فهرس الكتاب

شرح الزرقاني - بَابُ جَامِعِ الْحِسْبَةِ فِي الْمُصِيبَةِ

رقم الحديث 567 حَدَّثَنِي يَحْيَى، عَنْ مَالِكٍ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ الْقَاسِمِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ أَبِي بَكْرٍ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: لِيُعَزِّ الْمُسْلِمِينَ فِي مَصَائِبِهِمُ، الْمُصِيبَةُ بِي.


( جامع الحسبة في المصيبة)

( مالك عن عبد الرحمن بن القاسم بن محمد بن أبي بكر) بن الصديق قال ابن عبد البر وزادت طائفة عن أبيه وقد روي مسندًا من حديث سهل بن سعد وعائشة والمسور بن مخرمة ( أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال ليعز) بضم الياء من التعزية وهي الحمل على الصبر والتسلي قال تعالى { { وبشر الصابرين الذين إذا أصابتهم مصيبة قالوا إنا لله وإنا إليه راجعون } } ( المسلمين في مصائبهم المصيبة بي) لأن كل مصاب به دونها إذ كل مصاب به عنه عوض ولا عوض عنه صلى الله عليه وسلم وأي مصيبة أعظم من مصيبة من بموته انقطع خبر السماء ومن هو رحمة للمؤمنين ونهج للدين وقالت طائفة من الصحابة ما نفضنا أيدينا من تراب قبره صلى الله عليه وسلم حتى أنكرنا قلوبنا ولأبي العتاهية

لكل أخي ثكل عزاء وإسوة
إذا كان من أهل التقى في محمد

وقال غيره

اصبر لكل مصيبة وتجلد
واعلم بأن المرء غير مخلد

وإذا ذكرت مصيبة تسلو بها
فاذكر مصابك بالنبي محمد

( مالك عن ربيعة بن أبي عبد الرحمن) فروخ المدني المعروف بربيعة الرأي ثقة فقيه مشهور مات سنة اثنين وثلاثين ومائة على الصحيح وقيل سنة ثلاث وقال الباجي سنة اثنين وأربعين ( عن أم سلمة) هند بنت أبي أمية ( زوج النبي صلى الله عليه وسلم) تزوجها سنة أربع وقيل ثلاث وماتت سنة اثنين وستين وقيل سنة إحدى وقيل قبل ذلك والأول أصح ولم يدركها ربيعة ولذا قال أبو عمر هذا حديث يتصل من وجوه شتى إلا أن بعضهم يجعله لأم سلمة عن النبي صلى الله عليه وسلم وبعضهم يجعله لأم سلمة عن أبي سلمة ( أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال من أصابته) وفي رواية لمسلم ما من مسلم تصيبه ( مصيبة) أي مصيبة كانت لقوله صلى الله عليه وسلم كل شيء ساء المؤمن فهو مصيبة رواه ابن السني قال الباجي هذا اللفظ موضوع في أصل كلام العرب لكل من ناله شر أو خير ولكن يختص في عرف الاستعمال بالرزايا والمكاره ( فقال كما أمره الله) بالثناء والتبشير لقائله وذلك يقتضي ندبه والمندوب مأمور به على المختار في الأصول ( إنا لله) ملكًا وعبيدًا يفعل بنا ما يشاء ( وإنا إليه راجعون) في الآخرة فيجازينا وفي مراسيل أبي داود إن مصباح النبي صلى الله عليه وسلم طفئ فاسترجع فقالت عائشة إنما هذا مصباح فقال كل ما ساء المؤمن فهو مصيبة وقال الباجي لم يرد لفظ الأمر بهذا القول في القرآن بل تبشير من قاله والثناء عليه فيحتمل أن يشير إلى غير القرآن فهو خبر عن الباري بذلك ولذا وصله بقوله ( اللهم أجرني) بقصر الهمزة وضم الجيم وسكون الراء قال عياض يقال أجر بالقصر والمد والأكثر أنه مقصور لا يمد أي أعطني أجري وجزاء صبري وهمي ( في مصيبتي وأعقبني) بسكون العين وكسر القاف بمعنى رواية لمسلم وأخلف لي بقطع الهمزة وكسر اللام ( خيرًا منها إلا فعل الله ذلك به) ولمسلم إلا أخلف الله له خيرًا منها وله أيضًا إلا أجره الله في مصيبته وأخلف له خيرًا منها قال أبو عمر فينبغي لكل من أصيب بمصيبة أن يفزع إلى ذلك تأسيًا بكتاب الله وسنة رسوله قال ابن جريج ما يمنعه أن يستوجب على الله ثلاث خصال كل خصلة منها خير من الدنيا وما فيها صلوات الله ورحمته والهدى انتهى وللطبراني وابن مردويه عن ابن عباس رفعه أعطيت أمتي شيئًا لم يعطه أحد من الأمم أن يقولوا عند المصيبة { { إنا لله وإنا إليه راجعون } } ولابن جرير والبيهقي عن سعيد بن جبير لقد أعطيت هذه الأمة عند المصيبة ما لم يعط الأنبياء مثله { { إنا لله وإنا إليه راجعون } } ولو أعطيه الأنبياء لأعطيه يعقوب إذ قال يا أسفا على يوسف وظاهر الأحاديث أن المأمور به قول ذلك مرة واحدة فورًا وذلك في الموت عند الصدمة الأولى وخبر إذا ذكرها ولو بعد أربعين عامًا فاسترجع كان له أجرها يوم وقوعها زيادة فضل لا ينافي الاستحباب بفور وقوع المصيبة ( قالت أم سلمة فلما توفي أبو سلمة) عبد الله بن عبد الأسد بن هلال بن عبد الله بن عمر بن مخزوم القرشي المخزومي أخو النبي صلى الله عليه وسلم من رضاع ثويبة وابن عمته برة بنت عبد المطلب كان من السابقين شهد بدرًا ومات في جمادى الآخرة سنة أربع بعد أحد وفي مسلم عن أم سلمة دخل صلى الله عليه وسلم على أبي سلمة وقد شق بصره فأغمضه وقال إن الروح إذا قبض تبعه البصر فضج ناس من أهله فقال لا تدعوا على أنفسكم إلا بخير فإن الملائكة يؤمنون على ما تقولون ثم قال اللهم اغفر لأبي سلمة وارفع درجته في المهديين واخلفه في عقبه في الغابرين واغفر لنا وله يا رب العالمين وافسح له في قبره ونور له فيه ( قلت ذلك) المذكور من الاسترجاع وما بعده ( ثم قلت ومن خير من أبي سلمة) أي قالته في نفسها ولم تحرك به لسانها ولا أنكرت أنه صلى الله عليه وسلم قال حقًا ولكن هو شيء يخطر بالقلب وليس أحد معصومًا منه ولو قال ذلك قائل لمنع العوض كما يمنع الذي يعجل بدعائه الإجابة قاله أبو عبد الملك وفي مسلم فلما مات قلت أي المسلمين خير من أبي سلمة أول بيت هاجر إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم إني قلتها فأخلف الله لي رسوله قال أبو عبد الله الأبي المعنى بالنسبة إليها فلا يكون خيرًا من أبي بكر وعمر لأن الأخير في ذاته قد لا يكون خيرًا لها ويحتمل أن تعني أنه خير مطلقًا فالإجماع على فضل أبي بكر إنما هو فيمن تأخرت وفاته عن النبي صلى الله عليه وسلم أما من مات في زمنه ففيه خلاف انتهى.
والأول أولى فالخلاف شاذ لا يعتد به ( فأعقبها الله رسوله صلى الله عليه وسلم فتزوجها) وفي مسلم من طريق شقيق عن أم سلمة فلما مات أتيت النبي صلى الله عليه وسلم فقلت إن أبا سلمة قد مات قال قولي اللهم اغفر لي وله وأعقبني منه عقبى حسنة فقلت فأعقبني الله من هو خير منه محمدًا صلى الله عليه وسلم ( مالك عن يحيى بن سعيد عن القاسم بن محمد) بن الصديق ( أنه قال هلكت امرأة لي فأتاني محمد بن كعب القرظي) بضم القاف المدني ولد سنة أربعين على الصحيح ووهم من قال في العهد النبوي فقد قال البخاري إن أباه كان ممن لم ينبت من بني قريظة مات سنة عشرين ومائة وقيل قبلها ( يعزيني بها فقال إنه كان في بني إسرائيل رجل فقيه عالم عابد مجتهد) في العبادة وما قبلها ( وكانت له امرأة وكان بها معجبًا) مستحسنًا لها راضيًا بجمالها ( لها) وفي نسخة ولها بالواو ( محبًا فماتت فوجد) حزن ( عليها وجدًا) حزنًا ( شديدًا ولقي عليها أسفًا) تلهفًا وحزنًا ( حتى خلا في بيت وغلق) بالتشديد للمبالغة قفل ( على نفسه واحتجب من الناس فلم يكن يدخل عليه أحد) لما غلبه من شدة الحزن ( وإن امرأة سمعت به فجاءته فقالت إن لي إليه حاجة أستفتيه) أطلب فتياه ( فيها ليس يجزيني) بضم أوله من أجزأ بمعنى أغنى أي يغنيني وبفتح أوله من جزى نقلهما الأخفش لغتين بمعنى واحد فقال الثلاثي بلا همز لغة الحجاز والرباعي المهموز لغة تميم ( فيها إلا مشافهته) خطابه بالشفاه بلا واسطة ( فذهب الناس ولزمت بابه وقالت ما لي منه بد) أي محيد ( فقال له قائل إن ههنا امرأة أرادت أن تستفتيك وقالت إن) نافية أي ما ( أردت إلا مشافهته وقد ذهب الناس وهي لا تفارق الباب فقال ائذنوا لها فدخلت عليه فقالت إني جئتك أستفتيك في أمر قال وما هو قالت إني استعرت من جارة لي حليًا) بفتح فسكون مفرد حلي بضمتين ( فكنت ألبسه) بفتح الباء ( وأعيره زمانًا ثم إنهم أرسلوا إلي فيه أفأؤديه إليهم فقال نعم والله) يلزمك تأديته وأقسم تأكيدًا للفتوى ( فقالت إنه قد مكث عندي زمانًا فقال ذلك) بكسر الكاف ( أحق لردك إياه إليهم حين أعاروكيه زمانًا فقالت أي) بفتح فسكون نداء للقريب ( يرحمك الله أفتأسف على ما أعاركه) ولابن وضاح أعارك ( الله ثم أخذه منك وهو أحق به منك) قال لبيد

وما المال والأهلون إلا ودائع
ولا بد يومًا أن ترد الودائع

( فأبصر ما كان فيه ونفعه الله بقولها) ففيه وعظ العالم وإن كان الواعظ دونه في العلم فقد يخطئ الفاضل ويوفق المفضول قاله الباجي وفي الاستذكار هذا خبر حسن عجيب في التعازي وليس في كل الموطآت وما ذكرته من العارية للحلي على جهة ضرب المثل لا يدخل في مذموم الكذب بل ذلك من الأمر المحمود عليه صاحبه وقد قال صلى الله عليه وسلم ليس بالكاذب من قال خيرًا أو نمى خيرًا أو أصلح بين اثنين انتهى.
وقد ضربت المثل بالعارية أم سليم لزوجها أبي طلحة وعلم بذلك المصطفى فأقره وذلك لما مات ابنه منها أبو عمير ونحته في جانب البيت ولم يكن فيه أبو طلحة فلما جاء قال كيف الغلام قالت هدأت نفسه وأرجو أنه استراح وقربت له العشاء فتعشى ثم تطيبت وتعرضت له حتى واقعها فلما أراد أن يخرج قالت يا أبا طلحة أرأيت لو أن قومًا أعاروا أهل بيت عارية فطلبوا عاريتهم ألهم أن يمنعوهم قال لا قالت فاحتسب ابنك فغضب وقال تركتيني حتى تلطخت ثم أخبرتيني بابني وفي رواية فقال أبو طلحة ليس لهم ذلك أن العارية مؤداة إلى أهلها فقالت إن الله أعارنا غلامًا ثم أخذه منا فاسترجع ثم صلى مع النبي صلى الله عليه وسلم ثم أخبره بما كان منها فقال لعل الله أن يبارك لكما في ليلتكما وفي رواية اللهم بارك لهما فجاءت بعبد الله بن أبي طلحة قال بعض الأنصار فرأيت له تسعة أولاد بتقديم التاء على السين كلهم قد قرؤوا القرآن كما ذلك مبسوط في مسلم والبخاري وغيرهما وقد عد علماء الأنساب من أسماء أولاد عبد الله ممن قرأ القرآن وحمل العلم إسحاق وإسماعيل ويعقوب وعمير وعمرو ومحمد وعبد الله وزيد والقاسم تسعة.



رقم الحديث 568 وَحَدَّثَنِي عَنْ مَالِكٍ، عَنْ رَبِيعَةَ بْنِ أَبِي عَبْدِ الرَّحْمَنِ، عَنْ أُمِّ سَلَمَةَ زَوْجِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: مَنْ أَصَابَتْهُ مُصِيبَةٌ فَقَالَ كَمَا أَمَرَ اللَّهُ { { إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ } } اللَّهُمَّ أْجُرْنِي فِي مُصِيبَتِي، وَأَعْقِبْنِي خَيْرًا مِنْهَا، إِلَّا فَعَلَ اللَّهُ ذَلِكَ بِهِ قَالَتْ أُمُّ سَلَمَةَ: فَلَمَّا تُوُفِّيَ أَبُو سَلَمَةَ،.

قُلْتُ ذَلِكَ.
ثُمَّ قُلْتُ: وَمَنْ خَيْرٌ مِنْ أَبِي سَلَمَةَ فَأَعْقَبَهَا اللَّهُ رَسُولَهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَتَزَوَّجَهَا.


( جامع الحسبة في المصيبة)

( مالك عن عبد الرحمن بن القاسم بن محمد بن أبي بكر) بن الصديق قال ابن عبد البر وزادت طائفة عن أبيه وقد روي مسندًا من حديث سهل بن سعد وعائشة والمسور بن مخرمة ( أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال ليعز) بضم الياء من التعزية وهي الحمل على الصبر والتسلي قال تعالى { { وبشر الصابرين الذين إذا أصابتهم مصيبة قالوا إنا لله وإنا إليه راجعون } } ( المسلمين في مصائبهم المصيبة بي) لأن كل مصاب به دونها إذ كل مصاب به عنه عوض ولا عوض عنه صلى الله عليه وسلم وأي مصيبة أعظم من مصيبة من بموته انقطع خبر السماء ومن هو رحمة للمؤمنين ونهج للدين وقالت طائفة من الصحابة ما نفضنا أيدينا من تراب قبره صلى الله عليه وسلم حتى أنكرنا قلوبنا ولأبي العتاهية

لكل أخي ثكل عزاء وإسوة
إذا كان من أهل التقى في محمد

وقال غيره

اصبر لكل مصيبة وتجلد
واعلم بأن المرء غير مخلد

وإذا ذكرت مصيبة تسلو بها
فاذكر مصابك بالنبي محمد

( مالك عن ربيعة بن أبي عبد الرحمن) فروخ المدني المعروف بربيعة الرأي ثقة فقيه مشهور مات سنة اثنين وثلاثين ومائة على الصحيح وقيل سنة ثلاث وقال الباجي سنة اثنين وأربعين ( عن أم سلمة) هند بنت أبي أمية ( زوج النبي صلى الله عليه وسلم) تزوجها سنة أربع وقيل ثلاث وماتت سنة اثنين وستين وقيل سنة إحدى وقيل قبل ذلك والأول أصح ولم يدركها ربيعة ولذا قال أبو عمر هذا حديث يتصل من وجوه شتى إلا أن بعضهم يجعله لأم سلمة عن النبي صلى الله عليه وسلم وبعضهم يجعله لأم سلمة عن أبي سلمة ( أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال من أصابته) وفي رواية لمسلم ما من مسلم تصيبه ( مصيبة) أي مصيبة كانت لقوله صلى الله عليه وسلم كل شيء ساء المؤمن فهو مصيبة رواه ابن السني قال الباجي هذا اللفظ موضوع في أصل كلام العرب لكل من ناله شر أو خير ولكن يختص في عرف الاستعمال بالرزايا والمكاره ( فقال كما أمره الله) بالثناء والتبشير لقائله وذلك يقتضي ندبه والمندوب مأمور به على المختار في الأصول ( إنا لله) ملكًا وعبيدًا يفعل بنا ما يشاء ( وإنا إليه راجعون) في الآخرة فيجازينا وفي مراسيل أبي داود إن مصباح النبي صلى الله عليه وسلم طفئ فاسترجع فقالت عائشة إنما هذا مصباح فقال كل ما ساء المؤمن فهو مصيبة وقال الباجي لم يرد لفظ الأمر بهذا القول في القرآن بل تبشير من قاله والثناء عليه فيحتمل أن يشير إلى غير القرآن فهو خبر عن الباري بذلك ولذا وصله بقوله ( اللهم أجرني) بقصر الهمزة وضم الجيم وسكون الراء قال عياض يقال أجر بالقصر والمد والأكثر أنه مقصور لا يمد أي أعطني أجري وجزاء صبري وهمي ( في مصيبتي وأعقبني) بسكون العين وكسر القاف بمعنى رواية لمسلم وأخلف لي بقطع الهمزة وكسر اللام ( خيرًا منها إلا فعل الله ذلك به) ولمسلم إلا أخلف الله له خيرًا منها وله أيضًا إلا أجره الله في مصيبته وأخلف له خيرًا منها قال أبو عمر فينبغي لكل من أصيب بمصيبة أن يفزع إلى ذلك تأسيًا بكتاب الله وسنة رسوله قال ابن جريج ما يمنعه أن يستوجب على الله ثلاث خصال كل خصلة منها خير من الدنيا وما فيها صلوات الله ورحمته والهدى انتهى وللطبراني وابن مردويه عن ابن عباس رفعه أعطيت أمتي شيئًا لم يعطه أحد من الأمم أن يقولوا عند المصيبة { { إنا لله وإنا إليه راجعون } } ولابن جرير والبيهقي عن سعيد بن جبير لقد أعطيت هذه الأمة عند المصيبة ما لم يعط الأنبياء مثله { { إنا لله وإنا إليه راجعون } } ولو أعطيه الأنبياء لأعطيه يعقوب إذ قال يا أسفا على يوسف وظاهر الأحاديث أن المأمور به قول ذلك مرة واحدة فورًا وذلك في الموت عند الصدمة الأولى وخبر إذا ذكرها ولو بعد أربعين عامًا فاسترجع كان له أجرها يوم وقوعها زيادة فضل لا ينافي الاستحباب بفور وقوع المصيبة ( قالت أم سلمة فلما توفي أبو سلمة) عبد الله بن عبد الأسد بن هلال بن عبد الله بن عمر بن مخزوم القرشي المخزومي أخو النبي صلى الله عليه وسلم من رضاع ثويبة وابن عمته برة بنت عبد المطلب كان من السابقين شهد بدرًا ومات في جمادى الآخرة سنة أربع بعد أحد وفي مسلم عن أم سلمة دخل صلى الله عليه وسلم على أبي سلمة وقد شق بصره فأغمضه وقال إن الروح إذا قبض تبعه البصر فضج ناس من أهله فقال لا تدعوا على أنفسكم إلا بخير فإن الملائكة يؤمنون على ما تقولون ثم قال اللهم اغفر لأبي سلمة وارفع درجته في المهديين واخلفه في عقبه في الغابرين واغفر لنا وله يا رب العالمين وافسح له في قبره ونور له فيه ( قلت ذلك) المذكور من الاسترجاع وما بعده ( ثم قلت ومن خير من أبي سلمة) أي قالته في نفسها ولم تحرك به لسانها ولا أنكرت أنه صلى الله عليه وسلم قال حقًا ولكن هو شيء يخطر بالقلب وليس أحد معصومًا منه ولو قال ذلك قائل لمنع العوض كما يمنع الذي يعجل بدعائه الإجابة قاله أبو عبد الملك وفي مسلم فلما مات قلت أي المسلمين خير من أبي سلمة أول بيت هاجر إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم إني قلتها فأخلف الله لي رسوله قال أبو عبد الله الأبي المعنى بالنسبة إليها فلا يكون خيرًا من أبي بكر وعمر لأن الأخير في ذاته قد لا يكون خيرًا لها ويحتمل أن تعني أنه خير مطلقًا فالإجماع على فضل أبي بكر إنما هو فيمن تأخرت وفاته عن النبي صلى الله عليه وسلم أما من مات في زمنه ففيه خلاف انتهى.
والأول أولى فالخلاف شاذ لا يعتد به ( فأعقبها الله رسوله صلى الله عليه وسلم فتزوجها) وفي مسلم من طريق شقيق عن أم سلمة فلما مات أتيت النبي صلى الله عليه وسلم فقلت إن أبا سلمة قد مات قال قولي اللهم اغفر لي وله وأعقبني منه عقبى حسنة فقلت فأعقبني الله من هو خير منه محمدًا صلى الله عليه وسلم ( مالك عن يحيى بن سعيد عن القاسم بن محمد) بن الصديق ( أنه قال هلكت امرأة لي فأتاني محمد بن كعب القرظي) بضم القاف المدني ولد سنة أربعين على الصحيح ووهم من قال في العهد النبوي فقد قال البخاري إن أباه كان ممن لم ينبت من بني قريظة مات سنة عشرين ومائة وقيل قبلها ( يعزيني بها فقال إنه كان في بني إسرائيل رجل فقيه عالم عابد مجتهد) في العبادة وما قبلها ( وكانت له امرأة وكان بها معجبًا) مستحسنًا لها راضيًا بجمالها ( لها) وفي نسخة ولها بالواو ( محبًا فماتت فوجد) حزن ( عليها وجدًا) حزنًا ( شديدًا ولقي عليها أسفًا) تلهفًا وحزنًا ( حتى خلا في بيت وغلق) بالتشديد للمبالغة قفل ( على نفسه واحتجب من الناس فلم يكن يدخل عليه أحد) لما غلبه من شدة الحزن ( وإن امرأة سمعت به فجاءته فقالت إن لي إليه حاجة أستفتيه) أطلب فتياه ( فيها ليس يجزيني) بضم أوله من أجزأ بمعنى أغنى أي يغنيني وبفتح أوله من جزى نقلهما الأخفش لغتين بمعنى واحد فقال الثلاثي بلا همز لغة الحجاز والرباعي المهموز لغة تميم ( فيها إلا مشافهته) خطابه بالشفاه بلا واسطة ( فذهب الناس ولزمت بابه وقالت ما لي منه بد) أي محيد ( فقال له قائل إن ههنا امرأة أرادت أن تستفتيك وقالت إن) نافية أي ما ( أردت إلا مشافهته وقد ذهب الناس وهي لا تفارق الباب فقال ائذنوا لها فدخلت عليه فقالت إني جئتك أستفتيك في أمر قال وما هو قالت إني استعرت من جارة لي حليًا) بفتح فسكون مفرد حلي بضمتين ( فكنت ألبسه) بفتح الباء ( وأعيره زمانًا ثم إنهم أرسلوا إلي فيه أفأؤديه إليهم فقال نعم والله) يلزمك تأديته وأقسم تأكيدًا للفتوى ( فقالت إنه قد مكث عندي زمانًا فقال ذلك) بكسر الكاف ( أحق لردك إياه إليهم حين أعاروكيه زمانًا فقالت أي) بفتح فسكون نداء للقريب ( يرحمك الله أفتأسف على ما أعاركه) ولابن وضاح أعارك ( الله ثم أخذه منك وهو أحق به منك) قال لبيد

وما المال والأهلون إلا ودائع
ولا بد يومًا أن ترد الودائع

( فأبصر ما كان فيه ونفعه الله بقولها) ففيه وعظ العالم وإن كان الواعظ دونه في العلم فقد يخطئ الفاضل ويوفق المفضول قاله الباجي وفي الاستذكار هذا خبر حسن عجيب في التعازي وليس في كل الموطآت وما ذكرته من العارية للحلي على جهة ضرب المثل لا يدخل في مذموم الكذب بل ذلك من الأمر المحمود عليه صاحبه وقد قال صلى الله عليه وسلم ليس بالكاذب من قال خيرًا أو نمى خيرًا أو أصلح بين اثنين انتهى.
وقد ضربت المثل بالعارية أم سليم لزوجها أبي طلحة وعلم بذلك المصطفى فأقره وذلك لما مات ابنه منها أبو عمير ونحته في جانب البيت ولم يكن فيه أبو طلحة فلما جاء قال كيف الغلام قالت هدأت نفسه وأرجو أنه استراح وقربت له العشاء فتعشى ثم تطيبت وتعرضت له حتى واقعها فلما أراد أن يخرج قالت يا أبا طلحة أرأيت لو أن قومًا أعاروا أهل بيت عارية فطلبوا عاريتهم ألهم أن يمنعوهم قال لا قالت فاحتسب ابنك فغضب وقال تركتيني حتى تلطخت ثم أخبرتيني بابني وفي رواية فقال أبو طلحة ليس لهم ذلك أن العارية مؤداة إلى أهلها فقالت إن الله أعارنا غلامًا ثم أخذه منا فاسترجع ثم صلى مع النبي صلى الله عليه وسلم ثم أخبره بما كان منها فقال لعل الله أن يبارك لكما في ليلتكما وفي رواية اللهم بارك لهما فجاءت بعبد الله بن أبي طلحة قال بعض الأنصار فرأيت له تسعة أولاد بتقديم التاء على السين كلهم قد قرؤوا القرآن كما ذلك مبسوط في مسلم والبخاري وغيرهما وقد عد علماء الأنساب من أسماء أولاد عبد الله ممن قرأ القرآن وحمل العلم إسحاق وإسماعيل ويعقوب وعمير وعمرو ومحمد وعبد الله وزيد والقاسم تسعة.



رقم الحديث 569 وَحَدَّثَنِي عَنْ مَالِكٍ، عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ، عَنِ الْقَاسِمِ بْنِ مُحَمَّدٍ، أَنَّهُ قَالَ: هَلَكَتِ امْرَأَةٌ لِي، فَأَتَانِي مُحَمَّدُ بْنُ كَعْبٍ الْقُرَظِيُّ يُعَزِّينِي بِهَا فَقَالَ: إِنَّهُ كَانَ فِي بَنِي إِسْرَائِيلَ رَجُلٌ فَقِيهٌ عَالِمٌ عَابِدٌ مُجْتَهِدٌ، وَكَانَتْ لَهُ امْرَأَةٌ.
وَكَانَ بِهَا مُعْجَبًا وَلَهَا مُحِبًّا، فَمَاتَتْ فَوَجَدَ عَلَيْهَا وَجْدًا شَدِيدًا، وَلَقِيَ عَلَيْهَا أَسَفًا، حَتَّى خَلَا فِي بَيْتٍ، وَغَلَّقَ عَلَى نَفْسِهِ، وَاحْتَجَبَ مِنَ النَّاسِ.
فَلَمْ يَكُنْ يَدْخُلُ عَلَيْهِ أَحَدٌ.
وَإِنَّ امْرَأَةً سَمِعَتْ بِهِ فَجَاءَتْهُ، فَقَالَتْ: إِنَّ لِي إِلَيْهِ حَاجَةً أَسْتَفْتِيهِ فِيهَا.
لَيْسَ يُجْزِينِي فِيهَا إِلَّا مُشَافَهَتُهُ، فَذَهَبَ النَّاسُ، وَلَزِمَتْ بَابَهُ.
.

     وَقَالَتْ : مَا لِي مِنْهُ بُدٌّ، فَقَالَ لَهُ قَائِلٌ: إِنَّ هَاهُنَا امْرَأَةً أَرَادَتْ أَنْ تَسْتَفْتِيَكَ، .

     وَقَالَتْ : إِنْ أَرَدْتُ إِلَّا مُشَافَهَتَهُ وَقَدْ ذَهَبَ النَّاسُ.
وَهِيَ لَا تُفَارِقُ الْبَابَ.
فَقَالَ: ائْذَنُوا لَهَا.
فَدَخَلَتْ عَلَيْهِ.
فَقَالَتْ: إِنِّي جِئْتُكَ أَسْتَفْتِيكَ فِي أَمْرٍ.
قَالَ: وَمَا هُوَ؟ قَالَتْ: إِنِّي اسْتَعَرْتُ مِنْ جَارَةٍ لِي حَلْيًا، فَكُنْتُ أَلْبَسُهُ وَأُعِيرُهُ زَمَانًا، ثُمَّ إِنَّهُمْ أَرْسَلُوا إِلَيَّ فِيهِ، أَفَأُؤَدِّيهِ إِلَيْهِمْ؟ فَقَالَ: نَعَمْ.
وَاللَّهِ.
فَقَالَتْ: إِنَّهُ قَدْ مَكَثَ عِنْدِي زَمَانًا، فَقَالَ: ذَلِكِ أَحَقُّ لِرَدِّكِ إِيَّاهُ إِلَيْهِمْ، حِينَ أَعَارُوكِيهِ زَمَانًا، فَقَالَتْ: إِي يَرْحَمُكَ اللَّهُ، أَفَتَأْسَفُ عَلَى مَا أَعَارَكَ اللَّهُ، ثُمَّ أَخَذَهُ مِنْكَ وَهُوَ أَحَقُّ بِهِ مِنْكَ؟ فَأَبْصَرَ مَا كَانَ فِيهِ وَنَفَعَهُ اللَّهُ بِقَوْلِهَا.


( جامع الحسبة في المصيبة)

( مالك عن عبد الرحمن بن القاسم بن محمد بن أبي بكر) بن الصديق قال ابن عبد البر وزادت طائفة عن أبيه وقد روي مسندًا من حديث سهل بن سعد وعائشة والمسور بن مخرمة ( أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال ليعز) بضم الياء من التعزية وهي الحمل على الصبر والتسلي قال تعالى { { وبشر الصابرين الذين إذا أصابتهم مصيبة قالوا إنا لله وإنا إليه راجعون } } ( المسلمين في مصائبهم المصيبة بي) لأن كل مصاب به دونها إذ كل مصاب به عنه عوض ولا عوض عنه صلى الله عليه وسلم وأي مصيبة أعظم من مصيبة من بموته انقطع خبر السماء ومن هو رحمة للمؤمنين ونهج للدين وقالت طائفة من الصحابة ما نفضنا أيدينا من تراب قبره صلى الله عليه وسلم حتى أنكرنا قلوبنا ولأبي العتاهية

لكل أخي ثكل عزاء وإسوة
إذا كان من أهل التقى في محمد

وقال غيره

اصبر لكل مصيبة وتجلد
واعلم بأن المرء غير مخلد

وإذا ذكرت مصيبة تسلو بها
فاذكر مصابك بالنبي محمد

( مالك عن ربيعة بن أبي عبد الرحمن) فروخ المدني المعروف بربيعة الرأي ثقة فقيه مشهور مات سنة اثنين وثلاثين ومائة على الصحيح وقيل سنة ثلاث وقال الباجي سنة اثنين وأربعين ( عن أم سلمة) هند بنت أبي أمية ( زوج النبي صلى الله عليه وسلم) تزوجها سنة أربع وقيل ثلاث وماتت سنة اثنين وستين وقيل سنة إحدى وقيل قبل ذلك والأول أصح ولم يدركها ربيعة ولذا قال أبو عمر هذا حديث يتصل من وجوه شتى إلا أن بعضهم يجعله لأم سلمة عن النبي صلى الله عليه وسلم وبعضهم يجعله لأم سلمة عن أبي سلمة ( أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال من أصابته) وفي رواية لمسلم ما من مسلم تصيبه ( مصيبة) أي مصيبة كانت لقوله صلى الله عليه وسلم كل شيء ساء المؤمن فهو مصيبة رواه ابن السني قال الباجي هذا اللفظ موضوع في أصل كلام العرب لكل من ناله شر أو خير ولكن يختص في عرف الاستعمال بالرزايا والمكاره ( فقال كما أمره الله) بالثناء والتبشير لقائله وذلك يقتضي ندبه والمندوب مأمور به على المختار في الأصول ( إنا لله) ملكًا وعبيدًا يفعل بنا ما يشاء ( وإنا إليه راجعون) في الآخرة فيجازينا وفي مراسيل أبي داود إن مصباح النبي صلى الله عليه وسلم طفئ فاسترجع فقالت عائشة إنما هذا مصباح فقال كل ما ساء المؤمن فهو مصيبة وقال الباجي لم يرد لفظ الأمر بهذا القول في القرآن بل تبشير من قاله والثناء عليه فيحتمل أن يشير إلى غير القرآن فهو خبر عن الباري بذلك ولذا وصله بقوله ( اللهم أجرني) بقصر الهمزة وضم الجيم وسكون الراء قال عياض يقال أجر بالقصر والمد والأكثر أنه مقصور لا يمد أي أعطني أجري وجزاء صبري وهمي ( في مصيبتي وأعقبني) بسكون العين وكسر القاف بمعنى رواية لمسلم وأخلف لي بقطع الهمزة وكسر اللام ( خيرًا منها إلا فعل الله ذلك به) ولمسلم إلا أخلف الله له خيرًا منها وله أيضًا إلا أجره الله في مصيبته وأخلف له خيرًا منها قال أبو عمر فينبغي لكل من أصيب بمصيبة أن يفزع إلى ذلك تأسيًا بكتاب الله وسنة رسوله قال ابن جريج ما يمنعه أن يستوجب على الله ثلاث خصال كل خصلة منها خير من الدنيا وما فيها صلوات الله ورحمته والهدى انتهى وللطبراني وابن مردويه عن ابن عباس رفعه أعطيت أمتي شيئًا لم يعطه أحد من الأمم أن يقولوا عند المصيبة { { إنا لله وإنا إليه راجعون } } ولابن جرير والبيهقي عن سعيد بن جبير لقد أعطيت هذه الأمة عند المصيبة ما لم يعط الأنبياء مثله { { إنا لله وإنا إليه راجعون } } ولو أعطيه الأنبياء لأعطيه يعقوب إذ قال يا أسفا على يوسف وظاهر الأحاديث أن المأمور به قول ذلك مرة واحدة فورًا وذلك في الموت عند الصدمة الأولى وخبر إذا ذكرها ولو بعد أربعين عامًا فاسترجع كان له أجرها يوم وقوعها زيادة فضل لا ينافي الاستحباب بفور وقوع المصيبة ( قالت أم سلمة فلما توفي أبو سلمة) عبد الله بن عبد الأسد بن هلال بن عبد الله بن عمر بن مخزوم القرشي المخزومي أخو النبي صلى الله عليه وسلم من رضاع ثويبة وابن عمته برة بنت عبد المطلب كان من السابقين شهد بدرًا ومات في جمادى الآخرة سنة أربع بعد أحد وفي مسلم عن أم سلمة دخل صلى الله عليه وسلم على أبي سلمة وقد شق بصره فأغمضه وقال إن الروح إذا قبض تبعه البصر فضج ناس من أهله فقال لا تدعوا على أنفسكم إلا بخير فإن الملائكة يؤمنون على ما تقولون ثم قال اللهم اغفر لأبي سلمة وارفع درجته في المهديين واخلفه في عقبه في الغابرين واغفر لنا وله يا رب العالمين وافسح له في قبره ونور له فيه ( قلت ذلك) المذكور من الاسترجاع وما بعده ( ثم قلت ومن خير من أبي سلمة) أي قالته في نفسها ولم تحرك به لسانها ولا أنكرت أنه صلى الله عليه وسلم قال حقًا ولكن هو شيء يخطر بالقلب وليس أحد معصومًا منه ولو قال ذلك قائل لمنع العوض كما يمنع الذي يعجل بدعائه الإجابة قاله أبو عبد الملك وفي مسلم فلما مات قلت أي المسلمين خير من أبي سلمة أول بيت هاجر إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم إني قلتها فأخلف الله لي رسوله قال أبو عبد الله الأبي المعنى بالنسبة إليها فلا يكون خيرًا من أبي بكر وعمر لأن الأخير في ذاته قد لا يكون خيرًا لها ويحتمل أن تعني أنه خير مطلقًا فالإجماع على فضل أبي بكر إنما هو فيمن تأخرت وفاته عن النبي صلى الله عليه وسلم أما من مات في زمنه ففيه خلاف انتهى.
والأول أولى فالخلاف شاذ لا يعتد به ( فأعقبها الله رسوله صلى الله عليه وسلم فتزوجها) وفي مسلم من طريق شقيق عن أم سلمة فلما مات أتيت النبي صلى الله عليه وسلم فقلت إن أبا سلمة قد مات قال قولي اللهم اغفر لي وله وأعقبني منه عقبى حسنة فقلت فأعقبني الله من هو خير منه محمدًا صلى الله عليه وسلم ( مالك عن يحيى بن سعيد عن القاسم بن محمد) بن الصديق ( أنه قال هلكت امرأة لي فأتاني محمد بن كعب القرظي) بضم القاف المدني ولد سنة أربعين على الصحيح ووهم من قال في العهد النبوي فقد قال البخاري إن أباه كان ممن لم ينبت من بني قريظة مات سنة عشرين ومائة وقيل قبلها ( يعزيني بها فقال إنه كان في بني إسرائيل رجل فقيه عالم عابد مجتهد) في العبادة وما قبلها ( وكانت له امرأة وكان بها معجبًا) مستحسنًا لها راضيًا بجمالها ( لها) وفي نسخة ولها بالواو ( محبًا فماتت فوجد) حزن ( عليها وجدًا) حزنًا ( شديدًا ولقي عليها أسفًا) تلهفًا وحزنًا ( حتى خلا في بيت وغلق) بالتشديد للمبالغة قفل ( على نفسه واحتجب من الناس فلم يكن يدخل عليه أحد) لما غلبه من شدة الحزن ( وإن امرأة سمعت به فجاءته فقالت إن لي إليه حاجة أستفتيه) أطلب فتياه ( فيها ليس يجزيني) بضم أوله من أجزأ بمعنى أغنى أي يغنيني وبفتح أوله من جزى نقلهما الأخفش لغتين بمعنى واحد فقال الثلاثي بلا همز لغة الحجاز والرباعي المهموز لغة تميم ( فيها إلا مشافهته) خطابه بالشفاه بلا واسطة ( فذهب الناس ولزمت بابه وقالت ما لي منه بد) أي محيد ( فقال له قائل إن ههنا امرأة أرادت أن تستفتيك وقالت إن) نافية أي ما ( أردت إلا مشافهته وقد ذهب الناس وهي لا تفارق الباب فقال ائذنوا لها فدخلت عليه فقالت إني جئتك أستفتيك في أمر قال وما هو قالت إني استعرت من جارة لي حليًا) بفتح فسكون مفرد حلي بضمتين ( فكنت ألبسه) بفتح الباء ( وأعيره زمانًا ثم إنهم أرسلوا إلي فيه أفأؤديه إليهم فقال نعم والله) يلزمك تأديته وأقسم تأكيدًا للفتوى ( فقالت إنه قد مكث عندي زمانًا فقال ذلك) بكسر الكاف ( أحق لردك إياه إليهم حين أعاروكيه زمانًا فقالت أي) بفتح فسكون نداء للقريب ( يرحمك الله أفتأسف على ما أعاركه) ولابن وضاح أعارك ( الله ثم أخذه منك وهو أحق به منك) قال لبيد

وما المال والأهلون إلا ودائع
ولا بد يومًا أن ترد الودائع

( فأبصر ما كان فيه ونفعه الله بقولها) ففيه وعظ العالم وإن كان الواعظ دونه في العلم فقد يخطئ الفاضل ويوفق المفضول قاله الباجي وفي الاستذكار هذا خبر حسن عجيب في التعازي وليس في كل الموطآت وما ذكرته من العارية للحلي على جهة ضرب المثل لا يدخل في مذموم الكذب بل ذلك من الأمر المحمود عليه صاحبه وقد قال صلى الله عليه وسلم ليس بالكاذب من قال خيرًا أو نمى خيرًا أو أصلح بين اثنين انتهى.
وقد ضربت المثل بالعارية أم سليم لزوجها أبي طلحة وعلم بذلك المصطفى فأقره وذلك لما مات ابنه منها أبو عمير ونحته في جانب البيت ولم يكن فيه أبو طلحة فلما جاء قال كيف الغلام قالت هدأت نفسه وأرجو أنه استراح وقربت له العشاء فتعشى ثم تطيبت وتعرضت له حتى واقعها فلما أراد أن يخرج قالت يا أبا طلحة أرأيت لو أن قومًا أعاروا أهل بيت عارية فطلبوا عاريتهم ألهم أن يمنعوهم قال لا قالت فاحتسب ابنك فغضب وقال تركتيني حتى تلطخت ثم أخبرتيني بابني وفي رواية فقال أبو طلحة ليس لهم ذلك أن العارية مؤداة إلى أهلها فقالت إن الله أعارنا غلامًا ثم أخذه منا فاسترجع ثم صلى مع النبي صلى الله عليه وسلم ثم أخبره بما كان منها فقال لعل الله أن يبارك لكما في ليلتكما وفي رواية اللهم بارك لهما فجاءت بعبد الله بن أبي طلحة قال بعض الأنصار فرأيت له تسعة أولاد بتقديم التاء على السين كلهم قد قرؤوا القرآن كما ذلك مبسوط في مسلم والبخاري وغيرهما وقد عد علماء الأنساب من أسماء أولاد عبد الله ممن قرأ القرآن وحمل العلم إسحاق وإسماعيل ويعقوب وعمير وعمرو ومحمد وعبد الله وزيد والقاسم تسعة.