فهرس الكتاب

شرح الزرقاني - بَابُ مَا جَاءَ فِي الْوَحْدَةِ فِي السَّفَرِ لِلرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ

رقم الحديث 1793 حَدَّثَنِي مَالِكٌ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ حَرْمَلَةَ، عَنْ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ جَدِّهِ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: الرَّاكِبُ شَيْطَانٌ، وَالرَّاكِبَانِ شَيْطَانَانِ، وَالثَّلَاثَةُ رَكْبٌ.


( مالك عن عبد الرحمن بن حرملة) ابن عمرو الأسلمي المدني صالح الحديث لا بأس به مات سنة خمس وأربعين ومائة ولأبيه صحبة ورواية ( عن عمر) بفتح العين ( ابن شعيب) القرشي صدوق مات سنة ثمان عشرة ومائة ( عن أبيه) شعيب بن محمد بن عبد الله بن عمرو بن العاصي صدوق ثبت سماعه من جده فالضمير في قوله ( عن جده) عبد الله بن عمر ولشعيب وإن كان لعمر وحمل على الجد الأعلى عبد الله الصحابي هذا الأكثر وهو الصحيح أي لا احتجاج بهذه الترجمة ( أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال الراكب) الواحد قال ابن عبد البر وفي معناه الراجل الواحد ( شيطان) أي بعيد عن الخير في الأنس والرفق وهذا أصل الكلمة لغة يقال بئر شطون أي بعيدة انتهى وقال ابن قتيبة بمعنى أن الشيطان يطمع في الواحد كما يطمع فيه اللص والسبع فإذا خرج وحده فقد تعرض للبلاء به فكان شيطانًا ( والراكبان شيطانان) لأن كلا منهما متعرض لذلك سميًا بذلك لأن كل واحد من القبيلين يسلك سبيل الشيطان في اختياره الوحدة في السفر وقال المنذري شيطان أي عاص كقوله تعالى { { شياطين الإنس والجن } } فإن معناه عصاتهم وقال البيضاوي سمي الواحد والاثنين شيطانًا لمخالفة النهي عن التوحد في السفر والتعرض للآفات التي لا تندفع إلا بالكثرة ولأن المسافر تنبو عنه الجماعة وتعسر عليه المعيشة ولعل الموت يدركه فلا يجد من يوصي إليه بإيفاء ديون الناس وأماناتهم وسائر ما يجب أو يسن على المحتضر أن يوصي به ولم يكن ثم من يقوم بتجهيزه ودفنه وقال الطبري هذا زجر أدب وإرشاد لما يخاف على الواحد من الوحشة وليس بحرام فالسائر وحده بفلاة والبائت في بيت وحده لا يأمن الاستيحاش ولا سيما إن كان ذا فكرة رديئة وقلب ضعيف والحق أن الناس يتفاوتون في ذلك فوقع الزجر لحسم المادة فيكره الانفراد سدًا للباب والكراهة في الاثنين أخف منها في الواحد وعن مالك أن ذلك في سفر القصر فأما من قصر عنه فلا بأس أن ينفرد الواحد فيه وقال أبو عمر لم تختلف الآثار في كراهة السفر للواحد واختلفت في الاثنين ووجه الكراهة أن الواحد إن مرض لم يجد من يمرضه ولا يقوم عليه ولا يخبر عنه ونحو هذا ( والثلاثة ركب) لزوال الوحشة وحصول الأنس وانقطاع الأطماع عنهم وخروجه صلى الله عليه وسلم مع أبي بكر مهاجرين لضرورة الخوف على أنفسهما من المشركين أو لأن من خصائصه صلى الله عليه وسلم عدم كراهة الانفراد في السفر وحده لأمنه من الشيطان بخلاف غيره كما ذكره الحافظ العراقي وأنكر مجاهد رفع الحديث وقال لم يقله النبي صلى الله عليه وسلم قد بعث ابن مسعود وخباب بن الأرت سرية وبعث دحية سرية وحده ولكن قال عمر يحتاط للمسلمين كونوا في أسفاركم ثلاثة إن مات واحد وليه اثنان الواحد شيطان والاثنان شيطانان أخرجه ابن عبد البر وقال لا معنى لإنكاره لأن الثقات نقلوه مرفوعًا انتهى أجيب بأنه إنما أرسل البريد وحده لضرورة طلب السرعة في إبلاغ ما أرسل به على أنه كان يأمره أن ينضم في الطريق بالرفقاء والحديث أخرجه أحمد وأبو داود والترمذي من طريق مالك وغيره وصححه ابن خزيمة والحاكم وغيرهما ( مالك عن عبد الرحمن بن حرملة عن سعيد بن المسيب أنه كان يقول) قال أبو عمر مرسل باتفاق رواة الموطأ ووصله قاسم بن أصبغ من طريق عبد الرحمن بن أبي الزناد عن عبد الرحمن بن حرملة عن سعيد بن المسيب عن أبي هريرة قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ( الشيطان) إبليس أو أعم ( يهم) بضم الهاء ( بالواحد والاثنين) أي باغتياله والتسلط عليه أو بغيه وصرفه عن الحق وإغوائه بالباطل احتمالان للباجي ( فإذا كانوا ثلاثة لم يهم بهم) لأنهم ركب وصحب وروى البخاري وأصحاب السنن عن ابن عمر مرفوعًا لو يعلم الناس من الوحدة ما أعلم ما سار راكب بليل وحده قال أبو عمر يتصل معنى الحديث من وجوه حسان وأورد منها جملة ثم أخرج له سببًا عن ابن عمر أنه سافر مرة فمر بقبر جاهلي فخرج منه رجل يتأجج نارًا في عنقه سلسلة ومعي إداوة من ماء فقال يا عبد الله اسقني فقلت عرفني أول كلمة تقولها العرب فخرج على أثره رجل من القبر فقال يا عبد الله لا تسقه فإنه كافر ثم أخذ السلسلة فاجتذبه فأدخله القبر ثم أضافني الليل إلى بيت عجوز إلى جانبها قبر فسمعت منه صوتًا يقول بول وما بول شن وما شن فقلت للعجوز ما هذا قالت كان زوجًا لي وكان لا يتقي البول وأقول له ويحك إن الجمل إذا بال تفاج فيأبى فهو ينادي من يوم مات بول وما بول قلت فما الشن قال جاء رجل عطشان فقال اسقني فقال دونك الشن فإذا ليس فيه شيء فخر الرجل ميتًا فهو ينادي شن وما شن فلما قدمت على النبي صلى الله عليه وسلم أخبرته فنهى أن يسافر الرجل وحده قال أبو عمر رواته مجهولون لم أورده للاحتجاج ولكن للاعتبار وما لا حكم فيه يسامح في روايته عن الضعفاء ( مالك عن سعيد بن أبي سعيد) كيسان ( المقبري) بضم الباء وفتحها ( عن أبي هريرة) كذا لمعظم رواة الموطأ وهو المشهور عن مالك ورواه بشر بن عمر الزهراني عند أبي داود والترمذي وغيرهما وإسحاق بن محمد القروي عند الدارقطني والوليد بن مسلم عند الإسماعيلي الثلاثة عن مالك عن سعيد عن أبيه عن أبي هريرة وكذا اختلف على ابن أبي ذئب فرواه الشيخان من طريق يحيى القطان عنه عن سعيد عن أبيه ورواه ابن ماجه من طريق شبابة عنه عن سعيد عن أبي هريرة ورواه مسلم وأبو داود من رواية الليث بن سعد عن سعيد عن أبيه عن أبي هريرة ورواه أحمد عن يحيى بن أبي كثير وأبو داود وابن خزيمة والحاكم وابن حبان عن سهيل بن أبي صالح كلاهما عن سعيد عن أبي هريرة وصوب الدارقطني رواية إسقاط عن أبيه لاتفاق مالك وابن كثير وسهيل على إسقاطه وانتقد على الشيخين إخراجهما رواية ابن أبي ذئب وعلى مسلم إخراجه رواية الليث بإثبات عن أبيه وأجيب بأن هذا اختلاف لا يقدح فإن سماع سعيد من أبي هريرة صحيح معروف فلعله سمعه من أبي هريرة نفسه فحدث به على الوجهين وبهذا جزم ابن حبان فقال سمع هذا الخبر سعيد المقبري عن أبي هريرة وسمعه من أبيه عن أبي هريرة فالطريقان جميعًا محفوظان انتهى ويؤيده أن سعيدًا ليس بمدلس فالحديث صحيح متصل على كل حال ( أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لا يحل لامرأة تؤمن بالله واليوم الآخر) يوم القيامة وقيد بذلك لأن الإيمان هو الذي يستمر للمتصف به خطاب الشرع فينتفع به وينقاد له أو أن الوصف ذكر لتأكيد التحريم لأنه تعريض بأنها إذا سافرت بلا محرم خالفت شرط الإيمان بالله واليوم الآخر المقتضي للوقوف عندما نهيت عنه أو خرج مخرج الغالب ولم يقصد به إخراج الكافرة كتابية أو حربية كما قال به بعض العلماء تمسكًا بالمفهوم ( تسافر) هكذا الرواية بدون أن نظير قولهم تسمع بالمعيدي خير من أن تراه فتسمع موضعه رفع على الابتداء وتسافر موضعه رفع على الفاعلية فيجوز رفعه ونصبه بإضمار أن قاله الولي العراقي ( مسيرة) مصدر ميمي بمعنى السير كمعيشة بمعنى العيش وليست التاء فيه للمرة ( يوم وليلة إلا مع ذي محرم) بفتح الميم أي حرام ( منها) بنسب أو صهر أو رضاع إلا أن مالكًا كره تنزيهًا سفرها مع ابن زوجها لفساد الزمان وحداثة الحرمة ولأن الداعي إلى النفرة عن امرأة الأب ليس كالداعي إلى النفرة عن سائر المحارم والمرأة فتنة إلا فيما جبلت عليه النفوس من النفرة عن محارم النسب وعلله الباجي بعداوة المرأة لربيبها وعدم شفقته عليها وصوب غيره التعليل الأول زاد الشيخان من حديث أبي سعيد أو زوج وفي معناه السيد ولو لم يرد ذكر الزوج لقيس على المحرم قياسًا جليًا ولفظ امرأة عام في جميع النساء ونقل عياض عن بعضهم لا عن الباجي كما زعم أنه في الشابة أما الكبيرة التي لا تشتهي فتسافر في كل الأسفار بلا زوج ولا محرم قال ابن دقيق العيد وهو تخصيص للعموم بالنظر إلى المعنى وقال القرطبي فيه بعد لأن الخلوة بها حرام وما لا يطلع عليه من جسدها غالبًا عورة فالمظنة موجودة فيها والعموم صالح لها فينبغي أن لا تخرج منه وقال النووي المرأة مظنة الطمع فيها ومظنة الشهوة ولو كبيرة وقد قالوا لكل ساقطة لاقطة ويجتمع في الأسفار من سفهاء الناس وسقطهم من لا يترفع عن الفاحشة بالعجوز وغيرها لغلبة شهوته وقلة دينه ومروءته وحيائه ونحو ذلك انتهى وفي حديث أبي سعيد عند الشيخين وغيرهما أن تسافر فوق ثلاثة أيام فصاعدًا وفي حديث ابن عمر في الصحيحين وأبي داود لا تسافر المرأة ثلاثًا إلا ومعها ذو محرم وفي رواية الليث المذكورة لحديث أبي هريرة تسافر مسيرة ليلة وفي رواية أحمد يوم وفي أبي داود بريد بدل يوم وفي رواية يومين وفي أخرى إطلاق السفر من غير تقييد فجمع ابن عبد البر والبيهقي وعياض وغيرهم وعزاه النووي للعلماء بأن هذا الاختلاف بحسب اختلاف السائلين فسئل مرة عن سفرها ليلة فقال لا وأخرى عن سفرها يومًا فقال لا وهكذا في جميعها وليس فيه تحديد قال الأبي والمراد أنها إذا كانت جوابًا لسائلين فلا مفهوم لأحدها وبالجملة فالفقه جمع أحاديث الباب فحق الناظر أن يستحضر جميعها وينظر أخصها فينيط الحكم به وأخصها باعتبار ترتب الحكم عليه يوم لأنه إذا امتنع فيه امتنع فيما هو أكثر ثم أخص من يوم وصف السفر المذكور في جميعها فيمنع في أقل ما يصدق عليه اسم السفر ثم أخص من اسم السفر الخلوة بها فلا تعرض المرأة نفسها بالخلوة مع أحد وإن قل الزمن لعدم الأمن لا سيما مع فساد الزمن والمرأة فتنة إلا فيما جبلت عليه النفوس من النفرة من محارم النسب وقد اتقى بعض السلف الخلوة بالبهيمة وقال شيطان مغوى وأنثى حاضرة انتهى وقال القاضي عياض يمكن الجمع بينها بأن اليوم المذكور بمعنى اليوم والليلة المجموعين لأن اليوم من الليل والليل من اليوم ويكون ذكره يومين مدة مغيبها في هذا السفر في السير والرجوع فأشار مرة لمسافة السفر ومرة لمدة المغيب وهكذا في ذكر الثلاث فقد يكون اليوم الوسط بين السير والرجوع الذي تقضي فيه حاجتها حيث سافرت له فتتفق الأحاديث وقد يكون هذا كله تمثيلاً بأقل الأعداد إذ الواحد أول العدد والاثنان أول الكثير وأقله والثلاثة أقل الجمع فكأنه أشار أن مثل هذا في قلة الزمان لا يحل لها السفر فيه مع غير ذي محرم فكيف بما زاد وبهذا قال في الحديث الآخر ثلاثة أيام فصاعدا انتهى واستدل بالحديث لأبي حنيفة وأحمد ومن وافقهما على أن المحرم أو الزوج شرط في استطاعة المرأة للحج فإنه حرم عليها السفر إلا مع أحدهما والحج من جملة الأسفار فيكون حرامًا عليها فلا يجب وقال مالك والشافعي في المشهور عنهما وطائفة لا يشترط المحرم قال في المدونة من لا ولي لها تحج مع من تثق به من رجال ونساء واختلف هل مراده مجموع الصنفين أو مع جماعة من أحدهما وأكثر ما نقل عنه اشتراط النساء وقال الشافعي تحج مع امرأة حرة مسلمة ثقة واعترضه الخطابي بأنها لا تكون ذا محرم منها فإباحة الخروج معها في سفر الحج خلاف السنة ومحل الخلاف في حج الفرض فأما التطوع فلا تخرج إلا مع محرم أو زوج وأجابوا عن الحديث بحمله على حج التطوع لا الفرض قياسًا على الإجماع في الكافرة إذا أسلمت بدار الحرب فيجب عليها الهجرة منها وإن بلا محرم والجامع بينهما وجوب الحج والهجرة وتعقبه المازري وغيره بأن إقامتها في دار الكفر حرام لأنها تخشى على دينها ونفسها ولا كذلك تأخير الحج للخلاف في فوريته وتراخيه قال القرطبي وسبب هذا الخلاف مخالفة ظواهر الأحاديث لظاهر قوله تعالى { { ولله على الناس حج البيت من استطاع إليه سبيلا } } لأن ظاهره الاستطاعة بالبدن فيجب على كل قادر عليه ببدنه ومن لم تجد محرمًا قادرة ببدنها فيجب عليها فلما تعارضت هذه الظواهر اختلف العلماء في تأويل ذلك فجمع أبو حنيفة ومن وافقه بأن جعل الحديث مبينًا للاستطاعة في حق المرأة ورأى مالك وموافقوه أن الاستطاعة الأمنية بنفسها في حق الرجال والنساء وأن الأحاديث المذكورة لم تتعرض للأسفار الواجبة وقد أجيب أيضًا بحمل الأخبار على ما إذا لم تكن الطريق أمنًا قال القرطبي يمكن أن المنع إنما خرج لما يؤدي إليه من الخلوة وانكشاف عوراتهن غالبًا فإذا أمن ذلك بحيث يكون في الرفقة نساء تنحاش إليهن كما قال مالك والشافعي قال الباجي وهذا عندي في الانفراد والعدد اليسير فأما في القوافل العظيمة فهي كالبلاد يصح فيها سفرها دون نساء ودون محرم انتهى ولم يذكر الجمهور هذا القيد عملاً بإطلاق الحديث وهو الراجح ومحل هذا كله ما لم تدع ضرورة كوجود امرأة أجنبية منقطعة مثلاً فله أن يصحبها بل يجب عليه إذا خاف عليها لو تركها قال النووي وهذا مما لا خلاف فيه ويدل عليه حديث عائشة في قصة الإفك وفي الحديث فوائد أخر لا نطيل بذكرها وأخرجه مسلم عن يحيى وأبو داود عن القعنبي والنفيلي الثلاثة عن مالك به بدون عن أبيه قال المازري على الأصح وكذا ذكره ابن مسعود الدمشقي وكذا رواه معظم رواة الموطأ انتهى وفي كثير من نسخ مسلم من طريق مالك المذكورة عن أبيه واقتصر عليه خلف الواسطي في الأطراف وللحديث طرق كثيرة.


رقم الحديث 1794 وَحَدَّثَنِي مَالِكٌ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ حَرْمَلَةَ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ، أَنَّهُ كَانَ يَقُولُ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: الشَّيْطَانُ يَهُمُّ بِالْوَاحِدِ وَالْاثْنَيْنِ، فَإِذَا كَانُوا ثَلَاثَةً لَمْ يَهُمَّ بِهِمْ.


( مالك عن عبد الرحمن بن حرملة) ابن عمرو الأسلمي المدني صالح الحديث لا بأس به مات سنة خمس وأربعين ومائة ولأبيه صحبة ورواية ( عن عمر) بفتح العين ( ابن شعيب) القرشي صدوق مات سنة ثمان عشرة ومائة ( عن أبيه) شعيب بن محمد بن عبد الله بن عمرو بن العاصي صدوق ثبت سماعه من جده فالضمير في قوله ( عن جده) عبد الله بن عمر ولشعيب وإن كان لعمر وحمل على الجد الأعلى عبد الله الصحابي هذا الأكثر وهو الصحيح أي لا احتجاج بهذه الترجمة ( أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال الراكب) الواحد قال ابن عبد البر وفي معناه الراجل الواحد ( شيطان) أي بعيد عن الخير في الأنس والرفق وهذا أصل الكلمة لغة يقال بئر شطون أي بعيدة انتهى وقال ابن قتيبة بمعنى أن الشيطان يطمع في الواحد كما يطمع فيه اللص والسبع فإذا خرج وحده فقد تعرض للبلاء به فكان شيطانًا ( والراكبان شيطانان) لأن كلا منهما متعرض لذلك سميًا بذلك لأن كل واحد من القبيلين يسلك سبيل الشيطان في اختياره الوحدة في السفر وقال المنذري شيطان أي عاص كقوله تعالى { { شياطين الإنس والجن } } فإن معناه عصاتهم وقال البيضاوي سمي الواحد والاثنين شيطانًا لمخالفة النهي عن التوحد في السفر والتعرض للآفات التي لا تندفع إلا بالكثرة ولأن المسافر تنبو عنه الجماعة وتعسر عليه المعيشة ولعل الموت يدركه فلا يجد من يوصي إليه بإيفاء ديون الناس وأماناتهم وسائر ما يجب أو يسن على المحتضر أن يوصي به ولم يكن ثم من يقوم بتجهيزه ودفنه وقال الطبري هذا زجر أدب وإرشاد لما يخاف على الواحد من الوحشة وليس بحرام فالسائر وحده بفلاة والبائت في بيت وحده لا يأمن الاستيحاش ولا سيما إن كان ذا فكرة رديئة وقلب ضعيف والحق أن الناس يتفاوتون في ذلك فوقع الزجر لحسم المادة فيكره الانفراد سدًا للباب والكراهة في الاثنين أخف منها في الواحد وعن مالك أن ذلك في سفر القصر فأما من قصر عنه فلا بأس أن ينفرد الواحد فيه وقال أبو عمر لم تختلف الآثار في كراهة السفر للواحد واختلفت في الاثنين ووجه الكراهة أن الواحد إن مرض لم يجد من يمرضه ولا يقوم عليه ولا يخبر عنه ونحو هذا ( والثلاثة ركب) لزوال الوحشة وحصول الأنس وانقطاع الأطماع عنهم وخروجه صلى الله عليه وسلم مع أبي بكر مهاجرين لضرورة الخوف على أنفسهما من المشركين أو لأن من خصائصه صلى الله عليه وسلم عدم كراهة الانفراد في السفر وحده لأمنه من الشيطان بخلاف غيره كما ذكره الحافظ العراقي وأنكر مجاهد رفع الحديث وقال لم يقله النبي صلى الله عليه وسلم قد بعث ابن مسعود وخباب بن الأرت سرية وبعث دحية سرية وحده ولكن قال عمر يحتاط للمسلمين كونوا في أسفاركم ثلاثة إن مات واحد وليه اثنان الواحد شيطان والاثنان شيطانان أخرجه ابن عبد البر وقال لا معنى لإنكاره لأن الثقات نقلوه مرفوعًا انتهى أجيب بأنه إنما أرسل البريد وحده لضرورة طلب السرعة في إبلاغ ما أرسل به على أنه كان يأمره أن ينضم في الطريق بالرفقاء والحديث أخرجه أحمد وأبو داود والترمذي من طريق مالك وغيره وصححه ابن خزيمة والحاكم وغيرهما ( مالك عن عبد الرحمن بن حرملة عن سعيد بن المسيب أنه كان يقول) قال أبو عمر مرسل باتفاق رواة الموطأ ووصله قاسم بن أصبغ من طريق عبد الرحمن بن أبي الزناد عن عبد الرحمن بن حرملة عن سعيد بن المسيب عن أبي هريرة قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ( الشيطان) إبليس أو أعم ( يهم) بضم الهاء ( بالواحد والاثنين) أي باغتياله والتسلط عليه أو بغيه وصرفه عن الحق وإغوائه بالباطل احتمالان للباجي ( فإذا كانوا ثلاثة لم يهم بهم) لأنهم ركب وصحب وروى البخاري وأصحاب السنن عن ابن عمر مرفوعًا لو يعلم الناس من الوحدة ما أعلم ما سار راكب بليل وحده قال أبو عمر يتصل معنى الحديث من وجوه حسان وأورد منها جملة ثم أخرج له سببًا عن ابن عمر أنه سافر مرة فمر بقبر جاهلي فخرج منه رجل يتأجج نارًا في عنقه سلسلة ومعي إداوة من ماء فقال يا عبد الله اسقني فقلت عرفني أول كلمة تقولها العرب فخرج على أثره رجل من القبر فقال يا عبد الله لا تسقه فإنه كافر ثم أخذ السلسلة فاجتذبه فأدخله القبر ثم أضافني الليل إلى بيت عجوز إلى جانبها قبر فسمعت منه صوتًا يقول بول وما بول شن وما شن فقلت للعجوز ما هذا قالت كان زوجًا لي وكان لا يتقي البول وأقول له ويحك إن الجمل إذا بال تفاج فيأبى فهو ينادي من يوم مات بول وما بول قلت فما الشن قال جاء رجل عطشان فقال اسقني فقال دونك الشن فإذا ليس فيه شيء فخر الرجل ميتًا فهو ينادي شن وما شن فلما قدمت على النبي صلى الله عليه وسلم أخبرته فنهى أن يسافر الرجل وحده قال أبو عمر رواته مجهولون لم أورده للاحتجاج ولكن للاعتبار وما لا حكم فيه يسامح في روايته عن الضعفاء ( مالك عن سعيد بن أبي سعيد) كيسان ( المقبري) بضم الباء وفتحها ( عن أبي هريرة) كذا لمعظم رواة الموطأ وهو المشهور عن مالك ورواه بشر بن عمر الزهراني عند أبي داود والترمذي وغيرهما وإسحاق بن محمد القروي عند الدارقطني والوليد بن مسلم عند الإسماعيلي الثلاثة عن مالك عن سعيد عن أبيه عن أبي هريرة وكذا اختلف على ابن أبي ذئب فرواه الشيخان من طريق يحيى القطان عنه عن سعيد عن أبيه ورواه ابن ماجه من طريق شبابة عنه عن سعيد عن أبي هريرة ورواه مسلم وأبو داود من رواية الليث بن سعد عن سعيد عن أبيه عن أبي هريرة ورواه أحمد عن يحيى بن أبي كثير وأبو داود وابن خزيمة والحاكم وابن حبان عن سهيل بن أبي صالح كلاهما عن سعيد عن أبي هريرة وصوب الدارقطني رواية إسقاط عن أبيه لاتفاق مالك وابن كثير وسهيل على إسقاطه وانتقد على الشيخين إخراجهما رواية ابن أبي ذئب وعلى مسلم إخراجه رواية الليث بإثبات عن أبيه وأجيب بأن هذا اختلاف لا يقدح فإن سماع سعيد من أبي هريرة صحيح معروف فلعله سمعه من أبي هريرة نفسه فحدث به على الوجهين وبهذا جزم ابن حبان فقال سمع هذا الخبر سعيد المقبري عن أبي هريرة وسمعه من أبيه عن أبي هريرة فالطريقان جميعًا محفوظان انتهى ويؤيده أن سعيدًا ليس بمدلس فالحديث صحيح متصل على كل حال ( أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لا يحل لامرأة تؤمن بالله واليوم الآخر) يوم القيامة وقيد بذلك لأن الإيمان هو الذي يستمر للمتصف به خطاب الشرع فينتفع به وينقاد له أو أن الوصف ذكر لتأكيد التحريم لأنه تعريض بأنها إذا سافرت بلا محرم خالفت شرط الإيمان بالله واليوم الآخر المقتضي للوقوف عندما نهيت عنه أو خرج مخرج الغالب ولم يقصد به إخراج الكافرة كتابية أو حربية كما قال به بعض العلماء تمسكًا بالمفهوم ( تسافر) هكذا الرواية بدون أن نظير قولهم تسمع بالمعيدي خير من أن تراه فتسمع موضعه رفع على الابتداء وتسافر موضعه رفع على الفاعلية فيجوز رفعه ونصبه بإضمار أن قاله الولي العراقي ( مسيرة) مصدر ميمي بمعنى السير كمعيشة بمعنى العيش وليست التاء فيه للمرة ( يوم وليلة إلا مع ذي محرم) بفتح الميم أي حرام ( منها) بنسب أو صهر أو رضاع إلا أن مالكًا كره تنزيهًا سفرها مع ابن زوجها لفساد الزمان وحداثة الحرمة ولأن الداعي إلى النفرة عن امرأة الأب ليس كالداعي إلى النفرة عن سائر المحارم والمرأة فتنة إلا فيما جبلت عليه النفوس من النفرة عن محارم النسب وعلله الباجي بعداوة المرأة لربيبها وعدم شفقته عليها وصوب غيره التعليل الأول زاد الشيخان من حديث أبي سعيد أو زوج وفي معناه السيد ولو لم يرد ذكر الزوج لقيس على المحرم قياسًا جليًا ولفظ امرأة عام في جميع النساء ونقل عياض عن بعضهم لا عن الباجي كما زعم أنه في الشابة أما الكبيرة التي لا تشتهي فتسافر في كل الأسفار بلا زوج ولا محرم قال ابن دقيق العيد وهو تخصيص للعموم بالنظر إلى المعنى وقال القرطبي فيه بعد لأن الخلوة بها حرام وما لا يطلع عليه من جسدها غالبًا عورة فالمظنة موجودة فيها والعموم صالح لها فينبغي أن لا تخرج منه وقال النووي المرأة مظنة الطمع فيها ومظنة الشهوة ولو كبيرة وقد قالوا لكل ساقطة لاقطة ويجتمع في الأسفار من سفهاء الناس وسقطهم من لا يترفع عن الفاحشة بالعجوز وغيرها لغلبة شهوته وقلة دينه ومروءته وحيائه ونحو ذلك انتهى وفي حديث أبي سعيد عند الشيخين وغيرهما أن تسافر فوق ثلاثة أيام فصاعدًا وفي حديث ابن عمر في الصحيحين وأبي داود لا تسافر المرأة ثلاثًا إلا ومعها ذو محرم وفي رواية الليث المذكورة لحديث أبي هريرة تسافر مسيرة ليلة وفي رواية أحمد يوم وفي أبي داود بريد بدل يوم وفي رواية يومين وفي أخرى إطلاق السفر من غير تقييد فجمع ابن عبد البر والبيهقي وعياض وغيرهم وعزاه النووي للعلماء بأن هذا الاختلاف بحسب اختلاف السائلين فسئل مرة عن سفرها ليلة فقال لا وأخرى عن سفرها يومًا فقال لا وهكذا في جميعها وليس فيه تحديد قال الأبي والمراد أنها إذا كانت جوابًا لسائلين فلا مفهوم لأحدها وبالجملة فالفقه جمع أحاديث الباب فحق الناظر أن يستحضر جميعها وينظر أخصها فينيط الحكم به وأخصها باعتبار ترتب الحكم عليه يوم لأنه إذا امتنع فيه امتنع فيما هو أكثر ثم أخص من يوم وصف السفر المذكور في جميعها فيمنع في أقل ما يصدق عليه اسم السفر ثم أخص من اسم السفر الخلوة بها فلا تعرض المرأة نفسها بالخلوة مع أحد وإن قل الزمن لعدم الأمن لا سيما مع فساد الزمن والمرأة فتنة إلا فيما جبلت عليه النفوس من النفرة من محارم النسب وقد اتقى بعض السلف الخلوة بالبهيمة وقال شيطان مغوى وأنثى حاضرة انتهى وقال القاضي عياض يمكن الجمع بينها بأن اليوم المذكور بمعنى اليوم والليلة المجموعين لأن اليوم من الليل والليل من اليوم ويكون ذكره يومين مدة مغيبها في هذا السفر في السير والرجوع فأشار مرة لمسافة السفر ومرة لمدة المغيب وهكذا في ذكر الثلاث فقد يكون اليوم الوسط بين السير والرجوع الذي تقضي فيه حاجتها حيث سافرت له فتتفق الأحاديث وقد يكون هذا كله تمثيلاً بأقل الأعداد إذ الواحد أول العدد والاثنان أول الكثير وأقله والثلاثة أقل الجمع فكأنه أشار أن مثل هذا في قلة الزمان لا يحل لها السفر فيه مع غير ذي محرم فكيف بما زاد وبهذا قال في الحديث الآخر ثلاثة أيام فصاعدا انتهى واستدل بالحديث لأبي حنيفة وأحمد ومن وافقهما على أن المحرم أو الزوج شرط في استطاعة المرأة للحج فإنه حرم عليها السفر إلا مع أحدهما والحج من جملة الأسفار فيكون حرامًا عليها فلا يجب وقال مالك والشافعي في المشهور عنهما وطائفة لا يشترط المحرم قال في المدونة من لا ولي لها تحج مع من تثق به من رجال ونساء واختلف هل مراده مجموع الصنفين أو مع جماعة من أحدهما وأكثر ما نقل عنه اشتراط النساء وقال الشافعي تحج مع امرأة حرة مسلمة ثقة واعترضه الخطابي بأنها لا تكون ذا محرم منها فإباحة الخروج معها في سفر الحج خلاف السنة ومحل الخلاف في حج الفرض فأما التطوع فلا تخرج إلا مع محرم أو زوج وأجابوا عن الحديث بحمله على حج التطوع لا الفرض قياسًا على الإجماع في الكافرة إذا أسلمت بدار الحرب فيجب عليها الهجرة منها وإن بلا محرم والجامع بينهما وجوب الحج والهجرة وتعقبه المازري وغيره بأن إقامتها في دار الكفر حرام لأنها تخشى على دينها ونفسها ولا كذلك تأخير الحج للخلاف في فوريته وتراخيه قال القرطبي وسبب هذا الخلاف مخالفة ظواهر الأحاديث لظاهر قوله تعالى { { ولله على الناس حج البيت من استطاع إليه سبيلا } } لأن ظاهره الاستطاعة بالبدن فيجب على كل قادر عليه ببدنه ومن لم تجد محرمًا قادرة ببدنها فيجب عليها فلما تعارضت هذه الظواهر اختلف العلماء في تأويل ذلك فجمع أبو حنيفة ومن وافقه بأن جعل الحديث مبينًا للاستطاعة في حق المرأة ورأى مالك وموافقوه أن الاستطاعة الأمنية بنفسها في حق الرجال والنساء وأن الأحاديث المذكورة لم تتعرض للأسفار الواجبة وقد أجيب أيضًا بحمل الأخبار على ما إذا لم تكن الطريق أمنًا قال القرطبي يمكن أن المنع إنما خرج لما يؤدي إليه من الخلوة وانكشاف عوراتهن غالبًا فإذا أمن ذلك بحيث يكون في الرفقة نساء تنحاش إليهن كما قال مالك والشافعي قال الباجي وهذا عندي في الانفراد والعدد اليسير فأما في القوافل العظيمة فهي كالبلاد يصح فيها سفرها دون نساء ودون محرم انتهى ولم يذكر الجمهور هذا القيد عملاً بإطلاق الحديث وهو الراجح ومحل هذا كله ما لم تدع ضرورة كوجود امرأة أجنبية منقطعة مثلاً فله أن يصحبها بل يجب عليه إذا خاف عليها لو تركها قال النووي وهذا مما لا خلاف فيه ويدل عليه حديث عائشة في قصة الإفك وفي الحديث فوائد أخر لا نطيل بذكرها وأخرجه مسلم عن يحيى وأبو داود عن القعنبي والنفيلي الثلاثة عن مالك به بدون عن أبيه قال المازري على الأصح وكذا ذكره ابن مسعود الدمشقي وكذا رواه معظم رواة الموطأ انتهى وفي كثير من نسخ مسلم من طريق مالك المذكورة عن أبيه واقتصر عليه خلف الواسطي في الأطراف وللحديث طرق كثيرة.


رقم الحديث 1795 وَحَدَّثَنِي مَالِكٌ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ أَبِي سَعِيدٍ الْمَقْبُرِيِّ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: لَا يَحِلُّ لِامْرَأَةٍ تُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ، تُسَافِرُ مَسِيرَةَ يَوْمٍ وَلَيْلَةٍ إِلَّا مَعَ ذِي مَحْرَمٍ مِنْهَا.


( مالك عن عبد الرحمن بن حرملة) ابن عمرو الأسلمي المدني صالح الحديث لا بأس به مات سنة خمس وأربعين ومائة ولأبيه صحبة ورواية ( عن عمر) بفتح العين ( ابن شعيب) القرشي صدوق مات سنة ثمان عشرة ومائة ( عن أبيه) شعيب بن محمد بن عبد الله بن عمرو بن العاصي صدوق ثبت سماعه من جده فالضمير في قوله ( عن جده) عبد الله بن عمر ولشعيب وإن كان لعمر وحمل على الجد الأعلى عبد الله الصحابي هذا الأكثر وهو الصحيح أي لا احتجاج بهذه الترجمة ( أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال الراكب) الواحد قال ابن عبد البر وفي معناه الراجل الواحد ( شيطان) أي بعيد عن الخير في الأنس والرفق وهذا أصل الكلمة لغة يقال بئر شطون أي بعيدة انتهى وقال ابن قتيبة بمعنى أن الشيطان يطمع في الواحد كما يطمع فيه اللص والسبع فإذا خرج وحده فقد تعرض للبلاء به فكان شيطانًا ( والراكبان شيطانان) لأن كلا منهما متعرض لذلك سميًا بذلك لأن كل واحد من القبيلين يسلك سبيل الشيطان في اختياره الوحدة في السفر وقال المنذري شيطان أي عاص كقوله تعالى { { شياطين الإنس والجن } } فإن معناه عصاتهم وقال البيضاوي سمي الواحد والاثنين شيطانًا لمخالفة النهي عن التوحد في السفر والتعرض للآفات التي لا تندفع إلا بالكثرة ولأن المسافر تنبو عنه الجماعة وتعسر عليه المعيشة ولعل الموت يدركه فلا يجد من يوصي إليه بإيفاء ديون الناس وأماناتهم وسائر ما يجب أو يسن على المحتضر أن يوصي به ولم يكن ثم من يقوم بتجهيزه ودفنه وقال الطبري هذا زجر أدب وإرشاد لما يخاف على الواحد من الوحشة وليس بحرام فالسائر وحده بفلاة والبائت في بيت وحده لا يأمن الاستيحاش ولا سيما إن كان ذا فكرة رديئة وقلب ضعيف والحق أن الناس يتفاوتون في ذلك فوقع الزجر لحسم المادة فيكره الانفراد سدًا للباب والكراهة في الاثنين أخف منها في الواحد وعن مالك أن ذلك في سفر القصر فأما من قصر عنه فلا بأس أن ينفرد الواحد فيه وقال أبو عمر لم تختلف الآثار في كراهة السفر للواحد واختلفت في الاثنين ووجه الكراهة أن الواحد إن مرض لم يجد من يمرضه ولا يقوم عليه ولا يخبر عنه ونحو هذا ( والثلاثة ركب) لزوال الوحشة وحصول الأنس وانقطاع الأطماع عنهم وخروجه صلى الله عليه وسلم مع أبي بكر مهاجرين لضرورة الخوف على أنفسهما من المشركين أو لأن من خصائصه صلى الله عليه وسلم عدم كراهة الانفراد في السفر وحده لأمنه من الشيطان بخلاف غيره كما ذكره الحافظ العراقي وأنكر مجاهد رفع الحديث وقال لم يقله النبي صلى الله عليه وسلم قد بعث ابن مسعود وخباب بن الأرت سرية وبعث دحية سرية وحده ولكن قال عمر يحتاط للمسلمين كونوا في أسفاركم ثلاثة إن مات واحد وليه اثنان الواحد شيطان والاثنان شيطانان أخرجه ابن عبد البر وقال لا معنى لإنكاره لأن الثقات نقلوه مرفوعًا انتهى أجيب بأنه إنما أرسل البريد وحده لضرورة طلب السرعة في إبلاغ ما أرسل به على أنه كان يأمره أن ينضم في الطريق بالرفقاء والحديث أخرجه أحمد وأبو داود والترمذي من طريق مالك وغيره وصححه ابن خزيمة والحاكم وغيرهما ( مالك عن عبد الرحمن بن حرملة عن سعيد بن المسيب أنه كان يقول) قال أبو عمر مرسل باتفاق رواة الموطأ ووصله قاسم بن أصبغ من طريق عبد الرحمن بن أبي الزناد عن عبد الرحمن بن حرملة عن سعيد بن المسيب عن أبي هريرة قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ( الشيطان) إبليس أو أعم ( يهم) بضم الهاء ( بالواحد والاثنين) أي باغتياله والتسلط عليه أو بغيه وصرفه عن الحق وإغوائه بالباطل احتمالان للباجي ( فإذا كانوا ثلاثة لم يهم بهم) لأنهم ركب وصحب وروى البخاري وأصحاب السنن عن ابن عمر مرفوعًا لو يعلم الناس من الوحدة ما أعلم ما سار راكب بليل وحده قال أبو عمر يتصل معنى الحديث من وجوه حسان وأورد منها جملة ثم أخرج له سببًا عن ابن عمر أنه سافر مرة فمر بقبر جاهلي فخرج منه رجل يتأجج نارًا في عنقه سلسلة ومعي إداوة من ماء فقال يا عبد الله اسقني فقلت عرفني أول كلمة تقولها العرب فخرج على أثره رجل من القبر فقال يا عبد الله لا تسقه فإنه كافر ثم أخذ السلسلة فاجتذبه فأدخله القبر ثم أضافني الليل إلى بيت عجوز إلى جانبها قبر فسمعت منه صوتًا يقول بول وما بول شن وما شن فقلت للعجوز ما هذا قالت كان زوجًا لي وكان لا يتقي البول وأقول له ويحك إن الجمل إذا بال تفاج فيأبى فهو ينادي من يوم مات بول وما بول قلت فما الشن قال جاء رجل عطشان فقال اسقني فقال دونك الشن فإذا ليس فيه شيء فخر الرجل ميتًا فهو ينادي شن وما شن فلما قدمت على النبي صلى الله عليه وسلم أخبرته فنهى أن يسافر الرجل وحده قال أبو عمر رواته مجهولون لم أورده للاحتجاج ولكن للاعتبار وما لا حكم فيه يسامح في روايته عن الضعفاء ( مالك عن سعيد بن أبي سعيد) كيسان ( المقبري) بضم الباء وفتحها ( عن أبي هريرة) كذا لمعظم رواة الموطأ وهو المشهور عن مالك ورواه بشر بن عمر الزهراني عند أبي داود والترمذي وغيرهما وإسحاق بن محمد القروي عند الدارقطني والوليد بن مسلم عند الإسماعيلي الثلاثة عن مالك عن سعيد عن أبيه عن أبي هريرة وكذا اختلف على ابن أبي ذئب فرواه الشيخان من طريق يحيى القطان عنه عن سعيد عن أبيه ورواه ابن ماجه من طريق شبابة عنه عن سعيد عن أبي هريرة ورواه مسلم وأبو داود من رواية الليث بن سعد عن سعيد عن أبيه عن أبي هريرة ورواه أحمد عن يحيى بن أبي كثير وأبو داود وابن خزيمة والحاكم وابن حبان عن سهيل بن أبي صالح كلاهما عن سعيد عن أبي هريرة وصوب الدارقطني رواية إسقاط عن أبيه لاتفاق مالك وابن كثير وسهيل على إسقاطه وانتقد على الشيخين إخراجهما رواية ابن أبي ذئب وعلى مسلم إخراجه رواية الليث بإثبات عن أبيه وأجيب بأن هذا اختلاف لا يقدح فإن سماع سعيد من أبي هريرة صحيح معروف فلعله سمعه من أبي هريرة نفسه فحدث به على الوجهين وبهذا جزم ابن حبان فقال سمع هذا الخبر سعيد المقبري عن أبي هريرة وسمعه من أبيه عن أبي هريرة فالطريقان جميعًا محفوظان انتهى ويؤيده أن سعيدًا ليس بمدلس فالحديث صحيح متصل على كل حال ( أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لا يحل لامرأة تؤمن بالله واليوم الآخر) يوم القيامة وقيد بذلك لأن الإيمان هو الذي يستمر للمتصف به خطاب الشرع فينتفع به وينقاد له أو أن الوصف ذكر لتأكيد التحريم لأنه تعريض بأنها إذا سافرت بلا محرم خالفت شرط الإيمان بالله واليوم الآخر المقتضي للوقوف عندما نهيت عنه أو خرج مخرج الغالب ولم يقصد به إخراج الكافرة كتابية أو حربية كما قال به بعض العلماء تمسكًا بالمفهوم ( تسافر) هكذا الرواية بدون أن نظير قولهم تسمع بالمعيدي خير من أن تراه فتسمع موضعه رفع على الابتداء وتسافر موضعه رفع على الفاعلية فيجوز رفعه ونصبه بإضمار أن قاله الولي العراقي ( مسيرة) مصدر ميمي بمعنى السير كمعيشة بمعنى العيش وليست التاء فيه للمرة ( يوم وليلة إلا مع ذي محرم) بفتح الميم أي حرام ( منها) بنسب أو صهر أو رضاع إلا أن مالكًا كره تنزيهًا سفرها مع ابن زوجها لفساد الزمان وحداثة الحرمة ولأن الداعي إلى النفرة عن امرأة الأب ليس كالداعي إلى النفرة عن سائر المحارم والمرأة فتنة إلا فيما جبلت عليه النفوس من النفرة عن محارم النسب وعلله الباجي بعداوة المرأة لربيبها وعدم شفقته عليها وصوب غيره التعليل الأول زاد الشيخان من حديث أبي سعيد أو زوج وفي معناه السيد ولو لم يرد ذكر الزوج لقيس على المحرم قياسًا جليًا ولفظ امرأة عام في جميع النساء ونقل عياض عن بعضهم لا عن الباجي كما زعم أنه في الشابة أما الكبيرة التي لا تشتهي فتسافر في كل الأسفار بلا زوج ولا محرم قال ابن دقيق العيد وهو تخصيص للعموم بالنظر إلى المعنى وقال القرطبي فيه بعد لأن الخلوة بها حرام وما لا يطلع عليه من جسدها غالبًا عورة فالمظنة موجودة فيها والعموم صالح لها فينبغي أن لا تخرج منه وقال النووي المرأة مظنة الطمع فيها ومظنة الشهوة ولو كبيرة وقد قالوا لكل ساقطة لاقطة ويجتمع في الأسفار من سفهاء الناس وسقطهم من لا يترفع عن الفاحشة بالعجوز وغيرها لغلبة شهوته وقلة دينه ومروءته وحيائه ونحو ذلك انتهى وفي حديث أبي سعيد عند الشيخين وغيرهما أن تسافر فوق ثلاثة أيام فصاعدًا وفي حديث ابن عمر في الصحيحين وأبي داود لا تسافر المرأة ثلاثًا إلا ومعها ذو محرم وفي رواية الليث المذكورة لحديث أبي هريرة تسافر مسيرة ليلة وفي رواية أحمد يوم وفي أبي داود بريد بدل يوم وفي رواية يومين وفي أخرى إطلاق السفر من غير تقييد فجمع ابن عبد البر والبيهقي وعياض وغيرهم وعزاه النووي للعلماء بأن هذا الاختلاف بحسب اختلاف السائلين فسئل مرة عن سفرها ليلة فقال لا وأخرى عن سفرها يومًا فقال لا وهكذا في جميعها وليس فيه تحديد قال الأبي والمراد أنها إذا كانت جوابًا لسائلين فلا مفهوم لأحدها وبالجملة فالفقه جمع أحاديث الباب فحق الناظر أن يستحضر جميعها وينظر أخصها فينيط الحكم به وأخصها باعتبار ترتب الحكم عليه يوم لأنه إذا امتنع فيه امتنع فيما هو أكثر ثم أخص من يوم وصف السفر المذكور في جميعها فيمنع في أقل ما يصدق عليه اسم السفر ثم أخص من اسم السفر الخلوة بها فلا تعرض المرأة نفسها بالخلوة مع أحد وإن قل الزمن لعدم الأمن لا سيما مع فساد الزمن والمرأة فتنة إلا فيما جبلت عليه النفوس من النفرة من محارم النسب وقد اتقى بعض السلف الخلوة بالبهيمة وقال شيطان مغوى وأنثى حاضرة انتهى وقال القاضي عياض يمكن الجمع بينها بأن اليوم المذكور بمعنى اليوم والليلة المجموعين لأن اليوم من الليل والليل من اليوم ويكون ذكره يومين مدة مغيبها في هذا السفر في السير والرجوع فأشار مرة لمسافة السفر ومرة لمدة المغيب وهكذا في ذكر الثلاث فقد يكون اليوم الوسط بين السير والرجوع الذي تقضي فيه حاجتها حيث سافرت له فتتفق الأحاديث وقد يكون هذا كله تمثيلاً بأقل الأعداد إذ الواحد أول العدد والاثنان أول الكثير وأقله والثلاثة أقل الجمع فكأنه أشار أن مثل هذا في قلة الزمان لا يحل لها السفر فيه مع غير ذي محرم فكيف بما زاد وبهذا قال في الحديث الآخر ثلاثة أيام فصاعدا انتهى واستدل بالحديث لأبي حنيفة وأحمد ومن وافقهما على أن المحرم أو الزوج شرط في استطاعة المرأة للحج فإنه حرم عليها السفر إلا مع أحدهما والحج من جملة الأسفار فيكون حرامًا عليها فلا يجب وقال مالك والشافعي في المشهور عنهما وطائفة لا يشترط المحرم قال في المدونة من لا ولي لها تحج مع من تثق به من رجال ونساء واختلف هل مراده مجموع الصنفين أو مع جماعة من أحدهما وأكثر ما نقل عنه اشتراط النساء وقال الشافعي تحج مع امرأة حرة مسلمة ثقة واعترضه الخطابي بأنها لا تكون ذا محرم منها فإباحة الخروج معها في سفر الحج خلاف السنة ومحل الخلاف في حج الفرض فأما التطوع فلا تخرج إلا مع محرم أو زوج وأجابوا عن الحديث بحمله على حج التطوع لا الفرض قياسًا على الإجماع في الكافرة إذا أسلمت بدار الحرب فيجب عليها الهجرة منها وإن بلا محرم والجامع بينهما وجوب الحج والهجرة وتعقبه المازري وغيره بأن إقامتها في دار الكفر حرام لأنها تخشى على دينها ونفسها ولا كذلك تأخير الحج للخلاف في فوريته وتراخيه قال القرطبي وسبب هذا الخلاف مخالفة ظواهر الأحاديث لظاهر قوله تعالى { { ولله على الناس حج البيت من استطاع إليه سبيلا } } لأن ظاهره الاستطاعة بالبدن فيجب على كل قادر عليه ببدنه ومن لم تجد محرمًا قادرة ببدنها فيجب عليها فلما تعارضت هذه الظواهر اختلف العلماء في تأويل ذلك فجمع أبو حنيفة ومن وافقه بأن جعل الحديث مبينًا للاستطاعة في حق المرأة ورأى مالك وموافقوه أن الاستطاعة الأمنية بنفسها في حق الرجال والنساء وأن الأحاديث المذكورة لم تتعرض للأسفار الواجبة وقد أجيب أيضًا بحمل الأخبار على ما إذا لم تكن الطريق أمنًا قال القرطبي يمكن أن المنع إنما خرج لما يؤدي إليه من الخلوة وانكشاف عوراتهن غالبًا فإذا أمن ذلك بحيث يكون في الرفقة نساء تنحاش إليهن كما قال مالك والشافعي قال الباجي وهذا عندي في الانفراد والعدد اليسير فأما في القوافل العظيمة فهي كالبلاد يصح فيها سفرها دون نساء ودون محرم انتهى ولم يذكر الجمهور هذا القيد عملاً بإطلاق الحديث وهو الراجح ومحل هذا كله ما لم تدع ضرورة كوجود امرأة أجنبية منقطعة مثلاً فله أن يصحبها بل يجب عليه إذا خاف عليها لو تركها قال النووي وهذا مما لا خلاف فيه ويدل عليه حديث عائشة في قصة الإفك وفي الحديث فوائد أخر لا نطيل بذكرها وأخرجه مسلم عن يحيى وأبو داود عن القعنبي والنفيلي الثلاثة عن مالك به بدون عن أبيه قال المازري على الأصح وكذا ذكره ابن مسعود الدمشقي وكذا رواه معظم رواة الموطأ انتهى وفي كثير من نسخ مسلم من طريق مالك المذكورة عن أبيه واقتصر عليه خلف الواسطي في الأطراف وللحديث طرق كثيرة.