فهرس الكتاب

شرح الزرقاني - بَابُ الْوُضُوءِ مِنَ الْمَذْيِ

رقم الحديث 30 حَدَّثَنِي يَحْيَى، عَنْ مَالِكٍ، عَنْ ابْنِ شِهَابٍ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: مَنْ أَكَلَ مِنْ هَذِهِ الشَّجَرَةِ، فَلَا يَقْرُبْ مَسَاجِدَنَا، يُؤْذِينَا بِرِيحِ الثُّومِ.


( مَالِكٍ عَنْ ابْنِ شِهَابٍ عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ) بكسر الياء وفتحها ( أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ:) أرسله رواة الموطأ كلهم إلا روح بن عبادة فرواه عن مالك موصولاً فزاد عن أبي هريرة، وقد رواه مسلم من طريق معمر وابن ماجه من طريق إبراهيم بن سعد وابن وهب عن يونس ثلاثتهم عن الزهري عن سعيد عن أبي هريرة أنه صلى الله عليه وسلم قال: ( مَنْ أَكَلَ مِنْ هَذِهِ الشَّجَرَةِ) يعني الثوم وفيه مجاز لأن المعروف لغة أن الشجر ما له ساق وما لا ساق له فنجم، وبه فسر ابن عباس والنجم والشجر يسجدان ومن أهل اللغة من قال: ما نبت له أصل في الأرض يخلف ما قطع منه فشجر وإلا فنجم.

وقال الخطابي: في هذا الحديث إطلاق الشجر على الثوم والعامة لا تعرف الشجر إلا ما كان له ساق انتهى، وقيل بينهما عموم وخصوص فكل نجم شجر ولا عكس كالنخل والشجر فكل نخل شجر ولا عكس.

قال ابن بطال: وهذا يدل على إباحة أكل الثوم لأن قوله: من أكل لفظ إباحة ورده ابن المنير بأن هذه الصيغة إنما تعطي الوجود لا الحكم أي من وجد منه الأكل وهو أعم من كونه مباحًا أم لا.
وفي رواية جابر في الصحيحين من أكل ثومًا أو بصلاً.

( فَلَا يَقْرُبْ مَسَاجِدَنَا) أيها المسلمون فالجمع في هذه الرواية كرواية أحمد فيشمل جميع المساجد وعليه الأكثر، وقيل خاص بمسجد المدينة لأجل نزول جبريل فيه ولرواية مسجدنا بالإفراد، ورد بأن المراد به الجنس لرواية الجمع والملائكة تحضر في غير المسجد النبوي والعلة التأذي حتى للبشر كما قال: ( يُؤْذِينَا بِرِيحِ الثُّومِ) بضم المثلثة زاد في حديث جابر وليقعد في بيته.

وقد حكى ابن بطال هذا القول عن بعض العلماء وضعفه ولعبد الرزاق عن ابن جريج قلت لعطاء: هل النهي للمسجد الحرام خاصة أو في المساجد؟ قال: بل في المساجد، وقيل أراد مسجده الذي أعده للصلاة فيه يوم خيبر فكأنه تشبث بما رواه البخاري عن ابن عمر نهى صلى الله عليه وسلم عن أكل الثوم يوم خيبر ومثل الثوم البصل والكراث كما في مسلم.

ونقل ابن التين عن مالك الفجل إن ظهر ريحه فكالثوم وقيده عياض بالجشاء.

وفي الطبراني الصغير النص على الفجل من حديث جابر لكن في إسناده يحيى بن راشد ضعيف وألحق بعضهم بذلك من بفمه بخر أو به جرح له رائحة كريهة وزاد غيره أصحاب الصنائع الكريهات كالسماك وأصحاب العاهات كالمجذوم ومن يؤذي الناس بلسانه ابن دقيق العيد وذلك كله توسع غير مرضي.

وقال ابن المنير: ألحق بعض أصحابنا المجذوم وغيره بآكل الثوم في المنع من المسجد وفيه نظر لأن آكله أدخل على نفسه هذا المانع باختياره والمجذوم علته سماوية قال: لكن قوله صلى الله عليه وسلم من جوع أو غيره يدل على التسوية وتعقبه الحافظ بأنه رأى قول البخاري في الترجمة قوله النبي إلخ فظنه لفظ حديث وليس كذلك بل هو من تفقه البخاري، وتجويزه لذكر الحديث بالمعنى وحكم رحبة المسجد وما قرب منها حكمه فقد كان صلى الله عليه وسلم إذا وجد ريحها في المسجد أمر بإخراج من وجدت منه إلى البقيع كما في مسلم عن ابن عمر.

( مَالِكٍ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ الْمُجَبَّرِ) بضم الميم وفتح الجيم والموحدة الثقيلة القرشي العدوي روى عن أبيه وسالم وعنه ابنه محمد ومالك وغيرهما ووثقه الفلاس وغيره.
قال في الاستذكار: المجبر هو عبد الرحمن بن عبد الرحمن بن عمر بن الخطاب وإنما قيل له المجبر لأنه سقط فتكسر فجبر، وقال ابن ماكولا: لا يعرف في الرواة عبد الرحمن بن عبد الرحمن بن عبد الرحمن ثلاثة في نسق إلا هذا وذكر الزبير بن بكار أن أباه عبد الرحمن الأصغر مات وهو حمل فلما ولد سمته حفصة باسم أبيه وقالت لعل الله يجبره، وقال في الاستيعاب.
كان لعمر ثلاثة أولاد كلهم عبد الرحمن أكبرهم صحابي والثاني يكنى أبا شحمة وهو الذي ضربه أبوه في الخمر والثالث والد المجبر بالجيم والموحدة الثقيلة.

( أَنَّهُ كَانَ يَرَى سَالِمَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ) بن عمر أحد الفقهاء ( إِذَا رَأَى الْإِنْسَانَ يُغَطِّي فَاهُ وَهُوَ يُصَلِّي جَبَذَ الثَّوْبَ عَنْ فِيهِ جَبْذًا) بجيم وموحدة ومعجمة ( شَدِيدًا) لأنه أبلغ في تعليمه ( حَتَّى يَنْزِعَهُ عَنْ فِيهِ) قال المجد: الجبذ الجذب وليس مقلوبه بل لغة صحيحة ووهم الجوهري وغيره كالاجتباذ والفعل كضرب ففعل سالم وهو من الفقهاء السبعة دليل على أن كراهة تغطية الفم في الصلاة كان أمرًا مقررًا عندهم بالمدينة.



رقم الحديث 84 وَحَدَّثَنِي يَحْيَى، عَنْ مَالِكٍ، عَنْ أَبِي النَّضْرِ مَوْلَى عُمَرَ بْنِ عُبَيْدِ اللَّهِ، عَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ يَسَارٍ، عَنِ الْمِقْدَادِ بْنِ الْأَسْوَدِ، أَنَّ عَلِيَّ بْنَ أَبِي طَالِبٍ أَمَرَهُ أَنْ يَسْأَلَ لَهُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنِ الرَّجُلِ، إِذَا دَنَا مِنْ أَهْلِهِ، فَخَرَجَ مِنْهُ الْمَذْيُ، مَاذَا عَلَيْهِ؟ قَالَ: عَلِيٌّ فَإِنَّ عِنْدِي ابْنَةَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَأَنَا أَسْتَحِي أَنْ أَسْأَلَهُ، قَالَ الْمِقْدَادُ: فَسَأَلْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ ذَلِكَ، فَقَالَ: إِذَا وَجَدَ ذَلِكَ أَحَدُكُمْ فَلْيَنْضَحْ فَرْجَهُ بِالْمَاءِ وَلْيَتَوَضَّأْ وُضُوءَهُ لِلصَّلَاةِ.


( مَالِكٍ عَنْ أَبِي النَّضْرِ) بالضاد المعجمة سالم بن أبي أمية القرشي مولاهم المدني ثقة ثبت من رجال الجميع وكان يرسل، روى عن أنس والسائب بن يزيد وغيرهما وعنه الليث والسفيانان ومالك وجماعة، مات سنة تسع وعشرين ومائة.
( مَوْلَى عُمَرَ بْنِ عُبَيْدِ اللَّهِ) بضم العين ابن معمر بن عثمان بن عمرو بن سعد بن تيم بن مرة القرشي التيمي كان أحد وجوه قريش وأشرافها جوادًا ممدحًا شجاعًا له في الجود والشجاعة أخبار شهيرة، مات بدمشق سنة اثنين وثمانين، وجده معمر صحابي ابن عم أبي قحافة والد الصديق.

( عَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ يَسَارٍ) الهلالي المدني مولى ميمونة، وقيل أم سلمة ثقة فاضل كثير الحديث أحد الفقهاء السبعة بالمدينة وعلمائها وصلحائها، مات سنة أربع ومائة، وقيل سنة سبع، وقيل سنة مائة، وقيل قبلها سنة أربع وتسعين عن ثلاث وسبعين سنة.

( عَنِ الْمِقْدَادِ بْنِ الْأَسْوَدِ) بن عبد يغوث الزهري تبناه وهو صغير فعرف به، وهو المقداد بن عمرو بن ثعلبة البهراني بفتح الموحدة والراء قبيلة من قضاعة ثم الكندي حالف أبوه كندة ثم الزهري صحابي مشهور من السابقين، شهد المشاهد كلها وكان فارسًا يوم بدر ولم يثبت أنه شهدها فارس غيره، روى عنه علي وابن مسعود وابن عباس وجماعة، مات سنة ثلاث وثلاثين اتفاقًا وهو ابن سبعين سنة.
وفي الإسناد انقطاع سقط منه ابن عباس لأن سليمان بن يسار لم يسمع المقداد لأنه ولد سنة أربع وثلاثين بعد موت المقداد بسنة، وقد أخرجه مسلم والنسائي من طريق ابن وهب عن مخرمة بن بكير عن أبيه عن سليمان بن يسار عن ابن عباس.

( أَنَّ عَلِيَّ بْنَ أَبِي طَالِبٍ أَمَرَهُ أَنْ يَسْأَلَ لَهُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنِ الرَّجُلِ إِذَا دَنَا) قرب ( مِنْ أَهْلِهِ) حليلته ( فَخَرَجَ مِنْهُ الْمَذْيُ مَاذَا عَلَيْهِ؟) وذكر أبو داود والنسائي وابن خزيمة سبب السؤال من طريق أخرى عن علي قال: كنت رجلاً مذاء فجعلت أغتسل منه في الشتاء حتى تشقق ظهري، وفي الصحيحين عن ابن الحنفية عن علي فأمرت المقداد أن يسأل، وكذا لمسلم عن ابن عباس عنه، وللنسائي أن عليًا أمر عمارًا أن يسأل، ولابن حبان والإسماعيلي أن عليًا قال: سألت، وجمع ابن حبان بأن عليًا أمر عمارًا أن يسأل، ثم أمر المقداد بذلك، ثم سأل بنفسه.
قال الحافظ: وهو جمع جيد إلا آخره لأنه مغاير لقوله.

( قَالَ: عَلِيٌّ فَإِنَّ عِنْدِي ابْنَةَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَنَا أَسْتَحِي أَنْ أَسْأَلَهُ) وللبخاري: فاستحيت أن أسأل لمكان ابنته، ولمسلم من أجل فاطمة.
قال الحافظ: فتعين حمله على المجاز بأن بعض الرواة أطلق أنه سأل لكونه الآمر بذلك، وبهذا جزم الإسماعيلي ثم النووي، ويؤيد أنه أمر كلاً من المقداد وعمار بالسؤال ما رواه عبد الرزاق عن عائش بن أنس قال: تذاكر علي والمقداد وعمار المذي فقال علي: إنني رجل مذاء فاسألا عن ذلك النبي صلى الله عليه وسلم، فسأله أحد الرجلين، وصحح ابن بشكوال أن المقداد هو الذي تولى السؤال وعليه فنسبته إلى عمار مجاز أيضًا لكونه قصده، لكن تولى المقداد السؤال دون عمار.

( قَالَ الْمِقْدَادُ: فَسَأَلْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ ذَلِكَ فَقَالَ إِذَا وَجَدَ ذَلِكَ أَحَدُكُمْ فَلْيَنْضَحْ) كذا ليحيى، ورواه ابن وهب والقعنبي وابن بكير فليغسل والنضح: لغة الرش والغسل فرواية يحيى مجملة يفسرها رواية غيره قاله أبو عمر أي يغسل ( فَرْجَهُ بِالْمَاءِ) أي يتعين فيه الماء دون الأحجار لأن ظاهره تعين الغسل والمعين لا يقع الامتثال إلا به قاله ابن دقيق العيد وهو مذهب مالك.

قال ابن عبد البر: وليس في أحاديث المذي على كثرتها ذكر الاستجمار، وصححه النووي في شرح مسلم، وصحح في باقي كتبه جواز الأحجار إلحاقًا له بالبول وحمل الأمر بالماء على الاستحباب أو على أنه خرج مخرج الغالب، وفيه أيضًا وجوب غسله كله عملاً بالحقيقة لا محل المخرج فقط كالبول، وقد رد الباجي إلحاقه بالبول بأنه يخرج من الذكر بلذة فوجب به غسل يزيد على ما يجب بالبول كالمني.

قال في النهاية: يرد النضح بمعنى الغسل والإزالة وأصله الرشح ويطلق على الرش، وضبطه النووي بكسر الضاد واتفق في بعض مجالس الحديث أن أبا حيان قرأه بفتح الضاد فقال له السراج الدمنهوري: ضبطه النووي بالكسر، فقال أبو حيان: حق النووي أن يستفيد هذا مني وما قلته هو القياس.
قال الزركشي: وكلام الجوهري يشهد للنووي، لكن نقل عن صاحب الجامع أن الكسر لغة وأن الأفصح الفتح.

( وَلْيَتَوَضَّأْ وُضُوءَهُ لِلصَّلَاةِ) أي كما يتوضأ إذا قام لها لا أنه يجب الوضوء بمجرد خروجه كما قال به قوم، ورد عليهم الطحاوي بما رواه عن علي قال: سئل النبي صلى الله عليه وسلم عن المذي؟ فقال: فيه الوضوء وفي المني الغسل فعرف أنه كالبول وغيره من نواقض الوضوء لا يوجب الوضوء بمجرده.

قال الرافعي: وفي قوله وضوءه للصلاة قطع احتمال حمل التوضي على الوضاءة الحاصلة بغسل الفرج، فإن غسل العضو الواحد قد يسمى وضوءًا كما ورد أن الوضوء قبل الطعام ينفي الفقر والمراد غسل اليد وفي رواية للشيخين توضأ واغسل ذكرك والمعنى واحد فيجوز تقديم غسله على الوضوء وهو أولى وتقديم الوضوء على غسله، لكن من يقول بنقض الوضوء بمس الذكر يشترط أن يكون ذلك بلا حائل، واستدل به على قبول خبر الواحد وعلى جواز الاعتماد على الظن مع القدرة على المقطوع به، وفيهما نظر لأن السؤال كان بحضرة علي روى النسائي عنه فقلت لرجل جالس إلى جنبي: سله فسأله وقد أطبق أصحاب الأطراف والمسانيد على إيراد هذا الحديث في مسند علي، ولو حملوه على أنه لم يحضر لأوردوه في مسند المقداد، ثم لو صح أن السؤال كان في غيبة علي لم يكن دليلاً على المدعي لاحتمال وجود القرائن التي تحف الخبر فترقيه عن الظن إلى القطع قاله عياض.

وقال ابن دقيق العيد: المراد بالاستدلال به على قبول خبر الواحد مع كونه خبر واحد أنه صورة من الصور التي تدل وهي كثيرة تقوم الحجة بجملتها لا بفرد معين منها وفيه جواز الاستنابة في الاستفتاء وفيه ما كان عليه الصحابة من حفظ حرمة النبي صلى الله عليه وسلم وتوقيره واستعمال الأدب في ترك المواجهة بما يستحيا منه عرفًا وحسن العشرة مع الأصهار وترك ذكر ما يتعلق بجماع المرأة ونحوه بحضرة أقاربها، واستدل به البخاري لمن استحى فأمر غيره بالسؤال لأن فيه جمعًا بين المصلحتين استعمال الحياء وعدم التفريط في معرفة الحكم.

( مَالِكٍ عَنْ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ عَنْ أَبِيهِ) أسلم العدوي مولى عمر ثقة مخضرم، روى عن مولاه وأبي بكر وعثمان ومعاذ وغيرهم، وعنه ابنه ونافع والقاسم بن محمد، وروى ابن منده عن عبد الرحمن بن زيد بن أسلم عن أبيه عن جده أنه سافر مع النبي صلى الله عليه وسلم سفرتين.

قال في الإصابة: والمعروف أن عمر اشترى أسلم بعد وفاة النبي صلى الله عليه وسلم ذكره ابن إسحاق وغيره، وقال ابنه زيد: مات أسلم وهو ابن أربع عشرة ومائة سنة، وصلى عليه مروان بن الحكم.

( أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ قَالَ: إِنِّي لَأَجِدُهُ يَنْحَدِرُ مِنِّي مِثْلَ الْخُرَيْزَةِ) بخاء معجمة ثم راء فتحتية فزاي منقوطة تصغير خرزة بفتحتين الجوهرة، وفي رواية مثل الجمانة بضم الجيم وهي اللؤلؤة ( فَإِذَا وَجَدَ ذَلِكَ أَحَدُكُمْ فَلْيَغْسِلْ ذَكَرَهُ وَلْيَتَوَضَّأْ وُضُوءَهُ لِلصَّلَاةِ) قال الباجي: يريد إذا وجده على غير هذا الوجه، ويحتمل أنه خصهم بهذا الحكم وإن كان هو غير داخل فيه إذا كان خروجه منه على غير وجه اللذة، ويحتمل أنه أمرهم وحكمه حكمهم.
وقال ابن عبد البر روي أن عمر قال: إني لأجده ينحدر مني مثل الجمان فما ألتفت إليه ولا أباليه، وهذا يدل على أنه استنكحه ذلك.

( يَعْنِي الْمَذْيَ) بيان للضمير في قوله إني لأجده.

( مَالِكٍ عَنْ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ عَنْ جُنْدُبٍ) بضم الجيم وسكون النون وبفتح الدال وتضم ( مَوْلَى عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَيَّاشٍ) بتحتية ومعجمة ابن أبي ربيعة المخزومي قال ابن الحذاء، لم يذكره البخاري.

( أَنَّهُ قَالَ: سَأَلْتُ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عُمَرَ عَنِ الْمَذْيِ؟ فَقَالَ: إِذَا وَجَدْتَهُ فَاغْسِلْ فَرْجَكَ وَتَوَضَّأْ وُضُوءَكَ لِلصَّلَاةِ) .
واستدل بهذا كالحديث على وجوب الوضوء على من به سلس المذي للأمر بالوضوء لمن قال كنت مذاء بصيغة المبالغة الدالة على الكثرة، وتعقبه ابن دقيق العيد بأن الكثرة هنا ناشئة عن غلبة الشهوة مع صحة الجسد بخلاف صاحب السلس فإنه ينشأ عن علة في الجسد.
وقال ابن عبد البر، عن المغيرة بن عبد الرحمن: كان يخرج مني المذي فربما توضأت المرتين والثلاث فجئت القاسم بن محمد فقال: إنما ذلك من الشيطان فاله عنه فلهوت عنه فانقطع مني، وترجم مالك إثر هذا الباب.



رقم الحديث 85 وَحَدَّثَنِي عَنْ مَالِكٍ، عَنْ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ عَنْ أَبِيهِ أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ قَالَ: إِنِّي لَأَجِدُهُ يَنْحَدِرُ مِنِّي مِثْلَ الْخُرَيْزَةِ، فَإِذَا وَجَدَ ذَلِكَ أَحَدُكُمْ فَلْيَغْسِلْ ذَكَرَهُ، وَلْيَتَوَضَّأْ وُضُوءَهُ لِلصَّلَاةِ.
يَعْنِي الْمَذْيَ.


( مَالِكٍ عَنْ أَبِي النَّضْرِ) بالضاد المعجمة سالم بن أبي أمية القرشي مولاهم المدني ثقة ثبت من رجال الجميع وكان يرسل، روى عن أنس والسائب بن يزيد وغيرهما وعنه الليث والسفيانان ومالك وجماعة، مات سنة تسع وعشرين ومائة.
( مَوْلَى عُمَرَ بْنِ عُبَيْدِ اللَّهِ) بضم العين ابن معمر بن عثمان بن عمرو بن سعد بن تيم بن مرة القرشي التيمي كان أحد وجوه قريش وأشرافها جوادًا ممدحًا شجاعًا له في الجود والشجاعة أخبار شهيرة، مات بدمشق سنة اثنين وثمانين، وجده معمر صحابي ابن عم أبي قحافة والد الصديق.

( عَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ يَسَارٍ) الهلالي المدني مولى ميمونة، وقيل أم سلمة ثقة فاضل كثير الحديث أحد الفقهاء السبعة بالمدينة وعلمائها وصلحائها، مات سنة أربع ومائة، وقيل سنة سبع، وقيل سنة مائة، وقيل قبلها سنة أربع وتسعين عن ثلاث وسبعين سنة.

( عَنِ الْمِقْدَادِ بْنِ الْأَسْوَدِ) بن عبد يغوث الزهري تبناه وهو صغير فعرف به، وهو المقداد بن عمرو بن ثعلبة البهراني بفتح الموحدة والراء قبيلة من قضاعة ثم الكندي حالف أبوه كندة ثم الزهري صحابي مشهور من السابقين، شهد المشاهد كلها وكان فارسًا يوم بدر ولم يثبت أنه شهدها فارس غيره، روى عنه علي وابن مسعود وابن عباس وجماعة، مات سنة ثلاث وثلاثين اتفاقًا وهو ابن سبعين سنة.
وفي الإسناد انقطاع سقط منه ابن عباس لأن سليمان بن يسار لم يسمع المقداد لأنه ولد سنة أربع وثلاثين بعد موت المقداد بسنة، وقد أخرجه مسلم والنسائي من طريق ابن وهب عن مخرمة بن بكير عن أبيه عن سليمان بن يسار عن ابن عباس.

( أَنَّ عَلِيَّ بْنَ أَبِي طَالِبٍ أَمَرَهُ أَنْ يَسْأَلَ لَهُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنِ الرَّجُلِ إِذَا دَنَا) قرب ( مِنْ أَهْلِهِ) حليلته ( فَخَرَجَ مِنْهُ الْمَذْيُ مَاذَا عَلَيْهِ؟) وذكر أبو داود والنسائي وابن خزيمة سبب السؤال من طريق أخرى عن علي قال: كنت رجلاً مذاء فجعلت أغتسل منه في الشتاء حتى تشقق ظهري، وفي الصحيحين عن ابن الحنفية عن علي فأمرت المقداد أن يسأل، وكذا لمسلم عن ابن عباس عنه، وللنسائي أن عليًا أمر عمارًا أن يسأل، ولابن حبان والإسماعيلي أن عليًا قال: سألت، وجمع ابن حبان بأن عليًا أمر عمارًا أن يسأل، ثم أمر المقداد بذلك، ثم سأل بنفسه.
قال الحافظ: وهو جمع جيد إلا آخره لأنه مغاير لقوله.

( قَالَ: عَلِيٌّ فَإِنَّ عِنْدِي ابْنَةَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَنَا أَسْتَحِي أَنْ أَسْأَلَهُ) وللبخاري: فاستحيت أن أسأل لمكان ابنته، ولمسلم من أجل فاطمة.
قال الحافظ: فتعين حمله على المجاز بأن بعض الرواة أطلق أنه سأل لكونه الآمر بذلك، وبهذا جزم الإسماعيلي ثم النووي، ويؤيد أنه أمر كلاً من المقداد وعمار بالسؤال ما رواه عبد الرزاق عن عائش بن أنس قال: تذاكر علي والمقداد وعمار المذي فقال علي: إنني رجل مذاء فاسألا عن ذلك النبي صلى الله عليه وسلم، فسأله أحد الرجلين، وصحح ابن بشكوال أن المقداد هو الذي تولى السؤال وعليه فنسبته إلى عمار مجاز أيضًا لكونه قصده، لكن تولى المقداد السؤال دون عمار.

( قَالَ الْمِقْدَادُ: فَسَأَلْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ ذَلِكَ فَقَالَ إِذَا وَجَدَ ذَلِكَ أَحَدُكُمْ فَلْيَنْضَحْ) كذا ليحيى، ورواه ابن وهب والقعنبي وابن بكير فليغسل والنضح: لغة الرش والغسل فرواية يحيى مجملة يفسرها رواية غيره قاله أبو عمر أي يغسل ( فَرْجَهُ بِالْمَاءِ) أي يتعين فيه الماء دون الأحجار لأن ظاهره تعين الغسل والمعين لا يقع الامتثال إلا به قاله ابن دقيق العيد وهو مذهب مالك.

قال ابن عبد البر: وليس في أحاديث المذي على كثرتها ذكر الاستجمار، وصححه النووي في شرح مسلم، وصحح في باقي كتبه جواز الأحجار إلحاقًا له بالبول وحمل الأمر بالماء على الاستحباب أو على أنه خرج مخرج الغالب، وفيه أيضًا وجوب غسله كله عملاً بالحقيقة لا محل المخرج فقط كالبول، وقد رد الباجي إلحاقه بالبول بأنه يخرج من الذكر بلذة فوجب به غسل يزيد على ما يجب بالبول كالمني.

قال في النهاية: يرد النضح بمعنى الغسل والإزالة وأصله الرشح ويطلق على الرش، وضبطه النووي بكسر الضاد واتفق في بعض مجالس الحديث أن أبا حيان قرأه بفتح الضاد فقال له السراج الدمنهوري: ضبطه النووي بالكسر، فقال أبو حيان: حق النووي أن يستفيد هذا مني وما قلته هو القياس.
قال الزركشي: وكلام الجوهري يشهد للنووي، لكن نقل عن صاحب الجامع أن الكسر لغة وأن الأفصح الفتح.

( وَلْيَتَوَضَّأْ وُضُوءَهُ لِلصَّلَاةِ) أي كما يتوضأ إذا قام لها لا أنه يجب الوضوء بمجرد خروجه كما قال به قوم، ورد عليهم الطحاوي بما رواه عن علي قال: سئل النبي صلى الله عليه وسلم عن المذي؟ فقال: فيه الوضوء وفي المني الغسل فعرف أنه كالبول وغيره من نواقض الوضوء لا يوجب الوضوء بمجرده.

قال الرافعي: وفي قوله وضوءه للصلاة قطع احتمال حمل التوضي على الوضاءة الحاصلة بغسل الفرج، فإن غسل العضو الواحد قد يسمى وضوءًا كما ورد أن الوضوء قبل الطعام ينفي الفقر والمراد غسل اليد وفي رواية للشيخين توضأ واغسل ذكرك والمعنى واحد فيجوز تقديم غسله على الوضوء وهو أولى وتقديم الوضوء على غسله، لكن من يقول بنقض الوضوء بمس الذكر يشترط أن يكون ذلك بلا حائل، واستدل به على قبول خبر الواحد وعلى جواز الاعتماد على الظن مع القدرة على المقطوع به، وفيهما نظر لأن السؤال كان بحضرة علي روى النسائي عنه فقلت لرجل جالس إلى جنبي: سله فسأله وقد أطبق أصحاب الأطراف والمسانيد على إيراد هذا الحديث في مسند علي، ولو حملوه على أنه لم يحضر لأوردوه في مسند المقداد، ثم لو صح أن السؤال كان في غيبة علي لم يكن دليلاً على المدعي لاحتمال وجود القرائن التي تحف الخبر فترقيه عن الظن إلى القطع قاله عياض.

وقال ابن دقيق العيد: المراد بالاستدلال به على قبول خبر الواحد مع كونه خبر واحد أنه صورة من الصور التي تدل وهي كثيرة تقوم الحجة بجملتها لا بفرد معين منها وفيه جواز الاستنابة في الاستفتاء وفيه ما كان عليه الصحابة من حفظ حرمة النبي صلى الله عليه وسلم وتوقيره واستعمال الأدب في ترك المواجهة بما يستحيا منه عرفًا وحسن العشرة مع الأصهار وترك ذكر ما يتعلق بجماع المرأة ونحوه بحضرة أقاربها، واستدل به البخاري لمن استحى فأمر غيره بالسؤال لأن فيه جمعًا بين المصلحتين استعمال الحياء وعدم التفريط في معرفة الحكم.

( مَالِكٍ عَنْ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ عَنْ أَبِيهِ) أسلم العدوي مولى عمر ثقة مخضرم، روى عن مولاه وأبي بكر وعثمان ومعاذ وغيرهم، وعنه ابنه ونافع والقاسم بن محمد، وروى ابن منده عن عبد الرحمن بن زيد بن أسلم عن أبيه عن جده أنه سافر مع النبي صلى الله عليه وسلم سفرتين.

قال في الإصابة: والمعروف أن عمر اشترى أسلم بعد وفاة النبي صلى الله عليه وسلم ذكره ابن إسحاق وغيره، وقال ابنه زيد: مات أسلم وهو ابن أربع عشرة ومائة سنة، وصلى عليه مروان بن الحكم.

( أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ قَالَ: إِنِّي لَأَجِدُهُ يَنْحَدِرُ مِنِّي مِثْلَ الْخُرَيْزَةِ) بخاء معجمة ثم راء فتحتية فزاي منقوطة تصغير خرزة بفتحتين الجوهرة، وفي رواية مثل الجمانة بضم الجيم وهي اللؤلؤة ( فَإِذَا وَجَدَ ذَلِكَ أَحَدُكُمْ فَلْيَغْسِلْ ذَكَرَهُ وَلْيَتَوَضَّأْ وُضُوءَهُ لِلصَّلَاةِ) قال الباجي: يريد إذا وجده على غير هذا الوجه، ويحتمل أنه خصهم بهذا الحكم وإن كان هو غير داخل فيه إذا كان خروجه منه على غير وجه اللذة، ويحتمل أنه أمرهم وحكمه حكمهم.
وقال ابن عبد البر روي أن عمر قال: إني لأجده ينحدر مني مثل الجمان فما ألتفت إليه ولا أباليه، وهذا يدل على أنه استنكحه ذلك.

( يَعْنِي الْمَذْيَ) بيان للضمير في قوله إني لأجده.

( مَالِكٍ عَنْ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ عَنْ جُنْدُبٍ) بضم الجيم وسكون النون وبفتح الدال وتضم ( مَوْلَى عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَيَّاشٍ) بتحتية ومعجمة ابن أبي ربيعة المخزومي قال ابن الحذاء، لم يذكره البخاري.

( أَنَّهُ قَالَ: سَأَلْتُ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عُمَرَ عَنِ الْمَذْيِ؟ فَقَالَ: إِذَا وَجَدْتَهُ فَاغْسِلْ فَرْجَكَ وَتَوَضَّأْ وُضُوءَكَ لِلصَّلَاةِ) .
واستدل بهذا كالحديث على وجوب الوضوء على من به سلس المذي للأمر بالوضوء لمن قال كنت مذاء بصيغة المبالغة الدالة على الكثرة، وتعقبه ابن دقيق العيد بأن الكثرة هنا ناشئة عن غلبة الشهوة مع صحة الجسد بخلاف صاحب السلس فإنه ينشأ عن علة في الجسد.
وقال ابن عبد البر، عن المغيرة بن عبد الرحمن: كان يخرج مني المذي فربما توضأت المرتين والثلاث فجئت القاسم بن محمد فقال: إنما ذلك من الشيطان فاله عنه فلهوت عنه فانقطع مني، وترجم مالك إثر هذا الباب.



رقم الحديث 86 وَحَدَّثَنِي عَنْ مَالِكٍ، عَنْ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ، عَنْ جُنْدُبٍ مَوْلَى عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَيَّاشٍ، أَنَّهُ قَالَ سَأَلْتُ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عُمَرَ عَنِ الْمَذْيِ، فَقَالَ: إِذَا وَجَدْتَهُ فَاغْسِلْ فَرْجَكَ، وَتَوَضَّأْ وُضُوءَكَ لِلصَّلَاةِ.


( مَالِكٍ عَنْ أَبِي النَّضْرِ) بالضاد المعجمة سالم بن أبي أمية القرشي مولاهم المدني ثقة ثبت من رجال الجميع وكان يرسل، روى عن أنس والسائب بن يزيد وغيرهما وعنه الليث والسفيانان ومالك وجماعة، مات سنة تسع وعشرين ومائة.
( مَوْلَى عُمَرَ بْنِ عُبَيْدِ اللَّهِ) بضم العين ابن معمر بن عثمان بن عمرو بن سعد بن تيم بن مرة القرشي التيمي كان أحد وجوه قريش وأشرافها جوادًا ممدحًا شجاعًا له في الجود والشجاعة أخبار شهيرة، مات بدمشق سنة اثنين وثمانين، وجده معمر صحابي ابن عم أبي قحافة والد الصديق.

( عَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ يَسَارٍ) الهلالي المدني مولى ميمونة، وقيل أم سلمة ثقة فاضل كثير الحديث أحد الفقهاء السبعة بالمدينة وعلمائها وصلحائها، مات سنة أربع ومائة، وقيل سنة سبع، وقيل سنة مائة، وقيل قبلها سنة أربع وتسعين عن ثلاث وسبعين سنة.

( عَنِ الْمِقْدَادِ بْنِ الْأَسْوَدِ) بن عبد يغوث الزهري تبناه وهو صغير فعرف به، وهو المقداد بن عمرو بن ثعلبة البهراني بفتح الموحدة والراء قبيلة من قضاعة ثم الكندي حالف أبوه كندة ثم الزهري صحابي مشهور من السابقين، شهد المشاهد كلها وكان فارسًا يوم بدر ولم يثبت أنه شهدها فارس غيره، روى عنه علي وابن مسعود وابن عباس وجماعة، مات سنة ثلاث وثلاثين اتفاقًا وهو ابن سبعين سنة.
وفي الإسناد انقطاع سقط منه ابن عباس لأن سليمان بن يسار لم يسمع المقداد لأنه ولد سنة أربع وثلاثين بعد موت المقداد بسنة، وقد أخرجه مسلم والنسائي من طريق ابن وهب عن مخرمة بن بكير عن أبيه عن سليمان بن يسار عن ابن عباس.

( أَنَّ عَلِيَّ بْنَ أَبِي طَالِبٍ أَمَرَهُ أَنْ يَسْأَلَ لَهُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنِ الرَّجُلِ إِذَا دَنَا) قرب ( مِنْ أَهْلِهِ) حليلته ( فَخَرَجَ مِنْهُ الْمَذْيُ مَاذَا عَلَيْهِ؟) وذكر أبو داود والنسائي وابن خزيمة سبب السؤال من طريق أخرى عن علي قال: كنت رجلاً مذاء فجعلت أغتسل منه في الشتاء حتى تشقق ظهري، وفي الصحيحين عن ابن الحنفية عن علي فأمرت المقداد أن يسأل، وكذا لمسلم عن ابن عباس عنه، وللنسائي أن عليًا أمر عمارًا أن يسأل، ولابن حبان والإسماعيلي أن عليًا قال: سألت، وجمع ابن حبان بأن عليًا أمر عمارًا أن يسأل، ثم أمر المقداد بذلك، ثم سأل بنفسه.
قال الحافظ: وهو جمع جيد إلا آخره لأنه مغاير لقوله.

( قَالَ: عَلِيٌّ فَإِنَّ عِنْدِي ابْنَةَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَنَا أَسْتَحِي أَنْ أَسْأَلَهُ) وللبخاري: فاستحيت أن أسأل لمكان ابنته، ولمسلم من أجل فاطمة.
قال الحافظ: فتعين حمله على المجاز بأن بعض الرواة أطلق أنه سأل لكونه الآمر بذلك، وبهذا جزم الإسماعيلي ثم النووي، ويؤيد أنه أمر كلاً من المقداد وعمار بالسؤال ما رواه عبد الرزاق عن عائش بن أنس قال: تذاكر علي والمقداد وعمار المذي فقال علي: إنني رجل مذاء فاسألا عن ذلك النبي صلى الله عليه وسلم، فسأله أحد الرجلين، وصحح ابن بشكوال أن المقداد هو الذي تولى السؤال وعليه فنسبته إلى عمار مجاز أيضًا لكونه قصده، لكن تولى المقداد السؤال دون عمار.

( قَالَ الْمِقْدَادُ: فَسَأَلْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ ذَلِكَ فَقَالَ إِذَا وَجَدَ ذَلِكَ أَحَدُكُمْ فَلْيَنْضَحْ) كذا ليحيى، ورواه ابن وهب والقعنبي وابن بكير فليغسل والنضح: لغة الرش والغسل فرواية يحيى مجملة يفسرها رواية غيره قاله أبو عمر أي يغسل ( فَرْجَهُ بِالْمَاءِ) أي يتعين فيه الماء دون الأحجار لأن ظاهره تعين الغسل والمعين لا يقع الامتثال إلا به قاله ابن دقيق العيد وهو مذهب مالك.

قال ابن عبد البر: وليس في أحاديث المذي على كثرتها ذكر الاستجمار، وصححه النووي في شرح مسلم، وصحح في باقي كتبه جواز الأحجار إلحاقًا له بالبول وحمل الأمر بالماء على الاستحباب أو على أنه خرج مخرج الغالب، وفيه أيضًا وجوب غسله كله عملاً بالحقيقة لا محل المخرج فقط كالبول، وقد رد الباجي إلحاقه بالبول بأنه يخرج من الذكر بلذة فوجب به غسل يزيد على ما يجب بالبول كالمني.

قال في النهاية: يرد النضح بمعنى الغسل والإزالة وأصله الرشح ويطلق على الرش، وضبطه النووي بكسر الضاد واتفق في بعض مجالس الحديث أن أبا حيان قرأه بفتح الضاد فقال له السراج الدمنهوري: ضبطه النووي بالكسر، فقال أبو حيان: حق النووي أن يستفيد هذا مني وما قلته هو القياس.
قال الزركشي: وكلام الجوهري يشهد للنووي، لكن نقل عن صاحب الجامع أن الكسر لغة وأن الأفصح الفتح.

( وَلْيَتَوَضَّأْ وُضُوءَهُ لِلصَّلَاةِ) أي كما يتوضأ إذا قام لها لا أنه يجب الوضوء بمجرد خروجه كما قال به قوم، ورد عليهم الطحاوي بما رواه عن علي قال: سئل النبي صلى الله عليه وسلم عن المذي؟ فقال: فيه الوضوء وفي المني الغسل فعرف أنه كالبول وغيره من نواقض الوضوء لا يوجب الوضوء بمجرده.

قال الرافعي: وفي قوله وضوءه للصلاة قطع احتمال حمل التوضي على الوضاءة الحاصلة بغسل الفرج، فإن غسل العضو الواحد قد يسمى وضوءًا كما ورد أن الوضوء قبل الطعام ينفي الفقر والمراد غسل اليد وفي رواية للشيخين توضأ واغسل ذكرك والمعنى واحد فيجوز تقديم غسله على الوضوء وهو أولى وتقديم الوضوء على غسله، لكن من يقول بنقض الوضوء بمس الذكر يشترط أن يكون ذلك بلا حائل، واستدل به على قبول خبر الواحد وعلى جواز الاعتماد على الظن مع القدرة على المقطوع به، وفيهما نظر لأن السؤال كان بحضرة علي روى النسائي عنه فقلت لرجل جالس إلى جنبي: سله فسأله وقد أطبق أصحاب الأطراف والمسانيد على إيراد هذا الحديث في مسند علي، ولو حملوه على أنه لم يحضر لأوردوه في مسند المقداد، ثم لو صح أن السؤال كان في غيبة علي لم يكن دليلاً على المدعي لاحتمال وجود القرائن التي تحف الخبر فترقيه عن الظن إلى القطع قاله عياض.

وقال ابن دقيق العيد: المراد بالاستدلال به على قبول خبر الواحد مع كونه خبر واحد أنه صورة من الصور التي تدل وهي كثيرة تقوم الحجة بجملتها لا بفرد معين منها وفيه جواز الاستنابة في الاستفتاء وفيه ما كان عليه الصحابة من حفظ حرمة النبي صلى الله عليه وسلم وتوقيره واستعمال الأدب في ترك المواجهة بما يستحيا منه عرفًا وحسن العشرة مع الأصهار وترك ذكر ما يتعلق بجماع المرأة ونحوه بحضرة أقاربها، واستدل به البخاري لمن استحى فأمر غيره بالسؤال لأن فيه جمعًا بين المصلحتين استعمال الحياء وعدم التفريط في معرفة الحكم.

( مَالِكٍ عَنْ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ عَنْ أَبِيهِ) أسلم العدوي مولى عمر ثقة مخضرم، روى عن مولاه وأبي بكر وعثمان ومعاذ وغيرهم، وعنه ابنه ونافع والقاسم بن محمد، وروى ابن منده عن عبد الرحمن بن زيد بن أسلم عن أبيه عن جده أنه سافر مع النبي صلى الله عليه وسلم سفرتين.

قال في الإصابة: والمعروف أن عمر اشترى أسلم بعد وفاة النبي صلى الله عليه وسلم ذكره ابن إسحاق وغيره، وقال ابنه زيد: مات أسلم وهو ابن أربع عشرة ومائة سنة، وصلى عليه مروان بن الحكم.

( أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ قَالَ: إِنِّي لَأَجِدُهُ يَنْحَدِرُ مِنِّي مِثْلَ الْخُرَيْزَةِ) بخاء معجمة ثم راء فتحتية فزاي منقوطة تصغير خرزة بفتحتين الجوهرة، وفي رواية مثل الجمانة بضم الجيم وهي اللؤلؤة ( فَإِذَا وَجَدَ ذَلِكَ أَحَدُكُمْ فَلْيَغْسِلْ ذَكَرَهُ وَلْيَتَوَضَّأْ وُضُوءَهُ لِلصَّلَاةِ) قال الباجي: يريد إذا وجده على غير هذا الوجه، ويحتمل أنه خصهم بهذا الحكم وإن كان هو غير داخل فيه إذا كان خروجه منه على غير وجه اللذة، ويحتمل أنه أمرهم وحكمه حكمهم.
وقال ابن عبد البر روي أن عمر قال: إني لأجده ينحدر مني مثل الجمان فما ألتفت إليه ولا أباليه، وهذا يدل على أنه استنكحه ذلك.

( يَعْنِي الْمَذْيَ) بيان للضمير في قوله إني لأجده.

( مَالِكٍ عَنْ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ عَنْ جُنْدُبٍ) بضم الجيم وسكون النون وبفتح الدال وتضم ( مَوْلَى عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَيَّاشٍ) بتحتية ومعجمة ابن أبي ربيعة المخزومي قال ابن الحذاء، لم يذكره البخاري.

( أَنَّهُ قَالَ: سَأَلْتُ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عُمَرَ عَنِ الْمَذْيِ؟ فَقَالَ: إِذَا وَجَدْتَهُ فَاغْسِلْ فَرْجَكَ وَتَوَضَّأْ وُضُوءَكَ لِلصَّلَاةِ) .
واستدل بهذا كالحديث على وجوب الوضوء على من به سلس المذي للأمر بالوضوء لمن قال كنت مذاء بصيغة المبالغة الدالة على الكثرة، وتعقبه ابن دقيق العيد بأن الكثرة هنا ناشئة عن غلبة الشهوة مع صحة الجسد بخلاف صاحب السلس فإنه ينشأ عن علة في الجسد.
وقال ابن عبد البر، عن المغيرة بن عبد الرحمن: كان يخرج مني المذي فربما توضأت المرتين والثلاث فجئت القاسم بن محمد فقال: إنما ذلك من الشيطان فاله عنه فلهوت عنه فانقطع مني، وترجم مالك إثر هذا الباب.