فهرس الكتاب

شرح الزرقاني - هَذَا بَابٌ فِي التَّيَمُّمِ

رقم الحديث 41 حَدَّثَنِي يَحْيَى، عَنْ مَالِكٍ، عَنْ صَفْوَانَ بْنِ سُلَيْمٍ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ سَلَمَةَ، مِنْ آلِ بَنِي الْأَزْرَقِ، عَنِ الْمُغِيرَةِ بْنِ أَبِي بُرْدَةَ، وَهُوَ مِنْ بَنِي عَبْدِ الدَّارِ أَنَّهُ سَمِعَ أَبَا هُرَيْرَةَ يَقُولُ: جَاءَ رَجُلٌ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنَّا نَرْكَبُ الْبَحْرَ، وَنَحْمِلُ مَعَنَا الْقَلِيلَ مِنَ الْمَاءِ، فَإِنْ تَوَضَّأْنَا بِهِ عَطِشْنَا، أَفَنَتَوَضَّأُ بِهِ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: هُوَ الطَّهُورُ مَاؤُهُ الْحِلُّ مَيْتَتُهُ.


الطَّهُورِ لِلْوُضُوءِ

( مَالِكٍ عَنْ صَفْوَانَ بْنِ سُلَيْمٍ) بضم السين المدني الزهري مولاهم أبي عبد الله روى عن مولاه حميد بن عبد الرحمن بن عوف وعن ابن عمر وأنس وأبي أمامة بن سهل وعبد الله بن جعفر وأم سعد الجمحية ولها صحبة وجماعة عنه وعنه الليث ومالك والسفيانان وخلق قال ابن سعد: كان ثقة كثير الحديث عابدًا وذكر عند أحمد فقال هذا رجل يستشفى بحديثه وينزل القطر من السماء بذكره مات سنة اثنين وثلاثين ومائة وله اثنتان وسبعون سنة.

( عَنْ سَعِيدِ) بفتح السين وكسر العين ( بْنِ سَلَمَةَ) المخزومي ( مِنْ آلِ بَنِي الْأَزْرَقِ) وثقه النسائي وقول ابن عبد البر لم يرو عنه فيما علمت إلا صفوان ومن كانت هذه حالته فهو مجهول لا تقوم به حجة تعقب بأنه روى عنه الجلاح أبو كبير وحديثه عنه في مستدرك الحاكم قال الرافعي: وعكس بعض الرواة الاسمين فقال: سلمة بن سعيد وبدل بعضهم فقال: عبد الله بن سعيد.

( عَنِ الْمُغِيرَةِ بْنِ أَبِي بُرْدَةَ) ويقال ابن عبد الله بن أبي بردة من أوسط التابعين وثقه النسائي وقد ولي إمرة الغزو بالمغرب مات بعد المائة قال في الإكمال سئل أبو زرعة الرازي عن اسم أبي بردة والد المغيرة فقال لا أعرفه.

( وَهُوَ مِنْ بَنِي عَبْدِ الدَّارِ) بن قصي فهو قرشي كذا في رواية يحيى قال ابن وضاح: ليس هو من بني عبد الدار وطرحه ولم يقع ذلك في موطأ محمد بن الحسن قال ابن عبد البر: سأل الترمذي البخاري عن حديث مالك هذا فقال حديث صحيح.
قلت: هشيم يقول فيه المغيرة بن أبي بزرة يعني بفتح الموحدة والزاي فقال وهم فيه.

( أَنَّهُ سَمِعَ أَبَا هُرَيْرَةَ) قال الرافعي: رواه بعضهم عن المغيرة عن أبيه عن أبي هريرة ولا يوهم إرسالاً في الإسناد للتصريح فيه بسماع المغيرة من أبي هريرة يعني فرواية هذا البعض من المزيد في متصل الأسانيد.

( يَقُولُ: جَاءَ رَجُلٌ) من بني مدلج كما في مسند أحمد وللطبراني أن اسمه عبد الله، وفي رواية له ولابن عبد البر أنه الفراسي وفي الإصابة عبد بسكون الموحدة بغير إضافة العركي بفتح المهملة والراء بعدها كاف هو الملاح ووهم من قال إنه اسم بلفظ النسب قيل هو اسم الذي سأل عن ماء البحر في هذا الحديث، وحكى ابن بشكوال أن اسمه عبد الله المدلجي، وقال الطبراني اسمه عبيد بالتصغير، وقال البغوي اسمه حميد بن صخر قال: وبلغني أن اسمه عبد ود انتهى.

( إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنَّا نَرْكَبُ الْبَحْرَ) الملح لأنه المتوهم فيه لأنه مالح ومر وريحه منتن قال أبو عبد الملك فيه جواز ركوبه لغير حج ولا عمرة ولا جهاد لأن السائل إنما ركبه للصيد كما جاء من غير طريق مالك.

( وَنَحْمِلُ مَعَنَا الْقَلِيلَ مِنَ الْمَاءِ) بقدر الاكتفاء ( فَإِنْ تَوَضَّأْنَا بِهِ عَطِشْنَا) بكسر الطاء ( أَفَنَتَوَضَّأُ بِهِ) أي بماء البحر ( فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: هُوَ) أي البحر ( الطَّهُورُ مَاؤُهُ) بفتح الطاء البالغ الطهارة ومنه قوله تعالى: { { وَأَنْزَلْنَا مِنَ السَّمَاءِ مَاءً طَهُورًا } } أي طاهرًا في ذاته مطهرًا لغيره ولم يقل في جوابه نعم مع حصول الغرض به ليقرن الحكم بعلته وهي الطهورية المتناهية في بابها ودفعًا لتوهم حمل لفظة نعم على الجواز ولما وقع جوابًا للسائل بين أن ذلك وصف لازم له ولم يقل ماؤه الطهور لأنه أشد اهتمامًا بذكر الوصف الذي اتصف به الماء المجوز للوضوء وهو الطهورية فالطهور به حلال صحيح كما عليه جمهور السلف والخلف وما نقل عن بعضهم من عدم الإجزاء به مزيف أو مؤول بأنه أراد عدم الإجزاء على وجه الكمال عنده ( الْحِلُّ) أي الحلال كما في رواية الدارقطني عن جابر وأنس وابن عمرو ( مَيْتَتُهُ) .

قال الرافعي: لما عرف صلى الله عليه وسلم اشتباه الأمر على السائل في ماء البحر أشفق أن يشتبه عليه حكم ميتته وقد يبتلى بها راكب البحر فعقب الجواب عن سؤاله ببيان حكم الميتة وقال غيره: سأله عن مائه فأجابه عن مائه وطعامه لعلمه بأنه قد يعوزهم الزاد فيه كما يعوزهم الماء فلما جمعتهم الحاجة انتظم الجواب بهما.

قال ابن العربي: وذلك من محاسن الفتوى بأكثر مما يسئل عنه تتميمًا للفائدة وإفادة لعلم آخر غير المسئول عنه ويتأكد ذلك عند ظهور الحاجة إلى الحكم كما هنا لأن من توقف في طهورية ماء البحر فهو عن العلم بحل ميتته مع تقدم تحريم الميتة أشد توقفًا.

قال اليعمري: وهذان الحكمان عامان وليسا في مرتبة واحدة إذ لا خلاف في العموم في حل ميتته لأنه عام مبتدأ لا في معرض جواب بخلاف الأول لأنه في معرض الجواب عن مسئول عنه، والثاني ورد بطريق الاستقلال فلا خلاف في عمومه عند القائلين به، ولو قيل في الأول أن السؤال وقع عن الوضوء وكون مائه طهورًا يفيد الوضوء وغيره فهو أعم من المسئول عنه لكان له وجه ولفظ الميتة مضاف إلى البحر ولا يجوز حمله على مطلق ما يجوز إضافته إليه مما يطلق عليه اسم الميتة وإن ساغت الإضافة فيه لغة بل محمول على الميتة من دوابه المنسوبة إليه مما لا يعيش إلا فيه وإن كان على غير صورة السمك ككلب وخنزير، وهذا الحديث أصل من أصول الإسلام تلقته الأئمة بالقبول وتداولته فقهاء الأمصار في سائر الأعصار في جميع الأقطار، ورواه الأئمة الكبار مالك والشافعي وأحمد وأصحاب السنن الأربعة والدارقطني والبيهقي والحاكم وغيرهم من عدة طرق، وصححه ابن خزيمة وابن حبان وابن منده وغيرهم.
وقال الترمذي حسن صحيح، وسألت عنه البخاري فقال: حديث صحيح والله أعلم.

( مَالِكٍ عَنْ إِسْحَاقَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي طَلْحَةَ) زيد بن سهل الأنصاري ( عَنْ) زوجته ( حُمَيْدَةَ) بضم الحاء المهملة وفتح الميم عند رواة الموطأ إلا يحيى الليثي فقال: إنها بفتح الحاء وكسر الميم نبه عليه أبو عمر ( بِنْت أبي عُبَيْدِ بْنِ فروة) كذا قال يحيى وهو غلط منه لم يتابعه عليه أحد، وإنما يقول رواة الموطأ كلهم ابنة عبيد بن رفاعة إلا أن زيد بن الحباب قال فيه عن مالك حميدة بنت عبيد بن رافع نسب أباها إلى جده وهو عبيد بن رفاعة بن رافع بن مالك بن العجلان، وحميدة هذه امرأة إسحاق، وبه صرح في رواية يحيى القطان ومحمد بن الحسن وابن المبارك عن مالك عن إسحاق قال: حدثتني امرأتي حميدة وتكنى أم يحيى قاله ابن عبد البر أي باسم ابنها يحيى بن إسحاق وهي أنصارية مدنية مقبولة من التابعيات روى لها أصحاب السنن ( عَنْ خَالَتِهَا كَبْشَةَ) بفتح الكاف والشين المعجمة بينهما موحدة ساكنة ( بِنْتِ كَعْبِ بْنِ مَالِكٍ) الأنصارية قال ابن حبان: لها صحبة وتبعه المستغفري ( وَكَانَتْ تَحْتَ) عبد الله ( ابْنِ أَبِي قَتَادَةَ الْأَنْصَارِيِّ) المدني الثقة التابعي المتوفى سنة خمس وتسعين.
وقال ابن سعد: تزوجها ثابت بن أبي قتادة فولدت له، وفي رواية ابن المبارك عن مالك وكانت امرأة أبي قتادة.

قال ابن عبد البر: وهو وهم منه إنما هي امرأة ابنه، ووقع في الأم للشافعي عن مالك وكانت تحت ابن أبي قتادة أو أبي قتادة الشك من الربيع كذا وقع في الأصل.

قال الرافعي: وفي نسبة الشك إليه شبهة لأن عبد الملك بن محمد بن عدي روى عن الحسن بن محمد الزعفراني عن الشافعي عن مالك الحديث وقال فيه كذلك، وهذا يوهم أن الشك من غير الربيع، وفي رواية عبد الرزاق وغيره عن مالك وكانت عند أبي قتادة وهذا يصدق على التقديرين قال: والواقع على ما رواه الأكثرون الأولى أي أنها زوج ابنه وكذا رواه الربيع عن الشافعي في موضع آخر بلا شك ويدل عليه قوله لها: يا ابنة أخي ولا يحسن تسمية الزوجة باسم المحارم.

( أَنَّهَا) أي كبشة ( أَخْبَرَتْهَا) أي حميدة ( أَنَّ أَبَا قَتَادَةَ) الأنصاري اسمه الحارث ويقال عمرو ويقال النعمان بن ربعي بكسر الراء وسكون الموحدة بعدها مهملة السلمي بفتحتين المدني شهد أحدًا وما بعدها ولم يصح شهوده بدرًا ومات سنة أربع وخمسين على الأصح الأشهر ( دَخَلَ عَلَيْهَا فَسَكَبَتْ) أي صبت ( لَهُ وَضُوءًا) أي الماء الذي يتوضأ به ( فَجَاءَتْ هِرَّةٌ لِتَشْرَبَ مِنْهُ فَأَصْغَى) بغين معجمة أي أمال ( لَهَا الْإِنَاءَ حَتَّى شَرِبَتْ) منه ( قَالَتْ كَبْشَةُ: فَرَآنِي أَنْظُرُ إِلَيْهِ) نظر المنكر أو المتعجب ( فَقَالَ: أَتَعْجَبِينَ يَا ابْنَةَ أَخِي؟) في الصحبة لأن أباها صحابي مثله وسلمي من قبيلته وهو أحد الثلاثة ( قَالَتْ فَقُلْتُ) له ( نَعَمْ) أعجب ( فَقَالَ) لا تعجبي ( إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: إِنَّهَا لَيْسَتْ بِنَجَسٍ) وصف بالمصدر فيستوي فيه المذكر والمؤنث قاله الرافعي وضبطه المنذري والنووي وابن دقيق العيد وابن سيد الناس بفتح الجيم من النجاسة قال تعالى: { { إِنَّمَا الْمُشْرِكُونَ نَجَسٌ } } ذكره السيوطي على النسائي ( إِنَّمَا هِيَ مِنَ الطَّوَّافِينَ عَلَيْكُمْ) أي الذين يداخلونكم ويخالطونكم قاله أبو عمر ( أَوِ الطَّوَّافَاتِ) شك من الراوي أو تنويع أي ذكورها من ذكور من يطوف وإناثها من الإناث.
ويؤيده أن في رواية بالواو قاله الرافعي وهي رواية محمد بن الحسن للموطأ، وقال البوني: الطوافين الخدم والطوافات الخادمات ونظيره قوله تعالى: { { وَيَطُوفُ عَلَيْهِمْ وِلْدَانٌ } } فالهر في اختلاطه كبعض الخدم.

وروى ابن ماجه والحاكم وابن عدي عن أبي هريرة مرفوعًا: الهرة لا تقطع الصلاة إنما هي من متاع البيت، والدارقطني عن عائشة مرفوعًا إنها ليست بنجس هي كبعض أهل البيت.

قال الرافعي: ولو قرئ تنجس أي بفوقية قبل النون وشد الجيم أي ما تلغ فيه لصح معناه، وكان قوله إنما هي من الطوافين حسن الموقع أي إذا كانت تطوف في البيت ولا يستغنى عنها يخفف الأمر فيما ولغت فيه، ولذا صار بعضهم إلى العفو مع تيقن نجاسة فمها لكن الرواية لا تساعده اهـ.

وهذا الحديث أخرجه الشافعي في الأم عن مالك به ورواه أصحاب السنن الأربعة، وأخرج أحمد والدارقطني والحاكم والبيهقي عن أبي هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم دعي إلى دار قوم فأجاب ودعي إلى دار آخرين فلم يجب فقيل له في ذلك فقال صلى الله عليه وسلم: إن في دار فلان كلبًا وفي دار الآخر هرة والهرة ليست بنجسة إنما هي من الطوافين عليكم والطوافات.

( قَالَ مَالِكٌ لَا بَأْسَ بِهِ) أي يجوز الوضوء بما شربت منه ( إِلَّا أَنْ يُرَى عَلَى فَمِهَا نَجَاسَةٌ) فإن غيرت الماء منع.

( مَالِكٍ عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ) الأنصاري ( عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ إِبْرَاهِيمَ بْنِ الْحَارِثِ) بن خالد القرشي ( التَّيْمِيِّ) أبي عبد الله المدني ثقة له أفراد من صغار التابعين، روى عن جابر وعائشة وأنس وخلق، وعنه ابنه موسى ويحيى الأنصاري والأوزاعي وجماعة، وثقه ابن معين وأبو حاتم والنسائي وغيرهم.
وقال أحمد: في أحاديثه شيء يروي أحاديث مناكير مات سنة عشرين ومائة على الصحيح وقيل قبلها بسنة.

( عَنْ يَحْيَى بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ حَاطِبٍ) بن أبي بلتعة ثقة من التابعين مات سنة أربع ومائة روى له مسلم والأربعة ( أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ خَرَجَ فِي رَكْبٍ فِيهِمْ عَمْرُو بْنُ الْعَاصِ) بن وائل السهمي الصحابي المشهور أسلم عام الحديبية وولي إمرة مصر مرتين وهو الذي فتحها وبها مات سنة نيف وأربعين وقيل بعد الخمسين ( حَتَّى وَرَدُوا حَوْضًا فَقَالَ عَمْرُو بْنُ الْعَاصِ لِصَاحِبِ الْحَوْضِ: يَا صَاحِبَ الْحَوْضِ هَلْ تَرِدُ حَوْضَكَ السِّبَاعُ؟) للشرب منه فنمتنع عنه ( فَقَالَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ يَا صَاحِبَ الْحَوْضِ لَا تُخْبِرْنَا) واتركنا على اليقين الأصلي الذي لا يزول بالشك العارض أي فكل ذلك عندنا سواء أخبرتنا أم لم تخبرنا بدليل قوله ( فَإِنَّا نَرِدُ عَلَى السِّبَاعِ وَتَرِدُ عَلَيْنَا) أي أنه أمر لا بد منه وهي طاهرة لا ينجس الماء بشربها منه، وقد قال صلى الله عليه وسلم: لها ما حملت ولنا ما بقي شراب وطهور رواه عبد الرزاق، وقال صلى الله عليه وسلم: الماء لا ينجسه شيء رواه الطيالسي والشافعي وأحمد وغيرهم.

( مَالِكٍ عَنْ نَافِعٍ أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عُمَرَ كَانَ يَقُولُ: إِنْ) مخففة من الثقيلة واسمها ضمير الشأن أي أنه ( كَانَ الرِّجَالُ وَالنِّسَاءُ) ظاهره التعميم فاللام للجنس لا للاستغراق كذا في فتح الباري، ومراده بالتعميم أن اللفظ لا يختص بالمحارم والزوجات بل يشمل غيرهم لأن هذا كان قبل الحجاب وإلا نافى كلامه بعضه بعضًا ( فِي زَمَانِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ) فيه أن الصحابي إذا أضاف الفعل إلى زمان المصطفى يكون حكمه الرفع وهو الصحيح وقال قوم: لا لاحتمال أنه لم يطلع عليه وهو ضعيف لتوفر دواعي الصحابة على سؤالهم إياه عن الأمور التي تقع لهم ومنهم ولو لم يسألوه لم يقروا على فعل غير جائز في زمن التشريع ( لَيَتَوَضَّئُونَ جَمِيعًا) أي حال كونهم مجتمعين لا مفترقين.
زاد ابن ماجه عن هشام بن عروة عن مالك في هذا الحديث من إناء واحد، وزاد أبو داود من طريق عبيد الله بن عمر عن نافع عن ابن عمر ندلي فيه أيدينا، وظاهر قوله جميعًا أنهم كانوا يتناوبون الماء في حالة واحدة ولا مانع من ذلك قبل نزول الحجاب وأما بعده فيختص بالزوجات والمحارم قاله الحافظ.

وقال الرافعي يريد كل رجل مع امرأته وأنهما كانا يأخذان من إناء واحد وكذلك ورد في بعض الروايات واستحسنه السيوطي وقال إن غيره تخليط.
وقال قوم: معناه كانوا يتوضئون جميعًا في موضع واحد الرجال على حدة والنساء على حدة.

قال الحافظ: والزيادة المتقدمة في قوله من إناء واحد ترد عليه وكان هذا القائل استبعد اجتماع الرجال والنساء الأجانب.
وأجاب ابن التين بما حكاه عن سحنون.
أن معناه كان الرجال يتوضئون ويذهبون ثم يأتي النساء فيتوضئون وهو خلاف الظاهر من قوله جميعًا.

قال أهل اللغة: الجميع ضد المتفرق وقد صرح بوحدة الإناء في صحيح ابن خزيمة من طريق معمر عن عبيد الله عن نافع عن ابن عمر أنه أبصر النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه يتطهرون والنساء معهم في إناء واحد كلهم يتطهرون منه، وفيه دلالة على جواز الوضوء بفضل وضوء المرأة لأنهما إذا توضآ جميعًا منه صدق أن الباقي في الإناء فضل وضوء المرأة، وإليه ذهب الجمهور ومنهم الأئمة الثلاثة.
وقال أحمد وداود: لا يجوز إذا خلت به، ووجهه شيخنا حافظ العصر البابلي بأنها ناقصة عقل ودين، فربما إذا خلت به أدخلت فيه شيئًا لم يطلع عليه الرجل، ونقضه شيخنا العلامة الشمرلسي لما ذكرته له بأن المرأة لها الوضوء بما خلت به المرأة بلا كراهة عند أحمد وعن الحسن وابن المسيب كراهة فضلها مطلقًا.

وهذا الحديث أخرجه البخاري عن عبد الله بن يوسف عن مالك به.



رقم الحديث 42 وَحَدَّثَنِي عَنْ مَالِكٍ، عَنْ إِسْحَاقَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي طَلْحَةَ، عَنْ حُمَيْدَةَ بِنْتِ عُبَيْدِ بْنِ فروة، عَنْ خَالَتِهَا كَبْشَةَ بِنْتِ كَعْبِ بْنِ مَالِكٍ، وَكَانَتْ تَحْتَ ابْنِ أَبِي قَتَادَةَ الْأَنْصَارِيِّ، أَنَّهَا أَخْبَرَتْهَا: أَنَّ أَبَا قَتَادَةَ دَخَلَ عَلَيْهَا فَسَكَبَتْ لَهُ وَضُوءًا، فَجَاءَتْ هِرَّةٌ لِتَشْرَبَ مِنْهُ، فَأَصْغَى لَهَا الْإِنَاءَ حَتَّى شَرِبَتْ.
قَالَتْ كَبْشَةُ: فَرَآنِي أَنْظُرُ إِلَيْهِ.
فَقَالَ: أَتَعْجَبِينَ يَا ابْنَةَ أَخِي؟ قَالَتْ: فَقُلْتُ: نَعَمْ.
فَقَالَ: إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: إِنَّهَا لَيْسَتْ بِنَجَسٍ إِنَّمَا هِيَ مِنَ الطَّوَّافِينَ عَلَيْكُمْ أَوِ الطَّوَّافَاتِ قَالَ يَحْيَى: قَالَ مَالِكٌ: لَا بَأْسَ بِهِ إِلَّا أَنْ يُرَى عَلَى فَمِهَا نَجَاسَةٌ.


الطَّهُورِ لِلْوُضُوءِ

( مَالِكٍ عَنْ صَفْوَانَ بْنِ سُلَيْمٍ) بضم السين المدني الزهري مولاهم أبي عبد الله روى عن مولاه حميد بن عبد الرحمن بن عوف وعن ابن عمر وأنس وأبي أمامة بن سهل وعبد الله بن جعفر وأم سعد الجمحية ولها صحبة وجماعة عنه وعنه الليث ومالك والسفيانان وخلق قال ابن سعد: كان ثقة كثير الحديث عابدًا وذكر عند أحمد فقال هذا رجل يستشفى بحديثه وينزل القطر من السماء بذكره مات سنة اثنين وثلاثين ومائة وله اثنتان وسبعون سنة.

( عَنْ سَعِيدِ) بفتح السين وكسر العين ( بْنِ سَلَمَةَ) المخزومي ( مِنْ آلِ بَنِي الْأَزْرَقِ) وثقه النسائي وقول ابن عبد البر لم يرو عنه فيما علمت إلا صفوان ومن كانت هذه حالته فهو مجهول لا تقوم به حجة تعقب بأنه روى عنه الجلاح أبو كبير وحديثه عنه في مستدرك الحاكم قال الرافعي: وعكس بعض الرواة الاسمين فقال: سلمة بن سعيد وبدل بعضهم فقال: عبد الله بن سعيد.

( عَنِ الْمُغِيرَةِ بْنِ أَبِي بُرْدَةَ) ويقال ابن عبد الله بن أبي بردة من أوسط التابعين وثقه النسائي وقد ولي إمرة الغزو بالمغرب مات بعد المائة قال في الإكمال سئل أبو زرعة الرازي عن اسم أبي بردة والد المغيرة فقال لا أعرفه.

( وَهُوَ مِنْ بَنِي عَبْدِ الدَّارِ) بن قصي فهو قرشي كذا في رواية يحيى قال ابن وضاح: ليس هو من بني عبد الدار وطرحه ولم يقع ذلك في موطأ محمد بن الحسن قال ابن عبد البر: سأل الترمذي البخاري عن حديث مالك هذا فقال حديث صحيح.
قلت: هشيم يقول فيه المغيرة بن أبي بزرة يعني بفتح الموحدة والزاي فقال وهم فيه.

( أَنَّهُ سَمِعَ أَبَا هُرَيْرَةَ) قال الرافعي: رواه بعضهم عن المغيرة عن أبيه عن أبي هريرة ولا يوهم إرسالاً في الإسناد للتصريح فيه بسماع المغيرة من أبي هريرة يعني فرواية هذا البعض من المزيد في متصل الأسانيد.

( يَقُولُ: جَاءَ رَجُلٌ) من بني مدلج كما في مسند أحمد وللطبراني أن اسمه عبد الله، وفي رواية له ولابن عبد البر أنه الفراسي وفي الإصابة عبد بسكون الموحدة بغير إضافة العركي بفتح المهملة والراء بعدها كاف هو الملاح ووهم من قال إنه اسم بلفظ النسب قيل هو اسم الذي سأل عن ماء البحر في هذا الحديث، وحكى ابن بشكوال أن اسمه عبد الله المدلجي، وقال الطبراني اسمه عبيد بالتصغير، وقال البغوي اسمه حميد بن صخر قال: وبلغني أن اسمه عبد ود انتهى.

( إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنَّا نَرْكَبُ الْبَحْرَ) الملح لأنه المتوهم فيه لأنه مالح ومر وريحه منتن قال أبو عبد الملك فيه جواز ركوبه لغير حج ولا عمرة ولا جهاد لأن السائل إنما ركبه للصيد كما جاء من غير طريق مالك.

( وَنَحْمِلُ مَعَنَا الْقَلِيلَ مِنَ الْمَاءِ) بقدر الاكتفاء ( فَإِنْ تَوَضَّأْنَا بِهِ عَطِشْنَا) بكسر الطاء ( أَفَنَتَوَضَّأُ بِهِ) أي بماء البحر ( فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: هُوَ) أي البحر ( الطَّهُورُ مَاؤُهُ) بفتح الطاء البالغ الطهارة ومنه قوله تعالى: { { وَأَنْزَلْنَا مِنَ السَّمَاءِ مَاءً طَهُورًا } } أي طاهرًا في ذاته مطهرًا لغيره ولم يقل في جوابه نعم مع حصول الغرض به ليقرن الحكم بعلته وهي الطهورية المتناهية في بابها ودفعًا لتوهم حمل لفظة نعم على الجواز ولما وقع جوابًا للسائل بين أن ذلك وصف لازم له ولم يقل ماؤه الطهور لأنه أشد اهتمامًا بذكر الوصف الذي اتصف به الماء المجوز للوضوء وهو الطهورية فالطهور به حلال صحيح كما عليه جمهور السلف والخلف وما نقل عن بعضهم من عدم الإجزاء به مزيف أو مؤول بأنه أراد عدم الإجزاء على وجه الكمال عنده ( الْحِلُّ) أي الحلال كما في رواية الدارقطني عن جابر وأنس وابن عمرو ( مَيْتَتُهُ) .

قال الرافعي: لما عرف صلى الله عليه وسلم اشتباه الأمر على السائل في ماء البحر أشفق أن يشتبه عليه حكم ميتته وقد يبتلى بها راكب البحر فعقب الجواب عن سؤاله ببيان حكم الميتة وقال غيره: سأله عن مائه فأجابه عن مائه وطعامه لعلمه بأنه قد يعوزهم الزاد فيه كما يعوزهم الماء فلما جمعتهم الحاجة انتظم الجواب بهما.

قال ابن العربي: وذلك من محاسن الفتوى بأكثر مما يسئل عنه تتميمًا للفائدة وإفادة لعلم آخر غير المسئول عنه ويتأكد ذلك عند ظهور الحاجة إلى الحكم كما هنا لأن من توقف في طهورية ماء البحر فهو عن العلم بحل ميتته مع تقدم تحريم الميتة أشد توقفًا.

قال اليعمري: وهذان الحكمان عامان وليسا في مرتبة واحدة إذ لا خلاف في العموم في حل ميتته لأنه عام مبتدأ لا في معرض جواب بخلاف الأول لأنه في معرض الجواب عن مسئول عنه، والثاني ورد بطريق الاستقلال فلا خلاف في عمومه عند القائلين به، ولو قيل في الأول أن السؤال وقع عن الوضوء وكون مائه طهورًا يفيد الوضوء وغيره فهو أعم من المسئول عنه لكان له وجه ولفظ الميتة مضاف إلى البحر ولا يجوز حمله على مطلق ما يجوز إضافته إليه مما يطلق عليه اسم الميتة وإن ساغت الإضافة فيه لغة بل محمول على الميتة من دوابه المنسوبة إليه مما لا يعيش إلا فيه وإن كان على غير صورة السمك ككلب وخنزير، وهذا الحديث أصل من أصول الإسلام تلقته الأئمة بالقبول وتداولته فقهاء الأمصار في سائر الأعصار في جميع الأقطار، ورواه الأئمة الكبار مالك والشافعي وأحمد وأصحاب السنن الأربعة والدارقطني والبيهقي والحاكم وغيرهم من عدة طرق، وصححه ابن خزيمة وابن حبان وابن منده وغيرهم.
وقال الترمذي حسن صحيح، وسألت عنه البخاري فقال: حديث صحيح والله أعلم.

( مَالِكٍ عَنْ إِسْحَاقَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي طَلْحَةَ) زيد بن سهل الأنصاري ( عَنْ) زوجته ( حُمَيْدَةَ) بضم الحاء المهملة وفتح الميم عند رواة الموطأ إلا يحيى الليثي فقال: إنها بفتح الحاء وكسر الميم نبه عليه أبو عمر ( بِنْت أبي عُبَيْدِ بْنِ فروة) كذا قال يحيى وهو غلط منه لم يتابعه عليه أحد، وإنما يقول رواة الموطأ كلهم ابنة عبيد بن رفاعة إلا أن زيد بن الحباب قال فيه عن مالك حميدة بنت عبيد بن رافع نسب أباها إلى جده وهو عبيد بن رفاعة بن رافع بن مالك بن العجلان، وحميدة هذه امرأة إسحاق، وبه صرح في رواية يحيى القطان ومحمد بن الحسن وابن المبارك عن مالك عن إسحاق قال: حدثتني امرأتي حميدة وتكنى أم يحيى قاله ابن عبد البر أي باسم ابنها يحيى بن إسحاق وهي أنصارية مدنية مقبولة من التابعيات روى لها أصحاب السنن ( عَنْ خَالَتِهَا كَبْشَةَ) بفتح الكاف والشين المعجمة بينهما موحدة ساكنة ( بِنْتِ كَعْبِ بْنِ مَالِكٍ) الأنصارية قال ابن حبان: لها صحبة وتبعه المستغفري ( وَكَانَتْ تَحْتَ) عبد الله ( ابْنِ أَبِي قَتَادَةَ الْأَنْصَارِيِّ) المدني الثقة التابعي المتوفى سنة خمس وتسعين.
وقال ابن سعد: تزوجها ثابت بن أبي قتادة فولدت له، وفي رواية ابن المبارك عن مالك وكانت امرأة أبي قتادة.

قال ابن عبد البر: وهو وهم منه إنما هي امرأة ابنه، ووقع في الأم للشافعي عن مالك وكانت تحت ابن أبي قتادة أو أبي قتادة الشك من الربيع كذا وقع في الأصل.

قال الرافعي: وفي نسبة الشك إليه شبهة لأن عبد الملك بن محمد بن عدي روى عن الحسن بن محمد الزعفراني عن الشافعي عن مالك الحديث وقال فيه كذلك، وهذا يوهم أن الشك من غير الربيع، وفي رواية عبد الرزاق وغيره عن مالك وكانت عند أبي قتادة وهذا يصدق على التقديرين قال: والواقع على ما رواه الأكثرون الأولى أي أنها زوج ابنه وكذا رواه الربيع عن الشافعي في موضع آخر بلا شك ويدل عليه قوله لها: يا ابنة أخي ولا يحسن تسمية الزوجة باسم المحارم.

( أَنَّهَا) أي كبشة ( أَخْبَرَتْهَا) أي حميدة ( أَنَّ أَبَا قَتَادَةَ) الأنصاري اسمه الحارث ويقال عمرو ويقال النعمان بن ربعي بكسر الراء وسكون الموحدة بعدها مهملة السلمي بفتحتين المدني شهد أحدًا وما بعدها ولم يصح شهوده بدرًا ومات سنة أربع وخمسين على الأصح الأشهر ( دَخَلَ عَلَيْهَا فَسَكَبَتْ) أي صبت ( لَهُ وَضُوءًا) أي الماء الذي يتوضأ به ( فَجَاءَتْ هِرَّةٌ لِتَشْرَبَ مِنْهُ فَأَصْغَى) بغين معجمة أي أمال ( لَهَا الْإِنَاءَ حَتَّى شَرِبَتْ) منه ( قَالَتْ كَبْشَةُ: فَرَآنِي أَنْظُرُ إِلَيْهِ) نظر المنكر أو المتعجب ( فَقَالَ: أَتَعْجَبِينَ يَا ابْنَةَ أَخِي؟) في الصحبة لأن أباها صحابي مثله وسلمي من قبيلته وهو أحد الثلاثة ( قَالَتْ فَقُلْتُ) له ( نَعَمْ) أعجب ( فَقَالَ) لا تعجبي ( إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: إِنَّهَا لَيْسَتْ بِنَجَسٍ) وصف بالمصدر فيستوي فيه المذكر والمؤنث قاله الرافعي وضبطه المنذري والنووي وابن دقيق العيد وابن سيد الناس بفتح الجيم من النجاسة قال تعالى: { { إِنَّمَا الْمُشْرِكُونَ نَجَسٌ } } ذكره السيوطي على النسائي ( إِنَّمَا هِيَ مِنَ الطَّوَّافِينَ عَلَيْكُمْ) أي الذين يداخلونكم ويخالطونكم قاله أبو عمر ( أَوِ الطَّوَّافَاتِ) شك من الراوي أو تنويع أي ذكورها من ذكور من يطوف وإناثها من الإناث.
ويؤيده أن في رواية بالواو قاله الرافعي وهي رواية محمد بن الحسن للموطأ، وقال البوني: الطوافين الخدم والطوافات الخادمات ونظيره قوله تعالى: { { وَيَطُوفُ عَلَيْهِمْ وِلْدَانٌ } } فالهر في اختلاطه كبعض الخدم.

وروى ابن ماجه والحاكم وابن عدي عن أبي هريرة مرفوعًا: الهرة لا تقطع الصلاة إنما هي من متاع البيت، والدارقطني عن عائشة مرفوعًا إنها ليست بنجس هي كبعض أهل البيت.

قال الرافعي: ولو قرئ تنجس أي بفوقية قبل النون وشد الجيم أي ما تلغ فيه لصح معناه، وكان قوله إنما هي من الطوافين حسن الموقع أي إذا كانت تطوف في البيت ولا يستغنى عنها يخفف الأمر فيما ولغت فيه، ولذا صار بعضهم إلى العفو مع تيقن نجاسة فمها لكن الرواية لا تساعده اهـ.

وهذا الحديث أخرجه الشافعي في الأم عن مالك به ورواه أصحاب السنن الأربعة، وأخرج أحمد والدارقطني والحاكم والبيهقي عن أبي هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم دعي إلى دار قوم فأجاب ودعي إلى دار آخرين فلم يجب فقيل له في ذلك فقال صلى الله عليه وسلم: إن في دار فلان كلبًا وفي دار الآخر هرة والهرة ليست بنجسة إنما هي من الطوافين عليكم والطوافات.

( قَالَ مَالِكٌ لَا بَأْسَ بِهِ) أي يجوز الوضوء بما شربت منه ( إِلَّا أَنْ يُرَى عَلَى فَمِهَا نَجَاسَةٌ) فإن غيرت الماء منع.

( مَالِكٍ عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ) الأنصاري ( عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ إِبْرَاهِيمَ بْنِ الْحَارِثِ) بن خالد القرشي ( التَّيْمِيِّ) أبي عبد الله المدني ثقة له أفراد من صغار التابعين، روى عن جابر وعائشة وأنس وخلق، وعنه ابنه موسى ويحيى الأنصاري والأوزاعي وجماعة، وثقه ابن معين وأبو حاتم والنسائي وغيرهم.
وقال أحمد: في أحاديثه شيء يروي أحاديث مناكير مات سنة عشرين ومائة على الصحيح وقيل قبلها بسنة.

( عَنْ يَحْيَى بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ حَاطِبٍ) بن أبي بلتعة ثقة من التابعين مات سنة أربع ومائة روى له مسلم والأربعة ( أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ خَرَجَ فِي رَكْبٍ فِيهِمْ عَمْرُو بْنُ الْعَاصِ) بن وائل السهمي الصحابي المشهور أسلم عام الحديبية وولي إمرة مصر مرتين وهو الذي فتحها وبها مات سنة نيف وأربعين وقيل بعد الخمسين ( حَتَّى وَرَدُوا حَوْضًا فَقَالَ عَمْرُو بْنُ الْعَاصِ لِصَاحِبِ الْحَوْضِ: يَا صَاحِبَ الْحَوْضِ هَلْ تَرِدُ حَوْضَكَ السِّبَاعُ؟) للشرب منه فنمتنع عنه ( فَقَالَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ يَا صَاحِبَ الْحَوْضِ لَا تُخْبِرْنَا) واتركنا على اليقين الأصلي الذي لا يزول بالشك العارض أي فكل ذلك عندنا سواء أخبرتنا أم لم تخبرنا بدليل قوله ( فَإِنَّا نَرِدُ عَلَى السِّبَاعِ وَتَرِدُ عَلَيْنَا) أي أنه أمر لا بد منه وهي طاهرة لا ينجس الماء بشربها منه، وقد قال صلى الله عليه وسلم: لها ما حملت ولنا ما بقي شراب وطهور رواه عبد الرزاق، وقال صلى الله عليه وسلم: الماء لا ينجسه شيء رواه الطيالسي والشافعي وأحمد وغيرهم.

( مَالِكٍ عَنْ نَافِعٍ أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عُمَرَ كَانَ يَقُولُ: إِنْ) مخففة من الثقيلة واسمها ضمير الشأن أي أنه ( كَانَ الرِّجَالُ وَالنِّسَاءُ) ظاهره التعميم فاللام للجنس لا للاستغراق كذا في فتح الباري، ومراده بالتعميم أن اللفظ لا يختص بالمحارم والزوجات بل يشمل غيرهم لأن هذا كان قبل الحجاب وإلا نافى كلامه بعضه بعضًا ( فِي زَمَانِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ) فيه أن الصحابي إذا أضاف الفعل إلى زمان المصطفى يكون حكمه الرفع وهو الصحيح وقال قوم: لا لاحتمال أنه لم يطلع عليه وهو ضعيف لتوفر دواعي الصحابة على سؤالهم إياه عن الأمور التي تقع لهم ومنهم ولو لم يسألوه لم يقروا على فعل غير جائز في زمن التشريع ( لَيَتَوَضَّئُونَ جَمِيعًا) أي حال كونهم مجتمعين لا مفترقين.
زاد ابن ماجه عن هشام بن عروة عن مالك في هذا الحديث من إناء واحد، وزاد أبو داود من طريق عبيد الله بن عمر عن نافع عن ابن عمر ندلي فيه أيدينا، وظاهر قوله جميعًا أنهم كانوا يتناوبون الماء في حالة واحدة ولا مانع من ذلك قبل نزول الحجاب وأما بعده فيختص بالزوجات والمحارم قاله الحافظ.

وقال الرافعي يريد كل رجل مع امرأته وأنهما كانا يأخذان من إناء واحد وكذلك ورد في بعض الروايات واستحسنه السيوطي وقال إن غيره تخليط.
وقال قوم: معناه كانوا يتوضئون جميعًا في موضع واحد الرجال على حدة والنساء على حدة.

قال الحافظ: والزيادة المتقدمة في قوله من إناء واحد ترد عليه وكان هذا القائل استبعد اجتماع الرجال والنساء الأجانب.
وأجاب ابن التين بما حكاه عن سحنون.
أن معناه كان الرجال يتوضئون ويذهبون ثم يأتي النساء فيتوضئون وهو خلاف الظاهر من قوله جميعًا.

قال أهل اللغة: الجميع ضد المتفرق وقد صرح بوحدة الإناء في صحيح ابن خزيمة من طريق معمر عن عبيد الله عن نافع عن ابن عمر أنه أبصر النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه يتطهرون والنساء معهم في إناء واحد كلهم يتطهرون منه، وفيه دلالة على جواز الوضوء بفضل وضوء المرأة لأنهما إذا توضآ جميعًا منه صدق أن الباقي في الإناء فضل وضوء المرأة، وإليه ذهب الجمهور ومنهم الأئمة الثلاثة.
وقال أحمد وداود: لا يجوز إذا خلت به، ووجهه شيخنا حافظ العصر البابلي بأنها ناقصة عقل ودين، فربما إذا خلت به أدخلت فيه شيئًا لم يطلع عليه الرجل، ونقضه شيخنا العلامة الشمرلسي لما ذكرته له بأن المرأة لها الوضوء بما خلت به المرأة بلا كراهة عند أحمد وعن الحسن وابن المسيب كراهة فضلها مطلقًا.

وهذا الحديث أخرجه البخاري عن عبد الله بن يوسف عن مالك به.



رقم الحديث 43 وَحَدَّثَنِي عَنْ مَالِكٍ، عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ إِبْرَاهِيمَ بْنِ الْحَارِثِ التَّيْمِيِّ، عَنْ يَحْيَى بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ حَاطِبٍ، أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ خَرَجَ فِي رَكْبٍ، فِيهِمْ عَمْرُو بْنُ الْعَاصِ، حَتَّى وَرَدُوا حَوْضًا، فَقَالَ عَمْرُو بْنُ الْعَاصِ لِصَاحِبِ الْحَوْضِ: يَا صَاحِبَ الْحَوْضِ هَلْ تَرِدُ حَوْضَكَ السِّبَاعُ؟ فَقَالَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ: يَا صَاحِبَ الْحَوْضِ لَا تُخْبِرْنَا، فَإِنَّا نَرِدُ عَلَى السِّبَاعِ، وَتَرِدُ عَلَيْنَا.


الطَّهُورِ لِلْوُضُوءِ

( مَالِكٍ عَنْ صَفْوَانَ بْنِ سُلَيْمٍ) بضم السين المدني الزهري مولاهم أبي عبد الله روى عن مولاه حميد بن عبد الرحمن بن عوف وعن ابن عمر وأنس وأبي أمامة بن سهل وعبد الله بن جعفر وأم سعد الجمحية ولها صحبة وجماعة عنه وعنه الليث ومالك والسفيانان وخلق قال ابن سعد: كان ثقة كثير الحديث عابدًا وذكر عند أحمد فقال هذا رجل يستشفى بحديثه وينزل القطر من السماء بذكره مات سنة اثنين وثلاثين ومائة وله اثنتان وسبعون سنة.

( عَنْ سَعِيدِ) بفتح السين وكسر العين ( بْنِ سَلَمَةَ) المخزومي ( مِنْ آلِ بَنِي الْأَزْرَقِ) وثقه النسائي وقول ابن عبد البر لم يرو عنه فيما علمت إلا صفوان ومن كانت هذه حالته فهو مجهول لا تقوم به حجة تعقب بأنه روى عنه الجلاح أبو كبير وحديثه عنه في مستدرك الحاكم قال الرافعي: وعكس بعض الرواة الاسمين فقال: سلمة بن سعيد وبدل بعضهم فقال: عبد الله بن سعيد.

( عَنِ الْمُغِيرَةِ بْنِ أَبِي بُرْدَةَ) ويقال ابن عبد الله بن أبي بردة من أوسط التابعين وثقه النسائي وقد ولي إمرة الغزو بالمغرب مات بعد المائة قال في الإكمال سئل أبو زرعة الرازي عن اسم أبي بردة والد المغيرة فقال لا أعرفه.

( وَهُوَ مِنْ بَنِي عَبْدِ الدَّارِ) بن قصي فهو قرشي كذا في رواية يحيى قال ابن وضاح: ليس هو من بني عبد الدار وطرحه ولم يقع ذلك في موطأ محمد بن الحسن قال ابن عبد البر: سأل الترمذي البخاري عن حديث مالك هذا فقال حديث صحيح.
قلت: هشيم يقول فيه المغيرة بن أبي بزرة يعني بفتح الموحدة والزاي فقال وهم فيه.

( أَنَّهُ سَمِعَ أَبَا هُرَيْرَةَ) قال الرافعي: رواه بعضهم عن المغيرة عن أبيه عن أبي هريرة ولا يوهم إرسالاً في الإسناد للتصريح فيه بسماع المغيرة من أبي هريرة يعني فرواية هذا البعض من المزيد في متصل الأسانيد.

( يَقُولُ: جَاءَ رَجُلٌ) من بني مدلج كما في مسند أحمد وللطبراني أن اسمه عبد الله، وفي رواية له ولابن عبد البر أنه الفراسي وفي الإصابة عبد بسكون الموحدة بغير إضافة العركي بفتح المهملة والراء بعدها كاف هو الملاح ووهم من قال إنه اسم بلفظ النسب قيل هو اسم الذي سأل عن ماء البحر في هذا الحديث، وحكى ابن بشكوال أن اسمه عبد الله المدلجي، وقال الطبراني اسمه عبيد بالتصغير، وقال البغوي اسمه حميد بن صخر قال: وبلغني أن اسمه عبد ود انتهى.

( إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنَّا نَرْكَبُ الْبَحْرَ) الملح لأنه المتوهم فيه لأنه مالح ومر وريحه منتن قال أبو عبد الملك فيه جواز ركوبه لغير حج ولا عمرة ولا جهاد لأن السائل إنما ركبه للصيد كما جاء من غير طريق مالك.

( وَنَحْمِلُ مَعَنَا الْقَلِيلَ مِنَ الْمَاءِ) بقدر الاكتفاء ( فَإِنْ تَوَضَّأْنَا بِهِ عَطِشْنَا) بكسر الطاء ( أَفَنَتَوَضَّأُ بِهِ) أي بماء البحر ( فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: هُوَ) أي البحر ( الطَّهُورُ مَاؤُهُ) بفتح الطاء البالغ الطهارة ومنه قوله تعالى: { { وَأَنْزَلْنَا مِنَ السَّمَاءِ مَاءً طَهُورًا } } أي طاهرًا في ذاته مطهرًا لغيره ولم يقل في جوابه نعم مع حصول الغرض به ليقرن الحكم بعلته وهي الطهورية المتناهية في بابها ودفعًا لتوهم حمل لفظة نعم على الجواز ولما وقع جوابًا للسائل بين أن ذلك وصف لازم له ولم يقل ماؤه الطهور لأنه أشد اهتمامًا بذكر الوصف الذي اتصف به الماء المجوز للوضوء وهو الطهورية فالطهور به حلال صحيح كما عليه جمهور السلف والخلف وما نقل عن بعضهم من عدم الإجزاء به مزيف أو مؤول بأنه أراد عدم الإجزاء على وجه الكمال عنده ( الْحِلُّ) أي الحلال كما في رواية الدارقطني عن جابر وأنس وابن عمرو ( مَيْتَتُهُ) .

قال الرافعي: لما عرف صلى الله عليه وسلم اشتباه الأمر على السائل في ماء البحر أشفق أن يشتبه عليه حكم ميتته وقد يبتلى بها راكب البحر فعقب الجواب عن سؤاله ببيان حكم الميتة وقال غيره: سأله عن مائه فأجابه عن مائه وطعامه لعلمه بأنه قد يعوزهم الزاد فيه كما يعوزهم الماء فلما جمعتهم الحاجة انتظم الجواب بهما.

قال ابن العربي: وذلك من محاسن الفتوى بأكثر مما يسئل عنه تتميمًا للفائدة وإفادة لعلم آخر غير المسئول عنه ويتأكد ذلك عند ظهور الحاجة إلى الحكم كما هنا لأن من توقف في طهورية ماء البحر فهو عن العلم بحل ميتته مع تقدم تحريم الميتة أشد توقفًا.

قال اليعمري: وهذان الحكمان عامان وليسا في مرتبة واحدة إذ لا خلاف في العموم في حل ميتته لأنه عام مبتدأ لا في معرض جواب بخلاف الأول لأنه في معرض الجواب عن مسئول عنه، والثاني ورد بطريق الاستقلال فلا خلاف في عمومه عند القائلين به، ولو قيل في الأول أن السؤال وقع عن الوضوء وكون مائه طهورًا يفيد الوضوء وغيره فهو أعم من المسئول عنه لكان له وجه ولفظ الميتة مضاف إلى البحر ولا يجوز حمله على مطلق ما يجوز إضافته إليه مما يطلق عليه اسم الميتة وإن ساغت الإضافة فيه لغة بل محمول على الميتة من دوابه المنسوبة إليه مما لا يعيش إلا فيه وإن كان على غير صورة السمك ككلب وخنزير، وهذا الحديث أصل من أصول الإسلام تلقته الأئمة بالقبول وتداولته فقهاء الأمصار في سائر الأعصار في جميع الأقطار، ورواه الأئمة الكبار مالك والشافعي وأحمد وأصحاب السنن الأربعة والدارقطني والبيهقي والحاكم وغيرهم من عدة طرق، وصححه ابن خزيمة وابن حبان وابن منده وغيرهم.
وقال الترمذي حسن صحيح، وسألت عنه البخاري فقال: حديث صحيح والله أعلم.

( مَالِكٍ عَنْ إِسْحَاقَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي طَلْحَةَ) زيد بن سهل الأنصاري ( عَنْ) زوجته ( حُمَيْدَةَ) بضم الحاء المهملة وفتح الميم عند رواة الموطأ إلا يحيى الليثي فقال: إنها بفتح الحاء وكسر الميم نبه عليه أبو عمر ( بِنْت أبي عُبَيْدِ بْنِ فروة) كذا قال يحيى وهو غلط منه لم يتابعه عليه أحد، وإنما يقول رواة الموطأ كلهم ابنة عبيد بن رفاعة إلا أن زيد بن الحباب قال فيه عن مالك حميدة بنت عبيد بن رافع نسب أباها إلى جده وهو عبيد بن رفاعة بن رافع بن مالك بن العجلان، وحميدة هذه امرأة إسحاق، وبه صرح في رواية يحيى القطان ومحمد بن الحسن وابن المبارك عن مالك عن إسحاق قال: حدثتني امرأتي حميدة وتكنى أم يحيى قاله ابن عبد البر أي باسم ابنها يحيى بن إسحاق وهي أنصارية مدنية مقبولة من التابعيات روى لها أصحاب السنن ( عَنْ خَالَتِهَا كَبْشَةَ) بفتح الكاف والشين المعجمة بينهما موحدة ساكنة ( بِنْتِ كَعْبِ بْنِ مَالِكٍ) الأنصارية قال ابن حبان: لها صحبة وتبعه المستغفري ( وَكَانَتْ تَحْتَ) عبد الله ( ابْنِ أَبِي قَتَادَةَ الْأَنْصَارِيِّ) المدني الثقة التابعي المتوفى سنة خمس وتسعين.
وقال ابن سعد: تزوجها ثابت بن أبي قتادة فولدت له، وفي رواية ابن المبارك عن مالك وكانت امرأة أبي قتادة.

قال ابن عبد البر: وهو وهم منه إنما هي امرأة ابنه، ووقع في الأم للشافعي عن مالك وكانت تحت ابن أبي قتادة أو أبي قتادة الشك من الربيع كذا وقع في الأصل.

قال الرافعي: وفي نسبة الشك إليه شبهة لأن عبد الملك بن محمد بن عدي روى عن الحسن بن محمد الزعفراني عن الشافعي عن مالك الحديث وقال فيه كذلك، وهذا يوهم أن الشك من غير الربيع، وفي رواية عبد الرزاق وغيره عن مالك وكانت عند أبي قتادة وهذا يصدق على التقديرين قال: والواقع على ما رواه الأكثرون الأولى أي أنها زوج ابنه وكذا رواه الربيع عن الشافعي في موضع آخر بلا شك ويدل عليه قوله لها: يا ابنة أخي ولا يحسن تسمية الزوجة باسم المحارم.

( أَنَّهَا) أي كبشة ( أَخْبَرَتْهَا) أي حميدة ( أَنَّ أَبَا قَتَادَةَ) الأنصاري اسمه الحارث ويقال عمرو ويقال النعمان بن ربعي بكسر الراء وسكون الموحدة بعدها مهملة السلمي بفتحتين المدني شهد أحدًا وما بعدها ولم يصح شهوده بدرًا ومات سنة أربع وخمسين على الأصح الأشهر ( دَخَلَ عَلَيْهَا فَسَكَبَتْ) أي صبت ( لَهُ وَضُوءًا) أي الماء الذي يتوضأ به ( فَجَاءَتْ هِرَّةٌ لِتَشْرَبَ مِنْهُ فَأَصْغَى) بغين معجمة أي أمال ( لَهَا الْإِنَاءَ حَتَّى شَرِبَتْ) منه ( قَالَتْ كَبْشَةُ: فَرَآنِي أَنْظُرُ إِلَيْهِ) نظر المنكر أو المتعجب ( فَقَالَ: أَتَعْجَبِينَ يَا ابْنَةَ أَخِي؟) في الصحبة لأن أباها صحابي مثله وسلمي من قبيلته وهو أحد الثلاثة ( قَالَتْ فَقُلْتُ) له ( نَعَمْ) أعجب ( فَقَالَ) لا تعجبي ( إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: إِنَّهَا لَيْسَتْ بِنَجَسٍ) وصف بالمصدر فيستوي فيه المذكر والمؤنث قاله الرافعي وضبطه المنذري والنووي وابن دقيق العيد وابن سيد الناس بفتح الجيم من النجاسة قال تعالى: { { إِنَّمَا الْمُشْرِكُونَ نَجَسٌ } } ذكره السيوطي على النسائي ( إِنَّمَا هِيَ مِنَ الطَّوَّافِينَ عَلَيْكُمْ) أي الذين يداخلونكم ويخالطونكم قاله أبو عمر ( أَوِ الطَّوَّافَاتِ) شك من الراوي أو تنويع أي ذكورها من ذكور من يطوف وإناثها من الإناث.
ويؤيده أن في رواية بالواو قاله الرافعي وهي رواية محمد بن الحسن للموطأ، وقال البوني: الطوافين الخدم والطوافات الخادمات ونظيره قوله تعالى: { { وَيَطُوفُ عَلَيْهِمْ وِلْدَانٌ } } فالهر في اختلاطه كبعض الخدم.

وروى ابن ماجه والحاكم وابن عدي عن أبي هريرة مرفوعًا: الهرة لا تقطع الصلاة إنما هي من متاع البيت، والدارقطني عن عائشة مرفوعًا إنها ليست بنجس هي كبعض أهل البيت.

قال الرافعي: ولو قرئ تنجس أي بفوقية قبل النون وشد الجيم أي ما تلغ فيه لصح معناه، وكان قوله إنما هي من الطوافين حسن الموقع أي إذا كانت تطوف في البيت ولا يستغنى عنها يخفف الأمر فيما ولغت فيه، ولذا صار بعضهم إلى العفو مع تيقن نجاسة فمها لكن الرواية لا تساعده اهـ.

وهذا الحديث أخرجه الشافعي في الأم عن مالك به ورواه أصحاب السنن الأربعة، وأخرج أحمد والدارقطني والحاكم والبيهقي عن أبي هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم دعي إلى دار قوم فأجاب ودعي إلى دار آخرين فلم يجب فقيل له في ذلك فقال صلى الله عليه وسلم: إن في دار فلان كلبًا وفي دار الآخر هرة والهرة ليست بنجسة إنما هي من الطوافين عليكم والطوافات.

( قَالَ مَالِكٌ لَا بَأْسَ بِهِ) أي يجوز الوضوء بما شربت منه ( إِلَّا أَنْ يُرَى عَلَى فَمِهَا نَجَاسَةٌ) فإن غيرت الماء منع.

( مَالِكٍ عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ) الأنصاري ( عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ إِبْرَاهِيمَ بْنِ الْحَارِثِ) بن خالد القرشي ( التَّيْمِيِّ) أبي عبد الله المدني ثقة له أفراد من صغار التابعين، روى عن جابر وعائشة وأنس وخلق، وعنه ابنه موسى ويحيى الأنصاري والأوزاعي وجماعة، وثقه ابن معين وأبو حاتم والنسائي وغيرهم.
وقال أحمد: في أحاديثه شيء يروي أحاديث مناكير مات سنة عشرين ومائة على الصحيح وقيل قبلها بسنة.

( عَنْ يَحْيَى بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ حَاطِبٍ) بن أبي بلتعة ثقة من التابعين مات سنة أربع ومائة روى له مسلم والأربعة ( أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ خَرَجَ فِي رَكْبٍ فِيهِمْ عَمْرُو بْنُ الْعَاصِ) بن وائل السهمي الصحابي المشهور أسلم عام الحديبية وولي إمرة مصر مرتين وهو الذي فتحها وبها مات سنة نيف وأربعين وقيل بعد الخمسين ( حَتَّى وَرَدُوا حَوْضًا فَقَالَ عَمْرُو بْنُ الْعَاصِ لِصَاحِبِ الْحَوْضِ: يَا صَاحِبَ الْحَوْضِ هَلْ تَرِدُ حَوْضَكَ السِّبَاعُ؟) للشرب منه فنمتنع عنه ( فَقَالَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ يَا صَاحِبَ الْحَوْضِ لَا تُخْبِرْنَا) واتركنا على اليقين الأصلي الذي لا يزول بالشك العارض أي فكل ذلك عندنا سواء أخبرتنا أم لم تخبرنا بدليل قوله ( فَإِنَّا نَرِدُ عَلَى السِّبَاعِ وَتَرِدُ عَلَيْنَا) أي أنه أمر لا بد منه وهي طاهرة لا ينجس الماء بشربها منه، وقد قال صلى الله عليه وسلم: لها ما حملت ولنا ما بقي شراب وطهور رواه عبد الرزاق، وقال صلى الله عليه وسلم: الماء لا ينجسه شيء رواه الطيالسي والشافعي وأحمد وغيرهم.

( مَالِكٍ عَنْ نَافِعٍ أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عُمَرَ كَانَ يَقُولُ: إِنْ) مخففة من الثقيلة واسمها ضمير الشأن أي أنه ( كَانَ الرِّجَالُ وَالنِّسَاءُ) ظاهره التعميم فاللام للجنس لا للاستغراق كذا في فتح الباري، ومراده بالتعميم أن اللفظ لا يختص بالمحارم والزوجات بل يشمل غيرهم لأن هذا كان قبل الحجاب وإلا نافى كلامه بعضه بعضًا ( فِي زَمَانِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ) فيه أن الصحابي إذا أضاف الفعل إلى زمان المصطفى يكون حكمه الرفع وهو الصحيح وقال قوم: لا لاحتمال أنه لم يطلع عليه وهو ضعيف لتوفر دواعي الصحابة على سؤالهم إياه عن الأمور التي تقع لهم ومنهم ولو لم يسألوه لم يقروا على فعل غير جائز في زمن التشريع ( لَيَتَوَضَّئُونَ جَمِيعًا) أي حال كونهم مجتمعين لا مفترقين.
زاد ابن ماجه عن هشام بن عروة عن مالك في هذا الحديث من إناء واحد، وزاد أبو داود من طريق عبيد الله بن عمر عن نافع عن ابن عمر ندلي فيه أيدينا، وظاهر قوله جميعًا أنهم كانوا يتناوبون الماء في حالة واحدة ولا مانع من ذلك قبل نزول الحجاب وأما بعده فيختص بالزوجات والمحارم قاله الحافظ.

وقال الرافعي يريد كل رجل مع امرأته وأنهما كانا يأخذان من إناء واحد وكذلك ورد في بعض الروايات واستحسنه السيوطي وقال إن غيره تخليط.
وقال قوم: معناه كانوا يتوضئون جميعًا في موضع واحد الرجال على حدة والنساء على حدة.

قال الحافظ: والزيادة المتقدمة في قوله من إناء واحد ترد عليه وكان هذا القائل استبعد اجتماع الرجال والنساء الأجانب.
وأجاب ابن التين بما حكاه عن سحنون.
أن معناه كان الرجال يتوضئون ويذهبون ثم يأتي النساء فيتوضئون وهو خلاف الظاهر من قوله جميعًا.

قال أهل اللغة: الجميع ضد المتفرق وقد صرح بوحدة الإناء في صحيح ابن خزيمة من طريق معمر عن عبيد الله عن نافع عن ابن عمر أنه أبصر النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه يتطهرون والنساء معهم في إناء واحد كلهم يتطهرون منه، وفيه دلالة على جواز الوضوء بفضل وضوء المرأة لأنهما إذا توضآ جميعًا منه صدق أن الباقي في الإناء فضل وضوء المرأة، وإليه ذهب الجمهور ومنهم الأئمة الثلاثة.
وقال أحمد وداود: لا يجوز إذا خلت به، ووجهه شيخنا حافظ العصر البابلي بأنها ناقصة عقل ودين، فربما إذا خلت به أدخلت فيه شيئًا لم يطلع عليه الرجل، ونقضه شيخنا العلامة الشمرلسي لما ذكرته له بأن المرأة لها الوضوء بما خلت به المرأة بلا كراهة عند أحمد وعن الحسن وابن المسيب كراهة فضلها مطلقًا.

وهذا الحديث أخرجه البخاري عن عبد الله بن يوسف عن مالك به.



رقم الحديث 120 حَدَّثَنِي يَحْيَى، عَنْ مَالِكٍ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ الْقَاسِمِ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَائِشَةَ أُمِّ الْمُؤْمِنِينَ، أَنَّهَا قَالَتْ: خَرَجْنَا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي بَعْضِ أَسْفَارِهِ، حَتَّى إِذَا كُنَّا بِالْبَيْدَاءِ أَوْ بِذَاتِ الْجَيْشِ انْقَطَعَ عِقْدٌ لِي.
فَأَقَامَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى الْتِمَاسِهِ.
وَأَقَامَ النَّاسُ مَعَهُ.
وَلَيْسُوا عَلَى مَاءٍ.
وَلَيْسَ مَعَهُمْ مَاءٌ.
فَأَتَى النَّاسُ إِلَى أَبِي بَكْرٍ الصِّدِّيقِ فَقَالُوا: أَلَا تَرَى مَا صَنَعَتْ عَائِشَةُ؟ أَقَامَتْ بِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَبِالنَّاسِ وَلَيْسُوا عَلَى مَاءٍ وَلَيْسَ مَعَهُمْ مَاءٌ، قَالَتْ عَائِشَةُ فَجَاءَ أَبُو بَكْرٍ وَرَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَاضِعٌ رَأْسَهُ عَلَى فَخِذِي، قَدْ نَامَ فَقَالَ: حَبَسْتِ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَالنَّاسَ وَلَيْسُوا عَلَى مَاءٍ.
وَلَيْسَ مَعَهُمْ مَاءٌ.
قَالَتْ عَائِشَةُ: فَعَاتَبَنِي أَبُو بَكْرٍ، فَقَالَ مَا شَاءَ اللَّهُ أَنْ يَقُولَ.
وَجَعَلَ يَطْعُنُ بِيَدِهِ فِي خَاصِرَتِي، فَلَا يَمْنَعُنِي مِنَ التَّحَرُّكِ إِلَّا مَكَانُ رَأْسِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى فَخِذِي.
فَنَامَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَتَّى أَصْبَحَ عَلَى غَيْرِ مَاءٍ، فَأَنْزَلَ اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى آيَةَ التَّيَمُّمِ فَتَيَمَّمُوا.
فَقَالَ أُسَيْدُ بْنُ حُضَيْرٍ مَا هِيَ بِأَوَّلِ بَرَكَتِكُمْ يَا آلَ أَبِي بَكْرٍ.
قَالَتْ: فَبَعَثْنَا الْبَعِيرَ الَّذِي كُنْتُ عَلَيْهِ فَوَجَدْنَا الْعِقْدَ تَحْتَهُ
وَسُئِلَ مَالِكٌ عَنْ رَجُلٍ تَيَمَّمَ لِصَلَاةٍ حَضَرَتْ، ثُمَّ حَضَرَتْ صَلَاةٌ أُخْرَى، أَيَتَيَمَّمُ لَهَا أَمْ يَكْفِيهِ تَيَمُّمُهُ ذَلِكَ؟ فَقَالَ: بَلْ يَتَيَمَّمُ لِكُلِّ صَلَاةٍ.
لِأَنَّ عَلَيْهِ أَنْ يَبْتَغِيَ الْمَاءَ لِكُلِّ صَلَاةٍ.
فَمَنِ ابْتَغَى الْمَاءَ فَلَمْ يَجِدْهُ، فَإِنَّهُ يَتَيَمَّمُ وَسُئِلَ مَالِكٌ عَنْ رَجُلٍ تَيَمَّمَ أَيَؤُمُّ أَصْحَابَهُ وَهُمْ عَلَى وُضُوءٍ؟ قَالَ: يَؤُمُّهُمْ غَيْرُهُ أَحَبُّ إِلَيَّ وَلَوْ أَمَّهُمْ هُوَ لَمْ أَرَ بِذَلِكَ بَأْسًا قَالَ يَحْيَى: قَالَ مَالِكٌ: فِي رَجُلٍ تَيَمَّمَ حِينَ لَمْ يَجِدْ مَاءً، فَقَامَ وَكَبَّرَ، وَدَخَلَ فِي الصَّلَاةِ، فَطَلَعَ عَلَيْهِ إِنْسَانٌ مَعَهُ مَاءٌ؟ قَالَ: لَا يَقْطَعُ صَلَاتَهُ، بَلْ يُتِمُّهَا بِالتَّيَمُّمِ، وَلْيَتَوَضَّأْ لِمَا يُسْتَقْبَلُ مِنَ الصَّلَوَاتِ قَالَ يَحْيَى: قَالَ مَالِكٌ: مَنْ قَامَ إِلَى الصَّلَاةِ، فَلَمْ يَجِدْ مَاءً، فَعَمِلَ بِمَا أَمَرَهُ اللَّهُ بِهِ، مِنَ التَّيَمُّمِ، فَقَدْ أَطَاعَ اللَّهَ.
وَلَيْسَ الَّذِي وَجَدَ الْمَاءَ، بِأَطْهَرَ مِنْهُ، وَلَا أَتَمَّ صَلَاةً.
لِأَنَّهُمَا أُمِرَا جَمِيعًا.
فَكُلٌّ عَمِلَ بِمَا أَمَرَهُ اللَّهُ بِهِ.
وَإِنَّمَا الْعَمَلُ بِمَا أَمَرَ اللَّهُ بِهِ مِنَ الْوُضُوءِ، لِمَنْ وَجَدَ الْمَاءَ.
وَالتَّيَمُّمِ لِمَنْ لَمْ يَجِدِ الْمَاءَ.
قَبْلَ أَنْ يَدْخُلَ فِي الصَّلَاةِ وقَالَ مَالِكٌ فِي الرَّجُلِ الْجُنُبِ إِنَّهُ يَتَيَمَّمُ وَيَقْرَأُ حِزْبَهُ مِنَ الْقُرْآنِ، وَيَتَنَفَّلُ، مَا لَمْ يَجِدْ مَاءً، وَإِنَّمَا ذَلِكَ فِي الْمَكَانِ الَّذِي يَجُوزُ لَهُ أَنْ يُصَلِّيَ فِيهِ بِالتَّيَمُّمِ.


( مَالِكٍ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ الْقَاسِمِ) بن محمد بن أبي بكر الصديق القرشي التيمي أبي محمد المدني، روى عن أبيه وأسلم مولى عمر وسعيد بن المسيب وعروة، وعنه مالك وسماك بن حرب وأيوب والزهري وحميد الطويل والسفيانان وخلق وكان ثقة جليلاً.
قال ابن عيينة: كان أفضل أهل زمانه مات بالشام سنة ست وعشرين ومائة وقيل بعدها.

( عَنْ أَبِيهِ) القاسم بن محمد أبي عبد الرحمن المدني أحد الفقهاء بها.
قال ابن سعد: ثقة رفيع عالم فقيه إمام ورع كثير الحديث.
قال يحيى بن سعيد: ما أدركنا بالمدينة أحدًا نفضله عليه.
وقال أبو الزناد: ما رأيت أحدًا أعلم بالسنة منه وما كان الرجل يعد رجلاً حتى يعرف السنة.
وقال أيوب: ما رأيت أفضل منه مات سنة ست ومائة على الصحيح.

( عَنْ عَائِشَةَ أُمِّ الْمُؤْمِنِينَ أَنَّهَا قَالَتْ خَرَجْنَا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي بَعْضِ أَسْفَارِهِ) قال في التمهيد: يقال إنها غزاة بني المصطلق في سنة ست وقيل خمس وجزم بذلك في الاستذكار وسبقه ابن سعد وابن حبان وغزاة بني المصطلق هي غزاة المريسيع، وفيها وقعت قصة الإفك لعائشة وكان ابتداء ذلك بسبب وقوع عقدها أيضًا، فإن كان ما جزموا به ثابتًا حمل على أنه سقط منها في تلك السفرة مرتين لأجل اختلاف القصتين كما هو بين في سياقهما.
وذهب جماعة إلى تعدد ضياع العقد وأن هذه كانت بعد قصة الإفك محتجين بما رواه الطبراني عن عائشة لما كان من أمر عقدي ما كان، وقال أهل الإفك ما قالوا خرجت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في غزاة أخرى فسقط أيضًا عقدي حتى حبس الناس على التماسه فقال أبو بكر: يا بنية في كل مرة تكونين عناء وبلاء على الناس فأنزل الله آية التيمم فقال أبو بكر: إنك لمباركة ففيه التصريح بأن ضياع العقد كان مرتين في غزوتين، وبذلك جزم محمد بن حبيب الأخباري فقال: سقط عقدها في غزاة بني المصطلق وفي ذات الرقاع واختلف أهل المغازي في أيهما كانت أولاً.
وروى ابن أبي شيبة عن أبي هريرة لما أنزلت آية التيمم لم أدر كيف أصنع ففيه دلالة على تأخرها عن بني المصطلق لأن إسلام أبي هريرة كان في السابعة وهي بعدها بلا خلاف.

( حَتَّى إِذَا كُنَّا بِالْبَيْدَاءِ) بفتح الموحدة والمد وهي الشرف الذي قدام ذي الحليفة من طريق مكة ( أَوْ بِذَاتِ الْجَيْشِ) بفتح الجيم وسكون التحتية وشين معجمة موضع على بريد من المدينة وبينها وبين العقيق سبعة أميال قاله أبو عبيد البكري في معجمه والعقيق من طريق مكة لا من طريق خيبر، فقول النووي البيداء وذات الجيش بين المدينة وخيبر فيه نظر، ويؤيد الأول رواية الحميدي عن سفيان عن هشام عن أبيه عروة عن عائشة أن القلادة سقطت ليلة الأبواء والأبواء بين مكة والمدينة.
وللنسائي وجعفر الفريابي وابن عبد البر من طريق علي بن مسهر عن هشام عن أبيه عنها وكان ذلك بمكان يقال له الصلصل بمهملتين مضمومتين ولامين أولاهما ساكنة وهو جبل عند ذي الحليفة ذكره البكري في الصاد المهملة ووهم مغلطاي فزعم أنه ضبطه بالمعجمة وقلده بعض الشراح فزاده وهمًا ذكره كله الحافظ وقال غيره والشك من عائشة.

( انْقَطَعَ عِقْدٌ لِي) بكسر المهملة كل ما يعقد ويعلق في العنق ويسمى قلادة.
وللبخاري من وجه آخر سقطت قلادة لي بالبيداء ونحن داخلون المدينة فأناخ صلى الله عليه وسلم ونزل، وهذا مشعر بأن ذلك كان عند قربهم من المدينة، ولأبي داود وغيره من حديث عمار بن ياسر أن العقد كان من جزع ظفار.
وجزع بفتح الجيم وسكون الزاي خرز يمني، وظفار مدينة بسواحل اليمن بكسر الظاء المعجمة مصروف أو فتحها والبناء بوزن قطام وإضافته إليها لكونه في يدها وتصرفها فلا يخالف رواية البخاري وغيره عن عروة عنها أنها استعارته من أسماء أختها بناء على اتحاد القصة وهو أظهر من دعوى تعدّدها.

( فَأَقَامَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى الْتِمَاسِهِ) أي لأجل طلبه ( وَأَقَامَ النَّاسُ مَعَهُ وَلَيْسُوا عَلَى مَاءٍ وَلَيْسَ مَعَهُمْ مَاءٌ) ففيه إشارة إلى ترك إضاعة المال واعتناء الإمام بحفظ حقوق المسلمين وإن قلت فقد روي أن ثمن العقد كان اثني عشر درهمًا ويلحق بتحصيل الضائع الإقامة للحاقِ المنقطع ودفن الميت ونحو ذلك من مصالح الرعية، واستدل به على جواز الإقامة في مكان لا ماء فيه وسلوك طريق لا ماء فيها، ونظر فيه الحافظ بأن المدينة كانت قريبة منهم وهم على قصد دخولها قال: ويحتمل أنه صلى الله عليه وسلم لم يعلم بعدم الماء مع الركب وإن علم أن المكان لا ماء فيه، ويحتمل أن قوله وليس معهم ماء أي للوضوء وأما الشرب فيحتمل أنه معهم، والأول محتمل لجواز إرسال المطر ونبع الماء من بين أصابعه صلى الله عليه وسلم كما وقع في مواطن أخرى.

( فَأَتَى النَّاسُ إِلَى أَبِي بَكْرٍ الصِّدِّيقِ فَقَالُوا: أَلَا تَرَى) بهمزة الاستفهام ( مَا صَنَعَتْ عَائِشَةُ؟ أَقَامَتْ بِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَبِالنَّاسِ وَلَيْسُوا عَلَى مَاءٍ وَلَيْسَ مَعَهُمْ مَاءٌ) أسند الفعل إليها لأنه كان بسببها وفيه شكوى المرأة إلى أبيها وإن كان لها زوج، وكأنهم إنما شكوا له لأنه صلى الله عليه وسلم نائم وكانوا لا يوقظونه قاله الحافظ أو خافوا تغيظه لشدة محبة المصطفى لها.
قاله بعض شيوخي.

( قَالَتْ عَائِشَةُ فَجَاءَ أَبُو بَكْرٍ وَرَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَاضِعٌ رَأْسَهُ عَلَى فَخِذِي) بالذال المعجمة ( قَدْ نَامَ) ففيه جواز دخول الرجل على بنته وإن كان زوجها عندها إذا علم رضاه بذلك ولم تكن حالة مباشرة ( فَقَالَ: حَبَسْتِ) منعت ( رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَالنَّاسَ وَلَيْسُوا عَلَى مَاءٍ وَلَيْسَ مَعَهُمْ مَاءٌ) وفيه ضرر شديد.

( قَالَتْ عَائِشَةُ فَعَاتَبَنِي أَبُو بَكْرٍ) لم تقل أبي لأن قضية الأبوة الحنو والعتاب بالقول والتأديب بالفعل مغاير لذلك في الظاهر فأنزلته منزلة الأجنبي ( فَقَالَ مَا شَاءَ اللَّهُ أَنْ يَقُولَ) فقال: حبست الناس في قلادة وفي كل مرة تكونين عناء وبلاء على الناس ( وَجَعَلَ يَطْعُنُ بِيَدِهِ) بضم العين وكذا جميع ما هو حسي وأما المعنوي فبالفتح على المشهور فيهما.
وحكى الفتح فيهما معًا في المطالع وغيرها والضم فيهما صاحب الجامع ( فِي خَاصِرَتِي) هو الشاكلة وخصر الإنسان بفتح المعجمة وسكون المهملة وسطه كما في الكواكب وفيه تأديب الرجل بنته ولو متزوجة كبيرة خارجة عن بيته ويلحق به تأديب من له تأديبه ولو لم يأذن الإمام ( فَلَا يَمْنَعُنِي مِنَ التَّحَرُّكِ إِلَّا مَكَانُ) أي كون واستقرار ( رَأْسِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى فَخِذِي) فأرادت بالمكان هنا الكون والاستقرار فلا يرد أن الفخذ هو المكان فلا معنى للجمع بينهما، وفيه استحباب الصبر لمن ناله ما يوجب الحركة ويحصل به التشويش لنائم وكذا لمصل أو قار أو مشتغل بعلم أو ذكر ( فَنَامَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَتَّى أَصْبَحَ) دخل في الصباح ( عَلَى غَيْرِ مَاءٍ) متعلق بنام وأصبح فتنازعا فيه هكذا الرواية في الموطأ حتى وهي رواية مسلم عن يحيى والبخاري في فضل أبي بكر عن قتيبة عن مالك، ورواه في التيمم عن عبد الله بن يوسف بلفظ حين بتحتية ونون.

قال الحافظ: ومعناهما متقارب لأن كلاً منهما يدل على أن قيامه من نومه كان عند الصبح، وقال بعضهم: ليس المراد بقوله حتى أصبح بيان غاية النوم إلى الصباح بل بيان غاية فقد الماء إلى الصباح لأنه قيد الغاية بقوله على غير ماء أي آل أمره إلى أن أصبح على غير ماء، وأما رواية عمرو بن الحارث فلفظها ثم إن النبي صلى الله عليه وسلم استيقظ وحضرت الصبح فإن أعربت الواو حالية كان دليلاً على أن الاستيقاظ وقع حال وجود الصباح وهو الظاهر، واستدل به على الرخصة في ترك التهجد في السفر إن ثبت أنه كان واجبًا عليه وعلى أن طلب الماء لا يجب إلا بعد دخول الوقت لقوله في رواية عمرو بعد قوله وحضرت الصبح فالتمس الماء فلم يوجد.

( فَأَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى آيَةَ التَّيَمُّمِ) قال ابن العربي: هذه معضلة ما وجدت لدائها من دواء لأنا لا نعلم أي الآيتين عنت عائشة.
وقال ابن بطال: هي آية النساء أو المائدة.
وقال القرطبي: هي آية النساء لأن آية المائدة تسمى آية الوضوء وآية النساء لا ذكر للوضوء فيها، وأورد الواحدي في أسباب النزول هذا الحديث عند ذكر آية النساء.

قال الحافظ: وخفي على الجميع ما ظهر للبخاري أنها آية المائدة بلا تردد لرواية عمرو بن الحارث عن عبد الرحمن بن القاسم عند البخاري في التفسير إذ قال فيها فنزلت آية: { { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلاَةِ } } الآية قال: واستدل به على أن الوضوء كان واجبًا قبل نزول الآية، ولذا استعظموا نزولهم على غير ماء، ووقع من أبي بكر في حق عائشة ما وقع.

قال ابن عبد البر: معلوم عند جميع أهل المغازي أنه صلى الله عليه وسلم لم يصل منذ فرضت الصلاة إلا بوضوء ولا يدفع ذلك إلا جاهل أو معاند قال وفي قوله آية التيمم إشارة إلى أن الذي طرأ عليهم من العلم حينئذ حكم التيمم لا حكم الوضوء قال: والحكمة في نزول آية الوضوء مع تقدم العمل به ليكون فرضه متلوا بالتنزيل، وقال غيره: يحتمل أن أول آية الوضوء نزل قديمًا فعملوا به ثم نزل بقيتها وهو ذكر التيمم في هذه القصة وإطلاق آية التيمم على هذا من إطلاق الكل على البعض، لكن رواية عمرو بن الحارث تدل على أن الآية نزلت في هذه القصة فالظاهر ما قاله ابن عبد البر انتهى.

وقد ثبت في رواية محمد بن الحسن وعبد الله التنيسي ويحيى التميمي قوله ( فَتَيَمَّمُوا) وسقط من رواية يحيى وغيره.
قال الحافظ: يحتمل أنه خبر عن فعل الصحابة أي فتيمم الناس بعد نزول الآية ويحتمل أنه حكاية لبعض الآية وهو الأمر في قوله: { { فَتَيَمَّمُوا صَعِيدًا طَيِّبًا } } بيانًا لقوله آية التيمم أو بدلاً، واستدل بالآية على وجوب النية في التيمم لأن معناه اقصدوا كما تقدم وهو قول فقهاء الأمصار إلا الأوزاعي.

( فَقَالَ أُسَيْدُ) بضم الهمزة وفتح السين ( بْنُ حُضَيْرٍ) بضم المهملة وفتح الضاد المعجمة ابن سماك الأنصاري الأشهلي أبو يحيى الصحابي الجليل، مات سنة عشرين أو إحدى وعشرين ( مَا هِيَ بِأَوَّلِ بَرَكَتِكُمْ يَا آلَ أَبِي بَكْرٍ) بل هي مسبوقة بغيرها من البركات والمراد بآله نفسه وأهله وأتباعه، وفي رواية عمرو بن الحارث لقد بارك الله فيكم، وللبخاري من وجه آخر فقال أسيد لعائشة: جزاك الله خيرًا فوالله ما نزل بك أمر تكرهينه إلا جعل الله لك وللمسلمين فيه خيرًا.
وفي لفظ له إلا جعل الله لك منه مخرجًا وجعل للمسلمين فيه بركة، وإنما قال ذلك أسيد دون غيره لأنه كان رأس من بعث في طلب العقد الذي ضاع وفي تفسير إسحاق المسيبي من طريق ابن أبي مليكة عن عائشة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لها: ما كان أعظم بركة قلادتك.

( قَالَتْ: فَبَعَثْنَا) أي أثرنا ( الْبَعِيرَ الَّذِي كُنْتُ) راكبة ( عَلَيْهِ) حالة السير ( فَوَجَدْنَا الْعِقْدَ تَحْتَهُ) هذا ظاهر في أن الذين توجهوا في طلبه أولاً لم يجدوه، وفي رواية عروة عن عائشة في البخاري فبعث صلى الله عليه وسلم رجلاً فوجدها أي القلادة، وللبخاري ومسلم فبعث ناسًا من أصحابه فطلبها، ولأبي داود فبعث أسيد بن حضير وناسًا معه وطريق الجمع بين هذه الروايات أن أسيدًا كان رأس من بعث لذلك فلذا سمي في بعض الروايات دون غيره، وأسند إلى واحد منهم في رواية دون غيره وهو المراد به، وكأنهم لم يجدوا العقد أولاً فلما رجعوا ونزلت الآية وأرادوا الرحيل وأثاروا البعير وجده أسيد، فقوله في رواية عروة فوجدها أي بعد جميع ما تقدم من التفتيش وغيره.

وقال النووي: يحتمل أن فاعل وجدها النبي صلى الله عليه وسلم وقد بالغ الداودي في توهيم رواية عروة ونقل عن إسماعيل القاضي أنه حمل الوهم فيها على عبد الله بن نمير راويها عن هشام عن أبيه وقد بان أن لا تخالف بينهما ولا وهم ذكره الحافظ.

وحديث الباب أخرجه البخاري هنا، وفي النكاح عن عبد الله بن يوسف، وفي المناقب عن قتيبة بن سعيد، وفي التفسير والمحاربين عن إسماعيل.
ومسلم عن يحيى الأربعة عن مالك به.

قال الحافظ: ولم يقع في شيء من طرق حديث عائشة هذا كيفية التيمم، وقد روى عمار بن ياسر قصتها هذه لكن اختلفت الرواة عنه في الكيفية فورد بالاقتصار على الوجه والكفين في الصحيحين وبذكر المرفقين في السنن، وفي رواية إلى نصف الذراع، وفي رواية أخرى إلى الإبط، فأما رواية إلى المرفقين وكذا نصف الذراع ففيهما مقال، وأما رواية إلى الآباط فقال الشافعي وغيره: إن كان وقع ذلك بأمر النبي صلى الله عليه وسلم فكل تيمم صح للنبي صلى الله عليه وسلم فهو ناسخ له، وإن كان بغير أمره فالحجة فيما أمر به، ومما يقوي رواية الصحيحين في الاقتصار على الوجه والكفين كون عمار كان يفتي بعده صلى الله عليه وسلم بذلك، وراوي الحديث أعرف بالمراد من غيره ولا سيما الصحابي المجتهد انتهى.

( وَسُئِلَ مَالِكٌ عَنْ رَجُلٍ تَيَمَّمَ لِصَلَاةٍ حَضَرَتْ ثُمَّ حَضَرَتْ صَلَاةٌ أُخْرَى أَيَتَيَمَّمُ لَهَا أَمْ يَكْفِيهِ تَيَمُّمُهُ ذَلِكَ؟ فَقَالَ: بَلْ يَتَيَمَّمُ لِكُلِّ صَلَاةٍ لِأَنَّ عَلَيْهِ أَنْ يَبْتَغِيَ) يطلب ( الْمَاءَ لِكُلِّ صَلَاةٍ) على ظاهر قوله تعالى { { فَلَمْ تَجِدُوا مَاءً } } ( فَمَنِ ابْتَغَى الْمَاءَ فَلَمْ يَجِدْهُ فَإِنَّهُ يَتَيَمَّمُ) إذ التيمم مبيح للصلاة لا رافع للحدث على المشهور فيطلب لكل صلاة بذلك المبيح.

( وَسُئِلَ مَالِكٌ عَنْ رَجُلٍ تَيَمَّمَ أَيَؤُمُّ أَصْحَابَهُ وَهُمْ عَلَى وُضُوءٍ؟ قَالَ: يَؤُمُّهُمْ غَيْرُهُ أَحَبُّ إِلَيَّ وَلَوْ أَمَّهُمْ هُوَ لَمْ أَرَ بِذَلِكَ بَأْسًا) أي أنه جائز مع الكراهة.
ودليل الجواز ما رواه أبو داود والحاكم عن عمرو بن العاص قال: احتلمت في ليلة باردة في غزوة ذات السلاسل فأشفقت أن أغتسل فأهلك فتيممت ثم صليت بأصحابي الصبح فذكروا ذلك للنبي صلى الله عليه وسلم فقال؟ يا عمرو صليت بأصحابك وأنت جنب فأخبرته بالذي منعني عن الاغتسال وقلت إني سمعت الله يقول: { { وَلاَ تَقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ إِنَّ اللهَ كَانَ بِكُمْ رَحِيمًا } } فضحك رسول الله صلى الله عليه وسلم ولم يقل شيئًا وإسناده قوي.

( قَالَ مَالِكٌ فِي رَجُلٍ تَيَمَّمَ حِينَ لَمْ يَجِدْ مَاءً فَقَامَ وَكَبَّرَ وَدَخَلَ فِي الصَّلَاةِ فَطَلَعَ عَلَيْهِ إِنْسَانٌ مَعَهُ مَاءٌ؟ قَالَ: لَا يَقْطَعُ صَلَاتَهُ بَلْ يُتِمُّهَا بِالتَّيَمُّمِ وَلْيَتَوَضَّأْ لِمَا يُسْتَقْبَلُ مِنَ الصَّلَوَاتِ) لأنه لم يثبت في سنة ولا إجماع ما يوجب قطع صلاته وهو كمن وجب عليه صوم ظهار أو قتل فصام أكثره ثم أيسر لا يعود إلى العتق وبه قال الشافعي وداود.
وقال أبو حنيفة وأحمد وغيرهما: يقطع الصلاة ويتوضأ ويستأنف للإجماع في المعتدة بالشهور يبقى أقلها ثم تحيض أنها تستقبل عدتها بالحيض، وأما إن وجد الماء قبل الدخول في الصلاة فعليه الوضوء إجماعًا عند ابن عبد البر وقد قال أبو سلمة: ليس عليه الوضوء وإن وجد بعدها فلا إعادة عند الجمهور، ومنهم من استحبها في الوقت.

( قَالَ مَالِكٌ مَنْ قَامَ إِلَى الصَّلَاةِ فَلَمْ يَجِدْ مَاءً فَعَمِلَ بِمَا أَمَرَهُ اللَّهُ بِهِ مِنَ التَّيَمُّمِ) بقوله: { { فَلَمْ تَجِدُوا مَاءً فَتَيَمَّمُوا صَعِيدًا طَيِّبًا } } ( فَقَدْ أَطَاعَ اللَّهَ) لأنه فعل ما أمره به ( وَلَيْسَ الَّذِي وَجَدَ الْمَاءَ بِأَطْهَرَ مِنْهُ) يعني في الإجزاء لا في الفضيلة كذا قال الباجي، والظاهر خلافه لا سيما مع قوله ( وَلَا أَتَمَّ صَلَاةً) فالمعنى أن كل واحد منهما تام الطهارة في تأدية فرضه ( لِأَنَّهُمَا أُمِرَا جَمِيعًا فَكُلٌّ عَمِلَ بِمَا أَمَرَهُ اللَّهُ بِهِ وَإِنَّمَا الْعَمَلُ بِمَا أَمَرَ اللَّهُ بِهِ مِنَ الْوُضُوءِ لِمَنْ وَجَدَ الْمَاءَ وَالتَّيَمُّمِ لِمَنْ لَمْ يَجِدِ الْمَاءَ قَبْلَ أَنْ يَدْخُلَ فِي الصَّلَاةِ) فإن دخل فلا قطع إلا ناسيه وبعدها لا إعادة كما مر.

( وقَالَ مَالِكٌ فِي الرَّجُلِ الْجُنُبِ إِنَّهُ يَتَيَمَّمُ وَيَقْرَأُ حِزْبَهُ مِنَ الْقُرْآنِ وَيَتَنَفَّلُ) تبعًا للفرض بعده ( مَا لَمْ يَجِدْ مَاءً) فإن وجده منع حتى يغتسل ( وَإِنَّمَا ذَلِكَ فِي الْمَكَانِ الَّذِي يَجُوزُ لَهُ أَنْ يُصَلِّيَ فِيهِ بِالتَّيَمُّمِ) وهو عدم الماء حقيقة أو حكمًا وهو عدم القدرة على استعماله.