فهرس الكتاب

شرح الزرقاني - بَابُ مَا يَجِبُ فِيهِ تَطْلِيقَةٌ وَاحِدَةٌ مِنَ التَّمْلِيكِ

رقم الحديث 1169 حَدَّثَنِي يَحْيَى، عَنْ مَالِكٍ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ سُلَيْمَانَ بْنِ زَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ، عَنْ خَارِجَةَ بْنِ زَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ، أَنَّهُ أَخْبَرَهُ أَنَّهُ كَانَ جَالِسًا عِنْدَ زَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ، فَأَتَاهُ مُحَمَّدُ بْنُ أَبِي عَتِيقٍ وَعَيْنَاهُ تَدْمَعَانِ، فَقَالَ لَهُ زَيْدٌ: مَا شَأْنُكَ؟ فَقَالَ: مَلَّكْتُ امْرَأَتِي أَمْرَهَا فَفَارَقَتْنِي، فَقَالَ لَهُ زَيْدٌ: مَا حَمَلَكَ عَلَى ذَلِكَ؟ قَالَ: الْقَدَرُ، فَقَالَ زَيْدٌ: ارْتَجِعْهَا إِنْ شِئْتَ، فَإِنَّمَا هِيَ وَاحِدَةٌ وَأَنْتَ أَمْلَكُ بِهَا.


( ما يجب فيه تطليقة واحدة من التمليك)

( مالك عن سعيد) بكسر العين ( بن سليمان بن زيد بن ثابت) الأنصاري المدني قاضيها من الثقات ورجال الجميع ( عن) عمه ( خارجة بن زيد بن ثابت) الأنصاري أبي زيد المدني الثقة أحد الفقهاء مات سنة مائة وقيل قبلها ( أنه أخبره أنه كان جالسًا عند زيد بن ثابت فأتاه محمد) بن عبد الله ( بن أبي عتيق) محمد بن عبد الرحمن بن أبي بكر الصديق التيمي المدني مقبول روى له البخاري والسنن ( وعيناه تدمعان) بفتح الميم ( فقال له زيد: ما شأنك) أي حالك ( فقال ملكت امرأتي أمرها ففارقتني فقال له زيد ما حملك على ذلك فقال القدر فقال زيد ارتجعها إن شئت فإنما هي واحدة) إن قضت بها أو ناكرتها أو أن مذهب زيد أنها واحدة مطلقًا ( وأنت أملك بها) أحق من غيرك.

( مالك عن عبد الرحمن بن القاسم عن أبيه) ابن محمد بن الصديق ( أن رجلاً من ثقيف ملك امرأته أمرها فقالت أنت الطلاق فسكت ثم قالت أنت الطلاق فقال) مناكرًا لها ( بفيك الحجر) بكسر الكاف ( ثم قالت أنت الطلاق فقال بفاك الحجر) مناكرًا أيضًا ( فاختصما إلى مروان بن الحكم) أمير المدينة من جهة معاوية ( فاستحلفه ما ملكها إلا واحدة وردها إليه قال مالك: قال عبد الرحمن: فكان القاسم) يعني أباه ( يعجبه هذا القضاء ويراه أحسن ما سمع في ذلك.
قال مالك: وهذا أحسن ما سمعت في ذلك وأحبه إلي)
يقتضي أنه سمع غيره.



رقم الحديث 1170 وَحَدَّثَنِي عَنْ مالِكٍ أَنَّهُ بَلَغَهُ عَنِ الزُّبَيْرِ بْنِ الْعَوَّامِ مِثْلُ ذَلِكَ قَالَ مَالِكٌ: فِي الْأَمَةِ تَكُونُ عِنْدَ الرَّجُلِ فَيُصِيبُهَا، ثُمَّ يُرِيدُ أَنْ يُصِيبَ أُخْتَهَا إِنَّهَا لَا تَحِلُّ لَهُ حَتَّى يُحَرِّمَ عَلَيْهِ فَرْجَ أُخْتِهَا بِنِكَاحٍ، أَوْ عَتَاقَةٍ، أَوْ كِتَابَةٍ أَوْ مَا أَشْبَهَ ذَلِكَ يُزَوِّجُهَا عَبْدَهُ أَوْ غَيْرَ عَبْدِهِ.


( مالك عن ابن شهاب عن عبيد الله) بضم العين ( بن عبد الله) بفتحها ( بن عتبة) بضمها وإسكان الفوقية ( بن مسعود) الهذلي المدني الثقة الثبت أحد الفقهاء ( عن أبيه) عبد الله بن عتبة الهذلي ابن أخي عبد الله بن مسعود ولد في عهد النبي صلى الله عليه وسلم ووثقه العجلي وجماعة وهو من كبار التابعين مات بعد السبعين ( أن عمر بن الخطاب سئل عن المرأة وابنتها من ملك اليمين توطأ إحداهما بعد الأخرى) ما الحكم؟ ( فقال عمر ما أحب أن أخبرهما) بفتح الهمزة وإسكان الخاء المعجمة وضم الموحدة.
أي أطأهما يقال للحراث خبير ومنه المخابرة ( جميعًا ونهى عن ذلك) نهي تحريم باتفاق العلماء إلا ما روي عن ابن عباس أحلتهما آية، وحرمتهما آية ولم أكن لأفعله.
ولم يوافقه أحد لأن الله حرم ذلك في النكاح وملك اليمين تبع له إلا في العدد.

( مالك عن ابن شهاب عن قبيصة) بفتح القاف وكسر الموحدة ( بن ذؤيب) بضم المعجمة وفتح الهمزة، مصغرًا الخزاعي ( أن رجلاً) لم يسم ( سأل عثمان بن عفان عن الأختين من ملك اليمين هل يجمع بينهما فقال عثمان أحلتهما آية) قال ابن حبيب: يريد قوله { { وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ النِّسَاءِ إِلاَّ مَا مَلَكْتَ أَيْمَانُكُمْ } } فعم ولم يخص أختين من غيرهما.
وقال غيره: هي قوله تعالى { { وَالَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حَافِظُونَ إِلاَّ عَلَى أَزْوَاجِهِمْ أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ } } قيل وهذا أقرب ولو أراد ما قال ابن حبيب لقال أحلتهما آيتان.
وقال ابن عبد البر: يريد تحليل الوطء بملك اليمين مطلقًا في غير ما آية انتهى.
فحمل آية على الجنس، وبه يجاب عن ابن حبيب.
( وحرمتهما آية) يعني قوله تعالى { { وَأَنْ تَجْمَعُوا بَيْنَ الأُخْتَيْنِ } } بلا خلاف وبعد أن بين لسائله اختلاف الآيتين أخبره بما اختاره بقوله ( فأما أنا فلا أحب أن أصنع ذلك) الجمع بين الأختين بملك اليمين في الوطء، إما احتياطًا لتعارض الدليلين وإما على الوجوب تقديمًا للحظر على الإباحة ( قال) قبيصة ( فخرج) الرجل السائل من عنده ( فلقي رجلاً من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم فسأله عن ذلك) لأن عثمان لم يقطع بالتحريم ولا الحل ( فقال لو كان لي من الأمر شيء ثم وجدت أحدًا فعل ذلك لجعلته نكالاً) عبرة مانعة لغيره من ارتكاب مثل ما فعل: قال الأزهري: النكال العقوبة التي تنكل الناس عن فعل ما جعلت له جزاء.
قال أبو عمر: لم يقل حددته حدّ الزنا لأن المتأول ليس بزان إجماعًا وإن أخطأ إلا ما لا يعذر بجهله وهذا شبهته قوية وهي قول عثمان وغيره.

( قال ابن شهاب أراه) أظن الصحابي القائل هذا ( علي بن أبي طالب) وكنى عنه قبيصة لصحبته عبد الملك بن مروان، وبنو أمية تستثقل سماع ذكر علّي لا سيما ما خالف فيه عثمان قاله أبو عمر وجمهور السلف على المنع وأباحه بعضهم، وسبب الخلاف أي العمومين يقدّم وأي الآيتين أولى أن تخص بها الأخرى، والأصح التخصيص بآية النساء لأنها وردت في تعيين المحرمات وتفصيلهن، وأخذ الأحكام من مظانها أولى من أخذها لا من مظانها فهي أولى من الآية الواردة في مدح قوم حفظوا فروجهم إلا عما أبيح لهم، ولأن آية ملك اليمين دخلها التخصيص باتفاق إذ لا يباح بملك اليمين ذوات محارمه اللائي يصح له ملكهن، ولا الأخت من الرضاعة.
وأما آية التحريم فدخول التخصيص فيها مختلف فيه لأنها عندنا على عمومها، وعند المخالف مخصصة وتقرر في الأصول أن العام الذي لم يدخله تخصيص مقدم على ما دخله لأن العام إذا خصص ضعف الاحتجاج به.
قال عياض وهذا الخلاف كان من بعض السلف ثم استقر الإجماع بعده على المنع إلا طائفة من الخوارج لا يلتفت إليها.

( مالك أنه بلغه عن الزبير بن العوام مثل ذلك) الذي قاله علي ( قال مالك في الأمة تكون عند الرجل فيصيبها) يجامعها ( ثم يريد أن يصيب أختها إنها لا تحل له حتى يحرم عليه فرج أختها بنكاح) بأن يزوجها من غيره ( أو عتاقة) ناجزة أو مؤجلة ( أو كتابة) لحرمة فرجها عليه بها لأنها أحرزت نفسها ومالها بالكتابة ( أو ما أشبه ذلك) كأسر وإباق إياس وبيع ( يزوجها عبده أو عبد غيره) أو حرًا بشرطه، وهذا إيضاح لقوله أولاً بنكاح دفعًا لتوهم أنه إذا زوجها عبده لا تحل أختها لبقاء ملكه لها.



رقم الحديث 1170 وَحَدَّثَنِي عَنْ مَالِكٍ، عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ، عَنِ الْقَاسِمِ بْنِ مُحَمَّدٍ أَنَّ رَجُلًا كَانَتْ تَحْتَهُ وَلِيدَةٌ لِقَوْمٍ، فَقَالَ لِأَهْلِهَا: شَأْنَكُمْ بِهَا، فَرَأَى النَّاسُ أَنَّهَا تَطْلِيقَةٌ وَاحِدَةٌ.


( ما جاء في الخلية والبرية وأشباه ذلك)

( مالك أنه بلغه أنه كتب) بالبناء للمفعول ( إلى عمر بن الخطاب من العراق أن رجلاً قال لامرأته حبلك على غاربك فكتب عمر بن الخطاب إلى عامله) على العراق ( أن مره يوافيني) بمكة ( في الموسم فبينما عمر يطوف بالبيت إذ لقيه الرجل فسلم عليه فقال عمر من أنت؟ فقال: أنا الذي أمرت أن أجلب) بضم الهمزة وإسكان الجيم ( عليك فقال له عمر أسألك برب هذه البنية) قال الجوهري: على فعيلة الكعبة وقال المجد: البنية كعنية الكعبة لشرفها شرفها الله ( ما أردت بقولك حبلك على غاربك فقال له الرجل: لو استحلفتني في غير هذا المكان ما صدقتك أردت بذلك الفراق فقال عمر بن الخطاب هو ما أردت) فنواه.
وفي المدونة عن مالك يلزمه الثلاث ولا ينوي، وظاهره مدخولاً بها أم لا؟ وفي الموازية عنه ينوي في غير المدخول بها ويحلف.
وفي النوادر عن أشهب عن مالك لو ثبت عندي أن عمر قال ينوي ما خالفته، وقال بعض البغداديين يحتمل أن ما جاء عن عمر لم يدخل بها إذ ليس في أثره أنه بنى أو لم يبن فهو محتمل.

( مالك أنه بلغه) مما صح من طرق ( أن علي بن أبي طالب كان يقول في الرجل يقول لامرأته أنت علي حرام أنها ثلاث تطليقات.
قال مالك وذلك أحسن ما سمعت في ذلك)
.
قال في المدونة هي ثلاث في المدخول بها ولا ينوي وله نيته في التي لم يدخل بها ثم كلامه يقتضي أنه سمع غيره وقد روى عبد الرزاق عن الحسن البصري له نيته وقد حكى أبو عمر ثمانية أقوال أشدها قول مالك وقاله علي وزيد بن ثابت وجماعة من التابعين.

( مالك عن نافع أن عبد الله بن عمر كان يقول في الخلية والبرية إنها ثلاث تطليقات كل واحدة منهما) أي اللفظتين.

( مالك عن يحيى بن سعيد عن القاسم بن محمد أن رجلاً كانت تحته وليدة) أمة ( لقوم فقال لأهلها شأنكم بها) أي خذوها ( فرأى الناس أنها تطليقة واحدة) لأنها كناية خفية فإذا أراد بها الطلاق وقع واحدة إلا لنية أكثر.

( مالك أنه سمع ابن شهاب يقول في الرجل يقول لامرأته برئت) بكسر التاء، خطابًا لها ( مني وبرئت) بضمها للمتكلم ( منك إنها ثلاث تطليقات بمنزلة البتة) وفيه أن الزهري يرى البتة ثلاثًا ( قال مالك في الرجل يقول لامرأته أنت خلية أو برية أو بائنة إنها ثلاث تطليقات للمرأة التي قد دخل بها ويدين) أي يوكل إلى دينه ( في التي لم يدخل بها) فيقبل منه ( أواحدة أراد أم ثلاثًا فإن قال واحدة حلف على ذلك) بالله الذي لا إله إلا هو ( وكان خاطبًا من الخطاب) لا يملك رجعتها لأن الطلاق قبل الدخول بائن ووجه الفرق بينهما ( لأنه لا يخلي) بضم فسكون فكسر ( المرأة التي قد دخل بها زوجها ولا يبينها ولا يبريها) بضم أولهما، من زوجها ( إلا ثلاث تطليقات والتي لم يدخل بها تخليها وتبريها وتبينها الواحدة) بضم الفوقية في الثلاث ( قال مالك وهذا أحسن ما سمعت في ذلك) ولذا ذهب إليه وفي هذه المسائل أقوال أخر.