فهرس الكتاب

شرح الزرقاني - بَابُ الْقَضَاءِ فِي الضَّوَارِي وَالْحَرِيسَةِ

رقم الحديث 1445 قَالَ يَحْيَى: قَالَ مَالِكٌ: فِي رَجُلٍ دَفَعَ إِلَى رَجُلٍ مَالًا قِرَاضًا.
وَاسْتَسْلَفَ مِنْ صَاحِبِ الْمَالِ سَلَفًا.
أَوِ اسْتَسْلَفَ مِنْهُ صَاحِبُ الْمَالِ سَلَفًا.
أَوْ أَبْضَعَ مَعَهُ صَاحِبُ الْمَالِ بِضَاعَةً يَبِيعُهَا لَهُ، أَوْ بِدَنَانِيرَ يَشْتَرِي لَهُ بِهَا سِلْعَةً، قَالَ مَالِكٌ: إِنْ كَانَ صَاحِبُ الْمَالِ إِنَّمَا أَبْضَعَ مَعَهُ، وَهُوَ يَعْلَمُ أَنَّهُ لَوْ لَمْ يَكُنْ مَالُهُ عِنْدَهُ، ثُمَّ سَأَلَهُ مِثْلَ ذَلِكَ فَعَلَهُ، لِإِخَاءٍ بَيْنَهُمَا.
أَوْ لِيَسَارَةِ مَئُونَةِ ذَلِكَ عَلَيْهِ.
وَلَوْ أَبَى ذَلِكَ عَلَيْهِ لَمْ يَنْزِعْ مَالَهُ مِنْهُ.
أَوْ كَانَ الْعَامِلُ إِنَّمَا اسْتَسْلَفَ مِنْ صَاحِبِ الْمَالِ.
أَوْ حَمَلَ لَهُ بِضَاعَتَهُ.
وَهُوَ يَعْلَمُ أَنَّهُ لَوْ لَمْ يَكُنْ عِنْدَهُ مَالُهُ فَعَلَ لَهُ مِثْلَ ذَلِكَ، وَلَوْ أَبَى ذَلِكَ عَلَيْهِ لَمْ يَرْدُدْ عَلَيْهِ مَالَهُ.
فَإِذَا صَحَّ ذَلِكَ مِنْهُمَا جَمِيعًا، وَكَانَ ذَلِكَ مِنْهُمَا عَلَى وَجْهِ الْمَعْرُوفِ، وَلَمْ يَكُنْ شَرْطًا فِي أَصْلِ الْقِرَاضِ، فَذَلِكَ جَائِزٌ لَا بَأْسَ بِهِ.
وَإِنْ دَخَلَ ذَلِكَ شَرْطٌ.
أوْ خِيفَ أَنْ يَكُونَ إِنَّمَا صَنَعَ ذَلِكَ الْعَامِلُ لِصَاحِبِ الْمَالِ، لِيُقِرَّ مَالَهُ فِي يَدَيْهِ.
أَوْ إِنَّمَا صَنَعَ ذَلِكَ صَاحِبُ الْمَالِ، لِأَنْ يُمْسِكَ الْعَامِلُ مَالَهُ، وَلَا يَرُدَّهُ عَلَيْهِ.
فَإِنَّ ذَلِكَ لَا يَجُوزُ فِي الْقِرَاضِ.
وَهُوَ مِمَّا يَنْهَى عَنْهُ أَهْلُ الْعِلْمِ.



( البضاعة في القراض)

( قال مالك في رجل دفع إلى رجل مالاً قراضًا واستسلف من صاحب المال سلفًا أو استسلف منه) أي العامل ( صاحب المال سلفًا أو أبضع معه صاحب المال بضاعة يبيعها له أو بدنانير يشتري له بها سلعة قال مالك: إن كان صاحب المال إنما أبضع معه وهو يعلم أنه لو لم يكن ماله عنده ثم سأله مثل ذلك فعله لإخاء) بالمد صداقة ومودة بينهما ( أو ليسارة) سهولة ( مئونة ذلك عليه ولو أبى ذلك عليه لم ينزع ماله) المجعول قراضًا ( منه أو كان العامل إنما استسلف من صاحب المال أو حمل له بضاعته وهو يعلم أنه لو لم يكن عنده ماله فعل له مثل ذلك ولو أبى ذلك عليه لم يردد عليه ماله فإذا صح ذلك منهما جميعًا وكان ذلك منهما على وجه المعروف ولم يكن ذلك شرطًا في أصل) عقد ( القراض فذلك جائز لا بأس به) كأنه أراد لا كراهة فيه وتأكيد الجواز ( وإن دخل ذلك شرط أو خيف أن يكون إنما صنع ذلك العامل لصاحب المال ليقر) بضم أوله، يبقى ( ماله في يديه أو إنما صنع ذلك رب المال لأن يمسك العامل ماله ولا يرده عليه فإن ذلك لا يجوز في القراض وهو مما ينهى عنه أهل العلم) لأن شرط ذلك زيادة على المعلوم فيعود مجهولاً لأن العمل في البضاعة له أجرة يستحقها العامل فيها.



رقم الحديث 1445 حَدَّثَنِي يَحْيَى، عَنْ مَالِكٍ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، عَنْ حَرَامِ بْنِ سَعْدِ بْنِ مُحَيِّصَةَ، أَنَّ نَاقَةً لِلْبَرَاءِ بْنِ عَازِبٍ دَخَلَتْ حَائِطَ رَجُلٍ فَأَفْسَدَتْ فِيهِ.
فَقَضَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: أَنَّ عَلَى أَهْلِ الْحَوَائِطِ حِفْظَهَا بِالنَّهَارِ، وَأَنَّ مَا أَفْسَدَتِ الْمَوَاشِي بِاللَّيْلِ ضَامِنٌ عَلَى أَهْلِهَا.


( مالك عن ابن شهاب) محمد بن مسلم ( عن حرام) بفتح المهملتين ( ابن سعد) بسكون العين ويقال ابن ساعدة ( ابن محيصة) بضم الميم وفتح المهملة وشد التحتانية وقد تسكن ابن مسعود بن كعب الخزرجي التابعي الثقة جده صحابي معروف وأبوه قيل له صحبة أو رؤية وروايته مرسلة قال ابن عبد البر هكذا رواه مالك وأصحاب ابن شهاب عنه مرسلا ورواه عبد الرزاق عن معمر عن الزهري عن حرام عن أبيه ولم يتابع عبد الرزاق على ذلك وأنكر عليه قوله عن أبيه وقال أبو داود قال محمد بن يحيى الذهلي لم يتابع معمر على ذلك فجعل الخطأ من معمر والحديث من مراسيل الثقات وتلقاه أهل الحجاز وطائفة من العراق بالقبول وجرى عمل أهل المدينة عليه ( أن ناقة للبراء بن عازب) بن الحارث بن عدي الأنصاري الأوسي صحابي ابن صحابي نزل الكوفة واستصغر يوم بدر ومات سنة اثنين وسبعين ( دخلت حائط رجل فأفسدت فيه فقضى) حكم ( رسول الله صلى الله عليه وسلم أن على أهل الحوائط) البساتين ( حفظها بالنهار) فلا ضمان على أهلها فيما أفسدت المواشي بالنهار إن سرحت بعد المزارع ولا راعي معها فإن كان معها وهو قادر على دفعها ضمن ( وأن ما أفسدت المواشي بالليل ضامن) قال الباجي أي مضمون ( على أهلها) زاد الرافعي كقولهم سر كاتم أي مكتوم وعيشة راضية أي مرضية اهـ فيضمنون قيمة ما أفسدته ليلا وإن كان أكثر من قيمة الماشية وبه قال مالك والشافعي وقال أبو حنيفة لا ضمان فيهما لحديث جرح العجماء جبار وقال الليث وعطاء يضمن فيهما قال أبو عمر الحديث موافق لقوله تعالى { { وداود وسليمان إذ يحكمان في الحرث إذ نفشت فيه غنم القوم } } وأمر الله نبيه بالاقتداء بهما فيمن أمره بالاقتداء بهم في قوله { { فبهداهم اقتده } } ولا خلاف بين علماء التأويل واللغة أن النفش لا يكون إلا ليلًا والهمل بالنهار وقال معمر وابن جريج بلغنا أن حرثهم كان عنبا قال الباجي وليس هذا ببين لأنه لم يصرح في الآية بالحكم ولو صرح أنه ضمن أهل الماشية التي نفشت لم يكن فيه نفي الحكم عن الراعية نهارا إلا من دليل الخطاب أي المفهوم فكيف والآية لم تتضمن تفسيرا ولا بيانا وإنما ذلك قول المفسرين ولا حجة فيه ( مالك عن هشام بن عروة عن أبيه عن يحيى بن عبد الرحمن بن حاطب) بن أبي بلتعة المدني التابعي الثقة مات سنة أربع ومائة وأبوه له رؤية وعدوه في كبار ثقات التابعين وجده بدري شهير ( أن رقيقا لحاطب سرقوا ناقة لرجل من مزينة) بضم الميم وفتح الزاي قبيلة من العرب ينسبون إلى جدتهم العليا مزينة بنت كلب بن وبرة ( فانتحروها) أي نحروها ( فرفع ذلك إلى عمر بن الخطاب) زاد في رواية ابن وهب فاعترف العبيد أي بالسرقة ( فأمر عمر كثير) بفتح الكاف وكسر المثلثة ( ابن الصلت) بن معد يكرب الكندي المدني التابعي الكبير الثقة ووهم من جعله صحابيا ( أن يقطع أيديهم) زاد ابن وهب في موطئه ثم أرسل وراءه بعد أن ذهب بهم ( ثم قال عمر أراك) أظنك ( تجيعهم) ولابن وهب وقال والله لولا أظن أنكم تستعملونهم وتجيعونهم حتى لو أن أحدهم وجد ما حرم الله عليه فأكله حل له لقطعت أيديهم ( ثم قال عمر) لحاطب ( والله لأغرمنك غرما يشق عليك) قال الباجي لعله أداه اجتهاده إليه على وجه الأدب لإجاعته رقيقه وإحواجه لهم إلى السرقة ولعله قد كرر نهيه إياه عن ذلك وحد له في قوتهم حدا لم يمتثله ولعله ثبت ذلك ببينة أو بدعوى المزني معرفة حاطب ذلك وطلب يمينه فنكل وحلف المزني فغرم حاطبا وترك قطع العبيد للجوع وقول أصبغ جمع بين القطع والغرم غلطه الداودي وقال إنما أمر به ثم عذرهم بالجوع وهذا معلوم من عمر أنه لم يقطع سارقا عام الرمادة ( ثم قال) عمر ( للمزني كم ثمن ناقتك فقال المزني قد كنت والله أمنعها من أربعمائة درهم فقال عمر) لحاطب ( أعطه ثمان مائة درهم) اجتهادا منه خولف فيه ولذا قال ( مالك ليس العمل على هذا في تضعيف القيمة ولكن مضى أمر الناس عندنا على أنه إنما يغرم الرجل قيمة البعير أو الدابة يوم يأخذها) فلا يعمل بفعل عمر هذا فإنهم لو أجمعوا على ترك العمل بحديث عنه صلى الله عليه وسلم لترك وعلم أنهم لم يتركوه إلا لأمر يجب المصير إليه قال ابن عبد البر أجمع العلماء أنه لا يغرم من استهلك شيئا إلا مثله أو قيمته وأنه لا يعطى أحد بدعواه لحديث لو أعطي قوم بدعواهم لادعى قوم دماء قوم وأموالهم ولكن البينة على المدعي وهنا صدق المزني فيما ادعاه من ثمن ناقته وأجمعوا على أن إقرار العبد على سيده في ماله لا يلزمه وهنا أغرمه ما اعترف به عبيده وهو خبر تدفعه الأصول من كل وجه اهـ ومر عن الباجي جواب بعض هذا ترجيا وقال ابن مزين سألت أصبغ عن قول مالك ليس العمل على تضعيف القيمة أكان مالك يرى الغرم على السيد بلا تضعيف فقال لا شيء على السيد في ماله ولا في رقاب العبيد الذين وجب عليهم القطع وإنما غرمها في مال العبيد إن كان لهم مال وإلا فلا شيء وإنما يكون في رقابهم سرقة لا قطع فيها فيخير سيدهم بين إسلامهم وافتكاكهم.



رقم الحديث 1446 قَالَ يَحْيَى: قَالَ مَالِكٌ: فِي رَجُلٍ أَسْلَفَ رَجُلًا مَالًا، ثُمَّ سَأَلَهُ الَّذِي تَسَلَّفَ الْمَالَ أَنْ يُقِرَّهُ عِنْدَهُ قِرَاضًا قَالَ مَالِكٌ: لَا أُحِبُّ ذَلِكَ حَتَّى يَقْبِضَ مَالَهُ مِنْهُ، ثُمَّ يَدْفَعَهُ إِلَيْهِ قِرَاضًا إِنْ شَاءَ أَوْ يُمْسِكَهُ قَالَ مَالِكٌ: فِي رَجُلٍ دَفَعَ إِلَى رَجُلٍ مَالًا قِرَاضًا.
فَأَخْبَرَهُ أَنَّهُ قَدِ اجْتَمَعَ عِنْدَهُ.
وَسَأَلَهُ أَنْ يَكْتُبَهُ عَلَيْهِ سَلَفًا.
قَالَ: لَا أُحِبُّ ذَلِكَ.
حَتَّى يَقْبِضَ مِنْهُ مَالَهُ، ثُمَّ يُسَلِّفَهُ إِيَّاهُ إِنْ شَاءَ، أَوْ يُمْسِكَهُ.
وَإِنَّمَا ذَلِكَ مَخَافَةَ أَنْ يَكُونَ قَدْ نَقَصَ فِيهِ، فَهُوَ يُحِبُّ أَنْ يُؤَخِّرَهُ عَنْهُ.
عَلَى أَنْ يَزِيدَهُ فِيهِ مَا نَقَصَ مِنْهُ، فَذَلِكَ مَكْرُوهٌ وَلَا يَجُوزُ وَلَا يَصْلُحُ.



( السلف في القراض)

( قال مالك في رجل أسلف رجلاً مالاً ثم سأله الذي تسلف المال أن يقره عنده قراضًا قال مالك: لا أحب ذلك حتى يقبض ماله منه ثم يدفعه إليه قراضًا) إن شاء ( أو يمسكه) وقدم ذلك معللاً في ترجمة ما لا يجوز في القراض ( قال مالك في رجل دفع إلى رجل مالاً قراضًا فأخبره أنه قد اجتمع عنده وسأله أن يكتبه عليه سلفًا فقال: لا أحب ذلك حتى يقبض منه ماله ثم يسلفه إياه إن شاء أو يمسكه وإنما ذلك) أي عدم محبته ( مخافة أن يكون قد نقص فيه فهو يحب أن يؤخره عنه إلى أن يزيده فيه ما نقص منه فذلك مكروه ولا يجوز ولا يصلح) قال الباجي: علله بأنه سلف جر نفعًا ويدخله أيضًا فسخ الدين في الدين لأن للقراض بعض التعلق بذمته إذ لو ادعى الخسارة ولم يبين وجهها.
فقال بعض أصحابنا: يضمن ولو ادّعى التبرئة لم يضمن فإذا أسلفه إياه تعلق بذمته على غير الوجه الذي كان متعلقًا به فهو من فسخ الدين في الدين.



رقم الحديث 1446 وَحَدَّثَنِي مَالِكٍ، عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ يَحْيَى بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ حَاطِبٍ، أَنَّ رَقِيقًا لِحَاطِبٍ سَرَقُوا نَاقَةً لِرَجُلٍ مِنْ مُزَيْنَةَ فَانْتَحَرُوهَا، فَرُفِعَ ذَلِكَ إِلَى عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ، فَأَمَرَ عُمَرُ كَثِيرَ بْنَ الصَّلْتِ أَنْ يَقْطَعَ أَيْدِيَهُمْ، ثُمَّ قَالَ عُمَرُ: أَرَاكَ تُجِيعُهُمْ، ثُمَّ قَالَ عُمَرُ: وَاللَّهِ لَأُغَرِّمَنَّكَ غُرْمًا يَشُقُّ عَلَيْكَ، ثُمَّ قَالَ لِلْمُزَنِيِّ: كَمْ ثَمَنُ نَاقَتِكَ؟ فَقَالَ الْمُزَنِيُّ: قَدْ كُنْتُ وَاللَّهِ أَمْنَعُهَا مِنْ أَرْبَعِمِائَةِ دِرْهَمٍ، فَقَالَ عُمَرُ: أَعْطِهِ ثَمَانَمِائَةِ دِرْهَمٍ قَالَ يَحْيَى: سَمِعْتُ مَالِكًا يَقُولُ: وَلَيْسَ عَلَى هَذَا الْعَمَلُ عِنْدَنَا، فِي تَضْعِيفِ الْقِيمَةِ، وَلَكِنْ مَضَى أَمْرُ النَّاسِ عِنْدَنَا عَلَى أَنَّهُ، إِنَّمَا يَغْرَمُ الرَّجُلُ قِيمَةَ الْبَعِيرِ أَوِ الدَّابَّةِ يَوْمَ يَأْخُذُهَا.


( مالك عن ابن شهاب) محمد بن مسلم ( عن حرام) بفتح المهملتين ( ابن سعد) بسكون العين ويقال ابن ساعدة ( ابن محيصة) بضم الميم وفتح المهملة وشد التحتانية وقد تسكن ابن مسعود بن كعب الخزرجي التابعي الثقة جده صحابي معروف وأبوه قيل له صحبة أو رؤية وروايته مرسلة قال ابن عبد البر هكذا رواه مالك وأصحاب ابن شهاب عنه مرسلا ورواه عبد الرزاق عن معمر عن الزهري عن حرام عن أبيه ولم يتابع عبد الرزاق على ذلك وأنكر عليه قوله عن أبيه وقال أبو داود قال محمد بن يحيى الذهلي لم يتابع معمر على ذلك فجعل الخطأ من معمر والحديث من مراسيل الثقات وتلقاه أهل الحجاز وطائفة من العراق بالقبول وجرى عمل أهل المدينة عليه ( أن ناقة للبراء بن عازب) بن الحارث بن عدي الأنصاري الأوسي صحابي ابن صحابي نزل الكوفة واستصغر يوم بدر ومات سنة اثنين وسبعين ( دخلت حائط رجل فأفسدت فيه فقضى) حكم ( رسول الله صلى الله عليه وسلم أن على أهل الحوائط) البساتين ( حفظها بالنهار) فلا ضمان على أهلها فيما أفسدت المواشي بالنهار إن سرحت بعد المزارع ولا راعي معها فإن كان معها وهو قادر على دفعها ضمن ( وأن ما أفسدت المواشي بالليل ضامن) قال الباجي أي مضمون ( على أهلها) زاد الرافعي كقولهم سر كاتم أي مكتوم وعيشة راضية أي مرضية اهـ فيضمنون قيمة ما أفسدته ليلا وإن كان أكثر من قيمة الماشية وبه قال مالك والشافعي وقال أبو حنيفة لا ضمان فيهما لحديث جرح العجماء جبار وقال الليث وعطاء يضمن فيهما قال أبو عمر الحديث موافق لقوله تعالى { { وداود وسليمان إذ يحكمان في الحرث إذ نفشت فيه غنم القوم } } وأمر الله نبيه بالاقتداء بهما فيمن أمره بالاقتداء بهم في قوله { { فبهداهم اقتده } } ولا خلاف بين علماء التأويل واللغة أن النفش لا يكون إلا ليلًا والهمل بالنهار وقال معمر وابن جريج بلغنا أن حرثهم كان عنبا قال الباجي وليس هذا ببين لأنه لم يصرح في الآية بالحكم ولو صرح أنه ضمن أهل الماشية التي نفشت لم يكن فيه نفي الحكم عن الراعية نهارا إلا من دليل الخطاب أي المفهوم فكيف والآية لم تتضمن تفسيرا ولا بيانا وإنما ذلك قول المفسرين ولا حجة فيه ( مالك عن هشام بن عروة عن أبيه عن يحيى بن عبد الرحمن بن حاطب) بن أبي بلتعة المدني التابعي الثقة مات سنة أربع ومائة وأبوه له رؤية وعدوه في كبار ثقات التابعين وجده بدري شهير ( أن رقيقا لحاطب سرقوا ناقة لرجل من مزينة) بضم الميم وفتح الزاي قبيلة من العرب ينسبون إلى جدتهم العليا مزينة بنت كلب بن وبرة ( فانتحروها) أي نحروها ( فرفع ذلك إلى عمر بن الخطاب) زاد في رواية ابن وهب فاعترف العبيد أي بالسرقة ( فأمر عمر كثير) بفتح الكاف وكسر المثلثة ( ابن الصلت) بن معد يكرب الكندي المدني التابعي الكبير الثقة ووهم من جعله صحابيا ( أن يقطع أيديهم) زاد ابن وهب في موطئه ثم أرسل وراءه بعد أن ذهب بهم ( ثم قال عمر أراك) أظنك ( تجيعهم) ولابن وهب وقال والله لولا أظن أنكم تستعملونهم وتجيعونهم حتى لو أن أحدهم وجد ما حرم الله عليه فأكله حل له لقطعت أيديهم ( ثم قال عمر) لحاطب ( والله لأغرمنك غرما يشق عليك) قال الباجي لعله أداه اجتهاده إليه على وجه الأدب لإجاعته رقيقه وإحواجه لهم إلى السرقة ولعله قد كرر نهيه إياه عن ذلك وحد له في قوتهم حدا لم يمتثله ولعله ثبت ذلك ببينة أو بدعوى المزني معرفة حاطب ذلك وطلب يمينه فنكل وحلف المزني فغرم حاطبا وترك قطع العبيد للجوع وقول أصبغ جمع بين القطع والغرم غلطه الداودي وقال إنما أمر به ثم عذرهم بالجوع وهذا معلوم من عمر أنه لم يقطع سارقا عام الرمادة ( ثم قال) عمر ( للمزني كم ثمن ناقتك فقال المزني قد كنت والله أمنعها من أربعمائة درهم فقال عمر) لحاطب ( أعطه ثمان مائة درهم) اجتهادا منه خولف فيه ولذا قال ( مالك ليس العمل على هذا في تضعيف القيمة ولكن مضى أمر الناس عندنا على أنه إنما يغرم الرجل قيمة البعير أو الدابة يوم يأخذها) فلا يعمل بفعل عمر هذا فإنهم لو أجمعوا على ترك العمل بحديث عنه صلى الله عليه وسلم لترك وعلم أنهم لم يتركوه إلا لأمر يجب المصير إليه قال ابن عبد البر أجمع العلماء أنه لا يغرم من استهلك شيئا إلا مثله أو قيمته وأنه لا يعطى أحد بدعواه لحديث لو أعطي قوم بدعواهم لادعى قوم دماء قوم وأموالهم ولكن البينة على المدعي وهنا صدق المزني فيما ادعاه من ثمن ناقته وأجمعوا على أن إقرار العبد على سيده في ماله لا يلزمه وهنا أغرمه ما اعترف به عبيده وهو خبر تدفعه الأصول من كل وجه اهـ ومر عن الباجي جواب بعض هذا ترجيا وقال ابن مزين سألت أصبغ عن قول مالك ليس العمل على تضعيف القيمة أكان مالك يرى الغرم على السيد بلا تضعيف فقال لا شيء على السيد في ماله ولا في رقاب العبيد الذين وجب عليهم القطع وإنما غرمها في مال العبيد إن كان لهم مال وإلا فلا شيء وإنما يكون في رقابهم سرقة لا قطع فيها فيخير سيدهم بين إسلامهم وافتكاكهم.