فهرس الكتاب

شرح الزرقاني - بَابُ مَا جَاءَ فِي صَلَاةِ اللَّيْلِ

رقم الحديث 261 حَدَّثَنِي يَحْيَى، عَنْ مَالِكٍ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ الْمُنْكَدِرِ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ عَنْ رَجُلٍ عِنْدَهُ رِضًا، أَنَّهُ أَخْبَرَهُ: أَنَّ عَائِشَةَ زَوْجَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَخْبَرَتْهُ: أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: مَا مِنِ امْرِئٍ تَكُونُ لَهُ صَلَاةٌ بِلَيْلٍ، يَغْلِبُهُ عَلَيْهَا نَوْمٌ، إِلَّا كَتَبَ اللَّهُ لَهُ أَجْرَ صَلَاتِهِ، وَكَانَ نَوْمُهُ عَلَيْهِ صَدَقَةً.


( مَالِكٍ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ الْمُنْكَدِرِ) بن عبد الله المدني الثقة الفاضل ( عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ) الأسدي مولاهم الكوفي ثقة ثبت فقيه أحد الأعلام، قتله الحجاج ظلمًا في شعبان سنة خمس وتسعين وهو ابن سبع وخمسين وقيل تسع وأربعين.
قال ميمون بن مهران: لقد مات وما على وجه الأرض أحد إلا وهو محتاج إلى علمه.

( عَنْ رَجُلٍ عِنْدَهُ رِضًا) قال ابن عبد البر: قيل إنه الأسود بن يزيد النخعي فقد أخرجه النسائي من طريق ابن جعفر الرازي عن محمد بن المنكدر عن سعيد بن جبير عن الأسود بن يزيد عن عائشة به.
ورواه النسائي أيضًا من وجه آخر عن أبي جعفر عن ابن المنكدر عن سعيد عن عائشة بلا واسطة، وجزم الحافظ بأن روايته عن عائشة وأبي موسى ونحوهما مرسلة.
قال الحافظ العراقي: وقد جاء من حديث أبي الدرداء بنحو حديث عائشة أخرجه النسائي وابن ماجه والبزار بإسناد صحيح.

( أَنَّهُ أَخْبَرَهُ أَنَّ عَائِشَةَ زَوْجَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَخْبَرَتْهُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: مَا) نافية ( مِنِ) زائدة ( امْرِئٍ) مجرور لفظًا مرفوع اسم ما إن جعلت حجازية وعلى الابتداء إن جعلت تميمية ( تَكُونُ لَهُ صَلَاةٌ بِلَيْلٍ يَغْلِبُهُ عَلَيْهَا نَوْمٌ) قال الباجي: هو على وجهين أحدهما أن يذهب به النوم فلا يستيقظ، والثاني أن يستيقظ ويمنعه غلبة النوم من الصلاة فهذا حكمه أن ينام حتى يذهب عنه مانع النوم ( إِلَّا كَتَبَ اللَّهُ لَهُ أَجْرَ صَلَاتِهِ) التي اعتادها وغلبه النوم أحيانًا مكافأة له على نيته.
قال الباجي: وذلك يحتمل أن له أجرها غير مضاعف ولو عملها لضوعف له أجرها إذ لا خلاف أن المصلي أكمل حالاً، ويحتمل أن يريد له أجر نيته وأن له أجر من تمنى أن يصلي تلك الصلاة أو أجر تأسفه على ما فاته منها، واستظهر غيره الأوّل أي أجر نيته لا سيما مع قوله: ( وَكَانَ نَوْمُهُ عَلَيْهِ صَدَقَةً) .

قال الباجي: يعني أنه لا يحتسب به ويكتب له أجر المصلين.
وقال ابن عبد البر: فيه إنّ المرء يجازى على ما نوى من الخير وإن لم يعمله كما لو عمله فضلاً من الله تعالى إذا لم يحبسه عنه شغل دنيا وكان المانع من الله وأن النية يعطى عليها كالذي يعطى على العمل إذا حيل بينه وبين ذلك العمل بنوم أو نسيان أو غير ذلك من الموانع، وقد قال صلى الله عليه وسلم: نية المؤمن خير من عمله ونية الفاجر شر من عمله وكل يعمل على نيته.
ومعناه أن النية بلا عمل خير من العمل بلا نية لأن العمل بدونها لا ينفع والنية الحسنة تنفع بلا عمل، ويحتمل أن يريد أن نية المؤمن في الأعمال الصالحة أكثر مما يقوى عليه منها انتهى.

والحديث رواه النسائي عن قتيبة عن مالك به، وتابعه أبو جعفر الرازي عند النسائي أيضًا.
وقال إن أبا جعفر ليس بقوي في الحديث.

( مَالِكٍ عَنْ أَبِي النَّضْرِ) بفتح النون وسكون المعجمة واسمه سالم بن أبي أمية ( مَوْلَى عُمَرَ) بضم العين ( بْنِ عُبَيْدِ اللَّهِ) بتصغير العبد التيمي ( عَنْ أَبِي سَلَمَةَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ) بن عوف ( عَنْ عَائِشَةَ زَوْجِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهَا قَالَتْ: كُنْتُ أَنَامُ بَيْنَ يَدَيْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَرِجْلَايَ فِي قِبْلَتِهِ) جملة حالية أي في مكان سجوده ( فَإِذَا سَجَدَ غَمَزَنِي) أي طعن بأصبعه فيّ لأقبض رجلي من قبلته، وقيل معناه أشار والأوّل أولى لأن معناه جاء في رواية قاله الحافظ البرهان في شرح البخاري ( فَقَبَضْتُ رِجْلَيَّ) بشدّ الياء مثنى ( فَإِذَا قَامَ بَسَطْتُهُمَا) بالتثنية، وكذا رواه الأكثر في البخاري، ولبعض رواته رجلي وبسطتها بالإفراد فيهما.

( قَالَتْ: وَالْبُيُوتُ يَوْمَئِذٍ لَيْسَ فِيهَا مَصَابِيحُ) إذ لو كانت لقبضت رجلي وما أحوجته للغمز قالت ذلك اعتذارًا.
قال ابن عبد البر: قولها يومئذٍ تريد حينئذٍ إذ المصابيح إنما تتخذ في الليالي دون الأيام، وهذا مشهور في لسان العرب يعبر باليوم عن الحين كما يعبر به عن النهار، وفي قولها غمزني دلالة على أن لمس المرأة بلا لذة لا ينقض الوضوء لأن شأن المصلي عدم اللذة، لا سيما النبي صلى الله عليه وسلم واحتمال الحائل أو الخصوصية الأصل عدم الحائل والخصائص لا تثبت بالاحتمال، وعلى أن المرأة لا تقطع صلاة من صلى إليها وهو قول مالك والشافعي وأبي حنيفة وجماعة من التابعين وغيرهم.
نعم كرهه مالك لئلا يذكر منها ما يشغله عن الصلاة أو يبطلها والنبي صلى الله عليه وسلم معصوم.

وهذا الحديث كما قاله أبو عمر: من أثبت ما جاء في هذا المعنى، ورواه البخاري عن إسماعيل وعبد الله بن يوسف، ومسلم عن يحيى الثلاثة عن مالك به.

( مَالِكٍ عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَائِشَةَ زَوْجِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: إِذَا نَعَسَ) بفتح العين وغلط من ضمها وأما المضارع فبضمها وفتحها ( أَحَدُكُمْ فِي صَلَاتِهِ) الفرض والنفل في الليل أو النهار عند الجمهور أخذًا بعمومه لكن لا يخرج فريضة عن وقتها وحمله مالك وجماعة على نفل الليل لأنه محل النوم غالبًا ( فَلْيَرْقُدْ) وفي رواية: فلينم، وأخرى: فليضطجع، والنعاس أول النوم والرقاد المستطاب من النوم ذكره الراغب.
وفي رواية النسائي فلينصرف.
والمراد به التسليم من الصلاة بعد تمامها فرضًا كانت أو نفلاً فالنعاس سبب للنوم أو للأمر به ولا يقطع الصلاة بمجرّد النعاس، وحمله المهلب على ظاهره فقال: إنما أمر بقطع الصلاة لغلبة النوم عليه فدل على أنه إذا كان النعاس أقل من ذلك عفي عنه ( حَتَّى يَذْهَبَ عَنْهُ النَّوْمُ) وهو غشي ثقيل يهجم على القلب فيقطعه عن معرفة الأشياء والأمر للندب لا للوجوب لأنه إذا اشتدّ انقطعت الصلاة فلا يتأتى وجوب القطع لحصوله بغير اختيار المصلي ذكره الولي العراقي مخالفًا لأبيه في تفصيله بين شدّة النعاس وخفته.

( فَإِنَّ أَحَدَكُمْ إِذَا صَلَّى وَهُوَ نَاعِسٌ) في أوائل النوم ( لَا يَدْرِي) ما يفعل فحذف المفعول للعلم به واستأنف بيانيًا قوله ( لَعَلَّهُ يَذْهَبُ يَسْتَغْفِرُ) أي يدعو برفعهما ( فَيَسُبَّ نَفْسَهُ) أي يدعو عليها.
ففي النسائي من طريق أيوب عن هشام يدعو على نفسه وهو بالنصب جوابًا للعل والرفع عطفًا على يستغفر.

قال الطيبي: والنصب أولى لأن المعنى يطلب من الله الغفران لذنبه ليصير مزكى فيتكلم بما يجلب الذنب فيزيد العصيان على العصيان وكأنه قد سب نفسه، وجعل ابن أبي جمرة علة النهي خشية أن يوافق ساعة إجابة والرجاء في لعل عائد على المصلي لا إلى المتكلم به أي لا يدري استغفر أم سب مترجيًا للاستغفار وهو في الواقع بضدّ ذلك، وعبر أوّلاً بنعس ماضيًا وثانيًا بناعس اسم فاعل تنبيهًا على أنه لا يكفي تجدّد أدنى نعاس ونقيضه في الحال بل لا بدّ من ثبوته بحيث يفضي إلى عدم درايته بما يقول وعدم علمه بما يقرأ.

قال الزين العراقي: وإنما أخذ بما لم يقصد من سبه نفسه وهو ناعس لأنه عرّض نفسه للوقوع فيه بعد النهي عنه فهو متعد وبفرض عدم إثمه بعدم قصده فالقصد من الصلاة أداؤها كما أمر وتحصيل الدعاء لنفسه وبفواته يفوت المقصود.

قال أبو عمر: فيه إنه لا يجوز للمرء سب نفسه وأن الصلاة لا ينبغي أن يقربها من لا يقيمها على حدودها وإن ترك ما يشغله عن خشوعها واستعمال الفراغ لها واجب.

وقال الضحاك في قوله تعالى: { { لاَ تَقْرَبُوا الصَّلاَةَ وَأَنْتُمْ سُكَارَى } } قال: من النوم ولا أعلم أحدًا تابعه على ذلك.

وقال الباجي: قال جماعة من أهل التفسير: معنى ذلك من النوم والأغلب أن يكون ذلك في صلاة الليل فمن أصابه ذلك وفي الوقت سعة ومعه من يوقظه فليرقد ليتفرغ لصلاته وإن ضاق الوقت صلى واجتهد في تصحيحها، فإن تيقن تمام فرضه وإلا قضاه بعد النوم.

وهذا الحديث أخرجه البخاري عن عبد الله بن يوسف ومسلم عن قتيبة بن سعيد كلاهما عن مالك به، وتابعه أبو أسامة وعبد الله بن نمير كلاهما عن هشام عند مسلم.

( مَالِكٍ عَنْ إِسْمَاعِيلَ بْنِ أَبِي حَكِيمٍ) القرشي مولاهم المدني ثقة روى له الشيخان ( أَنَّهُ بَلَغَهُ) كذا رواه إسماعيل بلاغًا وقد رواه القعنبي عن مالك عن هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة.

قال ابن عبد البر: تفرد به القعنبي في الموطأ دون بقية رواته فاقتصروا منه على طرف مختصر وهو متصل من طرق صحاح ثابتة من حديث مالك وغيره، فأخرجه البخاري: حدّثنا عبد الله بن مسلمة عن مالك عن هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة، والبخاري ومسلم من طريق يحيى بن سعيد القطان عن هشام عن أبيه عن عائشة، والعقيلي من طريق الضحاك بن عثمان عن إسماعيل بن أبي حكيم عن القاسم بن محمد عن عائشة.

( أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سَمِعَ امْرَأَةً مِنَ اللَّيْلِ تُصَلِّي) أي سمع ذكر صلاتها، فلفظ رواية القعنبي المذكورة عن عائشة قالت: كان عندي امرأة من بني أسد فدخل عليّ رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: من هذه قلت: فلانة لا تنام بالليل تذكر من صلاتها.
فقال: مه عليكم ما تطيقون من الأعمال فإن الله لا يمل حتى تملوا.
ولكن تغايره رواية الزهري عن عروة عن عائشة عند مسلم أن الحولاء مرت بها وعندها رسول الله صلى الله عليه وسلم الحديث، إذ يحتمل أن المارة امرأة غيرها من بني أسد أيضًا فالقصة تعددت.

وأجاب الحافظ: بأنها واحدة ويحمل أنها كانت أوّلاً عند عائشة، فلما دخل صلى الله عليه وسلم على عائشة قامت المرأة لتخرج فمرت به في حال ذهابها فسأل عنها كما في رواية حماد بن سلمة عن هشام بلفظ: كانت عندي امرأة فلما قامت قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: من هذه قلت: فلانة وهي أعبد أهل المدينة الحديث.
رواه الحسن بن سفيان في مسنده، ودل هذا على أنها لم تذكر ذلك إلا بعد خروج المرأة فلا يأتي قول ابن التين لعلها أمنت عليها الفتنة فمدحتها في وجهها.

( فَقَالَ: مَنْ هَذِهِ؟ فَقِيلَ لَهُ:) القائل عائشة، ففي مسلم من رواية الزهري عن عروة عن عائشة فقلت ( هَذِهِ الْحَوْلَاءُ) بالحاء المهملة والمدّ وهو اسمها فكنت عنها بفلانة في رواية هشام وصرحت في رواية الزهري وفي هذا البلاغ باسمها واسم أبيها فقالت ( بِنْتُ تُوَيْتٍ) بفوقيتين مصغر ابن حبيب بفتح المهملة ابن أسد بن عبد العزى بن قصي من رهط خديجة أم المؤمنين أسلمت وبايعت ( لَا تَنَامُ اللَّيْلَ) تصلي كما زاده أحمد ومسلم من رواية يحيى القطان عن هشام، وفي مسلم من طريق الزهري، وزعموا أنها لا تنام الليل وهذا يوافق رواية أن عائشة حكت ذلك عن غيرها ( فَكَرِهَ ذَلِكَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَتَّى عُرِفَتِ الْكَرَاهِيَةُ) بخفة الياء ( فِي وَجْهِهِ) قال الباجي: تعني أنه رؤي في وجهه من التقطيب وغير ذلك ما عرفت به كراهيته لما وصفت به ولمسلم من رواية الزهري فقال لا تنام الليل.

( ثُمَّ قَالَ: إِنَّ اللَّهَ تَبَارَكَ وَتَعَالَى لَا يَمَلُّ حَتَّى تَمَلُّوا) بفتح الميم فيهما.
قال ابن عبد البر: أي أن من ملّ من عمل قطع عنه جزاءه فعبر عنه بالملال لأنه بحذائه وجواب له فهو لفظ خرج على مثال لفظ والعرب تفعل ذلك إذا جعلوه جوابًا له أو جزاء ذكروه مثل لفظه وإن كان مخالفًا له في المعنى كقوله تعالى: { { وَجَزَاءُ سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ مِّثْلُهَا } } { { فَمَنِ اعْتَدَى عَلَيْكُمْ فَاعْتَدُوا عَلَيْهِ بِمِثْلِ مَا اعْتَدَى عَلَيْكُمْ } } { { وَمَكَرُوا وَمَكَرَ اللَّهُ } } و { { نَحْنُ مُسْتَهْزِئُونَ } } { { اللَّهُ يَسْتَهْزِئُ بِهِمْ } } و { { يَكِيدُونَ كَيْدًا وَأَكِيدُ كَيْدًا } }

وقال الحافظ: الملال استثقال الشيء ونفور النفس عنه بعد محبته وهو محال على الله تعالى باتفاق.
قال الإسماعيلي: وجماعة من المحققين: إنما أطلق هذا على جهة المقابلة اللفظية مجازًا كما قال الله تعالى { { وَجَزَاءُ سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ مِّثْلُهَا } } وأنظاره.
وقال القرطبي: وجهة مجازه أنه تعالى لما كان يقطع ثوابه عمن قطع العمل ملالا عبر عن ذلك بالملال من تسمية الشيء باسم سببه.
وقال الهروي: معناه لا يقطع عنكم فضله حتى تملوا سؤاله فتزهد في الرغبة إليه.
وقال غيره: معناه لا يتناهى حقه عليكم في الطاعة حتى يتناهى جهدكم، وهذا كله بناء على أن حتى على بابها في انتهاء الغاية وما يترتب عليها من المفهوم.

وجنح بعضهم إلى تأويلها فقيل معناه لا يمل الله إذا مللتم وهو مستعمل في كلام العرب يقولون لا أفعل كذا حتى يبيض القار وحتى يشيب الغراب، ومنه قولهم في البليغ لا ينقطع حتى ينقطع خصومه لأنه لو انقطع لم يكن له عليهم مزية، وهذا المثال أشبه من الذي قبله لأن شيب الغراب ليس ممكنًا عادة بخلاف الملل من العابد.

وقال المازري قيل حتى بمعنى الواو فالتقدير لا يمل وتملون فنفى عنه الملل وأثبته لهم.
قال وقيل: حتى بمعنى حين والأوّل أليق وأجرى على القواعد وأنه من باب المقابلة اللفظية، ويؤيده ما ورد في بعض طرق حديث عائشة إن الله لا يمل من الثواب حتى تملوا من العمل أخرجه ابن جرير، لكن في سنده موسى بن عبيدة وهو ضعيف وفي بعض طرقه ما يدل على أن ذلك من قول بعض رواة الحديث.

وقال ابن حبان: هذا من ألفاظ التعارف التي لا يتهيأ للمخاطب أن يعرف القصد بما يخاطب به إلا بها وهذا رأيه في جميع المتشابه.

( اكْلَفُوا) بسكون الكاف وفتح اللام أي خذوا وتحملوا ( مِنَ الْعَمَلِ) أي عمل البر من صلاة وغيرها ( مَا لَكُمْ بِهِ) أي بالمداومة عليه ( طَاقَةٌ) قوّة فمنطوقه الأمر بالاقتصار على ما يطاق من العبادة ومفهومه النهي عن تكلف ما لا يطاق.
وقال عياض: يحتمل أن هذا خاص بصلاة الليل، ويحتمل أنه عام في الأعمال الشرعية.

وقال الحافظ: سبب وروده خاص بالصلاة لكن اللفظ عامّ وهو المعتبر، وقد عبر بقوله أي في حديث عائشة عليكم وبقوله هنا اكلفوا مع أن المخاطب النساء طلبًا لتعميم الحكم فغلب الذكور على الإناث انتهى.

وقال الباجي: الأظهر أنه أراد به عمل البر لأنه ورد على سببه، والصحيح وهو قول مالك أن اللفظ الوارد على سبب غير مقصور عليه ولأنه لفظ ورد من الشارع فوجب أن يحمل على الأعمال الشرعية، وقد أخذ بظاهر الحديث جماعة من الأئمة فقالوا يكره قيام جميع الليل، وبه قال مالك مرة ثم رجع فقال لا بأس به ما لم يضر بصلاة الصبح فإن كان يأتي وهو ناعس فلا يفعل وإن كان إنما يدركه كسل وفتور فلا بأس بذلك، وكذا قال الشافعي لا أكرهه إلا لمن خشي أن يضر بصلاة الصبح.

( مَالِكٍ عَنْ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ عَنْ أَبِيهِ أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ كَانَ يُصَلِّي مِنَ اللَّيْلِ مَا شَاءَ اللَّهُ حَتَّى إِذَا كَانَ مِنْ آخِرِ اللَّيْلِ أَيْقَظَ أَهْلَهُ لِلصَّلَاةِ) أي لإدراك شيء من صلاة السحر والاستغفار فيه، ويحتمل أن يكون إيقاظه لصلاة الصبح وأيما كان فإنه امتثل الآية، وفيه أنه لم يشغله أمور المسلمين عن صلاة الليل لفضل التهجد وأنه لم يكلف أهله منه ما كان هو يفعله.

( يَقُولُ لَهُمُ: الصَّلَاةَ الصَّلَاةَ) بنصبهما ( ثُمَّ يَتْلُو هَذِهِ الْآيَةَ: { { وَأْمُرْ أَهْلَكَ بِالصَّلَاةِ وَاصْطَبِرْ } } ) اصبر { { عَلَيْهَا لَا نَسْأَلُكَ } } لا نكلفك { { رِزْقًا } } لنفسك ولا لغيرك { { نَحْنُ نَرْزُقُكَ وَالْعَاقِبَةُ } } الجنة { { لِلتَّقْوَى } } أي لأهلها.
روى ابن مردويه عن أبي قال: حين نزلت هذه الآية كان صلى الله عليه وسلم يأتي باب عليّ فيقول: الصلاة رحمكم الله { { إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيرًا } }

( مَالِكٍ أَنَّهُ بَلَغَهُ أَنَّ سَعِيدَ بْنَ الْمُسَيِّبِ كَانَ يَقُولُ: يُكْرَهُ النَّوْمُ قَبْلَ الْعِشَاءِ) لما فيه من تعريضها للفوات ( وَالْحَدِيثُ بَعْدَهَا) لمنعه من صلاة الليل، وقد أرخص في ذلك لمن تحدّث مع ضيف أو غلمان أو لعرس أو لمسافر قاله الباجي.
وهذا البلاغ حديث مرفوع روى الشيخان عن أبي برزة بفتح الموحدة والزاي بينهما راء ساكنة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يكره النوم قبل العشاء، والحديث بعدها قال الترمذي: كره أكثر أهل العلم النوم قبل صلاة العشاء ورخص فيه بعضهم ورخص بعضهم فيه في رمضان خاصة انتهى.

قال الحافظ: ومن نقلت عنه الرخصة قيدت عنه في أكثر الروايات بما إذا كان له من يوقظه أو عرف من عادته أنه لا يستغرق وقت الاختيار بالنوم، وهذا جيد حيث قلنا إن علة النهي خشية خروج الوقت، وحمل الطحاوي الرخصة على ما قبل دخول وقت العشاء والكراهة على ما بعد دخوله.

( مَالِكٍ أَنَّهُ بَلَغَهُ أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عُمَرَ كَانَ يَقُولُ:) بلاغه صحيح، وقد رواه ابن وهب أخبرني عمرو بن الحارث عن بكير بن عبد الله بن الأشج أن محمد بن عبد الرحمن بن قزمان حدّثه أنه سمع ابن عمر يقول ( صَلَاةُ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ) أي التنفل فيه إذ لا يقال للظهر ولا للعصر ( مَثْنَى مَثْنَى) بفتح الميم أي اثنين اثنين ( يُسَلِّمُ مِنْ كُلِّ رَكْعَتَيْنِ) قال أبو عمر: هذا تفسير لحديثه بعد هذا في الموطأ مرفوعًا صلاة الليل مثنى مثنى.
قال الشافعي: هو حديث خرج على جواب سائل كأنه قيل: كيف صلاة الليل؟ قال: مثنى مثنى، ولو سأله عن صلاة النهار لقال مثل ذلك لقول ابن عمر هذا فهو يردّ على الكوفيين في إجازتهم عشر ركعات وثمانيًا وستًا وأربعًا بغير سلام.
وروي أن ابن عمر كان يتطوّع بالنهار أربعًا لا يفصل بينهن، وهذا لو صح احتمل أن يكون لا يفصل بينهن بتقدّم عن موضعه ولا تأخر وجلوس طويل وكلام، وقد روى ابن عمر أنه صلى الله عليه وسلم كان يصلي قبل الظهر ركعتين وبعدها ركعتين وقبل العصر ركعتين وبعد المغرب ركعتين، وهو كان أشد الناس امتثالاً له صلى الله عليه وسلم فكيف يقبل مع هذا أن ابن عمر كان يتطوّع بالنهار أربعًا لا يفصل بينهن.

( قَالَ مَالِكٌ: وَهُوَ الْأَمْرُ عِنْدَنَا) بالمدينة الذي أجمعوا عليه.



رقم الحديث 262 وَحَدَّثَنِي عَنْ مَالِكٍ، عَنْ أَبِي النَّضْرِ مَوْلَى عُمَرَ بْنِ عُبَيْدِ اللَّهِ عَنْ أَبِي سَلَمَةَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ: عَنْ عَائِشَةَ زَوْجِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، أَنَّهَا قَالَتْ: كُنْتُ أَنَامُ بَيْنَ يَدَيْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَرِجْلَايَ فِي قِبْلَتِهِ، فَإِذَا سَجَدَ غَمَزَنِي، فَقَبَضْتُ رِجْلَيَّ.
فَإِذَا قَامَ بَسَطْتُهُمَا.
قَالَتْ: وَالْبُيُوتُ يَوْمَئِذٍ لَيْسَ فِيهَا مَصَابِيحُ.


( مَالِكٍ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ الْمُنْكَدِرِ) بن عبد الله المدني الثقة الفاضل ( عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ) الأسدي مولاهم الكوفي ثقة ثبت فقيه أحد الأعلام، قتله الحجاج ظلمًا في شعبان سنة خمس وتسعين وهو ابن سبع وخمسين وقيل تسع وأربعين.
قال ميمون بن مهران: لقد مات وما على وجه الأرض أحد إلا وهو محتاج إلى علمه.

( عَنْ رَجُلٍ عِنْدَهُ رِضًا) قال ابن عبد البر: قيل إنه الأسود بن يزيد النخعي فقد أخرجه النسائي من طريق ابن جعفر الرازي عن محمد بن المنكدر عن سعيد بن جبير عن الأسود بن يزيد عن عائشة به.
ورواه النسائي أيضًا من وجه آخر عن أبي جعفر عن ابن المنكدر عن سعيد عن عائشة بلا واسطة، وجزم الحافظ بأن روايته عن عائشة وأبي موسى ونحوهما مرسلة.
قال الحافظ العراقي: وقد جاء من حديث أبي الدرداء بنحو حديث عائشة أخرجه النسائي وابن ماجه والبزار بإسناد صحيح.

( أَنَّهُ أَخْبَرَهُ أَنَّ عَائِشَةَ زَوْجَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَخْبَرَتْهُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: مَا) نافية ( مِنِ) زائدة ( امْرِئٍ) مجرور لفظًا مرفوع اسم ما إن جعلت حجازية وعلى الابتداء إن جعلت تميمية ( تَكُونُ لَهُ صَلَاةٌ بِلَيْلٍ يَغْلِبُهُ عَلَيْهَا نَوْمٌ) قال الباجي: هو على وجهين أحدهما أن يذهب به النوم فلا يستيقظ، والثاني أن يستيقظ ويمنعه غلبة النوم من الصلاة فهذا حكمه أن ينام حتى يذهب عنه مانع النوم ( إِلَّا كَتَبَ اللَّهُ لَهُ أَجْرَ صَلَاتِهِ) التي اعتادها وغلبه النوم أحيانًا مكافأة له على نيته.
قال الباجي: وذلك يحتمل أن له أجرها غير مضاعف ولو عملها لضوعف له أجرها إذ لا خلاف أن المصلي أكمل حالاً، ويحتمل أن يريد له أجر نيته وأن له أجر من تمنى أن يصلي تلك الصلاة أو أجر تأسفه على ما فاته منها، واستظهر غيره الأوّل أي أجر نيته لا سيما مع قوله: ( وَكَانَ نَوْمُهُ عَلَيْهِ صَدَقَةً) .

قال الباجي: يعني أنه لا يحتسب به ويكتب له أجر المصلين.
وقال ابن عبد البر: فيه إنّ المرء يجازى على ما نوى من الخير وإن لم يعمله كما لو عمله فضلاً من الله تعالى إذا لم يحبسه عنه شغل دنيا وكان المانع من الله وأن النية يعطى عليها كالذي يعطى على العمل إذا حيل بينه وبين ذلك العمل بنوم أو نسيان أو غير ذلك من الموانع، وقد قال صلى الله عليه وسلم: نية المؤمن خير من عمله ونية الفاجر شر من عمله وكل يعمل على نيته.
ومعناه أن النية بلا عمل خير من العمل بلا نية لأن العمل بدونها لا ينفع والنية الحسنة تنفع بلا عمل، ويحتمل أن يريد أن نية المؤمن في الأعمال الصالحة أكثر مما يقوى عليه منها انتهى.

والحديث رواه النسائي عن قتيبة عن مالك به، وتابعه أبو جعفر الرازي عند النسائي أيضًا.
وقال إن أبا جعفر ليس بقوي في الحديث.

( مَالِكٍ عَنْ أَبِي النَّضْرِ) بفتح النون وسكون المعجمة واسمه سالم بن أبي أمية ( مَوْلَى عُمَرَ) بضم العين ( بْنِ عُبَيْدِ اللَّهِ) بتصغير العبد التيمي ( عَنْ أَبِي سَلَمَةَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ) بن عوف ( عَنْ عَائِشَةَ زَوْجِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهَا قَالَتْ: كُنْتُ أَنَامُ بَيْنَ يَدَيْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَرِجْلَايَ فِي قِبْلَتِهِ) جملة حالية أي في مكان سجوده ( فَإِذَا سَجَدَ غَمَزَنِي) أي طعن بأصبعه فيّ لأقبض رجلي من قبلته، وقيل معناه أشار والأوّل أولى لأن معناه جاء في رواية قاله الحافظ البرهان في شرح البخاري ( فَقَبَضْتُ رِجْلَيَّ) بشدّ الياء مثنى ( فَإِذَا قَامَ بَسَطْتُهُمَا) بالتثنية، وكذا رواه الأكثر في البخاري، ولبعض رواته رجلي وبسطتها بالإفراد فيهما.

( قَالَتْ: وَالْبُيُوتُ يَوْمَئِذٍ لَيْسَ فِيهَا مَصَابِيحُ) إذ لو كانت لقبضت رجلي وما أحوجته للغمز قالت ذلك اعتذارًا.
قال ابن عبد البر: قولها يومئذٍ تريد حينئذٍ إذ المصابيح إنما تتخذ في الليالي دون الأيام، وهذا مشهور في لسان العرب يعبر باليوم عن الحين كما يعبر به عن النهار، وفي قولها غمزني دلالة على أن لمس المرأة بلا لذة لا ينقض الوضوء لأن شأن المصلي عدم اللذة، لا سيما النبي صلى الله عليه وسلم واحتمال الحائل أو الخصوصية الأصل عدم الحائل والخصائص لا تثبت بالاحتمال، وعلى أن المرأة لا تقطع صلاة من صلى إليها وهو قول مالك والشافعي وأبي حنيفة وجماعة من التابعين وغيرهم.
نعم كرهه مالك لئلا يذكر منها ما يشغله عن الصلاة أو يبطلها والنبي صلى الله عليه وسلم معصوم.

وهذا الحديث كما قاله أبو عمر: من أثبت ما جاء في هذا المعنى، ورواه البخاري عن إسماعيل وعبد الله بن يوسف، ومسلم عن يحيى الثلاثة عن مالك به.

( مَالِكٍ عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَائِشَةَ زَوْجِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: إِذَا نَعَسَ) بفتح العين وغلط من ضمها وأما المضارع فبضمها وفتحها ( أَحَدُكُمْ فِي صَلَاتِهِ) الفرض والنفل في الليل أو النهار عند الجمهور أخذًا بعمومه لكن لا يخرج فريضة عن وقتها وحمله مالك وجماعة على نفل الليل لأنه محل النوم غالبًا ( فَلْيَرْقُدْ) وفي رواية: فلينم، وأخرى: فليضطجع، والنعاس أول النوم والرقاد المستطاب من النوم ذكره الراغب.
وفي رواية النسائي فلينصرف.
والمراد به التسليم من الصلاة بعد تمامها فرضًا كانت أو نفلاً فالنعاس سبب للنوم أو للأمر به ولا يقطع الصلاة بمجرّد النعاس، وحمله المهلب على ظاهره فقال: إنما أمر بقطع الصلاة لغلبة النوم عليه فدل على أنه إذا كان النعاس أقل من ذلك عفي عنه ( حَتَّى يَذْهَبَ عَنْهُ النَّوْمُ) وهو غشي ثقيل يهجم على القلب فيقطعه عن معرفة الأشياء والأمر للندب لا للوجوب لأنه إذا اشتدّ انقطعت الصلاة فلا يتأتى وجوب القطع لحصوله بغير اختيار المصلي ذكره الولي العراقي مخالفًا لأبيه في تفصيله بين شدّة النعاس وخفته.

( فَإِنَّ أَحَدَكُمْ إِذَا صَلَّى وَهُوَ نَاعِسٌ) في أوائل النوم ( لَا يَدْرِي) ما يفعل فحذف المفعول للعلم به واستأنف بيانيًا قوله ( لَعَلَّهُ يَذْهَبُ يَسْتَغْفِرُ) أي يدعو برفعهما ( فَيَسُبَّ نَفْسَهُ) أي يدعو عليها.
ففي النسائي من طريق أيوب عن هشام يدعو على نفسه وهو بالنصب جوابًا للعل والرفع عطفًا على يستغفر.

قال الطيبي: والنصب أولى لأن المعنى يطلب من الله الغفران لذنبه ليصير مزكى فيتكلم بما يجلب الذنب فيزيد العصيان على العصيان وكأنه قد سب نفسه، وجعل ابن أبي جمرة علة النهي خشية أن يوافق ساعة إجابة والرجاء في لعل عائد على المصلي لا إلى المتكلم به أي لا يدري استغفر أم سب مترجيًا للاستغفار وهو في الواقع بضدّ ذلك، وعبر أوّلاً بنعس ماضيًا وثانيًا بناعس اسم فاعل تنبيهًا على أنه لا يكفي تجدّد أدنى نعاس ونقيضه في الحال بل لا بدّ من ثبوته بحيث يفضي إلى عدم درايته بما يقول وعدم علمه بما يقرأ.

قال الزين العراقي: وإنما أخذ بما لم يقصد من سبه نفسه وهو ناعس لأنه عرّض نفسه للوقوع فيه بعد النهي عنه فهو متعد وبفرض عدم إثمه بعدم قصده فالقصد من الصلاة أداؤها كما أمر وتحصيل الدعاء لنفسه وبفواته يفوت المقصود.

قال أبو عمر: فيه إنه لا يجوز للمرء سب نفسه وأن الصلاة لا ينبغي أن يقربها من لا يقيمها على حدودها وإن ترك ما يشغله عن خشوعها واستعمال الفراغ لها واجب.

وقال الضحاك في قوله تعالى: { { لاَ تَقْرَبُوا الصَّلاَةَ وَأَنْتُمْ سُكَارَى } } قال: من النوم ولا أعلم أحدًا تابعه على ذلك.

وقال الباجي: قال جماعة من أهل التفسير: معنى ذلك من النوم والأغلب أن يكون ذلك في صلاة الليل فمن أصابه ذلك وفي الوقت سعة ومعه من يوقظه فليرقد ليتفرغ لصلاته وإن ضاق الوقت صلى واجتهد في تصحيحها، فإن تيقن تمام فرضه وإلا قضاه بعد النوم.

وهذا الحديث أخرجه البخاري عن عبد الله بن يوسف ومسلم عن قتيبة بن سعيد كلاهما عن مالك به، وتابعه أبو أسامة وعبد الله بن نمير كلاهما عن هشام عند مسلم.

( مَالِكٍ عَنْ إِسْمَاعِيلَ بْنِ أَبِي حَكِيمٍ) القرشي مولاهم المدني ثقة روى له الشيخان ( أَنَّهُ بَلَغَهُ) كذا رواه إسماعيل بلاغًا وقد رواه القعنبي عن مالك عن هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة.

قال ابن عبد البر: تفرد به القعنبي في الموطأ دون بقية رواته فاقتصروا منه على طرف مختصر وهو متصل من طرق صحاح ثابتة من حديث مالك وغيره، فأخرجه البخاري: حدّثنا عبد الله بن مسلمة عن مالك عن هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة، والبخاري ومسلم من طريق يحيى بن سعيد القطان عن هشام عن أبيه عن عائشة، والعقيلي من طريق الضحاك بن عثمان عن إسماعيل بن أبي حكيم عن القاسم بن محمد عن عائشة.

( أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سَمِعَ امْرَأَةً مِنَ اللَّيْلِ تُصَلِّي) أي سمع ذكر صلاتها، فلفظ رواية القعنبي المذكورة عن عائشة قالت: كان عندي امرأة من بني أسد فدخل عليّ رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: من هذه قلت: فلانة لا تنام بالليل تذكر من صلاتها.
فقال: مه عليكم ما تطيقون من الأعمال فإن الله لا يمل حتى تملوا.
ولكن تغايره رواية الزهري عن عروة عن عائشة عند مسلم أن الحولاء مرت بها وعندها رسول الله صلى الله عليه وسلم الحديث، إذ يحتمل أن المارة امرأة غيرها من بني أسد أيضًا فالقصة تعددت.

وأجاب الحافظ: بأنها واحدة ويحمل أنها كانت أوّلاً عند عائشة، فلما دخل صلى الله عليه وسلم على عائشة قامت المرأة لتخرج فمرت به في حال ذهابها فسأل عنها كما في رواية حماد بن سلمة عن هشام بلفظ: كانت عندي امرأة فلما قامت قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: من هذه قلت: فلانة وهي أعبد أهل المدينة الحديث.
رواه الحسن بن سفيان في مسنده، ودل هذا على أنها لم تذكر ذلك إلا بعد خروج المرأة فلا يأتي قول ابن التين لعلها أمنت عليها الفتنة فمدحتها في وجهها.

( فَقَالَ: مَنْ هَذِهِ؟ فَقِيلَ لَهُ:) القائل عائشة، ففي مسلم من رواية الزهري عن عروة عن عائشة فقلت ( هَذِهِ الْحَوْلَاءُ) بالحاء المهملة والمدّ وهو اسمها فكنت عنها بفلانة في رواية هشام وصرحت في رواية الزهري وفي هذا البلاغ باسمها واسم أبيها فقالت ( بِنْتُ تُوَيْتٍ) بفوقيتين مصغر ابن حبيب بفتح المهملة ابن أسد بن عبد العزى بن قصي من رهط خديجة أم المؤمنين أسلمت وبايعت ( لَا تَنَامُ اللَّيْلَ) تصلي كما زاده أحمد ومسلم من رواية يحيى القطان عن هشام، وفي مسلم من طريق الزهري، وزعموا أنها لا تنام الليل وهذا يوافق رواية أن عائشة حكت ذلك عن غيرها ( فَكَرِهَ ذَلِكَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَتَّى عُرِفَتِ الْكَرَاهِيَةُ) بخفة الياء ( فِي وَجْهِهِ) قال الباجي: تعني أنه رؤي في وجهه من التقطيب وغير ذلك ما عرفت به كراهيته لما وصفت به ولمسلم من رواية الزهري فقال لا تنام الليل.

( ثُمَّ قَالَ: إِنَّ اللَّهَ تَبَارَكَ وَتَعَالَى لَا يَمَلُّ حَتَّى تَمَلُّوا) بفتح الميم فيهما.
قال ابن عبد البر: أي أن من ملّ من عمل قطع عنه جزاءه فعبر عنه بالملال لأنه بحذائه وجواب له فهو لفظ خرج على مثال لفظ والعرب تفعل ذلك إذا جعلوه جوابًا له أو جزاء ذكروه مثل لفظه وإن كان مخالفًا له في المعنى كقوله تعالى: { { وَجَزَاءُ سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ مِّثْلُهَا } } { { فَمَنِ اعْتَدَى عَلَيْكُمْ فَاعْتَدُوا عَلَيْهِ بِمِثْلِ مَا اعْتَدَى عَلَيْكُمْ } } { { وَمَكَرُوا وَمَكَرَ اللَّهُ } } و { { نَحْنُ مُسْتَهْزِئُونَ } } { { اللَّهُ يَسْتَهْزِئُ بِهِمْ } } و { { يَكِيدُونَ كَيْدًا وَأَكِيدُ كَيْدًا } }

وقال الحافظ: الملال استثقال الشيء ونفور النفس عنه بعد محبته وهو محال على الله تعالى باتفاق.
قال الإسماعيلي: وجماعة من المحققين: إنما أطلق هذا على جهة المقابلة اللفظية مجازًا كما قال الله تعالى { { وَجَزَاءُ سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ مِّثْلُهَا } } وأنظاره.
وقال القرطبي: وجهة مجازه أنه تعالى لما كان يقطع ثوابه عمن قطع العمل ملالا عبر عن ذلك بالملال من تسمية الشيء باسم سببه.
وقال الهروي: معناه لا يقطع عنكم فضله حتى تملوا سؤاله فتزهد في الرغبة إليه.
وقال غيره: معناه لا يتناهى حقه عليكم في الطاعة حتى يتناهى جهدكم، وهذا كله بناء على أن حتى على بابها في انتهاء الغاية وما يترتب عليها من المفهوم.

وجنح بعضهم إلى تأويلها فقيل معناه لا يمل الله إذا مللتم وهو مستعمل في كلام العرب يقولون لا أفعل كذا حتى يبيض القار وحتى يشيب الغراب، ومنه قولهم في البليغ لا ينقطع حتى ينقطع خصومه لأنه لو انقطع لم يكن له عليهم مزية، وهذا المثال أشبه من الذي قبله لأن شيب الغراب ليس ممكنًا عادة بخلاف الملل من العابد.

وقال المازري قيل حتى بمعنى الواو فالتقدير لا يمل وتملون فنفى عنه الملل وأثبته لهم.
قال وقيل: حتى بمعنى حين والأوّل أليق وأجرى على القواعد وأنه من باب المقابلة اللفظية، ويؤيده ما ورد في بعض طرق حديث عائشة إن الله لا يمل من الثواب حتى تملوا من العمل أخرجه ابن جرير، لكن في سنده موسى بن عبيدة وهو ضعيف وفي بعض طرقه ما يدل على أن ذلك من قول بعض رواة الحديث.

وقال ابن حبان: هذا من ألفاظ التعارف التي لا يتهيأ للمخاطب أن يعرف القصد بما يخاطب به إلا بها وهذا رأيه في جميع المتشابه.

( اكْلَفُوا) بسكون الكاف وفتح اللام أي خذوا وتحملوا ( مِنَ الْعَمَلِ) أي عمل البر من صلاة وغيرها ( مَا لَكُمْ بِهِ) أي بالمداومة عليه ( طَاقَةٌ) قوّة فمنطوقه الأمر بالاقتصار على ما يطاق من العبادة ومفهومه النهي عن تكلف ما لا يطاق.
وقال عياض: يحتمل أن هذا خاص بصلاة الليل، ويحتمل أنه عام في الأعمال الشرعية.

وقال الحافظ: سبب وروده خاص بالصلاة لكن اللفظ عامّ وهو المعتبر، وقد عبر بقوله أي في حديث عائشة عليكم وبقوله هنا اكلفوا مع أن المخاطب النساء طلبًا لتعميم الحكم فغلب الذكور على الإناث انتهى.

وقال الباجي: الأظهر أنه أراد به عمل البر لأنه ورد على سببه، والصحيح وهو قول مالك أن اللفظ الوارد على سبب غير مقصور عليه ولأنه لفظ ورد من الشارع فوجب أن يحمل على الأعمال الشرعية، وقد أخذ بظاهر الحديث جماعة من الأئمة فقالوا يكره قيام جميع الليل، وبه قال مالك مرة ثم رجع فقال لا بأس به ما لم يضر بصلاة الصبح فإن كان يأتي وهو ناعس فلا يفعل وإن كان إنما يدركه كسل وفتور فلا بأس بذلك، وكذا قال الشافعي لا أكرهه إلا لمن خشي أن يضر بصلاة الصبح.

( مَالِكٍ عَنْ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ عَنْ أَبِيهِ أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ كَانَ يُصَلِّي مِنَ اللَّيْلِ مَا شَاءَ اللَّهُ حَتَّى إِذَا كَانَ مِنْ آخِرِ اللَّيْلِ أَيْقَظَ أَهْلَهُ لِلصَّلَاةِ) أي لإدراك شيء من صلاة السحر والاستغفار فيه، ويحتمل أن يكون إيقاظه لصلاة الصبح وأيما كان فإنه امتثل الآية، وفيه أنه لم يشغله أمور المسلمين عن صلاة الليل لفضل التهجد وأنه لم يكلف أهله منه ما كان هو يفعله.

( يَقُولُ لَهُمُ: الصَّلَاةَ الصَّلَاةَ) بنصبهما ( ثُمَّ يَتْلُو هَذِهِ الْآيَةَ: { { وَأْمُرْ أَهْلَكَ بِالصَّلَاةِ وَاصْطَبِرْ } } ) اصبر { { عَلَيْهَا لَا نَسْأَلُكَ } } لا نكلفك { { رِزْقًا } } لنفسك ولا لغيرك { { نَحْنُ نَرْزُقُكَ وَالْعَاقِبَةُ } } الجنة { { لِلتَّقْوَى } } أي لأهلها.
روى ابن مردويه عن أبي قال: حين نزلت هذه الآية كان صلى الله عليه وسلم يأتي باب عليّ فيقول: الصلاة رحمكم الله { { إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيرًا } }

( مَالِكٍ أَنَّهُ بَلَغَهُ أَنَّ سَعِيدَ بْنَ الْمُسَيِّبِ كَانَ يَقُولُ: يُكْرَهُ النَّوْمُ قَبْلَ الْعِشَاءِ) لما فيه من تعريضها للفوات ( وَالْحَدِيثُ بَعْدَهَا) لمنعه من صلاة الليل، وقد أرخص في ذلك لمن تحدّث مع ضيف أو غلمان أو لعرس أو لمسافر قاله الباجي.
وهذا البلاغ حديث مرفوع روى الشيخان عن أبي برزة بفتح الموحدة والزاي بينهما راء ساكنة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يكره النوم قبل العشاء، والحديث بعدها قال الترمذي: كره أكثر أهل العلم النوم قبل صلاة العشاء ورخص فيه بعضهم ورخص بعضهم فيه في رمضان خاصة انتهى.

قال الحافظ: ومن نقلت عنه الرخصة قيدت عنه في أكثر الروايات بما إذا كان له من يوقظه أو عرف من عادته أنه لا يستغرق وقت الاختيار بالنوم، وهذا جيد حيث قلنا إن علة النهي خشية خروج الوقت، وحمل الطحاوي الرخصة على ما قبل دخول وقت العشاء والكراهة على ما بعد دخوله.

( مَالِكٍ أَنَّهُ بَلَغَهُ أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عُمَرَ كَانَ يَقُولُ:) بلاغه صحيح، وقد رواه ابن وهب أخبرني عمرو بن الحارث عن بكير بن عبد الله بن الأشج أن محمد بن عبد الرحمن بن قزمان حدّثه أنه سمع ابن عمر يقول ( صَلَاةُ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ) أي التنفل فيه إذ لا يقال للظهر ولا للعصر ( مَثْنَى مَثْنَى) بفتح الميم أي اثنين اثنين ( يُسَلِّمُ مِنْ كُلِّ رَكْعَتَيْنِ) قال أبو عمر: هذا تفسير لحديثه بعد هذا في الموطأ مرفوعًا صلاة الليل مثنى مثنى.
قال الشافعي: هو حديث خرج على جواب سائل كأنه قيل: كيف صلاة الليل؟ قال: مثنى مثنى، ولو سأله عن صلاة النهار لقال مثل ذلك لقول ابن عمر هذا فهو يردّ على الكوفيين في إجازتهم عشر ركعات وثمانيًا وستًا وأربعًا بغير سلام.
وروي أن ابن عمر كان يتطوّع بالنهار أربعًا لا يفصل بينهن، وهذا لو صح احتمل أن يكون لا يفصل بينهن بتقدّم عن موضعه ولا تأخر وجلوس طويل وكلام، وقد روى ابن عمر أنه صلى الله عليه وسلم كان يصلي قبل الظهر ركعتين وبعدها ركعتين وقبل العصر ركعتين وبعد المغرب ركعتين، وهو كان أشد الناس امتثالاً له صلى الله عليه وسلم فكيف يقبل مع هذا أن ابن عمر كان يتطوّع بالنهار أربعًا لا يفصل بينهن.

( قَالَ مَالِكٌ: وَهُوَ الْأَمْرُ عِنْدَنَا) بالمدينة الذي أجمعوا عليه.



رقم الحديث 263 وَحَدَّثَنِي عَنْ مَالِكٍ، عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عَائِشَةَ زَوْجِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: إِذَا نَعَسَ أَحَدُكُمْ فِي صَلَاتِهِ، فَلْيَرْقُدْ حَتَّى يَذْهَبَ عَنْهُ النَّوْمُ، فَإِنَّ أَحَدَكُمْ إِذَا صَلَّى وَهُوَ نَاعِسٌ، لَا يَدْرِي لَعَلَّهُ يَذْهَبُ يَسْتَغْفِرُ فَيَسُبَّ نَفْسَهُ.


( مَالِكٍ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ الْمُنْكَدِرِ) بن عبد الله المدني الثقة الفاضل ( عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ) الأسدي مولاهم الكوفي ثقة ثبت فقيه أحد الأعلام، قتله الحجاج ظلمًا في شعبان سنة خمس وتسعين وهو ابن سبع وخمسين وقيل تسع وأربعين.
قال ميمون بن مهران: لقد مات وما على وجه الأرض أحد إلا وهو محتاج إلى علمه.

( عَنْ رَجُلٍ عِنْدَهُ رِضًا) قال ابن عبد البر: قيل إنه الأسود بن يزيد النخعي فقد أخرجه النسائي من طريق ابن جعفر الرازي عن محمد بن المنكدر عن سعيد بن جبير عن الأسود بن يزيد عن عائشة به.
ورواه النسائي أيضًا من وجه آخر عن أبي جعفر عن ابن المنكدر عن سعيد عن عائشة بلا واسطة، وجزم الحافظ بأن روايته عن عائشة وأبي موسى ونحوهما مرسلة.
قال الحافظ العراقي: وقد جاء من حديث أبي الدرداء بنحو حديث عائشة أخرجه النسائي وابن ماجه والبزار بإسناد صحيح.

( أَنَّهُ أَخْبَرَهُ أَنَّ عَائِشَةَ زَوْجَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَخْبَرَتْهُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: مَا) نافية ( مِنِ) زائدة ( امْرِئٍ) مجرور لفظًا مرفوع اسم ما إن جعلت حجازية وعلى الابتداء إن جعلت تميمية ( تَكُونُ لَهُ صَلَاةٌ بِلَيْلٍ يَغْلِبُهُ عَلَيْهَا نَوْمٌ) قال الباجي: هو على وجهين أحدهما أن يذهب به النوم فلا يستيقظ، والثاني أن يستيقظ ويمنعه غلبة النوم من الصلاة فهذا حكمه أن ينام حتى يذهب عنه مانع النوم ( إِلَّا كَتَبَ اللَّهُ لَهُ أَجْرَ صَلَاتِهِ) التي اعتادها وغلبه النوم أحيانًا مكافأة له على نيته.
قال الباجي: وذلك يحتمل أن له أجرها غير مضاعف ولو عملها لضوعف له أجرها إذ لا خلاف أن المصلي أكمل حالاً، ويحتمل أن يريد له أجر نيته وأن له أجر من تمنى أن يصلي تلك الصلاة أو أجر تأسفه على ما فاته منها، واستظهر غيره الأوّل أي أجر نيته لا سيما مع قوله: ( وَكَانَ نَوْمُهُ عَلَيْهِ صَدَقَةً) .

قال الباجي: يعني أنه لا يحتسب به ويكتب له أجر المصلين.
وقال ابن عبد البر: فيه إنّ المرء يجازى على ما نوى من الخير وإن لم يعمله كما لو عمله فضلاً من الله تعالى إذا لم يحبسه عنه شغل دنيا وكان المانع من الله وأن النية يعطى عليها كالذي يعطى على العمل إذا حيل بينه وبين ذلك العمل بنوم أو نسيان أو غير ذلك من الموانع، وقد قال صلى الله عليه وسلم: نية المؤمن خير من عمله ونية الفاجر شر من عمله وكل يعمل على نيته.
ومعناه أن النية بلا عمل خير من العمل بلا نية لأن العمل بدونها لا ينفع والنية الحسنة تنفع بلا عمل، ويحتمل أن يريد أن نية المؤمن في الأعمال الصالحة أكثر مما يقوى عليه منها انتهى.

والحديث رواه النسائي عن قتيبة عن مالك به، وتابعه أبو جعفر الرازي عند النسائي أيضًا.
وقال إن أبا جعفر ليس بقوي في الحديث.

( مَالِكٍ عَنْ أَبِي النَّضْرِ) بفتح النون وسكون المعجمة واسمه سالم بن أبي أمية ( مَوْلَى عُمَرَ) بضم العين ( بْنِ عُبَيْدِ اللَّهِ) بتصغير العبد التيمي ( عَنْ أَبِي سَلَمَةَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ) بن عوف ( عَنْ عَائِشَةَ زَوْجِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهَا قَالَتْ: كُنْتُ أَنَامُ بَيْنَ يَدَيْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَرِجْلَايَ فِي قِبْلَتِهِ) جملة حالية أي في مكان سجوده ( فَإِذَا سَجَدَ غَمَزَنِي) أي طعن بأصبعه فيّ لأقبض رجلي من قبلته، وقيل معناه أشار والأوّل أولى لأن معناه جاء في رواية قاله الحافظ البرهان في شرح البخاري ( فَقَبَضْتُ رِجْلَيَّ) بشدّ الياء مثنى ( فَإِذَا قَامَ بَسَطْتُهُمَا) بالتثنية، وكذا رواه الأكثر في البخاري، ولبعض رواته رجلي وبسطتها بالإفراد فيهما.

( قَالَتْ: وَالْبُيُوتُ يَوْمَئِذٍ لَيْسَ فِيهَا مَصَابِيحُ) إذ لو كانت لقبضت رجلي وما أحوجته للغمز قالت ذلك اعتذارًا.
قال ابن عبد البر: قولها يومئذٍ تريد حينئذٍ إذ المصابيح إنما تتخذ في الليالي دون الأيام، وهذا مشهور في لسان العرب يعبر باليوم عن الحين كما يعبر به عن النهار، وفي قولها غمزني دلالة على أن لمس المرأة بلا لذة لا ينقض الوضوء لأن شأن المصلي عدم اللذة، لا سيما النبي صلى الله عليه وسلم واحتمال الحائل أو الخصوصية الأصل عدم الحائل والخصائص لا تثبت بالاحتمال، وعلى أن المرأة لا تقطع صلاة من صلى إليها وهو قول مالك والشافعي وأبي حنيفة وجماعة من التابعين وغيرهم.
نعم كرهه مالك لئلا يذكر منها ما يشغله عن الصلاة أو يبطلها والنبي صلى الله عليه وسلم معصوم.

وهذا الحديث كما قاله أبو عمر: من أثبت ما جاء في هذا المعنى، ورواه البخاري عن إسماعيل وعبد الله بن يوسف، ومسلم عن يحيى الثلاثة عن مالك به.

( مَالِكٍ عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَائِشَةَ زَوْجِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: إِذَا نَعَسَ) بفتح العين وغلط من ضمها وأما المضارع فبضمها وفتحها ( أَحَدُكُمْ فِي صَلَاتِهِ) الفرض والنفل في الليل أو النهار عند الجمهور أخذًا بعمومه لكن لا يخرج فريضة عن وقتها وحمله مالك وجماعة على نفل الليل لأنه محل النوم غالبًا ( فَلْيَرْقُدْ) وفي رواية: فلينم، وأخرى: فليضطجع، والنعاس أول النوم والرقاد المستطاب من النوم ذكره الراغب.
وفي رواية النسائي فلينصرف.
والمراد به التسليم من الصلاة بعد تمامها فرضًا كانت أو نفلاً فالنعاس سبب للنوم أو للأمر به ولا يقطع الصلاة بمجرّد النعاس، وحمله المهلب على ظاهره فقال: إنما أمر بقطع الصلاة لغلبة النوم عليه فدل على أنه إذا كان النعاس أقل من ذلك عفي عنه ( حَتَّى يَذْهَبَ عَنْهُ النَّوْمُ) وهو غشي ثقيل يهجم على القلب فيقطعه عن معرفة الأشياء والأمر للندب لا للوجوب لأنه إذا اشتدّ انقطعت الصلاة فلا يتأتى وجوب القطع لحصوله بغير اختيار المصلي ذكره الولي العراقي مخالفًا لأبيه في تفصيله بين شدّة النعاس وخفته.

( فَإِنَّ أَحَدَكُمْ إِذَا صَلَّى وَهُوَ نَاعِسٌ) في أوائل النوم ( لَا يَدْرِي) ما يفعل فحذف المفعول للعلم به واستأنف بيانيًا قوله ( لَعَلَّهُ يَذْهَبُ يَسْتَغْفِرُ) أي يدعو برفعهما ( فَيَسُبَّ نَفْسَهُ) أي يدعو عليها.
ففي النسائي من طريق أيوب عن هشام يدعو على نفسه وهو بالنصب جوابًا للعل والرفع عطفًا على يستغفر.

قال الطيبي: والنصب أولى لأن المعنى يطلب من الله الغفران لذنبه ليصير مزكى فيتكلم بما يجلب الذنب فيزيد العصيان على العصيان وكأنه قد سب نفسه، وجعل ابن أبي جمرة علة النهي خشية أن يوافق ساعة إجابة والرجاء في لعل عائد على المصلي لا إلى المتكلم به أي لا يدري استغفر أم سب مترجيًا للاستغفار وهو في الواقع بضدّ ذلك، وعبر أوّلاً بنعس ماضيًا وثانيًا بناعس اسم فاعل تنبيهًا على أنه لا يكفي تجدّد أدنى نعاس ونقيضه في الحال بل لا بدّ من ثبوته بحيث يفضي إلى عدم درايته بما يقول وعدم علمه بما يقرأ.

قال الزين العراقي: وإنما أخذ بما لم يقصد من سبه نفسه وهو ناعس لأنه عرّض نفسه للوقوع فيه بعد النهي عنه فهو متعد وبفرض عدم إثمه بعدم قصده فالقصد من الصلاة أداؤها كما أمر وتحصيل الدعاء لنفسه وبفواته يفوت المقصود.

قال أبو عمر: فيه إنه لا يجوز للمرء سب نفسه وأن الصلاة لا ينبغي أن يقربها من لا يقيمها على حدودها وإن ترك ما يشغله عن خشوعها واستعمال الفراغ لها واجب.

وقال الضحاك في قوله تعالى: { { لاَ تَقْرَبُوا الصَّلاَةَ وَأَنْتُمْ سُكَارَى } } قال: من النوم ولا أعلم أحدًا تابعه على ذلك.

وقال الباجي: قال جماعة من أهل التفسير: معنى ذلك من النوم والأغلب أن يكون ذلك في صلاة الليل فمن أصابه ذلك وفي الوقت سعة ومعه من يوقظه فليرقد ليتفرغ لصلاته وإن ضاق الوقت صلى واجتهد في تصحيحها، فإن تيقن تمام فرضه وإلا قضاه بعد النوم.

وهذا الحديث أخرجه البخاري عن عبد الله بن يوسف ومسلم عن قتيبة بن سعيد كلاهما عن مالك به، وتابعه أبو أسامة وعبد الله بن نمير كلاهما عن هشام عند مسلم.

( مَالِكٍ عَنْ إِسْمَاعِيلَ بْنِ أَبِي حَكِيمٍ) القرشي مولاهم المدني ثقة روى له الشيخان ( أَنَّهُ بَلَغَهُ) كذا رواه إسماعيل بلاغًا وقد رواه القعنبي عن مالك عن هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة.

قال ابن عبد البر: تفرد به القعنبي في الموطأ دون بقية رواته فاقتصروا منه على طرف مختصر وهو متصل من طرق صحاح ثابتة من حديث مالك وغيره، فأخرجه البخاري: حدّثنا عبد الله بن مسلمة عن مالك عن هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة، والبخاري ومسلم من طريق يحيى بن سعيد القطان عن هشام عن أبيه عن عائشة، والعقيلي من طريق الضحاك بن عثمان عن إسماعيل بن أبي حكيم عن القاسم بن محمد عن عائشة.

( أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سَمِعَ امْرَأَةً مِنَ اللَّيْلِ تُصَلِّي) أي سمع ذكر صلاتها، فلفظ رواية القعنبي المذكورة عن عائشة قالت: كان عندي امرأة من بني أسد فدخل عليّ رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: من هذه قلت: فلانة لا تنام بالليل تذكر من صلاتها.
فقال: مه عليكم ما تطيقون من الأعمال فإن الله لا يمل حتى تملوا.
ولكن تغايره رواية الزهري عن عروة عن عائشة عند مسلم أن الحولاء مرت بها وعندها رسول الله صلى الله عليه وسلم الحديث، إذ يحتمل أن المارة امرأة غيرها من بني أسد أيضًا فالقصة تعددت.

وأجاب الحافظ: بأنها واحدة ويحمل أنها كانت أوّلاً عند عائشة، فلما دخل صلى الله عليه وسلم على عائشة قامت المرأة لتخرج فمرت به في حال ذهابها فسأل عنها كما في رواية حماد بن سلمة عن هشام بلفظ: كانت عندي امرأة فلما قامت قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: من هذه قلت: فلانة وهي أعبد أهل المدينة الحديث.
رواه الحسن بن سفيان في مسنده، ودل هذا على أنها لم تذكر ذلك إلا بعد خروج المرأة فلا يأتي قول ابن التين لعلها أمنت عليها الفتنة فمدحتها في وجهها.

( فَقَالَ: مَنْ هَذِهِ؟ فَقِيلَ لَهُ:) القائل عائشة، ففي مسلم من رواية الزهري عن عروة عن عائشة فقلت ( هَذِهِ الْحَوْلَاءُ) بالحاء المهملة والمدّ وهو اسمها فكنت عنها بفلانة في رواية هشام وصرحت في رواية الزهري وفي هذا البلاغ باسمها واسم أبيها فقالت ( بِنْتُ تُوَيْتٍ) بفوقيتين مصغر ابن حبيب بفتح المهملة ابن أسد بن عبد العزى بن قصي من رهط خديجة أم المؤمنين أسلمت وبايعت ( لَا تَنَامُ اللَّيْلَ) تصلي كما زاده أحمد ومسلم من رواية يحيى القطان عن هشام، وفي مسلم من طريق الزهري، وزعموا أنها لا تنام الليل وهذا يوافق رواية أن عائشة حكت ذلك عن غيرها ( فَكَرِهَ ذَلِكَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَتَّى عُرِفَتِ الْكَرَاهِيَةُ) بخفة الياء ( فِي وَجْهِهِ) قال الباجي: تعني أنه رؤي في وجهه من التقطيب وغير ذلك ما عرفت به كراهيته لما وصفت به ولمسلم من رواية الزهري فقال لا تنام الليل.

( ثُمَّ قَالَ: إِنَّ اللَّهَ تَبَارَكَ وَتَعَالَى لَا يَمَلُّ حَتَّى تَمَلُّوا) بفتح الميم فيهما.
قال ابن عبد البر: أي أن من ملّ من عمل قطع عنه جزاءه فعبر عنه بالملال لأنه بحذائه وجواب له فهو لفظ خرج على مثال لفظ والعرب تفعل ذلك إذا جعلوه جوابًا له أو جزاء ذكروه مثل لفظه وإن كان مخالفًا له في المعنى كقوله تعالى: { { وَجَزَاءُ سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ مِّثْلُهَا } } { { فَمَنِ اعْتَدَى عَلَيْكُمْ فَاعْتَدُوا عَلَيْهِ بِمِثْلِ مَا اعْتَدَى عَلَيْكُمْ } } { { وَمَكَرُوا وَمَكَرَ اللَّهُ } } و { { نَحْنُ مُسْتَهْزِئُونَ } } { { اللَّهُ يَسْتَهْزِئُ بِهِمْ } } و { { يَكِيدُونَ كَيْدًا وَأَكِيدُ كَيْدًا } }

وقال الحافظ: الملال استثقال الشيء ونفور النفس عنه بعد محبته وهو محال على الله تعالى باتفاق.
قال الإسماعيلي: وجماعة من المحققين: إنما أطلق هذا على جهة المقابلة اللفظية مجازًا كما قال الله تعالى { { وَجَزَاءُ سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ مِّثْلُهَا } } وأنظاره.
وقال القرطبي: وجهة مجازه أنه تعالى لما كان يقطع ثوابه عمن قطع العمل ملالا عبر عن ذلك بالملال من تسمية الشيء باسم سببه.
وقال الهروي: معناه لا يقطع عنكم فضله حتى تملوا سؤاله فتزهد في الرغبة إليه.
وقال غيره: معناه لا يتناهى حقه عليكم في الطاعة حتى يتناهى جهدكم، وهذا كله بناء على أن حتى على بابها في انتهاء الغاية وما يترتب عليها من المفهوم.

وجنح بعضهم إلى تأويلها فقيل معناه لا يمل الله إذا مللتم وهو مستعمل في كلام العرب يقولون لا أفعل كذا حتى يبيض القار وحتى يشيب الغراب، ومنه قولهم في البليغ لا ينقطع حتى ينقطع خصومه لأنه لو انقطع لم يكن له عليهم مزية، وهذا المثال أشبه من الذي قبله لأن شيب الغراب ليس ممكنًا عادة بخلاف الملل من العابد.

وقال المازري قيل حتى بمعنى الواو فالتقدير لا يمل وتملون فنفى عنه الملل وأثبته لهم.
قال وقيل: حتى بمعنى حين والأوّل أليق وأجرى على القواعد وأنه من باب المقابلة اللفظية، ويؤيده ما ورد في بعض طرق حديث عائشة إن الله لا يمل من الثواب حتى تملوا من العمل أخرجه ابن جرير، لكن في سنده موسى بن عبيدة وهو ضعيف وفي بعض طرقه ما يدل على أن ذلك من قول بعض رواة الحديث.

وقال ابن حبان: هذا من ألفاظ التعارف التي لا يتهيأ للمخاطب أن يعرف القصد بما يخاطب به إلا بها وهذا رأيه في جميع المتشابه.

( اكْلَفُوا) بسكون الكاف وفتح اللام أي خذوا وتحملوا ( مِنَ الْعَمَلِ) أي عمل البر من صلاة وغيرها ( مَا لَكُمْ بِهِ) أي بالمداومة عليه ( طَاقَةٌ) قوّة فمنطوقه الأمر بالاقتصار على ما يطاق من العبادة ومفهومه النهي عن تكلف ما لا يطاق.
وقال عياض: يحتمل أن هذا خاص بصلاة الليل، ويحتمل أنه عام في الأعمال الشرعية.

وقال الحافظ: سبب وروده خاص بالصلاة لكن اللفظ عامّ وهو المعتبر، وقد عبر بقوله أي في حديث عائشة عليكم وبقوله هنا اكلفوا مع أن المخاطب النساء طلبًا لتعميم الحكم فغلب الذكور على الإناث انتهى.

وقال الباجي: الأظهر أنه أراد به عمل البر لأنه ورد على سببه، والصحيح وهو قول مالك أن اللفظ الوارد على سبب غير مقصور عليه ولأنه لفظ ورد من الشارع فوجب أن يحمل على الأعمال الشرعية، وقد أخذ بظاهر الحديث جماعة من الأئمة فقالوا يكره قيام جميع الليل، وبه قال مالك مرة ثم رجع فقال لا بأس به ما لم يضر بصلاة الصبح فإن كان يأتي وهو ناعس فلا يفعل وإن كان إنما يدركه كسل وفتور فلا بأس بذلك، وكذا قال الشافعي لا أكرهه إلا لمن خشي أن يضر بصلاة الصبح.

( مَالِكٍ عَنْ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ عَنْ أَبِيهِ أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ كَانَ يُصَلِّي مِنَ اللَّيْلِ مَا شَاءَ اللَّهُ حَتَّى إِذَا كَانَ مِنْ آخِرِ اللَّيْلِ أَيْقَظَ أَهْلَهُ لِلصَّلَاةِ) أي لإدراك شيء من صلاة السحر والاستغفار فيه، ويحتمل أن يكون إيقاظه لصلاة الصبح وأيما كان فإنه امتثل الآية، وفيه أنه لم يشغله أمور المسلمين عن صلاة الليل لفضل التهجد وأنه لم يكلف أهله منه ما كان هو يفعله.

( يَقُولُ لَهُمُ: الصَّلَاةَ الصَّلَاةَ) بنصبهما ( ثُمَّ يَتْلُو هَذِهِ الْآيَةَ: { { وَأْمُرْ أَهْلَكَ بِالصَّلَاةِ وَاصْطَبِرْ } } ) اصبر { { عَلَيْهَا لَا نَسْأَلُكَ } } لا نكلفك { { رِزْقًا } } لنفسك ولا لغيرك { { نَحْنُ نَرْزُقُكَ وَالْعَاقِبَةُ } } الجنة { { لِلتَّقْوَى } } أي لأهلها.
روى ابن مردويه عن أبي قال: حين نزلت هذه الآية كان صلى الله عليه وسلم يأتي باب عليّ فيقول: الصلاة رحمكم الله { { إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيرًا } }

( مَالِكٍ أَنَّهُ بَلَغَهُ أَنَّ سَعِيدَ بْنَ الْمُسَيِّبِ كَانَ يَقُولُ: يُكْرَهُ النَّوْمُ قَبْلَ الْعِشَاءِ) لما فيه من تعريضها للفوات ( وَالْحَدِيثُ بَعْدَهَا) لمنعه من صلاة الليل، وقد أرخص في ذلك لمن تحدّث مع ضيف أو غلمان أو لعرس أو لمسافر قاله الباجي.
وهذا البلاغ حديث مرفوع روى الشيخان عن أبي برزة بفتح الموحدة والزاي بينهما راء ساكنة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يكره النوم قبل العشاء، والحديث بعدها قال الترمذي: كره أكثر أهل العلم النوم قبل صلاة العشاء ورخص فيه بعضهم ورخص بعضهم فيه في رمضان خاصة انتهى.

قال الحافظ: ومن نقلت عنه الرخصة قيدت عنه في أكثر الروايات بما إذا كان له من يوقظه أو عرف من عادته أنه لا يستغرق وقت الاختيار بالنوم، وهذا جيد حيث قلنا إن علة النهي خشية خروج الوقت، وحمل الطحاوي الرخصة على ما قبل دخول وقت العشاء والكراهة على ما بعد دخوله.

( مَالِكٍ أَنَّهُ بَلَغَهُ أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عُمَرَ كَانَ يَقُولُ:) بلاغه صحيح، وقد رواه ابن وهب أخبرني عمرو بن الحارث عن بكير بن عبد الله بن الأشج أن محمد بن عبد الرحمن بن قزمان حدّثه أنه سمع ابن عمر يقول ( صَلَاةُ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ) أي التنفل فيه إذ لا يقال للظهر ولا للعصر ( مَثْنَى مَثْنَى) بفتح الميم أي اثنين اثنين ( يُسَلِّمُ مِنْ كُلِّ رَكْعَتَيْنِ) قال أبو عمر: هذا تفسير لحديثه بعد هذا في الموطأ مرفوعًا صلاة الليل مثنى مثنى.
قال الشافعي: هو حديث خرج على جواب سائل كأنه قيل: كيف صلاة الليل؟ قال: مثنى مثنى، ولو سأله عن صلاة النهار لقال مثل ذلك لقول ابن عمر هذا فهو يردّ على الكوفيين في إجازتهم عشر ركعات وثمانيًا وستًا وأربعًا بغير سلام.
وروي أن ابن عمر كان يتطوّع بالنهار أربعًا لا يفصل بينهن، وهذا لو صح احتمل أن يكون لا يفصل بينهن بتقدّم عن موضعه ولا تأخر وجلوس طويل وكلام، وقد روى ابن عمر أنه صلى الله عليه وسلم كان يصلي قبل الظهر ركعتين وبعدها ركعتين وقبل العصر ركعتين وبعد المغرب ركعتين، وهو كان أشد الناس امتثالاً له صلى الله عليه وسلم فكيف يقبل مع هذا أن ابن عمر كان يتطوّع بالنهار أربعًا لا يفصل بينهن.

( قَالَ مَالِكٌ: وَهُوَ الْأَمْرُ عِنْدَنَا) بالمدينة الذي أجمعوا عليه.



رقم الحديث 264 وَحَدَّثَنِي عَنْ مَالِكٍ، عَنْ إِسْمَاعِيلَ بْنِ أَبِي حَكِيمٍ، أَنَّهُ بَلَغَهُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، سَمِعَ امْرَأَةً مِنَ اللَّيْلِ تُصَلِّي، فَقَالَ: مَنْ هَذِهِ؟ فَقِيلَ لَهُ: هَذِهِ الْحَوْلَاءُ بِنْتُ تُوَيْتٍ لَا تَنَامُ اللَّيْلَ، فَكَرِهَ ذَلِكَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، حَتَّى عُرِفَتِ الْكَرَاهِيَةُ فِي وَجْهِهِ، ثُمَّ قَالَ: إِنَّ اللَّهَ تَبَارَكَ وَتَعَالَى لَا يَمَلُّ حَتَّى تَمَلُّوا، اكْلَفُوا مِنَ الْعَمَلِ مَا لَكُمْ بِهِ طَاقَةٌ.


( مَالِكٍ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ الْمُنْكَدِرِ) بن عبد الله المدني الثقة الفاضل ( عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ) الأسدي مولاهم الكوفي ثقة ثبت فقيه أحد الأعلام، قتله الحجاج ظلمًا في شعبان سنة خمس وتسعين وهو ابن سبع وخمسين وقيل تسع وأربعين.
قال ميمون بن مهران: لقد مات وما على وجه الأرض أحد إلا وهو محتاج إلى علمه.

( عَنْ رَجُلٍ عِنْدَهُ رِضًا) قال ابن عبد البر: قيل إنه الأسود بن يزيد النخعي فقد أخرجه النسائي من طريق ابن جعفر الرازي عن محمد بن المنكدر عن سعيد بن جبير عن الأسود بن يزيد عن عائشة به.
ورواه النسائي أيضًا من وجه آخر عن أبي جعفر عن ابن المنكدر عن سعيد عن عائشة بلا واسطة، وجزم الحافظ بأن روايته عن عائشة وأبي موسى ونحوهما مرسلة.
قال الحافظ العراقي: وقد جاء من حديث أبي الدرداء بنحو حديث عائشة أخرجه النسائي وابن ماجه والبزار بإسناد صحيح.

( أَنَّهُ أَخْبَرَهُ أَنَّ عَائِشَةَ زَوْجَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَخْبَرَتْهُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: مَا) نافية ( مِنِ) زائدة ( امْرِئٍ) مجرور لفظًا مرفوع اسم ما إن جعلت حجازية وعلى الابتداء إن جعلت تميمية ( تَكُونُ لَهُ صَلَاةٌ بِلَيْلٍ يَغْلِبُهُ عَلَيْهَا نَوْمٌ) قال الباجي: هو على وجهين أحدهما أن يذهب به النوم فلا يستيقظ، والثاني أن يستيقظ ويمنعه غلبة النوم من الصلاة فهذا حكمه أن ينام حتى يذهب عنه مانع النوم ( إِلَّا كَتَبَ اللَّهُ لَهُ أَجْرَ صَلَاتِهِ) التي اعتادها وغلبه النوم أحيانًا مكافأة له على نيته.
قال الباجي: وذلك يحتمل أن له أجرها غير مضاعف ولو عملها لضوعف له أجرها إذ لا خلاف أن المصلي أكمل حالاً، ويحتمل أن يريد له أجر نيته وأن له أجر من تمنى أن يصلي تلك الصلاة أو أجر تأسفه على ما فاته منها، واستظهر غيره الأوّل أي أجر نيته لا سيما مع قوله: ( وَكَانَ نَوْمُهُ عَلَيْهِ صَدَقَةً) .

قال الباجي: يعني أنه لا يحتسب به ويكتب له أجر المصلين.
وقال ابن عبد البر: فيه إنّ المرء يجازى على ما نوى من الخير وإن لم يعمله كما لو عمله فضلاً من الله تعالى إذا لم يحبسه عنه شغل دنيا وكان المانع من الله وأن النية يعطى عليها كالذي يعطى على العمل إذا حيل بينه وبين ذلك العمل بنوم أو نسيان أو غير ذلك من الموانع، وقد قال صلى الله عليه وسلم: نية المؤمن خير من عمله ونية الفاجر شر من عمله وكل يعمل على نيته.
ومعناه أن النية بلا عمل خير من العمل بلا نية لأن العمل بدونها لا ينفع والنية الحسنة تنفع بلا عمل، ويحتمل أن يريد أن نية المؤمن في الأعمال الصالحة أكثر مما يقوى عليه منها انتهى.

والحديث رواه النسائي عن قتيبة عن مالك به، وتابعه أبو جعفر الرازي عند النسائي أيضًا.
وقال إن أبا جعفر ليس بقوي في الحديث.

( مَالِكٍ عَنْ أَبِي النَّضْرِ) بفتح النون وسكون المعجمة واسمه سالم بن أبي أمية ( مَوْلَى عُمَرَ) بضم العين ( بْنِ عُبَيْدِ اللَّهِ) بتصغير العبد التيمي ( عَنْ أَبِي سَلَمَةَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ) بن عوف ( عَنْ عَائِشَةَ زَوْجِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهَا قَالَتْ: كُنْتُ أَنَامُ بَيْنَ يَدَيْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَرِجْلَايَ فِي قِبْلَتِهِ) جملة حالية أي في مكان سجوده ( فَإِذَا سَجَدَ غَمَزَنِي) أي طعن بأصبعه فيّ لأقبض رجلي من قبلته، وقيل معناه أشار والأوّل أولى لأن معناه جاء في رواية قاله الحافظ البرهان في شرح البخاري ( فَقَبَضْتُ رِجْلَيَّ) بشدّ الياء مثنى ( فَإِذَا قَامَ بَسَطْتُهُمَا) بالتثنية، وكذا رواه الأكثر في البخاري، ولبعض رواته رجلي وبسطتها بالإفراد فيهما.

( قَالَتْ: وَالْبُيُوتُ يَوْمَئِذٍ لَيْسَ فِيهَا مَصَابِيحُ) إذ لو كانت لقبضت رجلي وما أحوجته للغمز قالت ذلك اعتذارًا.
قال ابن عبد البر: قولها يومئذٍ تريد حينئذٍ إذ المصابيح إنما تتخذ في الليالي دون الأيام، وهذا مشهور في لسان العرب يعبر باليوم عن الحين كما يعبر به عن النهار، وفي قولها غمزني دلالة على أن لمس المرأة بلا لذة لا ينقض الوضوء لأن شأن المصلي عدم اللذة، لا سيما النبي صلى الله عليه وسلم واحتمال الحائل أو الخصوصية الأصل عدم الحائل والخصائص لا تثبت بالاحتمال، وعلى أن المرأة لا تقطع صلاة من صلى إليها وهو قول مالك والشافعي وأبي حنيفة وجماعة من التابعين وغيرهم.
نعم كرهه مالك لئلا يذكر منها ما يشغله عن الصلاة أو يبطلها والنبي صلى الله عليه وسلم معصوم.

وهذا الحديث كما قاله أبو عمر: من أثبت ما جاء في هذا المعنى، ورواه البخاري عن إسماعيل وعبد الله بن يوسف، ومسلم عن يحيى الثلاثة عن مالك به.

( مَالِكٍ عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَائِشَةَ زَوْجِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: إِذَا نَعَسَ) بفتح العين وغلط من ضمها وأما المضارع فبضمها وفتحها ( أَحَدُكُمْ فِي صَلَاتِهِ) الفرض والنفل في الليل أو النهار عند الجمهور أخذًا بعمومه لكن لا يخرج فريضة عن وقتها وحمله مالك وجماعة على نفل الليل لأنه محل النوم غالبًا ( فَلْيَرْقُدْ) وفي رواية: فلينم، وأخرى: فليضطجع، والنعاس أول النوم والرقاد المستطاب من النوم ذكره الراغب.
وفي رواية النسائي فلينصرف.
والمراد به التسليم من الصلاة بعد تمامها فرضًا كانت أو نفلاً فالنعاس سبب للنوم أو للأمر به ولا يقطع الصلاة بمجرّد النعاس، وحمله المهلب على ظاهره فقال: إنما أمر بقطع الصلاة لغلبة النوم عليه فدل على أنه إذا كان النعاس أقل من ذلك عفي عنه ( حَتَّى يَذْهَبَ عَنْهُ النَّوْمُ) وهو غشي ثقيل يهجم على القلب فيقطعه عن معرفة الأشياء والأمر للندب لا للوجوب لأنه إذا اشتدّ انقطعت الصلاة فلا يتأتى وجوب القطع لحصوله بغير اختيار المصلي ذكره الولي العراقي مخالفًا لأبيه في تفصيله بين شدّة النعاس وخفته.

( فَإِنَّ أَحَدَكُمْ إِذَا صَلَّى وَهُوَ نَاعِسٌ) في أوائل النوم ( لَا يَدْرِي) ما يفعل فحذف المفعول للعلم به واستأنف بيانيًا قوله ( لَعَلَّهُ يَذْهَبُ يَسْتَغْفِرُ) أي يدعو برفعهما ( فَيَسُبَّ نَفْسَهُ) أي يدعو عليها.
ففي النسائي من طريق أيوب عن هشام يدعو على نفسه وهو بالنصب جوابًا للعل والرفع عطفًا على يستغفر.

قال الطيبي: والنصب أولى لأن المعنى يطلب من الله الغفران لذنبه ليصير مزكى فيتكلم بما يجلب الذنب فيزيد العصيان على العصيان وكأنه قد سب نفسه، وجعل ابن أبي جمرة علة النهي خشية أن يوافق ساعة إجابة والرجاء في لعل عائد على المصلي لا إلى المتكلم به أي لا يدري استغفر أم سب مترجيًا للاستغفار وهو في الواقع بضدّ ذلك، وعبر أوّلاً بنعس ماضيًا وثانيًا بناعس اسم فاعل تنبيهًا على أنه لا يكفي تجدّد أدنى نعاس ونقيضه في الحال بل لا بدّ من ثبوته بحيث يفضي إلى عدم درايته بما يقول وعدم علمه بما يقرأ.

قال الزين العراقي: وإنما أخذ بما لم يقصد من سبه نفسه وهو ناعس لأنه عرّض نفسه للوقوع فيه بعد النهي عنه فهو متعد وبفرض عدم إثمه بعدم قصده فالقصد من الصلاة أداؤها كما أمر وتحصيل الدعاء لنفسه وبفواته يفوت المقصود.

قال أبو عمر: فيه إنه لا يجوز للمرء سب نفسه وأن الصلاة لا ينبغي أن يقربها من لا يقيمها على حدودها وإن ترك ما يشغله عن خشوعها واستعمال الفراغ لها واجب.

وقال الضحاك في قوله تعالى: { { لاَ تَقْرَبُوا الصَّلاَةَ وَأَنْتُمْ سُكَارَى } } قال: من النوم ولا أعلم أحدًا تابعه على ذلك.

وقال الباجي: قال جماعة من أهل التفسير: معنى ذلك من النوم والأغلب أن يكون ذلك في صلاة الليل فمن أصابه ذلك وفي الوقت سعة ومعه من يوقظه فليرقد ليتفرغ لصلاته وإن ضاق الوقت صلى واجتهد في تصحيحها، فإن تيقن تمام فرضه وإلا قضاه بعد النوم.

وهذا الحديث أخرجه البخاري عن عبد الله بن يوسف ومسلم عن قتيبة بن سعيد كلاهما عن مالك به، وتابعه أبو أسامة وعبد الله بن نمير كلاهما عن هشام عند مسلم.

( مَالِكٍ عَنْ إِسْمَاعِيلَ بْنِ أَبِي حَكِيمٍ) القرشي مولاهم المدني ثقة روى له الشيخان ( أَنَّهُ بَلَغَهُ) كذا رواه إسماعيل بلاغًا وقد رواه القعنبي عن مالك عن هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة.

قال ابن عبد البر: تفرد به القعنبي في الموطأ دون بقية رواته فاقتصروا منه على طرف مختصر وهو متصل من طرق صحاح ثابتة من حديث مالك وغيره، فأخرجه البخاري: حدّثنا عبد الله بن مسلمة عن مالك عن هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة، والبخاري ومسلم من طريق يحيى بن سعيد القطان عن هشام عن أبيه عن عائشة، والعقيلي من طريق الضحاك بن عثمان عن إسماعيل بن أبي حكيم عن القاسم بن محمد عن عائشة.

( أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سَمِعَ امْرَأَةً مِنَ اللَّيْلِ تُصَلِّي) أي سمع ذكر صلاتها، فلفظ رواية القعنبي المذكورة عن عائشة قالت: كان عندي امرأة من بني أسد فدخل عليّ رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: من هذه قلت: فلانة لا تنام بالليل تذكر من صلاتها.
فقال: مه عليكم ما تطيقون من الأعمال فإن الله لا يمل حتى تملوا.
ولكن تغايره رواية الزهري عن عروة عن عائشة عند مسلم أن الحولاء مرت بها وعندها رسول الله صلى الله عليه وسلم الحديث، إذ يحتمل أن المارة امرأة غيرها من بني أسد أيضًا فالقصة تعددت.

وأجاب الحافظ: بأنها واحدة ويحمل أنها كانت أوّلاً عند عائشة، فلما دخل صلى الله عليه وسلم على عائشة قامت المرأة لتخرج فمرت به في حال ذهابها فسأل عنها كما في رواية حماد بن سلمة عن هشام بلفظ: كانت عندي امرأة فلما قامت قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: من هذه قلت: فلانة وهي أعبد أهل المدينة الحديث.
رواه الحسن بن سفيان في مسنده، ودل هذا على أنها لم تذكر ذلك إلا بعد خروج المرأة فلا يأتي قول ابن التين لعلها أمنت عليها الفتنة فمدحتها في وجهها.

( فَقَالَ: مَنْ هَذِهِ؟ فَقِيلَ لَهُ:) القائل عائشة، ففي مسلم من رواية الزهري عن عروة عن عائشة فقلت ( هَذِهِ الْحَوْلَاءُ) بالحاء المهملة والمدّ وهو اسمها فكنت عنها بفلانة في رواية هشام وصرحت في رواية الزهري وفي هذا البلاغ باسمها واسم أبيها فقالت ( بِنْتُ تُوَيْتٍ) بفوقيتين مصغر ابن حبيب بفتح المهملة ابن أسد بن عبد العزى بن قصي من رهط خديجة أم المؤمنين أسلمت وبايعت ( لَا تَنَامُ اللَّيْلَ) تصلي كما زاده أحمد ومسلم من رواية يحيى القطان عن هشام، وفي مسلم من طريق الزهري، وزعموا أنها لا تنام الليل وهذا يوافق رواية أن عائشة حكت ذلك عن غيرها ( فَكَرِهَ ذَلِكَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَتَّى عُرِفَتِ الْكَرَاهِيَةُ) بخفة الياء ( فِي وَجْهِهِ) قال الباجي: تعني أنه رؤي في وجهه من التقطيب وغير ذلك ما عرفت به كراهيته لما وصفت به ولمسلم من رواية الزهري فقال لا تنام الليل.

( ثُمَّ قَالَ: إِنَّ اللَّهَ تَبَارَكَ وَتَعَالَى لَا يَمَلُّ حَتَّى تَمَلُّوا) بفتح الميم فيهما.
قال ابن عبد البر: أي أن من ملّ من عمل قطع عنه جزاءه فعبر عنه بالملال لأنه بحذائه وجواب له فهو لفظ خرج على مثال لفظ والعرب تفعل ذلك إذا جعلوه جوابًا له أو جزاء ذكروه مثل لفظه وإن كان مخالفًا له في المعنى كقوله تعالى: { { وَجَزَاءُ سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ مِّثْلُهَا } } { { فَمَنِ اعْتَدَى عَلَيْكُمْ فَاعْتَدُوا عَلَيْهِ بِمِثْلِ مَا اعْتَدَى عَلَيْكُمْ } } { { وَمَكَرُوا وَمَكَرَ اللَّهُ } } و { { نَحْنُ مُسْتَهْزِئُونَ } } { { اللَّهُ يَسْتَهْزِئُ بِهِمْ } } و { { يَكِيدُونَ كَيْدًا وَأَكِيدُ كَيْدًا } }

وقال الحافظ: الملال استثقال الشيء ونفور النفس عنه بعد محبته وهو محال على الله تعالى باتفاق.
قال الإسماعيلي: وجماعة من المحققين: إنما أطلق هذا على جهة المقابلة اللفظية مجازًا كما قال الله تعالى { { وَجَزَاءُ سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ مِّثْلُهَا } } وأنظاره.
وقال القرطبي: وجهة مجازه أنه تعالى لما كان يقطع ثوابه عمن قطع العمل ملالا عبر عن ذلك بالملال من تسمية الشيء باسم سببه.
وقال الهروي: معناه لا يقطع عنكم فضله حتى تملوا سؤاله فتزهد في الرغبة إليه.
وقال غيره: معناه لا يتناهى حقه عليكم في الطاعة حتى يتناهى جهدكم، وهذا كله بناء على أن حتى على بابها في انتهاء الغاية وما يترتب عليها من المفهوم.

وجنح بعضهم إلى تأويلها فقيل معناه لا يمل الله إذا مللتم وهو مستعمل في كلام العرب يقولون لا أفعل كذا حتى يبيض القار وحتى يشيب الغراب، ومنه قولهم في البليغ لا ينقطع حتى ينقطع خصومه لأنه لو انقطع لم يكن له عليهم مزية، وهذا المثال أشبه من الذي قبله لأن شيب الغراب ليس ممكنًا عادة بخلاف الملل من العابد.

وقال المازري قيل حتى بمعنى الواو فالتقدير لا يمل وتملون فنفى عنه الملل وأثبته لهم.
قال وقيل: حتى بمعنى حين والأوّل أليق وأجرى على القواعد وأنه من باب المقابلة اللفظية، ويؤيده ما ورد في بعض طرق حديث عائشة إن الله لا يمل من الثواب حتى تملوا من العمل أخرجه ابن جرير، لكن في سنده موسى بن عبيدة وهو ضعيف وفي بعض طرقه ما يدل على أن ذلك من قول بعض رواة الحديث.

وقال ابن حبان: هذا من ألفاظ التعارف التي لا يتهيأ للمخاطب أن يعرف القصد بما يخاطب به إلا بها وهذا رأيه في جميع المتشابه.

( اكْلَفُوا) بسكون الكاف وفتح اللام أي خذوا وتحملوا ( مِنَ الْعَمَلِ) أي عمل البر من صلاة وغيرها ( مَا لَكُمْ بِهِ) أي بالمداومة عليه ( طَاقَةٌ) قوّة فمنطوقه الأمر بالاقتصار على ما يطاق من العبادة ومفهومه النهي عن تكلف ما لا يطاق.
وقال عياض: يحتمل أن هذا خاص بصلاة الليل، ويحتمل أنه عام في الأعمال الشرعية.

وقال الحافظ: سبب وروده خاص بالصلاة لكن اللفظ عامّ وهو المعتبر، وقد عبر بقوله أي في حديث عائشة عليكم وبقوله هنا اكلفوا مع أن المخاطب النساء طلبًا لتعميم الحكم فغلب الذكور على الإناث انتهى.

وقال الباجي: الأظهر أنه أراد به عمل البر لأنه ورد على سببه، والصحيح وهو قول مالك أن اللفظ الوارد على سبب غير مقصور عليه ولأنه لفظ ورد من الشارع فوجب أن يحمل على الأعمال الشرعية، وقد أخذ بظاهر الحديث جماعة من الأئمة فقالوا يكره قيام جميع الليل، وبه قال مالك مرة ثم رجع فقال لا بأس به ما لم يضر بصلاة الصبح فإن كان يأتي وهو ناعس فلا يفعل وإن كان إنما يدركه كسل وفتور فلا بأس بذلك، وكذا قال الشافعي لا أكرهه إلا لمن خشي أن يضر بصلاة الصبح.

( مَالِكٍ عَنْ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ عَنْ أَبِيهِ أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ كَانَ يُصَلِّي مِنَ اللَّيْلِ مَا شَاءَ اللَّهُ حَتَّى إِذَا كَانَ مِنْ آخِرِ اللَّيْلِ أَيْقَظَ أَهْلَهُ لِلصَّلَاةِ) أي لإدراك شيء من صلاة السحر والاستغفار فيه، ويحتمل أن يكون إيقاظه لصلاة الصبح وأيما كان فإنه امتثل الآية، وفيه أنه لم يشغله أمور المسلمين عن صلاة الليل لفضل التهجد وأنه لم يكلف أهله منه ما كان هو يفعله.

( يَقُولُ لَهُمُ: الصَّلَاةَ الصَّلَاةَ) بنصبهما ( ثُمَّ يَتْلُو هَذِهِ الْآيَةَ: { { وَأْمُرْ أَهْلَكَ بِالصَّلَاةِ وَاصْطَبِرْ } } ) اصبر { { عَلَيْهَا لَا نَسْأَلُكَ } } لا نكلفك { { رِزْقًا } } لنفسك ولا لغيرك { { نَحْنُ نَرْزُقُكَ وَالْعَاقِبَةُ } } الجنة { { لِلتَّقْوَى } } أي لأهلها.
روى ابن مردويه عن أبي قال: حين نزلت هذه الآية كان صلى الله عليه وسلم يأتي باب عليّ فيقول: الصلاة رحمكم الله { { إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيرًا } }

( مَالِكٍ أَنَّهُ بَلَغَهُ أَنَّ سَعِيدَ بْنَ الْمُسَيِّبِ كَانَ يَقُولُ: يُكْرَهُ النَّوْمُ قَبْلَ الْعِشَاءِ) لما فيه من تعريضها للفوات ( وَالْحَدِيثُ بَعْدَهَا) لمنعه من صلاة الليل، وقد أرخص في ذلك لمن تحدّث مع ضيف أو غلمان أو لعرس أو لمسافر قاله الباجي.
وهذا البلاغ حديث مرفوع روى الشيخان عن أبي برزة بفتح الموحدة والزاي بينهما راء ساكنة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يكره النوم قبل العشاء، والحديث بعدها قال الترمذي: كره أكثر أهل العلم النوم قبل صلاة العشاء ورخص فيه بعضهم ورخص بعضهم فيه في رمضان خاصة انتهى.

قال الحافظ: ومن نقلت عنه الرخصة قيدت عنه في أكثر الروايات بما إذا كان له من يوقظه أو عرف من عادته أنه لا يستغرق وقت الاختيار بالنوم، وهذا جيد حيث قلنا إن علة النهي خشية خروج الوقت، وحمل الطحاوي الرخصة على ما قبل دخول وقت العشاء والكراهة على ما بعد دخوله.

( مَالِكٍ أَنَّهُ بَلَغَهُ أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عُمَرَ كَانَ يَقُولُ:) بلاغه صحيح، وقد رواه ابن وهب أخبرني عمرو بن الحارث عن بكير بن عبد الله بن الأشج أن محمد بن عبد الرحمن بن قزمان حدّثه أنه سمع ابن عمر يقول ( صَلَاةُ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ) أي التنفل فيه إذ لا يقال للظهر ولا للعصر ( مَثْنَى مَثْنَى) بفتح الميم أي اثنين اثنين ( يُسَلِّمُ مِنْ كُلِّ رَكْعَتَيْنِ) قال أبو عمر: هذا تفسير لحديثه بعد هذا في الموطأ مرفوعًا صلاة الليل مثنى مثنى.
قال الشافعي: هو حديث خرج على جواب سائل كأنه قيل: كيف صلاة الليل؟ قال: مثنى مثنى، ولو سأله عن صلاة النهار لقال مثل ذلك لقول ابن عمر هذا فهو يردّ على الكوفيين في إجازتهم عشر ركعات وثمانيًا وستًا وأربعًا بغير سلام.
وروي أن ابن عمر كان يتطوّع بالنهار أربعًا لا يفصل بينهن، وهذا لو صح احتمل أن يكون لا يفصل بينهن بتقدّم عن موضعه ولا تأخر وجلوس طويل وكلام، وقد روى ابن عمر أنه صلى الله عليه وسلم كان يصلي قبل الظهر ركعتين وبعدها ركعتين وقبل العصر ركعتين وبعد المغرب ركعتين، وهو كان أشد الناس امتثالاً له صلى الله عليه وسلم فكيف يقبل مع هذا أن ابن عمر كان يتطوّع بالنهار أربعًا لا يفصل بينهن.

( قَالَ مَالِكٌ: وَهُوَ الْأَمْرُ عِنْدَنَا) بالمدينة الذي أجمعوا عليه.



رقم الحديث 265 وَحَدَّثَنِي عَنْ مَالِكٍ، عَنْ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ عَنْ أَبِيهِ، أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ كَانَ يُصَلِّي مِنَ اللَّيْلِ مَا شَاءَ اللَّهُ، حَتَّى إِذَا كَانَ مِنْ آخِرِ اللَّيْلِ، أَيْقَظَ أَهْلَهُ لِلصَّلَاةِ.
يَقُولُ لَهُمُ: الصَّلَاةَ الصَّلَاةَ ثُمَّ يَتْلُو هَذِهِ الْآيَةَ { { وَأْمُرْ أَهْلَكَ بِالصَّلَاةِ وَاصْطَبِرْ عَلَيْهَا لَا نَسْأَلُكَ رِزْقًا نَحْنُ نَرْزُقُكَ وَالْعَاقِبَةُ لِلتَّقْوَى } }

( مَالِكٍ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ الْمُنْكَدِرِ) بن عبد الله المدني الثقة الفاضل ( عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ) الأسدي مولاهم الكوفي ثقة ثبت فقيه أحد الأعلام، قتله الحجاج ظلمًا في شعبان سنة خمس وتسعين وهو ابن سبع وخمسين وقيل تسع وأربعين.
قال ميمون بن مهران: لقد مات وما على وجه الأرض أحد إلا وهو محتاج إلى علمه.

( عَنْ رَجُلٍ عِنْدَهُ رِضًا) قال ابن عبد البر: قيل إنه الأسود بن يزيد النخعي فقد أخرجه النسائي من طريق ابن جعفر الرازي عن محمد بن المنكدر عن سعيد بن جبير عن الأسود بن يزيد عن عائشة به.
ورواه النسائي أيضًا من وجه آخر عن أبي جعفر عن ابن المنكدر عن سعيد عن عائشة بلا واسطة، وجزم الحافظ بأن روايته عن عائشة وأبي موسى ونحوهما مرسلة.
قال الحافظ العراقي: وقد جاء من حديث أبي الدرداء بنحو حديث عائشة أخرجه النسائي وابن ماجه والبزار بإسناد صحيح.

( أَنَّهُ أَخْبَرَهُ أَنَّ عَائِشَةَ زَوْجَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَخْبَرَتْهُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: مَا) نافية ( مِنِ) زائدة ( امْرِئٍ) مجرور لفظًا مرفوع اسم ما إن جعلت حجازية وعلى الابتداء إن جعلت تميمية ( تَكُونُ لَهُ صَلَاةٌ بِلَيْلٍ يَغْلِبُهُ عَلَيْهَا نَوْمٌ) قال الباجي: هو على وجهين أحدهما أن يذهب به النوم فلا يستيقظ، والثاني أن يستيقظ ويمنعه غلبة النوم من الصلاة فهذا حكمه أن ينام حتى يذهب عنه مانع النوم ( إِلَّا كَتَبَ اللَّهُ لَهُ أَجْرَ صَلَاتِهِ) التي اعتادها وغلبه النوم أحيانًا مكافأة له على نيته.
قال الباجي: وذلك يحتمل أن له أجرها غير مضاعف ولو عملها لضوعف له أجرها إذ لا خلاف أن المصلي أكمل حالاً، ويحتمل أن يريد له أجر نيته وأن له أجر من تمنى أن يصلي تلك الصلاة أو أجر تأسفه على ما فاته منها، واستظهر غيره الأوّل أي أجر نيته لا سيما مع قوله: ( وَكَانَ نَوْمُهُ عَلَيْهِ صَدَقَةً) .

قال الباجي: يعني أنه لا يحتسب به ويكتب له أجر المصلين.
وقال ابن عبد البر: فيه إنّ المرء يجازى على ما نوى من الخير وإن لم يعمله كما لو عمله فضلاً من الله تعالى إذا لم يحبسه عنه شغل دنيا وكان المانع من الله وأن النية يعطى عليها كالذي يعطى على العمل إذا حيل بينه وبين ذلك العمل بنوم أو نسيان أو غير ذلك من الموانع، وقد قال صلى الله عليه وسلم: نية المؤمن خير من عمله ونية الفاجر شر من عمله وكل يعمل على نيته.
ومعناه أن النية بلا عمل خير من العمل بلا نية لأن العمل بدونها لا ينفع والنية الحسنة تنفع بلا عمل، ويحتمل أن يريد أن نية المؤمن في الأعمال الصالحة أكثر مما يقوى عليه منها انتهى.

والحديث رواه النسائي عن قتيبة عن مالك به، وتابعه أبو جعفر الرازي عند النسائي أيضًا.
وقال إن أبا جعفر ليس بقوي في الحديث.

( مَالِكٍ عَنْ أَبِي النَّضْرِ) بفتح النون وسكون المعجمة واسمه سالم بن أبي أمية ( مَوْلَى عُمَرَ) بضم العين ( بْنِ عُبَيْدِ اللَّهِ) بتصغير العبد التيمي ( عَنْ أَبِي سَلَمَةَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ) بن عوف ( عَنْ عَائِشَةَ زَوْجِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهَا قَالَتْ: كُنْتُ أَنَامُ بَيْنَ يَدَيْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَرِجْلَايَ فِي قِبْلَتِهِ) جملة حالية أي في مكان سجوده ( فَإِذَا سَجَدَ غَمَزَنِي) أي طعن بأصبعه فيّ لأقبض رجلي من قبلته، وقيل معناه أشار والأوّل أولى لأن معناه جاء في رواية قاله الحافظ البرهان في شرح البخاري ( فَقَبَضْتُ رِجْلَيَّ) بشدّ الياء مثنى ( فَإِذَا قَامَ بَسَطْتُهُمَا) بالتثنية، وكذا رواه الأكثر في البخاري، ولبعض رواته رجلي وبسطتها بالإفراد فيهما.

( قَالَتْ: وَالْبُيُوتُ يَوْمَئِذٍ لَيْسَ فِيهَا مَصَابِيحُ) إذ لو كانت لقبضت رجلي وما أحوجته للغمز قالت ذلك اعتذارًا.
قال ابن عبد البر: قولها يومئذٍ تريد حينئذٍ إذ المصابيح إنما تتخذ في الليالي دون الأيام، وهذا مشهور في لسان العرب يعبر باليوم عن الحين كما يعبر به عن النهار، وفي قولها غمزني دلالة على أن لمس المرأة بلا لذة لا ينقض الوضوء لأن شأن المصلي عدم اللذة، لا سيما النبي صلى الله عليه وسلم واحتمال الحائل أو الخصوصية الأصل عدم الحائل والخصائص لا تثبت بالاحتمال، وعلى أن المرأة لا تقطع صلاة من صلى إليها وهو قول مالك والشافعي وأبي حنيفة وجماعة من التابعين وغيرهم.
نعم كرهه مالك لئلا يذكر منها ما يشغله عن الصلاة أو يبطلها والنبي صلى الله عليه وسلم معصوم.

وهذا الحديث كما قاله أبو عمر: من أثبت ما جاء في هذا المعنى، ورواه البخاري عن إسماعيل وعبد الله بن يوسف، ومسلم عن يحيى الثلاثة عن مالك به.

( مَالِكٍ عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَائِشَةَ زَوْجِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: إِذَا نَعَسَ) بفتح العين وغلط من ضمها وأما المضارع فبضمها وفتحها ( أَحَدُكُمْ فِي صَلَاتِهِ) الفرض والنفل في الليل أو النهار عند الجمهور أخذًا بعمومه لكن لا يخرج فريضة عن وقتها وحمله مالك وجماعة على نفل الليل لأنه محل النوم غالبًا ( فَلْيَرْقُدْ) وفي رواية: فلينم، وأخرى: فليضطجع، والنعاس أول النوم والرقاد المستطاب من النوم ذكره الراغب.
وفي رواية النسائي فلينصرف.
والمراد به التسليم من الصلاة بعد تمامها فرضًا كانت أو نفلاً فالنعاس سبب للنوم أو للأمر به ولا يقطع الصلاة بمجرّد النعاس، وحمله المهلب على ظاهره فقال: إنما أمر بقطع الصلاة لغلبة النوم عليه فدل على أنه إذا كان النعاس أقل من ذلك عفي عنه ( حَتَّى يَذْهَبَ عَنْهُ النَّوْمُ) وهو غشي ثقيل يهجم على القلب فيقطعه عن معرفة الأشياء والأمر للندب لا للوجوب لأنه إذا اشتدّ انقطعت الصلاة فلا يتأتى وجوب القطع لحصوله بغير اختيار المصلي ذكره الولي العراقي مخالفًا لأبيه في تفصيله بين شدّة النعاس وخفته.

( فَإِنَّ أَحَدَكُمْ إِذَا صَلَّى وَهُوَ نَاعِسٌ) في أوائل النوم ( لَا يَدْرِي) ما يفعل فحذف المفعول للعلم به واستأنف بيانيًا قوله ( لَعَلَّهُ يَذْهَبُ يَسْتَغْفِرُ) أي يدعو برفعهما ( فَيَسُبَّ نَفْسَهُ) أي يدعو عليها.
ففي النسائي من طريق أيوب عن هشام يدعو على نفسه وهو بالنصب جوابًا للعل والرفع عطفًا على يستغفر.

قال الطيبي: والنصب أولى لأن المعنى يطلب من الله الغفران لذنبه ليصير مزكى فيتكلم بما يجلب الذنب فيزيد العصيان على العصيان وكأنه قد سب نفسه، وجعل ابن أبي جمرة علة النهي خشية أن يوافق ساعة إجابة والرجاء في لعل عائد على المصلي لا إلى المتكلم به أي لا يدري استغفر أم سب مترجيًا للاستغفار وهو في الواقع بضدّ ذلك، وعبر أوّلاً بنعس ماضيًا وثانيًا بناعس اسم فاعل تنبيهًا على أنه لا يكفي تجدّد أدنى نعاس ونقيضه في الحال بل لا بدّ من ثبوته بحيث يفضي إلى عدم درايته بما يقول وعدم علمه بما يقرأ.

قال الزين العراقي: وإنما أخذ بما لم يقصد من سبه نفسه وهو ناعس لأنه عرّض نفسه للوقوع فيه بعد النهي عنه فهو متعد وبفرض عدم إثمه بعدم قصده فالقصد من الصلاة أداؤها كما أمر وتحصيل الدعاء لنفسه وبفواته يفوت المقصود.

قال أبو عمر: فيه إنه لا يجوز للمرء سب نفسه وأن الصلاة لا ينبغي أن يقربها من لا يقيمها على حدودها وإن ترك ما يشغله عن خشوعها واستعمال الفراغ لها واجب.

وقال الضحاك في قوله تعالى: { { لاَ تَقْرَبُوا الصَّلاَةَ وَأَنْتُمْ سُكَارَى } } قال: من النوم ولا أعلم أحدًا تابعه على ذلك.

وقال الباجي: قال جماعة من أهل التفسير: معنى ذلك من النوم والأغلب أن يكون ذلك في صلاة الليل فمن أصابه ذلك وفي الوقت سعة ومعه من يوقظه فليرقد ليتفرغ لصلاته وإن ضاق الوقت صلى واجتهد في تصحيحها، فإن تيقن تمام فرضه وإلا قضاه بعد النوم.

وهذا الحديث أخرجه البخاري عن عبد الله بن يوسف ومسلم عن قتيبة بن سعيد كلاهما عن مالك به، وتابعه أبو أسامة وعبد الله بن نمير كلاهما عن هشام عند مسلم.

( مَالِكٍ عَنْ إِسْمَاعِيلَ بْنِ أَبِي حَكِيمٍ) القرشي مولاهم المدني ثقة روى له الشيخان ( أَنَّهُ بَلَغَهُ) كذا رواه إسماعيل بلاغًا وقد رواه القعنبي عن مالك عن هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة.

قال ابن عبد البر: تفرد به القعنبي في الموطأ دون بقية رواته فاقتصروا منه على طرف مختصر وهو متصل من طرق صحاح ثابتة من حديث مالك وغيره، فأخرجه البخاري: حدّثنا عبد الله بن مسلمة عن مالك عن هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة، والبخاري ومسلم من طريق يحيى بن سعيد القطان عن هشام عن أبيه عن عائشة، والعقيلي من طريق الضحاك بن عثمان عن إسماعيل بن أبي حكيم عن القاسم بن محمد عن عائشة.

( أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سَمِعَ امْرَأَةً مِنَ اللَّيْلِ تُصَلِّي) أي سمع ذكر صلاتها، فلفظ رواية القعنبي المذكورة عن عائشة قالت: كان عندي امرأة من بني أسد فدخل عليّ رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: من هذه قلت: فلانة لا تنام بالليل تذكر من صلاتها.
فقال: مه عليكم ما تطيقون من الأعمال فإن الله لا يمل حتى تملوا.
ولكن تغايره رواية الزهري عن عروة عن عائشة عند مسلم أن الحولاء مرت بها وعندها رسول الله صلى الله عليه وسلم الحديث، إذ يحتمل أن المارة امرأة غيرها من بني أسد أيضًا فالقصة تعددت.

وأجاب الحافظ: بأنها واحدة ويحمل أنها كانت أوّلاً عند عائشة، فلما دخل صلى الله عليه وسلم على عائشة قامت المرأة لتخرج فمرت به في حال ذهابها فسأل عنها كما في رواية حماد بن سلمة عن هشام بلفظ: كانت عندي امرأة فلما قامت قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: من هذه قلت: فلانة وهي أعبد أهل المدينة الحديث.
رواه الحسن بن سفيان في مسنده، ودل هذا على أنها لم تذكر ذلك إلا بعد خروج المرأة فلا يأتي قول ابن التين لعلها أمنت عليها الفتنة فمدحتها في وجهها.

( فَقَالَ: مَنْ هَذِهِ؟ فَقِيلَ لَهُ:) القائل عائشة، ففي مسلم من رواية الزهري عن عروة عن عائشة فقلت ( هَذِهِ الْحَوْلَاءُ) بالحاء المهملة والمدّ وهو اسمها فكنت عنها بفلانة في رواية هشام وصرحت في رواية الزهري وفي هذا البلاغ باسمها واسم أبيها فقالت ( بِنْتُ تُوَيْتٍ) بفوقيتين مصغر ابن حبيب بفتح المهملة ابن أسد بن عبد العزى بن قصي من رهط خديجة أم المؤمنين أسلمت وبايعت ( لَا تَنَامُ اللَّيْلَ) تصلي كما زاده أحمد ومسلم من رواية يحيى القطان عن هشام، وفي مسلم من طريق الزهري، وزعموا أنها لا تنام الليل وهذا يوافق رواية أن عائشة حكت ذلك عن غيرها ( فَكَرِهَ ذَلِكَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَتَّى عُرِفَتِ الْكَرَاهِيَةُ) بخفة الياء ( فِي وَجْهِهِ) قال الباجي: تعني أنه رؤي في وجهه من التقطيب وغير ذلك ما عرفت به كراهيته لما وصفت به ولمسلم من رواية الزهري فقال لا تنام الليل.

( ثُمَّ قَالَ: إِنَّ اللَّهَ تَبَارَكَ وَتَعَالَى لَا يَمَلُّ حَتَّى تَمَلُّوا) بفتح الميم فيهما.
قال ابن عبد البر: أي أن من ملّ من عمل قطع عنه جزاءه فعبر عنه بالملال لأنه بحذائه وجواب له فهو لفظ خرج على مثال لفظ والعرب تفعل ذلك إذا جعلوه جوابًا له أو جزاء ذكروه مثل لفظه وإن كان مخالفًا له في المعنى كقوله تعالى: { { وَجَزَاءُ سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ مِّثْلُهَا } } { { فَمَنِ اعْتَدَى عَلَيْكُمْ فَاعْتَدُوا عَلَيْهِ بِمِثْلِ مَا اعْتَدَى عَلَيْكُمْ } } { { وَمَكَرُوا وَمَكَرَ اللَّهُ } } و { { نَحْنُ مُسْتَهْزِئُونَ } } { { اللَّهُ يَسْتَهْزِئُ بِهِمْ } } و { { يَكِيدُونَ كَيْدًا وَأَكِيدُ كَيْدًا } }

وقال الحافظ: الملال استثقال الشيء ونفور النفس عنه بعد محبته وهو محال على الله تعالى باتفاق.
قال الإسماعيلي: وجماعة من المحققين: إنما أطلق هذا على جهة المقابلة اللفظية مجازًا كما قال الله تعالى { { وَجَزَاءُ سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ مِّثْلُهَا } } وأنظاره.
وقال القرطبي: وجهة مجازه أنه تعالى لما كان يقطع ثوابه عمن قطع العمل ملالا عبر عن ذلك بالملال من تسمية الشيء باسم سببه.
وقال الهروي: معناه لا يقطع عنكم فضله حتى تملوا سؤاله فتزهد في الرغبة إليه.
وقال غيره: معناه لا يتناهى حقه عليكم في الطاعة حتى يتناهى جهدكم، وهذا كله بناء على أن حتى على بابها في انتهاء الغاية وما يترتب عليها من المفهوم.

وجنح بعضهم إلى تأويلها فقيل معناه لا يمل الله إذا مللتم وهو مستعمل في كلام العرب يقولون لا أفعل كذا حتى يبيض القار وحتى يشيب الغراب، ومنه قولهم في البليغ لا ينقطع حتى ينقطع خصومه لأنه لو انقطع لم يكن له عليهم مزية، وهذا المثال أشبه من الذي قبله لأن شيب الغراب ليس ممكنًا عادة بخلاف الملل من العابد.

وقال المازري قيل حتى بمعنى الواو فالتقدير لا يمل وتملون فنفى عنه الملل وأثبته لهم.
قال وقيل: حتى بمعنى حين والأوّل أليق وأجرى على القواعد وأنه من باب المقابلة اللفظية، ويؤيده ما ورد في بعض طرق حديث عائشة إن الله لا يمل من الثواب حتى تملوا من العمل أخرجه ابن جرير، لكن في سنده موسى بن عبيدة وهو ضعيف وفي بعض طرقه ما يدل على أن ذلك من قول بعض رواة الحديث.

وقال ابن حبان: هذا من ألفاظ التعارف التي لا يتهيأ للمخاطب أن يعرف القصد بما يخاطب به إلا بها وهذا رأيه في جميع المتشابه.

( اكْلَفُوا) بسكون الكاف وفتح اللام أي خذوا وتحملوا ( مِنَ الْعَمَلِ) أي عمل البر من صلاة وغيرها ( مَا لَكُمْ بِهِ) أي بالمداومة عليه ( طَاقَةٌ) قوّة فمنطوقه الأمر بالاقتصار على ما يطاق من العبادة ومفهومه النهي عن تكلف ما لا يطاق.
وقال عياض: يحتمل أن هذا خاص بصلاة الليل، ويحتمل أنه عام في الأعمال الشرعية.

وقال الحافظ: سبب وروده خاص بالصلاة لكن اللفظ عامّ وهو المعتبر، وقد عبر بقوله أي في حديث عائشة عليكم وبقوله هنا اكلفوا مع أن المخاطب النساء طلبًا لتعميم الحكم فغلب الذكور على الإناث انتهى.

وقال الباجي: الأظهر أنه أراد به عمل البر لأنه ورد على سببه، والصحيح وهو قول مالك أن اللفظ الوارد على سبب غير مقصور عليه ولأنه لفظ ورد من الشارع فوجب أن يحمل على الأعمال الشرعية، وقد أخذ بظاهر الحديث جماعة من الأئمة فقالوا يكره قيام جميع الليل، وبه قال مالك مرة ثم رجع فقال لا بأس به ما لم يضر بصلاة الصبح فإن كان يأتي وهو ناعس فلا يفعل وإن كان إنما يدركه كسل وفتور فلا بأس بذلك، وكذا قال الشافعي لا أكرهه إلا لمن خشي أن يضر بصلاة الصبح.

( مَالِكٍ عَنْ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ عَنْ أَبِيهِ أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ كَانَ يُصَلِّي مِنَ اللَّيْلِ مَا شَاءَ اللَّهُ حَتَّى إِذَا كَانَ مِنْ آخِرِ اللَّيْلِ أَيْقَظَ أَهْلَهُ لِلصَّلَاةِ) أي لإدراك شيء من صلاة السحر والاستغفار فيه، ويحتمل أن يكون إيقاظه لصلاة الصبح وأيما كان فإنه امتثل الآية، وفيه أنه لم يشغله أمور المسلمين عن صلاة الليل لفضل التهجد وأنه لم يكلف أهله منه ما كان هو يفعله.

( يَقُولُ لَهُمُ: الصَّلَاةَ الصَّلَاةَ) بنصبهما ( ثُمَّ يَتْلُو هَذِهِ الْآيَةَ: { { وَأْمُرْ أَهْلَكَ بِالصَّلَاةِ وَاصْطَبِرْ } } ) اصبر { { عَلَيْهَا لَا نَسْأَلُكَ } } لا نكلفك { { رِزْقًا } } لنفسك ولا لغيرك { { نَحْنُ نَرْزُقُكَ وَالْعَاقِبَةُ } } الجنة { { لِلتَّقْوَى } } أي لأهلها.
روى ابن مردويه عن أبي قال: حين نزلت هذه الآية كان صلى الله عليه وسلم يأتي باب عليّ فيقول: الصلاة رحمكم الله { { إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيرًا } }

( مَالِكٍ أَنَّهُ بَلَغَهُ أَنَّ سَعِيدَ بْنَ الْمُسَيِّبِ كَانَ يَقُولُ: يُكْرَهُ النَّوْمُ قَبْلَ الْعِشَاءِ) لما فيه من تعريضها للفوات ( وَالْحَدِيثُ بَعْدَهَا) لمنعه من صلاة الليل، وقد أرخص في ذلك لمن تحدّث مع ضيف أو غلمان أو لعرس أو لمسافر قاله الباجي.
وهذا البلاغ حديث مرفوع روى الشيخان عن أبي برزة بفتح الموحدة والزاي بينهما راء ساكنة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يكره النوم قبل العشاء، والحديث بعدها قال الترمذي: كره أكثر أهل العلم النوم قبل صلاة العشاء ورخص فيه بعضهم ورخص بعضهم فيه في رمضان خاصة انتهى.

قال الحافظ: ومن نقلت عنه الرخصة قيدت عنه في أكثر الروايات بما إذا كان له من يوقظه أو عرف من عادته أنه لا يستغرق وقت الاختيار بالنوم، وهذا جيد حيث قلنا إن علة النهي خشية خروج الوقت، وحمل الطحاوي الرخصة على ما قبل دخول وقت العشاء والكراهة على ما بعد دخوله.

( مَالِكٍ أَنَّهُ بَلَغَهُ أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عُمَرَ كَانَ يَقُولُ:) بلاغه صحيح، وقد رواه ابن وهب أخبرني عمرو بن الحارث عن بكير بن عبد الله بن الأشج أن محمد بن عبد الرحمن بن قزمان حدّثه أنه سمع ابن عمر يقول ( صَلَاةُ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ) أي التنفل فيه إذ لا يقال للظهر ولا للعصر ( مَثْنَى مَثْنَى) بفتح الميم أي اثنين اثنين ( يُسَلِّمُ مِنْ كُلِّ رَكْعَتَيْنِ) قال أبو عمر: هذا تفسير لحديثه بعد هذا في الموطأ مرفوعًا صلاة الليل مثنى مثنى.
قال الشافعي: هو حديث خرج على جواب سائل كأنه قيل: كيف صلاة الليل؟ قال: مثنى مثنى، ولو سأله عن صلاة النهار لقال مثل ذلك لقول ابن عمر هذا فهو يردّ على الكوفيين في إجازتهم عشر ركعات وثمانيًا وستًا وأربعًا بغير سلام.
وروي أن ابن عمر كان يتطوّع بالنهار أربعًا لا يفصل بينهن، وهذا لو صح احتمل أن يكون لا يفصل بينهن بتقدّم عن موضعه ولا تأخر وجلوس طويل وكلام، وقد روى ابن عمر أنه صلى الله عليه وسلم كان يصلي قبل الظهر ركعتين وبعدها ركعتين وقبل العصر ركعتين وبعد المغرب ركعتين، وهو كان أشد الناس امتثالاً له صلى الله عليه وسلم فكيف يقبل مع هذا أن ابن عمر كان يتطوّع بالنهار أربعًا لا يفصل بينهن.

( قَالَ مَالِكٌ: وَهُوَ الْأَمْرُ عِنْدَنَا) بالمدينة الذي أجمعوا عليه.



رقم الحديث 266 وَحَدَّثَنِي مَالِكٍ أَنَّهُ بَلَغَهُ، أَنَّ سَعِيدَ بْنَ الْمُسَيِّبِ كَانَ يَقُولُ: يُكْرَهُ النَّوْمُ قَبْلَ الْعِشَاءِ، وَالْحَدِيثُ بَعْدَهَا.


( مَالِكٍ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ الْمُنْكَدِرِ) بن عبد الله المدني الثقة الفاضل ( عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ) الأسدي مولاهم الكوفي ثقة ثبت فقيه أحد الأعلام، قتله الحجاج ظلمًا في شعبان سنة خمس وتسعين وهو ابن سبع وخمسين وقيل تسع وأربعين.
قال ميمون بن مهران: لقد مات وما على وجه الأرض أحد إلا وهو محتاج إلى علمه.

( عَنْ رَجُلٍ عِنْدَهُ رِضًا) قال ابن عبد البر: قيل إنه الأسود بن يزيد النخعي فقد أخرجه النسائي من طريق ابن جعفر الرازي عن محمد بن المنكدر عن سعيد بن جبير عن الأسود بن يزيد عن عائشة به.
ورواه النسائي أيضًا من وجه آخر عن أبي جعفر عن ابن المنكدر عن سعيد عن عائشة بلا واسطة، وجزم الحافظ بأن روايته عن عائشة وأبي موسى ونحوهما مرسلة.
قال الحافظ العراقي: وقد جاء من حديث أبي الدرداء بنحو حديث عائشة أخرجه النسائي وابن ماجه والبزار بإسناد صحيح.

( أَنَّهُ أَخْبَرَهُ أَنَّ عَائِشَةَ زَوْجَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَخْبَرَتْهُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: مَا) نافية ( مِنِ) زائدة ( امْرِئٍ) مجرور لفظًا مرفوع اسم ما إن جعلت حجازية وعلى الابتداء إن جعلت تميمية ( تَكُونُ لَهُ صَلَاةٌ بِلَيْلٍ يَغْلِبُهُ عَلَيْهَا نَوْمٌ) قال الباجي: هو على وجهين أحدهما أن يذهب به النوم فلا يستيقظ، والثاني أن يستيقظ ويمنعه غلبة النوم من الصلاة فهذا حكمه أن ينام حتى يذهب عنه مانع النوم ( إِلَّا كَتَبَ اللَّهُ لَهُ أَجْرَ صَلَاتِهِ) التي اعتادها وغلبه النوم أحيانًا مكافأة له على نيته.
قال الباجي: وذلك يحتمل أن له أجرها غير مضاعف ولو عملها لضوعف له أجرها إذ لا خلاف أن المصلي أكمل حالاً، ويحتمل أن يريد له أجر نيته وأن له أجر من تمنى أن يصلي تلك الصلاة أو أجر تأسفه على ما فاته منها، واستظهر غيره الأوّل أي أجر نيته لا سيما مع قوله: ( وَكَانَ نَوْمُهُ عَلَيْهِ صَدَقَةً) .

قال الباجي: يعني أنه لا يحتسب به ويكتب له أجر المصلين.
وقال ابن عبد البر: فيه إنّ المرء يجازى على ما نوى من الخير وإن لم يعمله كما لو عمله فضلاً من الله تعالى إذا لم يحبسه عنه شغل دنيا وكان المانع من الله وأن النية يعطى عليها كالذي يعطى على العمل إذا حيل بينه وبين ذلك العمل بنوم أو نسيان أو غير ذلك من الموانع، وقد قال صلى الله عليه وسلم: نية المؤمن خير من عمله ونية الفاجر شر من عمله وكل يعمل على نيته.
ومعناه أن النية بلا عمل خير من العمل بلا نية لأن العمل بدونها لا ينفع والنية الحسنة تنفع بلا عمل، ويحتمل أن يريد أن نية المؤمن في الأعمال الصالحة أكثر مما يقوى عليه منها انتهى.

والحديث رواه النسائي عن قتيبة عن مالك به، وتابعه أبو جعفر الرازي عند النسائي أيضًا.
وقال إن أبا جعفر ليس بقوي في الحديث.

( مَالِكٍ عَنْ أَبِي النَّضْرِ) بفتح النون وسكون المعجمة واسمه سالم بن أبي أمية ( مَوْلَى عُمَرَ) بضم العين ( بْنِ عُبَيْدِ اللَّهِ) بتصغير العبد التيمي ( عَنْ أَبِي سَلَمَةَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ) بن عوف ( عَنْ عَائِشَةَ زَوْجِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهَا قَالَتْ: كُنْتُ أَنَامُ بَيْنَ يَدَيْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَرِجْلَايَ فِي قِبْلَتِهِ) جملة حالية أي في مكان سجوده ( فَإِذَا سَجَدَ غَمَزَنِي) أي طعن بأصبعه فيّ لأقبض رجلي من قبلته، وقيل معناه أشار والأوّل أولى لأن معناه جاء في رواية قاله الحافظ البرهان في شرح البخاري ( فَقَبَضْتُ رِجْلَيَّ) بشدّ الياء مثنى ( فَإِذَا قَامَ بَسَطْتُهُمَا) بالتثنية، وكذا رواه الأكثر في البخاري، ولبعض رواته رجلي وبسطتها بالإفراد فيهما.

( قَالَتْ: وَالْبُيُوتُ يَوْمَئِذٍ لَيْسَ فِيهَا مَصَابِيحُ) إذ لو كانت لقبضت رجلي وما أحوجته للغمز قالت ذلك اعتذارًا.
قال ابن عبد البر: قولها يومئذٍ تريد حينئذٍ إذ المصابيح إنما تتخذ في الليالي دون الأيام، وهذا مشهور في لسان العرب يعبر باليوم عن الحين كما يعبر به عن النهار، وفي قولها غمزني دلالة على أن لمس المرأة بلا لذة لا ينقض الوضوء لأن شأن المصلي عدم اللذة، لا سيما النبي صلى الله عليه وسلم واحتمال الحائل أو الخصوصية الأصل عدم الحائل والخصائص لا تثبت بالاحتمال، وعلى أن المرأة لا تقطع صلاة من صلى إليها وهو قول مالك والشافعي وأبي حنيفة وجماعة من التابعين وغيرهم.
نعم كرهه مالك لئلا يذكر منها ما يشغله عن الصلاة أو يبطلها والنبي صلى الله عليه وسلم معصوم.

وهذا الحديث كما قاله أبو عمر: من أثبت ما جاء في هذا المعنى، ورواه البخاري عن إسماعيل وعبد الله بن يوسف، ومسلم عن يحيى الثلاثة عن مالك به.

( مَالِكٍ عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَائِشَةَ زَوْجِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: إِذَا نَعَسَ) بفتح العين وغلط من ضمها وأما المضارع فبضمها وفتحها ( أَحَدُكُمْ فِي صَلَاتِهِ) الفرض والنفل في الليل أو النهار عند الجمهور أخذًا بعمومه لكن لا يخرج فريضة عن وقتها وحمله مالك وجماعة على نفل الليل لأنه محل النوم غالبًا ( فَلْيَرْقُدْ) وفي رواية: فلينم، وأخرى: فليضطجع، والنعاس أول النوم والرقاد المستطاب من النوم ذكره الراغب.
وفي رواية النسائي فلينصرف.
والمراد به التسليم من الصلاة بعد تمامها فرضًا كانت أو نفلاً فالنعاس سبب للنوم أو للأمر به ولا يقطع الصلاة بمجرّد النعاس، وحمله المهلب على ظاهره فقال: إنما أمر بقطع الصلاة لغلبة النوم عليه فدل على أنه إذا كان النعاس أقل من ذلك عفي عنه ( حَتَّى يَذْهَبَ عَنْهُ النَّوْمُ) وهو غشي ثقيل يهجم على القلب فيقطعه عن معرفة الأشياء والأمر للندب لا للوجوب لأنه إذا اشتدّ انقطعت الصلاة فلا يتأتى وجوب القطع لحصوله بغير اختيار المصلي ذكره الولي العراقي مخالفًا لأبيه في تفصيله بين شدّة النعاس وخفته.

( فَإِنَّ أَحَدَكُمْ إِذَا صَلَّى وَهُوَ نَاعِسٌ) في أوائل النوم ( لَا يَدْرِي) ما يفعل فحذف المفعول للعلم به واستأنف بيانيًا قوله ( لَعَلَّهُ يَذْهَبُ يَسْتَغْفِرُ) أي يدعو برفعهما ( فَيَسُبَّ نَفْسَهُ) أي يدعو عليها.
ففي النسائي من طريق أيوب عن هشام يدعو على نفسه وهو بالنصب جوابًا للعل والرفع عطفًا على يستغفر.

قال الطيبي: والنصب أولى لأن المعنى يطلب من الله الغفران لذنبه ليصير مزكى فيتكلم بما يجلب الذنب فيزيد العصيان على العصيان وكأنه قد سب نفسه، وجعل ابن أبي جمرة علة النهي خشية أن يوافق ساعة إجابة والرجاء في لعل عائد على المصلي لا إلى المتكلم به أي لا يدري استغفر أم سب مترجيًا للاستغفار وهو في الواقع بضدّ ذلك، وعبر أوّلاً بنعس ماضيًا وثانيًا بناعس اسم فاعل تنبيهًا على أنه لا يكفي تجدّد أدنى نعاس ونقيضه في الحال بل لا بدّ من ثبوته بحيث يفضي إلى عدم درايته بما يقول وعدم علمه بما يقرأ.

قال الزين العراقي: وإنما أخذ بما لم يقصد من سبه نفسه وهو ناعس لأنه عرّض نفسه للوقوع فيه بعد النهي عنه فهو متعد وبفرض عدم إثمه بعدم قصده فالقصد من الصلاة أداؤها كما أمر وتحصيل الدعاء لنفسه وبفواته يفوت المقصود.

قال أبو عمر: فيه إنه لا يجوز للمرء سب نفسه وأن الصلاة لا ينبغي أن يقربها من لا يقيمها على حدودها وإن ترك ما يشغله عن خشوعها واستعمال الفراغ لها واجب.

وقال الضحاك في قوله تعالى: { { لاَ تَقْرَبُوا الصَّلاَةَ وَأَنْتُمْ سُكَارَى } } قال: من النوم ولا أعلم أحدًا تابعه على ذلك.

وقال الباجي: قال جماعة من أهل التفسير: معنى ذلك من النوم والأغلب أن يكون ذلك في صلاة الليل فمن أصابه ذلك وفي الوقت سعة ومعه من يوقظه فليرقد ليتفرغ لصلاته وإن ضاق الوقت صلى واجتهد في تصحيحها، فإن تيقن تمام فرضه وإلا قضاه بعد النوم.

وهذا الحديث أخرجه البخاري عن عبد الله بن يوسف ومسلم عن قتيبة بن سعيد كلاهما عن مالك به، وتابعه أبو أسامة وعبد الله بن نمير كلاهما عن هشام عند مسلم.

( مَالِكٍ عَنْ إِسْمَاعِيلَ بْنِ أَبِي حَكِيمٍ) القرشي مولاهم المدني ثقة روى له الشيخان ( أَنَّهُ بَلَغَهُ) كذا رواه إسماعيل بلاغًا وقد رواه القعنبي عن مالك عن هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة.

قال ابن عبد البر: تفرد به القعنبي في الموطأ دون بقية رواته فاقتصروا منه على طرف مختصر وهو متصل من طرق صحاح ثابتة من حديث مالك وغيره، فأخرجه البخاري: حدّثنا عبد الله بن مسلمة عن مالك عن هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة، والبخاري ومسلم من طريق يحيى بن سعيد القطان عن هشام عن أبيه عن عائشة، والعقيلي من طريق الضحاك بن عثمان عن إسماعيل بن أبي حكيم عن القاسم بن محمد عن عائشة.

( أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سَمِعَ امْرَأَةً مِنَ اللَّيْلِ تُصَلِّي) أي سمع ذكر صلاتها، فلفظ رواية القعنبي المذكورة عن عائشة قالت: كان عندي امرأة من بني أسد فدخل عليّ رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: من هذه قلت: فلانة لا تنام بالليل تذكر من صلاتها.
فقال: مه عليكم ما تطيقون من الأعمال فإن الله لا يمل حتى تملوا.
ولكن تغايره رواية الزهري عن عروة عن عائشة عند مسلم أن الحولاء مرت بها وعندها رسول الله صلى الله عليه وسلم الحديث، إذ يحتمل أن المارة امرأة غيرها من بني أسد أيضًا فالقصة تعددت.

وأجاب الحافظ: بأنها واحدة ويحمل أنها كانت أوّلاً عند عائشة، فلما دخل صلى الله عليه وسلم على عائشة قامت المرأة لتخرج فمرت به في حال ذهابها فسأل عنها كما في رواية حماد بن سلمة عن هشام بلفظ: كانت عندي امرأة فلما قامت قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: من هذه قلت: فلانة وهي أعبد أهل المدينة الحديث.
رواه الحسن بن سفيان في مسنده، ودل هذا على أنها لم تذكر ذلك إلا بعد خروج المرأة فلا يأتي قول ابن التين لعلها أمنت عليها الفتنة فمدحتها في وجهها.

( فَقَالَ: مَنْ هَذِهِ؟ فَقِيلَ لَهُ:) القائل عائشة، ففي مسلم من رواية الزهري عن عروة عن عائشة فقلت ( هَذِهِ الْحَوْلَاءُ) بالحاء المهملة والمدّ وهو اسمها فكنت عنها بفلانة في رواية هشام وصرحت في رواية الزهري وفي هذا البلاغ باسمها واسم أبيها فقالت ( بِنْتُ تُوَيْتٍ) بفوقيتين مصغر ابن حبيب بفتح المهملة ابن أسد بن عبد العزى بن قصي من رهط خديجة أم المؤمنين أسلمت وبايعت ( لَا تَنَامُ اللَّيْلَ) تصلي كما زاده أحمد ومسلم من رواية يحيى القطان عن هشام، وفي مسلم من طريق الزهري، وزعموا أنها لا تنام الليل وهذا يوافق رواية أن عائشة حكت ذلك عن غيرها ( فَكَرِهَ ذَلِكَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَتَّى عُرِفَتِ الْكَرَاهِيَةُ) بخفة الياء ( فِي وَجْهِهِ) قال الباجي: تعني أنه رؤي في وجهه من التقطيب وغير ذلك ما عرفت به كراهيته لما وصفت به ولمسلم من رواية الزهري فقال لا تنام الليل.

( ثُمَّ قَالَ: إِنَّ اللَّهَ تَبَارَكَ وَتَعَالَى لَا يَمَلُّ حَتَّى تَمَلُّوا) بفتح الميم فيهما.
قال ابن عبد البر: أي أن من ملّ من عمل قطع عنه جزاءه فعبر عنه بالملال لأنه بحذائه وجواب له فهو لفظ خرج على مثال لفظ والعرب تفعل ذلك إذا جعلوه جوابًا له أو جزاء ذكروه مثل لفظه وإن كان مخالفًا له في المعنى كقوله تعالى: { { وَجَزَاءُ سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ مِّثْلُهَا } } { { فَمَنِ اعْتَدَى عَلَيْكُمْ فَاعْتَدُوا عَلَيْهِ بِمِثْلِ مَا اعْتَدَى عَلَيْكُمْ } } { { وَمَكَرُوا وَمَكَرَ اللَّهُ } } و { { نَحْنُ مُسْتَهْزِئُونَ } } { { اللَّهُ يَسْتَهْزِئُ بِهِمْ } } و { { يَكِيدُونَ كَيْدًا وَأَكِيدُ كَيْدًا } }

وقال الحافظ: الملال استثقال الشيء ونفور النفس عنه بعد محبته وهو محال على الله تعالى باتفاق.
قال الإسماعيلي: وجماعة من المحققين: إنما أطلق هذا على جهة المقابلة اللفظية مجازًا كما قال الله تعالى { { وَجَزَاءُ سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ مِّثْلُهَا } } وأنظاره.
وقال القرطبي: وجهة مجازه أنه تعالى لما كان يقطع ثوابه عمن قطع العمل ملالا عبر عن ذلك بالملال من تسمية الشيء باسم سببه.
وقال الهروي: معناه لا يقطع عنكم فضله حتى تملوا سؤاله فتزهد في الرغبة إليه.
وقال غيره: معناه لا يتناهى حقه عليكم في الطاعة حتى يتناهى جهدكم، وهذا كله بناء على أن حتى على بابها في انتهاء الغاية وما يترتب عليها من المفهوم.

وجنح بعضهم إلى تأويلها فقيل معناه لا يمل الله إذا مللتم وهو مستعمل في كلام العرب يقولون لا أفعل كذا حتى يبيض القار وحتى يشيب الغراب، ومنه قولهم في البليغ لا ينقطع حتى ينقطع خصومه لأنه لو انقطع لم يكن له عليهم مزية، وهذا المثال أشبه من الذي قبله لأن شيب الغراب ليس ممكنًا عادة بخلاف الملل من العابد.

وقال المازري قيل حتى بمعنى الواو فالتقدير لا يمل وتملون فنفى عنه الملل وأثبته لهم.
قال وقيل: حتى بمعنى حين والأوّل أليق وأجرى على القواعد وأنه من باب المقابلة اللفظية، ويؤيده ما ورد في بعض طرق حديث عائشة إن الله لا يمل من الثواب حتى تملوا من العمل أخرجه ابن جرير، لكن في سنده موسى بن عبيدة وهو ضعيف وفي بعض طرقه ما يدل على أن ذلك من قول بعض رواة الحديث.

وقال ابن حبان: هذا من ألفاظ التعارف التي لا يتهيأ للمخاطب أن يعرف القصد بما يخاطب به إلا بها وهذا رأيه في جميع المتشابه.

( اكْلَفُوا) بسكون الكاف وفتح اللام أي خذوا وتحملوا ( مِنَ الْعَمَلِ) أي عمل البر من صلاة وغيرها ( مَا لَكُمْ بِهِ) أي بالمداومة عليه ( طَاقَةٌ) قوّة فمنطوقه الأمر بالاقتصار على ما يطاق من العبادة ومفهومه النهي عن تكلف ما لا يطاق.
وقال عياض: يحتمل أن هذا خاص بصلاة الليل، ويحتمل أنه عام في الأعمال الشرعية.

وقال الحافظ: سبب وروده خاص بالصلاة لكن اللفظ عامّ وهو المعتبر، وقد عبر بقوله أي في حديث عائشة عليكم وبقوله هنا اكلفوا مع أن المخاطب النساء طلبًا لتعميم الحكم فغلب الذكور على الإناث انتهى.

وقال الباجي: الأظهر أنه أراد به عمل البر لأنه ورد على سببه، والصحيح وهو قول مالك أن اللفظ الوارد على سبب غير مقصور عليه ولأنه لفظ ورد من الشارع فوجب أن يحمل على الأعمال الشرعية، وقد أخذ بظاهر الحديث جماعة من الأئمة فقالوا يكره قيام جميع الليل، وبه قال مالك مرة ثم رجع فقال لا بأس به ما لم يضر بصلاة الصبح فإن كان يأتي وهو ناعس فلا يفعل وإن كان إنما يدركه كسل وفتور فلا بأس بذلك، وكذا قال الشافعي لا أكرهه إلا لمن خشي أن يضر بصلاة الصبح.

( مَالِكٍ عَنْ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ عَنْ أَبِيهِ أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ كَانَ يُصَلِّي مِنَ اللَّيْلِ مَا شَاءَ اللَّهُ حَتَّى إِذَا كَانَ مِنْ آخِرِ اللَّيْلِ أَيْقَظَ أَهْلَهُ لِلصَّلَاةِ) أي لإدراك شيء من صلاة السحر والاستغفار فيه، ويحتمل أن يكون إيقاظه لصلاة الصبح وأيما كان فإنه امتثل الآية، وفيه أنه لم يشغله أمور المسلمين عن صلاة الليل لفضل التهجد وأنه لم يكلف أهله منه ما كان هو يفعله.

( يَقُولُ لَهُمُ: الصَّلَاةَ الصَّلَاةَ) بنصبهما ( ثُمَّ يَتْلُو هَذِهِ الْآيَةَ: { { وَأْمُرْ أَهْلَكَ بِالصَّلَاةِ وَاصْطَبِرْ } } ) اصبر { { عَلَيْهَا لَا نَسْأَلُكَ } } لا نكلفك { { رِزْقًا } } لنفسك ولا لغيرك { { نَحْنُ نَرْزُقُكَ وَالْعَاقِبَةُ } } الجنة { { لِلتَّقْوَى } } أي لأهلها.
روى ابن مردويه عن أبي قال: حين نزلت هذه الآية كان صلى الله عليه وسلم يأتي باب عليّ فيقول: الصلاة رحمكم الله { { إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيرًا } }

( مَالِكٍ أَنَّهُ بَلَغَهُ أَنَّ سَعِيدَ بْنَ الْمُسَيِّبِ كَانَ يَقُولُ: يُكْرَهُ النَّوْمُ قَبْلَ الْعِشَاءِ) لما فيه من تعريضها للفوات ( وَالْحَدِيثُ بَعْدَهَا) لمنعه من صلاة الليل، وقد أرخص في ذلك لمن تحدّث مع ضيف أو غلمان أو لعرس أو لمسافر قاله الباجي.
وهذا البلاغ حديث مرفوع روى الشيخان عن أبي برزة بفتح الموحدة والزاي بينهما راء ساكنة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يكره النوم قبل العشاء، والحديث بعدها قال الترمذي: كره أكثر أهل العلم النوم قبل صلاة العشاء ورخص فيه بعضهم ورخص بعضهم فيه في رمضان خاصة انتهى.

قال الحافظ: ومن نقلت عنه الرخصة قيدت عنه في أكثر الروايات بما إذا كان له من يوقظه أو عرف من عادته أنه لا يستغرق وقت الاختيار بالنوم، وهذا جيد حيث قلنا إن علة النهي خشية خروج الوقت، وحمل الطحاوي الرخصة على ما قبل دخول وقت العشاء والكراهة على ما بعد دخوله.

( مَالِكٍ أَنَّهُ بَلَغَهُ أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عُمَرَ كَانَ يَقُولُ:) بلاغه صحيح، وقد رواه ابن وهب أخبرني عمرو بن الحارث عن بكير بن عبد الله بن الأشج أن محمد بن عبد الرحمن بن قزمان حدّثه أنه سمع ابن عمر يقول ( صَلَاةُ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ) أي التنفل فيه إذ لا يقال للظهر ولا للعصر ( مَثْنَى مَثْنَى) بفتح الميم أي اثنين اثنين ( يُسَلِّمُ مِنْ كُلِّ رَكْعَتَيْنِ) قال أبو عمر: هذا تفسير لحديثه بعد هذا في الموطأ مرفوعًا صلاة الليل مثنى مثنى.
قال الشافعي: هو حديث خرج على جواب سائل كأنه قيل: كيف صلاة الليل؟ قال: مثنى مثنى، ولو سأله عن صلاة النهار لقال مثل ذلك لقول ابن عمر هذا فهو يردّ على الكوفيين في إجازتهم عشر ركعات وثمانيًا وستًا وأربعًا بغير سلام.
وروي أن ابن عمر كان يتطوّع بالنهار أربعًا لا يفصل بينهن، وهذا لو صح احتمل أن يكون لا يفصل بينهن بتقدّم عن موضعه ولا تأخر وجلوس طويل وكلام، وقد روى ابن عمر أنه صلى الله عليه وسلم كان يصلي قبل الظهر ركعتين وبعدها ركعتين وقبل العصر ركعتين وبعد المغرب ركعتين، وهو كان أشد الناس امتثالاً له صلى الله عليه وسلم فكيف يقبل مع هذا أن ابن عمر كان يتطوّع بالنهار أربعًا لا يفصل بينهن.

( قَالَ مَالِكٌ: وَهُوَ الْأَمْرُ عِنْدَنَا) بالمدينة الذي أجمعوا عليه.



رقم الحديث 267 وَحَدَّثَنِي عَنْ مَالِكٍ أَنَّهُ بَلَغَهُ أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عُمَرَ كَانَ يَقُولُ: صَلَاةُ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ مَثْنَى مَثْنَى، يُسَلِّمُ مِنْ كُلِّ رَكْعَتَيْنِ.
قَالَ مَالِكٌ: وَهُوَ الْأَمْرُ عِنْدَنَا.


( مَالِكٍ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ الْمُنْكَدِرِ) بن عبد الله المدني الثقة الفاضل ( عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ) الأسدي مولاهم الكوفي ثقة ثبت فقيه أحد الأعلام، قتله الحجاج ظلمًا في شعبان سنة خمس وتسعين وهو ابن سبع وخمسين وقيل تسع وأربعين.
قال ميمون بن مهران: لقد مات وما على وجه الأرض أحد إلا وهو محتاج إلى علمه.

( عَنْ رَجُلٍ عِنْدَهُ رِضًا) قال ابن عبد البر: قيل إنه الأسود بن يزيد النخعي فقد أخرجه النسائي من طريق ابن جعفر الرازي عن محمد بن المنكدر عن سعيد بن جبير عن الأسود بن يزيد عن عائشة به.
ورواه النسائي أيضًا من وجه آخر عن أبي جعفر عن ابن المنكدر عن سعيد عن عائشة بلا واسطة، وجزم الحافظ بأن روايته عن عائشة وأبي موسى ونحوهما مرسلة.
قال الحافظ العراقي: وقد جاء من حديث أبي الدرداء بنحو حديث عائشة أخرجه النسائي وابن ماجه والبزار بإسناد صحيح.

( أَنَّهُ أَخْبَرَهُ أَنَّ عَائِشَةَ زَوْجَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَخْبَرَتْهُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: مَا) نافية ( مِنِ) زائدة ( امْرِئٍ) مجرور لفظًا مرفوع اسم ما إن جعلت حجازية وعلى الابتداء إن جعلت تميمية ( تَكُونُ لَهُ صَلَاةٌ بِلَيْلٍ يَغْلِبُهُ عَلَيْهَا نَوْمٌ) قال الباجي: هو على وجهين أحدهما أن يذهب به النوم فلا يستيقظ، والثاني أن يستيقظ ويمنعه غلبة النوم من الصلاة فهذا حكمه أن ينام حتى يذهب عنه مانع النوم ( إِلَّا كَتَبَ اللَّهُ لَهُ أَجْرَ صَلَاتِهِ) التي اعتادها وغلبه النوم أحيانًا مكافأة له على نيته.
قال الباجي: وذلك يحتمل أن له أجرها غير مضاعف ولو عملها لضوعف له أجرها إذ لا خلاف أن المصلي أكمل حالاً، ويحتمل أن يريد له أجر نيته وأن له أجر من تمنى أن يصلي تلك الصلاة أو أجر تأسفه على ما فاته منها، واستظهر غيره الأوّل أي أجر نيته لا سيما مع قوله: ( وَكَانَ نَوْمُهُ عَلَيْهِ صَدَقَةً) .

قال الباجي: يعني أنه لا يحتسب به ويكتب له أجر المصلين.
وقال ابن عبد البر: فيه إنّ المرء يجازى على ما نوى من الخير وإن لم يعمله كما لو عمله فضلاً من الله تعالى إذا لم يحبسه عنه شغل دنيا وكان المانع من الله وأن النية يعطى عليها كالذي يعطى على العمل إذا حيل بينه وبين ذلك العمل بنوم أو نسيان أو غير ذلك من الموانع، وقد قال صلى الله عليه وسلم: نية المؤمن خير من عمله ونية الفاجر شر من عمله وكل يعمل على نيته.
ومعناه أن النية بلا عمل خير من العمل بلا نية لأن العمل بدونها لا ينفع والنية الحسنة تنفع بلا عمل، ويحتمل أن يريد أن نية المؤمن في الأعمال الصالحة أكثر مما يقوى عليه منها انتهى.

والحديث رواه النسائي عن قتيبة عن مالك به، وتابعه أبو جعفر الرازي عند النسائي أيضًا.
وقال إن أبا جعفر ليس بقوي في الحديث.

( مَالِكٍ عَنْ أَبِي النَّضْرِ) بفتح النون وسكون المعجمة واسمه سالم بن أبي أمية ( مَوْلَى عُمَرَ) بضم العين ( بْنِ عُبَيْدِ اللَّهِ) بتصغير العبد التيمي ( عَنْ أَبِي سَلَمَةَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ) بن عوف ( عَنْ عَائِشَةَ زَوْجِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهَا قَالَتْ: كُنْتُ أَنَامُ بَيْنَ يَدَيْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَرِجْلَايَ فِي قِبْلَتِهِ) جملة حالية أي في مكان سجوده ( فَإِذَا سَجَدَ غَمَزَنِي) أي طعن بأصبعه فيّ لأقبض رجلي من قبلته، وقيل معناه أشار والأوّل أولى لأن معناه جاء في رواية قاله الحافظ البرهان في شرح البخاري ( فَقَبَضْتُ رِجْلَيَّ) بشدّ الياء مثنى ( فَإِذَا قَامَ بَسَطْتُهُمَا) بالتثنية، وكذا رواه الأكثر في البخاري، ولبعض رواته رجلي وبسطتها بالإفراد فيهما.

( قَالَتْ: وَالْبُيُوتُ يَوْمَئِذٍ لَيْسَ فِيهَا مَصَابِيحُ) إذ لو كانت لقبضت رجلي وما أحوجته للغمز قالت ذلك اعتذارًا.
قال ابن عبد البر: قولها يومئذٍ تريد حينئذٍ إذ المصابيح إنما تتخذ في الليالي دون الأيام، وهذا مشهور في لسان العرب يعبر باليوم عن الحين كما يعبر به عن النهار، وفي قولها غمزني دلالة على أن لمس المرأة بلا لذة لا ينقض الوضوء لأن شأن المصلي عدم اللذة، لا سيما النبي صلى الله عليه وسلم واحتمال الحائل أو الخصوصية الأصل عدم الحائل والخصائص لا تثبت بالاحتمال، وعلى أن المرأة لا تقطع صلاة من صلى إليها وهو قول مالك والشافعي وأبي حنيفة وجماعة من التابعين وغيرهم.
نعم كرهه مالك لئلا يذكر منها ما يشغله عن الصلاة أو يبطلها والنبي صلى الله عليه وسلم معصوم.

وهذا الحديث كما قاله أبو عمر: من أثبت ما جاء في هذا المعنى، ورواه البخاري عن إسماعيل وعبد الله بن يوسف، ومسلم عن يحيى الثلاثة عن مالك به.

( مَالِكٍ عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَائِشَةَ زَوْجِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: إِذَا نَعَسَ) بفتح العين وغلط من ضمها وأما المضارع فبضمها وفتحها ( أَحَدُكُمْ فِي صَلَاتِهِ) الفرض والنفل في الليل أو النهار عند الجمهور أخذًا بعمومه لكن لا يخرج فريضة عن وقتها وحمله مالك وجماعة على نفل الليل لأنه محل النوم غالبًا ( فَلْيَرْقُدْ) وفي رواية: فلينم، وأخرى: فليضطجع، والنعاس أول النوم والرقاد المستطاب من النوم ذكره الراغب.
وفي رواية النسائي فلينصرف.
والمراد به التسليم من الصلاة بعد تمامها فرضًا كانت أو نفلاً فالنعاس سبب للنوم أو للأمر به ولا يقطع الصلاة بمجرّد النعاس، وحمله المهلب على ظاهره فقال: إنما أمر بقطع الصلاة لغلبة النوم عليه فدل على أنه إذا كان النعاس أقل من ذلك عفي عنه ( حَتَّى يَذْهَبَ عَنْهُ النَّوْمُ) وهو غشي ثقيل يهجم على القلب فيقطعه عن معرفة الأشياء والأمر للندب لا للوجوب لأنه إذا اشتدّ انقطعت الصلاة فلا يتأتى وجوب القطع لحصوله بغير اختيار المصلي ذكره الولي العراقي مخالفًا لأبيه في تفصيله بين شدّة النعاس وخفته.

( فَإِنَّ أَحَدَكُمْ إِذَا صَلَّى وَهُوَ نَاعِسٌ) في أوائل النوم ( لَا يَدْرِي) ما يفعل فحذف المفعول للعلم به واستأنف بيانيًا قوله ( لَعَلَّهُ يَذْهَبُ يَسْتَغْفِرُ) أي يدعو برفعهما ( فَيَسُبَّ نَفْسَهُ) أي يدعو عليها.
ففي النسائي من طريق أيوب عن هشام يدعو على نفسه وهو بالنصب جوابًا للعل والرفع عطفًا على يستغفر.

قال الطيبي: والنصب أولى لأن المعنى يطلب من الله الغفران لذنبه ليصير مزكى فيتكلم بما يجلب الذنب فيزيد العصيان على العصيان وكأنه قد سب نفسه، وجعل ابن أبي جمرة علة النهي خشية أن يوافق ساعة إجابة والرجاء في لعل عائد على المصلي لا إلى المتكلم به أي لا يدري استغفر أم سب مترجيًا للاستغفار وهو في الواقع بضدّ ذلك، وعبر أوّلاً بنعس ماضيًا وثانيًا بناعس اسم فاعل تنبيهًا على أنه لا يكفي تجدّد أدنى نعاس ونقيضه في الحال بل لا بدّ من ثبوته بحيث يفضي إلى عدم درايته بما يقول وعدم علمه بما يقرأ.

قال الزين العراقي: وإنما أخذ بما لم يقصد من سبه نفسه وهو ناعس لأنه عرّض نفسه للوقوع فيه بعد النهي عنه فهو متعد وبفرض عدم إثمه بعدم قصده فالقصد من الصلاة أداؤها كما أمر وتحصيل الدعاء لنفسه وبفواته يفوت المقصود.

قال أبو عمر: فيه إنه لا يجوز للمرء سب نفسه وأن الصلاة لا ينبغي أن يقربها من لا يقيمها على حدودها وإن ترك ما يشغله عن خشوعها واستعمال الفراغ لها واجب.

وقال الضحاك في قوله تعالى: { { لاَ تَقْرَبُوا الصَّلاَةَ وَأَنْتُمْ سُكَارَى } } قال: من النوم ولا أعلم أحدًا تابعه على ذلك.

وقال الباجي: قال جماعة من أهل التفسير: معنى ذلك من النوم والأغلب أن يكون ذلك في صلاة الليل فمن أصابه ذلك وفي الوقت سعة ومعه من يوقظه فليرقد ليتفرغ لصلاته وإن ضاق الوقت صلى واجتهد في تصحيحها، فإن تيقن تمام فرضه وإلا قضاه بعد النوم.

وهذا الحديث أخرجه البخاري عن عبد الله بن يوسف ومسلم عن قتيبة بن سعيد كلاهما عن مالك به، وتابعه أبو أسامة وعبد الله بن نمير كلاهما عن هشام عند مسلم.

( مَالِكٍ عَنْ إِسْمَاعِيلَ بْنِ أَبِي حَكِيمٍ) القرشي مولاهم المدني ثقة روى له الشيخان ( أَنَّهُ بَلَغَهُ) كذا رواه إسماعيل بلاغًا وقد رواه القعنبي عن مالك عن هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة.

قال ابن عبد البر: تفرد به القعنبي في الموطأ دون بقية رواته فاقتصروا منه على طرف مختصر وهو متصل من طرق صحاح ثابتة من حديث مالك وغيره، فأخرجه البخاري: حدّثنا عبد الله بن مسلمة عن مالك عن هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة، والبخاري ومسلم من طريق يحيى بن سعيد القطان عن هشام عن أبيه عن عائشة، والعقيلي من طريق الضحاك بن عثمان عن إسماعيل بن أبي حكيم عن القاسم بن محمد عن عائشة.

( أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سَمِعَ امْرَأَةً مِنَ اللَّيْلِ تُصَلِّي) أي سمع ذكر صلاتها، فلفظ رواية القعنبي المذكورة عن عائشة قالت: كان عندي امرأة من بني أسد فدخل عليّ رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: من هذه قلت: فلانة لا تنام بالليل تذكر من صلاتها.
فقال: مه عليكم ما تطيقون من الأعمال فإن الله لا يمل حتى تملوا.
ولكن تغايره رواية الزهري عن عروة عن عائشة عند مسلم أن الحولاء مرت بها وعندها رسول الله صلى الله عليه وسلم الحديث، إذ يحتمل أن المارة امرأة غيرها من بني أسد أيضًا فالقصة تعددت.

وأجاب الحافظ: بأنها واحدة ويحمل أنها كانت أوّلاً عند عائشة، فلما دخل صلى الله عليه وسلم على عائشة قامت المرأة لتخرج فمرت به في حال ذهابها فسأل عنها كما في رواية حماد بن سلمة عن هشام بلفظ: كانت عندي امرأة فلما قامت قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: من هذه قلت: فلانة وهي أعبد أهل المدينة الحديث.
رواه الحسن بن سفيان في مسنده، ودل هذا على أنها لم تذكر ذلك إلا بعد خروج المرأة فلا يأتي قول ابن التين لعلها أمنت عليها الفتنة فمدحتها في وجهها.

( فَقَالَ: مَنْ هَذِهِ؟ فَقِيلَ لَهُ:) القائل عائشة، ففي مسلم من رواية الزهري عن عروة عن عائشة فقلت ( هَذِهِ الْحَوْلَاءُ) بالحاء المهملة والمدّ وهو اسمها فكنت عنها بفلانة في رواية هشام وصرحت في رواية الزهري وفي هذا البلاغ باسمها واسم أبيها فقالت ( بِنْتُ تُوَيْتٍ) بفوقيتين مصغر ابن حبيب بفتح المهملة ابن أسد بن عبد العزى بن قصي من رهط خديجة أم المؤمنين أسلمت وبايعت ( لَا تَنَامُ اللَّيْلَ) تصلي كما زاده أحمد ومسلم من رواية يحيى القطان عن هشام، وفي مسلم من طريق الزهري، وزعموا أنها لا تنام الليل وهذا يوافق رواية أن عائشة حكت ذلك عن غيرها ( فَكَرِهَ ذَلِكَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَتَّى عُرِفَتِ الْكَرَاهِيَةُ) بخفة الياء ( فِي وَجْهِهِ) قال الباجي: تعني أنه رؤي في وجهه من التقطيب وغير ذلك ما عرفت به كراهيته لما وصفت به ولمسلم من رواية الزهري فقال لا تنام الليل.

( ثُمَّ قَالَ: إِنَّ اللَّهَ تَبَارَكَ وَتَعَالَى لَا يَمَلُّ حَتَّى تَمَلُّوا) بفتح الميم فيهما.
قال ابن عبد البر: أي أن من ملّ من عمل قطع عنه جزاءه فعبر عنه بالملال لأنه بحذائه وجواب له فهو لفظ خرج على مثال لفظ والعرب تفعل ذلك إذا جعلوه جوابًا له أو جزاء ذكروه مثل لفظه وإن كان مخالفًا له في المعنى كقوله تعالى: { { وَجَزَاءُ سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ مِّثْلُهَا } } { { فَمَنِ اعْتَدَى عَلَيْكُمْ فَاعْتَدُوا عَلَيْهِ بِمِثْلِ مَا اعْتَدَى عَلَيْكُمْ } } { { وَمَكَرُوا وَمَكَرَ اللَّهُ } } و { { نَحْنُ مُسْتَهْزِئُونَ } } { { اللَّهُ يَسْتَهْزِئُ بِهِمْ } } و { { يَكِيدُونَ كَيْدًا وَأَكِيدُ كَيْدًا } }

وقال الحافظ: الملال استثقال الشيء ونفور النفس عنه بعد محبته وهو محال على الله تعالى باتفاق.
قال الإسماعيلي: وجماعة من المحققين: إنما أطلق هذا على جهة المقابلة اللفظية مجازًا كما قال الله تعالى { { وَجَزَاءُ سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ مِّثْلُهَا } } وأنظاره.
وقال القرطبي: وجهة مجازه أنه تعالى لما كان يقطع ثوابه عمن قطع العمل ملالا عبر عن ذلك بالملال من تسمية الشيء باسم سببه.
وقال الهروي: معناه لا يقطع عنكم فضله حتى تملوا سؤاله فتزهد في الرغبة إليه.
وقال غيره: معناه لا يتناهى حقه عليكم في الطاعة حتى يتناهى جهدكم، وهذا كله بناء على أن حتى على بابها في انتهاء الغاية وما يترتب عليها من المفهوم.

وجنح بعضهم إلى تأويلها فقيل معناه لا يمل الله إذا مللتم وهو مستعمل في كلام العرب يقولون لا أفعل كذا حتى يبيض القار وحتى يشيب الغراب، ومنه قولهم في البليغ لا ينقطع حتى ينقطع خصومه لأنه لو انقطع لم يكن له عليهم مزية، وهذا المثال أشبه من الذي قبله لأن شيب الغراب ليس ممكنًا عادة بخلاف الملل من العابد.

وقال المازري قيل حتى بمعنى الواو فالتقدير لا يمل وتملون فنفى عنه الملل وأثبته لهم.
قال وقيل: حتى بمعنى حين والأوّل أليق وأجرى على القواعد وأنه من باب المقابلة اللفظية، ويؤيده ما ورد في بعض طرق حديث عائشة إن الله لا يمل من الثواب حتى تملوا من العمل أخرجه ابن جرير، لكن في سنده موسى بن عبيدة وهو ضعيف وفي بعض طرقه ما يدل على أن ذلك من قول بعض رواة الحديث.

وقال ابن حبان: هذا من ألفاظ التعارف التي لا يتهيأ للمخاطب أن يعرف القصد بما يخاطب به إلا بها وهذا رأيه في جميع المتشابه.

( اكْلَفُوا) بسكون الكاف وفتح اللام أي خذوا وتحملوا ( مِنَ الْعَمَلِ) أي عمل البر من صلاة وغيرها ( مَا لَكُمْ بِهِ) أي بالمداومة عليه ( طَاقَةٌ) قوّة فمنطوقه الأمر بالاقتصار على ما يطاق من العبادة ومفهومه النهي عن تكلف ما لا يطاق.
وقال عياض: يحتمل أن هذا خاص بصلاة الليل، ويحتمل أنه عام في الأعمال الشرعية.

وقال الحافظ: سبب وروده خاص بالصلاة لكن اللفظ عامّ وهو المعتبر، وقد عبر بقوله أي في حديث عائشة عليكم وبقوله هنا اكلفوا مع أن المخاطب النساء طلبًا لتعميم الحكم فغلب الذكور على الإناث انتهى.

وقال الباجي: الأظهر أنه أراد به عمل البر لأنه ورد على سببه، والصحيح وهو قول مالك أن اللفظ الوارد على سبب غير مقصور عليه ولأنه لفظ ورد من الشارع فوجب أن يحمل على الأعمال الشرعية، وقد أخذ بظاهر الحديث جماعة من الأئمة فقالوا يكره قيام جميع الليل، وبه قال مالك مرة ثم رجع فقال لا بأس به ما لم يضر بصلاة الصبح فإن كان يأتي وهو ناعس فلا يفعل وإن كان إنما يدركه كسل وفتور فلا بأس بذلك، وكذا قال الشافعي لا أكرهه إلا لمن خشي أن يضر بصلاة الصبح.

( مَالِكٍ عَنْ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ عَنْ أَبِيهِ أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ كَانَ يُصَلِّي مِنَ اللَّيْلِ مَا شَاءَ اللَّهُ حَتَّى إِذَا كَانَ مِنْ آخِرِ اللَّيْلِ أَيْقَظَ أَهْلَهُ لِلصَّلَاةِ) أي لإدراك شيء من صلاة السحر والاستغفار فيه، ويحتمل أن يكون إيقاظه لصلاة الصبح وأيما كان فإنه امتثل الآية، وفيه أنه لم يشغله أمور المسلمين عن صلاة الليل لفضل التهجد وأنه لم يكلف أهله منه ما كان هو يفعله.

( يَقُولُ لَهُمُ: الصَّلَاةَ الصَّلَاةَ) بنصبهما ( ثُمَّ يَتْلُو هَذِهِ الْآيَةَ: { { وَأْمُرْ أَهْلَكَ بِالصَّلَاةِ وَاصْطَبِرْ } } ) اصبر { { عَلَيْهَا لَا نَسْأَلُكَ } } لا نكلفك { { رِزْقًا } } لنفسك ولا لغيرك { { نَحْنُ نَرْزُقُكَ وَالْعَاقِبَةُ } } الجنة { { لِلتَّقْوَى } } أي لأهلها.
روى ابن مردويه عن أبي قال: حين نزلت هذه الآية كان صلى الله عليه وسلم يأتي باب عليّ فيقول: الصلاة رحمكم الله { { إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيرًا } }

( مَالِكٍ أَنَّهُ بَلَغَهُ أَنَّ سَعِيدَ بْنَ الْمُسَيِّبِ كَانَ يَقُولُ: يُكْرَهُ النَّوْمُ قَبْلَ الْعِشَاءِ) لما فيه من تعريضها للفوات ( وَالْحَدِيثُ بَعْدَهَا) لمنعه من صلاة الليل، وقد أرخص في ذلك لمن تحدّث مع ضيف أو غلمان أو لعرس أو لمسافر قاله الباجي.
وهذا البلاغ حديث مرفوع روى الشيخان عن أبي برزة بفتح الموحدة والزاي بينهما راء ساكنة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يكره النوم قبل العشاء، والحديث بعدها قال الترمذي: كره أكثر أهل العلم النوم قبل صلاة العشاء ورخص فيه بعضهم ورخص بعضهم فيه في رمضان خاصة انتهى.

قال الحافظ: ومن نقلت عنه الرخصة قيدت عنه في أكثر الروايات بما إذا كان له من يوقظه أو عرف من عادته أنه لا يستغرق وقت الاختيار بالنوم، وهذا جيد حيث قلنا إن علة النهي خشية خروج الوقت، وحمل الطحاوي الرخصة على ما قبل دخول وقت العشاء والكراهة على ما بعد دخوله.

( مَالِكٍ أَنَّهُ بَلَغَهُ أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عُمَرَ كَانَ يَقُولُ:) بلاغه صحيح، وقد رواه ابن وهب أخبرني عمرو بن الحارث عن بكير بن عبد الله بن الأشج أن محمد بن عبد الرحمن بن قزمان حدّثه أنه سمع ابن عمر يقول ( صَلَاةُ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ) أي التنفل فيه إذ لا يقال للظهر ولا للعصر ( مَثْنَى مَثْنَى) بفتح الميم أي اثنين اثنين ( يُسَلِّمُ مِنْ كُلِّ رَكْعَتَيْنِ) قال أبو عمر: هذا تفسير لحديثه بعد هذا في الموطأ مرفوعًا صلاة الليل مثنى مثنى.
قال الشافعي: هو حديث خرج على جواب سائل كأنه قيل: كيف صلاة الليل؟ قال: مثنى مثنى، ولو سأله عن صلاة النهار لقال مثل ذلك لقول ابن عمر هذا فهو يردّ على الكوفيين في إجازتهم عشر ركعات وثمانيًا وستًا وأربعًا بغير سلام.
وروي أن ابن عمر كان يتطوّع بالنهار أربعًا لا يفصل بينهن، وهذا لو صح احتمل أن يكون لا يفصل بينهن بتقدّم عن موضعه ولا تأخر وجلوس طويل وكلام، وقد روى ابن عمر أنه صلى الله عليه وسلم كان يصلي قبل الظهر ركعتين وبعدها ركعتين وقبل العصر ركعتين وبعد المغرب ركعتين، وهو كان أشد الناس امتثالاً له صلى الله عليه وسلم فكيف يقبل مع هذا أن ابن عمر كان يتطوّع بالنهار أربعًا لا يفصل بينهن.

( قَالَ مَالِكٌ: وَهُوَ الْأَمْرُ عِنْدَنَا) بالمدينة الذي أجمعوا عليه.