فهرس الكتاب

شرح الزرقاني - بَابُ الرَّمَلِ فِي الطَّوَافِ

رقم الحديث 818 وَحَدَّثَنِي عَنْ مَالِكٍ عَنْ نَافِعٍ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ أَنَّهُ قَالَ، حِينَ خَرَجَ إِلَى مَكَّةَ مُعْتَمِرًا فِي الْفِتْنَةِ: إِنْ صُدِدْتُ عَنِ الْبَيْتِ صَنَعْنَا كَمَا صَنَعْنَا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَأَهَلَّ بِعُمْرَةٍ، مِنْ أَجْلِ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَهَلَّ بِعُمْرَةٍ عَامَ الْحُدَيْبِيَةِ، ثُمَّ إِنَّ عَبْدَ اللَّهِ نَظَرَ فِي أَمْرِهِ فَقَالَ: مَا أَمْرُهُمَا إِلَّا وَاحِدٌ.
ثُمَّ الْتَفَتَ إِلَى أَصْحَابِهِ فَقَالَ: مَا أَمْرُهُمَا إِلَّا وَاحِدٌ.
أُشْهِدُكُمْ أَنِّي قَدْ أَوْجَبْتُ الْحَجَّ مَعَ الْعُمْرَةِ.
ثُمَّ نَفَذَ حَتَّى جَاءَ الْبَيْتَ فَطَافَ طَوَافًا وَاحِدًا، وَرَأَى ذَلِكَ مُجْزِيًا عَنْهُ وَأَهْدَى
قَالَ مَالِكٌ: فَهَذَا الْأَمْرُ عِنْدَنَا فِيمَنْ أُحْصِرَ بِعَدُوٍّ.
كَمَا أُحْصِرَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَصْحَابُهُ، فَأَمَّا مَنْ أُحْصِرَ بِغَيْرِ عَدُوٍّ، فَإِنَّهُ لَا يَحِلُّ دُونَ الْبَيْتِ.


( ما جاء فيمن أحصر بعدو)

أي منع يقال حصره العدو وأحصره إذا حبسه ومنعه عن المضي مثل صده وأصده

( مالك من حبس بعدو فحال بينه وبين البيت فإنه يحل من كل شيء) من ممنوعات الإحرام ( وينحر هديه ويحلق رأسه حيث حبس) أي في أي موضع فلا يلزمه إذا أحصر في الحل أن يبعث بهديه إلى الحرم ( وليس عليه قضاء) لما أحصر عنه ( مالك أنه بلغه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم حل هو وأصحابه بالحديبية) لما صدهم المشركون ( فنحروا الهدي وحلقوا رؤوسهم وحلوا من كل شيء) من ممنوع النسك ( قبل أن يطوفوا بالبيت وقبل أن يصل إليه الهدي) أي بلا طواف ولا وصول هدي إلى البيت ( ثم لم يعلم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أمر أحدًا من أصحابه) المتقدمين في صحبته الملازمين له ( ولا ممن كان معه) من الخارجين للحديبية معه المتأخرين في صحبته عن أولئك ( أن يقضوا شيئًا ولا) أمرهم أن ( يعودوا لشيء) يفعلونه ( مالك عن نافع عن عبد الله بن عمر أنه قال حين خرج) أي أراد أن يخرج ( إلى مكة معتمرًا في الفتنة) حين نزل الحجاج لقتال ابن الزبير كما في الصحيحين من وجه آخر وذكر أصحاب الأخبار أنه لما مات معاوية بن يزيد بن معاوية ولم يستخلف بقي الناس بلا خليفة شهرين وأيامًا فأجمع أهل الحل والعقد من أهل مكة فبايعوا عبد الله بن الزبير وتم له ملك الحجاز والعراق وخراسان وأعمال المشرق وبايع أهل الشام ومصر مروان بن الحكم فلم يزل الأمر كذلك حتى مات مروان وولي ابنه عبد الملك فمنع الناس الحج خوفًا أن يبايعوا ابن الزبير ثم بعث جيشًا أمر عليه الحجاج فقاتل أهل مكة وحاصرهم حتى غلبهم وقتل ابن الزبير وصلبه وذلك سنة ثلاث وسبعين وقال ابن عمر ذلك جوابًا لقول ولديه عبيد الله وسالم لا يضرك أن لا تحج العام إنا نخاف أن يحال بينك وبين البيت كما في الصحيحين من وجه آخر عن نافع وفي رواية أخرى فقال { { لقد كان لكم في رسول الله أسوة حسنة } } ( إن صددت) بضم الصاد مبني للمفعول أي منعت ( عن البيت صنعنا) أنا ومن معي ( كما صنعنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم) من التحلل حيث منعوه من دخول مكة بالحديبية وفي رواية تأخير تلاوة الآية إلى هنا قال عياض توقع الحصر ولم يتحققه إذ لو تحققه لم تثبت له رخصة الحصر لأنه غرر بإحرامه وتعقبه الأبي بأنه لا يلزم من تحققه أن لا يترخص لجواز أنه تحقق واشترط على ما في حديث ضباعة ( فأهل) ابن عمر ( بعمرة) زاد في رواية جويرية من ذي الحليفة وفي رواية أيوب عن نافع فأهل بالعمرة من الدار أي المنزل الذي نزله بذي الحليفة أو المراد داره بالمدينة فيكون أهل بالعمرة من داخل بيته ثم أظهرها بعد أن استقر بذي الحليفة ( من أجل أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أهل بعمرة عام الحديبية) سنة ست ليحصل له الموافقة ( ثم إن عبد الله نظر في أمره فقال ما أمرهما) أي الحج والعمرة ( إلا واحد) في حكم الحصر فإذا جاز التحلل في العمرة مع أنها غير محدودة بوقت فهو في الحج أجوز وفيه العمل بالقياس ( ثم التفت إلى أصحابه) فأخبرهم بما أداه إليه نظره ( فقال ما أمرهما إلا واحد) بالرفع وفي رواية الليث عن نافع ثم خرج حتى إذا كان بظاهر البيداء قال ما شأن الحج والعمرة إلا واحد ( أشهدكم أني قد أوجبت الحج مع العمرة) وعبر بأشهدكم ولم يكتف بالنية ليعلم من اقتدى به أنه انتقل نظره للقران لاستوائهما في حكم الحصر ( ثم نفذ) بالذال المعجمة مضى ولم يصد ( حتى جاء البيت فطاف طوافًا واحدًا) لقرانه بعد الوقوف بعرفة وبه قال الأئمة الثلاثة والجمهور وقال أبو حنيفة والكوفيون على القارن طوافان وسعيان وأولوا قوله طوافًا واحدًا على أنه طاف لكل منهما طوافًا يشبه الطواف الذي للآخر ولا يخفى ما فيه ورده قوله ( ورأى ذلك مجزيًا) بضم الميم وسكون الجيم وكسر الزاي بلا همز كافيًا ( عنه) إذ على هذا الحمل يضيع إذ كل من طاف طوافين لا يقال إنه مجزي ويمنع التأويل على بعده قوله في رواية الليث ورأى أنه قد قضى طواف الحج والعمرة بطوافه الأول وقد روى سعيد بن منصور عن نافع عن ابن عمر عن النبي صلى الله عليه وسلم قال من جمع بين الحج والعمرة كفاه لهما طواف واحد وسعي واحد فهذا صريح في المراد ( وأهدى) بفتح الهمزة فعل ماض من الإهداء زاد القعنبي شاة وفي رواية الليث هديًا اشتراه بقديد وقال ابن عمر كذلك فعل رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم قوله مجزيًا بالنصب مفعول رأى ووقع في البخاري ورأى أن ذلك مجزيًا بزيادة أن والنصب على أنها تنصب الجزأين أو خبر كان محذوفة ولبعض رواته مجزئ بالرفع والهمز خبر أن قال الحافظ والذي عندي أن النصب خطأ من الكاتب فإن أصحاب الموطأ اتفقوا على روايته بالرفع على الصواب وتعقب بأن حكايته اتفاقهم على ذلك دعوى بلا دليل وبتقدير اتفاقهم عليه لا يستلزم أن النصب خطأ مع أن له وجهًا في العربية انتهى ولعل ذلك كله في رواية غير يحيى ومن وافقه فليس فيها أن فنصب مجزيًا متعين وهذا الحديث رواه البخاري هنا عن إسماعيل بتمامه وقبله بقليل عن عبد الله بن يوسف مختصرًا بدون قوله ثم إن عبد الله نظر إلى آخره وفي المغازي عن قتيبة مختصرًا كذلك ومسلم عن يحيى تامًا الثلاثة عن مالك وتابعه أيوب والليث في الصحيحين وجويرية بن أسماء عند البخاري وعبيد الله عند مسلم كلهم عن نافع بنحوه ( قال مالك فهذا الأمر عندنا فيمن أحصر بعدو) يفعل ( كما أحصر النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه) أي كفعله من التحلل ونحر هديه ولا قضاء لأن الله تعالى قال { { فإن أحصرتم فما استيسر من الهدي } } ولم يذكر قضاء وقد تخلف جماعة في عمرة القضية ممن كان معه صلى الله عليه وسلم في الحديبية بلا ضرورة في نفس ولا مال ولم يأمرهم المصطفى بعدم التخلف ولا بالقضاء ( فأما من أحصر بغير عدو) كمرض ( فإنه لا يحل دون البيت) وبهذا قال الشافعي وأحمد وإسحاق وجماعة خلافًا لأبي حنيفة ككثير من الصحابة وغيرهم في أنه عام في كل حابس من عدو ومرض وغيرهما حتى أفتى ابن مسعود رجلاً لدغ أنه محصر رواه ابن حزم والطحاوي لنا أن الآية وردت في حكم إحصاره صلى الله عليه وسلم وأصحابه وكان بالعدو وقال في سياق الآية { { إذا أمنتم } } فعلم أن مشروعية الإحلال في العدو كان لتحصيل الأمن منه والإحلال لا يجوز من المرض فلا يكون الإحصار بالمرض في معناه فلا يكون النص الوارد في العدو واردًا في المرض فلا يلحق به دلالة ولا قياسًا لأن مشروعية التحلل قبل أداء الأفعال بعد الشروع في الإحرام على خلاف القياس فلا يقاس عليه.



رقم الحديث 818 حَدَّثَنِي يَحْيَى، عَنْ مَالِكٍ، عَنْ جَعْفَرِ بْنِ مُحَمَّدٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ أَنَّهُ قَالَ: رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَمَلَ مِنَ الْحَجَرِ الْأَسْوَدِ حَتَّى انْتَهَى إِلَيْهِ ثَلَاثَةَ أَطْوَافٍ قَالَ مَالِكٌ: وَذَلِكَ الْأَمْرُ الَّذِي لَمْ يَزَلْ عَلَيْهِ أَهْلُ الْعِلْمِ بِبَلَدِنَا.


( مالك عن جعفر) الصادق ( ابن محمد) فقيه صدوق إمام مات سنة ثمان وأربعين ومائة ( عن أبيه) محمد الباقر بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب الهاشمي الثقة الفاضل من سادات آل البيت ( عن جابر بن عبد الله) الصحابي ابن الصحابي رضي الله عنهما ( أنه قال رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم رمل) بفتحتين في طواف القدوم كما في حديث ابن عمر ( من الحجر الأسود حتى انتهى إليه ثلاثة أطواف) وهي الأول ففي الصحيحين عن ابن عمر كان صلى الله عليه وسلم إذا طاف في الحج والعمرة أول ما يقدم فإنه يسعى ثلاثة أطواف بالبيت ثم يمشي أربعة ثم يصلي سجدتين ثم يطوف بين الصفا والمروة وفي رواية لهما كان إذا طاف بالبيت الطواف الأول خب ثلاثًا ومشي أربعًا وكان يسعى ببطن المسيل إذا طاف بين الصفا والمروة وكان ابن عمر يفعل ذلك فالرمل سنة في الثلاثة الأول فلو تركه فيها ولو عمدا لم يرمل فيما بقي كتارك الصورة في الأوليين لا يقرؤها في الأخيرتين لأن هيئة الطواف في الأربع الأخيرة السكينة فلا تغير ولا فرق في سنية الرمل بين ماش وراكب أو محمول لمرض أو صبي ولا دم بتركه عند الجمهور وظاهر هذا الحديث استيعاب الرمل في جميع الطوفة وفي الصحيحين عن ابن عباس قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه فقال المشركون أنه يقدم عليكم وفد وهنتهم حمى يثرب فأمرهم النبي صلى الله عليه وسلم أن يرملوا الأشواط الثلاثة وأن يمشوا ما بين الركنين ولم يمنعه أن يأمرهم أن يرملوا الأشواط كلها إلا الإبقاء عليهم وهذا صريح في عدم الاستيعاب فيعارض حديث جابر وأجيب بأنه متأخر لكونه في حجة الوداع في سنة عشر فهو ناسخ لحديث ابن عباس في عمرة القضية سنة سبع وكان في المسلمين ضعف في البدن فرملوا إظهارًا للقوة واحتاجوا إلى ذلك فيما عدا بين الركنين اليمانيين لأن المشركين كانوا جلوسًا في الحجر فلا يرونهم بينهما فلما حج صلى الله عليه وسلم سنة عشر رمل من الحجر إلى الحجر فوجب الأخذ به لأنه الآخر من فعل النبي صلى الله عليه وسلم وحديث الباب رواه مسلم عن القعنبي ويحيى عن مالك به ومن طريق ابن وهب عن مالك وابن جريج بلفظ أن رسول الله صلى الله عليه وسلم رمل الثلاثة أطواف من الحجر إلى الحجر ( قال مالك وذلك الأمر الذي لم يزل) أي استمر ( عليه أهل العلم ببلدنا) وبه قال جميع العلماء من الصحابة والتابعين وأتباعهم ومن بعدهم ولم يخالف في ذلك إلا ابن عباس ففي مسلم وغيره عن أبي الطفيل قلت لابن عباس أرأيت هذا الرمل بالبيت ثلاثة أطواف ومشي أربعة أسنة هو فإن قومك يزعمون أنها سنة قال صدقوا وكذبوا قلت ما قولك صدقوا وكذبوا قال إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قدم مكة فقال المشركون إن محمدًا وأصحابه لا يستطيعون أن يطوفوا بالبيت من الهزال وكانوا يحسدونه فأمرهم أن يرملوا ثلاثًا ويمشوا أربعًا أي صدقوا في أن المصطفى فعله وكذبوا في أنه سنة مقصودة لأنه لم يجعله سنة مطلوبة على تكرر السنين وإنما أمر به تلك السنة لإظهار القوة للكفار وقد زال ذلك المعنى هذا معنى كلامه وكأن عمر بن الخطاب لحظ هذا المعنى ثم رجع عنه ففي الصحيحين أنه قال ما لنا وللمرمل إنما كنا رأينا المشركين وقد أهلكهم الله ثم قال شيء صنعه النبي صلى الله عليه وسلم فلا نحب أن نتركه زاد الإسماعيلي ثم رمل فهم بتركه لفقد سببه ثم رجع لاحتمال أنه له حكمة لم يطلع عليها فرأى الاتباع أولى وقد يكون فعله باعثًا على تذكر سببه فيذكر نعمة الله تعالى على إعزاز الإسلام وأهله ثم لا يشكل قوله رأينا مع أن الرياء بالعمل مذموم لأن صورته وإن كانت صورة الرياء لكنها ليست مذمومة لأن المذموم أن يظهر العمل ليقال إنه عامل ولا يعمله إذا لم يره أحد وما وقع لهم إنما هو من المخادعة في الحرب لأنهم أوهموا المشركين أنهم أقوياء لئلا يطمعوا فيهم وقد صح الحرب خدعة ( مالك عن نافع أن عبد الله بن عمر كان يرمل من الحجر الأسود إلى الحجر الأسود ثلاثة أطواف) أي الأول ( ويمشي أربعة أطواف) أي الأخيرة زاد مسلم من طريق سليم بن أخضر عن عبيد الله عن نافع وذكر أي ابن عمر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم فعله وله من طريق ابن المبارك عن عبيد الله عن نافع عن ابن عمر قال رمل رسول الله صلى الله عليه وسلم من الحجر إلى الحجر ثلاثًا ومشى أربعًا فكأن نافعًا كان يحدث به على الوجهين مرفوعًا وموقوفًا وتارة يجمعهما معًا ( مالك عن هشام بن عروة أن أباه كان إذا طاف بالبيت يسعى) أي يسرع المشي أي يرمل ( الأشواط الثلاثة) الأول جمع شوط بفتح الشين وهو الجري مرة إلى الغاية والمراد به هنا الطوفة حول الكعبة وفيه جواز تسمية الطوفة شوطًا ونقل عن مجاهد والشافعي كراهته ( يقول)

اللهم لا إله إلا أنتا
وأنت تحيي بعد ما أمتا

هذا بيت فيه زحاف الخزم بمعجمتين وهو زيادة سبب خفيف في أوله ( يخفض صوته بذلك) كي لا يشتغل الناس بسماعه عما هم فيه قال ابن عبد البر وهذا من الشعر الجاري مجرى الذكر فهو حسن وإنما الشعر كلام فحسنه حسن وقبيحه قبيح وكان عروة شاعرًا والشعر ديوان العرب وألسنتهم به رطبة وكان الحسن يقول في مثل هذا

يا فالق الإصباح أنت ربي
وأنت مولاي وأنت حسبي

فأصلحن باليقين قلبي
ونجني من كرب يوم الكرب

( مالك عن هشام بن عروة عن أبيه أنه رأى) أخاه ( عبد الله بن الزبير أحرم بعمرة من التنعيم) المعروف الآن بمساجد عائشة ( قال) عروة ( ثم رأيته) عبد الله ( يسعى) يرمل ( حول البيت الأشواط الثلاثة) الأول لاستحباب ذلك لمن أحرم من التنعيم والجعرانة ونحوهما بخلاف من أحرم من مكة فلا يستحب له ذلك ولذا عقبه به فقال ( مالك عن نافع أن عبد الله بن عمر كان إذا أحرم من مكة) مفردًا أو قارنًا ( لم يطف بالبيت) طواف الإفاضة ( ولا بين الصفا والمروة حتى يرجع من منى) فيطوف ويسعى بعد ( وكان لا يرمل) بضم الميم مضارع رمل بفتحها والاسم الرمل بالفتح أيضًا كطلب يطلب طلبًا ( إذا طاف حول البيت إذا أحرم من مكة) لأنه لا يشرع على المشهور عن مالك، وعنه أيضًا ندبه.



رقم الحديث 819 وَحَدَّثَنِي عَنْ مَالِكٍ عَنْ نَافِعٍ، أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عُمَرَ كَانَ يَرْمُلُ مِنَ الْحَجَرِ الْأَسْوَدِ، إِلَى الْحَجَرِ الْأَسْوَدِ ثَلَاثَةَ أَطْوَافٍ.
وَيَمْشِي أَرْبَعَةَ أَطْوَافٍ.


( مالك عن جعفر) الصادق ( ابن محمد) فقيه صدوق إمام مات سنة ثمان وأربعين ومائة ( عن أبيه) محمد الباقر بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب الهاشمي الثقة الفاضل من سادات آل البيت ( عن جابر بن عبد الله) الصحابي ابن الصحابي رضي الله عنهما ( أنه قال رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم رمل) بفتحتين في طواف القدوم كما في حديث ابن عمر ( من الحجر الأسود حتى انتهى إليه ثلاثة أطواف) وهي الأول ففي الصحيحين عن ابن عمر كان صلى الله عليه وسلم إذا طاف في الحج والعمرة أول ما يقدم فإنه يسعى ثلاثة أطواف بالبيت ثم يمشي أربعة ثم يصلي سجدتين ثم يطوف بين الصفا والمروة وفي رواية لهما كان إذا طاف بالبيت الطواف الأول خب ثلاثًا ومشي أربعًا وكان يسعى ببطن المسيل إذا طاف بين الصفا والمروة وكان ابن عمر يفعل ذلك فالرمل سنة في الثلاثة الأول فلو تركه فيها ولو عمدا لم يرمل فيما بقي كتارك الصورة في الأوليين لا يقرؤها في الأخيرتين لأن هيئة الطواف في الأربع الأخيرة السكينة فلا تغير ولا فرق في سنية الرمل بين ماش وراكب أو محمول لمرض أو صبي ولا دم بتركه عند الجمهور وظاهر هذا الحديث استيعاب الرمل في جميع الطوفة وفي الصحيحين عن ابن عباس قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه فقال المشركون أنه يقدم عليكم وفد وهنتهم حمى يثرب فأمرهم النبي صلى الله عليه وسلم أن يرملوا الأشواط الثلاثة وأن يمشوا ما بين الركنين ولم يمنعه أن يأمرهم أن يرملوا الأشواط كلها إلا الإبقاء عليهم وهذا صريح في عدم الاستيعاب فيعارض حديث جابر وأجيب بأنه متأخر لكونه في حجة الوداع في سنة عشر فهو ناسخ لحديث ابن عباس في عمرة القضية سنة سبع وكان في المسلمين ضعف في البدن فرملوا إظهارًا للقوة واحتاجوا إلى ذلك فيما عدا بين الركنين اليمانيين لأن المشركين كانوا جلوسًا في الحجر فلا يرونهم بينهما فلما حج صلى الله عليه وسلم سنة عشر رمل من الحجر إلى الحجر فوجب الأخذ به لأنه الآخر من فعل النبي صلى الله عليه وسلم وحديث الباب رواه مسلم عن القعنبي ويحيى عن مالك به ومن طريق ابن وهب عن مالك وابن جريج بلفظ أن رسول الله صلى الله عليه وسلم رمل الثلاثة أطواف من الحجر إلى الحجر ( قال مالك وذلك الأمر الذي لم يزل) أي استمر ( عليه أهل العلم ببلدنا) وبه قال جميع العلماء من الصحابة والتابعين وأتباعهم ومن بعدهم ولم يخالف في ذلك إلا ابن عباس ففي مسلم وغيره عن أبي الطفيل قلت لابن عباس أرأيت هذا الرمل بالبيت ثلاثة أطواف ومشي أربعة أسنة هو فإن قومك يزعمون أنها سنة قال صدقوا وكذبوا قلت ما قولك صدقوا وكذبوا قال إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قدم مكة فقال المشركون إن محمدًا وأصحابه لا يستطيعون أن يطوفوا بالبيت من الهزال وكانوا يحسدونه فأمرهم أن يرملوا ثلاثًا ويمشوا أربعًا أي صدقوا في أن المصطفى فعله وكذبوا في أنه سنة مقصودة لأنه لم يجعله سنة مطلوبة على تكرر السنين وإنما أمر به تلك السنة لإظهار القوة للكفار وقد زال ذلك المعنى هذا معنى كلامه وكأن عمر بن الخطاب لحظ هذا المعنى ثم رجع عنه ففي الصحيحين أنه قال ما لنا وللمرمل إنما كنا رأينا المشركين وقد أهلكهم الله ثم قال شيء صنعه النبي صلى الله عليه وسلم فلا نحب أن نتركه زاد الإسماعيلي ثم رمل فهم بتركه لفقد سببه ثم رجع لاحتمال أنه له حكمة لم يطلع عليها فرأى الاتباع أولى وقد يكون فعله باعثًا على تذكر سببه فيذكر نعمة الله تعالى على إعزاز الإسلام وأهله ثم لا يشكل قوله رأينا مع أن الرياء بالعمل مذموم لأن صورته وإن كانت صورة الرياء لكنها ليست مذمومة لأن المذموم أن يظهر العمل ليقال إنه عامل ولا يعمله إذا لم يره أحد وما وقع لهم إنما هو من المخادعة في الحرب لأنهم أوهموا المشركين أنهم أقوياء لئلا يطمعوا فيهم وقد صح الحرب خدعة ( مالك عن نافع أن عبد الله بن عمر كان يرمل من الحجر الأسود إلى الحجر الأسود ثلاثة أطواف) أي الأول ( ويمشي أربعة أطواف) أي الأخيرة زاد مسلم من طريق سليم بن أخضر عن عبيد الله عن نافع وذكر أي ابن عمر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم فعله وله من طريق ابن المبارك عن عبيد الله عن نافع عن ابن عمر قال رمل رسول الله صلى الله عليه وسلم من الحجر إلى الحجر ثلاثًا ومشى أربعًا فكأن نافعًا كان يحدث به على الوجهين مرفوعًا وموقوفًا وتارة يجمعهما معًا ( مالك عن هشام بن عروة أن أباه كان إذا طاف بالبيت يسعى) أي يسرع المشي أي يرمل ( الأشواط الثلاثة) الأول جمع شوط بفتح الشين وهو الجري مرة إلى الغاية والمراد به هنا الطوفة حول الكعبة وفيه جواز تسمية الطوفة شوطًا ونقل عن مجاهد والشافعي كراهته ( يقول)

اللهم لا إله إلا أنتا
وأنت تحيي بعد ما أمتا

هذا بيت فيه زحاف الخزم بمعجمتين وهو زيادة سبب خفيف في أوله ( يخفض صوته بذلك) كي لا يشتغل الناس بسماعه عما هم فيه قال ابن عبد البر وهذا من الشعر الجاري مجرى الذكر فهو حسن وإنما الشعر كلام فحسنه حسن وقبيحه قبيح وكان عروة شاعرًا والشعر ديوان العرب وألسنتهم به رطبة وكان الحسن يقول في مثل هذا

يا فالق الإصباح أنت ربي
وأنت مولاي وأنت حسبي

فأصلحن باليقين قلبي
ونجني من كرب يوم الكرب

( مالك عن هشام بن عروة عن أبيه أنه رأى) أخاه ( عبد الله بن الزبير أحرم بعمرة من التنعيم) المعروف الآن بمساجد عائشة ( قال) عروة ( ثم رأيته) عبد الله ( يسعى) يرمل ( حول البيت الأشواط الثلاثة) الأول لاستحباب ذلك لمن أحرم من التنعيم والجعرانة ونحوهما بخلاف من أحرم من مكة فلا يستحب له ذلك ولذا عقبه به فقال ( مالك عن نافع أن عبد الله بن عمر كان إذا أحرم من مكة) مفردًا أو قارنًا ( لم يطف بالبيت) طواف الإفاضة ( ولا بين الصفا والمروة حتى يرجع من منى) فيطوف ويسعى بعد ( وكان لا يرمل) بضم الميم مضارع رمل بفتحها والاسم الرمل بالفتح أيضًا كطلب يطلب طلبًا ( إذا طاف حول البيت إذا أحرم من مكة) لأنه لا يشرع على المشهور عن مالك، وعنه أيضًا ندبه.



رقم الحديث 820 وَحَدَّثَنِي عَنْ مَالِكٍ، عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ، أَنَّ أَبَاهُ كَانَ إِذَا طَافَ بِالْبَيْتِ يَسْعَى الْأَشْوَاطَ الثَّلَاثَةَ يَقُولُ: 4 اللَّهُمَّ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنْتَا
وَأَنْتَ تُحْيِي بَعْدَ مَا أَمَتَّا يَخْفِضُ صَوْتَهُ بِذَلِكَ.


( مالك عن جعفر) الصادق ( ابن محمد) فقيه صدوق إمام مات سنة ثمان وأربعين ومائة ( عن أبيه) محمد الباقر بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب الهاشمي الثقة الفاضل من سادات آل البيت ( عن جابر بن عبد الله) الصحابي ابن الصحابي رضي الله عنهما ( أنه قال رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم رمل) بفتحتين في طواف القدوم كما في حديث ابن عمر ( من الحجر الأسود حتى انتهى إليه ثلاثة أطواف) وهي الأول ففي الصحيحين عن ابن عمر كان صلى الله عليه وسلم إذا طاف في الحج والعمرة أول ما يقدم فإنه يسعى ثلاثة أطواف بالبيت ثم يمشي أربعة ثم يصلي سجدتين ثم يطوف بين الصفا والمروة وفي رواية لهما كان إذا طاف بالبيت الطواف الأول خب ثلاثًا ومشي أربعًا وكان يسعى ببطن المسيل إذا طاف بين الصفا والمروة وكان ابن عمر يفعل ذلك فالرمل سنة في الثلاثة الأول فلو تركه فيها ولو عمدا لم يرمل فيما بقي كتارك الصورة في الأوليين لا يقرؤها في الأخيرتين لأن هيئة الطواف في الأربع الأخيرة السكينة فلا تغير ولا فرق في سنية الرمل بين ماش وراكب أو محمول لمرض أو صبي ولا دم بتركه عند الجمهور وظاهر هذا الحديث استيعاب الرمل في جميع الطوفة وفي الصحيحين عن ابن عباس قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه فقال المشركون أنه يقدم عليكم وفد وهنتهم حمى يثرب فأمرهم النبي صلى الله عليه وسلم أن يرملوا الأشواط الثلاثة وأن يمشوا ما بين الركنين ولم يمنعه أن يأمرهم أن يرملوا الأشواط كلها إلا الإبقاء عليهم وهذا صريح في عدم الاستيعاب فيعارض حديث جابر وأجيب بأنه متأخر لكونه في حجة الوداع في سنة عشر فهو ناسخ لحديث ابن عباس في عمرة القضية سنة سبع وكان في المسلمين ضعف في البدن فرملوا إظهارًا للقوة واحتاجوا إلى ذلك فيما عدا بين الركنين اليمانيين لأن المشركين كانوا جلوسًا في الحجر فلا يرونهم بينهما فلما حج صلى الله عليه وسلم سنة عشر رمل من الحجر إلى الحجر فوجب الأخذ به لأنه الآخر من فعل النبي صلى الله عليه وسلم وحديث الباب رواه مسلم عن القعنبي ويحيى عن مالك به ومن طريق ابن وهب عن مالك وابن جريج بلفظ أن رسول الله صلى الله عليه وسلم رمل الثلاثة أطواف من الحجر إلى الحجر ( قال مالك وذلك الأمر الذي لم يزل) أي استمر ( عليه أهل العلم ببلدنا) وبه قال جميع العلماء من الصحابة والتابعين وأتباعهم ومن بعدهم ولم يخالف في ذلك إلا ابن عباس ففي مسلم وغيره عن أبي الطفيل قلت لابن عباس أرأيت هذا الرمل بالبيت ثلاثة أطواف ومشي أربعة أسنة هو فإن قومك يزعمون أنها سنة قال صدقوا وكذبوا قلت ما قولك صدقوا وكذبوا قال إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قدم مكة فقال المشركون إن محمدًا وأصحابه لا يستطيعون أن يطوفوا بالبيت من الهزال وكانوا يحسدونه فأمرهم أن يرملوا ثلاثًا ويمشوا أربعًا أي صدقوا في أن المصطفى فعله وكذبوا في أنه سنة مقصودة لأنه لم يجعله سنة مطلوبة على تكرر السنين وإنما أمر به تلك السنة لإظهار القوة للكفار وقد زال ذلك المعنى هذا معنى كلامه وكأن عمر بن الخطاب لحظ هذا المعنى ثم رجع عنه ففي الصحيحين أنه قال ما لنا وللمرمل إنما كنا رأينا المشركين وقد أهلكهم الله ثم قال شيء صنعه النبي صلى الله عليه وسلم فلا نحب أن نتركه زاد الإسماعيلي ثم رمل فهم بتركه لفقد سببه ثم رجع لاحتمال أنه له حكمة لم يطلع عليها فرأى الاتباع أولى وقد يكون فعله باعثًا على تذكر سببه فيذكر نعمة الله تعالى على إعزاز الإسلام وأهله ثم لا يشكل قوله رأينا مع أن الرياء بالعمل مذموم لأن صورته وإن كانت صورة الرياء لكنها ليست مذمومة لأن المذموم أن يظهر العمل ليقال إنه عامل ولا يعمله إذا لم يره أحد وما وقع لهم إنما هو من المخادعة في الحرب لأنهم أوهموا المشركين أنهم أقوياء لئلا يطمعوا فيهم وقد صح الحرب خدعة ( مالك عن نافع أن عبد الله بن عمر كان يرمل من الحجر الأسود إلى الحجر الأسود ثلاثة أطواف) أي الأول ( ويمشي أربعة أطواف) أي الأخيرة زاد مسلم من طريق سليم بن أخضر عن عبيد الله عن نافع وذكر أي ابن عمر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم فعله وله من طريق ابن المبارك عن عبيد الله عن نافع عن ابن عمر قال رمل رسول الله صلى الله عليه وسلم من الحجر إلى الحجر ثلاثًا ومشى أربعًا فكأن نافعًا كان يحدث به على الوجهين مرفوعًا وموقوفًا وتارة يجمعهما معًا ( مالك عن هشام بن عروة أن أباه كان إذا طاف بالبيت يسعى) أي يسرع المشي أي يرمل ( الأشواط الثلاثة) الأول جمع شوط بفتح الشين وهو الجري مرة إلى الغاية والمراد به هنا الطوفة حول الكعبة وفيه جواز تسمية الطوفة شوطًا ونقل عن مجاهد والشافعي كراهته ( يقول)

اللهم لا إله إلا أنتا
وأنت تحيي بعد ما أمتا

هذا بيت فيه زحاف الخزم بمعجمتين وهو زيادة سبب خفيف في أوله ( يخفض صوته بذلك) كي لا يشتغل الناس بسماعه عما هم فيه قال ابن عبد البر وهذا من الشعر الجاري مجرى الذكر فهو حسن وإنما الشعر كلام فحسنه حسن وقبيحه قبيح وكان عروة شاعرًا والشعر ديوان العرب وألسنتهم به رطبة وكان الحسن يقول في مثل هذا

يا فالق الإصباح أنت ربي
وأنت مولاي وأنت حسبي

فأصلحن باليقين قلبي
ونجني من كرب يوم الكرب

( مالك عن هشام بن عروة عن أبيه أنه رأى) أخاه ( عبد الله بن الزبير أحرم بعمرة من التنعيم) المعروف الآن بمساجد عائشة ( قال) عروة ( ثم رأيته) عبد الله ( يسعى) يرمل ( حول البيت الأشواط الثلاثة) الأول لاستحباب ذلك لمن أحرم من التنعيم والجعرانة ونحوهما بخلاف من أحرم من مكة فلا يستحب له ذلك ولذا عقبه به فقال ( مالك عن نافع أن عبد الله بن عمر كان إذا أحرم من مكة) مفردًا أو قارنًا ( لم يطف بالبيت) طواف الإفاضة ( ولا بين الصفا والمروة حتى يرجع من منى) فيطوف ويسعى بعد ( وكان لا يرمل) بضم الميم مضارع رمل بفتحها والاسم الرمل بالفتح أيضًا كطلب يطلب طلبًا ( إذا طاف حول البيت إذا أحرم من مكة) لأنه لا يشرع على المشهور عن مالك، وعنه أيضًا ندبه.



رقم الحديث 821 وَحَدَّثَنِي عَنْ مَالِكٍ، عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ عَنْ أَبِيهِ أَنَّهُ رَأَى عَبْدَ اللَّهِ بْنَ الزُّبَيْرِ أَحْرَمَ بِعُمْرَةٍ مِنَ التَّنْعِيمِ، قَالَ: ثُمَّ رَأَيْتُهُ يَسْعَى حَوْلَ الْبَيْتِ الْأَشْوَاطَ الثَّلَاثَةَ.


( مالك عن جعفر) الصادق ( ابن محمد) فقيه صدوق إمام مات سنة ثمان وأربعين ومائة ( عن أبيه) محمد الباقر بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب الهاشمي الثقة الفاضل من سادات آل البيت ( عن جابر بن عبد الله) الصحابي ابن الصحابي رضي الله عنهما ( أنه قال رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم رمل) بفتحتين في طواف القدوم كما في حديث ابن عمر ( من الحجر الأسود حتى انتهى إليه ثلاثة أطواف) وهي الأول ففي الصحيحين عن ابن عمر كان صلى الله عليه وسلم إذا طاف في الحج والعمرة أول ما يقدم فإنه يسعى ثلاثة أطواف بالبيت ثم يمشي أربعة ثم يصلي سجدتين ثم يطوف بين الصفا والمروة وفي رواية لهما كان إذا طاف بالبيت الطواف الأول خب ثلاثًا ومشي أربعًا وكان يسعى ببطن المسيل إذا طاف بين الصفا والمروة وكان ابن عمر يفعل ذلك فالرمل سنة في الثلاثة الأول فلو تركه فيها ولو عمدا لم يرمل فيما بقي كتارك الصورة في الأوليين لا يقرؤها في الأخيرتين لأن هيئة الطواف في الأربع الأخيرة السكينة فلا تغير ولا فرق في سنية الرمل بين ماش وراكب أو محمول لمرض أو صبي ولا دم بتركه عند الجمهور وظاهر هذا الحديث استيعاب الرمل في جميع الطوفة وفي الصحيحين عن ابن عباس قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه فقال المشركون أنه يقدم عليكم وفد وهنتهم حمى يثرب فأمرهم النبي صلى الله عليه وسلم أن يرملوا الأشواط الثلاثة وأن يمشوا ما بين الركنين ولم يمنعه أن يأمرهم أن يرملوا الأشواط كلها إلا الإبقاء عليهم وهذا صريح في عدم الاستيعاب فيعارض حديث جابر وأجيب بأنه متأخر لكونه في حجة الوداع في سنة عشر فهو ناسخ لحديث ابن عباس في عمرة القضية سنة سبع وكان في المسلمين ضعف في البدن فرملوا إظهارًا للقوة واحتاجوا إلى ذلك فيما عدا بين الركنين اليمانيين لأن المشركين كانوا جلوسًا في الحجر فلا يرونهم بينهما فلما حج صلى الله عليه وسلم سنة عشر رمل من الحجر إلى الحجر فوجب الأخذ به لأنه الآخر من فعل النبي صلى الله عليه وسلم وحديث الباب رواه مسلم عن القعنبي ويحيى عن مالك به ومن طريق ابن وهب عن مالك وابن جريج بلفظ أن رسول الله صلى الله عليه وسلم رمل الثلاثة أطواف من الحجر إلى الحجر ( قال مالك وذلك الأمر الذي لم يزل) أي استمر ( عليه أهل العلم ببلدنا) وبه قال جميع العلماء من الصحابة والتابعين وأتباعهم ومن بعدهم ولم يخالف في ذلك إلا ابن عباس ففي مسلم وغيره عن أبي الطفيل قلت لابن عباس أرأيت هذا الرمل بالبيت ثلاثة أطواف ومشي أربعة أسنة هو فإن قومك يزعمون أنها سنة قال صدقوا وكذبوا قلت ما قولك صدقوا وكذبوا قال إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قدم مكة فقال المشركون إن محمدًا وأصحابه لا يستطيعون أن يطوفوا بالبيت من الهزال وكانوا يحسدونه فأمرهم أن يرملوا ثلاثًا ويمشوا أربعًا أي صدقوا في أن المصطفى فعله وكذبوا في أنه سنة مقصودة لأنه لم يجعله سنة مطلوبة على تكرر السنين وإنما أمر به تلك السنة لإظهار القوة للكفار وقد زال ذلك المعنى هذا معنى كلامه وكأن عمر بن الخطاب لحظ هذا المعنى ثم رجع عنه ففي الصحيحين أنه قال ما لنا وللمرمل إنما كنا رأينا المشركين وقد أهلكهم الله ثم قال شيء صنعه النبي صلى الله عليه وسلم فلا نحب أن نتركه زاد الإسماعيلي ثم رمل فهم بتركه لفقد سببه ثم رجع لاحتمال أنه له حكمة لم يطلع عليها فرأى الاتباع أولى وقد يكون فعله باعثًا على تذكر سببه فيذكر نعمة الله تعالى على إعزاز الإسلام وأهله ثم لا يشكل قوله رأينا مع أن الرياء بالعمل مذموم لأن صورته وإن كانت صورة الرياء لكنها ليست مذمومة لأن المذموم أن يظهر العمل ليقال إنه عامل ولا يعمله إذا لم يره أحد وما وقع لهم إنما هو من المخادعة في الحرب لأنهم أوهموا المشركين أنهم أقوياء لئلا يطمعوا فيهم وقد صح الحرب خدعة ( مالك عن نافع أن عبد الله بن عمر كان يرمل من الحجر الأسود إلى الحجر الأسود ثلاثة أطواف) أي الأول ( ويمشي أربعة أطواف) أي الأخيرة زاد مسلم من طريق سليم بن أخضر عن عبيد الله عن نافع وذكر أي ابن عمر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم فعله وله من طريق ابن المبارك عن عبيد الله عن نافع عن ابن عمر قال رمل رسول الله صلى الله عليه وسلم من الحجر إلى الحجر ثلاثًا ومشى أربعًا فكأن نافعًا كان يحدث به على الوجهين مرفوعًا وموقوفًا وتارة يجمعهما معًا ( مالك عن هشام بن عروة أن أباه كان إذا طاف بالبيت يسعى) أي يسرع المشي أي يرمل ( الأشواط الثلاثة) الأول جمع شوط بفتح الشين وهو الجري مرة إلى الغاية والمراد به هنا الطوفة حول الكعبة وفيه جواز تسمية الطوفة شوطًا ونقل عن مجاهد والشافعي كراهته ( يقول)

اللهم لا إله إلا أنتا
وأنت تحيي بعد ما أمتا

هذا بيت فيه زحاف الخزم بمعجمتين وهو زيادة سبب خفيف في أوله ( يخفض صوته بذلك) كي لا يشتغل الناس بسماعه عما هم فيه قال ابن عبد البر وهذا من الشعر الجاري مجرى الذكر فهو حسن وإنما الشعر كلام فحسنه حسن وقبيحه قبيح وكان عروة شاعرًا والشعر ديوان العرب وألسنتهم به رطبة وكان الحسن يقول في مثل هذا

يا فالق الإصباح أنت ربي
وأنت مولاي وأنت حسبي

فأصلحن باليقين قلبي
ونجني من كرب يوم الكرب

( مالك عن هشام بن عروة عن أبيه أنه رأى) أخاه ( عبد الله بن الزبير أحرم بعمرة من التنعيم) المعروف الآن بمساجد عائشة ( قال) عروة ( ثم رأيته) عبد الله ( يسعى) يرمل ( حول البيت الأشواط الثلاثة) الأول لاستحباب ذلك لمن أحرم من التنعيم والجعرانة ونحوهما بخلاف من أحرم من مكة فلا يستحب له ذلك ولذا عقبه به فقال ( مالك عن نافع أن عبد الله بن عمر كان إذا أحرم من مكة) مفردًا أو قارنًا ( لم يطف بالبيت) طواف الإفاضة ( ولا بين الصفا والمروة حتى يرجع من منى) فيطوف ويسعى بعد ( وكان لا يرمل) بضم الميم مضارع رمل بفتحها والاسم الرمل بالفتح أيضًا كطلب يطلب طلبًا ( إذا طاف حول البيت إذا أحرم من مكة) لأنه لا يشرع على المشهور عن مالك، وعنه أيضًا ندبه.



رقم الحديث 822 وَحَدَّثَنِي عَنْ مَالِكٍ، عَنْ ابْنِ شِهَابٍ، عَنْ سَالِمِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ أَنَّهُ قَالَ: مَنْ حُبِسَ دُونَ الْبَيْتِ بِمَرَضٍ، فَإِنَّهُ لَا يَحِلُّ حَتَّى يَطُوفَ بِالْبَيْتِ وَبَيْنَ الصَّفَا وَالْمَرْوَةِ.


( مَا جَاءَ فِيمَنْ أُحْصِرَ بِغَيْرِ عَدُوٍّ)

( مالك عن ابن شهاب عن سالم بن عبد الله عن) أبيه ( عبد الله بن عمر أنه قال المحصر بمرض لا يحل حتى يطوف بالبيت ويسعى بين الصفا والمروة) ولا يجوز له التحلل ( فإذا اضطر إلى لبس شيء من الثياب التي لا بد له منها) لأجل المرض ( أو الدواء) المطيب ( صنع ذلك) المذكور ( وافتدى) ولا إثم عليه للعذر ( مالك عن يحيى بن سعيد أنه بلغه) من عمرة أو غيرها ( عن عائشة زوج النبي صلى الله عليه وسلم أنها كانت تقول المحرم لا يحله إلا البيت) ما لم يحصر بعدو قال ابن عبد البر معناه المحرم يمرض مرضًا لا يقدر أن يصل إلى البيت فيبقى على حاله فإن احتاج إلى لبس أو دواء فعل وافتدى فإذا برئ أتى البيت وطاف وسعى فهو كقول ابن عمر سواء ( مالك عن أيوب بن أبي تميمة) كيسان ( السختياني) بفتح السين وإسكان المعجمة وفتح الفوقية البصري الثقة الحجة من كبار العباد ( عن رجل من أهل البصرة) بتثليث الموحدة البلد المشهورة ( كان قديمًا أنه) أي الرجل قال أبو عمر هو أبو قلابة عبد الله بن زيد الجرمي شيخ أيوب ومعلمه كما رواه حماد بن زيد عن أيوب عن أبي قلابة ( قال خرجت إلى مكة) معتمرًا ( حتى إذا كنت ببعض الطريق) زاد جماعة وقعت عن راحلتي ( كسرت فخذي فأرسلت إلى مكة وبها عبد الله بن عباس وعبد الله بن عمر والناس) الفقهاء من الصحابة والتابعين أستفتيهم في التحلل ( فلم يرخص لي أحد أن أحل) وفي رواية حماد فأرسلت إلى ابن عمر وابن عباس فقالا العمرة ليس لها وقت كوقت الحج يكون على إحرامه حتى يصل إلى البيت ( فأقمت على ذلك الماء) الذي كسرت فخذه عنده ( سبعة أشهر حتى أحللت بعمرة) بعد أن صح ( مالك عن ابن شهاب عن سالم بن عبد الله عن عبد الله بن عمر أنه قال من حبس دون البيت بمرض فإنه لا يحل حتى يطوف بالبيت وبين الصفا والمروة) أي ويسعى نحو

وزججن الحواجب والعيونا

أو استعمل الطواف بالمعنى اللغوي وهو المشي ( مالك عن يحيى بن سعيد عن سليمان بن يسار أن سعيد بن حزابة) بضم الحاء المهملة وفتح الزاي فألف فموحدة فهاء ( المخزومي صرع ببعض طريق مكة وهو محرم فسأل على الماء الذي كان عليه) عن العلماء ( فوجد عبد الله بن عمر وعبد الله بن الزبير ومروان بن الحكم فذكر لهم الذي عرض له فكلهم أمره أن يتداوى بما لا بد له منه ويفتدي) للتداوي ( فإذا صح اعتمر فحل من إحرامه) بفعل العمرة ( ثم عليه حج قابل ويهدي ما استيسر) تيسر ( من الهدي قال مالك وعلى هذا الأمر عندنا) بالمدينة ( فيمن أحصر بغير عدو) أنه لا يحل إلا بفعل العمرة وقال به جملة من فقهاء مكة وابن عمر وعائشة وابن عباس وابن الزبير فأين المعدل عن هذا وزاد ذلك تقوية بقوله ( وقد أمر عمر بن الخطاب أبا أيوب) خالد بن زيد البدري ( الأنصاري) أحد كبار الصحابة الفقهاء كما يأتي موصولاً عن يحيى بن سعيد عن سليمان بن يسار أن أبا أيوب فذكره ( وهبار بن الأسود) الصحابي كما يأتي موصولاً أيضًا عن نافع عن سليمان بن يسار أن هبارًا ( حين فاتهما الحج وأتيا يوم النحر أن يحلا بعمرة ثم يرجعا حلالاً) من كل شيء حرما عليهما ( ثم يحجان عامًا قابلاً) بالنصب على الظرفية والصفة ( ويهديان فمن لم يجد فصيام ثلاثة أيام في الحج وسبعة إذا رجع إلى أهله) وفي البخاري عن سالم قال كان ابن عمر يقول أليس حسبكم سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم إن حبس أحدكم عن الحج طاف بالبيت بالصفا والمروة ثم حل من كل شيء حتى يحج عامًا قابلاً فيهدي أو يصوم إن لم يجد هديًا وقول الصحابي السنة كذا له حكم الرفع فهو نص في محل النزاع ( قال مالك وكل من حبس عن الحج بعد ما يحرم إما بمرض أو بغيره أو بخطأ من العدد أو خفي عليه الهلال فهو محصر عليه ما على المحصر) يتحلل بفعل عمرة وعليه دم ( وسئل مالك عمن أهل من مكة بالحج ثم أصابه كسر) لبعض أعضائه ( أو بطن متحرق) أي إسهال بطن منعه ( أو امرأة تطلق) أخذها المخاض وهو وجع الولادة ( قال من أصابه هذا منهم فهو محصر يكون عليه مثل ما على أهل الآفاق إذا هم أحصروا) فلا فرق بين المكيين وغيرهم ( قال مالك في رجل قدم معتمرًا في أشهر الحج حتى إذا قضى عمرته أهل بالحج من مكة ثم كسر) بضم فكسر مبني للمجهول ( أو أصابه أمر لا يقدر على أن يحضر مع الناس الموقف) بعرفة ( قال مالك أرى أن يقيم حتى إذا برأ) بفتح الباء والراء من باب نفع وبكسر الراء أيضًا من باب تعب وفي لغة بضم الراء من باب قرب صح من مرضه ( خرج إلى الحل) ليأتي بعمرة ( ثم يرجع إلى مكة فيطوف بالبيت) وبين وفي نسخة ( ويسعى بين الصفا والمروة ثم يحل ثم عليه حج قابل والهدي) جبرًا لذلك ( قال مالك فيمن أهل بالحج من مكة ثم طاف بالبيت وسعى بين الصفا والمروة) إخبار من السائل عن فعله الذي وقع منه جهلاً فلا ينافي أن المحرم من مكة إنما يطوف ويسعى بعد الوقوف بعرفة ( ثم مرض فلم يستطع أن يحضر مع الناس الموقف) بعرفة ( قال مالك) أعاده ليفصل بين السؤال والجواب ( إذا فاته الحج) بكونه لم يأت منه في الصورة المذكورة إلا بالإحرام وطوافه وسعيه لا يعتد بهما لأنه قبل الوقوف ( فإن استطاع خرج إلى الحل فدخل بعمرة فطاف بالبيت وسعى بين الصفا والمروة) وعلل إعادتهما دفعا لتوهم السائل أنه فعلهما فيجزيه عن طواف وسعي العمرة التي لزمته وإن لم تجزه عن حجه بقوله ( لأن الطواف الأول لم يكن نواه للعمرة) التي يأتي بها للإحلال ( فلذلك يعمل بهذا) أي يأتي بالطواف والسعي ( وعليه حج قابل والهدي) قال الجوهري قبل وأقبل بمعنى يقال عام قابل أي مقبل ( فإن كان من غير أهل مكة فأصابه مرض حال بينه وبين الحج فطاف بالبيت وسعى بين الصفا والمروة حل بالعمرة وطاف بالبيت طوافًا آخر وسعى بين الصفا والمروة لأن طوافه الأول وسعيه إنما كان نواه للحج) الذي فاته وحاصله أن لا فرق فيمن فاته الحج بين من بمكة وغيرهم في أنه إنما يحل بفعل عمرة إلا أن من بها يخرج إلى الحل ليأتي بعمرة بخلاف من أتى محرمًا من الحل ( وعليه حج) عام ( قابل والهدي)



رقم الحديث 822 وَحَدَّثَنِي عَنْ مَالِكٍ عَنْ نَافِعٍ، أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عُمَرَ كَانَ إِذَا أَحْرَمَ مِنْ مَكَّةَ، لَمْ يَطُفْ بِالْبَيْتِ، وَلَا بَيْنَ الصَّفَا وَالْمَرْوَةِ، حَتَّى يَرْجِعَ مِنْ مِنًى.
وَكَانَ لَا يَرْمُلُ إِذَا طَافَ حَوْلَ الْبَيْتِ، إِذَا أَحْرَمَ مِنْ مَكَّةَ.


( مالك عن جعفر) الصادق ( ابن محمد) فقيه صدوق إمام مات سنة ثمان وأربعين ومائة ( عن أبيه) محمد الباقر بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب الهاشمي الثقة الفاضل من سادات آل البيت ( عن جابر بن عبد الله) الصحابي ابن الصحابي رضي الله عنهما ( أنه قال رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم رمل) بفتحتين في طواف القدوم كما في حديث ابن عمر ( من الحجر الأسود حتى انتهى إليه ثلاثة أطواف) وهي الأول ففي الصحيحين عن ابن عمر كان صلى الله عليه وسلم إذا طاف في الحج والعمرة أول ما يقدم فإنه يسعى ثلاثة أطواف بالبيت ثم يمشي أربعة ثم يصلي سجدتين ثم يطوف بين الصفا والمروة وفي رواية لهما كان إذا طاف بالبيت الطواف الأول خب ثلاثًا ومشي أربعًا وكان يسعى ببطن المسيل إذا طاف بين الصفا والمروة وكان ابن عمر يفعل ذلك فالرمل سنة في الثلاثة الأول فلو تركه فيها ولو عمدا لم يرمل فيما بقي كتارك الصورة في الأوليين لا يقرؤها في الأخيرتين لأن هيئة الطواف في الأربع الأخيرة السكينة فلا تغير ولا فرق في سنية الرمل بين ماش وراكب أو محمول لمرض أو صبي ولا دم بتركه عند الجمهور وظاهر هذا الحديث استيعاب الرمل في جميع الطوفة وفي الصحيحين عن ابن عباس قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه فقال المشركون أنه يقدم عليكم وفد وهنتهم حمى يثرب فأمرهم النبي صلى الله عليه وسلم أن يرملوا الأشواط الثلاثة وأن يمشوا ما بين الركنين ولم يمنعه أن يأمرهم أن يرملوا الأشواط كلها إلا الإبقاء عليهم وهذا صريح في عدم الاستيعاب فيعارض حديث جابر وأجيب بأنه متأخر لكونه في حجة الوداع في سنة عشر فهو ناسخ لحديث ابن عباس في عمرة القضية سنة سبع وكان في المسلمين ضعف في البدن فرملوا إظهارًا للقوة واحتاجوا إلى ذلك فيما عدا بين الركنين اليمانيين لأن المشركين كانوا جلوسًا في الحجر فلا يرونهم بينهما فلما حج صلى الله عليه وسلم سنة عشر رمل من الحجر إلى الحجر فوجب الأخذ به لأنه الآخر من فعل النبي صلى الله عليه وسلم وحديث الباب رواه مسلم عن القعنبي ويحيى عن مالك به ومن طريق ابن وهب عن مالك وابن جريج بلفظ أن رسول الله صلى الله عليه وسلم رمل الثلاثة أطواف من الحجر إلى الحجر ( قال مالك وذلك الأمر الذي لم يزل) أي استمر ( عليه أهل العلم ببلدنا) وبه قال جميع العلماء من الصحابة والتابعين وأتباعهم ومن بعدهم ولم يخالف في ذلك إلا ابن عباس ففي مسلم وغيره عن أبي الطفيل قلت لابن عباس أرأيت هذا الرمل بالبيت ثلاثة أطواف ومشي أربعة أسنة هو فإن قومك يزعمون أنها سنة قال صدقوا وكذبوا قلت ما قولك صدقوا وكذبوا قال إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قدم مكة فقال المشركون إن محمدًا وأصحابه لا يستطيعون أن يطوفوا بالبيت من الهزال وكانوا يحسدونه فأمرهم أن يرملوا ثلاثًا ويمشوا أربعًا أي صدقوا في أن المصطفى فعله وكذبوا في أنه سنة مقصودة لأنه لم يجعله سنة مطلوبة على تكرر السنين وإنما أمر به تلك السنة لإظهار القوة للكفار وقد زال ذلك المعنى هذا معنى كلامه وكأن عمر بن الخطاب لحظ هذا المعنى ثم رجع عنه ففي الصحيحين أنه قال ما لنا وللمرمل إنما كنا رأينا المشركين وقد أهلكهم الله ثم قال شيء صنعه النبي صلى الله عليه وسلم فلا نحب أن نتركه زاد الإسماعيلي ثم رمل فهم بتركه لفقد سببه ثم رجع لاحتمال أنه له حكمة لم يطلع عليها فرأى الاتباع أولى وقد يكون فعله باعثًا على تذكر سببه فيذكر نعمة الله تعالى على إعزاز الإسلام وأهله ثم لا يشكل قوله رأينا مع أن الرياء بالعمل مذموم لأن صورته وإن كانت صورة الرياء لكنها ليست مذمومة لأن المذموم أن يظهر العمل ليقال إنه عامل ولا يعمله إذا لم يره أحد وما وقع لهم إنما هو من المخادعة في الحرب لأنهم أوهموا المشركين أنهم أقوياء لئلا يطمعوا فيهم وقد صح الحرب خدعة ( مالك عن نافع أن عبد الله بن عمر كان يرمل من الحجر الأسود إلى الحجر الأسود ثلاثة أطواف) أي الأول ( ويمشي أربعة أطواف) أي الأخيرة زاد مسلم من طريق سليم بن أخضر عن عبيد الله عن نافع وذكر أي ابن عمر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم فعله وله من طريق ابن المبارك عن عبيد الله عن نافع عن ابن عمر قال رمل رسول الله صلى الله عليه وسلم من الحجر إلى الحجر ثلاثًا ومشى أربعًا فكأن نافعًا كان يحدث به على الوجهين مرفوعًا وموقوفًا وتارة يجمعهما معًا ( مالك عن هشام بن عروة أن أباه كان إذا طاف بالبيت يسعى) أي يسرع المشي أي يرمل ( الأشواط الثلاثة) الأول جمع شوط بفتح الشين وهو الجري مرة إلى الغاية والمراد به هنا الطوفة حول الكعبة وفيه جواز تسمية الطوفة شوطًا ونقل عن مجاهد والشافعي كراهته ( يقول)

اللهم لا إله إلا أنتا
وأنت تحيي بعد ما أمتا

هذا بيت فيه زحاف الخزم بمعجمتين وهو زيادة سبب خفيف في أوله ( يخفض صوته بذلك) كي لا يشتغل الناس بسماعه عما هم فيه قال ابن عبد البر وهذا من الشعر الجاري مجرى الذكر فهو حسن وإنما الشعر كلام فحسنه حسن وقبيحه قبيح وكان عروة شاعرًا والشعر ديوان العرب وألسنتهم به رطبة وكان الحسن يقول في مثل هذا

يا فالق الإصباح أنت ربي
وأنت مولاي وأنت حسبي

فأصلحن باليقين قلبي
ونجني من كرب يوم الكرب

( مالك عن هشام بن عروة عن أبيه أنه رأى) أخاه ( عبد الله بن الزبير أحرم بعمرة من التنعيم) المعروف الآن بمساجد عائشة ( قال) عروة ( ثم رأيته) عبد الله ( يسعى) يرمل ( حول البيت الأشواط الثلاثة) الأول لاستحباب ذلك لمن أحرم من التنعيم والجعرانة ونحوهما بخلاف من أحرم من مكة فلا يستحب له ذلك ولذا عقبه به فقال ( مالك عن نافع أن عبد الله بن عمر كان إذا أحرم من مكة) مفردًا أو قارنًا ( لم يطف بالبيت) طواف الإفاضة ( ولا بين الصفا والمروة حتى يرجع من منى) فيطوف ويسعى بعد ( وكان لا يرمل) بضم الميم مضارع رمل بفتحها والاسم الرمل بالفتح أيضًا كطلب يطلب طلبًا ( إذا طاف حول البيت إذا أحرم من مكة) لأنه لا يشرع على المشهور عن مالك، وعنه أيضًا ندبه.