فهرس الكتاب

شرح الزرقاني - بَابُ مَا جَاءَ فِي السَّعْيِ يَوْمَ الْجُمُعَةِ

رقم الحديث 240 حَدَّثَنِي يَحْيَى، عَنْ مَالِكٍ، أَنَّهُ سَأَلَ ابْنَ شِهَابٍ عَنْ قَوْلِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ { { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا نُودِيَ لِلصَّلَاةِ مِنْ يَوْمِ الْجُمُعَةِ فَاسْعَوْا إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ } } فَقَالَ ابْنُ شِهَابٍ كَانَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ يَقْرَؤُهَا إِذَا نُودِيَ لِلصَّلَاةِ مِنْ يَوْمِ الْجُمُعَةِ فَامْضُوا إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ قَالَ مَالِكٌ: وَإِنَّمَا السَّعْيُ فِي كِتَابِ اللَّهِ الْعَمَلُ وَالْفِعْلُ، يَقُولُ اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى: { { وإِذَا تَوَلَّى سَعَى فِي الْأَرْضِ } } وَقَالَ تَعَالَى { { وَأَمَّا مَنْ جَاءَكَ يَسْعَى وَهُوَ يَخْشَى } } وَقَالَ: { { ثُمَّ أَدْبَرَ يَسْعَى } } وَقَالَ: { { إِنَّ سَعْيَكُمْ لَشَتَّى } } قَالَ مَالِكٌ: فَلَيْسَ السَّعْيُ الَّذِي ذَكَرَ اللَّهُ فِي كِتَابِهِ بِالسَّعْيِ عَلَى الْأَقْدَامِ، وَلَا الِاشْتِدَادَ، وَإِنَّمَا عَنَى الْعَمَلَ وَالْفِعْلَ.


( مَالِكٍ أَنَّهُ سَأَلَ ابْنَ شِهَابٍ عَنْ قَوْلِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ: { { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا نُودِيَ لِلصَّلَاةِ } } ) أذن لها عند قعود الإمام على المنبر: { { مِنْ يَوْمِ الْجُمُعَةِ } } بيان وتفسير لإذا وقيل من بمعنى في { { فَاسْعَوْا إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ } } موعظة الإمام بالخطبة أو الصلاة أو هما معًا أي سألته عن معنى فاسعوا ( فَقَالَ ابْنُ شِهَابٍ) معناه فامضوا لأنه ( كَانَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ يَقْرَؤُهَا إِذَا نُودِيَ لِلصَّلَاةِ مِنْ يَوْمِ الْجُمُعَةِ فَامْضُوا إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ) والزهري لم يدرك عمر، وقد وصله عبد بن حميد في تفسيره أخبرنا عبد الرزاق عن معمر عن الزهري عن سالم عن أبيه قال: لقد توفي عمر وما يقرأ هذه الآية التي في سورة الجمعة إلا: فامضوا إلى ذكر الله، وأخرج مثله عن أبيّ وابن مسعود وكان يقول: لو قرأتها فاسعوا لسعيت حتى يسقط ردائي.
قال أبو عمر: فيه دليل على الاحتجاج بما ليس في مصحف عثمان على جهة التفسير وإن لم يقطع بأنه كتاب الله كالسنن الواردة بنقل الآحاد.
وقال الباجي: ما جاء من القراءات مما ليس في المصحف يجري عند جماعة من أهل الأصول مجرى الآحاد سواء أسندها أم لم يسندها.
وقال آخرون: إنما تجري مجرى الآحاد إذا أسندت إلى النبي صلى الله عليه وسلم وإلا فهي بمنزلة قول القارئ لاحتمال أنه أتى بها على وجه التفسير.
وقال أبو بكر بن الطيب: لا يجوز القراءة بها ولا العمل بمضمونها وهو أبين.

( قَالَ مَالِكٌ: وَإِنَّمَا السَّعْيُ فِي كِتَابِ اللَّهِ الْعَمَلُ وَالْفِعْلُ) وإن أطلق لغة على ذلك وعلى الإسراع والجري كحديث: إذا ثوّب بالصلاة فلا تأتوها وأنتم تسعون ( يَقُولُ اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى: { { وإِذَا تَوَلَّى } } ) انصرف عنك { { سَعَى فِي الْأَرْضِ } } { { لِيُفْسِدَ فِيِهَا وَيُهْلِكَ الْحَرْثَ وَالنَّسْلَ } } روى ابن أبي حاتم عن ابن عباس لما أصيبت السرية التي فيها عاصم ومرثد قال رجلان من المنافقين: يا ويح هؤلاء المفتونين الذين هلكوا لا هم قعدوا في أهليهم ولا هم أدّوا رسالة صاحبهم، فأنزل الله: { { وَمِنَ النَّاسِ مَن يُعْجِبُكَ .

     قَوْلُهُ 
}
}
الآية.

وأخرج ابن جرير عن السدي قال: نزلت في الأخنس بن شريق أقبل إلى النبي صلى الله عليه وسلم وأظهر الإسلام فأعجبه ذلك منه، ثم خرج فمرّ بزرع لقوم من المسلمين وحمر فأحرق الزرع وعقر الحمر فأنزل الله الآية، لكن تاب الأخنس بعد ذلك وحسن إسلامه وشهد حنينًا.

( وَقَالَ تَعَالَى: { { وَأَمَّا مَنْ جَاءَكَ يَسْعَى } } ) حال من فاعل جاء { { وَهُوَ يَخْشَى } } الله حال من فاعل يسعى وهو الأعمى ( وَقَالَ: { { ثُمَّ أَدْبَرَ } } ) فرعون عن الإيمان { { يَسْعَى } } في الأرض بالفساد ( وَقَالَ: { { إِنَّ سَعْيَكُمْ } } ) عملكم { { لَشَتَّى } } مختلف فعامل للجنة بالطاعة وعامل للنار بالمعصية.

( قَالَ مَالِكٌ: فَلَيْسَ السَّعْيُ الَّذِي ذَكَرَ اللَّهُ فِي كِتَابِهِ بِالسَّعْيِ عَلَى الْأَقْدَامِ وَلَا الِاشْتِدَادَ) أي الجري ( وَإِنَّمَا عَنَى الْعَمَلَ وَالْفِعْلَ) ومن ذلك أيضًا قوله تعالى: { { وَمَنْ أَرَادَ الآَخِرَةَ وَسَعَى لَهَا سَعْيَهَا } } وقوله: { { الَّذِينَ ضَلَّ سَعْيُهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا } } وهو كثير في القرآن فتكون آية الجمعة مثله.