فهرس الكتاب

شرح الزرقاني - بَابُ النَّذْرِ فِي الصِّيَامِ ، وَالصِّيَامِ عَنِ الْمَيِّتِ

رقم الحديث 678 حَدَّثَنِي يَحْيَى، وسَمِعْتُ مَالِكًا يَقُولُ: أَحْسَنُ مَا سَمِعْتُ فِيمَنْ وَجَبَ عَلَيْهِ صِيَامُ شَهْرَيْنِ مُتَتَابِعَيْنِ، فِي قَتْلِ خَطَأٍ أَوْ تَظَاهُرٍ فَعَرَضَ لَهُ مَرَضٌ يَغْلِبُهُ وَيَقْطَعُ عَلَيْهِ صِيَامَهُ، أَنَّهُ إِنْ صَحَّ مِنْ مَرَضِهِ، وَقَوِيَ عَلَى الصِّيَامِ، فَلَيْسَ لَهُ أَنْ يُؤَخِّرَ ذَلِكَ، وَهُوَ يَبْنِي عَلَى مَا قَدْ مَضَى مِنْ صِيَامِهِ، وَكَذَلِكَ الْمَرْأَةُ الَّتِي يَجِبُ عَلَيْهَا الصِّيَامُ فِي قَتْلِ النَّفْسِ خَطَأً.
إِذَا حَاضَتْ بَيْنَ ظَهْرَيْ صِيَامِهَا أَنَّهَا، إِذَا طَهُرَتْ، لَا تُؤَخِّرُ الصِّيَامَ.
وَهِيَ تَبْنِي عَلَى مَا قَدْ صَامَتْ.
وَلَيْسَ لِأَحَدٍ وَجَبَ عَلَيْهِ صِيَامُ شَهْرَيْنِ مُتَتَابِعَيْنِ فِي كِتَابِ اللَّهِ، أَنْ يُفْطِرَ إِلَّا مِنْ عِلَّةٍ: مَرَضٍ أَوْ حَيْضَةٍ.
وَلَيْسَ لَهُ أَنْ يُسَافِرَ فَيُفْطِرَ.
قَالَ مَالِكٍ: وَهَذَا أَحْسَنُ مَا سَمِعْتُ فِي ذَلِكَ.



( صيام الذي يقتل خطأ أو يتظاهر)

( قال يحيى وسمعت مالكًا يقول أحسن ما سمعت فيمن وجب عليه صيام شهرين متتابعين في قتل خطأ) المنصوص على تتابعهما فيه في الكتاب العزيز ( أو تظاهر) من نسائهم كذلك ( فعرض له مرض يغلبه) بحيث لا يستطيع الصيام بعد ما صام بعض الشهرين ( ويقطع عليه صيامه) بالفطر ( أنه إن صح من مرضه) وأتى بقوله ( وقوي على الصيام) لأنه لا يلزم من صحته من المرض قوته ( فليس له أن يؤخر ذلك) أي وصل صومه بما مضى قبل مرضه ( وهو يبني على ما قد مضى من صيامه) جملة حالية فإن لم يبن أخر واستأنف الشهرين لأن الله قيد بالتتابع في القتل والظهار فأبيح له فطر القدر الذي لا يمكن معه الصوم كالمرض فإذا زال وصله فإن أخره انقطع التتابع ( وكذلك المرأة التي يجب عليها الصيام في قتل النفس خطأ) لعدم وجدانها رقبة تعتقها ( إذا حاضت بين ظهري) تثنية ظهر ( صيامها أنها إذا طهرت لا تؤخر الصيام وهي تبني على ما قد صامت) فإن لم تبن استأنفت الشهرين قال أبو عمر لا أعلم خلافًا أن الحائض إذا وصلت قضاء أيام حيضها بصيامها أنه يجزيها وفي المريض خلاف فقال مالك وجماعة كذلك وقال أبو حنيفة وطائفة يستأنف الصيام واختلف فيه قول الشافعي ( وليس لأحد وجب عليه صيام شهرين متتابعين في كتاب الله أن يفطر إلا من علة مرض أو حيضة) بجرهما عطف بيان لعلة أو بدل قال الباجي ويجري النسيان مجرى ذلك لأنه لا يمكن الاحتراز منه ابن زرقون يريد أن يفطر ناسيًا في يوم بيت صومه وأما إن بيت الفطر ناسيًا فلا ( وليس له أن يسافر فيفطر) بل يصوم فإن أفطر استأنف لأنه يمكنه معه الصوم وإن لحقته فيه مشقة قاله الباجي ( قال مالك وهذا أحسن ما سمعت في ذلك) أي ليس له الفطر إن سافر فليس بتكرار مع قوله أولاً أحسن ما سمعت.



رقم الحديث 678 حَدَّثَنِي يَحْيَى، عَنْ مَالِكٍ أَنَّهُ بَلَغهُ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ أَنَّهُ سُئِلَ عَنْ رَجُلٍ نَذَرَ صِيَامَ شَهْرٍ، هَلْ لَهُ أَنْ يَتَطَوَّعَ؟ فَقَالَ سَعِيدٌ لِيَبْدَأْ بِالنَّذْرِ قَبْلَ أَنْ يَتَطَوَّعَ.
قَالَ مَالِكٌ: وَبَلَغَنِي عَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ يَسَارٍ مِثْلُ ذَلِكَ قَالَ مَالِكٌ: مَنْ مَاتَ وَعَلَيْهِ نَذْرٌ مِنْ رَقَبَةٍ يُعْتِقُهَا، أَوْ صِيَامٍ، أَوْ صَدَقَةٍ، أَوْ بَدَنَةٍ، فَأَوْصَى بِأَنْ يُوَفَّى ذَلِكَ عَنْهُ مِنْ مَالِهِ، فَإِنَّ الصَّدَقَةَ وَالْبَدَنَةَ فِي ثُلُثِهِ.
وَهُوَ يُبَدَّى عَلَى مَا سِوَاهُ مِنَ الْوَصَايَا إِلَّا مَا كَانَ مِثْلَهُ.
وَذَلِكَ أَنَّهُ لَيْسَ الْوَاجِبُ عَلَيْهِ مِنَ النُّذُورِ وَغَيْرِهَا، كَهَيْئَةِ مَا يَتَطَوَّعُ بِهِ مِمَّا لَيْسَ بِوَاجِبٍ.
وَإِنَّمَا يُجْعَلُ ذَلِكَ فِي ثُلُثِهِ خَاصَّةً.
دُونَ رَأْسِ مَالِهِ.
لِأَنَّهُ لَوْ جَازَ لَهُ ذَلِكَ فِي رَأْسِ مَالِهِ لَأَخَّرَ الْمُتَوَفَّى مِثْلَ ذَلِكَ مِنَ الْأُمُورِ الْوَاجِبَةِ عَلَيْهِ، حَتَّى إِذَا حَضَرَتْهُ الْوَفَاةُ وَصَارَ الْمَالُ لِوَرَثَتِهِ سَمَّى مِثْلَ هَذِهِ الْأَشْيَاءِ الَّتِي لَمْ يَكُنْ يَتَقَاضَاهَا مِنْهُ مُتَقَاضٍ.
فَلَوْ كَانَ ذَلِكَ جَائِزًا لَهُ، أَخَّرَ هَذِهِ الْأَشْيَاءَ.
حَتَّى إِذَا كَانَ عِنْدَ مَوْتِهِ سَمَّاهَا.
وَعَسَى أَنْ يُحِيطَ بِجَمِيعِ مَالِهِ.
فَلَيْسَ ذَلِكَ لَهُ.


( النَّذْرِ فِي الصِّيَامِ، وَالصِّيَامِ عَنِ الْمَيِّتِ)

( مالك أنه بلغه عن سعيد بن المسيب) بكسر الياء وفتحها ( أنه سئل عن رجل نذر صيام شهر هل له أن يتطوع) قبل صوم نذره ( فقال سعيد ليبدأ بالنذر قبل أن يتطوع) هذا على الاختيار واستحسان البدار إلى ما وجب عليه قبل التطوع قاله أبو عمر ( قال مالك وبلغني عن سليمان بن يسار مثل ذلك) فإن قدم التطوع أساء وصح صومه للتطوع وبقي النذر في ذمته هذا إن كان غير معين فإن كان معينًا لم يجز صوم غيره فيه فإن فعل أثم وعليه قضاء نذره لأنه ترك صومه قادرًا عليه وكان حكمه كغير المعين والنذر يلزم بالقول وإن لم يدخل فيه بخلاف التطوع إنما يلزم بالدخول قاله الباجي ( قال مالك من مات وعليه نذر من رقبة يعتقها أو صيام أو صدقة أو بدنة) البعير ذكرًا كان أو أنثى يهديها ( فأوصى بأن يوفى ذلك عنه من ماله فإن الصدقة والبدنة في ثلثه) لا في رأس ماله ( وهو يبدى) يقدم ( على ما سواه من الوصايا إلا ما كان مثله) فسيان ( وذلك) أي وجه تبدية ذلك ( أنه ليس الواجب عليه من النذور وغيرها كهيئة ما يتطوع به مما ليس بواجب) لنقصه عن الواجب ولو بالنذر ( وإنما يجعل ذلك في ثلثه خاصة دون رأس ماله) خلافًا لقوم قالوا كل واجب عليه في حياته إذا أوصى به فهو في رأس ماله ( لأنه لو جاز له ذلك في رأس ماله لأخر المتوفى) الميت ( مثل ذلك من الأمور الواجبة عليه حتى إذا حضرته الوفاة) أي أسبابها ( وصار المال لورثته سمى مثل هذه الأشياء التي لم يكن يتقاضاها منه متقاض) بل يؤمر بها بدون قضاء ( فلو كان ذلك جائزًا له أخر هذه الأشياء حتى إذا كان عند موته سماها وعسى أن يحيط بجميع ماله فليس ذلك له) لإضراره بالورثة واتهامه على الاعتراف بذلك عند الموت لقصد حرمانهم ( مالك أنه بلغه أن عبد الله بن عمر كان يسأل) بالبناء للمفعول ( هل يصوم أحد عن أحد أو يصلي أحد عن أحد فيقول لا يصوم أحد عن أحد ولا يصلي أحد عن أحد) لأنهما من الأعمال البدنية إجماعًا في الصلاة ولو تطوعًا عن حي أو ميت وفي الصوم عن الحي خلاف حكاه ابن عبد البر وعياض وغيرهما وأما الصوم عن الميت فكذلك عند الجمهور منهم مالك وأبو حنيفة والشافعي في الجديد وأحمد وذهبت طائفة من السلف وأحمد في رواية والشافعي في القديم إلى أنه يستحب لوارثه أن يصوم عنه ويبرأ به الميت ورجحه النووي لحديث الصحيحين عن عائشة مرفوعًا من مات وعليه صيام صام عنه وليه ولحديثهما عن ابن عباس أتت امرأة رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالت إن أمي ماتت وعليها صوم شهر فقال أرأيت لو كان عليها دين أكنت تقضيه قالت نعم قال فدين الله أحق بالقضاء وأجاب الأولون بأن ابن عباس قال لا يصوم أحد عن أحد أخرجه النسائي وقالت عائشة لا تصوموا عن موتاكم وأطعموا عنهم رواه البيهقي وعنده أيضًا أنها سئلت عن امرأة ماتت وعليها صوم فقالت يطعم عنها فلما أفتى ابن عباس وعائشة بخلاف ما روياه دل ذلك على أن العمل على خلافه لأن فتوى الصحابي بخلاف مرويه بمنزلة روايته للناسخ ونسخ الحكم يدل على إخراج المناط عن الاعتبار وفي الاستذكار لم يخالف بفتواه ما رواه إلا لنسخ علمه وهو القياس على الأصل المجمع عليه في الصلاة أي لا يصوم أحد عن أحد انتهى.
ونقل المالكية أن عمل أهل المدينة على خلافه وأما الجواب يحمل الصيام على الإطعام لحديث الترمذي من مات وعليه صيام فليطعم عنه وليه كل يوم مدا مسكينًا فضعيف وأيضًا فالحديث غير ثابت ولو ثبت أمكن الجمع بالحمل على جواز الأمرين فإن من يقول بالصيام يجوز عنده الإطعام أو الحديثان تعارضًا فيرجع إلى قوله تعالى { { وأن ليس للإنسان إلا ما سعى } } وقد أعل حديث ابن عباس بالاضطراب ففي رواية أن السائل امرأة أن أمها ماتت وعليها صوم شهر وفي أخرى وعليها خمسة عشر يومًا وأخرى أن أختي ماتت وعليها صوم شهرين متتابعين وأخرى قال رجل ماتت أمي وعليها صوم شهر ولكن أجيب بأنه ليس اضطرابًا وإنما هو اختلاف يحمل على اختلاف الوقائع لكنه بعيد لاتحاد المخرج فالروايات كلها عن ابن عباس.



رقم الحديث 679 قَالَ يَحْيَى: سَمِعْتُ مَالِكًا يَقُولُ: الْأَمْرُ الَّذِي سَمِعْتُ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ، أَنَّ الْمَرِيضَ إِذَا أَصَابَهُ الْمَرَضُ الَّذِي يَشُقُّ عَلَيْهِ الصِّيَامُ مَعَهُ، وَيُتْعِبُهُ، وَيَبْلُغُ ذَلِكَ مِنْهُ، فَإِنَّ لَهُ أَنْ يُفْطِرَ.
وَكَذَلِكَ الْمَرِيضُ الَّذِي اشْتَدَّ عَلَيْهِ الْقِيَامُ فِي الصَّلَاةِ، وَبَلَغَ مِنْهُ، وَمَا اللَّهُ أَعْلَمُ بِعُذْرِ ذَلِكَ مِنَ الْعَبْدِ، وَمِنْ ذَلِكَ مَا لَا تَبْلُغُ صِفَتُهُ، فَإِذَا بَلَغَ ذَلِكَ، صَلَّى وَهُوَ جَالِسٌ.
وَدِينُ اللَّهِ يُسْرٌ.
وَقَدْ أَرْخَصَ اللَّهُ لِلْمُسَافِرِ، فِي الْفِطْرِ فِي السَّفَرِ.
وَهُوَ أَقْوَى عَلَى الصِّيَامِ مِنَ الْمَرِيضِ.
قَالَ اللَّهُ تَعَالَى فِي كِتَابِهِ { { فَمَنْ كَانَ مِنْكُمْ مَرِيضًا أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ } } فَأَرْخَصَ اللَّهُ لِلْمُسَافِرِ، فِي الْفِطْرِ فِي السَّفَرِ.
وَهُوَ أَقْوَى عَلَى الصَّوْمِ مِنَ الْمَرِيضِ.
فَهَذَا أَحَبُّ مَا سَمِعْتُ إِلَيَّ وَهُوَ الْأَمْرُ الْمُجْتَمَعُ عَلَيْهِ.



( ما يفعل المريض في صيامه)

( قال يحيى سمعت مالكًا يقول الأمر الذي سمعت من أهل العلم أن المريض إذا أصابه المرض الذي يشق عليه الصيام معه ويتعبه ويبلغ ذلك) أي المشقة والإتعاب ( منه فإن له أن يفطر) قال الباجي: قدر المرض المبيح للفطر لا يستطاع أن يقدر بنفسه ولذا قال مالك والله أعلم بقدر ذلك من العبد وقال أبو عمر هذا شيء يؤتمن عليه المسلم فإذا بلغ المريض حالاً لا يقدر معها على الصيام أو تيقن زيادة المرض به حتى يخاف عليه جاز الفطر قال تعالى { { فمن كان منكم مريضًا } } فإذا صح كونه مريضًا صح له الفطر ( وكذلك المريض الذي اشتد عليه القيام في الصلاة وبلغ منه وما) الواو زائدة ( الله أعلم بعذر) بالعين والذال معجمة واحد الأعذار ( ذلك من العبد ومن ذلك ما لا تبلغ صفته فإذا بلغ ذلك صلى وهو جالس) للعذر ( ودين الله يسر) كما قال { { يريد الله بكم اليسر ولا يريد بكم العسر } } والكلام في الفرض فالنافلة يجوز الجلوس فيها بلا عذر ( وقد أرخص الله للمسافر في الفطر في السفر وهو أقوى على الصيام من المريض) هذا من باب الاستدلال بالأولى ( قال الله تعالى في كتابه { { فمن كان منكم مريضًا أو على سفر فعدة } } ) أي فعليه عدد ما أفطر ( { { من أيام أخر } } ) يصومها بدله ( فأرخص الله للمسافر في الفطر في السفر وهو أقوى على الصوم من المريض) قال الباجي هذا احتجاج على من أنكر الفطر للمريض إلا لخوف الهلاك دون المشقة الزائدة وما أعلم أحدًا قاله ولكنه خاف اعتراض معترض فتبرع بالحجة عليه انتهى وبه سقط ما قد يتوهم كيف يستدل بالقياس مع أن المريض منصوص عليه في الآية قبل السفر لكن قد يتأكد قوله ما أعلم أحدًا قاله بقوله ( فهذا أحب ما سمعت إلي) فإنه يشعر بأنه سمع غيره وما أحبه ( وهو الأمر المجتمع عليه) أي بالمدينة وقد حكى ابن عبد البر أنه قيل لا يفطر لخشية زيادة المرض لأنه ظن لا يقين وقد وجب عليه الصيام بيقين فهذا خلاف قول الباجي ما أعلم أحدًا قاله لكنه إنما نفى علمه فلا ينافي أن غيره علمه.



رقم الحديث 679 وَحَدَّثَنِي عَنْ مَالِكٍ أَنَّهُ بَلَغَهُ، أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عُمَرَ كَانَ يُسْأَلُ: هَلْ يَصُومُ أَحَدٌ عَنْ أَحَدٍ أَوْ يُصَلِّي أَحَدٌ عَنْ أَحَدٍ؟ فَيَقُولُ: لَا يَصُومُ أَحَدٌ عَنْ أَحَدٍ وَلَا يُصَلِّي أَحَدٌ عَنْ أَحَدٍ.


( النَّذْرِ فِي الصِّيَامِ، وَالصِّيَامِ عَنِ الْمَيِّتِ)

( مالك أنه بلغه عن سعيد بن المسيب) بكسر الياء وفتحها ( أنه سئل عن رجل نذر صيام شهر هل له أن يتطوع) قبل صوم نذره ( فقال سعيد ليبدأ بالنذر قبل أن يتطوع) هذا على الاختيار واستحسان البدار إلى ما وجب عليه قبل التطوع قاله أبو عمر ( قال مالك وبلغني عن سليمان بن يسار مثل ذلك) فإن قدم التطوع أساء وصح صومه للتطوع وبقي النذر في ذمته هذا إن كان غير معين فإن كان معينًا لم يجز صوم غيره فيه فإن فعل أثم وعليه قضاء نذره لأنه ترك صومه قادرًا عليه وكان حكمه كغير المعين والنذر يلزم بالقول وإن لم يدخل فيه بخلاف التطوع إنما يلزم بالدخول قاله الباجي ( قال مالك من مات وعليه نذر من رقبة يعتقها أو صيام أو صدقة أو بدنة) البعير ذكرًا كان أو أنثى يهديها ( فأوصى بأن يوفى ذلك عنه من ماله فإن الصدقة والبدنة في ثلثه) لا في رأس ماله ( وهو يبدى) يقدم ( على ما سواه من الوصايا إلا ما كان مثله) فسيان ( وذلك) أي وجه تبدية ذلك ( أنه ليس الواجب عليه من النذور وغيرها كهيئة ما يتطوع به مما ليس بواجب) لنقصه عن الواجب ولو بالنذر ( وإنما يجعل ذلك في ثلثه خاصة دون رأس ماله) خلافًا لقوم قالوا كل واجب عليه في حياته إذا أوصى به فهو في رأس ماله ( لأنه لو جاز له ذلك في رأس ماله لأخر المتوفى) الميت ( مثل ذلك من الأمور الواجبة عليه حتى إذا حضرته الوفاة) أي أسبابها ( وصار المال لورثته سمى مثل هذه الأشياء التي لم يكن يتقاضاها منه متقاض) بل يؤمر بها بدون قضاء ( فلو كان ذلك جائزًا له أخر هذه الأشياء حتى إذا كان عند موته سماها وعسى أن يحيط بجميع ماله فليس ذلك له) لإضراره بالورثة واتهامه على الاعتراف بذلك عند الموت لقصد حرمانهم ( مالك أنه بلغه أن عبد الله بن عمر كان يسأل) بالبناء للمفعول ( هل يصوم أحد عن أحد أو يصلي أحد عن أحد فيقول لا يصوم أحد عن أحد ولا يصلي أحد عن أحد) لأنهما من الأعمال البدنية إجماعًا في الصلاة ولو تطوعًا عن حي أو ميت وفي الصوم عن الحي خلاف حكاه ابن عبد البر وعياض وغيرهما وأما الصوم عن الميت فكذلك عند الجمهور منهم مالك وأبو حنيفة والشافعي في الجديد وأحمد وذهبت طائفة من السلف وأحمد في رواية والشافعي في القديم إلى أنه يستحب لوارثه أن يصوم عنه ويبرأ به الميت ورجحه النووي لحديث الصحيحين عن عائشة مرفوعًا من مات وعليه صيام صام عنه وليه ولحديثهما عن ابن عباس أتت امرأة رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالت إن أمي ماتت وعليها صوم شهر فقال أرأيت لو كان عليها دين أكنت تقضيه قالت نعم قال فدين الله أحق بالقضاء وأجاب الأولون بأن ابن عباس قال لا يصوم أحد عن أحد أخرجه النسائي وقالت عائشة لا تصوموا عن موتاكم وأطعموا عنهم رواه البيهقي وعنده أيضًا أنها سئلت عن امرأة ماتت وعليها صوم فقالت يطعم عنها فلما أفتى ابن عباس وعائشة بخلاف ما روياه دل ذلك على أن العمل على خلافه لأن فتوى الصحابي بخلاف مرويه بمنزلة روايته للناسخ ونسخ الحكم يدل على إخراج المناط عن الاعتبار وفي الاستذكار لم يخالف بفتواه ما رواه إلا لنسخ علمه وهو القياس على الأصل المجمع عليه في الصلاة أي لا يصوم أحد عن أحد انتهى.
ونقل المالكية أن عمل أهل المدينة على خلافه وأما الجواب يحمل الصيام على الإطعام لحديث الترمذي من مات وعليه صيام فليطعم عنه وليه كل يوم مدا مسكينًا فضعيف وأيضًا فالحديث غير ثابت ولو ثبت أمكن الجمع بالحمل على جواز الأمرين فإن من يقول بالصيام يجوز عنده الإطعام أو الحديثان تعارضًا فيرجع إلى قوله تعالى { { وأن ليس للإنسان إلا ما سعى } } وقد أعل حديث ابن عباس بالاضطراب ففي رواية أن السائل امرأة أن أمها ماتت وعليها صوم شهر وفي أخرى وعليها خمسة عشر يومًا وأخرى أن أختي ماتت وعليها صوم شهرين متتابعين وأخرى قال رجل ماتت أمي وعليها صوم شهر ولكن أجيب بأنه ليس اضطرابًا وإنما هو اختلاف يحمل على اختلاف الوقائع لكنه بعيد لاتحاد المخرج فالروايات كلها عن ابن عباس.