فهرس الكتاب

شرح الزرقاني - بَابُ تَحْرِيمِ أَكْلِ كُلِّ ذِي نَابٍ مِنَ السِّبَاعِ

رقم الحديث 1071 حَدَّثَنِي يَحْيَى، عَنْ مَالِكٍ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، عَنْ أَبِي إِدْرِيسَ الْخَوْلَانِيِّ، عَنْ أَبِي ثَعْلَبَةَ الْخُشَنِيِّ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: أَكْلُ كُلِّ ذِي نَابٍ مِنَ السِّبَاعِ حَرَامٌ.


( مالك عن ابن شهاب) محمد بن مسلم ( عن أبي إدريس الخولاني) اسمه عائذ الله بتحتية وذال معجمة ابن عبد الله ولد يوم حنين وسمع من كبار الصحابة ومات سنة ثمانين قال سعيد بن عبد العزيز كان عالم الشام بعد أبي الدرداء ( عن أبي ثعلبة) بمثلثة ( الخشني) بضم الخاء وفتح الشين المعجمتين وبالنون منسوب إلى بني خشين من قضاعة، صحابي مشهور بكنيته قيل اسمه جرثوم أو جرثمة أو جرثم أو جرهم، بضم الجيم والهاء بينهما راء ساكنة، أو لاشر بمعجمة مكسورة بعدها راء أو لاش بغير راء أو لاشق بقاف أو لاشومة أو لاشوم بلا هاء أو ناشب أو ناشر أو غرنوق أو شق أو زيد أو الأسود، وفي اسم أبيه أيضًا خلف فقيل: عمرو وقيل قيس وقيل غير ذلك.

قال ابن الكلبي: كان ممن بايع تحت الشجرة وضرب له بسهمه في خيبر وأرسله النبي صلى الله عليه وسلم إلى قومه فأسلموا وله أحاديث وعنه ابن المسيب وجماعة وأخرج ابن عساكر عن أبي الزاهرية قال قال أبو ثعلبة: إني لأرجو الله أن لا يخنقني كما أراكم تخنقون عند الموت فبينما هو يصلي في جوف الليل قبض وهو ساجد، فرأت ابنته في النوم أن أباها قد مات فاستيقظت فزعة فقالت: أين أبي؟ فقيل لها في مصلاه فنادته فلم يجبها، فأتته فوجدته ساجدًا فحركته فسقط ميتًا.
سكن الشام أو حمص ومات سنة خمس وسبعين وقيل قبل ذلك بكثير بعد الأربعين والمعروف الأول.

( أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: أكل كل ذي ناب من السباع حرام) قال ابن الأثير الناب السن التي خلف الرباعية، وهل المراد كل ذي ناب مطلقًا أو المراد ناب يعدو به ويصول على غيره ويصطاد ويعدو بطبعه غالبًا بخلاف غير العادي كثعلب وضبع وبه قال الليث والشافعي وأصحاب مالك المدنيين فمن للتبعيض أو للجنس إذ المراد ناب يعدو به كما علم بقرينة قوله: ناب ولم يقل كل سبع تنبيهًا على الافتراس والتعدي، وإلا فلا فائدة لذكر الناب إذ السباع كلها ذات أنياب، وقد ورد في حل الضبع أحاديث لا بأس بها، وأما الثعلب فورد في تحريمه حديث خزيمة بن جزء عند الترمذي وابن ماجه، ولكن سنده ضعيف كما في الفتح.

قال ابن عبد البر: هكذا قال يحيى في هذا الحديث ولم يتابعه أحد من رواة الموطأ عليه، ولا من رواة ابن شهاب وإنما لفظهم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى عن أكل كل ذي ناب من السباع وما جاء به يحيى هنا إنما هو لفظ الحديث التالي انتهى.
وقد رواه البخاري عن عبد الله بن يوسف ومسلم من طريق ابن وهب كليهما عن مالك بإسناده بلفظ إن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى عن أكل كل ذي ناب من السباع وقال البخاري: تابعه أي مالكًا يونس ومعمر وابن عيينة والماجشون عن الزهري ومتابعة ابن عيينة عند البخاري في الطب وعند مسلم ومتابعة معمر ويونس عند مسلم والحسن بن سفيان في مسنده والماجشون عند مسلم وكذا تابعه عمرو بن الحارث وصالح بن كيسان وابن أبي ذئب الثلاثة في مسلم أيضًا.

قال أبو عمر: ورواه أبو أويس عن الزهري بإسناده نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الخطفة والنهبة والمجثمة، وعن أكل كل ذي ناب من السباع أخرجه قاسم بن أصبغ، وكذا رواه صالح بن أبي الأخضر عن الزهري، وزاد وطء الحبالى ولحوم الحمر الأهلية وانفردا بذلك عن جميع أصحاب ابن شهاب، وإنما يحفظ هذا اللفظ من حديث ابن المسيب عن أبي الدرداء بإسناد لين لا أدري كيف مخرجه عن ابن المسيب لقول ابن شهاب: لم أسمع بحديث النهي عن أكل كل ذي ناب من السباع من علمائنا بالحجاز، حتى قدمت الشام فحدثني به أبو إدريس وكان من فقهاء الشام، والمجثمة هي التي تصبر بالنبل انتهى.
بجيم ومثلثة مفتوحة وتصبر تربط ويرمى إليها بالنبل حتى تموت من جثم بالمكان وقف فيه قال أبو عمر لما كان نهى محتملاً أعقبه الإمام بما يفسره بالحديث الناص على التحريم فقال:

( مالك عن إسماعيل بن أبي حكيم) القرشي مولاهم المدني المتوفى سنة ثلاثين ومائة ( عن عبيدة) بفتح المهملة وكسر الموحدة ( بن سفيان) بن الحارث ( الحضرمي) المدني التابعي الثقة عن أبي هريرة ( أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: أكل كل ذي ناب من السباع حرام) فذكره بلفظ حديث أبي ثعلبة عن رواية يحيى وهو نص في حرمة الحيوان المفترس ورواه مسلم من طريق ابن مهدي وابن وهب عن مالك به.

( قال مالك وهو الأمر) المعمول به ( عندنا) بالمدينة قال الترمذي: وعليه العمل عند أكثر أهل العلم، وعن بعضهم لا يحرم وظاهر مذهب الموطأ التحريم ورواه ابن وهب وابن عبد الحكم عن مالك نصًا ورجحه ابن عبد البر وقيل: مكروه حملاً للنهي على الكراهة، ولفظ حرام شذ به يحيى عن رواة الموطأ في حديث أبي ثعلبة لكنهم اتفقوا على لفظ حرام في حديث أبي هريرة فيحمل على المنع الصادق بالكراهة وهو المشهور في المذهب كما قال ابن العربي وغيره.
وظاهر المدونة لقول مالك فيها لا أحب أكل الضبع والثعلب والذئب والهر الوحشي والإنسي، ولا شيء من السباع والقول الثالث لأصحاب مالك المدنيين الفرق بين ما يعدو كالأسد والنمر فيحرم وبين ما لا يعدو كالضبع والهر والثعلب والذئب فيكره نقله عنهم ابن حبيب ووجه المشهور قوله تعالى { { قُل لاَّ أَجِدُ فِي مَا أُوحِيَ إِلَيَّ مُحَرَّمًا } } الآية فإنه يدل على عدم تحريم غير ما فيها، لكن نفي الحرمة لا يقتضي الحل عينًا بل يحتمل الكراهة أيضًا فاحتيط لذلك وتعقب بأن الآية مكية وحديث التحريم بعد الهجرة باتفاق وبأنها خرجت مخرج الرد على شيء خاص وهو ما حكى الله عنهم بقوله { { وَقَالُوا مَا فِي بُطُونِ هَذِهِ الأنْعَامِ خَالِصَةٌ لِّذُكُورِنَا وَمُحَرَّمٌ عَلَى أَزْوَاجِنَا } } وأجيب بأن الحديث لا دليل فيه على الحرمة لاحتمال أن أكل مصدر مضاف إلى الفاعل فيكون كقوله تعالى { { وَمَا أَكَلَ السَّبُعُُ } }

وقال ابن عبد البر: النهي أن تنظر إلى ما ورد فيه فإن ورد على ما في ملكك فهو نهي إرشاد كالأكل من رأس الصحفة، وبالشمال، والاستنجاء باليمين، وما ورد على غير ملكك فهو على التحريم كالشغار وعن قليل ما أسكر كثيره، وعن بيع حبل الحبلة، واستباحة الحيوان من هذا القسم قال: وحمل النهي على التنزيه ضعيف لا يعضده دليل صحيح انتهى وهو على اختياره ترجيح التحريم.



رقم الحديث 1072 وَحَدَّثَنِي عَنْ مالِكٍ، أَنَّهُ بَلَغَهُ عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ مِثْلُ ذَلِكَ.


( الضحية عما في بطن المرأة وذكر أيام الأضحى)

( مالك عن نافع أن عبد الله بن عمر قال: الأضحى يومان بعد يوم الأضحى) وإلى هذا ذهب مالك وأبو حنيفة وأحمد وأكثر العلماء وقال الشافعي وجماعة: الأضحى يوم النحر وثلاثة أيام بعده لحديث ابن حبان في كل أيام التشريق ذبح ولا حجة فيه، لأنها الثلاثة التي أولها العيد أو التي بعده خلاف فلا يصح الاحتجاج بمحل النزاع، ويؤيد الأول ما رواه أبو عبيد برجال ثقات عن الشعبي مرسلاً مرفوعًا من ذبح قبل التشريق فليعد أي قبل صلاة العيد.

( مالك أنه بلغه عن علي بن أبي طالب مثل ذلك) الذي قاله ابن عمر أخرجه ابن عبد البر من طريق زر عن علي قال: الأيام المعدودات يوم النحر ويومان بعده، اذبح في أيها شئت وأفضلها أولها.
وقال الطحاوي: مثل هذا لا يكون رأيًا فدل أنه توقيف انتهى.
وذهب ابن سيرين وحميد بن عبد الرحمن وداود الظاهري إلى اختصاص الضحية بيوم النحر لقوله صلى الله عليه وسلم في حجة الوداع أي يوم هذا؟ قلنا: الله ورسوله أعلم فسكت حتى ظننا أنه سيسميه بغير اسمه قال: أليس يوم النحر؟ قلنا: بلى أو وجهه أنه أضاف هذا اليوم إلى جنس النحر لأن اللام هنا جنسية فتعم فلا يبقى نحر إلا في ذلك اليوم، لكن قال القرطبي: التمسك بإضافة النحر إلى اليوم الأول ضعيف مع قوله تعالى { { وَيَذْكُرُوا اسْمَ اللهِ فِي أَيَّامٍ مَّعْلُومَاتٍ عَلَى مَا رَزَقَهُم مِّن بَهِيمَةِ الأنْعَامِ } } انتهى وقد أجاب الجمهور بأن المراد النحر الكامل المفضل والألف واللام كثيرًا ما تستعمل للكمال نحو ولكن البر وإنما الشديد الذي يملك نفسه ولذا كان اليوم الأول أفضل.

( مالك عن نافع أن عبد الله بن عمر لم يكن يضحي عما في بطن المرأة) لأنه ليس بمشروع عند الجمهور وخلافه شاذ قاله أبو عمر.

( قال مالك: الضحية سنة) مؤكدة على كل مقيم ومسافر إلا الحاج ( وليست بواجبة) أي فرض زيادة في البيان لدفع توهم أن مراده شرعت بالسنة فلا ينافي للوجوب فبين المراد والحجة للسنية ما رواه مسلم من طريق شعبة عن مالك عن عمرو بن مسلم عن سعيد بن المسيب عن أم سلمة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: إذا رأيتم هلال ذي الحجة وأراد أحدكم أن يضحي فليمسك عن شعره وأظفاره، ولمسلم وغيره من وجه آخر عن أم سلمة مرفوعًا: إذا دخل العشر أي عشر ذي الحجة فأراد أحدكم أن يضحي فلا يمس من شعره ولا بشره شيئًا ففي قوله أراد دليل على أنها غير واجبة وصرح بالسنية في حديث الطبراني عن ابن عباس مرفوعًا الأضحى علي فريضة وعليكم سنة قال الحافظ رجاله ثقات لكن في رفعه خلف فصرح في هذا الحديث بأنها سنة وأن الوجوب من خصائصه وروى أحمد وأبو يعلى والطبراني والدارقطني والحاكم عن ابن عباس رفعه: كتب علي النحر ولم يكتب عليكم وهو أيضًا نص في أنه من خصائصه لكن إسناده ضعيف، وتساهل الحاكم فصححه وأقرب ما يتمسك به للوجوب الذي ذهب إليه الحنفية حديث أبي هريرة رفعه: من وجد سعة فلم يضح فلا يقربن مصلانا، أخرجه ابن ماجه ورجاله ثقات، لكن اختلف في رفعه ووقفه، والوقف أشبه بالصواب.
قاله الطحاوي وغيره، ومع ذلك فليس صريحًا في الإيجاب وحديث على أهل كل بيت أضحية وعتيرة، أخرجه أحمد والأربعة بسند قوي ولا حجة فيه لأن الصيغة ليست صريحة في الوجوب المطلق، فقد ذكر معها العتيرة وليست واجبة عند من قال بوجوب الضحية ويحتمل أن معناه إن شاؤوا فهو كقوله فأراد جمعًا بينهما ( ولا أحب لأحد ممن قوي) أي قدر ( على ثمنها أن يتركها) لئلا يفوت نفسه الفضل العظيم.

روى سعيد بن داود عن مالك عن ثور عن عكرمة عن ابن عباس مرفوعًا: ما من صدقة بعد صلة الرحم أعظم عند الله من إهراق الدم أخرجه ابن عبد البر وقال: هو غريب من حديث مالك، وأخرج عن عائشة قالت: يا أيها الناس ضحوا وطيبوا بها نفسًا فإني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: ما من عبد توجه بأضحيته إلى القبلة، إلا كان دمها وفرثها وصوفها حسنات محضرات في ميزانه يوم القيامة.
وقال صلى الله عليه وسلم: اعملوا قليلاً تجزوا كثيرًا قال أبو عمر: هي أفضل من الصدقة، لأنها سنة مؤكدة كصلاة العيد.
ومعلوم أن السنن أفضل من التطوع وبهذا قال مالك وأصحابه وأحمد وجماعة وعن مالك أيضًا والشعبي وغيرهما: الصدقة أفضل والصحيح عن مالك وأصحابه تفضيل الضحية إلا بمنى فالصدقة بثمنها أفضل لأنه ليس موضع ضحية.



رقم الحديث 1072 وَحَدَّثَنِي عَنْ مَالِكٍ، عَنْ إِسْمَاعِيلَ بْنِ أَبِي حَكِيمٍ، عَنْ عَبِيدَةَ بْنِ سُفْيَانَ الْحَضْرَمِيِّ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: أَكْلُ كُلِّ ذِي نَابٍ مِنَ السِّبَاعِ حَرَامٌ قَالَ مَالِكٌ: وَهُوَ الْأَمْرُ عِنْدَنَا.


( مالك عن ابن شهاب) محمد بن مسلم ( عن أبي إدريس الخولاني) اسمه عائذ الله بتحتية وذال معجمة ابن عبد الله ولد يوم حنين وسمع من كبار الصحابة ومات سنة ثمانين قال سعيد بن عبد العزيز كان عالم الشام بعد أبي الدرداء ( عن أبي ثعلبة) بمثلثة ( الخشني) بضم الخاء وفتح الشين المعجمتين وبالنون منسوب إلى بني خشين من قضاعة، صحابي مشهور بكنيته قيل اسمه جرثوم أو جرثمة أو جرثم أو جرهم، بضم الجيم والهاء بينهما راء ساكنة، أو لاشر بمعجمة مكسورة بعدها راء أو لاش بغير راء أو لاشق بقاف أو لاشومة أو لاشوم بلا هاء أو ناشب أو ناشر أو غرنوق أو شق أو زيد أو الأسود، وفي اسم أبيه أيضًا خلف فقيل: عمرو وقيل قيس وقيل غير ذلك.

قال ابن الكلبي: كان ممن بايع تحت الشجرة وضرب له بسهمه في خيبر وأرسله النبي صلى الله عليه وسلم إلى قومه فأسلموا وله أحاديث وعنه ابن المسيب وجماعة وأخرج ابن عساكر عن أبي الزاهرية قال قال أبو ثعلبة: إني لأرجو الله أن لا يخنقني كما أراكم تخنقون عند الموت فبينما هو يصلي في جوف الليل قبض وهو ساجد، فرأت ابنته في النوم أن أباها قد مات فاستيقظت فزعة فقالت: أين أبي؟ فقيل لها في مصلاه فنادته فلم يجبها، فأتته فوجدته ساجدًا فحركته فسقط ميتًا.
سكن الشام أو حمص ومات سنة خمس وسبعين وقيل قبل ذلك بكثير بعد الأربعين والمعروف الأول.

( أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: أكل كل ذي ناب من السباع حرام) قال ابن الأثير الناب السن التي خلف الرباعية، وهل المراد كل ذي ناب مطلقًا أو المراد ناب يعدو به ويصول على غيره ويصطاد ويعدو بطبعه غالبًا بخلاف غير العادي كثعلب وضبع وبه قال الليث والشافعي وأصحاب مالك المدنيين فمن للتبعيض أو للجنس إذ المراد ناب يعدو به كما علم بقرينة قوله: ناب ولم يقل كل سبع تنبيهًا على الافتراس والتعدي، وإلا فلا فائدة لذكر الناب إذ السباع كلها ذات أنياب، وقد ورد في حل الضبع أحاديث لا بأس بها، وأما الثعلب فورد في تحريمه حديث خزيمة بن جزء عند الترمذي وابن ماجه، ولكن سنده ضعيف كما في الفتح.

قال ابن عبد البر: هكذا قال يحيى في هذا الحديث ولم يتابعه أحد من رواة الموطأ عليه، ولا من رواة ابن شهاب وإنما لفظهم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى عن أكل كل ذي ناب من السباع وما جاء به يحيى هنا إنما هو لفظ الحديث التالي انتهى.
وقد رواه البخاري عن عبد الله بن يوسف ومسلم من طريق ابن وهب كليهما عن مالك بإسناده بلفظ إن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى عن أكل كل ذي ناب من السباع وقال البخاري: تابعه أي مالكًا يونس ومعمر وابن عيينة والماجشون عن الزهري ومتابعة ابن عيينة عند البخاري في الطب وعند مسلم ومتابعة معمر ويونس عند مسلم والحسن بن سفيان في مسنده والماجشون عند مسلم وكذا تابعه عمرو بن الحارث وصالح بن كيسان وابن أبي ذئب الثلاثة في مسلم أيضًا.

قال أبو عمر: ورواه أبو أويس عن الزهري بإسناده نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الخطفة والنهبة والمجثمة، وعن أكل كل ذي ناب من السباع أخرجه قاسم بن أصبغ، وكذا رواه صالح بن أبي الأخضر عن الزهري، وزاد وطء الحبالى ولحوم الحمر الأهلية وانفردا بذلك عن جميع أصحاب ابن شهاب، وإنما يحفظ هذا اللفظ من حديث ابن المسيب عن أبي الدرداء بإسناد لين لا أدري كيف مخرجه عن ابن المسيب لقول ابن شهاب: لم أسمع بحديث النهي عن أكل كل ذي ناب من السباع من علمائنا بالحجاز، حتى قدمت الشام فحدثني به أبو إدريس وكان من فقهاء الشام، والمجثمة هي التي تصبر بالنبل انتهى.
بجيم ومثلثة مفتوحة وتصبر تربط ويرمى إليها بالنبل حتى تموت من جثم بالمكان وقف فيه قال أبو عمر لما كان نهى محتملاً أعقبه الإمام بما يفسره بالحديث الناص على التحريم فقال:

( مالك عن إسماعيل بن أبي حكيم) القرشي مولاهم المدني المتوفى سنة ثلاثين ومائة ( عن عبيدة) بفتح المهملة وكسر الموحدة ( بن سفيان) بن الحارث ( الحضرمي) المدني التابعي الثقة عن أبي هريرة ( أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: أكل كل ذي ناب من السباع حرام) فذكره بلفظ حديث أبي ثعلبة عن رواية يحيى وهو نص في حرمة الحيوان المفترس ورواه مسلم من طريق ابن مهدي وابن وهب عن مالك به.

( قال مالك وهو الأمر) المعمول به ( عندنا) بالمدينة قال الترمذي: وعليه العمل عند أكثر أهل العلم، وعن بعضهم لا يحرم وظاهر مذهب الموطأ التحريم ورواه ابن وهب وابن عبد الحكم عن مالك نصًا ورجحه ابن عبد البر وقيل: مكروه حملاً للنهي على الكراهة، ولفظ حرام شذ به يحيى عن رواة الموطأ في حديث أبي ثعلبة لكنهم اتفقوا على لفظ حرام في حديث أبي هريرة فيحمل على المنع الصادق بالكراهة وهو المشهور في المذهب كما قال ابن العربي وغيره.
وظاهر المدونة لقول مالك فيها لا أحب أكل الضبع والثعلب والذئب والهر الوحشي والإنسي، ولا شيء من السباع والقول الثالث لأصحاب مالك المدنيين الفرق بين ما يعدو كالأسد والنمر فيحرم وبين ما لا يعدو كالضبع والهر والثعلب والذئب فيكره نقله عنهم ابن حبيب ووجه المشهور قوله تعالى { { قُل لاَّ أَجِدُ فِي مَا أُوحِيَ إِلَيَّ مُحَرَّمًا } } الآية فإنه يدل على عدم تحريم غير ما فيها، لكن نفي الحرمة لا يقتضي الحل عينًا بل يحتمل الكراهة أيضًا فاحتيط لذلك وتعقب بأن الآية مكية وحديث التحريم بعد الهجرة باتفاق وبأنها خرجت مخرج الرد على شيء خاص وهو ما حكى الله عنهم بقوله { { وَقَالُوا مَا فِي بُطُونِ هَذِهِ الأنْعَامِ خَالِصَةٌ لِّذُكُورِنَا وَمُحَرَّمٌ عَلَى أَزْوَاجِنَا } } وأجيب بأن الحديث لا دليل فيه على الحرمة لاحتمال أن أكل مصدر مضاف إلى الفاعل فيكون كقوله تعالى { { وَمَا أَكَلَ السَّبُعُُ } }

وقال ابن عبد البر: النهي أن تنظر إلى ما ورد فيه فإن ورد على ما في ملكك فهو نهي إرشاد كالأكل من رأس الصحفة، وبالشمال، والاستنجاء باليمين، وما ورد على غير ملكك فهو على التحريم كالشغار وعن قليل ما أسكر كثيره، وعن بيع حبل الحبلة، واستباحة الحيوان من هذا القسم قال: وحمل النهي على التنزيه ضعيف لا يعضده دليل صحيح انتهى وهو على اختياره ترجيح التحريم.