فهرس الكتاب

شرح الزرقاني - بَابُ الْأَمْرِ بِالصَّلَاةِ قَبْلَ الْخُطْبَةِ فِي الْعِيدَيْنِ

رقم الحديث 436 حَدَّثَنِي يَحْيَى، عَنْ مَالِكٍ، عَنْ ابْنِ شِهَابٍ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يُصَلِّي يَوْمَ الْفِطْرِ وَيَوْمَ الْأَضْحَى قَبْلَ الْخُطْبَةِ.


الْأَمْرِ بِالصَّلَاةِ قَبْلَ الْخُطْبَةِ فِي الْعِيدَيْنِ

( مالك عن ابن شهاب أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يصلي يوم الفطر ويوم الأضحى قبل الخطبة) مرسل متصل من وجوه صحاح، فأخرجه الشيخان من طريق عبيد الله عن نافع عن ابن عمر أنّ رسول الله كان يصلي في الفطر والأضحى ثم يخطب بعد الصلاة ولهما عن جابر أنّ النبي صلى الله عليه وسلم خرج يوم الفطر فبدأ بالصلاة قبل الخطبة.

( مالك أنه بلغه أنّ أبا بكر وعمر كانا يفعلان ذلك) بلاغه صحيح ففي الصحيحين عن ابن عباس: شهدت العيد مع رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبي بكر وعمر وعثمان فكلهم كانوا يصلون قبل الخطبة.

واختلف في أول من غير ذلك ففي مسلم عن طارق بن شهاب أوّل من بدأ بالخطبة يوم العيد قبل الصلاة مروان، وفي ابن المنذر بسند صحيح عن الحسن البصري أوّل من خطب قبل الصلاة عثمان صلى بالناس ثم خطبهم أي على العادة فرأى ناسًا لم يدركوا الصلاة ففعل ذلك أي صار يخطب قبل الصلاة، وهذه العلة غير التي اعتل بها مروان لأنّ عثمان راعى مصلحة الجماعة في إدراكهم الصلاة، وأما مروان فراعى مصلحتهم في إسماعهم الخطبة لكن قيل إنهم في زمنه كانوا يتعمدون ترك سماعهم لما فيها من سب من لا يستحق السب والإفراط في مدح بعض الناس، فعلى هذا إنما راعى مصلحة نفسه، ويحتمل أن عثمان فعل ذلك أحيانًا بخلاف مروان فواظب عليه فلذا نسب إليه.

وروي عن عمر مثل فعل عثمان قال عياض ومن تبعه: لا يصح عنه وفيه نظر لأن عبد الرزاق وابن أبي شيبة روياه جميعًا عن ابن عيينة عن يحيى بن سعيد الأنصاري عن يوسف بن عبد الله بن سلام وهذا إسناد صحيح، لكن يعارضه حديثًا ابن عباس وابن عمر فإن جمع بوقوع ذلك منه نادرًا وإلاً فما في الصحيحين أصح.

وأخرج الشافعي عن عبد الله بن يزيد نحو حديث ابن عباس وزاد حتى قدم معاوية فقدّم الخطبة، وهذا يشير إلى أنّ مروان إنما فعل ذلك تبعًا لمعاوية لأنه كان أمير المدينة من جهته.
وروى عبد الرزاق عن ابن جريج عن الزهري: أول من أحدث الخطبة قبل الصلاة في العيد معاوية.
وروى ابن المنذر عن ابن سيرين: أول من فعل ذلك زياد بالبصرة.
قال عياض: ولا مخالفة بين هذين الأثرين وأثر مروان لأن كلاً من مروان وزياد كان عاملاً لمعاوية فيحمل على أنه ابتدأ ذلك وتبعه عماله.

( مالك عن ابن شهاب عن أبي عبيد) بضم العين اسمه سعد بسكون العين ابن عبيد الزهري تابعي كبير من رجال الجميع ويقال: له إدراك ( مولى) عبد الرحمن ( بن أزهر) بن عوف الزهري المدني صحابي صغير مات قبل الحرّة وهو ابن أخي عبد الرحمن بن عوف، وفي رواية ابن جويرية والزبير ومكي بن إبراهيم عن مالك عن الزهري مولى عبد الرحمن بن عوف قاله ابن عبد البر.

وفي البخاري قال ابن عيينة: من قال مولى ابن أزهر فقد أصاب، ومن قال مولى عبد الرحمن بن عوف فقد أصاب أي لاحتمال أنهما اشتركا في ولائه أو أحدهما على الحقيقة والآخر على المجاز بملازمته أحدهما للخدمة أو للأخذ عنه أو انتقاله من ملك أحدهما إلى ملك الآخر، وجزم الزبير بن بكار بأنه مولى عبد الرحمن بن عوف فعليه فنسبته إلى ابن أزهر هي المجازية ولعلها بسبب انقطاعه إليه بعد موت ابن عوف.

( قال: شهدت العيد مع عمر بن الخطاب فصلى) زاد عبد الرزاق عن معمر عن الزهري قبل أن يخطب بلا أذان ولا إقامة ( ثم انصرف فخطب الناس) زاد عبد الرزاق فقال: يا أيها الناس إنّ رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى أن تأكلوا نسككم بعد ثلاث فلا تأكلوه بعد هذا.
قال أبو عمر: أظنّ مالكًا إنما حذف هذا لأنه منسوخ.

( فقال: إنّ هذين) فيه تغليب لأنّ الغائب يشار إليه بذاك فلما أن جمعهما اللفظ غلب الحاضر على الغائب فقال هذين ( يومان نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن صيامهما) نهي تحريم ( يوم) بالرفع إما على أنه خبر محذوف أي أحدهما أو على البدل من يومان.
وفي رواية للبخاري أما أحدهما فيوم ( فطركم من صيامكم والآخر يوم تأكلون فيه من نسككم) بضم السين ويجوز سكونها أي من أضحيتكم.
قال أبو عمر: فيه أن الضحايا نسك وأنّ الأكل منها مستحب كهدي التطوّع إذا بلغ محله قال تعالى: { { فَكُلُوا مِنْهَا وَأَطْعِمُوا الْبَائِسَ الْفَقِيرَ } } و { { الْقَانِعَ وَالْمُعْتَرَّ } } انتهى.

وفائدة وصف اليومين الإشارة إلى العلة في وجوب فطرهما وهي الفصل من الصوم وإظهار تمامه وحده بفطر ما بعده والآخر لأجل النسك المتقرّب بذبحه ليؤكل منه، ولو شرع صومه لم يكن لمشروعية الذبح فيه معنى فعبر عن علة التحريم بالأكل من النسك لأنه يستلزم النحر ويزيد فائدة التنبيه على التعليل.

( قال أبو عبيد: ثم شهدت العيد مع عثمان بن عفان فجاء فصلى ثم انصرف فخطب وقال) في خطبته: ( إنه قد اجتمع لكم في يومكم هذا عيدان فمن أحب من أهل العالية) هي القرى المجتمعة حول المدينة قال مالك: بين أبعدها وبين المدينة ثمانية أميال ( أن ينتظر الجمعة فلينتظرها) حتى يصليها ( ومن أحب أن يرجع فقد أذنت له) فيجوز إذا أذن الإمام، وبه قال مالك في رواية علي وابن وهب ومطرف وابن الماجشون، وأنكروا رواية ابن القاسم بالمنع وبالجواز.
قال الشافعي وأبو حنيفة: ووجهه ما يلحق من المشقة وهي صلاة سقط فرضها بطول المسافة وبالمشقة ومن جهة الإجماع لأنّ عثمان خطب بذلك يوم عيد ولم ينكر عليه.

وروى ابن القاسم عن مالك أنّ ذلك لا يجوز وأنّ الجمعة تلزمهم على كل حال قال: ولم يبلغني أنّ أحدًا أذن لهم غير عثمان ووجهه عموم قوله تعالى: { { فَاسْعَوْا إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ } } وأن الفرائض ليس للأئمة الإذن في تركها، وإنما ذلك بحسب العذر وإنما لم ينكر على عثمان لأنّ المختلف فيه لا يجب إنكاره على أن بعضهم قال: ليس في كلام عثمان هذا تصريح بعدم العود إلى المسجد لصلاة الجمعة حتى يستدل به على سقوطها إذا وافق العيد يوم الجمعة ويحتمل أنهم لم يكونوا ممن تلزمهم الجمعة لبعد منازلهم عنها انتهى.

( قال أبو عبيد: ثم شهدت العيد مع علي بن أبي طالب وعثمان محصور فجاء فصلى) قبل الخطبة ( ثم انصرف فخطب) قال أبو عمر: إذا كان من السنة أن تقام صلاة العيد بلا إمام فالجمعة أولى، وبه قال مالك والشافعي.
قال مالك: لله في أرضه فرائض لا يسقطها موت الوالي، ومنع ذلك أبو حنيفة كالحدود لا يقيمها إلا السلطان، وقد صلى بالناس في حصار عثمان طلحة وأبو أيوب وسهل بن حنيف وأبو أمامة بن سهل وغيرهم وصلى بهم علي صلاة العيد فقط.

والحديث رواه الشيخان في الصوم البخاري عن عبد الله بن يوسف، ومسلم عن يحيى كلاهما عن مالك به، لكنهما اقتصرا على المرفوع المنتهي إلى قوله: من نسككم ولم يذكرا ما بعده.
نعم أخرجه البخاري في الأضاحي من طريق يونس ومعمر عن ابن شهاب به تامًا فهما متابعان لمالك.



رقم الحديث 437 وَحَدَّثَنِي عَنْ مَالِكٍ، عَنْ ابْنِ شِهَابٍ، عَنْ أَبِي عُبَيْدٍ مَوْلَى ابْنِ أَزْهَرَ، قَالَ: شَهِدْتُ الْعِيدَ مَعَ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ فَصَلَّى، ثُمَّ انْصَرَفَ فَخَطَبَ النَّاسَ، فَقَالَ: إِنَّ هَذَيْنِ يَوْمَانِ نَهَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ صِيَامِهِمَا: يَوْمُ فِطْرِكُمْ مِنْ صِيَامِكُمْ، وَالْآخَرُ يَوْمٌ تَأْكُلُونَ فِيهِ مِنْ نُسُكِكُمْ قَالَ أَبُو عُبَيْدٍ ثُمَّ شَهِدْتُ الْعِيدَ مَعَ عُثْمَانَ بْنِ عَفَّانَ.
فَجَاءَ فَصَلَّى، ثُمَّ انْصَرَفَ فَخَطَبَ.
.

     وَقَالَ : إِنَّهُ قَدِ اجْتَمَعَ لَكُمْ فِي يَوْمِكُمْ هَذَا عِيدَانِ.
فَمَنْ أَحَبَّ مِنْ أَهْلِ الْعَالِيَةِ أَنْ يَنْتَظِرَ الْجُمُعَةَ فَلْيَنْتَظِرْهَا، وَمَنْ أَحَبَّ أَنْ يَرْجِعَ، فَقَدْ أَذِنْتُ لَهُ قَالَ أَبُو عُبَيْدٍ ثُمَّ شَهِدْتُ الْعِيدَ مَعَ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ وَعُثْمَانُ مَحْصُورٌ فَجَاءَ فَصَلَّى ثُمَّ انْصَرَفَ فَخَطَبَ.


الْأَمْرِ بِالصَّلَاةِ قَبْلَ الْخُطْبَةِ فِي الْعِيدَيْنِ

( مالك عن ابن شهاب أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يصلي يوم الفطر ويوم الأضحى قبل الخطبة) مرسل متصل من وجوه صحاح، فأخرجه الشيخان من طريق عبيد الله عن نافع عن ابن عمر أنّ رسول الله كان يصلي في الفطر والأضحى ثم يخطب بعد الصلاة ولهما عن جابر أنّ النبي صلى الله عليه وسلم خرج يوم الفطر فبدأ بالصلاة قبل الخطبة.

( مالك أنه بلغه أنّ أبا بكر وعمر كانا يفعلان ذلك) بلاغه صحيح ففي الصحيحين عن ابن عباس: شهدت العيد مع رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبي بكر وعمر وعثمان فكلهم كانوا يصلون قبل الخطبة.

واختلف في أول من غير ذلك ففي مسلم عن طارق بن شهاب أوّل من بدأ بالخطبة يوم العيد قبل الصلاة مروان، وفي ابن المنذر بسند صحيح عن الحسن البصري أوّل من خطب قبل الصلاة عثمان صلى بالناس ثم خطبهم أي على العادة فرأى ناسًا لم يدركوا الصلاة ففعل ذلك أي صار يخطب قبل الصلاة، وهذه العلة غير التي اعتل بها مروان لأنّ عثمان راعى مصلحة الجماعة في إدراكهم الصلاة، وأما مروان فراعى مصلحتهم في إسماعهم الخطبة لكن قيل إنهم في زمنه كانوا يتعمدون ترك سماعهم لما فيها من سب من لا يستحق السب والإفراط في مدح بعض الناس، فعلى هذا إنما راعى مصلحة نفسه، ويحتمل أن عثمان فعل ذلك أحيانًا بخلاف مروان فواظب عليه فلذا نسب إليه.

وروي عن عمر مثل فعل عثمان قال عياض ومن تبعه: لا يصح عنه وفيه نظر لأن عبد الرزاق وابن أبي شيبة روياه جميعًا عن ابن عيينة عن يحيى بن سعيد الأنصاري عن يوسف بن عبد الله بن سلام وهذا إسناد صحيح، لكن يعارضه حديثًا ابن عباس وابن عمر فإن جمع بوقوع ذلك منه نادرًا وإلاً فما في الصحيحين أصح.

وأخرج الشافعي عن عبد الله بن يزيد نحو حديث ابن عباس وزاد حتى قدم معاوية فقدّم الخطبة، وهذا يشير إلى أنّ مروان إنما فعل ذلك تبعًا لمعاوية لأنه كان أمير المدينة من جهته.
وروى عبد الرزاق عن ابن جريج عن الزهري: أول من أحدث الخطبة قبل الصلاة في العيد معاوية.
وروى ابن المنذر عن ابن سيرين: أول من فعل ذلك زياد بالبصرة.
قال عياض: ولا مخالفة بين هذين الأثرين وأثر مروان لأن كلاً من مروان وزياد كان عاملاً لمعاوية فيحمل على أنه ابتدأ ذلك وتبعه عماله.

( مالك عن ابن شهاب عن أبي عبيد) بضم العين اسمه سعد بسكون العين ابن عبيد الزهري تابعي كبير من رجال الجميع ويقال: له إدراك ( مولى) عبد الرحمن ( بن أزهر) بن عوف الزهري المدني صحابي صغير مات قبل الحرّة وهو ابن أخي عبد الرحمن بن عوف، وفي رواية ابن جويرية والزبير ومكي بن إبراهيم عن مالك عن الزهري مولى عبد الرحمن بن عوف قاله ابن عبد البر.

وفي البخاري قال ابن عيينة: من قال مولى ابن أزهر فقد أصاب، ومن قال مولى عبد الرحمن بن عوف فقد أصاب أي لاحتمال أنهما اشتركا في ولائه أو أحدهما على الحقيقة والآخر على المجاز بملازمته أحدهما للخدمة أو للأخذ عنه أو انتقاله من ملك أحدهما إلى ملك الآخر، وجزم الزبير بن بكار بأنه مولى عبد الرحمن بن عوف فعليه فنسبته إلى ابن أزهر هي المجازية ولعلها بسبب انقطاعه إليه بعد موت ابن عوف.

( قال: شهدت العيد مع عمر بن الخطاب فصلى) زاد عبد الرزاق عن معمر عن الزهري قبل أن يخطب بلا أذان ولا إقامة ( ثم انصرف فخطب الناس) زاد عبد الرزاق فقال: يا أيها الناس إنّ رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى أن تأكلوا نسككم بعد ثلاث فلا تأكلوه بعد هذا.
قال أبو عمر: أظنّ مالكًا إنما حذف هذا لأنه منسوخ.

( فقال: إنّ هذين) فيه تغليب لأنّ الغائب يشار إليه بذاك فلما أن جمعهما اللفظ غلب الحاضر على الغائب فقال هذين ( يومان نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن صيامهما) نهي تحريم ( يوم) بالرفع إما على أنه خبر محذوف أي أحدهما أو على البدل من يومان.
وفي رواية للبخاري أما أحدهما فيوم ( فطركم من صيامكم والآخر يوم تأكلون فيه من نسككم) بضم السين ويجوز سكونها أي من أضحيتكم.
قال أبو عمر: فيه أن الضحايا نسك وأنّ الأكل منها مستحب كهدي التطوّع إذا بلغ محله قال تعالى: { { فَكُلُوا مِنْهَا وَأَطْعِمُوا الْبَائِسَ الْفَقِيرَ } } و { { الْقَانِعَ وَالْمُعْتَرَّ } } انتهى.

وفائدة وصف اليومين الإشارة إلى العلة في وجوب فطرهما وهي الفصل من الصوم وإظهار تمامه وحده بفطر ما بعده والآخر لأجل النسك المتقرّب بذبحه ليؤكل منه، ولو شرع صومه لم يكن لمشروعية الذبح فيه معنى فعبر عن علة التحريم بالأكل من النسك لأنه يستلزم النحر ويزيد فائدة التنبيه على التعليل.

( قال أبو عبيد: ثم شهدت العيد مع عثمان بن عفان فجاء فصلى ثم انصرف فخطب وقال) في خطبته: ( إنه قد اجتمع لكم في يومكم هذا عيدان فمن أحب من أهل العالية) هي القرى المجتمعة حول المدينة قال مالك: بين أبعدها وبين المدينة ثمانية أميال ( أن ينتظر الجمعة فلينتظرها) حتى يصليها ( ومن أحب أن يرجع فقد أذنت له) فيجوز إذا أذن الإمام، وبه قال مالك في رواية علي وابن وهب ومطرف وابن الماجشون، وأنكروا رواية ابن القاسم بالمنع وبالجواز.
قال الشافعي وأبو حنيفة: ووجهه ما يلحق من المشقة وهي صلاة سقط فرضها بطول المسافة وبالمشقة ومن جهة الإجماع لأنّ عثمان خطب بذلك يوم عيد ولم ينكر عليه.

وروى ابن القاسم عن مالك أنّ ذلك لا يجوز وأنّ الجمعة تلزمهم على كل حال قال: ولم يبلغني أنّ أحدًا أذن لهم غير عثمان ووجهه عموم قوله تعالى: { { فَاسْعَوْا إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ } } وأن الفرائض ليس للأئمة الإذن في تركها، وإنما ذلك بحسب العذر وإنما لم ينكر على عثمان لأنّ المختلف فيه لا يجب إنكاره على أن بعضهم قال: ليس في كلام عثمان هذا تصريح بعدم العود إلى المسجد لصلاة الجمعة حتى يستدل به على سقوطها إذا وافق العيد يوم الجمعة ويحتمل أنهم لم يكونوا ممن تلزمهم الجمعة لبعد منازلهم عنها انتهى.

( قال أبو عبيد: ثم شهدت العيد مع علي بن أبي طالب وعثمان محصور فجاء فصلى) قبل الخطبة ( ثم انصرف فخطب) قال أبو عمر: إذا كان من السنة أن تقام صلاة العيد بلا إمام فالجمعة أولى، وبه قال مالك والشافعي.
قال مالك: لله في أرضه فرائض لا يسقطها موت الوالي، ومنع ذلك أبو حنيفة كالحدود لا يقيمها إلا السلطان، وقد صلى بالناس في حصار عثمان طلحة وأبو أيوب وسهل بن حنيف وأبو أمامة بن سهل وغيرهم وصلى بهم علي صلاة العيد فقط.

والحديث رواه الشيخان في الصوم البخاري عن عبد الله بن يوسف، ومسلم عن يحيى كلاهما عن مالك به، لكنهما اقتصرا على المرفوع المنتهي إلى قوله: من نسككم ولم يذكرا ما بعده.
نعم أخرجه البخاري في الأضاحي من طريق يونس ومعمر عن ابن شهاب به تامًا فهما متابعان لمالك.



رقم الحديث 440 حَدَّثَنِي يَحْيَى، عَنْ مَالِكٍ، عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ، عَنْ أَبِيهِ أَنَّهُ كَانَ يَأْكُلُ يَوْمَ عِيدِ الْفِطْرِ قَبْلَ أَنْ يَغْدُوَ.


( مالك عن هشام بن عروة عن أبيه أنه كان يأكل يوم عيد الفطر قبل أن يغدو) إلى الصلاة اقتداء بفعله صلى الله عليه وسلم.
روى البخاري عن أنس كان صلى الله عليه وسلم لا يغدو يوم الفطر حتى يأكل تمرات ويأكلهنّ وترًا.
قال الباجي: فيستحب أن يكون تمرًا إن وجده وكونه وترًا.
وقال المهلب: جعلهنّ وترًا إشارة إلى الوحدانية، وكذا كان صلى الله عليه وسلم يفعل في جميع أموره تبركًا بذلك.

والحكمة في استحباب التمر لما في الحلو من تقوية البصر الذي يضعفه الصوم، ولأن الحلو مما يوافق الإيمان ويعبر به في المنام ويرق القلب وهو أيسر من غيره، ومن ثم استحب بعض التابعين أن يفطر على الحلو مطلقًا كالعسل.
رواه ابن أبي شيبة عن معاوية بن قرّة وابن سيرين وغيرهما.
وروي عن ابن عون أنه يحبس البول هذا كله في حق من يقدر على ذلك، وإلاّ فينبغي أن يفطر ولو على الماء ليحصل له شبه مّا من الاتباع أشار إليه ابن أبي جمرة.

( مالك عن ابن شهاب عن سعيد بن المسيب أنه أخبره أن الناس كانوا يؤمرون بالأكل يوم الفطر قبل الغدو) إلى صلاة العيد لئلا يظن ظان لزوم الصوم حتى يصلي العيد وكأنه أريد سدّ هذه الذريعة قاله المهلب.
وقال غيره: لما وجب الفطر عقب وجوب الصوم استحب تعجيل الفطر مبادرة لامتثال أمر الله تعالى ويشعر بذلك اقتصاره صلى الله عليه وسلم على القليل، ولو كان لغير الامتثال لأكل قدر الشبع أشار له ابن أبي جمرة.

وقال بعض المالكية: لما كان المعتكف لا يتم اعتكافه حتى يغدو إلى المصلى قبل انصرافه إلى بيته خشي أن يعتمد في هذا الجزء من النهار باعتبار استصحاب الصيام ما يعتمده من استصحاب الاعتكاف ففرّق بينهما بمشروعية الأكل قبل الغدو، وقيل لأنّ الشيطان الذي يحبس في رمضان لا يطلق إلا بعد صلاة العيد فاستحب تعجيل الفطر بدارًا إلى السلامة من وسوسته.

( قال مالك: ولا أرى ذلك على الناس في الأضحى) بل من شاء فعل ومن شاء ترك هذا مقتضى قوله، ويؤيده حديث الصحيحين أن أبا بردة أكل قبل الصلاة يوم النحر فبين له النبي صلى الله عليه وسلم أن التي ذبحها لا تجزئ ضحية، وأقره على الأكل منها وغيره يستحب أن لا يأكل يوم الأضحى حتى يأكل من أضحيته ولو من كبدها، فلما كان عليه يوم الفطر إخراج حق قبل الغدوّ إلى الصلاة وهو زكاة الفطر استحب له أن يأكل عند إخراج ذلك الحق كما أن عليه يوم الأضحى حقًا يخرجه بعد الصلاة وهو الأضحية فاستحب له أن يأكل ذلك الوقت قاله ابن عبد البر.

وروى الترمذي والحاكم عن بريدة كان صلى الله عليه وسلم لا يخرج يوم الفطر حتى يطعم ولا يطعم يوم الأضحى حتى يصلي، ونحوه للبزار عن جابر بن سمرة، وللطبراني عن ابن عباس قال: من السنة أن لا يخرج يوم الفطر حتى يخرج الصدقة ويطعم شيئًا قبل أن يخرج وفي كل من أسانيدها مقال.

قال الزين بن المنير: وقع أكله صلى الله عليه وسلم في كل من العيدين في الوقت المشروع لإخراج صدقتهما الخاصة بهما فإخراج صدقة الفطر قبل الغدوّ إلى المصلى وإخراج صدقة الأضحية بعد ذبحها فاجتمعا من جهة وافترقا من أخرى واختار بعضهم تفصيلاً آخر فقال: من كان له ذبح استحب له أن يبدأ بالأكل يوم النحر منه ومن لم يكن له ذبح يخير.



رقم الحديث 440 حَدَّثَنِي يَحْيَى، قَالَ مَالِكٌ: مَضَتِ السُّنَّةُ الَّتِي لَا اخْتِلَافَ فِيهَا عِنْدَنَا، فِي وَقْتِ الْفِطْرِ وَالْأَضْحَى، أَنَّ الْإِمَامَ يَخْرُجُ مِنْ مَنْزِلِهِ قَدْرَ مَا يَبْلُغُ مُصَلَّاهُ، وَقَدْ حَلَّتِ الصَّلَاةُ قَالَ يَحْيَى: وَسُئِلَ مَالِكٌ عَنْ رَجُلٍ صَلَّى مَعَ الْإِمَامِ، هَلْ لَهُ أَنْ يَنْصَرِفَ قَبْلَ أَنْ يَسْمَعَ الْخُطْبَةَ؟ فَقَالَ: لَا يَنْصَرِفُ حَتَّى يَنْصَرِفَ الْإِمَامُ.
غُدُوِّ الْإِمَامِ يَوْمَ الْعِيدِ وَانْتِظَارِ الْخُطْبَةِ من إضافة المصدر لمفعوله أي انتظار الناس سماع الخطبة.

( قال مالك: مضت السنة التي لا اختلاف فيها عندنا) بالمدينة ( في وقت الفطر والأضحى أن الإمام يخرج من منزله قدر ما يبلغ مصلاه وقد حلت الصلاة) بارتفاع الشمس قيد رمح ويزاد على ذلك قليلاً لاجتماع الناس ومجيء من بعد وآخر وقتها زوال الشمس لا وقت لها غيره قاله الباجي.

قال ابن بطال: أجمع الفقهاء على أن العيد لا تصلى قبل طلوع الشمس ولا عند طلوعها وإنما تجوز عند جواز النافلة لحديث عبد الله بن بسر خرج مع الناس يوم فطر أو أضحى فأنكر إبطاء الإمام، وقال: إن كنا مع النبي صلى الله عليه وسلم قد فرغنا ساعتنا هذه وذلك حين التسبيح رواه أحمد وأبو داود والحاكم وصححه وعلقه البخاري.

قال الحافظ: ودلالته على المنع ليست بظاهرة ويعكر على حكاية الإجماع إطلاق من أطلق أن أوّل وقتها عند طلوع الشمس واختلف هل يمتدّ وقتها للزوال أم لا.

( قال يحيى: وسئل مالك عن رجل صلى مع الإمام هل له أن ينصرف قبل أن يسمع الخطبة؟ فقال: لا ينصرف حتى ينصرف الإمام) أي يكره ذلك لمخالفة السنة.





رقم الحديث 441
وَحَدَّثَنِي عَنْ مَالِكٍ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ أَنَّهُ أَخْبَرَهُ، أَنَّ النَّاسَ كَانُوا يُؤْمَرُونَ بِالْأَكْلِ يَوْمَ الْفِطْرِ قَبْلَ الْغُدُوِّ قَالَ مَالِكٌ: وَلَا أَرَى ذَلِكَ عَلَى النَّاسِ فِي الْأَضْحَى.


( مالك عن هشام بن عروة عن أبيه أنه كان يأكل يوم عيد الفطر قبل أن يغدو) إلى الصلاة اقتداء بفعله صلى الله عليه وسلم.
روى البخاري عن أنس كان صلى الله عليه وسلم لا يغدو يوم الفطر حتى يأكل تمرات ويأكلهنّ وترًا.
قال الباجي: فيستحب أن يكون تمرًا إن وجده وكونه وترًا.
وقال المهلب: جعلهنّ وترًا إشارة إلى الوحدانية، وكذا كان صلى الله عليه وسلم يفعل في جميع أموره تبركًا بذلك.

والحكمة في استحباب التمر لما في الحلو من تقوية البصر الذي يضعفه الصوم، ولأن الحلو مما يوافق الإيمان ويعبر به في المنام ويرق القلب وهو أيسر من غيره، ومن ثم استحب بعض التابعين أن يفطر على الحلو مطلقًا كالعسل.
رواه ابن أبي شيبة عن معاوية بن قرّة وابن سيرين وغيرهما.
وروي عن ابن عون أنه يحبس البول هذا كله في حق من يقدر على ذلك، وإلاّ فينبغي أن يفطر ولو على الماء ليحصل له شبه مّا من الاتباع أشار إليه ابن أبي جمرة.

( مالك عن ابن شهاب عن سعيد بن المسيب أنه أخبره أن الناس كانوا يؤمرون بالأكل يوم الفطر قبل الغدو) إلى صلاة العيد لئلا يظن ظان لزوم الصوم حتى يصلي العيد وكأنه أريد سدّ هذه الذريعة قاله المهلب.
وقال غيره: لما وجب الفطر عقب وجوب الصوم استحب تعجيل الفطر مبادرة لامتثال أمر الله تعالى ويشعر بذلك اقتصاره صلى الله عليه وسلم على القليل، ولو كان لغير الامتثال لأكل قدر الشبع أشار له ابن أبي جمرة.

وقال بعض المالكية: لما كان المعتكف لا يتم اعتكافه حتى يغدو إلى المصلى قبل انصرافه إلى بيته خشي أن يعتمد في هذا الجزء من النهار باعتبار استصحاب الصيام ما يعتمده من استصحاب الاعتكاف ففرّق بينهما بمشروعية الأكل قبل الغدو، وقيل لأنّ الشيطان الذي يحبس في رمضان لا يطلق إلا بعد صلاة العيد فاستحب تعجيل الفطر بدارًا إلى السلامة من وسوسته.

( قال مالك: ولا أرى ذلك على الناس في الأضحى) بل من شاء فعل ومن شاء ترك هذا مقتضى قوله، ويؤيده حديث الصحيحين أن أبا بردة أكل قبل الصلاة يوم النحر فبين له النبي صلى الله عليه وسلم أن التي ذبحها لا تجزئ ضحية، وأقره على الأكل منها وغيره يستحب أن لا يأكل يوم الأضحى حتى يأكل من أضحيته ولو من كبدها، فلما كان عليه يوم الفطر إخراج حق قبل الغدوّ إلى الصلاة وهو زكاة الفطر استحب له أن يأكل عند إخراج ذلك الحق كما أن عليه يوم الأضحى حقًا يخرجه بعد الصلاة وهو الأضحية فاستحب له أن يأكل ذلك الوقت قاله ابن عبد البر.

وروى الترمذي والحاكم عن بريدة كان صلى الله عليه وسلم لا يخرج يوم الفطر حتى يطعم ولا يطعم يوم الأضحى حتى يصلي، ونحوه للبزار عن جابر بن سمرة، وللطبراني عن ابن عباس قال: من السنة أن لا يخرج يوم الفطر حتى يخرج الصدقة ويطعم شيئًا قبل أن يخرج وفي كل من أسانيدها مقال.

قال الزين بن المنير: وقع أكله صلى الله عليه وسلم في كل من العيدين في الوقت المشروع لإخراج صدقتهما الخاصة بهما فإخراج صدقة الفطر قبل الغدوّ إلى المصلى وإخراج صدقة الأضحية بعد ذبحها فاجتمعا من جهة وافترقا من أخرى واختار بعضهم تفصيلاً آخر فقال: من كان له ذبح استحب له أن يبدأ بالأكل يوم النحر منه ومن لم يكن له ذبح يخير.