فهرس الكتاب

شرح الزرقاني - بَابُ مَا جَاءَ فِي الطِّيبِ فِي الْحَجِّ

رقم الحديث 729 حَدَّثَنِي يَحْيَى، عَنْ مَالِكٍ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ الْقَاسِمِ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عَائِشَةَ زَوْجِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهَا قَالَتْ: كُنْتُ أُطَيِّبُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِإِحْرَامِهِ قَبْلَ أَنْ يُحْرِمَ، وَلِحِلِّهِ قَبْلَ أَنْ يَطُوفَ بِالْبَيْتِ.


( ما جاء في الطيب في الحج)

( مالك عن عبد الرحمن بن القاسم) بن محمد بن الصديق ( عن أبيه عن) عمته ( عائشة زوج النبي صلى الله عليه وسلم أنها قالت كنت أطيب رسول الله صلى الله عليه وسلم لإحرامه قبل أن يحرم) وللتنيسي حين يحرم ومعناها كما هنا لأنه لا يمكن أن يراد بالإحرام هنا فعل الإحرام لمنع التطيب في الإحرام وإنما المراد إرادة الإحرام لرواية النسائي حين أراد أن يحرم والمراد تطييب بدنه لا ثيابه لحديث كنت أجد وبيص الطيب في رأسه ولحيته ولا يستحب تطيب الثياب عند إرادة الإحرام اتفاقًا وشذ القائل باستحبابه ( ولحله) بعد أن يرمي ( قبل أن يطوف بالبيت) طواف الإفاضة وفيه إن كان لا تقتضي التكرار لأنها لم تفعله إلا مرة واحدة في حجة الوداع كما في الصحيحين عن عروة عنها ورد بأن المدعى تكراره إنما هو التطيب لا الإحرام ولا مانع من تكرر الطيب قبل الإحرام مع كون الإحرام مرة واحدة ولا يخفى ما فيه ومر أن المختار عند الرازي وغيره أنها لا تقتضيه وعند ابن الحاجب تقتضيه وقال جماعة من المحققين تقتضيه ظهورًا وقد تدل قرينة على عدمه لكن يستفاد من كان المبالغة في إثبات ذلك والمعنى أنها كانت تكرر فعل التطييب لو تكرر منه فعل الإحرام لما علمته من حبه له على أن لفظة كنت لم تتفق الرواة عليها فرواها مالك وتابعه منصور وعند مسلم ويحيى بن سعيد عند النسائي كلاهما عن عبد الرحمن بلفظ كنت ورواه سفيان بن عيينة عن عبد الرحمن بلفظ طيبت أخرجه البخاري وكذا سائر الطرق ليس فيها كنت وفيه استحباب التطيب عند إرادة الإحرام وجواز استدامته بعده وإنه لا يضر بقاء لونه ورائحته وإنما يحرم ابتداؤه في الإحرام وبه قال الأئمة الثلاثة والجمهور وقال مالك والزهري وجماعة من الصحابة والتابعين يحرم التطيب عند الإحرام بطيب يبقى له رائحة بعده قال عياض وتأولوا هذا الحديث على أنه طيب لا يبقى له ريح أو أنه أذهبه غسل الإحرام ويعضد الثاني رواية مسلم طيبت رسول الله صلى الله عليه وسلم عند إحرامه ثم طاف على نسائه ثم أصبح محرمًا فقد ظهرت علة تطييبه أنها كانت لمباشرة نسائه وإن غسله بعده لجماعهن وغسله للإحرام أذهبه لا سيما وقد ذكر أنه كان يتطهر من كل واحدة قبل معاودته للأخرى وأي طيب يبقى بعد اغتسالات كثيرة ويكون قولها ثم أصبح ينضخ طيبًا بالخاء المعجمة أي قبل غسله وإحرامه وجاء في رواية شعبة في هذا الحديث ثم أصبح محرمًا ينضخ طيبًا أي يصبح بنية الإحرام فيه تقديم وتأخير أي طاف على نسائه ينضخ طيبًا ثم أصبح محرمًا وفي مسلم أي والبخاري أن الطيب الذي طيبته به زريرة وهي مما يذهبها الغسل ولا يبقى ريحها بعده وقولها كأني أنظر إلى وبيص الطيب في مفارق رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو محرم المراد أثره لا جرمه انتهى بمعناه ورد النووي بأنه تأويل مخالف للظاهر بلا دليل عجيب فإن عياضًا ذكر دليل التأويل كما ترى وقد قال ابن العربي ليس في شيء من طرق حديث عائشة أن عينه بقيت وتعقب بما لأبي داود وابن أبي شيبة عن عائشة كنا ننضخ وجوهنا بالمسك المطيب قبل أن نحرم فنعرق فيسيل على وجوهنا ونحن مع رسول الله صلى الله عليه وسلم فلا ينهانا فهذا صريح في بقاء عين الطيب ولا صراحة فيه لأنهن اغتسلن والغسل يذهب عينه ومنشأ هذا الخلاف اللام في لإحرامه ولحله هل هي للتأقيت وبه قال مالك ومن وافقه كقوله تعالى { { أقم الصلاة لدلوك الشمس } } أو للتعليل وبه قال الجمهور وأبطله في المفهم بأنها لو كانت له لكان الحل والإحرام علتين للتطيب وليس كذلك بل هو خلاف مقصود الشرع من المحرم قطعًا وذهب الباجي وجماعة إلى أن الطيب للإحرام من خصائصه صلى الله عليه وسلم للقاء الملائكة ولأن المحرم إنما منع من الطيب لأنه من دواعي النكاح فنهى الناس عنه وكان هو أملك الناس لإربه ففعله ورجحه بعضهم بكثرة ما ثبت له من الخصائص في النكاح وقد قال حبب إلي من دنياكم النساء والطيب أخرجه النسائي وتعقب بأن الخصائص لا تثبت بالقياس وهو مردود بأنا لم نثبتها بالقياس بل بمخالفة فعله لنهيه عن الطيب فهذا ظاهر في الخصوصية وإنما جعلنا القياس سندًا للاستدلال وأيد ابن عبد البر التخصيص بأنه لو كان للناس عامة ما جهله عمر وعثمان وابن عمر مع علمهم بالمناسك وغيرها وجلالتهم في الصحابة وموضع عطاء من علم المناسك موضعه وموضع الزهر من علم الأثر موضعه وفيه إباحة الطيب بعد رمي الجمرة والحلق وقبل طواف الإفاضة وقاله كافة العلماء إلا أن مالكًا كرهه قبل الإفاضة وأخرجه البخاري عن عبد الله بن يوسف ومسلم عن يحيى وأبو داود عن القعنبي والنسائي عن قتيبة الأربعة عن مالك به وتابعه ابن عيينة ويحيى بن سعيد عند البخاري ومنصور بن زاذان عند مسلم وأيوب السختياني والأوزاعي وعبيد الله والليث عند النسائي كلهم عن عبد الرحمن بن القاسم ( مالك عن حميد بن قيس) المكي ( عن عطاء بن أبي رباح) المكي التابعي فهو مرسل وصله البخاري ومسلم وأبو داود والترمذي والنسائي من طرق عن عطاء عن صفوان بن يعلى بن أمية عن أبيه ( أن أعرابيًا جاء إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم) قال الحافظ لم أقف على اسمه لكن في تفسير الطرطوشي أن اسمه عطاء بن أمية قال ابن فتحون إن ثبت ذلك فهو أخو يعلى راوي الخبر ويجوز أن يكون خطأ من اسم الراوي فإنه من رواية عطاء عن صفوان بن يعلى عن أبيه ومنهم من لم يذكر بين عطاء ويعلى أحدًا وقول شيخنا ابن الملقن يجوز أنه عمرو بن سواد لأن في الشفاء عنه أتيت النبي صلى الله عليه وسلم وأنا متخلق فقال ورس ورس حط حط وغشيني بقضيب في بطني فأوجعني الحديث لكن عمرو هذا لا يدرك ذا فإنه صاحب ابن وهب معترض فأما أولا فليست هذه القصة شبيهة بهذه القصة حتى يفسر صاحبها بها وأما ثانيًا ففي الاستدراك غفلة عظيمة لأن من يقول أتيت النبي لا يتخيل أنه صاحب صاحب مالك بل إن ثبت فهو آخر اتفقا في الاسم واسم الأب ولم يثبت لأنه انقلب على شيخنا وإنما الذي في الشفاء سواد بن عمرو وقيل سوادة بن عمرو أخرج حديثه المذكور عبد الرزاق في مصنفه والبغوي في معجمه ( وهو بحنين) أي منصرف من غزوتها والموضع الذي لقيه فيه هو الجعرانة قاله ابن عبد البر وفي الصحيحين وغيرهما أن يعلى قال لعمر أرني النبي صلى الله عليه وسلم حين يوحى إليه قال فبينما النبي صلى الله عليه وسلم بالجعرانة ومعه نفر من أصحابه جاءه رجل فقال يا رسول الله كيف ترى في رجل أحرم بعمرة وهو متضمخ بطيب فسكت صلى الله عليه وسلم فجاءه الوحي وأشار عمر إلى يعلى فجاء يعلى وعلى رسول الله ثوب قد أظل به فأدخل رأسه فإذا رسول الله محمر الوجه وهو يغط ثم سرى عنه ( وعلى الأعرابي قميص) وفي رواية وعليه جبة ( وبه أثر صفرة) من زعفران ( فقال يا رسول الله إني أهللت بعمرة فكيف تأمرني أن أصنع) في عمرتي ( فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم) بعد سكوته حتى نزل عليه الوحي ثم سرى عنه فقال أين الذي سأل عن العمرة فأتي به فقال ( انزع قميصك واغسل هذه الصفرة) ولمسلم اخلع هذه الجبة واغسل هذا الزعفران ( عنك) زاد الصحيحان ثلاث مرات قال عياض وغيره يحتمل أنه من لفظ النبي صلى الله عليه وسلم فيكون نصًا في تكرار الغسل ويحتمل أنه من كلام الصحابي وأنه صلى الله عليه وسلم أعاد لفظ اغسل مرة ثم مرة على عادته أنه كان إذا تكلم بكلمة أعادها ثلاثًا لتفهم عنه ( وافعل في عمرتك ما تفعل) وفي رواية واصنع في عمرتك ما تصنع ( في حجك) مطابقة لقوله أن اصنع وفيه أنه كان يعرف أعمال الحج قبل ذلك قال ابن العربي كأنهم كانوا في الجاهلية يخلقون الثياب ويجتنبون الطيب في الإحرام إذا حجوا ويتساهلون في العمرة فأخبره النبي صلى الله عليه وسلم أن مجراهما واحد وقال ابن المنير قوله واصنع معناه اترك لأن المراد ما يجتنبه المحرم فيؤخذ منه فائدة حسنة وهي أن الترك فعل قال وقول ابن بطال أراد الأدعية وغيرها مما يشترك فيه الحج والعمرة فيه نظر لأن التروك مشتركة بخلاف الأعمال فإن في الحج أشياء زائدة على العمرة كالوقوف وما بعده ويستثنى من الأعمال ما يختص به الحج وقال الباجي المأمور به غير نزع الثوب وغسل الخلوق لأنه صرح له بهما فلم تبق إلا الفدية قال الحافظ ولا وجه لهذا الحصر بل المأمور به الغسل والنزع ففي مسلم والنسائي فقال ما كنت صانعًا في حجك قال أنزع عني هذه الثياب وأغسل عني هذه الخلوق فقال ما كنت صانعًا في حجك فاصنعه في عمرتك وفيه منع استدامة الطيب بعد الإحرام للأمر بغسله من الثوب والبدن وهو قول مالك ومن وافقه وأجاب الجمهور بأن هذه القصة كانت بالجعرانة سنة ثمان باتفاق وحديث عائشة في حجة الوداع سنة عشر بلا خلاف وإنما يؤخذ بالآخر من الأمر وسبق أجوبة عن حديث عائشة وفيه أيضًا أن من أصابه طيب في إحرامه ناسيًا أو جاهلاً ثم علم فبادر إلى إزالته فلا كفارة عليه وقال مالك إن طال ذلك عليه لزمه وعن أبي حنيفة وأحمد في رواية تجب مطلقًا وإن المحرم إذا صار عليه مخيط نزعه ولا يمزقه ولا يشقه وهو قول الجمهور خلافًا لقول النخعي يشقه والشعبي يمزقه قالا ولا ينزعه من قبل رأسه لئلا يصير مغطيًا لرأسه أخرجه ابن أبي شيبة عنهما وعن علي والحسن وأبي قلابة نحوه ورد بما رواه أبو داود اخلع عنك الجبة فخلعها من قبل رأسه وقد نهى صلى الله عليه وسلم عن إضاعة المال وتمزيق الثوب إضاعة له فلا يجوز وفيه أن المفتي والحاكم إذا لم يعلم الحكم يمسك حتى يتبين وإن بعض الأحكام بينت بالوحي وإن لم تكن مما يتلى وأنه صلى الله عليه وسلم لم يكن يحكم بالاجتهاد إلا إذا لم يحضره الوحي ولا دلالة فيه على منع اجتهاده لاحتمال أنه لم يظهر له الحكم أو أن الوحي بدره قبل تمام الاجتهاد ولا يلزم معرفة الحكم بطريق منع ما سواه من طرق معرفته ( مالك عن نافع عن أسلم مولى عمر بن الخطاب أن عمر بن الخطاب وجد ريح طيب وهو بالشجرة) سمرة بذي الحليفة على ستة أميال من المدينة ( فقال ممن ريح هذا الطيب فقال معاوية بن أبي سفيان مني يا أمير المؤمنين) زاد عبد الرزاق عن معمر عن الزهري عن سالم عن أبيه فتغيظ عليه عمر ( فقال منك لعمر الله) لأنك تحب الرفاهية وكان عمر يسميه كسرى العرب ( فقال معاوية) معتذرًا ( إن أم حبيبة) رملة بنت أبي سفيان أم المؤمنين مشهورة بكنيتها ( طيبتني يا أمير المؤمنين فقال عمر عزمت عليك لترجعن فلتغسلنه) وفي رواية عبد الرزاق أقسمت عليك لترجعن إلى أم حبيبة فلتغسلنه عنك كما طيبتك وزاد في رواية أيوب عن نافع عن أسلم قال فرجع معاوية إليها حتى لحقهم ببعض الطريق فهذا عمر مع جلالته لم يأخذ بحديث عائشة على ظاهره فتعين تأويله بما مر ( مالك عن الصلت بن زييد) بضم الزاي وتحتيتين تصغير زيد الكندي وثقه العجلي وغيره وكفى برواية مالك عنه ( عن غير واحد من أهله) أي الصلت ( أن عمر بن الخطاب وجد ريح طيب وهو بالشجرة) بذي الحليفة ( وإلى جنبه كثير بن الصلت) بن معدي كرب الكندي المدني التابعي الكبير ولد في عهد النبي صلى الله عليه وسلم وكان له شرف وحال جميلة ووهم من عده في الصحابة ( فقال عمر ممن ريح هذا الطيب فقال كثير مني يا أمير المؤمنين لبدت رأسي) أي جعلت فيه شيئًا نحو الصمغ ليجتمع شعره لئلا يتشعث في الإحرام أو يقع فيه القمل ( وأردت أن لا أحلق فقال عمر فاذهب إلى شربة فأدلك رأسك حتى تنقيه) بضم التاء وسكون النون وبالقاف من الطيب ( ففعل كثير بن الصلت) ما أمره به ( قال مالك الشربة حفير تكون عند أصل النخلة) وفي التمهيد الشربة مستنقع الماء عند أصول الشجر حوض يكون مقدار ريها وقال ابن وهب هو الحوض حول النخلة يجمع فيها الماء وروى ابن أبي شيبة عن بشير بن يسار لما أحرموا وجد عمر ريح طيب فقال ممن هذه الريح فقال البراء بن عازب مني يا أمير المؤمنين قال قد علمنا أن امرأتك عطرة أو عطارة إنما الحاج الأدفر الأغبر فهذا عمر قد أنكر على صحابيين وتابعي كبير الطيب بمحضر الجمع الكثير من الناس صحابة وغيرهم وما أنكر عليه منهم أحد فهو من أقوى الأدلة على تأويل حديث عائشة وقد روى وكيع عن شعبة عن سعد بن إبراهيم عن أبيه أن عثمان رأى رجلاً قد تطيب عند الإحرام فأمره أن يغسل رأسه بطين ( مالك عن يحيى بن سعيد) الأنصاري ( وعبد الله بن أبي بكر) بن محمد بن عمرو بن حزم ( وربيعة بن أبي عبد الرحمن) فروخ المعروف بربيعة الرأي ( أن الوليد بن عبد الملك) بن مروان الأموي ( سأل سالم بن عبد الله) بن عمر ( وخارجة بن زيد بن ثابت) الأنصاري المدني أبا زيد أحد الفقهاء مات سنة مائة وأبوه الصحابي الشهير ( بعد أن رمى الجمرة وحلق رأسه وقبل أن يفيض) يطوف طواف الإفاضة ( عن الطيب فنهاه سالم) لكراهته قبل الإفاضة ( وأرخص له خارجة بن زيد بن ثابت) إما لأنه يرى جوازه بلا كراهة وإما لأن المكروه من الجائز ( قال مالك لا بأس أن يدهن الرجل بدهن ليس فيه طيب) كالزيت ( قبل أن يحرم وقبل أن يفيض من منى بعد رمي الجمرة) للعقبة ( قال يحيى سئل مالك عن طعام فيه زعفران هل يأكله المحرم فقال أما ما تمسه النار من ذلك) بحيث أماته الطبخ وإن بقي لونه لأنه لا يذهب بالطبخ ( فلا بأس به أن يأكله المحرم وأما ما لم تمسه النار من ذلك فلا يأكله المحرم) أي يحرم وعليه الفدية.



رقم الحديث 730 وَحَدَّثَنِي عَنْ مَالِكٍ، عَنْ حُمَيْدِ بْنِ قَيْسٍ، عَنْ عَطَاءِ بْنِ أَبِي رَبَاحٍ، أَنَّ أَعْرَابِيًّا جَاءَ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ بِحُنَيْنٍ، وَعَلَى الْأَعْرَابِيِّ قَمِيصٌ.
وَبِهِ أَثَرُ صُفْرَةٍ، فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنِّي أَهْلَلْتُ بِعُمْرَةٍ.
فَكَيْفَ تَأْمُرُنِي أَنْ أَصْنَعَ؟ فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: انْزَعْ قَمِيصَكَ، وَاغْسِلْ هَذِهِ الصُّفْرَةَ عَنْكَ، وَافْعَلْ فِي عُمْرَتِكَ مَا تَفْعَلُ فِي حَجِّكَ.


( ما جاء في الطيب في الحج)

( مالك عن عبد الرحمن بن القاسم) بن محمد بن الصديق ( عن أبيه عن) عمته ( عائشة زوج النبي صلى الله عليه وسلم أنها قالت كنت أطيب رسول الله صلى الله عليه وسلم لإحرامه قبل أن يحرم) وللتنيسي حين يحرم ومعناها كما هنا لأنه لا يمكن أن يراد بالإحرام هنا فعل الإحرام لمنع التطيب في الإحرام وإنما المراد إرادة الإحرام لرواية النسائي حين أراد أن يحرم والمراد تطييب بدنه لا ثيابه لحديث كنت أجد وبيص الطيب في رأسه ولحيته ولا يستحب تطيب الثياب عند إرادة الإحرام اتفاقًا وشذ القائل باستحبابه ( ولحله) بعد أن يرمي ( قبل أن يطوف بالبيت) طواف الإفاضة وفيه إن كان لا تقتضي التكرار لأنها لم تفعله إلا مرة واحدة في حجة الوداع كما في الصحيحين عن عروة عنها ورد بأن المدعى تكراره إنما هو التطيب لا الإحرام ولا مانع من تكرر الطيب قبل الإحرام مع كون الإحرام مرة واحدة ولا يخفى ما فيه ومر أن المختار عند الرازي وغيره أنها لا تقتضيه وعند ابن الحاجب تقتضيه وقال جماعة من المحققين تقتضيه ظهورًا وقد تدل قرينة على عدمه لكن يستفاد من كان المبالغة في إثبات ذلك والمعنى أنها كانت تكرر فعل التطييب لو تكرر منه فعل الإحرام لما علمته من حبه له على أن لفظة كنت لم تتفق الرواة عليها فرواها مالك وتابعه منصور وعند مسلم ويحيى بن سعيد عند النسائي كلاهما عن عبد الرحمن بلفظ كنت ورواه سفيان بن عيينة عن عبد الرحمن بلفظ طيبت أخرجه البخاري وكذا سائر الطرق ليس فيها كنت وفيه استحباب التطيب عند إرادة الإحرام وجواز استدامته بعده وإنه لا يضر بقاء لونه ورائحته وإنما يحرم ابتداؤه في الإحرام وبه قال الأئمة الثلاثة والجمهور وقال مالك والزهري وجماعة من الصحابة والتابعين يحرم التطيب عند الإحرام بطيب يبقى له رائحة بعده قال عياض وتأولوا هذا الحديث على أنه طيب لا يبقى له ريح أو أنه أذهبه غسل الإحرام ويعضد الثاني رواية مسلم طيبت رسول الله صلى الله عليه وسلم عند إحرامه ثم طاف على نسائه ثم أصبح محرمًا فقد ظهرت علة تطييبه أنها كانت لمباشرة نسائه وإن غسله بعده لجماعهن وغسله للإحرام أذهبه لا سيما وقد ذكر أنه كان يتطهر من كل واحدة قبل معاودته للأخرى وأي طيب يبقى بعد اغتسالات كثيرة ويكون قولها ثم أصبح ينضخ طيبًا بالخاء المعجمة أي قبل غسله وإحرامه وجاء في رواية شعبة في هذا الحديث ثم أصبح محرمًا ينضخ طيبًا أي يصبح بنية الإحرام فيه تقديم وتأخير أي طاف على نسائه ينضخ طيبًا ثم أصبح محرمًا وفي مسلم أي والبخاري أن الطيب الذي طيبته به زريرة وهي مما يذهبها الغسل ولا يبقى ريحها بعده وقولها كأني أنظر إلى وبيص الطيب في مفارق رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو محرم المراد أثره لا جرمه انتهى بمعناه ورد النووي بأنه تأويل مخالف للظاهر بلا دليل عجيب فإن عياضًا ذكر دليل التأويل كما ترى وقد قال ابن العربي ليس في شيء من طرق حديث عائشة أن عينه بقيت وتعقب بما لأبي داود وابن أبي شيبة عن عائشة كنا ننضخ وجوهنا بالمسك المطيب قبل أن نحرم فنعرق فيسيل على وجوهنا ونحن مع رسول الله صلى الله عليه وسلم فلا ينهانا فهذا صريح في بقاء عين الطيب ولا صراحة فيه لأنهن اغتسلن والغسل يذهب عينه ومنشأ هذا الخلاف اللام في لإحرامه ولحله هل هي للتأقيت وبه قال مالك ومن وافقه كقوله تعالى { { أقم الصلاة لدلوك الشمس } } أو للتعليل وبه قال الجمهور وأبطله في المفهم بأنها لو كانت له لكان الحل والإحرام علتين للتطيب وليس كذلك بل هو خلاف مقصود الشرع من المحرم قطعًا وذهب الباجي وجماعة إلى أن الطيب للإحرام من خصائصه صلى الله عليه وسلم للقاء الملائكة ولأن المحرم إنما منع من الطيب لأنه من دواعي النكاح فنهى الناس عنه وكان هو أملك الناس لإربه ففعله ورجحه بعضهم بكثرة ما ثبت له من الخصائص في النكاح وقد قال حبب إلي من دنياكم النساء والطيب أخرجه النسائي وتعقب بأن الخصائص لا تثبت بالقياس وهو مردود بأنا لم نثبتها بالقياس بل بمخالفة فعله لنهيه عن الطيب فهذا ظاهر في الخصوصية وإنما جعلنا القياس سندًا للاستدلال وأيد ابن عبد البر التخصيص بأنه لو كان للناس عامة ما جهله عمر وعثمان وابن عمر مع علمهم بالمناسك وغيرها وجلالتهم في الصحابة وموضع عطاء من علم المناسك موضعه وموضع الزهر من علم الأثر موضعه وفيه إباحة الطيب بعد رمي الجمرة والحلق وقبل طواف الإفاضة وقاله كافة العلماء إلا أن مالكًا كرهه قبل الإفاضة وأخرجه البخاري عن عبد الله بن يوسف ومسلم عن يحيى وأبو داود عن القعنبي والنسائي عن قتيبة الأربعة عن مالك به وتابعه ابن عيينة ويحيى بن سعيد عند البخاري ومنصور بن زاذان عند مسلم وأيوب السختياني والأوزاعي وعبيد الله والليث عند النسائي كلهم عن عبد الرحمن بن القاسم ( مالك عن حميد بن قيس) المكي ( عن عطاء بن أبي رباح) المكي التابعي فهو مرسل وصله البخاري ومسلم وأبو داود والترمذي والنسائي من طرق عن عطاء عن صفوان بن يعلى بن أمية عن أبيه ( أن أعرابيًا جاء إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم) قال الحافظ لم أقف على اسمه لكن في تفسير الطرطوشي أن اسمه عطاء بن أمية قال ابن فتحون إن ثبت ذلك فهو أخو يعلى راوي الخبر ويجوز أن يكون خطأ من اسم الراوي فإنه من رواية عطاء عن صفوان بن يعلى عن أبيه ومنهم من لم يذكر بين عطاء ويعلى أحدًا وقول شيخنا ابن الملقن يجوز أنه عمرو بن سواد لأن في الشفاء عنه أتيت النبي صلى الله عليه وسلم وأنا متخلق فقال ورس ورس حط حط وغشيني بقضيب في بطني فأوجعني الحديث لكن عمرو هذا لا يدرك ذا فإنه صاحب ابن وهب معترض فأما أولا فليست هذه القصة شبيهة بهذه القصة حتى يفسر صاحبها بها وأما ثانيًا ففي الاستدراك غفلة عظيمة لأن من يقول أتيت النبي لا يتخيل أنه صاحب صاحب مالك بل إن ثبت فهو آخر اتفقا في الاسم واسم الأب ولم يثبت لأنه انقلب على شيخنا وإنما الذي في الشفاء سواد بن عمرو وقيل سوادة بن عمرو أخرج حديثه المذكور عبد الرزاق في مصنفه والبغوي في معجمه ( وهو بحنين) أي منصرف من غزوتها والموضع الذي لقيه فيه هو الجعرانة قاله ابن عبد البر وفي الصحيحين وغيرهما أن يعلى قال لعمر أرني النبي صلى الله عليه وسلم حين يوحى إليه قال فبينما النبي صلى الله عليه وسلم بالجعرانة ومعه نفر من أصحابه جاءه رجل فقال يا رسول الله كيف ترى في رجل أحرم بعمرة وهو متضمخ بطيب فسكت صلى الله عليه وسلم فجاءه الوحي وأشار عمر إلى يعلى فجاء يعلى وعلى رسول الله ثوب قد أظل به فأدخل رأسه فإذا رسول الله محمر الوجه وهو يغط ثم سرى عنه ( وعلى الأعرابي قميص) وفي رواية وعليه جبة ( وبه أثر صفرة) من زعفران ( فقال يا رسول الله إني أهللت بعمرة فكيف تأمرني أن أصنع) في عمرتي ( فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم) بعد سكوته حتى نزل عليه الوحي ثم سرى عنه فقال أين الذي سأل عن العمرة فأتي به فقال ( انزع قميصك واغسل هذه الصفرة) ولمسلم اخلع هذه الجبة واغسل هذا الزعفران ( عنك) زاد الصحيحان ثلاث مرات قال عياض وغيره يحتمل أنه من لفظ النبي صلى الله عليه وسلم فيكون نصًا في تكرار الغسل ويحتمل أنه من كلام الصحابي وأنه صلى الله عليه وسلم أعاد لفظ اغسل مرة ثم مرة على عادته أنه كان إذا تكلم بكلمة أعادها ثلاثًا لتفهم عنه ( وافعل في عمرتك ما تفعل) وفي رواية واصنع في عمرتك ما تصنع ( في حجك) مطابقة لقوله أن اصنع وفيه أنه كان يعرف أعمال الحج قبل ذلك قال ابن العربي كأنهم كانوا في الجاهلية يخلقون الثياب ويجتنبون الطيب في الإحرام إذا حجوا ويتساهلون في العمرة فأخبره النبي صلى الله عليه وسلم أن مجراهما واحد وقال ابن المنير قوله واصنع معناه اترك لأن المراد ما يجتنبه المحرم فيؤخذ منه فائدة حسنة وهي أن الترك فعل قال وقول ابن بطال أراد الأدعية وغيرها مما يشترك فيه الحج والعمرة فيه نظر لأن التروك مشتركة بخلاف الأعمال فإن في الحج أشياء زائدة على العمرة كالوقوف وما بعده ويستثنى من الأعمال ما يختص به الحج وقال الباجي المأمور به غير نزع الثوب وغسل الخلوق لأنه صرح له بهما فلم تبق إلا الفدية قال الحافظ ولا وجه لهذا الحصر بل المأمور به الغسل والنزع ففي مسلم والنسائي فقال ما كنت صانعًا في حجك قال أنزع عني هذه الثياب وأغسل عني هذه الخلوق فقال ما كنت صانعًا في حجك فاصنعه في عمرتك وفيه منع استدامة الطيب بعد الإحرام للأمر بغسله من الثوب والبدن وهو قول مالك ومن وافقه وأجاب الجمهور بأن هذه القصة كانت بالجعرانة سنة ثمان باتفاق وحديث عائشة في حجة الوداع سنة عشر بلا خلاف وإنما يؤخذ بالآخر من الأمر وسبق أجوبة عن حديث عائشة وفيه أيضًا أن من أصابه طيب في إحرامه ناسيًا أو جاهلاً ثم علم فبادر إلى إزالته فلا كفارة عليه وقال مالك إن طال ذلك عليه لزمه وعن أبي حنيفة وأحمد في رواية تجب مطلقًا وإن المحرم إذا صار عليه مخيط نزعه ولا يمزقه ولا يشقه وهو قول الجمهور خلافًا لقول النخعي يشقه والشعبي يمزقه قالا ولا ينزعه من قبل رأسه لئلا يصير مغطيًا لرأسه أخرجه ابن أبي شيبة عنهما وعن علي والحسن وأبي قلابة نحوه ورد بما رواه أبو داود اخلع عنك الجبة فخلعها من قبل رأسه وقد نهى صلى الله عليه وسلم عن إضاعة المال وتمزيق الثوب إضاعة له فلا يجوز وفيه أن المفتي والحاكم إذا لم يعلم الحكم يمسك حتى يتبين وإن بعض الأحكام بينت بالوحي وإن لم تكن مما يتلى وأنه صلى الله عليه وسلم لم يكن يحكم بالاجتهاد إلا إذا لم يحضره الوحي ولا دلالة فيه على منع اجتهاده لاحتمال أنه لم يظهر له الحكم أو أن الوحي بدره قبل تمام الاجتهاد ولا يلزم معرفة الحكم بطريق منع ما سواه من طرق معرفته ( مالك عن نافع عن أسلم مولى عمر بن الخطاب أن عمر بن الخطاب وجد ريح طيب وهو بالشجرة) سمرة بذي الحليفة على ستة أميال من المدينة ( فقال ممن ريح هذا الطيب فقال معاوية بن أبي سفيان مني يا أمير المؤمنين) زاد عبد الرزاق عن معمر عن الزهري عن سالم عن أبيه فتغيظ عليه عمر ( فقال منك لعمر الله) لأنك تحب الرفاهية وكان عمر يسميه كسرى العرب ( فقال معاوية) معتذرًا ( إن أم حبيبة) رملة بنت أبي سفيان أم المؤمنين مشهورة بكنيتها ( طيبتني يا أمير المؤمنين فقال عمر عزمت عليك لترجعن فلتغسلنه) وفي رواية عبد الرزاق أقسمت عليك لترجعن إلى أم حبيبة فلتغسلنه عنك كما طيبتك وزاد في رواية أيوب عن نافع عن أسلم قال فرجع معاوية إليها حتى لحقهم ببعض الطريق فهذا عمر مع جلالته لم يأخذ بحديث عائشة على ظاهره فتعين تأويله بما مر ( مالك عن الصلت بن زييد) بضم الزاي وتحتيتين تصغير زيد الكندي وثقه العجلي وغيره وكفى برواية مالك عنه ( عن غير واحد من أهله) أي الصلت ( أن عمر بن الخطاب وجد ريح طيب وهو بالشجرة) بذي الحليفة ( وإلى جنبه كثير بن الصلت) بن معدي كرب الكندي المدني التابعي الكبير ولد في عهد النبي صلى الله عليه وسلم وكان له شرف وحال جميلة ووهم من عده في الصحابة ( فقال عمر ممن ريح هذا الطيب فقال كثير مني يا أمير المؤمنين لبدت رأسي) أي جعلت فيه شيئًا نحو الصمغ ليجتمع شعره لئلا يتشعث في الإحرام أو يقع فيه القمل ( وأردت أن لا أحلق فقال عمر فاذهب إلى شربة فأدلك رأسك حتى تنقيه) بضم التاء وسكون النون وبالقاف من الطيب ( ففعل كثير بن الصلت) ما أمره به ( قال مالك الشربة حفير تكون عند أصل النخلة) وفي التمهيد الشربة مستنقع الماء عند أصول الشجر حوض يكون مقدار ريها وقال ابن وهب هو الحوض حول النخلة يجمع فيها الماء وروى ابن أبي شيبة عن بشير بن يسار لما أحرموا وجد عمر ريح طيب فقال ممن هذه الريح فقال البراء بن عازب مني يا أمير المؤمنين قال قد علمنا أن امرأتك عطرة أو عطارة إنما الحاج الأدفر الأغبر فهذا عمر قد أنكر على صحابيين وتابعي كبير الطيب بمحضر الجمع الكثير من الناس صحابة وغيرهم وما أنكر عليه منهم أحد فهو من أقوى الأدلة على تأويل حديث عائشة وقد روى وكيع عن شعبة عن سعد بن إبراهيم عن أبيه أن عثمان رأى رجلاً قد تطيب عند الإحرام فأمره أن يغسل رأسه بطين ( مالك عن يحيى بن سعيد) الأنصاري ( وعبد الله بن أبي بكر) بن محمد بن عمرو بن حزم ( وربيعة بن أبي عبد الرحمن) فروخ المعروف بربيعة الرأي ( أن الوليد بن عبد الملك) بن مروان الأموي ( سأل سالم بن عبد الله) بن عمر ( وخارجة بن زيد بن ثابت) الأنصاري المدني أبا زيد أحد الفقهاء مات سنة مائة وأبوه الصحابي الشهير ( بعد أن رمى الجمرة وحلق رأسه وقبل أن يفيض) يطوف طواف الإفاضة ( عن الطيب فنهاه سالم) لكراهته قبل الإفاضة ( وأرخص له خارجة بن زيد بن ثابت) إما لأنه يرى جوازه بلا كراهة وإما لأن المكروه من الجائز ( قال مالك لا بأس أن يدهن الرجل بدهن ليس فيه طيب) كالزيت ( قبل أن يحرم وقبل أن يفيض من منى بعد رمي الجمرة) للعقبة ( قال يحيى سئل مالك عن طعام فيه زعفران هل يأكله المحرم فقال أما ما تمسه النار من ذلك) بحيث أماته الطبخ وإن بقي لونه لأنه لا يذهب بالطبخ ( فلا بأس به أن يأكله المحرم وأما ما لم تمسه النار من ذلك فلا يأكله المحرم) أي يحرم وعليه الفدية.



رقم الحديث 731 وَحَدَّثَنِي عَنْ مَالِكٍ عَنْ نَافِعٍ، عَنْ أَسْلَمَ مَوْلَى عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ، أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ وَجَدَ رِيحَ طِيبٍ وَهُوَ بِالشَّجَرَةِ فَقَالَ: مِمَّنْ رِيحُ هَذَا الطِّيبِ؟ فَقَالَ مُعَاوِيَةُ بْنُ أَبِي سُفْيَانَ: مِنِّي يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ.
فَقَالَ: مِنْكَ؟ لَعَمْرُ اللَّهِ.
فَقَالَ مُعَاوِيَةُ إِنَّ أُمَّ حَبِيبَةَ طَيَّبَتْنِي يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ، فَقَالَ عُمَرُ عَزَمْتُ عَلَيْكَ لَتَرْجِعَنَّ فَلْتَغْسِلَنَّهُ.


( ما جاء في الطيب في الحج)

( مالك عن عبد الرحمن بن القاسم) بن محمد بن الصديق ( عن أبيه عن) عمته ( عائشة زوج النبي صلى الله عليه وسلم أنها قالت كنت أطيب رسول الله صلى الله عليه وسلم لإحرامه قبل أن يحرم) وللتنيسي حين يحرم ومعناها كما هنا لأنه لا يمكن أن يراد بالإحرام هنا فعل الإحرام لمنع التطيب في الإحرام وإنما المراد إرادة الإحرام لرواية النسائي حين أراد أن يحرم والمراد تطييب بدنه لا ثيابه لحديث كنت أجد وبيص الطيب في رأسه ولحيته ولا يستحب تطيب الثياب عند إرادة الإحرام اتفاقًا وشذ القائل باستحبابه ( ولحله) بعد أن يرمي ( قبل أن يطوف بالبيت) طواف الإفاضة وفيه إن كان لا تقتضي التكرار لأنها لم تفعله إلا مرة واحدة في حجة الوداع كما في الصحيحين عن عروة عنها ورد بأن المدعى تكراره إنما هو التطيب لا الإحرام ولا مانع من تكرر الطيب قبل الإحرام مع كون الإحرام مرة واحدة ولا يخفى ما فيه ومر أن المختار عند الرازي وغيره أنها لا تقتضيه وعند ابن الحاجب تقتضيه وقال جماعة من المحققين تقتضيه ظهورًا وقد تدل قرينة على عدمه لكن يستفاد من كان المبالغة في إثبات ذلك والمعنى أنها كانت تكرر فعل التطييب لو تكرر منه فعل الإحرام لما علمته من حبه له على أن لفظة كنت لم تتفق الرواة عليها فرواها مالك وتابعه منصور وعند مسلم ويحيى بن سعيد عند النسائي كلاهما عن عبد الرحمن بلفظ كنت ورواه سفيان بن عيينة عن عبد الرحمن بلفظ طيبت أخرجه البخاري وكذا سائر الطرق ليس فيها كنت وفيه استحباب التطيب عند إرادة الإحرام وجواز استدامته بعده وإنه لا يضر بقاء لونه ورائحته وإنما يحرم ابتداؤه في الإحرام وبه قال الأئمة الثلاثة والجمهور وقال مالك والزهري وجماعة من الصحابة والتابعين يحرم التطيب عند الإحرام بطيب يبقى له رائحة بعده قال عياض وتأولوا هذا الحديث على أنه طيب لا يبقى له ريح أو أنه أذهبه غسل الإحرام ويعضد الثاني رواية مسلم طيبت رسول الله صلى الله عليه وسلم عند إحرامه ثم طاف على نسائه ثم أصبح محرمًا فقد ظهرت علة تطييبه أنها كانت لمباشرة نسائه وإن غسله بعده لجماعهن وغسله للإحرام أذهبه لا سيما وقد ذكر أنه كان يتطهر من كل واحدة قبل معاودته للأخرى وأي طيب يبقى بعد اغتسالات كثيرة ويكون قولها ثم أصبح ينضخ طيبًا بالخاء المعجمة أي قبل غسله وإحرامه وجاء في رواية شعبة في هذا الحديث ثم أصبح محرمًا ينضخ طيبًا أي يصبح بنية الإحرام فيه تقديم وتأخير أي طاف على نسائه ينضخ طيبًا ثم أصبح محرمًا وفي مسلم أي والبخاري أن الطيب الذي طيبته به زريرة وهي مما يذهبها الغسل ولا يبقى ريحها بعده وقولها كأني أنظر إلى وبيص الطيب في مفارق رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو محرم المراد أثره لا جرمه انتهى بمعناه ورد النووي بأنه تأويل مخالف للظاهر بلا دليل عجيب فإن عياضًا ذكر دليل التأويل كما ترى وقد قال ابن العربي ليس في شيء من طرق حديث عائشة أن عينه بقيت وتعقب بما لأبي داود وابن أبي شيبة عن عائشة كنا ننضخ وجوهنا بالمسك المطيب قبل أن نحرم فنعرق فيسيل على وجوهنا ونحن مع رسول الله صلى الله عليه وسلم فلا ينهانا فهذا صريح في بقاء عين الطيب ولا صراحة فيه لأنهن اغتسلن والغسل يذهب عينه ومنشأ هذا الخلاف اللام في لإحرامه ولحله هل هي للتأقيت وبه قال مالك ومن وافقه كقوله تعالى { { أقم الصلاة لدلوك الشمس } } أو للتعليل وبه قال الجمهور وأبطله في المفهم بأنها لو كانت له لكان الحل والإحرام علتين للتطيب وليس كذلك بل هو خلاف مقصود الشرع من المحرم قطعًا وذهب الباجي وجماعة إلى أن الطيب للإحرام من خصائصه صلى الله عليه وسلم للقاء الملائكة ولأن المحرم إنما منع من الطيب لأنه من دواعي النكاح فنهى الناس عنه وكان هو أملك الناس لإربه ففعله ورجحه بعضهم بكثرة ما ثبت له من الخصائص في النكاح وقد قال حبب إلي من دنياكم النساء والطيب أخرجه النسائي وتعقب بأن الخصائص لا تثبت بالقياس وهو مردود بأنا لم نثبتها بالقياس بل بمخالفة فعله لنهيه عن الطيب فهذا ظاهر في الخصوصية وإنما جعلنا القياس سندًا للاستدلال وأيد ابن عبد البر التخصيص بأنه لو كان للناس عامة ما جهله عمر وعثمان وابن عمر مع علمهم بالمناسك وغيرها وجلالتهم في الصحابة وموضع عطاء من علم المناسك موضعه وموضع الزهر من علم الأثر موضعه وفيه إباحة الطيب بعد رمي الجمرة والحلق وقبل طواف الإفاضة وقاله كافة العلماء إلا أن مالكًا كرهه قبل الإفاضة وأخرجه البخاري عن عبد الله بن يوسف ومسلم عن يحيى وأبو داود عن القعنبي والنسائي عن قتيبة الأربعة عن مالك به وتابعه ابن عيينة ويحيى بن سعيد عند البخاري ومنصور بن زاذان عند مسلم وأيوب السختياني والأوزاعي وعبيد الله والليث عند النسائي كلهم عن عبد الرحمن بن القاسم ( مالك عن حميد بن قيس) المكي ( عن عطاء بن أبي رباح) المكي التابعي فهو مرسل وصله البخاري ومسلم وأبو داود والترمذي والنسائي من طرق عن عطاء عن صفوان بن يعلى بن أمية عن أبيه ( أن أعرابيًا جاء إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم) قال الحافظ لم أقف على اسمه لكن في تفسير الطرطوشي أن اسمه عطاء بن أمية قال ابن فتحون إن ثبت ذلك فهو أخو يعلى راوي الخبر ويجوز أن يكون خطأ من اسم الراوي فإنه من رواية عطاء عن صفوان بن يعلى عن أبيه ومنهم من لم يذكر بين عطاء ويعلى أحدًا وقول شيخنا ابن الملقن يجوز أنه عمرو بن سواد لأن في الشفاء عنه أتيت النبي صلى الله عليه وسلم وأنا متخلق فقال ورس ورس حط حط وغشيني بقضيب في بطني فأوجعني الحديث لكن عمرو هذا لا يدرك ذا فإنه صاحب ابن وهب معترض فأما أولا فليست هذه القصة شبيهة بهذه القصة حتى يفسر صاحبها بها وأما ثانيًا ففي الاستدراك غفلة عظيمة لأن من يقول أتيت النبي لا يتخيل أنه صاحب صاحب مالك بل إن ثبت فهو آخر اتفقا في الاسم واسم الأب ولم يثبت لأنه انقلب على شيخنا وإنما الذي في الشفاء سواد بن عمرو وقيل سوادة بن عمرو أخرج حديثه المذكور عبد الرزاق في مصنفه والبغوي في معجمه ( وهو بحنين) أي منصرف من غزوتها والموضع الذي لقيه فيه هو الجعرانة قاله ابن عبد البر وفي الصحيحين وغيرهما أن يعلى قال لعمر أرني النبي صلى الله عليه وسلم حين يوحى إليه قال فبينما النبي صلى الله عليه وسلم بالجعرانة ومعه نفر من أصحابه جاءه رجل فقال يا رسول الله كيف ترى في رجل أحرم بعمرة وهو متضمخ بطيب فسكت صلى الله عليه وسلم فجاءه الوحي وأشار عمر إلى يعلى فجاء يعلى وعلى رسول الله ثوب قد أظل به فأدخل رأسه فإذا رسول الله محمر الوجه وهو يغط ثم سرى عنه ( وعلى الأعرابي قميص) وفي رواية وعليه جبة ( وبه أثر صفرة) من زعفران ( فقال يا رسول الله إني أهللت بعمرة فكيف تأمرني أن أصنع) في عمرتي ( فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم) بعد سكوته حتى نزل عليه الوحي ثم سرى عنه فقال أين الذي سأل عن العمرة فأتي به فقال ( انزع قميصك واغسل هذه الصفرة) ولمسلم اخلع هذه الجبة واغسل هذا الزعفران ( عنك) زاد الصحيحان ثلاث مرات قال عياض وغيره يحتمل أنه من لفظ النبي صلى الله عليه وسلم فيكون نصًا في تكرار الغسل ويحتمل أنه من كلام الصحابي وأنه صلى الله عليه وسلم أعاد لفظ اغسل مرة ثم مرة على عادته أنه كان إذا تكلم بكلمة أعادها ثلاثًا لتفهم عنه ( وافعل في عمرتك ما تفعل) وفي رواية واصنع في عمرتك ما تصنع ( في حجك) مطابقة لقوله أن اصنع وفيه أنه كان يعرف أعمال الحج قبل ذلك قال ابن العربي كأنهم كانوا في الجاهلية يخلقون الثياب ويجتنبون الطيب في الإحرام إذا حجوا ويتساهلون في العمرة فأخبره النبي صلى الله عليه وسلم أن مجراهما واحد وقال ابن المنير قوله واصنع معناه اترك لأن المراد ما يجتنبه المحرم فيؤخذ منه فائدة حسنة وهي أن الترك فعل قال وقول ابن بطال أراد الأدعية وغيرها مما يشترك فيه الحج والعمرة فيه نظر لأن التروك مشتركة بخلاف الأعمال فإن في الحج أشياء زائدة على العمرة كالوقوف وما بعده ويستثنى من الأعمال ما يختص به الحج وقال الباجي المأمور به غير نزع الثوب وغسل الخلوق لأنه صرح له بهما فلم تبق إلا الفدية قال الحافظ ولا وجه لهذا الحصر بل المأمور به الغسل والنزع ففي مسلم والنسائي فقال ما كنت صانعًا في حجك قال أنزع عني هذه الثياب وأغسل عني هذه الخلوق فقال ما كنت صانعًا في حجك فاصنعه في عمرتك وفيه منع استدامة الطيب بعد الإحرام للأمر بغسله من الثوب والبدن وهو قول مالك ومن وافقه وأجاب الجمهور بأن هذه القصة كانت بالجعرانة سنة ثمان باتفاق وحديث عائشة في حجة الوداع سنة عشر بلا خلاف وإنما يؤخذ بالآخر من الأمر وسبق أجوبة عن حديث عائشة وفيه أيضًا أن من أصابه طيب في إحرامه ناسيًا أو جاهلاً ثم علم فبادر إلى إزالته فلا كفارة عليه وقال مالك إن طال ذلك عليه لزمه وعن أبي حنيفة وأحمد في رواية تجب مطلقًا وإن المحرم إذا صار عليه مخيط نزعه ولا يمزقه ولا يشقه وهو قول الجمهور خلافًا لقول النخعي يشقه والشعبي يمزقه قالا ولا ينزعه من قبل رأسه لئلا يصير مغطيًا لرأسه أخرجه ابن أبي شيبة عنهما وعن علي والحسن وأبي قلابة نحوه ورد بما رواه أبو داود اخلع عنك الجبة فخلعها من قبل رأسه وقد نهى صلى الله عليه وسلم عن إضاعة المال وتمزيق الثوب إضاعة له فلا يجوز وفيه أن المفتي والحاكم إذا لم يعلم الحكم يمسك حتى يتبين وإن بعض الأحكام بينت بالوحي وإن لم تكن مما يتلى وأنه صلى الله عليه وسلم لم يكن يحكم بالاجتهاد إلا إذا لم يحضره الوحي ولا دلالة فيه على منع اجتهاده لاحتمال أنه لم يظهر له الحكم أو أن الوحي بدره قبل تمام الاجتهاد ولا يلزم معرفة الحكم بطريق منع ما سواه من طرق معرفته ( مالك عن نافع عن أسلم مولى عمر بن الخطاب أن عمر بن الخطاب وجد ريح طيب وهو بالشجرة) سمرة بذي الحليفة على ستة أميال من المدينة ( فقال ممن ريح هذا الطيب فقال معاوية بن أبي سفيان مني يا أمير المؤمنين) زاد عبد الرزاق عن معمر عن الزهري عن سالم عن أبيه فتغيظ عليه عمر ( فقال منك لعمر الله) لأنك تحب الرفاهية وكان عمر يسميه كسرى العرب ( فقال معاوية) معتذرًا ( إن أم حبيبة) رملة بنت أبي سفيان أم المؤمنين مشهورة بكنيتها ( طيبتني يا أمير المؤمنين فقال عمر عزمت عليك لترجعن فلتغسلنه) وفي رواية عبد الرزاق أقسمت عليك لترجعن إلى أم حبيبة فلتغسلنه عنك كما طيبتك وزاد في رواية أيوب عن نافع عن أسلم قال فرجع معاوية إليها حتى لحقهم ببعض الطريق فهذا عمر مع جلالته لم يأخذ بحديث عائشة على ظاهره فتعين تأويله بما مر ( مالك عن الصلت بن زييد) بضم الزاي وتحتيتين تصغير زيد الكندي وثقه العجلي وغيره وكفى برواية مالك عنه ( عن غير واحد من أهله) أي الصلت ( أن عمر بن الخطاب وجد ريح طيب وهو بالشجرة) بذي الحليفة ( وإلى جنبه كثير بن الصلت) بن معدي كرب الكندي المدني التابعي الكبير ولد في عهد النبي صلى الله عليه وسلم وكان له شرف وحال جميلة ووهم من عده في الصحابة ( فقال عمر ممن ريح هذا الطيب فقال كثير مني يا أمير المؤمنين لبدت رأسي) أي جعلت فيه شيئًا نحو الصمغ ليجتمع شعره لئلا يتشعث في الإحرام أو يقع فيه القمل ( وأردت أن لا أحلق فقال عمر فاذهب إلى شربة فأدلك رأسك حتى تنقيه) بضم التاء وسكون النون وبالقاف من الطيب ( ففعل كثير بن الصلت) ما أمره به ( قال مالك الشربة حفير تكون عند أصل النخلة) وفي التمهيد الشربة مستنقع الماء عند أصول الشجر حوض يكون مقدار ريها وقال ابن وهب هو الحوض حول النخلة يجمع فيها الماء وروى ابن أبي شيبة عن بشير بن يسار لما أحرموا وجد عمر ريح طيب فقال ممن هذه الريح فقال البراء بن عازب مني يا أمير المؤمنين قال قد علمنا أن امرأتك عطرة أو عطارة إنما الحاج الأدفر الأغبر فهذا عمر قد أنكر على صحابيين وتابعي كبير الطيب بمحضر الجمع الكثير من الناس صحابة وغيرهم وما أنكر عليه منهم أحد فهو من أقوى الأدلة على تأويل حديث عائشة وقد روى وكيع عن شعبة عن سعد بن إبراهيم عن أبيه أن عثمان رأى رجلاً قد تطيب عند الإحرام فأمره أن يغسل رأسه بطين ( مالك عن يحيى بن سعيد) الأنصاري ( وعبد الله بن أبي بكر) بن محمد بن عمرو بن حزم ( وربيعة بن أبي عبد الرحمن) فروخ المعروف بربيعة الرأي ( أن الوليد بن عبد الملك) بن مروان الأموي ( سأل سالم بن عبد الله) بن عمر ( وخارجة بن زيد بن ثابت) الأنصاري المدني أبا زيد أحد الفقهاء مات سنة مائة وأبوه الصحابي الشهير ( بعد أن رمى الجمرة وحلق رأسه وقبل أن يفيض) يطوف طواف الإفاضة ( عن الطيب فنهاه سالم) لكراهته قبل الإفاضة ( وأرخص له خارجة بن زيد بن ثابت) إما لأنه يرى جوازه بلا كراهة وإما لأن المكروه من الجائز ( قال مالك لا بأس أن يدهن الرجل بدهن ليس فيه طيب) كالزيت ( قبل أن يحرم وقبل أن يفيض من منى بعد رمي الجمرة) للعقبة ( قال يحيى سئل مالك عن طعام فيه زعفران هل يأكله المحرم فقال أما ما تمسه النار من ذلك) بحيث أماته الطبخ وإن بقي لونه لأنه لا يذهب بالطبخ ( فلا بأس به أن يأكله المحرم وأما ما لم تمسه النار من ذلك فلا يأكله المحرم) أي يحرم وعليه الفدية.



رقم الحديث 732 وَحَدَّثَنِي عَنْ مَالِكٍ، عَنِ الصَّلْتِ بْنِ زُيَيْدٍ، عَنْ غَيْرِ وَاحِدٍ مِنْ أَهْلِهِ، أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ وَجَدَ رِيحَ طِيبٍ وَهُوَ بِالشَّجَرَةِ، وَإِلَى جَنْبِهِ كَثِيرُ بْنُ الصَّلْتِ، فَقَالَ عُمَرُ: مِمَّنْ رِيحُ هَذَا الطِّيبِ؟ فَقَالَ كَثِيرٌ: مِنِّي يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ.
لَبَّدْتُ رَأْسِي، وَأَرَدْتُ أَنْ لَا أَحْلِقَ.
فَقَالَ عُمَرُ: فَاذْهَبْ إِلَى شَرَبَةٍ.
فَادْلُكْ رَأْسَكَ حَتَّى تُنْقِيَهُ فَفَعَلَ كَثِيرُ بْنُ الصَّلْتِ
قَالَ مَالِكٌ: الشَّرَبَةُ حَفِيرٌ تَكُونُ عِنْدَ أَصْلِ النَّخْلَةِ.


( ما جاء في الطيب في الحج)

( مالك عن عبد الرحمن بن القاسم) بن محمد بن الصديق ( عن أبيه عن) عمته ( عائشة زوج النبي صلى الله عليه وسلم أنها قالت كنت أطيب رسول الله صلى الله عليه وسلم لإحرامه قبل أن يحرم) وللتنيسي حين يحرم ومعناها كما هنا لأنه لا يمكن أن يراد بالإحرام هنا فعل الإحرام لمنع التطيب في الإحرام وإنما المراد إرادة الإحرام لرواية النسائي حين أراد أن يحرم والمراد تطييب بدنه لا ثيابه لحديث كنت أجد وبيص الطيب في رأسه ولحيته ولا يستحب تطيب الثياب عند إرادة الإحرام اتفاقًا وشذ القائل باستحبابه ( ولحله) بعد أن يرمي ( قبل أن يطوف بالبيت) طواف الإفاضة وفيه إن كان لا تقتضي التكرار لأنها لم تفعله إلا مرة واحدة في حجة الوداع كما في الصحيحين عن عروة عنها ورد بأن المدعى تكراره إنما هو التطيب لا الإحرام ولا مانع من تكرر الطيب قبل الإحرام مع كون الإحرام مرة واحدة ولا يخفى ما فيه ومر أن المختار عند الرازي وغيره أنها لا تقتضيه وعند ابن الحاجب تقتضيه وقال جماعة من المحققين تقتضيه ظهورًا وقد تدل قرينة على عدمه لكن يستفاد من كان المبالغة في إثبات ذلك والمعنى أنها كانت تكرر فعل التطييب لو تكرر منه فعل الإحرام لما علمته من حبه له على أن لفظة كنت لم تتفق الرواة عليها فرواها مالك وتابعه منصور وعند مسلم ويحيى بن سعيد عند النسائي كلاهما عن عبد الرحمن بلفظ كنت ورواه سفيان بن عيينة عن عبد الرحمن بلفظ طيبت أخرجه البخاري وكذا سائر الطرق ليس فيها كنت وفيه استحباب التطيب عند إرادة الإحرام وجواز استدامته بعده وإنه لا يضر بقاء لونه ورائحته وإنما يحرم ابتداؤه في الإحرام وبه قال الأئمة الثلاثة والجمهور وقال مالك والزهري وجماعة من الصحابة والتابعين يحرم التطيب عند الإحرام بطيب يبقى له رائحة بعده قال عياض وتأولوا هذا الحديث على أنه طيب لا يبقى له ريح أو أنه أذهبه غسل الإحرام ويعضد الثاني رواية مسلم طيبت رسول الله صلى الله عليه وسلم عند إحرامه ثم طاف على نسائه ثم أصبح محرمًا فقد ظهرت علة تطييبه أنها كانت لمباشرة نسائه وإن غسله بعده لجماعهن وغسله للإحرام أذهبه لا سيما وقد ذكر أنه كان يتطهر من كل واحدة قبل معاودته للأخرى وأي طيب يبقى بعد اغتسالات كثيرة ويكون قولها ثم أصبح ينضخ طيبًا بالخاء المعجمة أي قبل غسله وإحرامه وجاء في رواية شعبة في هذا الحديث ثم أصبح محرمًا ينضخ طيبًا أي يصبح بنية الإحرام فيه تقديم وتأخير أي طاف على نسائه ينضخ طيبًا ثم أصبح محرمًا وفي مسلم أي والبخاري أن الطيب الذي طيبته به زريرة وهي مما يذهبها الغسل ولا يبقى ريحها بعده وقولها كأني أنظر إلى وبيص الطيب في مفارق رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو محرم المراد أثره لا جرمه انتهى بمعناه ورد النووي بأنه تأويل مخالف للظاهر بلا دليل عجيب فإن عياضًا ذكر دليل التأويل كما ترى وقد قال ابن العربي ليس في شيء من طرق حديث عائشة أن عينه بقيت وتعقب بما لأبي داود وابن أبي شيبة عن عائشة كنا ننضخ وجوهنا بالمسك المطيب قبل أن نحرم فنعرق فيسيل على وجوهنا ونحن مع رسول الله صلى الله عليه وسلم فلا ينهانا فهذا صريح في بقاء عين الطيب ولا صراحة فيه لأنهن اغتسلن والغسل يذهب عينه ومنشأ هذا الخلاف اللام في لإحرامه ولحله هل هي للتأقيت وبه قال مالك ومن وافقه كقوله تعالى { { أقم الصلاة لدلوك الشمس } } أو للتعليل وبه قال الجمهور وأبطله في المفهم بأنها لو كانت له لكان الحل والإحرام علتين للتطيب وليس كذلك بل هو خلاف مقصود الشرع من المحرم قطعًا وذهب الباجي وجماعة إلى أن الطيب للإحرام من خصائصه صلى الله عليه وسلم للقاء الملائكة ولأن المحرم إنما منع من الطيب لأنه من دواعي النكاح فنهى الناس عنه وكان هو أملك الناس لإربه ففعله ورجحه بعضهم بكثرة ما ثبت له من الخصائص في النكاح وقد قال حبب إلي من دنياكم النساء والطيب أخرجه النسائي وتعقب بأن الخصائص لا تثبت بالقياس وهو مردود بأنا لم نثبتها بالقياس بل بمخالفة فعله لنهيه عن الطيب فهذا ظاهر في الخصوصية وإنما جعلنا القياس سندًا للاستدلال وأيد ابن عبد البر التخصيص بأنه لو كان للناس عامة ما جهله عمر وعثمان وابن عمر مع علمهم بالمناسك وغيرها وجلالتهم في الصحابة وموضع عطاء من علم المناسك موضعه وموضع الزهر من علم الأثر موضعه وفيه إباحة الطيب بعد رمي الجمرة والحلق وقبل طواف الإفاضة وقاله كافة العلماء إلا أن مالكًا كرهه قبل الإفاضة وأخرجه البخاري عن عبد الله بن يوسف ومسلم عن يحيى وأبو داود عن القعنبي والنسائي عن قتيبة الأربعة عن مالك به وتابعه ابن عيينة ويحيى بن سعيد عند البخاري ومنصور بن زاذان عند مسلم وأيوب السختياني والأوزاعي وعبيد الله والليث عند النسائي كلهم عن عبد الرحمن بن القاسم ( مالك عن حميد بن قيس) المكي ( عن عطاء بن أبي رباح) المكي التابعي فهو مرسل وصله البخاري ومسلم وأبو داود والترمذي والنسائي من طرق عن عطاء عن صفوان بن يعلى بن أمية عن أبيه ( أن أعرابيًا جاء إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم) قال الحافظ لم أقف على اسمه لكن في تفسير الطرطوشي أن اسمه عطاء بن أمية قال ابن فتحون إن ثبت ذلك فهو أخو يعلى راوي الخبر ويجوز أن يكون خطأ من اسم الراوي فإنه من رواية عطاء عن صفوان بن يعلى عن أبيه ومنهم من لم يذكر بين عطاء ويعلى أحدًا وقول شيخنا ابن الملقن يجوز أنه عمرو بن سواد لأن في الشفاء عنه أتيت النبي صلى الله عليه وسلم وأنا متخلق فقال ورس ورس حط حط وغشيني بقضيب في بطني فأوجعني الحديث لكن عمرو هذا لا يدرك ذا فإنه صاحب ابن وهب معترض فأما أولا فليست هذه القصة شبيهة بهذه القصة حتى يفسر صاحبها بها وأما ثانيًا ففي الاستدراك غفلة عظيمة لأن من يقول أتيت النبي لا يتخيل أنه صاحب صاحب مالك بل إن ثبت فهو آخر اتفقا في الاسم واسم الأب ولم يثبت لأنه انقلب على شيخنا وإنما الذي في الشفاء سواد بن عمرو وقيل سوادة بن عمرو أخرج حديثه المذكور عبد الرزاق في مصنفه والبغوي في معجمه ( وهو بحنين) أي منصرف من غزوتها والموضع الذي لقيه فيه هو الجعرانة قاله ابن عبد البر وفي الصحيحين وغيرهما أن يعلى قال لعمر أرني النبي صلى الله عليه وسلم حين يوحى إليه قال فبينما النبي صلى الله عليه وسلم بالجعرانة ومعه نفر من أصحابه جاءه رجل فقال يا رسول الله كيف ترى في رجل أحرم بعمرة وهو متضمخ بطيب فسكت صلى الله عليه وسلم فجاءه الوحي وأشار عمر إلى يعلى فجاء يعلى وعلى رسول الله ثوب قد أظل به فأدخل رأسه فإذا رسول الله محمر الوجه وهو يغط ثم سرى عنه ( وعلى الأعرابي قميص) وفي رواية وعليه جبة ( وبه أثر صفرة) من زعفران ( فقال يا رسول الله إني أهللت بعمرة فكيف تأمرني أن أصنع) في عمرتي ( فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم) بعد سكوته حتى نزل عليه الوحي ثم سرى عنه فقال أين الذي سأل عن العمرة فأتي به فقال ( انزع قميصك واغسل هذه الصفرة) ولمسلم اخلع هذه الجبة واغسل هذا الزعفران ( عنك) زاد الصحيحان ثلاث مرات قال عياض وغيره يحتمل أنه من لفظ النبي صلى الله عليه وسلم فيكون نصًا في تكرار الغسل ويحتمل أنه من كلام الصحابي وأنه صلى الله عليه وسلم أعاد لفظ اغسل مرة ثم مرة على عادته أنه كان إذا تكلم بكلمة أعادها ثلاثًا لتفهم عنه ( وافعل في عمرتك ما تفعل) وفي رواية واصنع في عمرتك ما تصنع ( في حجك) مطابقة لقوله أن اصنع وفيه أنه كان يعرف أعمال الحج قبل ذلك قال ابن العربي كأنهم كانوا في الجاهلية يخلقون الثياب ويجتنبون الطيب في الإحرام إذا حجوا ويتساهلون في العمرة فأخبره النبي صلى الله عليه وسلم أن مجراهما واحد وقال ابن المنير قوله واصنع معناه اترك لأن المراد ما يجتنبه المحرم فيؤخذ منه فائدة حسنة وهي أن الترك فعل قال وقول ابن بطال أراد الأدعية وغيرها مما يشترك فيه الحج والعمرة فيه نظر لأن التروك مشتركة بخلاف الأعمال فإن في الحج أشياء زائدة على العمرة كالوقوف وما بعده ويستثنى من الأعمال ما يختص به الحج وقال الباجي المأمور به غير نزع الثوب وغسل الخلوق لأنه صرح له بهما فلم تبق إلا الفدية قال الحافظ ولا وجه لهذا الحصر بل المأمور به الغسل والنزع ففي مسلم والنسائي فقال ما كنت صانعًا في حجك قال أنزع عني هذه الثياب وأغسل عني هذه الخلوق فقال ما كنت صانعًا في حجك فاصنعه في عمرتك وفيه منع استدامة الطيب بعد الإحرام للأمر بغسله من الثوب والبدن وهو قول مالك ومن وافقه وأجاب الجمهور بأن هذه القصة كانت بالجعرانة سنة ثمان باتفاق وحديث عائشة في حجة الوداع سنة عشر بلا خلاف وإنما يؤخذ بالآخر من الأمر وسبق أجوبة عن حديث عائشة وفيه أيضًا أن من أصابه طيب في إحرامه ناسيًا أو جاهلاً ثم علم فبادر إلى إزالته فلا كفارة عليه وقال مالك إن طال ذلك عليه لزمه وعن أبي حنيفة وأحمد في رواية تجب مطلقًا وإن المحرم إذا صار عليه مخيط نزعه ولا يمزقه ولا يشقه وهو قول الجمهور خلافًا لقول النخعي يشقه والشعبي يمزقه قالا ولا ينزعه من قبل رأسه لئلا يصير مغطيًا لرأسه أخرجه ابن أبي شيبة عنهما وعن علي والحسن وأبي قلابة نحوه ورد بما رواه أبو داود اخلع عنك الجبة فخلعها من قبل رأسه وقد نهى صلى الله عليه وسلم عن إضاعة المال وتمزيق الثوب إضاعة له فلا يجوز وفيه أن المفتي والحاكم إذا لم يعلم الحكم يمسك حتى يتبين وإن بعض الأحكام بينت بالوحي وإن لم تكن مما يتلى وأنه صلى الله عليه وسلم لم يكن يحكم بالاجتهاد إلا إذا لم يحضره الوحي ولا دلالة فيه على منع اجتهاده لاحتمال أنه لم يظهر له الحكم أو أن الوحي بدره قبل تمام الاجتهاد ولا يلزم معرفة الحكم بطريق منع ما سواه من طرق معرفته ( مالك عن نافع عن أسلم مولى عمر بن الخطاب أن عمر بن الخطاب وجد ريح طيب وهو بالشجرة) سمرة بذي الحليفة على ستة أميال من المدينة ( فقال ممن ريح هذا الطيب فقال معاوية بن أبي سفيان مني يا أمير المؤمنين) زاد عبد الرزاق عن معمر عن الزهري عن سالم عن أبيه فتغيظ عليه عمر ( فقال منك لعمر الله) لأنك تحب الرفاهية وكان عمر يسميه كسرى العرب ( فقال معاوية) معتذرًا ( إن أم حبيبة) رملة بنت أبي سفيان أم المؤمنين مشهورة بكنيتها ( طيبتني يا أمير المؤمنين فقال عمر عزمت عليك لترجعن فلتغسلنه) وفي رواية عبد الرزاق أقسمت عليك لترجعن إلى أم حبيبة فلتغسلنه عنك كما طيبتك وزاد في رواية أيوب عن نافع عن أسلم قال فرجع معاوية إليها حتى لحقهم ببعض الطريق فهذا عمر مع جلالته لم يأخذ بحديث عائشة على ظاهره فتعين تأويله بما مر ( مالك عن الصلت بن زييد) بضم الزاي وتحتيتين تصغير زيد الكندي وثقه العجلي وغيره وكفى برواية مالك عنه ( عن غير واحد من أهله) أي الصلت ( أن عمر بن الخطاب وجد ريح طيب وهو بالشجرة) بذي الحليفة ( وإلى جنبه كثير بن الصلت) بن معدي كرب الكندي المدني التابعي الكبير ولد في عهد النبي صلى الله عليه وسلم وكان له شرف وحال جميلة ووهم من عده في الصحابة ( فقال عمر ممن ريح هذا الطيب فقال كثير مني يا أمير المؤمنين لبدت رأسي) أي جعلت فيه شيئًا نحو الصمغ ليجتمع شعره لئلا يتشعث في الإحرام أو يقع فيه القمل ( وأردت أن لا أحلق فقال عمر فاذهب إلى شربة فأدلك رأسك حتى تنقيه) بضم التاء وسكون النون وبالقاف من الطيب ( ففعل كثير بن الصلت) ما أمره به ( قال مالك الشربة حفير تكون عند أصل النخلة) وفي التمهيد الشربة مستنقع الماء عند أصول الشجر حوض يكون مقدار ريها وقال ابن وهب هو الحوض حول النخلة يجمع فيها الماء وروى ابن أبي شيبة عن بشير بن يسار لما أحرموا وجد عمر ريح طيب فقال ممن هذه الريح فقال البراء بن عازب مني يا أمير المؤمنين قال قد علمنا أن امرأتك عطرة أو عطارة إنما الحاج الأدفر الأغبر فهذا عمر قد أنكر على صحابيين وتابعي كبير الطيب بمحضر الجمع الكثير من الناس صحابة وغيرهم وما أنكر عليه منهم أحد فهو من أقوى الأدلة على تأويل حديث عائشة وقد روى وكيع عن شعبة عن سعد بن إبراهيم عن أبيه أن عثمان رأى رجلاً قد تطيب عند الإحرام فأمره أن يغسل رأسه بطين ( مالك عن يحيى بن سعيد) الأنصاري ( وعبد الله بن أبي بكر) بن محمد بن عمرو بن حزم ( وربيعة بن أبي عبد الرحمن) فروخ المعروف بربيعة الرأي ( أن الوليد بن عبد الملك) بن مروان الأموي ( سأل سالم بن عبد الله) بن عمر ( وخارجة بن زيد بن ثابت) الأنصاري المدني أبا زيد أحد الفقهاء مات سنة مائة وأبوه الصحابي الشهير ( بعد أن رمى الجمرة وحلق رأسه وقبل أن يفيض) يطوف طواف الإفاضة ( عن الطيب فنهاه سالم) لكراهته قبل الإفاضة ( وأرخص له خارجة بن زيد بن ثابت) إما لأنه يرى جوازه بلا كراهة وإما لأن المكروه من الجائز ( قال مالك لا بأس أن يدهن الرجل بدهن ليس فيه طيب) كالزيت ( قبل أن يحرم وقبل أن يفيض من منى بعد رمي الجمرة) للعقبة ( قال يحيى سئل مالك عن طعام فيه زعفران هل يأكله المحرم فقال أما ما تمسه النار من ذلك) بحيث أماته الطبخ وإن بقي لونه لأنه لا يذهب بالطبخ ( فلا بأس به أن يأكله المحرم وأما ما لم تمسه النار من ذلك فلا يأكله المحرم) أي يحرم وعليه الفدية.



رقم الحديث 733 وَحَدَّثَنِي عَنْ مَالِكٍ، عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ، وَعَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي بَكْرٍ، وَرَبِيعَةَ بْنِ أَبِي عَبْدِ الرَّحْمَنِ، أَنَّ الْوَلِيدَ بْنَ عَبْدِ الْمَلِكِ سَأَلَ سَالِمَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ، وَخَارِجَةَ بْنَ زَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ بَعْدَ أَنْ رَمَى الْجَمْرَةَ، وَحَلَقَ رَأْسَهُ، وَقَبْلَ أَنْ يُفِيضَ عَنِ الطِّيبِ؟ فَنَهَاهُ سَالِمٌ، وَأَرْخَصَ لَهُ خَارِجَةُ بْنُ زَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ قَالَ مَالِكٌ: لَا بَأْسَ أَنْ يَدَّهِنَ الرَّجُلُ بِدُهْنٍ لَيْسَ فِيهِ طِيبٌ قَبْلَ أَنْ يُحْرِمَ.
وَقَبْلَ أَنْ يُفِيضَ مِنْ مِنًى بَعْدَ رَمْيِ الْجَمْرَةِ قَالَ يَحْيَى: سُئِلَ مَالِكٌ عَنْ طَعَامٍ فِيهِ زَعْفَرَانٌ هَلْ يَأْكُلُهُ الْمُحْرِمُ؟ فَقَالَ: أَمَّا مَا تَمَسُّهُ النَّارُ مِنْ ذَلِكَ فَلَا بَأْسَ بِهِ أَنْ يَأْكُلَهُ الْمُحْرِمُ،.
وَأَمَّا مَا لَمْ تَمَسَّهُ النَّارُ مِنْ ذَلِكَ فَلَا يَأْكُلُهُ الْمُحْرِمُ.


( ما جاء في الطيب في الحج)

( مالك عن عبد الرحمن بن القاسم) بن محمد بن الصديق ( عن أبيه عن) عمته ( عائشة زوج النبي صلى الله عليه وسلم أنها قالت كنت أطيب رسول الله صلى الله عليه وسلم لإحرامه قبل أن يحرم) وللتنيسي حين يحرم ومعناها كما هنا لأنه لا يمكن أن يراد بالإحرام هنا فعل الإحرام لمنع التطيب في الإحرام وإنما المراد إرادة الإحرام لرواية النسائي حين أراد أن يحرم والمراد تطييب بدنه لا ثيابه لحديث كنت أجد وبيص الطيب في رأسه ولحيته ولا يستحب تطيب الثياب عند إرادة الإحرام اتفاقًا وشذ القائل باستحبابه ( ولحله) بعد أن يرمي ( قبل أن يطوف بالبيت) طواف الإفاضة وفيه إن كان لا تقتضي التكرار لأنها لم تفعله إلا مرة واحدة في حجة الوداع كما في الصحيحين عن عروة عنها ورد بأن المدعى تكراره إنما هو التطيب لا الإحرام ولا مانع من تكرر الطيب قبل الإحرام مع كون الإحرام مرة واحدة ولا يخفى ما فيه ومر أن المختار عند الرازي وغيره أنها لا تقتضيه وعند ابن الحاجب تقتضيه وقال جماعة من المحققين تقتضيه ظهورًا وقد تدل قرينة على عدمه لكن يستفاد من كان المبالغة في إثبات ذلك والمعنى أنها كانت تكرر فعل التطييب لو تكرر منه فعل الإحرام لما علمته من حبه له على أن لفظة كنت لم تتفق الرواة عليها فرواها مالك وتابعه منصور وعند مسلم ويحيى بن سعيد عند النسائي كلاهما عن عبد الرحمن بلفظ كنت ورواه سفيان بن عيينة عن عبد الرحمن بلفظ طيبت أخرجه البخاري وكذا سائر الطرق ليس فيها كنت وفيه استحباب التطيب عند إرادة الإحرام وجواز استدامته بعده وإنه لا يضر بقاء لونه ورائحته وإنما يحرم ابتداؤه في الإحرام وبه قال الأئمة الثلاثة والجمهور وقال مالك والزهري وجماعة من الصحابة والتابعين يحرم التطيب عند الإحرام بطيب يبقى له رائحة بعده قال عياض وتأولوا هذا الحديث على أنه طيب لا يبقى له ريح أو أنه أذهبه غسل الإحرام ويعضد الثاني رواية مسلم طيبت رسول الله صلى الله عليه وسلم عند إحرامه ثم طاف على نسائه ثم أصبح محرمًا فقد ظهرت علة تطييبه أنها كانت لمباشرة نسائه وإن غسله بعده لجماعهن وغسله للإحرام أذهبه لا سيما وقد ذكر أنه كان يتطهر من كل واحدة قبل معاودته للأخرى وأي طيب يبقى بعد اغتسالات كثيرة ويكون قولها ثم أصبح ينضخ طيبًا بالخاء المعجمة أي قبل غسله وإحرامه وجاء في رواية شعبة في هذا الحديث ثم أصبح محرمًا ينضخ طيبًا أي يصبح بنية الإحرام فيه تقديم وتأخير أي طاف على نسائه ينضخ طيبًا ثم أصبح محرمًا وفي مسلم أي والبخاري أن الطيب الذي طيبته به زريرة وهي مما يذهبها الغسل ولا يبقى ريحها بعده وقولها كأني أنظر إلى وبيص الطيب في مفارق رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو محرم المراد أثره لا جرمه انتهى بمعناه ورد النووي بأنه تأويل مخالف للظاهر بلا دليل عجيب فإن عياضًا ذكر دليل التأويل كما ترى وقد قال ابن العربي ليس في شيء من طرق حديث عائشة أن عينه بقيت وتعقب بما لأبي داود وابن أبي شيبة عن عائشة كنا ننضخ وجوهنا بالمسك المطيب قبل أن نحرم فنعرق فيسيل على وجوهنا ونحن مع رسول الله صلى الله عليه وسلم فلا ينهانا فهذا صريح في بقاء عين الطيب ولا صراحة فيه لأنهن اغتسلن والغسل يذهب عينه ومنشأ هذا الخلاف اللام في لإحرامه ولحله هل هي للتأقيت وبه قال مالك ومن وافقه كقوله تعالى { { أقم الصلاة لدلوك الشمس } } أو للتعليل وبه قال الجمهور وأبطله في المفهم بأنها لو كانت له لكان الحل والإحرام علتين للتطيب وليس كذلك بل هو خلاف مقصود الشرع من المحرم قطعًا وذهب الباجي وجماعة إلى أن الطيب للإحرام من خصائصه صلى الله عليه وسلم للقاء الملائكة ولأن المحرم إنما منع من الطيب لأنه من دواعي النكاح فنهى الناس عنه وكان هو أملك الناس لإربه ففعله ورجحه بعضهم بكثرة ما ثبت له من الخصائص في النكاح وقد قال حبب إلي من دنياكم النساء والطيب أخرجه النسائي وتعقب بأن الخصائص لا تثبت بالقياس وهو مردود بأنا لم نثبتها بالقياس بل بمخالفة فعله لنهيه عن الطيب فهذا ظاهر في الخصوصية وإنما جعلنا القياس سندًا للاستدلال وأيد ابن عبد البر التخصيص بأنه لو كان للناس عامة ما جهله عمر وعثمان وابن عمر مع علمهم بالمناسك وغيرها وجلالتهم في الصحابة وموضع عطاء من علم المناسك موضعه وموضع الزهر من علم الأثر موضعه وفيه إباحة الطيب بعد رمي الجمرة والحلق وقبل طواف الإفاضة وقاله كافة العلماء إلا أن مالكًا كرهه قبل الإفاضة وأخرجه البخاري عن عبد الله بن يوسف ومسلم عن يحيى وأبو داود عن القعنبي والنسائي عن قتيبة الأربعة عن مالك به وتابعه ابن عيينة ويحيى بن سعيد عند البخاري ومنصور بن زاذان عند مسلم وأيوب السختياني والأوزاعي وعبيد الله والليث عند النسائي كلهم عن عبد الرحمن بن القاسم ( مالك عن حميد بن قيس) المكي ( عن عطاء بن أبي رباح) المكي التابعي فهو مرسل وصله البخاري ومسلم وأبو داود والترمذي والنسائي من طرق عن عطاء عن صفوان بن يعلى بن أمية عن أبيه ( أن أعرابيًا جاء إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم) قال الحافظ لم أقف على اسمه لكن في تفسير الطرطوشي أن اسمه عطاء بن أمية قال ابن فتحون إن ثبت ذلك فهو أخو يعلى راوي الخبر ويجوز أن يكون خطأ من اسم الراوي فإنه من رواية عطاء عن صفوان بن يعلى عن أبيه ومنهم من لم يذكر بين عطاء ويعلى أحدًا وقول شيخنا ابن الملقن يجوز أنه عمرو بن سواد لأن في الشفاء عنه أتيت النبي صلى الله عليه وسلم وأنا متخلق فقال ورس ورس حط حط وغشيني بقضيب في بطني فأوجعني الحديث لكن عمرو هذا لا يدرك ذا فإنه صاحب ابن وهب معترض فأما أولا فليست هذه القصة شبيهة بهذه القصة حتى يفسر صاحبها بها وأما ثانيًا ففي الاستدراك غفلة عظيمة لأن من يقول أتيت النبي لا يتخيل أنه صاحب صاحب مالك بل إن ثبت فهو آخر اتفقا في الاسم واسم الأب ولم يثبت لأنه انقلب على شيخنا وإنما الذي في الشفاء سواد بن عمرو وقيل سوادة بن عمرو أخرج حديثه المذكور عبد الرزاق في مصنفه والبغوي في معجمه ( وهو بحنين) أي منصرف من غزوتها والموضع الذي لقيه فيه هو الجعرانة قاله ابن عبد البر وفي الصحيحين وغيرهما أن يعلى قال لعمر أرني النبي صلى الله عليه وسلم حين يوحى إليه قال فبينما النبي صلى الله عليه وسلم بالجعرانة ومعه نفر من أصحابه جاءه رجل فقال يا رسول الله كيف ترى في رجل أحرم بعمرة وهو متضمخ بطيب فسكت صلى الله عليه وسلم فجاءه الوحي وأشار عمر إلى يعلى فجاء يعلى وعلى رسول الله ثوب قد أظل به فأدخل رأسه فإذا رسول الله محمر الوجه وهو يغط ثم سرى عنه ( وعلى الأعرابي قميص) وفي رواية وعليه جبة ( وبه أثر صفرة) من زعفران ( فقال يا رسول الله إني أهللت بعمرة فكيف تأمرني أن أصنع) في عمرتي ( فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم) بعد سكوته حتى نزل عليه الوحي ثم سرى عنه فقال أين الذي سأل عن العمرة فأتي به فقال ( انزع قميصك واغسل هذه الصفرة) ولمسلم اخلع هذه الجبة واغسل هذا الزعفران ( عنك) زاد الصحيحان ثلاث مرات قال عياض وغيره يحتمل أنه من لفظ النبي صلى الله عليه وسلم فيكون نصًا في تكرار الغسل ويحتمل أنه من كلام الصحابي وأنه صلى الله عليه وسلم أعاد لفظ اغسل مرة ثم مرة على عادته أنه كان إذا تكلم بكلمة أعادها ثلاثًا لتفهم عنه ( وافعل في عمرتك ما تفعل) وفي رواية واصنع في عمرتك ما تصنع ( في حجك) مطابقة لقوله أن اصنع وفيه أنه كان يعرف أعمال الحج قبل ذلك قال ابن العربي كأنهم كانوا في الجاهلية يخلقون الثياب ويجتنبون الطيب في الإحرام إذا حجوا ويتساهلون في العمرة فأخبره النبي صلى الله عليه وسلم أن مجراهما واحد وقال ابن المنير قوله واصنع معناه اترك لأن المراد ما يجتنبه المحرم فيؤخذ منه فائدة حسنة وهي أن الترك فعل قال وقول ابن بطال أراد الأدعية وغيرها مما يشترك فيه الحج والعمرة فيه نظر لأن التروك مشتركة بخلاف الأعمال فإن في الحج أشياء زائدة على العمرة كالوقوف وما بعده ويستثنى من الأعمال ما يختص به الحج وقال الباجي المأمور به غير نزع الثوب وغسل الخلوق لأنه صرح له بهما فلم تبق إلا الفدية قال الحافظ ولا وجه لهذا الحصر بل المأمور به الغسل والنزع ففي مسلم والنسائي فقال ما كنت صانعًا في حجك قال أنزع عني هذه الثياب وأغسل عني هذه الخلوق فقال ما كنت صانعًا في حجك فاصنعه في عمرتك وفيه منع استدامة الطيب بعد الإحرام للأمر بغسله من الثوب والبدن وهو قول مالك ومن وافقه وأجاب الجمهور بأن هذه القصة كانت بالجعرانة سنة ثمان باتفاق وحديث عائشة في حجة الوداع سنة عشر بلا خلاف وإنما يؤخذ بالآخر من الأمر وسبق أجوبة عن حديث عائشة وفيه أيضًا أن من أصابه طيب في إحرامه ناسيًا أو جاهلاً ثم علم فبادر إلى إزالته فلا كفارة عليه وقال مالك إن طال ذلك عليه لزمه وعن أبي حنيفة وأحمد في رواية تجب مطلقًا وإن المحرم إذا صار عليه مخيط نزعه ولا يمزقه ولا يشقه وهو قول الجمهور خلافًا لقول النخعي يشقه والشعبي يمزقه قالا ولا ينزعه من قبل رأسه لئلا يصير مغطيًا لرأسه أخرجه ابن أبي شيبة عنهما وعن علي والحسن وأبي قلابة نحوه ورد بما رواه أبو داود اخلع عنك الجبة فخلعها من قبل رأسه وقد نهى صلى الله عليه وسلم عن إضاعة المال وتمزيق الثوب إضاعة له فلا يجوز وفيه أن المفتي والحاكم إذا لم يعلم الحكم يمسك حتى يتبين وإن بعض الأحكام بينت بالوحي وإن لم تكن مما يتلى وأنه صلى الله عليه وسلم لم يكن يحكم بالاجتهاد إلا إذا لم يحضره الوحي ولا دلالة فيه على منع اجتهاده لاحتمال أنه لم يظهر له الحكم أو أن الوحي بدره قبل تمام الاجتهاد ولا يلزم معرفة الحكم بطريق منع ما سواه من طرق معرفته ( مالك عن نافع عن أسلم مولى عمر بن الخطاب أن عمر بن الخطاب وجد ريح طيب وهو بالشجرة) سمرة بذي الحليفة على ستة أميال من المدينة ( فقال ممن ريح هذا الطيب فقال معاوية بن أبي سفيان مني يا أمير المؤمنين) زاد عبد الرزاق عن معمر عن الزهري عن سالم عن أبيه فتغيظ عليه عمر ( فقال منك لعمر الله) لأنك تحب الرفاهية وكان عمر يسميه كسرى العرب ( فقال معاوية) معتذرًا ( إن أم حبيبة) رملة بنت أبي سفيان أم المؤمنين مشهورة بكنيتها ( طيبتني يا أمير المؤمنين فقال عمر عزمت عليك لترجعن فلتغسلنه) وفي رواية عبد الرزاق أقسمت عليك لترجعن إلى أم حبيبة فلتغسلنه عنك كما طيبتك وزاد في رواية أيوب عن نافع عن أسلم قال فرجع معاوية إليها حتى لحقهم ببعض الطريق فهذا عمر مع جلالته لم يأخذ بحديث عائشة على ظاهره فتعين تأويله بما مر ( مالك عن الصلت بن زييد) بضم الزاي وتحتيتين تصغير زيد الكندي وثقه العجلي وغيره وكفى برواية مالك عنه ( عن غير واحد من أهله) أي الصلت ( أن عمر بن الخطاب وجد ريح طيب وهو بالشجرة) بذي الحليفة ( وإلى جنبه كثير بن الصلت) بن معدي كرب الكندي المدني التابعي الكبير ولد في عهد النبي صلى الله عليه وسلم وكان له شرف وحال جميلة ووهم من عده في الصحابة ( فقال عمر ممن ريح هذا الطيب فقال كثير مني يا أمير المؤمنين لبدت رأسي) أي جعلت فيه شيئًا نحو الصمغ ليجتمع شعره لئلا يتشعث في الإحرام أو يقع فيه القمل ( وأردت أن لا أحلق فقال عمر فاذهب إلى شربة فأدلك رأسك حتى تنقيه) بضم التاء وسكون النون وبالقاف من الطيب ( ففعل كثير بن الصلت) ما أمره به ( قال مالك الشربة حفير تكون عند أصل النخلة) وفي التمهيد الشربة مستنقع الماء عند أصول الشجر حوض يكون مقدار ريها وقال ابن وهب هو الحوض حول النخلة يجمع فيها الماء وروى ابن أبي شيبة عن بشير بن يسار لما أحرموا وجد عمر ريح طيب فقال ممن هذه الريح فقال البراء بن عازب مني يا أمير المؤمنين قال قد علمنا أن امرأتك عطرة أو عطارة إنما الحاج الأدفر الأغبر فهذا عمر قد أنكر على صحابيين وتابعي كبير الطيب بمحضر الجمع الكثير من الناس صحابة وغيرهم وما أنكر عليه منهم أحد فهو من أقوى الأدلة على تأويل حديث عائشة وقد روى وكيع عن شعبة عن سعد بن إبراهيم عن أبيه أن عثمان رأى رجلاً قد تطيب عند الإحرام فأمره أن يغسل رأسه بطين ( مالك عن يحيى بن سعيد) الأنصاري ( وعبد الله بن أبي بكر) بن محمد بن عمرو بن حزم ( وربيعة بن أبي عبد الرحمن) فروخ المعروف بربيعة الرأي ( أن الوليد بن عبد الملك) بن مروان الأموي ( سأل سالم بن عبد الله) بن عمر ( وخارجة بن زيد بن ثابت) الأنصاري المدني أبا زيد أحد الفقهاء مات سنة مائة وأبوه الصحابي الشهير ( بعد أن رمى الجمرة وحلق رأسه وقبل أن يفيض) يطوف طواف الإفاضة ( عن الطيب فنهاه سالم) لكراهته قبل الإفاضة ( وأرخص له خارجة بن زيد بن ثابت) إما لأنه يرى جوازه بلا كراهة وإما لأن المكروه من الجائز ( قال مالك لا بأس أن يدهن الرجل بدهن ليس فيه طيب) كالزيت ( قبل أن يحرم وقبل أن يفيض من منى بعد رمي الجمرة) للعقبة ( قال يحيى سئل مالك عن طعام فيه زعفران هل يأكله المحرم فقال أما ما تمسه النار من ذلك) بحيث أماته الطبخ وإن بقي لونه لأنه لا يذهب بالطبخ ( فلا بأس به أن يأكله المحرم وأما ما لم تمسه النار من ذلك فلا يأكله المحرم) أي يحرم وعليه الفدية.