فهرس الكتاب

شرح الزرقاني - بَابُ مَا جَاءَ فِي الْخِطْبَةِ

رقم الحديث 1100 حَدَّثَنِي يَحْيَى، عَنْ مَالِكٍ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ يَحْيَى بْنِ حَبَّانَ، عَنِ الْأَعْرَجِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: لَا يَخْطُبُ أَحَدُكُمْ عَلَى خِطْبَةِ أَخِيهِ.


(مالك عن محمد بن يحيى بن حبان) بفتح المهملة وشدّ الموحدة ابن منقذ بالقاف والمعجمة الأنصاري المدني ثقة فقيه مات سنة إحدى وعشرين ومائة وهو ابن أربع وسبعين سنة (عن الأعرج) عبد الرحمن بن هرمز (عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لا يخطب أحدكم على خطبة أخيه) برفع يخطب خبر بمعنى النهي وهو أبلغ من صريح النهي.
قال عياض وغيره المنع إنما هو بعد الركون لحديث فاطمة بنت قيس حين أخبرت أنه خطبها ثلاثة فلم ينكر دخول بعضهم على بعض، ويأتي تفسير الركون قال الخطابي وفي قوله أخيه دليل أن الأول مسلم فإن كان يهوديًا أو نصرانيًا لم يمنع، وإليه ذهب الأوزاعي والجمهور على خلافه وأجابوا بأن ذكر الأخ جرى على الغالب ولأنه أسرع امتثالاً والمعنى في ذلك ما فيه من الإيذاء والتقاطع.

(مالك عن نافع عن عبد الله بن عمر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لا يخطب أحدكم على خطبة أخيه) المسلم وكذا الذمي زاد ابن جريج عن نافع عن ابن عمر حتى يترك الخاطب قبله أو يأذن له الخاطب الأول رواه البخاري قال ابن القاسم النهي إنما هو في غير الفاسق أما الفاسق فيخطب على خطبته قال عياض: لا ينبغي أن يختلف فيه انتهى والفرق أنه لا يقرّ على فسقه بخلاف الذمي وقد تابع مالكًا ابن جريج في البخاري والليث وعبيد الله وزاد إلا أن يأذن وأيوب ثلاثتهم عند مسلم الأربعة عن نافع.

(قال مالك وتفسير قول رسول الله صلى الله عليه وسلم فيما نرى) بضم النون نظن (والله أعلم) بما أراد (لا يخطب أحدكم على خطبة أخيه أن يخطب الرجل المرأة فتركن إليه ويتفقان) بالنون استئناف وفي نسخ بحذفها عطف على يخطب (على صداق واحد معلوم وقد تراضيا) على ذلك (فهي تشترط عليه لنفسها) وولي المجبرة مثلها في هذا (فتلك التي نهى) صلى الله عليه وسلم (أن يخطبها الرجل على خطبة أخيه ولم يعن) لم يرد (بذلك إذا خطب الرجل المرأة فلم يوافقها أمره ولم تركن إليه أن لا يخطبها أحد فهذا باب فساد يدخل على الناس) لو أريد ذلك لما فيه من الضيق المرفوع من الدين.
وقال عياض: اختلف في أن الركون الرضا بالزوج أو تسمية الصداق.
وقال الشافعي: إنما النهي إذا أذنت لولي العقد أن يعقد لرجل معين، ولا خلاف أن الخاطب بعد الركون عاص، واختلف إذا وقع العقد في صورة النهي هل يفسخ العقد أم لا؟ وقال الشافعي والكوفيون: يمضي العقد لأن النهي ليس عندهم للوجوب أي للكراهة أو الحظر، والقولان لمالك وله ثالث يفسخ قبل البناء حكاها أبو عمر قال: والمشهور أنه يفسخ قبل البناء ويثبت بعده.

(مالك عن عبد الرحمن بن القاسم عن أبيه) القاسم بن محمد بن الصدّيق (أنه كان يقول في قول الله تبارك وتعالى { { وَلاَ جُنَاحَ عَلَيْكُمْ فِيمَا عَرَّضْتُمْ } } لوحتم { { بِهِ مِنْ خِطْبَةِ النِّسَاءِ } } في عدة غير رجعية { { أَوْ أَكْنَنْتُمْ } } أضمرتم { { فِي أَنْفُسِكُمْ } } من قصد نكاحهن فلم تذكروه بألسنتكم لا معرضين ولا مصرحين { { عَلِمَ اللَّهُ أَنَّكُمْ سَتَذْكُرُونَهُنَّ } } أي بالخطبة ولا تصبرون عنهن فأباح لكم التعريض { { وَلَكِن لاَّ تُوَاعِدُوهُنَّ سِرًّا إِلاَّ أَن تَقُولُوا قَوْلا مَّعْرُوفًا } } أي ما عرف شرعًا من التعريض فلكم ذلك والسر النكاح قال الشاعر:

لقد زعمت بسباسة اليوم أنني
كبرت وأن لا يحسن السر أمثالي

فالتعريض (أن يقول الرجل للمرأة وهي في عدتها من وفاة زوجها) وكذا من طلاقه البائن لا الرجعي فيحرم فيها التعريض إجماعًا حكاه القرطبي (إنك علي لكريمة) نفيسة عزيزة جمعها كريمات وكرائم (وإني فيك لراغب) أي مريد وكان تعريضًا لأن الرغبة لا تتعين في النكاح فلا يكون صريحًا حتى يصرح بمتعلق الرغبة كأن يقول راغب في نكاحك (وإن الله لسائق إليك خيرًا ورزقًا ونحو هذا من القول) الذي لا تصريح فيه، كإذا حللت فآذنيني ومن يجد مثلك.
وفي مسلم أنه صلى الله عليه وسلم قال لفاطمة بنت قيس، إذا حللت فآذنيني.
وفي البخاري عن ابن عباس في التعريض أن يقول: إني أريد التزوج ولوددت أن يتيسر لي امرأة صالحة انتهى، والله تعالى أعلم.



رقم الحديث 1101 وَحَدَّثَنِي عَنْ مَالِكٍ عَنْ نَافِعٍ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: لَا يَخْطُبُ أَحَدُكُمْ عَلَى خِطْبَةِ أَخِيهِ قَالَ مَالِكٌ: وَتَفْسِيرُ قَوْلِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِيمَا نُرَى، وَاللَّهُ أَعْلَمُ، لَا يَخْطُبُ أَحَدُكُمْ عَلَى خِطْبَةِ أَخِيهِ.
أَنْ يَخْطُبَ الرَّجُلُ الْمَرْأَةَ.
فَتَرْكَنَ إِلَيْهِ.
وَيَتَّفِقَانِ عَلَى صَدَاقٍ وَاحِدٍ مَعْلُومٍ، وَقَدْ تَرَاضَيَا.
فَهِيَ تَشْتَرِطُ عَلَيْهِ لِنَفْسِهَا.
فَتِلْكَ الَّتِي نَهَى أَنْ يَخْطُبَهَا الرَّجُلُ عَلَى خِطْبَةِ أَخِيهِ.
وَلَمْ يَعْنِ بِذَلِكَ، إِذَا خَطَبَ الرَّجُلُ الْمَرْأَةَ فَلَمْ يُوَافِقْهَا أَمْرُهُ، وَلَمْ تَرْكَنْ إِلَيْهِ، أَنْ لَا يَخْطُبَهَا أَحَدٌ.
فَهَذَا بَابُ فَسَادٍ يَدْخُلُ عَلَى النَّاسِ.


(مالك عن محمد بن يحيى بن حبان) بفتح المهملة وشدّ الموحدة ابن منقذ بالقاف والمعجمة الأنصاري المدني ثقة فقيه مات سنة إحدى وعشرين ومائة وهو ابن أربع وسبعين سنة (عن الأعرج) عبد الرحمن بن هرمز (عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لا يخطب أحدكم على خطبة أخيه) برفع يخطب خبر بمعنى النهي وهو أبلغ من صريح النهي.
قال عياض وغيره المنع إنما هو بعد الركون لحديث فاطمة بنت قيس حين أخبرت أنه خطبها ثلاثة فلم ينكر دخول بعضهم على بعض، ويأتي تفسير الركون قال الخطابي وفي قوله أخيه دليل أن الأول مسلم فإن كان يهوديًا أو نصرانيًا لم يمنع، وإليه ذهب الأوزاعي والجمهور على خلافه وأجابوا بأن ذكر الأخ جرى على الغالب ولأنه أسرع امتثالاً والمعنى في ذلك ما فيه من الإيذاء والتقاطع.

(مالك عن نافع عن عبد الله بن عمر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لا يخطب أحدكم على خطبة أخيه) المسلم وكذا الذمي زاد ابن جريج عن نافع عن ابن عمر حتى يترك الخاطب قبله أو يأذن له الخاطب الأول رواه البخاري قال ابن القاسم النهي إنما هو في غير الفاسق أما الفاسق فيخطب على خطبته قال عياض: لا ينبغي أن يختلف فيه انتهى والفرق أنه لا يقرّ على فسقه بخلاف الذمي وقد تابع مالكًا ابن جريج في البخاري والليث وعبيد الله وزاد إلا أن يأذن وأيوب ثلاثتهم عند مسلم الأربعة عن نافع.

(قال مالك وتفسير قول رسول الله صلى الله عليه وسلم فيما نرى) بضم النون نظن (والله أعلم) بما أراد (لا يخطب أحدكم على خطبة أخيه أن يخطب الرجل المرأة فتركن إليه ويتفقان) بالنون استئناف وفي نسخ بحذفها عطف على يخطب (على صداق واحد معلوم وقد تراضيا) على ذلك (فهي تشترط عليه لنفسها) وولي المجبرة مثلها في هذا (فتلك التي نهى) صلى الله عليه وسلم (أن يخطبها الرجل على خطبة أخيه ولم يعن) لم يرد (بذلك إذا خطب الرجل المرأة فلم يوافقها أمره ولم تركن إليه أن لا يخطبها أحد فهذا باب فساد يدخل على الناس) لو أريد ذلك لما فيه من الضيق المرفوع من الدين.
وقال عياض: اختلف في أن الركون الرضا بالزوج أو تسمية الصداق.
وقال الشافعي: إنما النهي إذا أذنت لولي العقد أن يعقد لرجل معين، ولا خلاف أن الخاطب بعد الركون عاص، واختلف إذا وقع العقد في صورة النهي هل يفسخ العقد أم لا؟ وقال الشافعي والكوفيون: يمضي العقد لأن النهي ليس عندهم للوجوب أي للكراهة أو الحظر، والقولان لمالك وله ثالث يفسخ قبل البناء حكاها أبو عمر قال: والمشهور أنه يفسخ قبل البناء ويثبت بعده.

(مالك عن عبد الرحمن بن القاسم عن أبيه) القاسم بن محمد بن الصدّيق (أنه كان يقول في قول الله تبارك وتعالى { { وَلاَ جُنَاحَ عَلَيْكُمْ فِيمَا عَرَّضْتُمْ } } لوحتم { { بِهِ مِنْ خِطْبَةِ النِّسَاءِ } } في عدة غير رجعية { { أَوْ أَكْنَنْتُمْ } } أضمرتم { { فِي أَنْفُسِكُمْ } } من قصد نكاحهن فلم تذكروه بألسنتكم لا معرضين ولا مصرحين { { عَلِمَ اللَّهُ أَنَّكُمْ سَتَذْكُرُونَهُنَّ } } أي بالخطبة ولا تصبرون عنهن فأباح لكم التعريض { { وَلَكِن لاَّ تُوَاعِدُوهُنَّ سِرًّا إِلاَّ أَن تَقُولُوا قَوْلا مَّعْرُوفًا } } أي ما عرف شرعًا من التعريض فلكم ذلك والسر النكاح قال الشاعر:

لقد زعمت بسباسة اليوم أنني
كبرت وأن لا يحسن السر أمثالي

فالتعريض (أن يقول الرجل للمرأة وهي في عدتها من وفاة زوجها) وكذا من طلاقه البائن لا الرجعي فيحرم فيها التعريض إجماعًا حكاه القرطبي (إنك علي لكريمة) نفيسة عزيزة جمعها كريمات وكرائم (وإني فيك لراغب) أي مريد وكان تعريضًا لأن الرغبة لا تتعين في النكاح فلا يكون صريحًا حتى يصرح بمتعلق الرغبة كأن يقول راغب في نكاحك (وإن الله لسائق إليك خيرًا ورزقًا ونحو هذا من القول) الذي لا تصريح فيه، كإذا حللت فآذنيني ومن يجد مثلك.
وفي مسلم أنه صلى الله عليه وسلم قال لفاطمة بنت قيس، إذا حللت فآذنيني.
وفي البخاري عن ابن عباس في التعريض أن يقول: إني أريد التزوج ولوددت أن يتيسر لي امرأة صالحة انتهى، والله تعالى أعلم.



رقم الحديث 1102 وَحَدَّثَنِي عَنْ مَالِكٍ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ الْقَاسِمِ، عَنْ أَبِيهِ أَنَّهُ كَانَ يَقُولُ فِي قَوْلِ اللَّهِ تَبَارَكَ وَتَعَالَى { { ولَا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ فِيمَا عَرَّضْتُمْ بِهِ مِنْ خِطْبَةِ النِّسَاءِ أَوْ أَكْنَنْتُمْ فِي أَنْفُسِكُمْ عَلِمَ اللَّهُ أَنَّكُمْ سَتَذْكُرُونَهُنَّ وَلَكِنْ لَا تُوَاعِدُوهُنَّ سِرًّا إِلَّا أَنْ تَقُولُوا قَوْلًا مَعْرُوفًا } } أَنْ يَقُولَ الرَّجُلُ لِلْمَرْأَةِ، وَهِيَ فِي عِدَّتِهَا مِنْ وَفَاةِ زَوْجِهَا إِنَّكِ عَلَيَّ لَكَرِيمَةٌ وَإِنِّي فِيكِ لَرَاغِبٌ، وَإِنَّ اللَّهَ لَسَائِقٌ إِلَيْكِ خَيْرًا وَرِزْقًا، وَنَحْوَ هَذَا مِنَ الْقَوْلِ.


(مالك عن محمد بن يحيى بن حبان) بفتح المهملة وشدّ الموحدة ابن منقذ بالقاف والمعجمة الأنصاري المدني ثقة فقيه مات سنة إحدى وعشرين ومائة وهو ابن أربع وسبعين سنة (عن الأعرج) عبد الرحمن بن هرمز (عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لا يخطب أحدكم على خطبة أخيه) برفع يخطب خبر بمعنى النهي وهو أبلغ من صريح النهي.
قال عياض وغيره المنع إنما هو بعد الركون لحديث فاطمة بنت قيس حين أخبرت أنه خطبها ثلاثة فلم ينكر دخول بعضهم على بعض، ويأتي تفسير الركون قال الخطابي وفي قوله أخيه دليل أن الأول مسلم فإن كان يهوديًا أو نصرانيًا لم يمنع، وإليه ذهب الأوزاعي والجمهور على خلافه وأجابوا بأن ذكر الأخ جرى على الغالب ولأنه أسرع امتثالاً والمعنى في ذلك ما فيه من الإيذاء والتقاطع.

(مالك عن نافع عن عبد الله بن عمر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لا يخطب أحدكم على خطبة أخيه) المسلم وكذا الذمي زاد ابن جريج عن نافع عن ابن عمر حتى يترك الخاطب قبله أو يأذن له الخاطب الأول رواه البخاري قال ابن القاسم النهي إنما هو في غير الفاسق أما الفاسق فيخطب على خطبته قال عياض: لا ينبغي أن يختلف فيه انتهى والفرق أنه لا يقرّ على فسقه بخلاف الذمي وقد تابع مالكًا ابن جريج في البخاري والليث وعبيد الله وزاد إلا أن يأذن وأيوب ثلاثتهم عند مسلم الأربعة عن نافع.

(قال مالك وتفسير قول رسول الله صلى الله عليه وسلم فيما نرى) بضم النون نظن (والله أعلم) بما أراد (لا يخطب أحدكم على خطبة أخيه أن يخطب الرجل المرأة فتركن إليه ويتفقان) بالنون استئناف وفي نسخ بحذفها عطف على يخطب (على صداق واحد معلوم وقد تراضيا) على ذلك (فهي تشترط عليه لنفسها) وولي المجبرة مثلها في هذا (فتلك التي نهى) صلى الله عليه وسلم (أن يخطبها الرجل على خطبة أخيه ولم يعن) لم يرد (بذلك إذا خطب الرجل المرأة فلم يوافقها أمره ولم تركن إليه أن لا يخطبها أحد فهذا باب فساد يدخل على الناس) لو أريد ذلك لما فيه من الضيق المرفوع من الدين.
وقال عياض: اختلف في أن الركون الرضا بالزوج أو تسمية الصداق.
وقال الشافعي: إنما النهي إذا أذنت لولي العقد أن يعقد لرجل معين، ولا خلاف أن الخاطب بعد الركون عاص، واختلف إذا وقع العقد في صورة النهي هل يفسخ العقد أم لا؟ وقال الشافعي والكوفيون: يمضي العقد لأن النهي ليس عندهم للوجوب أي للكراهة أو الحظر، والقولان لمالك وله ثالث يفسخ قبل البناء حكاها أبو عمر قال: والمشهور أنه يفسخ قبل البناء ويثبت بعده.

(مالك عن عبد الرحمن بن القاسم عن أبيه) القاسم بن محمد بن الصدّيق (أنه كان يقول في قول الله تبارك وتعالى { { وَلاَ جُنَاحَ عَلَيْكُمْ فِيمَا عَرَّضْتُمْ } } لوحتم { { بِهِ مِنْ خِطْبَةِ النِّسَاءِ } } في عدة غير رجعية { { أَوْ أَكْنَنْتُمْ } } أضمرتم { { فِي أَنْفُسِكُمْ } } من قصد نكاحهن فلم تذكروه بألسنتكم لا معرضين ولا مصرحين { { عَلِمَ اللَّهُ أَنَّكُمْ سَتَذْكُرُونَهُنَّ } } أي بالخطبة ولا تصبرون عنهن فأباح لكم التعريض { { وَلَكِن لاَّ تُوَاعِدُوهُنَّ سِرًّا إِلاَّ أَن تَقُولُوا قَوْلا مَّعْرُوفًا } } أي ما عرف شرعًا من التعريض فلكم ذلك والسر النكاح قال الشاعر:

لقد زعمت بسباسة اليوم أنني
كبرت وأن لا يحسن السر أمثالي

فالتعريض (أن يقول الرجل للمرأة وهي في عدتها من وفاة زوجها) وكذا من طلاقه البائن لا الرجعي فيحرم فيها التعريض إجماعًا حكاه القرطبي (إنك علي لكريمة) نفيسة عزيزة جمعها كريمات وكرائم (وإني فيك لراغب) أي مريد وكان تعريضًا لأن الرغبة لا تتعين في النكاح فلا يكون صريحًا حتى يصرح بمتعلق الرغبة كأن يقول راغب في نكاحك (وإن الله لسائق إليك خيرًا ورزقًا ونحو هذا من القول) الذي لا تصريح فيه، كإذا حللت فآذنيني ومن يجد مثلك.
وفي مسلم أنه صلى الله عليه وسلم قال لفاطمة بنت قيس، إذا حللت فآذنيني.
وفي البخاري عن ابن عباس في التعريض أن يقول: إني أريد التزوج ولوددت أن يتيسر لي امرأة صالحة انتهى، والله تعالى أعلم.



رقم الحديث 1102 حَدَّثَنِي يَحْيَى، عَنْ مَالِكٍ أَنَّ أَحْسَنَ مَا سُمِعَ فِي الرَّجُلِ يُضْطَرُّ إِلَى الْمَيْتَةِ، أَنَّهُ يَأْكُلُ مِنْهَا، حَتَّى يَشْبَعَ وَيَتَزَوَّدُ مِنْهَا، فَإِنْ وَجَدَ عَنْهَا غِنًى طَرَحَهَا وَسُئِلَ مَالِكٌ عَنِ الرَّجُلِ يُضْطَرُّ إِلَى الْمَيْتَةِ أَيَأْكُلُ مِنْهَا؟ وَهُوَ يَجِدُ ثَمَرَ الْقَوْمِ، أَوْ زَرْعًا أَوْ غَنَمًا بِمَكَانِهِ ذَلِكَ قَالَ مَالِكٌ: إِنْ ظَنَّ أَنَّ أَهْلَ ذَلِكَ الثَّمَرِ أَوِ الزَّرْعِ أَوِ الْغَنَمِ يُصَدِّقُونَهُ بِضَرُورَتِهِ، حَتَّى لَا يُعَدُّ سَارِقًا فَتُقْطَعَ يَدُهُ، رَأَيْتُ أَنْ يَأْكُلَ مِنْ أَيِّ ذَلِكَ وَجَدَ مَا يَرُدُّ جُوعَهُ، وَلَا يَحْمِلُ مِنْهُ شَيْئًا، وَذَلِكَ أَحَبُّ إِلَيَّ مِنْ أَنْ يَأْكُلَ الْمَيْتَةَ، وَإِنْ هُوَ خَشِيَ أَنْ لَا يُصَدِّقُوهُ، وَأَنْ يُعَدَّ سَارِقًا بِمَا أَصَابَ مِنْ ذَلِكَ، فَإِنَّ أَكْلَ الْمَيْتَةِ خَيْرٌ لَهُ عِنْدِي، وَلَهُ فِي أَكْلِ الْمَيْتَةِ عَلَى هَذَا الْوَجْهِ سَعَةٌ، مَعَ أَنِّي أَخَافُ أَنْ يَعْدُوَ عَادٍ مِمَّنْ لَمْ يُضْطَرَّ إِلَى الْمَيْتَةِ يُرِيدُ اسْتِجَازَةَ أَخْذِ أَمْوَالِ النَّاسِ وَزُرُوعِهِمْ وَثِمَارِهِمْ بِذَلِكَ بِدُونِ اضْطِرَارٍ قَالَ مَالِكٌ وَهَذَا أَحْسَنُ مَا سَمِعْتُ.



( ما جاء فيمن يضطر إلى أكل الميتة)

المباح له أكلها بالنصوص القرآنية.

وحدّ الاضطرار أن يخاف على نفسه الهلاك علمًا أو ظنًا ولا يشترط أن يصير إلى حال يشرف معها على الموت فإن الأكل عند ذلك لا يفيد.
قال العارف ابن أبي جمرة: الحكمة في ذلك أن في الميت سمية شديدة، فلو أكلها ابتداء لأهلكته فشرع له أن يجوع ليصير في بدنه بالجوع سمية هي أشد من سمية الميت، فإذا أكل منها حينئذ لا يتضرر قال في الفتح وهذا إن ثبت حسن بالغ في الحسن.

( مالك أن أحسن ما سمع في الرجل) وصف طردي فالمراد ولو امرأة ( يضطر إلى الميتة أنه يأكل منها حتى يشبع ويتزود منها فإذا وجد عنها غنى طرحها) قال ابن العربي ودليله أن الضرورة ترفع التحريم فيعود مباحًا ومقدار الضرورة إنما هو في حال العدم للقوت إلى حالة وجوده حتى يجد وغير ذلك ضعيف فإنه نص مالك في موطئه الذي ألفه بنظره وأملاه على أصحابه وقرأه عمره كله وقال ابن الماجشون وابن حبيب: يأكل مقدار ما يسد الرمق لأن الإباحة ضرورة فتتقدر بقدر الضرورة قال: ومحل الخلاف إذا كانت المخمصة نادرة وأما إذا كانت دائمة فلا خلاف في جواز الشبع منها انتهى.
واحتج للمقابل وهو قول الشافعي بظاهر قوله تعالى { { فَمَنِ اضْطُرَّ غَيْرَ بَاغٍ وَلاَ عَادٍ } } أي فأكل غير باغ للذة والشهوة ولا متعد مقدار الحاجة وأجيب بأن المراد بالبغي الخروج عن المسلمين وبالتعدي قطع الطريق فلا رخصة له في الميتة إذا اضطر إليها كما قاله مجاهد وسعيد بن جبير وغيرهما.

( وسئل مالك عن الرجل يضطر إلى الميتة أيأكل منها وهو يجد) جملة حالية ( ثمر القوم أو زرعًا أو غنمًا بمكانه ذلك قال مالك إن ظن أن أهل ذلك الثمر) بمثلثة ( أو الزرع أو الغنم يصدقونه بضرورته) أي فيها ( حتى لا يعد سارقًا فتقطع يده رأيت أن يأكل من أي ذلك وجد ما يرد جوعه ولا يحمل منه شيئًا وذلك أحب إلي من أن يأكل الميتة) ويضمن القيمة وقيل لا ضمان عليه ( وإن هو خشي أن لا يصدقوه وأن يعد سارقًا بما أصاب من ذلك فإن أكل الميتة خير له عندي وله في أكل الميتة على هذا الوجه سعة) بفتحتين ( مع أني أخاف) لو أطلقت جواز تقديم طعام الغير على الميتة ( أن يعدو عاد ممن لم يضطر إلى الميتة يريد استجازة) بالزاي ( أخذ أموال الناس وزروعهم وثمارهم بذلك بدون اضطرار وهذا أحسن ما سمعت) يقتضي أنه سمع غيره.