فهرس الكتاب

شرح الزرقاني - بَابُ الْعَمَلِ فِي السَّهْوِ

رقم الحديث 223 حَدَّثَنِي يَحْيَى، عَنْ مَالِكٍ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ عَنْ أَبِي سَلَمَةَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: إِنَّ أَحَدَكُمْ إِذَا قَامَ يُصَلِّي، جَاءَهُ الشَّيْطَانُ، فَلَبَسَ عَلَيْهِ.
حَتَّى لَا يَدْرِيَ كَمْ صَلَّى؟ فَإِذَا وَجَدَ ذَلِكَ أَحَدُكُمْ، فَلْيَسْجُدْ سَجْدَتَيْنِ وَهُوَ جَالِسٌ.


الْعَمَلِ فِي السَّهْوِ

( مَالِكٍ عَنِ ابْنِ شِهَابٍ) محمد بن مسلم ( عَنْ أَبِي سَلَمَةَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: إِنَّ أَحَدَكُمْ إِذَا قَامَ يُصَلِّي) الصلاة الشرعية أعم من أن تكون فريضة أو نافلة ( جَاءَهُ الشَّيْطَانُ فَلَبَسَ) بخفة الموحدة المفتوحة على الصحيح أي خلط ( عَلَيْهِ) أمر صلاته ومضارعه بكسرها من باب ضرب قال تعالى { { وَلَلَبَسْنَا عَلَيْهِم مَّا يَلْبِسُونَ } } وأما من اللباس فبابه سمع ( حَتَّى لَا يَدْرِيَ كَمْ صَلَّى فَإِذَا وَجَدَ ذَلِكَ أَحَدُكُمْ فَلْيَسْجُدْ سَجْدَتَيْنِ) ترغيمًا للشيطان لما لبس عليه وليس عليه أثقل من السجود لما لحقه من سخط الله لامتناعه من السجود لآدم ( وَهُوَ جَالِسٌ) بعد السلام كما في حديث عبد الله بن جعفر مرفوعًا من شك في صلاته فليسجد سجدتين بعدما يسلم رواه أحمد وأبو داود والنسائي، وقد زاد ابن إسحاق وابن أخي الزهري كلاهما عن ابن شهاب في حديث الباب قبل أن يسلم ثم يسلم.
لكن أعله أبو داود وغيره بأن الحفاظ من أصحاب ابن شهاب: ابن عيينة ومعمرًا والليث ومالكًا لم يقولوا قبل أن يسلم، وإنما ذكره هذان وليسا بحجة على من لم يذكروه.

قال أبو عمر: هذا الحديث محمول عند مالك والليث وابن وهب وجماعة على المستنكح الذي لا يكاد ينفك عنه ويكثر عليه السهو ويغلب على ظنه أنه قد أتم لكن الشيطان يوسوس له فيجزيه أن يسجد للسهو دون أن يأتي بركعة لأنه لا يأمن أن ينوبه مثل ذلك فيما يأتي به وأما من غلب على ظنه أنه لم يكمل صلاته فيبني على يقينه فإن اعتراه ذلك أيضًا فيما يبني لهى عنه أيضًا كما قاله ابن القاسم وغيره والدليل على أن حديث أبي هريرة هذا غير حديث البناء على اليقين أن أبا سعيد راوي حديث البناء على اليقين المتقدم روى أيضًا حديث إذا صلى أحدكم فلم يدر أزاد أم نقص فليسجد سجدتين وهو قاعد رواه أبو داود ومحال أن يكون معناهما واحدًا لاختلاف ألفاظهما بل لكل واحد منهما موضع كما ذكرنا اهـ.

وظاهر الحديث سواء كانت الصلاة فريضة أو تطوعًا فيفيد ما ذهب إليه الجمهور من أن السهو في النافلة كالسهو في الفريضة إلا في مسائل وخالف في ذلك ابن سيرين وقتادة وعطاء فقالوا: لا سجود في السهو في النافلة وقد اختلف في إطلاق الصلاة عليهما هل هو من الاشتراك اللفظي أو المعنوي؟ وإليه ذهب جمهور الأصوليين لجامع ما بينهما من عدم التباين في بعض الشروط التي لا تنفك ومال الفخر الرازي إلى الأول لما بينهما من التباين في بعض الشروط لكن طريقة من أعمل المشترك في معانيه عند التجرد تقتضي دخول النافلة أيضًا في هذه العبادة.

فإن قيل: حديث إذا نودي للصلاة وإذا ثوب بالصلاة قرينة في أن المراد الفريضة أجيب: بأن ذلك لا يمنع تناول النافلة لأن الإتيان حينئذٍ بها مطلوب لقوله صلى الله عليه وسلم: بين كل أذانين صلاة.
وعندي في ورود هذا السؤال من أصله وقفة إذ حديث النداء بالصلاة لا يخصص حديث السهو بالفريضة لأن جواب الشرط فلا تأتوها وأنتم تسعون لا دلالة فيه على تخصيص بوجه.

والحديث رواه البخاري عن عبد الله بن يوسف ومسلم عن يحيى كلاهما عن مالك به وتابعه سفيان بن عيينة والليث بن سعد كلاهما عن ابن شهاب ونحوه في مسلم.

( مَالِكٍ أَنَّهُ بَلَغَهُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: إِنِّي لَأَنْسَى أَوْ أُنَسَّى لِأَسُنَّ) قال ابن عبد البر: لا أعلم هذا الحديث روي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم مسندًا ولا مقطوعًا من غير هذا الوجه وهو أحد الأحاديث الأربعة التي في الموطأ التي لا توجد في غيره مسندة ولا مرسلة ومعناه صحيح في الأصول اهـ.

وما وقع في فتح الباري أنه لا أصل له فمعناه يحتج به لأن البلاغ من أقسام الضعيف وليس معناه أنه موضوع معاذ الله إذ ليس البلاغ بموضوع عند أهل الفن لا سيما من مالك كيف وقد قال سفيان: إذا قال مالك بلغني فهو إسناد صحيح.

وقال الباجي: أو في الحديث للشك عند بعضهم وقال عيسى بن دينار وابن نافع: ليست للشك ومعنى ذلك أنسى أنا أو ينسيني الله تعالى قال: ويحتاج هذا إلى بيان لأنه أضاف أحد النسيانين إليه والثاني إلى الله تعالى وإن كنا نعلم أنه إذا نسي فإن الله هو الذي أنساه أيضًا وذلك يحتمل معنيين أحدهما: أن يريد لأنسى في اليقظة وأنسى في النوم فأضاف النسيان في اليقظة إليه لأنها حالة التحرز في غالب أحوال الناس وأضاف النسيان في النوم إلى غيره لما كانت حالاً يقل فيها التحرز ولا يمكن فيها ما يمكن في حال اليقظة والثاني: أن يريد إني لأنسى على حسب ما جرت العادة به من النسيان مع السهو والذهول عن الأمر أو أنسى مع تذكر الأمر والإقبال عليه والتفرغ له فأضاف أحد النسيانين إلى نفسه لما كان كالمضطر إليه.

وفي الشفاء لعياض قيل: هذا اللفظ شك من الراوي وقد روي إني لا أنسى ولكن أنسى لأسن أي بلا النافية عوض لام التأكيد في الرواية الأولى وقال قبل ذلك بل قد روي لست أنسى ولكن أنسى لأسن اهـ.

فهي ثلاث روايات ترجع إلى ثنتين النفي والإثبات ولا منافاة بينهما لأن نسبته إليه باعتبار حقيقة اللغة ونفيه عنه باعتبار أنه ليس موجدًا له حقيقة والموجد الحقيقي هو الله كما يقال مات زيد وأماته الله فحيث أثبت له النسيان أراد قيام صفته به وحيث نفاه عنه فباعتبار أنه ليس بإيجاده ولا من مقتضى طبعه والموجد له هو الله.

( مَالِكٍ أَنَّهُ بَلَغَهُ أَنَّ رَجُلًا سَأَلَ الْقَاسِمَ بْنَ مُحَمَّدٍ) بن أبي بكر الصديق ( فَقَالَ: إِنِّي أَهِمُ فِي صَلَاتِي) أتوهم أني نقصتها ركعة مثلاً مع غلبة ظني بالإتمام ( فَيَكْثُرُ ذَلِكَ عَلَيَّ) بحيث أصير مستنكحًا ( فَقَالَ الْقَاسِمُ بْنُ مُحَمَّدٍ: امْضِ فِي صَلَاتِكَ) ولا تعمل على هذا الوهم ( فَإِنَّهُ لَنْ يَذْهَبَ عَنْكَ حَتَّى تَنْصَرِفَ وَأَنْتَ تَقُولُ مَا أَتْمَمْتُ صَلَاتِي) فلا يتهيأ لك أصلاً.
قال ابن عبد البر: أردف مالك حديث أبي هريرة بقول القاسم إشارة إلى أنه محمول عنده على المستنكح الذي لا ينفك عنه فلا يعمل عليه.



رقم الحديث 224 وَحَدَّثَنِي عَنْ مَالِكٍ أَنَّهُ بَلَغَهُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ قَالَ: إِنِّي لَأَنْسَى أَوْ أُنَسَّى لِأَسُنَّ.


الْعَمَلِ فِي السَّهْوِ

( مَالِكٍ عَنِ ابْنِ شِهَابٍ) محمد بن مسلم ( عَنْ أَبِي سَلَمَةَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: إِنَّ أَحَدَكُمْ إِذَا قَامَ يُصَلِّي) الصلاة الشرعية أعم من أن تكون فريضة أو نافلة ( جَاءَهُ الشَّيْطَانُ فَلَبَسَ) بخفة الموحدة المفتوحة على الصحيح أي خلط ( عَلَيْهِ) أمر صلاته ومضارعه بكسرها من باب ضرب قال تعالى { { وَلَلَبَسْنَا عَلَيْهِم مَّا يَلْبِسُونَ } } وأما من اللباس فبابه سمع ( حَتَّى لَا يَدْرِيَ كَمْ صَلَّى فَإِذَا وَجَدَ ذَلِكَ أَحَدُكُمْ فَلْيَسْجُدْ سَجْدَتَيْنِ) ترغيمًا للشيطان لما لبس عليه وليس عليه أثقل من السجود لما لحقه من سخط الله لامتناعه من السجود لآدم ( وَهُوَ جَالِسٌ) بعد السلام كما في حديث عبد الله بن جعفر مرفوعًا من شك في صلاته فليسجد سجدتين بعدما يسلم رواه أحمد وأبو داود والنسائي، وقد زاد ابن إسحاق وابن أخي الزهري كلاهما عن ابن شهاب في حديث الباب قبل أن يسلم ثم يسلم.
لكن أعله أبو داود وغيره بأن الحفاظ من أصحاب ابن شهاب: ابن عيينة ومعمرًا والليث ومالكًا لم يقولوا قبل أن يسلم، وإنما ذكره هذان وليسا بحجة على من لم يذكروه.

قال أبو عمر: هذا الحديث محمول عند مالك والليث وابن وهب وجماعة على المستنكح الذي لا يكاد ينفك عنه ويكثر عليه السهو ويغلب على ظنه أنه قد أتم لكن الشيطان يوسوس له فيجزيه أن يسجد للسهو دون أن يأتي بركعة لأنه لا يأمن أن ينوبه مثل ذلك فيما يأتي به وأما من غلب على ظنه أنه لم يكمل صلاته فيبني على يقينه فإن اعتراه ذلك أيضًا فيما يبني لهى عنه أيضًا كما قاله ابن القاسم وغيره والدليل على أن حديث أبي هريرة هذا غير حديث البناء على اليقين أن أبا سعيد راوي حديث البناء على اليقين المتقدم روى أيضًا حديث إذا صلى أحدكم فلم يدر أزاد أم نقص فليسجد سجدتين وهو قاعد رواه أبو داود ومحال أن يكون معناهما واحدًا لاختلاف ألفاظهما بل لكل واحد منهما موضع كما ذكرنا اهـ.

وظاهر الحديث سواء كانت الصلاة فريضة أو تطوعًا فيفيد ما ذهب إليه الجمهور من أن السهو في النافلة كالسهو في الفريضة إلا في مسائل وخالف في ذلك ابن سيرين وقتادة وعطاء فقالوا: لا سجود في السهو في النافلة وقد اختلف في إطلاق الصلاة عليهما هل هو من الاشتراك اللفظي أو المعنوي؟ وإليه ذهب جمهور الأصوليين لجامع ما بينهما من عدم التباين في بعض الشروط التي لا تنفك ومال الفخر الرازي إلى الأول لما بينهما من التباين في بعض الشروط لكن طريقة من أعمل المشترك في معانيه عند التجرد تقتضي دخول النافلة أيضًا في هذه العبادة.

فإن قيل: حديث إذا نودي للصلاة وإذا ثوب بالصلاة قرينة في أن المراد الفريضة أجيب: بأن ذلك لا يمنع تناول النافلة لأن الإتيان حينئذٍ بها مطلوب لقوله صلى الله عليه وسلم: بين كل أذانين صلاة.
وعندي في ورود هذا السؤال من أصله وقفة إذ حديث النداء بالصلاة لا يخصص حديث السهو بالفريضة لأن جواب الشرط فلا تأتوها وأنتم تسعون لا دلالة فيه على تخصيص بوجه.

والحديث رواه البخاري عن عبد الله بن يوسف ومسلم عن يحيى كلاهما عن مالك به وتابعه سفيان بن عيينة والليث بن سعد كلاهما عن ابن شهاب ونحوه في مسلم.

( مَالِكٍ أَنَّهُ بَلَغَهُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: إِنِّي لَأَنْسَى أَوْ أُنَسَّى لِأَسُنَّ) قال ابن عبد البر: لا أعلم هذا الحديث روي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم مسندًا ولا مقطوعًا من غير هذا الوجه وهو أحد الأحاديث الأربعة التي في الموطأ التي لا توجد في غيره مسندة ولا مرسلة ومعناه صحيح في الأصول اهـ.

وما وقع في فتح الباري أنه لا أصل له فمعناه يحتج به لأن البلاغ من أقسام الضعيف وليس معناه أنه موضوع معاذ الله إذ ليس البلاغ بموضوع عند أهل الفن لا سيما من مالك كيف وقد قال سفيان: إذا قال مالك بلغني فهو إسناد صحيح.

وقال الباجي: أو في الحديث للشك عند بعضهم وقال عيسى بن دينار وابن نافع: ليست للشك ومعنى ذلك أنسى أنا أو ينسيني الله تعالى قال: ويحتاج هذا إلى بيان لأنه أضاف أحد النسيانين إليه والثاني إلى الله تعالى وإن كنا نعلم أنه إذا نسي فإن الله هو الذي أنساه أيضًا وذلك يحتمل معنيين أحدهما: أن يريد لأنسى في اليقظة وأنسى في النوم فأضاف النسيان في اليقظة إليه لأنها حالة التحرز في غالب أحوال الناس وأضاف النسيان في النوم إلى غيره لما كانت حالاً يقل فيها التحرز ولا يمكن فيها ما يمكن في حال اليقظة والثاني: أن يريد إني لأنسى على حسب ما جرت العادة به من النسيان مع السهو والذهول عن الأمر أو أنسى مع تذكر الأمر والإقبال عليه والتفرغ له فأضاف أحد النسيانين إلى نفسه لما كان كالمضطر إليه.

وفي الشفاء لعياض قيل: هذا اللفظ شك من الراوي وقد روي إني لا أنسى ولكن أنسى لأسن أي بلا النافية عوض لام التأكيد في الرواية الأولى وقال قبل ذلك بل قد روي لست أنسى ولكن أنسى لأسن اهـ.

فهي ثلاث روايات ترجع إلى ثنتين النفي والإثبات ولا منافاة بينهما لأن نسبته إليه باعتبار حقيقة اللغة ونفيه عنه باعتبار أنه ليس موجدًا له حقيقة والموجد الحقيقي هو الله كما يقال مات زيد وأماته الله فحيث أثبت له النسيان أراد قيام صفته به وحيث نفاه عنه فباعتبار أنه ليس بإيجاده ولا من مقتضى طبعه والموجد له هو الله.

( مَالِكٍ أَنَّهُ بَلَغَهُ أَنَّ رَجُلًا سَأَلَ الْقَاسِمَ بْنَ مُحَمَّدٍ) بن أبي بكر الصديق ( فَقَالَ: إِنِّي أَهِمُ فِي صَلَاتِي) أتوهم أني نقصتها ركعة مثلاً مع غلبة ظني بالإتمام ( فَيَكْثُرُ ذَلِكَ عَلَيَّ) بحيث أصير مستنكحًا ( فَقَالَ الْقَاسِمُ بْنُ مُحَمَّدٍ: امْضِ فِي صَلَاتِكَ) ولا تعمل على هذا الوهم ( فَإِنَّهُ لَنْ يَذْهَبَ عَنْكَ حَتَّى تَنْصَرِفَ وَأَنْتَ تَقُولُ مَا أَتْمَمْتُ صَلَاتِي) فلا يتهيأ لك أصلاً.
قال ابن عبد البر: أردف مالك حديث أبي هريرة بقول القاسم إشارة إلى أنه محمول عنده على المستنكح الذي لا ينفك عنه فلا يعمل عليه.



رقم الحديث 225 وَحَدَّثَنِي عَنْ مَالِكٍ أَنَّهُ بَلَغَهُ أَنَّ رَجُلًا سَأَلَ الْقَاسِمَ بْنَ مُحَمَّدٍ فَقَالَ: إِنِّي أَهِمُ فِي صَلَاتِي.
فَيَكْثُرُ ذَلِكَ عَلَيَّ.
فَقَالَ الْقَاسِمُ بْنُ مُحَمَّدٍ امْضِ فِي صَلَاتِكَ.
فَإِنَّهُ لَنْ يَذْهَبَ عَنْكَ، حَتَّى تَنْصَرِفَ وَأَنْتَ تَقُولُ: مَا أَتْمَمْتُ صَلَاتِي.


الْعَمَلِ فِي السَّهْوِ

( مَالِكٍ عَنِ ابْنِ شِهَابٍ) محمد بن مسلم ( عَنْ أَبِي سَلَمَةَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: إِنَّ أَحَدَكُمْ إِذَا قَامَ يُصَلِّي) الصلاة الشرعية أعم من أن تكون فريضة أو نافلة ( جَاءَهُ الشَّيْطَانُ فَلَبَسَ) بخفة الموحدة المفتوحة على الصحيح أي خلط ( عَلَيْهِ) أمر صلاته ومضارعه بكسرها من باب ضرب قال تعالى { { وَلَلَبَسْنَا عَلَيْهِم مَّا يَلْبِسُونَ } } وأما من اللباس فبابه سمع ( حَتَّى لَا يَدْرِيَ كَمْ صَلَّى فَإِذَا وَجَدَ ذَلِكَ أَحَدُكُمْ فَلْيَسْجُدْ سَجْدَتَيْنِ) ترغيمًا للشيطان لما لبس عليه وليس عليه أثقل من السجود لما لحقه من سخط الله لامتناعه من السجود لآدم ( وَهُوَ جَالِسٌ) بعد السلام كما في حديث عبد الله بن جعفر مرفوعًا من شك في صلاته فليسجد سجدتين بعدما يسلم رواه أحمد وأبو داود والنسائي، وقد زاد ابن إسحاق وابن أخي الزهري كلاهما عن ابن شهاب في حديث الباب قبل أن يسلم ثم يسلم.
لكن أعله أبو داود وغيره بأن الحفاظ من أصحاب ابن شهاب: ابن عيينة ومعمرًا والليث ومالكًا لم يقولوا قبل أن يسلم، وإنما ذكره هذان وليسا بحجة على من لم يذكروه.

قال أبو عمر: هذا الحديث محمول عند مالك والليث وابن وهب وجماعة على المستنكح الذي لا يكاد ينفك عنه ويكثر عليه السهو ويغلب على ظنه أنه قد أتم لكن الشيطان يوسوس له فيجزيه أن يسجد للسهو دون أن يأتي بركعة لأنه لا يأمن أن ينوبه مثل ذلك فيما يأتي به وأما من غلب على ظنه أنه لم يكمل صلاته فيبني على يقينه فإن اعتراه ذلك أيضًا فيما يبني لهى عنه أيضًا كما قاله ابن القاسم وغيره والدليل على أن حديث أبي هريرة هذا غير حديث البناء على اليقين أن أبا سعيد راوي حديث البناء على اليقين المتقدم روى أيضًا حديث إذا صلى أحدكم فلم يدر أزاد أم نقص فليسجد سجدتين وهو قاعد رواه أبو داود ومحال أن يكون معناهما واحدًا لاختلاف ألفاظهما بل لكل واحد منهما موضع كما ذكرنا اهـ.

وظاهر الحديث سواء كانت الصلاة فريضة أو تطوعًا فيفيد ما ذهب إليه الجمهور من أن السهو في النافلة كالسهو في الفريضة إلا في مسائل وخالف في ذلك ابن سيرين وقتادة وعطاء فقالوا: لا سجود في السهو في النافلة وقد اختلف في إطلاق الصلاة عليهما هل هو من الاشتراك اللفظي أو المعنوي؟ وإليه ذهب جمهور الأصوليين لجامع ما بينهما من عدم التباين في بعض الشروط التي لا تنفك ومال الفخر الرازي إلى الأول لما بينهما من التباين في بعض الشروط لكن طريقة من أعمل المشترك في معانيه عند التجرد تقتضي دخول النافلة أيضًا في هذه العبادة.

فإن قيل: حديث إذا نودي للصلاة وإذا ثوب بالصلاة قرينة في أن المراد الفريضة أجيب: بأن ذلك لا يمنع تناول النافلة لأن الإتيان حينئذٍ بها مطلوب لقوله صلى الله عليه وسلم: بين كل أذانين صلاة.
وعندي في ورود هذا السؤال من أصله وقفة إذ حديث النداء بالصلاة لا يخصص حديث السهو بالفريضة لأن جواب الشرط فلا تأتوها وأنتم تسعون لا دلالة فيه على تخصيص بوجه.

والحديث رواه البخاري عن عبد الله بن يوسف ومسلم عن يحيى كلاهما عن مالك به وتابعه سفيان بن عيينة والليث بن سعد كلاهما عن ابن شهاب ونحوه في مسلم.

( مَالِكٍ أَنَّهُ بَلَغَهُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: إِنِّي لَأَنْسَى أَوْ أُنَسَّى لِأَسُنَّ) قال ابن عبد البر: لا أعلم هذا الحديث روي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم مسندًا ولا مقطوعًا من غير هذا الوجه وهو أحد الأحاديث الأربعة التي في الموطأ التي لا توجد في غيره مسندة ولا مرسلة ومعناه صحيح في الأصول اهـ.

وما وقع في فتح الباري أنه لا أصل له فمعناه يحتج به لأن البلاغ من أقسام الضعيف وليس معناه أنه موضوع معاذ الله إذ ليس البلاغ بموضوع عند أهل الفن لا سيما من مالك كيف وقد قال سفيان: إذا قال مالك بلغني فهو إسناد صحيح.

وقال الباجي: أو في الحديث للشك عند بعضهم وقال عيسى بن دينار وابن نافع: ليست للشك ومعنى ذلك أنسى أنا أو ينسيني الله تعالى قال: ويحتاج هذا إلى بيان لأنه أضاف أحد النسيانين إليه والثاني إلى الله تعالى وإن كنا نعلم أنه إذا نسي فإن الله هو الذي أنساه أيضًا وذلك يحتمل معنيين أحدهما: أن يريد لأنسى في اليقظة وأنسى في النوم فأضاف النسيان في اليقظة إليه لأنها حالة التحرز في غالب أحوال الناس وأضاف النسيان في النوم إلى غيره لما كانت حالاً يقل فيها التحرز ولا يمكن فيها ما يمكن في حال اليقظة والثاني: أن يريد إني لأنسى على حسب ما جرت العادة به من النسيان مع السهو والذهول عن الأمر أو أنسى مع تذكر الأمر والإقبال عليه والتفرغ له فأضاف أحد النسيانين إلى نفسه لما كان كالمضطر إليه.

وفي الشفاء لعياض قيل: هذا اللفظ شك من الراوي وقد روي إني لا أنسى ولكن أنسى لأسن أي بلا النافية عوض لام التأكيد في الرواية الأولى وقال قبل ذلك بل قد روي لست أنسى ولكن أنسى لأسن اهـ.

فهي ثلاث روايات ترجع إلى ثنتين النفي والإثبات ولا منافاة بينهما لأن نسبته إليه باعتبار حقيقة اللغة ونفيه عنه باعتبار أنه ليس موجدًا له حقيقة والموجد الحقيقي هو الله كما يقال مات زيد وأماته الله فحيث أثبت له النسيان أراد قيام صفته به وحيث نفاه عنه فباعتبار أنه ليس بإيجاده ولا من مقتضى طبعه والموجد له هو الله.

( مَالِكٍ أَنَّهُ بَلَغَهُ أَنَّ رَجُلًا سَأَلَ الْقَاسِمَ بْنَ مُحَمَّدٍ) بن أبي بكر الصديق ( فَقَالَ: إِنِّي أَهِمُ فِي صَلَاتِي) أتوهم أني نقصتها ركعة مثلاً مع غلبة ظني بالإتمام ( فَيَكْثُرُ ذَلِكَ عَلَيَّ) بحيث أصير مستنكحًا ( فَقَالَ الْقَاسِمُ بْنُ مُحَمَّدٍ: امْضِ فِي صَلَاتِكَ) ولا تعمل على هذا الوهم ( فَإِنَّهُ لَنْ يَذْهَبَ عَنْكَ حَتَّى تَنْصَرِفَ وَأَنْتَ تَقُولُ مَا أَتْمَمْتُ صَلَاتِي) فلا يتهيأ لك أصلاً.
قال ابن عبد البر: أردف مالك حديث أبي هريرة بقول القاسم إشارة إلى أنه محمول عنده على المستنكح الذي لا ينفك عنه فلا يعمل عليه.