعبد الرزاق عن مالك ثلاثون ميلاً من المدينة، قال ابن عبد البر: وأراها وهمًا بخلاف ما في الموطأ، ورواه عقيل عن ابن شهاب وقال: هي ثلاثون فيحتمل أن ريم موضع متسع كالإقليم فيكون تقدير مالك عند آخره وعقيل عند أوّله وقال بعض شعراء المدينة:

فكم من حرّة بين المنقى
إلى أحد إلى جنبات ريم

فقال: جنبات وربما كانت بعيدة الأقطار.

( مَالِكٍ عَنْ نَافِعٍ عَنْ سَالِمِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عُمَرَ رَكِبَ إِلَى ذَاتِ النُّصُبِ) بضم النون موضع قرب المدينة ( فَقَصَرَ الصَّلَاةَ فِي مَسِيرِهِ ذَلِكَ.
قَالَ مَالِكٌ: وَبَيْنَ ذَاتِ النُّصُبِ وَالْمَدِينَةِ أَرْبَعَةُ بُرُدٍ)
وكذا رواه الشافعي عن مالك، ورواه عبد الرزاق عن مالك فقال بينهما ثمانية عشر ميلاً.

( مَالِكٍ عَنْ نَافِعٍ عَنِ ابْنِ عُمَرَ أَنَّهُ كَانَ يُسَافِرُ إِلَى خَيْبَرَ فَيَقْصُرُ الصَّلَاةَ) بضم الصاد وبين خيبر والمدينة ستة وتسعون ميلاً، وروى عبد الرزاق عن ابن جريج عن نافع أن ابن عمر كان أدنى ما يقصر الصلاة فيه مال له بخيبر.
قال ابن عبد البر ومالك: أثبت في نافع من ابن جريج فالمقدّمون في حفظ حديث نافع مالك وعبيد الله بن عمر وأيوب، وأما ابن جريج فبعد هؤلاء.

( مَالِكٍ عَنْ ابْنِ شِهَابٍ عَنْ سَالِمِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عُمَرَ كَانَ يَقْصُرُ الصَّلَاةَ فِي مَسِيرِهِ الْيَوْمَ التَّامَّ) وتقدير ذلك بالسير الحثيث نحو أربعة برد قاله ابن عبد البر.
وقال ابن المواز: معناه في الصيف وجد السير.

( مَالِكٍ عَنْ نَافِعٍ أَنَّهُ كَانَ يُسَافِرُ مَعَ ابْنِ عُمَرَ الْبَرِيدَ فَلَا يَقْصُرُ الصَّلَاةَ) قال الباجي: سمي الخروج إلى البريد ونحوه سفرًا مجازًا واتساعًا ولا يطلق عليه اسم السفر حقيقة في كلام العرب، ولا يفهم من قولهم سافر فلان الخروج إلى الميلين والثلاثة مع أنّ هذا لفظ نافع وليس من العرب، وروي أنه كان في نطقه لكنة.

( مَالِكٍ أَنَّهُ بَلَغَهُ أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عَبَّاسٍ كَانَ يَقْصُرُ الصَّلَاةَ فِي مِثْلِ مَا بَيْنَ مَكَّةَ وَالطَّائِفِ) وبينهما ثلاثة مراحل أو اثنان ( وَفِي مِثْلِ مَا بَيْنَ مَكَّةَ وَعُسْفَانَ) وبينهما ثلاثة مراحل ونونه زائدة ويذكر ويؤنث ( وَفِي مِثْلِ مَا بَيْنَ مَكَّةَ وَجُدَّةَ) بضم الجيم ساحل البحر بمكة.
قال الباجي: أكثر مالك من ذكر أفعال الصحابة لما لم يصح عنده في ذلك توقيف عن النبي صلى الله عليه وسلم انتهى.

( قَالَ مَالِكٌ: وَذَلِكَ) المذكور من هذه الأماكن ( أَرْبَعَةُ بُرُدٍ) قال الحافظ: روي عن ابن عباس مرفوعًا أخرجه الدارقطني وابن أبي شيبة من طريق عبد الوهاب عن مجاهد عن أبيه وعطاء عن ابن عباس أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: يا أهل مكة لا تقصروا الصلاة في أدنى من أربعة برد من مكة إلى عسفان.
وإسناده ضعيف من أجل عبد الوهاب.

وروى عبد الرزاق عن ابن جريج عن عطاء عن ابن عباس قال: لا تقصر الصلاة إلا في اليوم ولا تقصر فيما دون اليوم.
ولابن أبي شيبة من وجه آخر صحيح عنه قال: تقصر الصلاة في مسير يوم وليلة، ويمكن الجمع بين هذه الروايات بأن مسافة برد يمكن سيرها في يوم واحد.

( وَذَلِكَ أَحَبُّ مَا تُقْصَرُ إِلَيَّ فِيهِ الصَّلَاةُ) من الأقوال المنتشرة إلى نحو عشرين قولاً فأحب عائد لاختياره يعني أنه لا يقصر في أقل منها وهي ستة عشر فرسخًا ثمانية وأربعون ميلاً، وإلى هذا ذهب الشافعي وأحمد وجماعة وعن مالك مسيرة يوم وليلة.
قال ابن القاسم: رجع عنه.
قال عبد الوهاب: وهو وفاق فإنما رجع عن التحديد بيوم وليلة إلى لفظ أبين منه، وقال أبو حنيفة: لا تقصر في أقل من ثلاثة أيام لحديث الصحيحين: لا تسافر المرأة ثلاثة أيام إلا مع ذي محرم.

وأجيب: بأنه لم يسق لبيان مسافة القصر بل لنهي المرأة عن الخروج وحدها، ولذا اختلفت ألفاظه فروي يومًا وليلة ومسيرة يومين وبريدًا وأيد بأنّ الحكم في نهي المرأة عن السفر وحدها متعلق بالزمان فلو قطعت مسيرة ساعة واحدة في يوم لتعلق بها النهي بخلاف المسافر لو قطع مسيرة نصف يوم في يومين مثلاً لم يقصر فافترقا على أن تمسك الحنفية بالحديث مخالف لقاعدتهم أنّ الاعتبار برأي الصحابي لا بما روي، فلو كان الحديث عنه لبيان أقل مسافة القصر لما خالفه وقصر في مسير اليوم التام.

وقالت طائفة من أهل الظاهر: يقصر في كل سفر ولو ثلاثة أميال لظاهر قوله تعالى: { { وَإِذَا ضَرَبْتُمْ فِي الأَرْضِ } } ولم يحدّ المسافة وروى مسلم وأبو داود عن أنس كان صلى الله عليه وسلم إذا خرج مسيرة ثلاثة أميال أو ثلاثة فراسخ قصر الصلاة وهو أصح ما ورد في بيان ذلك وأصرحه، وقد حمله من خالفه على أنّ المراد به المسافة التي يبتدأ منها القصر لا غاية السفر.

قال الحافظ: ولا يخفى بعد هذا الحمل مع أنّ البيهقي روى أنّ يحيى بن يزيد قال: سألت أنسًا عن قصر الصلاة وكنت أخرج إلى الكوفة يعني من البصرة فأصلي ركعتين ركعتين حتى أرجع فقال أنس: فذكر الحديث فظهر أنه سأله عن جواز القصر في السفر لا عن الموضع الذي يبتدأ منه القصر، ثم الصحيح أنه لا يتقيد بمسافة بل بمجاوزة البلد الذي يخرج منه.
وردّه القرطبي بأنه مشكوك فيه فلا يحتج به فإن أراد لا يحتج به في التحديد بثلاثة أميال فمسلم لكن لا يمتنع أن يحتج به في التحديد بثلاثة فراسخ فإنّ الثلاثة أميال مندرجة فيها فيؤخذ بالأكثر احتياطًا.

( قَالَ مَالِكٌ: لَا يَقْصُرُ الَّذِي يُرِيدُ السَّفَرَ الصَّلَاةَ حَتَّى يَخْرُجَ مِنْ بُيُوتِ الْقَرْيَةِ) كلها وهذا مجمع عليه واختلف فيما قبل الخروج من البيوت فعن بعض السلف إذا أراد السفر قصر ولو في بيته وردّه ابن المنذر بأنه لا يعلم أنّ النبي صلى الله عليه وسلم قصر في شيء من أسفاره إلا بعد خروجه عن المدينة.

وحديث الصحيحين عن أنس: صليت مع النبي صلى الله عليه وسلم الظهر بالمدينة أربعًا والعصر بذي الحليفة ركعتين دليل على ذلك، ولا دلالة فيه على القصر في السفر القصير لأن بين ذي الحليفة والمدينة ستة أميال لأنها لم تكن منتهى سفره، بل كان ذلك لخروجه لحجة الوداع فنزل بها فقصر العصر واستمرّ يقصر حتى رجع ( وَلَا يُتِمُّ حَتَّى يَدْخُلَ أَوَّلَ بُيُوتِ الْقَرْيَةِ أَوْ يُقَارِبَ ذَلِكَ) وكذا رواه ابن القاسم في المدّونة، وروى علي في المجموعة عن مالك حتى يدخل منزله، وروى مطرف وابن الماجشون يقصر إلى الموضع الذي يقصر منه عند خروجه.



رقم الحديث 350 وَحَدَّثَنِي عَنْ مَالِكٍ أَنَّهُ بَلَغَهُ أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عَبَّاسٍ كَانَ يَقْصُرُ الصَّلَاةَ فِي مِثْلِ مَا بَيْنَ مَكَّةَ وَالطَّائِفِ، وَفِي مِثْلِ مَا بَيْنَ مَكَّةَ وَعُسْفَانَ، وَفِي مِثْلِ مَا بَيْنَ مَكَّةَ وَجُدَّةَ قَالَ مَالِكٌ: وَذَلِكَ أَرْبَعَةُ بُرُدٍ، وَذَلِكَ أَحَبُّ مَا تُقْصَرُ إِلَيَّ فِيهِ الصَّلَاةُ قَالَ مَالِكٌ: لَا يَقْصُرُ الَّذِي يُرِيدُ السَّفَرَ الصَّلَاةَ، حَتَّى يَخْرُجَ مِنْ بُيُوتِ الْقَرْيَةِ، وَلَا يُتِمُّ حَتَّى يَدْخُلَ أَوَّلَ بُيُوتِ الْقَرْيَةِ أَوْ يُقَارِبَ ذَلِكَ.


( مَالِكٍ عَنْ نَافِعٍ أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عُمَرَ كَانَ إِذَا خَرَجَ حَاجًّا أَوْ مُعْتَمِرًا قَصَرَ الصَّلَاةَ بِذِي الْحُلَيْفَةِ) قال الباجي: خص سفره بهما لأنهما مما لا خلاف في القصر فيه.
وقال أبو عمر: كان ابن عمر يتبرك بالمواضع التي كان صلى الله عليه وسلم ينزلها ويمتثل فعله بكل ما يمكنه، ولما علم أنه صلى الله عليه وسلم قصر العصر بذي الحليفة حين خرج في حجة الوداع فعل مثله وأما سفر ابن عمر في غير الحج والعمرة فكان يقصر إذا خرج من بيوت المدينة ويقصر إذا رجع حتى يدخل بيوتها كما رواه عنه نافع أيضًا.

( مَالِكٍ عَنْ ابْنِ شِهَابٍ عَنْ سَالِمِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ عَنْ أَبِيهِ أَنَّهُ رَكِبَ إِلَى رِيمٍ) بكسر الراء وإسكان التحتية وميم ( فَقَصَرَ الصَّلَاةَ فِي مَسِيرِهِ ذَلِكَ.
قَالَ مَالِكٌ: وَذَلِكَ نَحْوٌ مِنْ أَرْبَعَةِ بُرُدٍ)
من المدينة.
ولعبد الرزاق عن مالك ثلاثون ميلاً من المدينة، قال ابن عبد البر: وأراها وهمًا بخلاف ما في الموطأ، ورواه عقيل عن ابن شهاب وقال: هي ثلاثون فيحتمل أن ريم موضع متسع كالإقليم فيكون تقدير مالك عند آخره وعقيل عند أوّله وقال بعض شعراء المدينة:

فكم من حرّة بين المنقى
إلى أحد إلى جنبات ريم

فقال: جنبات وربما كانت بعيدة الأقطار.

( مَالِكٍ عَنْ نَافِعٍ عَنْ سَالِمِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عُمَرَ رَكِبَ إِلَى ذَاتِ النُّصُبِ) بضم النون موضع قرب المدينة ( فَقَصَرَ الصَّلَاةَ فِي مَسِيرِهِ ذَلِكَ.
قَالَ مَالِكٌ: وَبَيْنَ ذَاتِ النُّصُبِ وَالْمَدِينَةِ أَرْبَعَةُ بُرُدٍ)
وكذا رواه الشافعي عن مالك، ورواه عبد الرزاق عن مالك فقال بينهما ثمانية عشر ميلاً.

( مَالِكٍ عَنْ نَافِعٍ عَنِ ابْنِ عُمَرَ أَنَّهُ كَانَ يُسَافِرُ إِلَى خَيْبَرَ فَيَقْصُرُ الصَّلَاةَ) بضم الصاد وبين خيبر والمدينة ستة وتسعون ميلاً، وروى عبد الرزاق عن ابن جريج عن نافع أن ابن عمر كان أدنى ما يقصر الصلاة فيه مال له بخيبر.
قال ابن عبد البر ومالك: أثبت في نافع من ابن جريج فالمقدّمون في حفظ حديث نافع مالك وعبيد الله بن عمر وأيوب، وأما ابن جريج فبعد هؤلاء.

( مَالِكٍ عَنْ ابْنِ شِهَابٍ عَنْ سَالِمِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عُمَرَ كَانَ يَقْصُرُ الصَّلَاةَ فِي مَسِيرِهِ الْيَوْمَ التَّامَّ) وتقدير ذلك بالسير الحثيث نحو أربعة برد قاله ابن عبد البر.
وقال ابن المواز: معناه في الصيف وجد السير.

( مَالِكٍ عَنْ نَافِعٍ أَنَّهُ كَانَ يُسَافِرُ مَعَ ابْنِ عُمَرَ الْبَرِيدَ فَلَا يَقْصُرُ الصَّلَاةَ) قال الباجي: سمي الخروج إلى البريد ونحوه سفرًا مجازًا واتساعًا ولا يطلق عليه اسم السفر حقيقة في كلام العرب، ولا يفهم من قولهم سافر فلان الخروج إلى الميلين والثلاثة مع أنّ هذا لفظ نافع وليس من العرب، وروي أنه كان في نطقه لكنة.

( مَالِكٍ أَنَّهُ بَلَغَهُ أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عَبَّاسٍ كَانَ يَقْصُرُ الصَّلَاةَ فِي مِثْلِ مَا بَيْنَ مَكَّةَ وَالطَّائِفِ) وبينهما ثلاثة مراحل أو اثنان ( وَفِي مِثْلِ مَا بَيْنَ مَكَّةَ وَعُسْفَانَ) وبينهما ثلاثة مراحل ونونه زائدة ويذكر ويؤنث ( وَفِي مِثْلِ مَا بَيْنَ مَكَّةَ وَجُدَّةَ) بضم الجيم ساحل البحر بمكة.
قال الباجي: أكثر مالك من ذكر أفعال الصحابة لما لم يصح عنده في ذلك توقيف عن النبي صلى الله عليه وسلم انتهى.

( قَالَ مَالِكٌ: وَذَلِكَ) المذكور من هذه الأماكن ( أَرْبَعَةُ بُرُدٍ) قال الحافظ: روي عن ابن عباس مرفوعًا أخرجه الدارقطني وابن أبي شيبة من طريق عبد الوهاب عن مجاهد عن أبيه وعطاء عن ابن عباس أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: يا أهل مكة لا تقصروا الصلاة في أدنى من أربعة برد من مكة إلى عسفان.
وإسناده ضعيف من أجل عبد الوهاب.

وروى عبد الرزاق عن ابن جريج عن عطاء عن ابن عباس قال: لا تقصر الصلاة إلا في اليوم ولا تقصر فيما دون اليوم.
ولابن أبي شيبة من وجه آخر صحيح عنه قال: تقصر الصلاة في مسير يوم وليلة، ويمكن الجمع بين هذه الروايات بأن مسافة برد يمكن سيرها في يوم واحد.

( وَذَلِكَ أَحَبُّ مَا تُقْصَرُ إِلَيَّ فِيهِ الصَّلَاةُ) من الأقوال المنتشرة إلى نحو عشرين قولاً فأحب عائد لاختياره يعني أنه لا يقصر في أقل منها وهي ستة عشر فرسخًا ثمانية وأربعون ميلاً، وإلى هذا ذهب الشافعي وأحمد وجماعة وعن مالك مسيرة يوم وليلة.
قال ابن القاسم: رجع عنه.
قال عبد الوهاب: وهو وفاق فإنما رجع عن التحديد بيوم وليلة إلى لفظ أبين منه، وقال أبو حنيفة: لا تقصر في أقل من ثلاثة أيام لحديث الصحيحين: لا تسافر المرأة ثلاثة أيام إلا مع ذي محرم.

وأجيب: بأنه لم يسق لبيان مسافة القصر بل لنهي المرأة عن الخروج وحدها، ولذا اختلفت ألفاظه فروي يومًا وليلة ومسيرة يومين وبريدًا وأيد بأنّ الحكم في نهي المرأة عن السفر وحدها متعلق بالزمان فلو قطعت مسيرة ساعة واحدة في يوم لتعلق بها النهي بخلاف المسافر لو قطع مسيرة نصف يوم في يومين مثلاً لم يقصر فافترقا على أن تمسك الحنفية بالحديث مخالف لقاعدتهم أنّ الاعتبار برأي الصحابي لا بما روي، فلو كان الحديث عنه لبيان أقل مسافة القصر لما خالفه وقصر في مسير اليوم التام.

وقالت طائفة من أهل الظاهر: يقصر في كل سفر ولو ثلاثة أميال لظاهر قوله تعالى: { { وَإِذَا ضَرَبْتُمْ فِي الأَرْضِ } } ولم يحدّ المسافة وروى مسلم وأبو داود عن أنس كان صلى الله عليه وسلم إذا خرج مسيرة ثلاثة أميال أو ثلاثة فراسخ قصر الصلاة وهو أصح ما ورد في بيان ذلك وأصرحه، وقد حمله من خالفه على أنّ المراد به المسافة التي يبتدأ منها القصر لا غاية السفر.

قال الحافظ: ولا يخفى بعد هذا الحمل مع أنّ البيهقي روى أنّ يحيى بن يزيد قال: سألت أنسًا عن قصر الصلاة وكنت أخرج إلى الكوفة يعني من البصرة فأصلي ركعتين ركعتين حتى أرجع فقال أنس: فذكر الحديث فظهر أنه سأله عن جواز القصر في السفر لا عن الموضع الذي يبتدأ منه القصر، ثم الصحيح أنه لا يتقيد بمسافة بل بمجاوزة البلد الذي يخرج منه.
وردّه القرطبي بأنه مشكوك فيه فلا يحتج به فإن أراد لا يحتج به في التحديد بثلاثة أميال فمسلم لكن لا يمتنع أن يحتج به في التحديد بثلاثة فراسخ فإنّ الثلاثة أميال مندرجة فيها فيؤخذ بالأكثر احتياطًا.

( قَالَ مَالِكٌ: لَا يَقْصُرُ الَّذِي يُرِيدُ السَّفَرَ الصَّلَاةَ حَتَّى يَخْرُجَ مِنْ بُيُوتِ الْقَرْيَةِ) كلها وهذا مجمع عليه واختلف فيما قبل الخروج من البيوت فعن بعض السلف إذا أراد السفر قصر ولو في بيته وردّه ابن المنذر بأنه لا يعلم أنّ النبي صلى الله عليه وسلم قصر في شيء من أسفاره إلا بعد خروجه عن المدينة.

وحديث الصحيحين عن أنس: صليت مع النبي صلى الله عليه وسلم الظهر بالمدينة أربعًا والعصر بذي الحليفة ركعتين دليل على ذلك، ولا دلالة فيه على القصر في السفر القصير لأن بين ذي الحليفة والمدينة ستة أميال لأنها لم تكن منتهى سفره، بل كان ذلك لخروجه لحجة الوداع فنزل بها فقصر العصر واستمرّ يقصر حتى رجع ( وَلَا يُتِمُّ حَتَّى يَدْخُلَ أَوَّلَ بُيُوتِ الْقَرْيَةِ أَوْ يُقَارِبَ ذَلِكَ) وكذا رواه ابن القاسم في المدّونة، وروى علي في المجموعة عن مالك حتى يدخل منزله، وروى مطرف وابن الماجشون يقصر إلى الموضع الذي يقصر منه عند خروجه.