فهرس الكتاب

شرح الزرقاني - بَابُ مَا جَاءَ فِي السَّلَامِ عَلَى الْيَهُودِيِّ وَالنَّصْرَانِيِّ

رقم الحديث 1754 وَحَدَّثَنِي عَنْ مَالِكٍ أَنَّهُ بَلَغَهُ أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ قَالَ: إِنِّي لَأُحِبُّ أَنْ أَنْظُرَ إِلَى الْقَارِئِ أَبْيَضَ الثِّيَابِ.


( ما جاء في لبس الثياب للجمال بها)

( مالك عن زيد بن أسلم) العدوي مولاهم المدني ( عن جابر بن عبد الله الأنصاري) الصحابي ابن الصحابي ( أنه قال خرجنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في غزوة بني أنمار) بفتح الهمزة وسكون النون فميم فألف فراء بناحية نجد في سنة ثلاث من الهجرة وهي غزوة غطفان وتعرف بذي أمر بفتح الهمزة والميم وسببها أن جمعًا من بني ثعلبة ومحارب تجمعوا يريدون أن يصيبوا من أطراف رسول الله صلى الله عليه وسلم فخرج إليهم فلما سمعوا بذلك هربوا في رؤوس الجبال فرقًا ممن نصر بالرعب فرجع ولم يلق حربًا ( قال جابر فبينا) بلا ميم ( أنا نازل تحت شجرة إذا رسول الله صلى الله عليه وسلم) أقبل ( فقلت يا رسول الله هلم) أي أقبل ( إلى الظل) وكان من عادة الصحابة إذا رأوا شجرة ظليلة تركوها له صلى الله عليه وسلم ( قال فنزل رسول الله صلى الله عليه وسلم) عن دابته تحت ظل الشجرة ( فقمت إلى غرارة) بكسر الغين المعجمة شبه العدل وجمعها غرائر ( لنا فالتمست) طلبت ( فيها شيئًا) يؤكل أقدمه له صلى الله عليه وسلم ( فوجدت فيها جرو) بكسر الجيم على الأفصح وضمها لغة ( قثاء) بكسر القاف أكثر من ضمها فمثلثة ثقيلة ومد اسم لما يقول له الناس الخيار والعجور والفقوس وبعضهم يطلقه على نوع يشبه الخيار قال الباجي هي الصحيحة وقيل المستطيلة وقيل الصغيرة وقال أبو عبيد الجرو صغار القثاء والرمان ( فكسرته ثم قربته إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال من أين لكم هذا فقلت خرجنا به يا رسول الله من المدينة) قال جابر ( وعندنا صاحب لنا) لم يسم ( نجهزه يذهب يرعى ظهرنا) أي دوابنا سميت بذلك لكونها يركب على ظهورها أو لكونها يستظهر بها ويستعان على السفر ( قال) جابر ( فجهزته ثم أدبر يذهب في الظهر) يرعاه ( وعليه بردان له) بضم الموحدة تثنية برد ثوب مخطط وأكسية يلتحف بها الواحدة بهاء وجمعه أبراد وأبرد وبرود ( قد خلقا) بفتح المعجمة واللام أي بليا ( قال فنظر رسول الله صلى الله عليه وسلم إليه فقال أما) بالفتح وخفة الميم ( له ثوبان غير هذين) البردين الخلقين ( فقلت بلى يا رسول الله له ثوبان في العيبة) بفتح العين المهملة وسكون التحتية وموحدة مستودع الثياب ( كسوته إياهما قال فادعه فمره فليلبسهما) بفتح الموحدة قال فدعوته فلبسهما ( ثم ولى يذهب قال فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم ماله) يلبس الخلقين مع تيسر الجديدين ووجودهما عنده ( ضرب الله عنقه أليس هذا خيرًا له) أنكر عليه بذاذته لما يؤدي إلى ذلته وأما قوله صلى الله عليه وسلم البذاذة من الإيمان رواه أبو داود وابن ماجه وصححه الحاكم فمعناه إن قصد بها تواضعًا وزهدًا وكف نفس عن فخر وتكبر لا إظهار فقر وصيانة مال فالمراد به إثبات التواضع للمؤمن كما ورد المؤمن متواضع وليس بذليل ( قال فسمعه الرجل) يقول ضرب الله عنقه قال الباجي وهي كلمة تقولها العرب عند إنكار أمر ولا تريد بها الدعاء على من يقال له ذلك ولكن لما تيقن الرجل وقوع ما يقوله صلى الله عليه وسلم سأل ( فقال يا رسول الله في سبيل الله) أي الجهاد ( فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم في سبيل الله قال) جابر ( فقتل الرجل في سبيل الله) وهذا من عظيم الآيات ( مالك أنه بلغه أن عمر بن الخطاب قال إني لأحب أن أنظر إلى القارئ) أي العالم ( أبيض الثياب) أي أستحب لأهل العلم حسن الزي والتجمل في أعين الناس قاله الباجي ( مالك عن أيوب بن أبي تميمة) كيسان السختياني البصري ( عن محمد بن سيرين) الأنصاري مولاهم البصري ( قال قال عمر بن الخطاب إذا وسع الله عليكم) الرزق ( فأوسعوا على أنفسكم) لأن الله يحب أن يرى أثر نعمته على عبده وروى أبو نعيم وابن لال وغيرهما عن ابن عمر مرفوعًا أن المؤمن أخذ عن الله أدبًا حسنًا إذا وسع عليه وسع على نفسه ( جمع رجل عليه ثيابه) خبر أريد به الأمر يعني ليجمع قاله ابن بطال وقال ابن المنير الصحيح أنه كلام في معنى الشرط كأنه قال إن جمع رجل عليه ثيابه فحسن وهذا قطعة من حديث رواه البخاري من طريق حماد بن زيد عن أيوب عن محمد بن سيرين عن أبي هريرة قال سأل رجل النبي صلى الله عليه وسلم عن الصلاة في الثوب الواحد فقال أوكلكم يجد ثوبين ثم سأل رجل عمر فقال إذا وسع الله فأوسعوا جمع رجل عليه ثيابه صلى رجل في إزار ورداء في إزار وقميص في إزار وقباء في سراويل ورداء في تبان وقميص وأحسبه قال في تبان ورداء وأخرجه ابن حبان من طريق إسماعيل ابن علية عن أيوب فأدمج الموقوف في المرفوع ولم يذكر عمر والأول أصح لا سيما وقد وافق حماد بن زيد عليه كذلك حماد بن سلمة فرواه عن أيوب وهشام وحبيب وعاصم كلهم عن ابن سيرين كذلك أخرجه ابن حبان أيضًا وقد أخرج مسلم حديث ابن علية فاقتصر على المتفق على رفعه وحذف الباقي وهو من حسن تصرفه.



رقم الحديث 1754 حَدَّثَنِي عَنْ مَالِكٍ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ دِينَارٍ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ أَنَّهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: إِنَّ الْيَهُودَ إِذَا سَلَّمَ عَلَيْكُمْ أَحَدُهُمْ، فَإِنَّمَا يَقُولُ: السَّامُ عَلَيْكُمْ، فَقُلْ: عَلَيْكَ قَالَ يَحْيَى: وَسُئِلَ مَالِكٌ عَمَّنْ سَلَّمَ عَلَى الْيَهُودِيِّ أَوِ النَّصْرَانِيِّ هَلْ يَسْتَقِيلُهُ ذَلِكَ؟ فَقَالَ: لَا.


( مالك عن عبد الله بن دينار عن عبد الله بن عمر) رضي الله عنهما ( أنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم إن اليهود) جمع يهودي كروم ورومي ( إذا سلم عليكم أحدهم فإنما يقول السام عليكم) أي الموت ومنه الحديث لكل داء دواء إلا السام قيل وما السام يا رسول الله قال الموت ( فقل عليك) بلا واو ولجميع رواة الموطأ وفي البخاري عن التنيسي بالواو وجاءت الأحاديث في مسلم بحذفها وإثباتها وهو أكثر واختار ابن حبيب الحذف لأن الواو تقتضي إثباته على نفسه حتى يصح العطف فيدخل معهم فيما دعوا به وقيل هي للاستئناف لا للعطف قاله المازري وكأنه قال وعليك ما تستحقه من الذم وقال القرطبي كأنه قال والسام عليك وهذا كله بعيد والأولى أنها على بابها للعطف غير أنا نجاب فيهم ولا يجابون فينا كما قال صلى الله عليه وسلم قال ورواية الحذف أحسن معنى والإثبات أصح وأشهر يعني في مسلم وقال النووي الصواب جواز الحذف والإثبات وهو أجود ولا مفسدة فيه لأن السام الموت وهو علينا وعليهم فلا ضرر فيه وقال البيضاوي في العطف شيء مقدر أي وأقول عليكم ما تريدون بنا أو ما تستحقون وليس عطفًا على عليكم في كلامهم وإلا لتضمن ذلك تقرير دعائهم ولذا قال عليك بلا واو وروي بالواو أيضًا قال عياض وقال قتادة مرادهم بالسام السآمة أي تسأمون دينكم مصدر سئمت سآمة وسآما مثل رضاعًا وقد جاء هكذا مفسرًا من قوله صلى الله عليه وسلم وعلى هذا فرواية حذف الواو أحسن قال الماوردي واختار بعضهم أن يقول في الرد عليهم السلام بكسر السين أي الحجارة قال عبد الوهاب والأول أولى لأن السنة وردت به لأن الرد إنما يكون من جنس المردود وأجاز بعضهم الرد عليهم بلفظ السلام لقوله تعالى { { سلام عليك سأستغفر لك ربي } } وقوله تعالى { { وقل سلام فسوف يعلمون } } والجواب أنه لم يقصد بهذا السلام التحية وإنما قصد به المباعدة والمتاركة ولذا قيل أنها منسوخة بآية السيف وقال عياض أوجب ابن عباس والشعبي وقتادة رد سلامهم لعموم الآية والحديث وروى أشهب وابن وهب عن مالك لا يرد عليهم والآية والحديث مخصوصان بسلام المسلم وبين هذا الحديث أنه لا يرد عليهم بلفظ السلام المشروع بل نقول عليك وهذا قول الأكثر والحديث رواه البخاري هنا عن عبد الله بن يوسف وفي استتابة المرتدين عن يحيى القطان كلاهما عن مالك به وتابعه إسماعيل بن جعفر وسفيان قال وعليك بالواو ( سئل مالك عمن سلم على اليهودي أو النصراني) سهوًا أو عمدًا أو جهلاً بالنهي ( هل يستقبله ذلك فقال لا) يستقبله بل يتوب ويستغفر إن كان عمدًا.