فهرس الكتاب

شرح الزرقاني - بَابُ مَا جَاءَ فِي صِيَامِ أَيَّامِ مِنًى

رقم الحديث 846 حَدَّثَنِي يَحْيَى، عَنْ مَالِكٍ، عَنْ أَبِي النَّضْرِ مَوْلَى عُمَرَ بْنِ عُبَيْدِ اللَّهِ، عَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ يَسَارٍ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: نَهَى عَنْ صِيَامِ أَيَّامِ مِنًى.


( ما جاء في صيام أيام منى)

( مالك عن أبي النضر) سالم ( مولى عمر بن عبيد الله) بضم العينين ( عن سليمان بن يسار) لم يختلف على مالك في إرساله قاله أبو عمر وقد وصله النسائي وقاسم بن أصبغ من طريق سفيان الثوري عن أبي النضر وعبد الله بن أبي بكر كلاهما عن سليمان بن يسار عن عبد الله بن حذافة ( أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى عن صيام أيام منى) أي أيام رمي الجمار بها وهي الثلاثة التي يتعجل بها الحاج منها في يومين بعد يوم النحر وهي الأيام المعلومات والمعدودات وأيام التشريق ويدل على أنها ثلاثة قول العرجي

ما نلتقي إلا ثلاث منى
حتى يفرق بيننا النقر

وقول عروة بن أذينة

نزلوا ثلاث منى بمنزل غبطة
وهمو على غرض لعمرك ما همو

والإجماع على أن صيامها لا يجوز تطوعًا وروي عن بعض الصحابة والتابعين جوازه ولا يصح وفي جوازها لمتمتع لم يجد هديًا خلاف ما قاله أبو عمر ( مالك عن ابن شهاب) مرسلاً عند جميع الرواة عن مالك وتابعه يونس وابن أبي ذئب وعبد الله بن عمر العمري كلهم عن ابن شهاب مرسلاً وهو الصحيح عنه قاله أبو عمر ( أن رسول الله صلى الله عليه وسلم بعث عبد الله بن حذافة) بضم المهملة وفتح المعجمة فألف ففاء ابن قيس بن عدي بن سعيد بضم السين ابن سهم القرشي السهمي من قدماء المهاجرين مات بمصر في خلافة عثمان ( أيام منى يطوف) في الناس ( يقول إنما هي أيام أكل وشرب) بضم الشين وفتحها روايتان بمعنى كما في النهاية وحكى ابن السمعاني عن أبيه عن أبي الغنائم أنه بالفتح فقط واستشهد بقوله تعالى { { شرب الهيم } } وقال أبو البقاء إنه الأفصح الأقيس وهو مصدر كالأكل وعقبهما بقوله ( وذكر الله) لئلا يستغرق العبد في حظوظ نفسه وينسى حقوق الله قال الطيبي هذا من باب التتميم فإنه لما أضاف الأكل والشرب إلى الأيام أوهم أنها لا تصلح إلا لهما لأن الناس أضياف الله فيها فتدارك بقوله وذكر الله لئلا يستغرقوا أوقاتهم باللذات النفسانية فينسوا نصيبهم من الروحانية ونظيره في التتميم للصيانة أي الاحتراس قول الشاعر

فسقى ديارك غير مفسدها
صوب الربيع وديمة تهمي

وقد علل ذلك علي رضي الله عنه بأن القوم زاروا الله وهم في ضيافته في هذه الأيام وليس للضيف أن يصوم دون إذن من أضافه رواه البيهقي بسند مقبول ومن ثم قال جمع سر ذلك أنه تعالى دعا عباده إلى زيارة بيته فأجابوه وقد أهدى كل على قدر وسعه وذبحوا هديهم فقبله منهم وجعل لهم ضيافة وهي ثلاثة أيام فأوسع زواره طعامًا وشرابًا ثلاثة أيام وسنة الملوك إذا أضافوا أطعموا من على الباب كما يطعمون من في الدار والكعبة هي الدار وسائر الأقطار باب الدار فعم الله الكل بضيافته فمنع صيامها وهذا الحديث صحيح وإن كان مرسلاً فقد وصله النسائي من طريق شعيب ومعمر عن الزهري أن مسعود بن الحكم قال أخبرني بعض أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم أنه رأى عبد الله بن حذافة وهو يسير على راحلته فذكر نحوه ورواه أيضًا من طريق صالح بن أبي الأخضر عن الزهري عن سعيد بن المسيب عن أبي هريرة وقال لا نعلم أحدًا قال عن سعيد غير صالح وهو كثير الخطأ ضعيف يعني أن الصواب الأول وفي مسلم عن نبيشة مرفوعًا أيام التشريق أيام أكل وشرب وذكر الله وفيه أيضًا عن كعب بن مالك أنه صلى الله عليه وسلم بعثه وأوس بن الحدثان فنادى أن لا يدخل الجنة إلا مؤمن وأيام منى أيام أكل وشرب زاد أصحاب السنن وذكر الله فلا يصومن أحد فقد عدد صلى الله عليه وسلم المنادى لكثرة الناس ( مالك عن محمد بن يحيى بن حبان) بفتح الحاء والموحدة الثقيلة ( عن الأعرج) عبد الرحمن بن هرمز ( عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى عن صيام يومين) تحريمًا ( يوم الفطر ويوم الأضحى) فيحرم صيامهما على متطوع وناذر وقاض فرضًا ومتمتع وغير ذلك إجماعًا ولا ينعقد نذر صوم أحدهما ولا يلزم قضاؤه عند الجمهور وقال أبو حنيفة يقضى وإن صامه أجزأه ومر هذا الحديث بسنده ومتنه في الصيام ( مالك عن يزيد) بتحتية فزاي ( ابن عبد الله بن الهادي) بالياء وحذفها الليثي المدني ( عن أبي مرة) مشهور بكنيته واسمه يزيد بن مرة وقيل عبد الرحمن ( مولى أم هانئ) قال ابن عبد البر هكذا يقول يزيد بن الهاد وأكثرهم يقولون مولى عقيل بن أبي طالب زاد في نسخة ابن وضاح أخت عقيل بن أبي طالب وفي نسخة بنت أبي طالب وكل منهما صواب ونسخة امرأة عقيل خطأ ( عن عبد الله بن عمرو بن العاصي) القرشي السهمي أحد المكثرين والعبادلة الصحابي ابن الصحابي ( أنه أخبره أنه دخل) كذا للأكثر وللقعنبي وروح بن عبادة أنه دخل مع عبد الله وكذا رواه الليث عن يزيد شيخ مالك ( عن أبيه عمرو بن العاصي فوجده يأكل قال فدعاني) للأكل معه ( قال فقلت له إني صائم فقال هذه الأيام التي نهانا) معاشر المسلمين ( رسول الله صلى الله عليه وسلم عن صيامهن) نهي تحريم ( وأمرنا بفطرهن) أمر إيجاب ( قال مالك هي أيام التشريق) سميت بذلك لأن الذبح فيها يجب بعد شروق الشمس وقيل لأنهم كانوا يشرقون فيها لحوم الأضاحي إذا قددت قاله قتادة وقيل لأنهم كانوا يشرقون للشمس في غير بيوت ولا أبنية للحج وهذا قول أبي جعفر بن محمد بن علي قاله في التمهيد وهذا الحديث رواه أبو داود عن القعنبي عن مالك وصححه ابن خزيمة والحاكم وهو ثالث الأحاديث المرفوعة في الموطأ عن يزيد بن عبد الله.



رقم الحديث 847 وَحَدَّثَنِي عَنْ مَالِكٍ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: بَعَثَ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ حُذَافَةَ أَيَّامَ مِنًى يَطُوفُ.
يَقُولُ: إِنَّمَا هِيَ أَيَّامُ أَكْلٍ وَشُرْبٍ وَذِكْرِ اللَّهِ.


( ما جاء في صيام أيام منى)

( مالك عن أبي النضر) سالم ( مولى عمر بن عبيد الله) بضم العينين ( عن سليمان بن يسار) لم يختلف على مالك في إرساله قاله أبو عمر وقد وصله النسائي وقاسم بن أصبغ من طريق سفيان الثوري عن أبي النضر وعبد الله بن أبي بكر كلاهما عن سليمان بن يسار عن عبد الله بن حذافة ( أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى عن صيام أيام منى) أي أيام رمي الجمار بها وهي الثلاثة التي يتعجل بها الحاج منها في يومين بعد يوم النحر وهي الأيام المعلومات والمعدودات وأيام التشريق ويدل على أنها ثلاثة قول العرجي

ما نلتقي إلا ثلاث منى
حتى يفرق بيننا النقر

وقول عروة بن أذينة

نزلوا ثلاث منى بمنزل غبطة
وهمو على غرض لعمرك ما همو

والإجماع على أن صيامها لا يجوز تطوعًا وروي عن بعض الصحابة والتابعين جوازه ولا يصح وفي جوازها لمتمتع لم يجد هديًا خلاف ما قاله أبو عمر ( مالك عن ابن شهاب) مرسلاً عند جميع الرواة عن مالك وتابعه يونس وابن أبي ذئب وعبد الله بن عمر العمري كلهم عن ابن شهاب مرسلاً وهو الصحيح عنه قاله أبو عمر ( أن رسول الله صلى الله عليه وسلم بعث عبد الله بن حذافة) بضم المهملة وفتح المعجمة فألف ففاء ابن قيس بن عدي بن سعيد بضم السين ابن سهم القرشي السهمي من قدماء المهاجرين مات بمصر في خلافة عثمان ( أيام منى يطوف) في الناس ( يقول إنما هي أيام أكل وشرب) بضم الشين وفتحها روايتان بمعنى كما في النهاية وحكى ابن السمعاني عن أبيه عن أبي الغنائم أنه بالفتح فقط واستشهد بقوله تعالى { { شرب الهيم } } وقال أبو البقاء إنه الأفصح الأقيس وهو مصدر كالأكل وعقبهما بقوله ( وذكر الله) لئلا يستغرق العبد في حظوظ نفسه وينسى حقوق الله قال الطيبي هذا من باب التتميم فإنه لما أضاف الأكل والشرب إلى الأيام أوهم أنها لا تصلح إلا لهما لأن الناس أضياف الله فيها فتدارك بقوله وذكر الله لئلا يستغرقوا أوقاتهم باللذات النفسانية فينسوا نصيبهم من الروحانية ونظيره في التتميم للصيانة أي الاحتراس قول الشاعر

فسقى ديارك غير مفسدها
صوب الربيع وديمة تهمي

وقد علل ذلك علي رضي الله عنه بأن القوم زاروا الله وهم في ضيافته في هذه الأيام وليس للضيف أن يصوم دون إذن من أضافه رواه البيهقي بسند مقبول ومن ثم قال جمع سر ذلك أنه تعالى دعا عباده إلى زيارة بيته فأجابوه وقد أهدى كل على قدر وسعه وذبحوا هديهم فقبله منهم وجعل لهم ضيافة وهي ثلاثة أيام فأوسع زواره طعامًا وشرابًا ثلاثة أيام وسنة الملوك إذا أضافوا أطعموا من على الباب كما يطعمون من في الدار والكعبة هي الدار وسائر الأقطار باب الدار فعم الله الكل بضيافته فمنع صيامها وهذا الحديث صحيح وإن كان مرسلاً فقد وصله النسائي من طريق شعيب ومعمر عن الزهري أن مسعود بن الحكم قال أخبرني بعض أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم أنه رأى عبد الله بن حذافة وهو يسير على راحلته فذكر نحوه ورواه أيضًا من طريق صالح بن أبي الأخضر عن الزهري عن سعيد بن المسيب عن أبي هريرة وقال لا نعلم أحدًا قال عن سعيد غير صالح وهو كثير الخطأ ضعيف يعني أن الصواب الأول وفي مسلم عن نبيشة مرفوعًا أيام التشريق أيام أكل وشرب وذكر الله وفيه أيضًا عن كعب بن مالك أنه صلى الله عليه وسلم بعثه وأوس بن الحدثان فنادى أن لا يدخل الجنة إلا مؤمن وأيام منى أيام أكل وشرب زاد أصحاب السنن وذكر الله فلا يصومن أحد فقد عدد صلى الله عليه وسلم المنادى لكثرة الناس ( مالك عن محمد بن يحيى بن حبان) بفتح الحاء والموحدة الثقيلة ( عن الأعرج) عبد الرحمن بن هرمز ( عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى عن صيام يومين) تحريمًا ( يوم الفطر ويوم الأضحى) فيحرم صيامهما على متطوع وناذر وقاض فرضًا ومتمتع وغير ذلك إجماعًا ولا ينعقد نذر صوم أحدهما ولا يلزم قضاؤه عند الجمهور وقال أبو حنيفة يقضى وإن صامه أجزأه ومر هذا الحديث بسنده ومتنه في الصيام ( مالك عن يزيد) بتحتية فزاي ( ابن عبد الله بن الهادي) بالياء وحذفها الليثي المدني ( عن أبي مرة) مشهور بكنيته واسمه يزيد بن مرة وقيل عبد الرحمن ( مولى أم هانئ) قال ابن عبد البر هكذا يقول يزيد بن الهاد وأكثرهم يقولون مولى عقيل بن أبي طالب زاد في نسخة ابن وضاح أخت عقيل بن أبي طالب وفي نسخة بنت أبي طالب وكل منهما صواب ونسخة امرأة عقيل خطأ ( عن عبد الله بن عمرو بن العاصي) القرشي السهمي أحد المكثرين والعبادلة الصحابي ابن الصحابي ( أنه أخبره أنه دخل) كذا للأكثر وللقعنبي وروح بن عبادة أنه دخل مع عبد الله وكذا رواه الليث عن يزيد شيخ مالك ( عن أبيه عمرو بن العاصي فوجده يأكل قال فدعاني) للأكل معه ( قال فقلت له إني صائم فقال هذه الأيام التي نهانا) معاشر المسلمين ( رسول الله صلى الله عليه وسلم عن صيامهن) نهي تحريم ( وأمرنا بفطرهن) أمر إيجاب ( قال مالك هي أيام التشريق) سميت بذلك لأن الذبح فيها يجب بعد شروق الشمس وقيل لأنهم كانوا يشرقون فيها لحوم الأضاحي إذا قددت قاله قتادة وقيل لأنهم كانوا يشرقون للشمس في غير بيوت ولا أبنية للحج وهذا قول أبي جعفر بن محمد بن علي قاله في التمهيد وهذا الحديث رواه أبو داود عن القعنبي عن مالك وصححه ابن خزيمة والحاكم وهو ثالث الأحاديث المرفوعة في الموطأ عن يزيد بن عبد الله.



رقم الحديث 848 حَدَّثَنِي يَحْيَى، عَنْ مَالِكٍ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ يَحْيَى بْنِ حَبَّانَ، عَنِ الْأَعْرَجِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَهَى عَنْ صِيَامِ يَوْمَيْنِ: يَوْمِ الْفِطْرِ وَيَوْمِ الْأَضْحَى.


( صوم يوم الفطر والأضحى والدهر)

( مالك عن محمد بن يحيى بن حبان) بفتح الحاء والباء الثقيلة ( عن الأعرج) عبد الرحمن بن هرمز ( عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى عن صيام يومين) نهي تحريم ( يوم الفطر ويوم الأضحى) فصيامهما حرام على كل أحد من متطوع وناذر وقاض فرضًا ومتمتع وغير ذلك إجماعًا لأنه معصية فلا يصومهما من نذرهما لحديث من نذر أن يعصي الله فلا يعصه قال المازري ذهب مالك إلى أن من نذر صوم أحد العيدين لا ينعقد ولا يلزمه قضاؤه وقال أبو حنيفة يقضي وإن صامه أجزأه والحجة عليه حديث لا نذر في معصية وقضاؤه ليس من لفظ الناذر فلا معنى لإلزامه وذكر النووي أن الشافعي والجمهور على ذلك وأن أبا حنيفة خالف الناس كلهم في ذلك وفي فتح الباري أصل الخلاف في المسألة أن النهي هل يقتضي صحة المنهي عنه قال الأكثر لا وعن محمد بن الحسن نعم واحتج بأنه لا يقال للأعمى لا يبصر لأنه تحصيل الحاصل فدل على أن صوم يوم العيد ممكن وإذا أمكن ثبتت الصحة وأجيب بأن الإمكان المذكور عقلي والنزاع في الشرعي والمنهي عنه شرعًا لا يمكن فعله شرعًا ومن حجج المانعين أن النفل المطلق إذا نهي عن فعله لم ينعقد لأن المنهي مطلوب الترك سواء كان للتحريم أو للتنزيه والنفل مطلوب الفعل فلا يجتمع الضدان فالفرق بينه وبين الأمر ذي الوجهين كالصلاة في الدار المغصوبة أن النهي عن الإقامة في المغصوب ليست لذات الصلاة بل للإقامة وطلب الفعل لذات العبادة بخلاف صوم يوم العيد فالنهي فيه لذات الصوم فافترقا انتهى.
والحديث رواه مسلم عن يحيى النيسابوري عن مالك به وأعاده الإمام في الحج بسنده ومتنه ( مالك أنه سمع أهل العلم يقولون لا بأس بصيام الدهر) أي يجوز الإقدام على فعله بلا كره وإلا فهو مستحب إذ ليس ثم صيام مباح مستوي الطرفين ( إذا أفطر الأيام التي نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن صيامها وهي أيام منى) ثلاثة بعد يوم النحر كما في البخاري عن عائشة وابن عمر قالا لم يرخص في أيام التشريق أن يصمن إلا لمن لم يجد الهدي ولهذا حكم الرفع عن كثير من أصحاب الحديث وللطحاوي والدارقطني عن ابن عمر وعائشة رخص صلى الله عليه وسلم للمتمتع إذا لم يجد الهدي أن يصوم أيام التشريق وروى الإمام في الحج عن عمرو بن العاصي أنه قال لابنه عبد الله في أيام التشريق إنها الأيام التي نهانا رسول الله صلى الله عليه وسلم عن صيامهن وأمرنا بفطرهن وأخرجه أبو داود وصححه ابن خزيمة والحاكم وفي مسلم عن كعب بن مالك أنه صلى الله عليه وسلم بعثه وأوس بن الحدثان أيام التشريق فنادى أنه لا يدخل الجنة إلا مؤمن وأيام منى أيام أكل وشرب زاد أصحاب السنن وذكر الله فلا يصومن أحد ( ويوم الأضحى والفطر) لحديث الباب ( فيما بلغنا قال) ابن عبد البر ففي نهيه صلى الله عليه وسلم عن أيام ذكرها دليل على إباحة ما عداها ( وذلك أحب ما سمعت إلي في ذلك) وعليه جمهور الفقهاء أنه يستحب صوم الدهر لإطلاق الأدلة ولقوله صلى الله عليه وسلم من صام الدهر ضيقت عليه جهنم هكذا وعقد بيده أخرجه أحمد والنسائي وابن خزيمة وابن حبان والبيهقي أي ضيقت عليه فلا يدخلها وعلى بمعنى عن أي ضيقت عنه قال الغزالي لأنه لما ضيق على نفسه مسالك الشهوات بالصوم ضيق الله عليه النار فلا يبقى له فيها مكان لأنه ضيق طرقها بالعبادة وقال أهل الظاهر وإسحاق وأحمد في رواية بكراهة صوم الدهر وقال به ابن العربي من المالكية وشذ ابن حزم فقال من صام الدهر أثم لحديث الصحيحين لا صام من صام الأبد مرتين لأنه إن كان دعاء فيا ويح من أصابه دعاء المصطفى وإن كان خبرًا فيا ويح من أخبر عنه أنه لم يصم وأجيب بأنه محمول على من تضرر به أو فوت به حقًا ويؤيده أن النهي كان خطابًا لعبد الله بن عمرو بن العاصي وفي مسلم والبخاري عنه أنه عجز في آخر عمره وندم على كونه لم يقبل رخصة النبي صلى الله عليه وسلم فنهاه لعلمه بأنه سيعجز وأقر حمزة بن عمرو لعلمه بقدرته بلا ضرر وبأن معناه الخبر عن كونه لم يجد من المشقة ما يجده غيره لأنه إذا اعتاد ذلك لم يجد في صومه مشقة وتعقبه الطيبي بأنه مخالف لسياق الحديث ألا تراه نهاه أولاً عن صيام الدهر كله ثم حثه على صوم داود والأولى أنه خبر عن أنه لم يمتثل أمر الشرع وبأنه محمول على حقيقته بأن يصوم العيدين وأيام التشريق وبهذا أجابت عائشة واختاره ابن المنذر وطائفة وتعقب بأنه صلى الله عليه وسلم قال لمن سأله عن صوم الدهر لا صام ولا أفطر وهو يؤذن بأن لا أجر ولا إثم ومن صام الأيام المحرمة لا يقال فيه ذلك لأنه عند من أجازه إلا إياها يكون قد فعل مستحبًا وحرامًا وأيضًا فإن الأيام المحرمة مستثناة شرعًا غير قابلة للصوم فهي بمنزلة الليل وأيام الحيض فلم تدخل في السؤال عند من علم بتحريمها ولا يصلح الجواب بقوله لا صام ولا أفطر لمن لم يعلم تحريمها قال النووي قوله صلى الله عليه وسلم في صوم يوم وفطر يوم لا أفضل من ذلك قال المتولي وغيره هو أفضل من السرد لظاهر هذا الحديث وفي كلام غيره إشارة إلى تفضيل السرد وتخصيص هذا الحديث بعبد الله بن عمرو ومن في معناه وتقديره لا أفضل من ذلك في حقك ويؤيد هذا أنه صلى الله عليه وسلم لم ينه حمزة بن عمرو عن السرد ويرشده إلى يوم ويوم ولو كان أفضل في حق كل الناس لأرشده إليه وبينه له لأن تأخير البيان عن وقت الحاجة لا يجوز والله أعلم.



رقم الحديث 849 وَحَدَّثَنِي عَنْ مَالِكٍ، عَنْ يَزِيدَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْهَادِي، عَنْ أَبِي مُرَّةَ مَوْلَى أُمِّ هَانِئٍ أُخْتِ عَقِيلِ بْنِ أَبِي طَالِبٍ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ أَنَّهُ أَخْبَرَهُ أَنَّهُ دَخَلَ عَلَى أَبِيهِ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ فَوَجَدَهُ يَأْكُلُ.
قَالَ: فَدَعَانِي.
قَالَ فَقُلْتُ لَهُ: إِنِّي صَائِمٌ.
فَقَالَ: هَذِهِ الْأَيَّامُ الَّتِي نَهَانَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ صِيَامِهِنَّ، وَأَمَرَنَا بِفِطْرِهِنَّ قَالَ مَالِكٌ: هِيَ أَيَّامُ التَّشْرِيقِ.


( ما جاء في صيام أيام منى)

( مالك عن أبي النضر) سالم ( مولى عمر بن عبيد الله) بضم العينين ( عن سليمان بن يسار) لم يختلف على مالك في إرساله قاله أبو عمر وقد وصله النسائي وقاسم بن أصبغ من طريق سفيان الثوري عن أبي النضر وعبد الله بن أبي بكر كلاهما عن سليمان بن يسار عن عبد الله بن حذافة ( أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى عن صيام أيام منى) أي أيام رمي الجمار بها وهي الثلاثة التي يتعجل بها الحاج منها في يومين بعد يوم النحر وهي الأيام المعلومات والمعدودات وأيام التشريق ويدل على أنها ثلاثة قول العرجي

ما نلتقي إلا ثلاث منى
حتى يفرق بيننا النقر

وقول عروة بن أذينة

نزلوا ثلاث منى بمنزل غبطة
وهمو على غرض لعمرك ما همو

والإجماع على أن صيامها لا يجوز تطوعًا وروي عن بعض الصحابة والتابعين جوازه ولا يصح وفي جوازها لمتمتع لم يجد هديًا خلاف ما قاله أبو عمر ( مالك عن ابن شهاب) مرسلاً عند جميع الرواة عن مالك وتابعه يونس وابن أبي ذئب وعبد الله بن عمر العمري كلهم عن ابن شهاب مرسلاً وهو الصحيح عنه قاله أبو عمر ( أن رسول الله صلى الله عليه وسلم بعث عبد الله بن حذافة) بضم المهملة وفتح المعجمة فألف ففاء ابن قيس بن عدي بن سعيد بضم السين ابن سهم القرشي السهمي من قدماء المهاجرين مات بمصر في خلافة عثمان ( أيام منى يطوف) في الناس ( يقول إنما هي أيام أكل وشرب) بضم الشين وفتحها روايتان بمعنى كما في النهاية وحكى ابن السمعاني عن أبيه عن أبي الغنائم أنه بالفتح فقط واستشهد بقوله تعالى { { شرب الهيم } } وقال أبو البقاء إنه الأفصح الأقيس وهو مصدر كالأكل وعقبهما بقوله ( وذكر الله) لئلا يستغرق العبد في حظوظ نفسه وينسى حقوق الله قال الطيبي هذا من باب التتميم فإنه لما أضاف الأكل والشرب إلى الأيام أوهم أنها لا تصلح إلا لهما لأن الناس أضياف الله فيها فتدارك بقوله وذكر الله لئلا يستغرقوا أوقاتهم باللذات النفسانية فينسوا نصيبهم من الروحانية ونظيره في التتميم للصيانة أي الاحتراس قول الشاعر

فسقى ديارك غير مفسدها
صوب الربيع وديمة تهمي

وقد علل ذلك علي رضي الله عنه بأن القوم زاروا الله وهم في ضيافته في هذه الأيام وليس للضيف أن يصوم دون إذن من أضافه رواه البيهقي بسند مقبول ومن ثم قال جمع سر ذلك أنه تعالى دعا عباده إلى زيارة بيته فأجابوه وقد أهدى كل على قدر وسعه وذبحوا هديهم فقبله منهم وجعل لهم ضيافة وهي ثلاثة أيام فأوسع زواره طعامًا وشرابًا ثلاثة أيام وسنة الملوك إذا أضافوا أطعموا من على الباب كما يطعمون من في الدار والكعبة هي الدار وسائر الأقطار باب الدار فعم الله الكل بضيافته فمنع صيامها وهذا الحديث صحيح وإن كان مرسلاً فقد وصله النسائي من طريق شعيب ومعمر عن الزهري أن مسعود بن الحكم قال أخبرني بعض أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم أنه رأى عبد الله بن حذافة وهو يسير على راحلته فذكر نحوه ورواه أيضًا من طريق صالح بن أبي الأخضر عن الزهري عن سعيد بن المسيب عن أبي هريرة وقال لا نعلم أحدًا قال عن سعيد غير صالح وهو كثير الخطأ ضعيف يعني أن الصواب الأول وفي مسلم عن نبيشة مرفوعًا أيام التشريق أيام أكل وشرب وذكر الله وفيه أيضًا عن كعب بن مالك أنه صلى الله عليه وسلم بعثه وأوس بن الحدثان فنادى أن لا يدخل الجنة إلا مؤمن وأيام منى أيام أكل وشرب زاد أصحاب السنن وذكر الله فلا يصومن أحد فقد عدد صلى الله عليه وسلم المنادى لكثرة الناس ( مالك عن محمد بن يحيى بن حبان) بفتح الحاء والموحدة الثقيلة ( عن الأعرج) عبد الرحمن بن هرمز ( عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى عن صيام يومين) تحريمًا ( يوم الفطر ويوم الأضحى) فيحرم صيامهما على متطوع وناذر وقاض فرضًا ومتمتع وغير ذلك إجماعًا ولا ينعقد نذر صوم أحدهما ولا يلزم قضاؤه عند الجمهور وقال أبو حنيفة يقضى وإن صامه أجزأه ومر هذا الحديث بسنده ومتنه في الصيام ( مالك عن يزيد) بتحتية فزاي ( ابن عبد الله بن الهادي) بالياء وحذفها الليثي المدني ( عن أبي مرة) مشهور بكنيته واسمه يزيد بن مرة وقيل عبد الرحمن ( مولى أم هانئ) قال ابن عبد البر هكذا يقول يزيد بن الهاد وأكثرهم يقولون مولى عقيل بن أبي طالب زاد في نسخة ابن وضاح أخت عقيل بن أبي طالب وفي نسخة بنت أبي طالب وكل منهما صواب ونسخة امرأة عقيل خطأ ( عن عبد الله بن عمرو بن العاصي) القرشي السهمي أحد المكثرين والعبادلة الصحابي ابن الصحابي ( أنه أخبره أنه دخل) كذا للأكثر وللقعنبي وروح بن عبادة أنه دخل مع عبد الله وكذا رواه الليث عن يزيد شيخ مالك ( عن أبيه عمرو بن العاصي فوجده يأكل قال فدعاني) للأكل معه ( قال فقلت له إني صائم فقال هذه الأيام التي نهانا) معاشر المسلمين ( رسول الله صلى الله عليه وسلم عن صيامهن) نهي تحريم ( وأمرنا بفطرهن) أمر إيجاب ( قال مالك هي أيام التشريق) سميت بذلك لأن الذبح فيها يجب بعد شروق الشمس وقيل لأنهم كانوا يشرقون فيها لحوم الأضاحي إذا قددت قاله قتادة وقيل لأنهم كانوا يشرقون للشمس في غير بيوت ولا أبنية للحج وهذا قول أبي جعفر بن محمد بن علي قاله في التمهيد وهذا الحديث رواه أبو داود عن القعنبي عن مالك وصححه ابن خزيمة والحاكم وهو ثالث الأحاديث المرفوعة في الموطأ عن يزيد بن عبد الله.