فهرس الكتاب

شرح الزرقاني - بَابُ مَا لَا قَطْعَ فِيهِ

رقم الحديث 1545 وحَدَّثَنِي يَحْيَى عَنْ مَالِكٍ، وَحَدَّثَنِي يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ يَحْيَى بْنِ حَبَّانَ، أَنَّ عَبْدًا سَرَقَ وَدِيًّا مِنْ حَائِطِ رَجُلٍ.
فَغَرَسَهُ فِي حَائِطِ سَيِّدِهِ.
فَخَرَجَ صَاحِبُ الْوَدِيِّ يَلْتَمِسُ وَدِيَّهُ فَوَجَدَهُ.
فَاسْتَعْدَى عَلَى الْعَبْدِ مَرْوَانَ بْنَ الْحَكَمِ فَسَجَنَ مَرْوَانُ الْعَبْدَ وَأَرَادَ قَطْعَ يَدِهِ.
فَانْطَلَقَ سَيِّدُ الْعَبْدِ إِلَى رَافِعِ بْنِ خَدِيجٍ فَسَأَلَهُ عَنْ ذَلِكَ.
فَأَخْبَرَهُ أَنَّهُ سَمِعَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: لَا قَطْعَ فِي ثَمَرٍ.
وَلَا كَثَرٍ وَالْكَثَرُ الْجُمَّارُ.
فَقَالَ الرَّجُلُ: فَإِنَّ مَرْوَانَ بْنَ الْحَكَمِ، أَخَذَ غُلَامًا لِي.
وَهُوَ يُرِيدُ قَطْعَهُ.
وَأَنَا أُحِبُّ أَنْ تَمْشِيَ مَعِيَ إِلَيْهِ فَتُخْبِرَهُ بِالَّذِي سَمِعْتَ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَمَشَى مَعَهُ رَافِعٌ إِلَى مَرْوَانَ بْنِ الْحَكَمِ فَقَالَ: أَخَذْتَ غُلَامًا لِهَذَا.
فَقَالَ: نَعَمْ.
فَقَالَ: فَمَا أَنْتَ صَانِعٌ بِهِ.
قَالَ: أَرَدْتُ قَطْعَ يَدِهِ.
فَقَالَ لَهُ رَافِعٌ سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: لَا قَطْعَ فِي ثَمَرٍ وَلَا كَثَرٍ فَأَمَرَ مَرْوَانُ بِالْعَبْدِ فَأُرْسِلَ.


( ما لا قطع فيه)

( مالك عن يحيى بن سعيد) الأنصاري ( عن محمد بن يحيى بن حبان) بفتح المهملة والموحدة الثقيلة ( أن عبدًا) أسود لواسع بن حبان عم محمد واسم العبد فيل كما في التمهيد وهو بلفظ الحيوان المذكور في القرآن ( سرق وديا) بفتح الواو وكسر الدال المهملة وشد التحتية أي نخلاً صغارًا قاله أبو عبيد وغيره وفي بعض طرق الحديث سرق نخلاً صغارًا ( من حائط رجل) لم يسم وفي رواية حماد بن زيد عن يحيى بن سعيد عن محمد بن يحيى أن غلامًا لعمه واسع بن حبان سرق وديا من أرض جار له ( فغرسه في حائط سيده فخرج صاحب الودي يلتمس وديه فوجده) في حائط جاره ( فاستعدى على العبد مروان بن الحكم) أمير المدينة حينئذ من جهة معاوية ( فسجن مروان العبد وأراد قطع يده فانطلق سيد العبد) واسع بن حبان ( إلى رافع بن خديج) بفتح الخاء المعجمة وكسر المهملة وسكون التحتية وجيم ابن رافع بن عدي الأنصاري الأوسي الحارثي أول مشاهده أحد ثم الخندق مات سنة ثلاث أو أربع وسبعين وقيل قبل ذلك ( فسأله عن ذلك فأخبره) رافع ( أنه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول لا قطع) جائز ( في ثمر) بفتح المثلثة والميم معلق على الشجر قبل أن يجذ ويحرز ( ولا في كثر) بفتح الكاف والمثلثة ( والكثر الجمار) بجيم مضمومة وميم ثقيلة أي جمار النخل وهو شحمه الذي يخرج به الكافور وهو وعاء الطلع من جوفه سمي جمارًا وكثرا لأنه أصل الكوافير وحيث تجتمع وتكثر كما في الفائق وهذا التفسير مدرج ففي رواية شعبة قلت ليحيى بن سعيد ما الكثر فقال الجمار وبه تعقب تفسير ابن الأثير للكثر بالتمر الرطب ما دام في النخلة فإذا قطع فهو رطب فإذا كثر فهو تمر والكثر الجمار وهو القصد من الودي الذي هو النخل الصغار فلا قطع على سارقه فالدليل طبق المدلول كما هو واضح ( فقال الرجل فإن مروان بن الحكم) بفتحتين ( أخذ غلامًا) عبدًا ( لي وهو يريد قطعه وأنا أحب أن تمشي معي إليه فتخبره بالذي سمعت من رسول الله صلى الله عليه وسلم فمشى معه رافع إلى مروان بن الحكم فقال أخذت غلامًا لهذا) الرجل ( قال نعم) أخذته ( قال فما أنت صانع) فاعل ( به) وفي هذا من اللطف في الخطاب ما لا يخفى حيث لم يقل له إن هذا قد أخذت له غلامًا وأردت قطعه ( قال أردت قطع يده) لأنه سرق ( فقال له رافع سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول لا قطع في ثمر ولا كثر) زاد في رواية للترمذي وغيره إلا ما آواه الجرين ( فأمر مروان بالعبد فأرسل) أطلق من السجن بعد أن ضربه ففي رواية شعبة فضربه وحبسه وفي رواية يزيد بن هارون عن يحيى بن سعيد فأرسله مروان فباعه أو نفاه أي باعه سيده وهذا الحديث أخرجه أحمد والأربعة وصححه ابن حبان من طرق عن مالك وغيره كلها عن يحيى بن سعيد قال ابن العربي فإن كان فيه كلام فلا يلتفت إليه وقال الطحاوي تلقت الأئمة متنه بالقبول وقال أبو عمر هذا حديث منقطع لأن محمدًا لم يسمعه من رافع وتابع مالكًا عليه سفيان الثوري والحمادان وأبو عوانة ويزيد بن هارون وغيرهم ورواه ابن عيينة عن يحيى عن محمد عن عمه واسع عن رافع وكذا رواه حماد بن دليل المدائني عن شعبة عن يحيى بن سعيد به فإن صح هذا فهو متصل مسند صحيح لكن قد خولف ابن عيينة في ذلك ولم يتابع عليه إلا ما رواه حماد بن دليل فقيل عن محمد عن رجل من قومه وقيل عنه عن عمة له وقيل عنه عن أبي ميمونة عن رافع ولم يتابع عليه وقد خولف عن حماد بن دليل أيضًا فإنما رواه غيره عن شعبة عن يحيى عن محمد عن رافع كما رواه مالك وأطال الكلام في ذلك في التمهيد والظاهر أن هذا الاختلاف غير قادح كما قد يشير إليه قول ابن العربي فإن كان فيه كلام لا يلتفت إليه وأما المتن فصحيح كما أشار إليه الطحاوي وأبو عمر في آخر كلامه وله شاهد من حديث عبد الله بن عمرو بن العاص عند أبي داود ومن حديث أبي هريرة عند ابن ماجه وإسناد كل منهما صحيح ( مالك عن ابن شهاب عن السائب بن يزيد) بن سعيد الكندي صحابي صغير له أحاديث قليلة مات سنة إحدى وتسعين وقيل قبلها وهو آخر من مات بالمدينة من الصحابة ( أن عبد الله بن عمرو) بفتح العين ( ابن الحضرمي) بفتح المهملة وإسكان المعجمة واسمه عبد الله بن عمار حليف بني أمية وهو ابن أخي العلاء بن الحضرمي قتل أبوه في السنة الأولى من الهجرة النبوية كافرًا استدركه ابن مفوز وابن فتحون واستبعد ما نقله ابن عبد البر والواقدي أنه ولد على عهد النبي صلى الله عليه وسلم قال في الإصابة ومقتضى موت أبيه أن يكون له عند الوفاة النبوية نحو تسع سنين فهو من أهل هذا القسم أي الأول من الصحابة ( جاء بغلام له إلى عمر بن الخطاب فقال له اقطع يد غلامي هذا فإنه سرق فقال عمر ماذا سرق فقال سرق مرآة) وزان مفتاح والجمع مراء وزان جوار وغواش آلة النظر ( لامرأتي ثمنها ستون درهمًا فقال عمر أرسله فليس عليه قطع خادمكم سرق متاعكم) فلا يجتمع عليكم أمران ( مالك عن ابن شهاب أن مروان بن الحكم أتي) بضم أوله ( بإنسان قد اختلس) أي اختطف بسرعة على غفلة ( متاعًا فأراد قطع يده فأرسل إلى زيد بن ثابت) أحد فقهاء الصحابة ( يسأله عن ذلك فقال زيد ليس في الخلسة قطع) بضم الخاء المعجمة وإسكان اللام أي ما يخلس ( مالك عن يحيى بن سعيد أنه قال أخبرني أبو بكر بن محمد بن عمرو بن حزم) الأنصاري قاضي المدينة ( أنه أخذ نبطيًا) بفتح النون والموحدة نسبة إلى النبط قرية من العجم ( قد سرق خواتم من حديد فحبسه ليقطع يده فأرسلت إليه عمرة بنت عبد الرحمن) الأنصارية ( مولاة لها يقال لها أمية قال أبو بكر فجاءتني) أمية ( وأنا بين ظهراني) بفتح النون ولا تكسر أي بين ( الناس) وزيد ظهراني لإفادة أن إقامته بينهم على سبيل الاستظهار بهم والاستناد إليهم وكأن المعنى أن ظهرا منهم قدامه وظهرا وراءه فكأنه مكتوف من جانبيه هذا أصله ثم كثر حتى استعمل في الإقامة بين القوم وإن كان غير مكتوف بينهم ( فقالت تقول لك خالتك عمرة يا ابن أختي أخذت نبطيًا في شيء يسير ذكر لي فأردت قطع يده فقلت نعم قالت فإن عمرة تقول لك لا قطع إلا في ربع دينار) ذهبًا ( فصاعدًا) نصب على الحال المؤكدة وهذا قد روته عمرة عن عائشة مرفوعًا في الصحيحين بنحوه كما مر ( قال أبو بكر فأرسلت النبطي) أطلقته بلا قطع لأن الخواتم لا تساوي ذلك ( قال مالك والأمر المجتمع عليه عندنا في اعتراف العبيد) بالسرقة ونحوها ( أن من اعترف منهم على نفسه بشيء تقع العقوبة أو الحد فيه على نفسه) كاعترافه بزنا أو شرب ( فإن اعترافه جائز عليه) لأنه مكلف ( ولا يتهم أن يوقع على نفسه) أي جسده ( هذا) أي الضرب أو القطع في السرقة ونحو ذلك ( وأما من اعترف منهم بأمر يكون غرمًا) بضم فسكون ( على سيده فإن اعترافه غير جائز على سيده) لأن الإنسان لا يؤاخذ بإقرار غيره عليه ( وليس على الأجير ولا على الرجل يكونان مع القوم يخدمانهم) بضم الدال ( إن سرقاهم) أي شيئًا منهم ( قطع لأن حالهما ليست بحال السارق) وهو من أخذ من موضع ممنوع الوصول إليه ( وإنما حالهما حال الخائن) وهو الذي خان ما جعل أمينًا عليه ( وليس على الخائن قطع) لأن النص إنما جاء في قطع السارق دونه ( قال مالك في الذي يستعير العارية فيجحدها إنه ليس عليه قطع) إذ ليس بسارق ( وإنما مثل ذلك) أي صفته بمعنى قياسه ( مثل رجل كان له على رجل دين فجحده ذلك فليس عليه فيما جحده قطع) لأنه لم يسرق ( والأمر عندنا في السارق يوجد في البيت) حال كونه ( قد جمع المتاع ولم يخرج به أنه ليس عليه قطع) لأنه لم يخرج من الحرز ( وإنما مثل ذلك كمثل رجل وضع بين يديه خمرًا ليشربها فلم يفعل فليس عليه حد) لعدم الشرب ( ومثل ذلك) أي قياسه ( رجل جلس من امرأة مجلسًا وهو يريد أن يصيبها) يجامعها ( حرامًا فلم يفعل ولم يبلغ ذلك منها) أي لم يدخل حشفته فيها ( فليس عليه أيضًا في ذلك حد) لعدم الوطء وإنما عليه الأدب ( والأمر المجتمع عليه عندنا أنه ليس في الخلسة) أي ما يخلس ويخطف بسرعة على غفلة ( قطع بلغ ثمنها ما يقطع فيه أو لم يبلغ) لأنها ليست بسرقة.



رقم الحديث 1546 وحَدَّثَنِي عَنْ مَالِكٍ، عَنْ ابْنِ شِهَابٍ، عَنِ السَّائِبِ بْنِ يَزِيدَ، أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عَمْرِو بْنِ الْحَضْرَمِيِّ جَاءَ بِغُلَامٍ لَهُ إِلَى عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ فَقَالَ لَهُ: اقْطَعْ يَدَ غُلَامِي هَذَا فَإِنَّهُ سَرَقَ.
فَقَالَ لَهُ عُمَرُ: مَاذَا سَرَقَ؟ فَقَالَ: سَرَقَ مِرْآةً لِامْرَأَتِي ثَمَنُهَا سِتُّونَ دِرْهَمًا.
فَقَالَ عُمَرُ: أَرْسِلْهُ فَلَيْسَ عَلَيْهِ قَطْعٌ خَادِمُكُمْ سَرَقَ مَتَاعَكُمْ.


( ما لا قطع فيه)

( مالك عن يحيى بن سعيد) الأنصاري ( عن محمد بن يحيى بن حبان) بفتح المهملة والموحدة الثقيلة ( أن عبدًا) أسود لواسع بن حبان عم محمد واسم العبد فيل كما في التمهيد وهو بلفظ الحيوان المذكور في القرآن ( سرق وديا) بفتح الواو وكسر الدال المهملة وشد التحتية أي نخلاً صغارًا قاله أبو عبيد وغيره وفي بعض طرق الحديث سرق نخلاً صغارًا ( من حائط رجل) لم يسم وفي رواية حماد بن زيد عن يحيى بن سعيد عن محمد بن يحيى أن غلامًا لعمه واسع بن حبان سرق وديا من أرض جار له ( فغرسه في حائط سيده فخرج صاحب الودي يلتمس وديه فوجده) في حائط جاره ( فاستعدى على العبد مروان بن الحكم) أمير المدينة حينئذ من جهة معاوية ( فسجن مروان العبد وأراد قطع يده فانطلق سيد العبد) واسع بن حبان ( إلى رافع بن خديج) بفتح الخاء المعجمة وكسر المهملة وسكون التحتية وجيم ابن رافع بن عدي الأنصاري الأوسي الحارثي أول مشاهده أحد ثم الخندق مات سنة ثلاث أو أربع وسبعين وقيل قبل ذلك ( فسأله عن ذلك فأخبره) رافع ( أنه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول لا قطع) جائز ( في ثمر) بفتح المثلثة والميم معلق على الشجر قبل أن يجذ ويحرز ( ولا في كثر) بفتح الكاف والمثلثة ( والكثر الجمار) بجيم مضمومة وميم ثقيلة أي جمار النخل وهو شحمه الذي يخرج به الكافور وهو وعاء الطلع من جوفه سمي جمارًا وكثرا لأنه أصل الكوافير وحيث تجتمع وتكثر كما في الفائق وهذا التفسير مدرج ففي رواية شعبة قلت ليحيى بن سعيد ما الكثر فقال الجمار وبه تعقب تفسير ابن الأثير للكثر بالتمر الرطب ما دام في النخلة فإذا قطع فهو رطب فإذا كثر فهو تمر والكثر الجمار وهو القصد من الودي الذي هو النخل الصغار فلا قطع على سارقه فالدليل طبق المدلول كما هو واضح ( فقال الرجل فإن مروان بن الحكم) بفتحتين ( أخذ غلامًا) عبدًا ( لي وهو يريد قطعه وأنا أحب أن تمشي معي إليه فتخبره بالذي سمعت من رسول الله صلى الله عليه وسلم فمشى معه رافع إلى مروان بن الحكم فقال أخذت غلامًا لهذا) الرجل ( قال نعم) أخذته ( قال فما أنت صانع) فاعل ( به) وفي هذا من اللطف في الخطاب ما لا يخفى حيث لم يقل له إن هذا قد أخذت له غلامًا وأردت قطعه ( قال أردت قطع يده) لأنه سرق ( فقال له رافع سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول لا قطع في ثمر ولا كثر) زاد في رواية للترمذي وغيره إلا ما آواه الجرين ( فأمر مروان بالعبد فأرسل) أطلق من السجن بعد أن ضربه ففي رواية شعبة فضربه وحبسه وفي رواية يزيد بن هارون عن يحيى بن سعيد فأرسله مروان فباعه أو نفاه أي باعه سيده وهذا الحديث أخرجه أحمد والأربعة وصححه ابن حبان من طرق عن مالك وغيره كلها عن يحيى بن سعيد قال ابن العربي فإن كان فيه كلام فلا يلتفت إليه وقال الطحاوي تلقت الأئمة متنه بالقبول وقال أبو عمر هذا حديث منقطع لأن محمدًا لم يسمعه من رافع وتابع مالكًا عليه سفيان الثوري والحمادان وأبو عوانة ويزيد بن هارون وغيرهم ورواه ابن عيينة عن يحيى عن محمد عن عمه واسع عن رافع وكذا رواه حماد بن دليل المدائني عن شعبة عن يحيى بن سعيد به فإن صح هذا فهو متصل مسند صحيح لكن قد خولف ابن عيينة في ذلك ولم يتابع عليه إلا ما رواه حماد بن دليل فقيل عن محمد عن رجل من قومه وقيل عنه عن عمة له وقيل عنه عن أبي ميمونة عن رافع ولم يتابع عليه وقد خولف عن حماد بن دليل أيضًا فإنما رواه غيره عن شعبة عن يحيى عن محمد عن رافع كما رواه مالك وأطال الكلام في ذلك في التمهيد والظاهر أن هذا الاختلاف غير قادح كما قد يشير إليه قول ابن العربي فإن كان فيه كلام لا يلتفت إليه وأما المتن فصحيح كما أشار إليه الطحاوي وأبو عمر في آخر كلامه وله شاهد من حديث عبد الله بن عمرو بن العاص عند أبي داود ومن حديث أبي هريرة عند ابن ماجه وإسناد كل منهما صحيح ( مالك عن ابن شهاب عن السائب بن يزيد) بن سعيد الكندي صحابي صغير له أحاديث قليلة مات سنة إحدى وتسعين وقيل قبلها وهو آخر من مات بالمدينة من الصحابة ( أن عبد الله بن عمرو) بفتح العين ( ابن الحضرمي) بفتح المهملة وإسكان المعجمة واسمه عبد الله بن عمار حليف بني أمية وهو ابن أخي العلاء بن الحضرمي قتل أبوه في السنة الأولى من الهجرة النبوية كافرًا استدركه ابن مفوز وابن فتحون واستبعد ما نقله ابن عبد البر والواقدي أنه ولد على عهد النبي صلى الله عليه وسلم قال في الإصابة ومقتضى موت أبيه أن يكون له عند الوفاة النبوية نحو تسع سنين فهو من أهل هذا القسم أي الأول من الصحابة ( جاء بغلام له إلى عمر بن الخطاب فقال له اقطع يد غلامي هذا فإنه سرق فقال عمر ماذا سرق فقال سرق مرآة) وزان مفتاح والجمع مراء وزان جوار وغواش آلة النظر ( لامرأتي ثمنها ستون درهمًا فقال عمر أرسله فليس عليه قطع خادمكم سرق متاعكم) فلا يجتمع عليكم أمران ( مالك عن ابن شهاب أن مروان بن الحكم أتي) بضم أوله ( بإنسان قد اختلس) أي اختطف بسرعة على غفلة ( متاعًا فأراد قطع يده فأرسل إلى زيد بن ثابت) أحد فقهاء الصحابة ( يسأله عن ذلك فقال زيد ليس في الخلسة قطع) بضم الخاء المعجمة وإسكان اللام أي ما يخلس ( مالك عن يحيى بن سعيد أنه قال أخبرني أبو بكر بن محمد بن عمرو بن حزم) الأنصاري قاضي المدينة ( أنه أخذ نبطيًا) بفتح النون والموحدة نسبة إلى النبط قرية من العجم ( قد سرق خواتم من حديد فحبسه ليقطع يده فأرسلت إليه عمرة بنت عبد الرحمن) الأنصارية ( مولاة لها يقال لها أمية قال أبو بكر فجاءتني) أمية ( وأنا بين ظهراني) بفتح النون ولا تكسر أي بين ( الناس) وزيد ظهراني لإفادة أن إقامته بينهم على سبيل الاستظهار بهم والاستناد إليهم وكأن المعنى أن ظهرا منهم قدامه وظهرا وراءه فكأنه مكتوف من جانبيه هذا أصله ثم كثر حتى استعمل في الإقامة بين القوم وإن كان غير مكتوف بينهم ( فقالت تقول لك خالتك عمرة يا ابن أختي أخذت نبطيًا في شيء يسير ذكر لي فأردت قطع يده فقلت نعم قالت فإن عمرة تقول لك لا قطع إلا في ربع دينار) ذهبًا ( فصاعدًا) نصب على الحال المؤكدة وهذا قد روته عمرة عن عائشة مرفوعًا في الصحيحين بنحوه كما مر ( قال أبو بكر فأرسلت النبطي) أطلقته بلا قطع لأن الخواتم لا تساوي ذلك ( قال مالك والأمر المجتمع عليه عندنا في اعتراف العبيد) بالسرقة ونحوها ( أن من اعترف منهم على نفسه بشيء تقع العقوبة أو الحد فيه على نفسه) كاعترافه بزنا أو شرب ( فإن اعترافه جائز عليه) لأنه مكلف ( ولا يتهم أن يوقع على نفسه) أي جسده ( هذا) أي الضرب أو القطع في السرقة ونحو ذلك ( وأما من اعترف منهم بأمر يكون غرمًا) بضم فسكون ( على سيده فإن اعترافه غير جائز على سيده) لأن الإنسان لا يؤاخذ بإقرار غيره عليه ( وليس على الأجير ولا على الرجل يكونان مع القوم يخدمانهم) بضم الدال ( إن سرقاهم) أي شيئًا منهم ( قطع لأن حالهما ليست بحال السارق) وهو من أخذ من موضع ممنوع الوصول إليه ( وإنما حالهما حال الخائن) وهو الذي خان ما جعل أمينًا عليه ( وليس على الخائن قطع) لأن النص إنما جاء في قطع السارق دونه ( قال مالك في الذي يستعير العارية فيجحدها إنه ليس عليه قطع) إذ ليس بسارق ( وإنما مثل ذلك) أي صفته بمعنى قياسه ( مثل رجل كان له على رجل دين فجحده ذلك فليس عليه فيما جحده قطع) لأنه لم يسرق ( والأمر عندنا في السارق يوجد في البيت) حال كونه ( قد جمع المتاع ولم يخرج به أنه ليس عليه قطع) لأنه لم يخرج من الحرز ( وإنما مثل ذلك كمثل رجل وضع بين يديه خمرًا ليشربها فلم يفعل فليس عليه حد) لعدم الشرب ( ومثل ذلك) أي قياسه ( رجل جلس من امرأة مجلسًا وهو يريد أن يصيبها) يجامعها ( حرامًا فلم يفعل ولم يبلغ ذلك منها) أي لم يدخل حشفته فيها ( فليس عليه أيضًا في ذلك حد) لعدم الوطء وإنما عليه الأدب ( والأمر المجتمع عليه عندنا أنه ليس في الخلسة) أي ما يخلس ويخطف بسرعة على غفلة ( قطع بلغ ثمنها ما يقطع فيه أو لم يبلغ) لأنها ليست بسرقة.



رقم الحديث 1547 وَحَدَّثَنِي عَنْ مَالِكٍ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، أَنَّ مَرْوَانَ بْنَ الْحَكَمِ، أُتِيَ بِإِنْسَانٍ قَدِ اخْتَلَسَ مَتَاعًا فَأَرَادَ قَطْعَ يَدِهِ.
فَأَرْسَلَ إِلَى زَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ يَسْأَلُهُ عَنْ ذَلِكَ.
فَقَالَ زَيْدُ بْنُ ثَابِتٍ: لَيْسَ فِي الْخُلْسَةِ قَطْعٌ.


( ما لا قطع فيه)

( مالك عن يحيى بن سعيد) الأنصاري ( عن محمد بن يحيى بن حبان) بفتح المهملة والموحدة الثقيلة ( أن عبدًا) أسود لواسع بن حبان عم محمد واسم العبد فيل كما في التمهيد وهو بلفظ الحيوان المذكور في القرآن ( سرق وديا) بفتح الواو وكسر الدال المهملة وشد التحتية أي نخلاً صغارًا قاله أبو عبيد وغيره وفي بعض طرق الحديث سرق نخلاً صغارًا ( من حائط رجل) لم يسم وفي رواية حماد بن زيد عن يحيى بن سعيد عن محمد بن يحيى أن غلامًا لعمه واسع بن حبان سرق وديا من أرض جار له ( فغرسه في حائط سيده فخرج صاحب الودي يلتمس وديه فوجده) في حائط جاره ( فاستعدى على العبد مروان بن الحكم) أمير المدينة حينئذ من جهة معاوية ( فسجن مروان العبد وأراد قطع يده فانطلق سيد العبد) واسع بن حبان ( إلى رافع بن خديج) بفتح الخاء المعجمة وكسر المهملة وسكون التحتية وجيم ابن رافع بن عدي الأنصاري الأوسي الحارثي أول مشاهده أحد ثم الخندق مات سنة ثلاث أو أربع وسبعين وقيل قبل ذلك ( فسأله عن ذلك فأخبره) رافع ( أنه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول لا قطع) جائز ( في ثمر) بفتح المثلثة والميم معلق على الشجر قبل أن يجذ ويحرز ( ولا في كثر) بفتح الكاف والمثلثة ( والكثر الجمار) بجيم مضمومة وميم ثقيلة أي جمار النخل وهو شحمه الذي يخرج به الكافور وهو وعاء الطلع من جوفه سمي جمارًا وكثرا لأنه أصل الكوافير وحيث تجتمع وتكثر كما في الفائق وهذا التفسير مدرج ففي رواية شعبة قلت ليحيى بن سعيد ما الكثر فقال الجمار وبه تعقب تفسير ابن الأثير للكثر بالتمر الرطب ما دام في النخلة فإذا قطع فهو رطب فإذا كثر فهو تمر والكثر الجمار وهو القصد من الودي الذي هو النخل الصغار فلا قطع على سارقه فالدليل طبق المدلول كما هو واضح ( فقال الرجل فإن مروان بن الحكم) بفتحتين ( أخذ غلامًا) عبدًا ( لي وهو يريد قطعه وأنا أحب أن تمشي معي إليه فتخبره بالذي سمعت من رسول الله صلى الله عليه وسلم فمشى معه رافع إلى مروان بن الحكم فقال أخذت غلامًا لهذا) الرجل ( قال نعم) أخذته ( قال فما أنت صانع) فاعل ( به) وفي هذا من اللطف في الخطاب ما لا يخفى حيث لم يقل له إن هذا قد أخذت له غلامًا وأردت قطعه ( قال أردت قطع يده) لأنه سرق ( فقال له رافع سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول لا قطع في ثمر ولا كثر) زاد في رواية للترمذي وغيره إلا ما آواه الجرين ( فأمر مروان بالعبد فأرسل) أطلق من السجن بعد أن ضربه ففي رواية شعبة فضربه وحبسه وفي رواية يزيد بن هارون عن يحيى بن سعيد فأرسله مروان فباعه أو نفاه أي باعه سيده وهذا الحديث أخرجه أحمد والأربعة وصححه ابن حبان من طرق عن مالك وغيره كلها عن يحيى بن سعيد قال ابن العربي فإن كان فيه كلام فلا يلتفت إليه وقال الطحاوي تلقت الأئمة متنه بالقبول وقال أبو عمر هذا حديث منقطع لأن محمدًا لم يسمعه من رافع وتابع مالكًا عليه سفيان الثوري والحمادان وأبو عوانة ويزيد بن هارون وغيرهم ورواه ابن عيينة عن يحيى عن محمد عن عمه واسع عن رافع وكذا رواه حماد بن دليل المدائني عن شعبة عن يحيى بن سعيد به فإن صح هذا فهو متصل مسند صحيح لكن قد خولف ابن عيينة في ذلك ولم يتابع عليه إلا ما رواه حماد بن دليل فقيل عن محمد عن رجل من قومه وقيل عنه عن عمة له وقيل عنه عن أبي ميمونة عن رافع ولم يتابع عليه وقد خولف عن حماد بن دليل أيضًا فإنما رواه غيره عن شعبة عن يحيى عن محمد عن رافع كما رواه مالك وأطال الكلام في ذلك في التمهيد والظاهر أن هذا الاختلاف غير قادح كما قد يشير إليه قول ابن العربي فإن كان فيه كلام لا يلتفت إليه وأما المتن فصحيح كما أشار إليه الطحاوي وأبو عمر في آخر كلامه وله شاهد من حديث عبد الله بن عمرو بن العاص عند أبي داود ومن حديث أبي هريرة عند ابن ماجه وإسناد كل منهما صحيح ( مالك عن ابن شهاب عن السائب بن يزيد) بن سعيد الكندي صحابي صغير له أحاديث قليلة مات سنة إحدى وتسعين وقيل قبلها وهو آخر من مات بالمدينة من الصحابة ( أن عبد الله بن عمرو) بفتح العين ( ابن الحضرمي) بفتح المهملة وإسكان المعجمة واسمه عبد الله بن عمار حليف بني أمية وهو ابن أخي العلاء بن الحضرمي قتل أبوه في السنة الأولى من الهجرة النبوية كافرًا استدركه ابن مفوز وابن فتحون واستبعد ما نقله ابن عبد البر والواقدي أنه ولد على عهد النبي صلى الله عليه وسلم قال في الإصابة ومقتضى موت أبيه أن يكون له عند الوفاة النبوية نحو تسع سنين فهو من أهل هذا القسم أي الأول من الصحابة ( جاء بغلام له إلى عمر بن الخطاب فقال له اقطع يد غلامي هذا فإنه سرق فقال عمر ماذا سرق فقال سرق مرآة) وزان مفتاح والجمع مراء وزان جوار وغواش آلة النظر ( لامرأتي ثمنها ستون درهمًا فقال عمر أرسله فليس عليه قطع خادمكم سرق متاعكم) فلا يجتمع عليكم أمران ( مالك عن ابن شهاب أن مروان بن الحكم أتي) بضم أوله ( بإنسان قد اختلس) أي اختطف بسرعة على غفلة ( متاعًا فأراد قطع يده فأرسل إلى زيد بن ثابت) أحد فقهاء الصحابة ( يسأله عن ذلك فقال زيد ليس في الخلسة قطع) بضم الخاء المعجمة وإسكان اللام أي ما يخلس ( مالك عن يحيى بن سعيد أنه قال أخبرني أبو بكر بن محمد بن عمرو بن حزم) الأنصاري قاضي المدينة ( أنه أخذ نبطيًا) بفتح النون والموحدة نسبة إلى النبط قرية من العجم ( قد سرق خواتم من حديد فحبسه ليقطع يده فأرسلت إليه عمرة بنت عبد الرحمن) الأنصارية ( مولاة لها يقال لها أمية قال أبو بكر فجاءتني) أمية ( وأنا بين ظهراني) بفتح النون ولا تكسر أي بين ( الناس) وزيد ظهراني لإفادة أن إقامته بينهم على سبيل الاستظهار بهم والاستناد إليهم وكأن المعنى أن ظهرا منهم قدامه وظهرا وراءه فكأنه مكتوف من جانبيه هذا أصله ثم كثر حتى استعمل في الإقامة بين القوم وإن كان غير مكتوف بينهم ( فقالت تقول لك خالتك عمرة يا ابن أختي أخذت نبطيًا في شيء يسير ذكر لي فأردت قطع يده فقلت نعم قالت فإن عمرة تقول لك لا قطع إلا في ربع دينار) ذهبًا ( فصاعدًا) نصب على الحال المؤكدة وهذا قد روته عمرة عن عائشة مرفوعًا في الصحيحين بنحوه كما مر ( قال أبو بكر فأرسلت النبطي) أطلقته بلا قطع لأن الخواتم لا تساوي ذلك ( قال مالك والأمر المجتمع عليه عندنا في اعتراف العبيد) بالسرقة ونحوها ( أن من اعترف منهم على نفسه بشيء تقع العقوبة أو الحد فيه على نفسه) كاعترافه بزنا أو شرب ( فإن اعترافه جائز عليه) لأنه مكلف ( ولا يتهم أن يوقع على نفسه) أي جسده ( هذا) أي الضرب أو القطع في السرقة ونحو ذلك ( وأما من اعترف منهم بأمر يكون غرمًا) بضم فسكون ( على سيده فإن اعترافه غير جائز على سيده) لأن الإنسان لا يؤاخذ بإقرار غيره عليه ( وليس على الأجير ولا على الرجل يكونان مع القوم يخدمانهم) بضم الدال ( إن سرقاهم) أي شيئًا منهم ( قطع لأن حالهما ليست بحال السارق) وهو من أخذ من موضع ممنوع الوصول إليه ( وإنما حالهما حال الخائن) وهو الذي خان ما جعل أمينًا عليه ( وليس على الخائن قطع) لأن النص إنما جاء في قطع السارق دونه ( قال مالك في الذي يستعير العارية فيجحدها إنه ليس عليه قطع) إذ ليس بسارق ( وإنما مثل ذلك) أي صفته بمعنى قياسه ( مثل رجل كان له على رجل دين فجحده ذلك فليس عليه فيما جحده قطع) لأنه لم يسرق ( والأمر عندنا في السارق يوجد في البيت) حال كونه ( قد جمع المتاع ولم يخرج به أنه ليس عليه قطع) لأنه لم يخرج من الحرز ( وإنما مثل ذلك كمثل رجل وضع بين يديه خمرًا ليشربها فلم يفعل فليس عليه حد) لعدم الشرب ( ومثل ذلك) أي قياسه ( رجل جلس من امرأة مجلسًا وهو يريد أن يصيبها) يجامعها ( حرامًا فلم يفعل ولم يبلغ ذلك منها) أي لم يدخل حشفته فيها ( فليس عليه أيضًا في ذلك حد) لعدم الوطء وإنما عليه الأدب ( والأمر المجتمع عليه عندنا أنه ليس في الخلسة) أي ما يخلس ويخطف بسرعة على غفلة ( قطع بلغ ثمنها ما يقطع فيه أو لم يبلغ) لأنها ليست بسرقة.



رقم الحديث 1548 وَحَدَّثَنِي عَنْ مَالِكٍ، عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ، أَنَّهُ قَالَ: أَخْبَرَنِي أَبُو بَكْرِ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ عَمْرِو بْنِ حَزْمٍ، أَنَّهُ أَخَذَ نَبَطِيًّا قَدْ سَرَقَ خَوَاتِمَ مِنْ حَدِيدٍ.
فَحَبَسَهُ لِيَقْطَعَ يَدَهُ.
فَأَرْسَلَتْ إِلَيْهِ عَمْرَةُ بِنْتُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ مَوْلَاةً لَهَا يُقَالُ لَهَا أُمَيَّةُ قَالَ: أَبُو بَكْرٍ: فَجَاءَتْنِي وَأَنَا بَيْنَ ظَهْرَانَيِ النَّاسِ.
فَقَالَتْ: تَقُولُ لَكَ خَالَتُكَ عَمْرَةُ: يَا ابْنَ أُخْتِي أَخَذْتَ نَبَطِيًّا فِي شَيْءٍ يَسِيرٍ ذُكِرَ لِي فَأَرَدْتَ قَطْعَ يَدِهِ.
قُلْتُ: نَعَمْ.
قَالَتْ: فَإِنَّ عَمْرَةَ تَقُولُ لَكَ: لَا قَطْعَ إِلَّا فِي رُبُعِ دِينَارٍ فَصَاعِدًا.
قَالَ أَبُو بَكْرٍ: فَأَرْسَلْتُ النَّبَطِيَّ
قَالَ مَالِكٌ: وَالْأَمْرُ الْمُجْتَمَعُ عَلَيْهِ عِنْدَنَا فِي اعْتِرَافِ الْعَبِيدِ أَنَّهُ مَنِ اعْتَرَفَ مِنْهُمْ عَلَى نَفْسِهِ بِشَيْءٍ.
يَقَعُ الْحَدُّ فِيهِ أَوِ الْعُقُوبَةُ فِيهِ فِي جَسَدِهِ فَإِنَّ اعْتِرَافَهُ جَائِزٌ عَلَيْهِ وَلَا يُتَّهَمُ أَنْ يُوقِعَ عَلَى نَفْسِهِ هَذَا.
قَالَ مَالِكٌ:.
وَأَمَّا مَنِ اعْتَرَفَ مِنْهُمْ.
بِأَمْرٍ يَكُونُ غُرْمًا عَلَى سَيِّدِهِ.
فَإِنَّ اعْتِرَافَهُ غَيْرُ جَائِزٍ عَلَى سَيِّدِهِ.
قَالَ مَالِكٌ: لَيْسَ عَلَى الْأَجِيرِ وَلَا عَلَى الرَّجُلِ يَكُونَانِ مَعَ الْقَوْمِ يَخْدُمَانِهِمْ.
إِنْ سَرَقَاهُمْ قَطْعٌ.
لِأَنَّ حَالَهُمَا لَيْسَتْ بِحَالِ السَّارِقِ.
وَإِنَّمَا حَالُهُمَا حَالُ الْخَائِنِ.
وَلَيْسَ عَلَى الْخَائِنِ قَطْعٌ.
قَالَ مَالِكٌ فِي الَّذِي يَسْتَعِيرُ الْعَارِيَةَ فَيَجْحَدُهَا: إِنَّهُ لَيْسَ عَلَيْهِ قَطْعٌ.
وَإِنَّمَا مَثَلُ ذَلِكَ مَثَلُ رَجُلٍ كَانَ لَهُ عَلَى رَجُلٍ دَيْنٌ فَجَحَدَهُ ذَلِكَ.
فَلَيْسَ عَلَيْهِ فِيمَا جَحَدَهُ قَطْعٌ.
قَالَ مَالِكٌ الْأَمْرُ الْمُجْتَمَعُ عَلَيْهِ عِنْدَنَا فِي السَّارِقِ يُوجَدُ فِي الْبَيْتِ قَدْ جَمَعَ الْمَتَاعَ وَلَمْ يَخْرُجْ بِهِ: إِنَّهُ لَيْسَ عَلَيْهِ قَطْعٌ وَإِنَّمَا مَثَلُ ذَلِكَ.
كَمَثَلِ رَجُلٍ وَضَعَ بَيْنَ يَدَيْهِ خَمْرًا لِيَشْرَبَهَا.
فَلَمْ يَفْعَلْ.
فَلَيْسَ عَلَيْهِ حَدٌّ.
وَمَثَلُ ذَلِكَ رَجُلٌ جَلَسَ مِنِ امْرَأَةٍ مَجْلِسًا وَهُوَ يُرِيدُ أَنْ يُصِيبَهَا حَرَامًا.
فَلَمْ يَفْعَلْ.
وَلَمْ يَبْلُغْ ذَلِكَ مِنْهَا.
فَلَيْسَ عَلَيْهِ أَيْضًا فِي ذَلِكَ حَدٌّ.
قَالَ مَالِكٌ الْأَمْرُ الْمُجْتَمَعُ عَلَيْهِ عِنْدَنَا أَنَّهُ لَيْسَ فِي الْخُلْسَةِ قَطْعٌ بَلَغَ ثَمَنُهَا مَا يُقْطَعُ فِيهِ أَوْ لَمْ يَبْلُغْ.


( ما لا قطع فيه)

( مالك عن يحيى بن سعيد) الأنصاري ( عن محمد بن يحيى بن حبان) بفتح المهملة والموحدة الثقيلة ( أن عبدًا) أسود لواسع بن حبان عم محمد واسم العبد فيل كما في التمهيد وهو بلفظ الحيوان المذكور في القرآن ( سرق وديا) بفتح الواو وكسر الدال المهملة وشد التحتية أي نخلاً صغارًا قاله أبو عبيد وغيره وفي بعض طرق الحديث سرق نخلاً صغارًا ( من حائط رجل) لم يسم وفي رواية حماد بن زيد عن يحيى بن سعيد عن محمد بن يحيى أن غلامًا لعمه واسع بن حبان سرق وديا من أرض جار له ( فغرسه في حائط سيده فخرج صاحب الودي يلتمس وديه فوجده) في حائط جاره ( فاستعدى على العبد مروان بن الحكم) أمير المدينة حينئذ من جهة معاوية ( فسجن مروان العبد وأراد قطع يده فانطلق سيد العبد) واسع بن حبان ( إلى رافع بن خديج) بفتح الخاء المعجمة وكسر المهملة وسكون التحتية وجيم ابن رافع بن عدي الأنصاري الأوسي الحارثي أول مشاهده أحد ثم الخندق مات سنة ثلاث أو أربع وسبعين وقيل قبل ذلك ( فسأله عن ذلك فأخبره) رافع ( أنه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول لا قطع) جائز ( في ثمر) بفتح المثلثة والميم معلق على الشجر قبل أن يجذ ويحرز ( ولا في كثر) بفتح الكاف والمثلثة ( والكثر الجمار) بجيم مضمومة وميم ثقيلة أي جمار النخل وهو شحمه الذي يخرج به الكافور وهو وعاء الطلع من جوفه سمي جمارًا وكثرا لأنه أصل الكوافير وحيث تجتمع وتكثر كما في الفائق وهذا التفسير مدرج ففي رواية شعبة قلت ليحيى بن سعيد ما الكثر فقال الجمار وبه تعقب تفسير ابن الأثير للكثر بالتمر الرطب ما دام في النخلة فإذا قطع فهو رطب فإذا كثر فهو تمر والكثر الجمار وهو القصد من الودي الذي هو النخل الصغار فلا قطع على سارقه فالدليل طبق المدلول كما هو واضح ( فقال الرجل فإن مروان بن الحكم) بفتحتين ( أخذ غلامًا) عبدًا ( لي وهو يريد قطعه وأنا أحب أن تمشي معي إليه فتخبره بالذي سمعت من رسول الله صلى الله عليه وسلم فمشى معه رافع إلى مروان بن الحكم فقال أخذت غلامًا لهذا) الرجل ( قال نعم) أخذته ( قال فما أنت صانع) فاعل ( به) وفي هذا من اللطف في الخطاب ما لا يخفى حيث لم يقل له إن هذا قد أخذت له غلامًا وأردت قطعه ( قال أردت قطع يده) لأنه سرق ( فقال له رافع سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول لا قطع في ثمر ولا كثر) زاد في رواية للترمذي وغيره إلا ما آواه الجرين ( فأمر مروان بالعبد فأرسل) أطلق من السجن بعد أن ضربه ففي رواية شعبة فضربه وحبسه وفي رواية يزيد بن هارون عن يحيى بن سعيد فأرسله مروان فباعه أو نفاه أي باعه سيده وهذا الحديث أخرجه أحمد والأربعة وصححه ابن حبان من طرق عن مالك وغيره كلها عن يحيى بن سعيد قال ابن العربي فإن كان فيه كلام فلا يلتفت إليه وقال الطحاوي تلقت الأئمة متنه بالقبول وقال أبو عمر هذا حديث منقطع لأن محمدًا لم يسمعه من رافع وتابع مالكًا عليه سفيان الثوري والحمادان وأبو عوانة ويزيد بن هارون وغيرهم ورواه ابن عيينة عن يحيى عن محمد عن عمه واسع عن رافع وكذا رواه حماد بن دليل المدائني عن شعبة عن يحيى بن سعيد به فإن صح هذا فهو متصل مسند صحيح لكن قد خولف ابن عيينة في ذلك ولم يتابع عليه إلا ما رواه حماد بن دليل فقيل عن محمد عن رجل من قومه وقيل عنه عن عمة له وقيل عنه عن أبي ميمونة عن رافع ولم يتابع عليه وقد خولف عن حماد بن دليل أيضًا فإنما رواه غيره عن شعبة عن يحيى عن محمد عن رافع كما رواه مالك وأطال الكلام في ذلك في التمهيد والظاهر أن هذا الاختلاف غير قادح كما قد يشير إليه قول ابن العربي فإن كان فيه كلام لا يلتفت إليه وأما المتن فصحيح كما أشار إليه الطحاوي وأبو عمر في آخر كلامه وله شاهد من حديث عبد الله بن عمرو بن العاص عند أبي داود ومن حديث أبي هريرة عند ابن ماجه وإسناد كل منهما صحيح ( مالك عن ابن شهاب عن السائب بن يزيد) بن سعيد الكندي صحابي صغير له أحاديث قليلة مات سنة إحدى وتسعين وقيل قبلها وهو آخر من مات بالمدينة من الصحابة ( أن عبد الله بن عمرو) بفتح العين ( ابن الحضرمي) بفتح المهملة وإسكان المعجمة واسمه عبد الله بن عمار حليف بني أمية وهو ابن أخي العلاء بن الحضرمي قتل أبوه في السنة الأولى من الهجرة النبوية كافرًا استدركه ابن مفوز وابن فتحون واستبعد ما نقله ابن عبد البر والواقدي أنه ولد على عهد النبي صلى الله عليه وسلم قال في الإصابة ومقتضى موت أبيه أن يكون له عند الوفاة النبوية نحو تسع سنين فهو من أهل هذا القسم أي الأول من الصحابة ( جاء بغلام له إلى عمر بن الخطاب فقال له اقطع يد غلامي هذا فإنه سرق فقال عمر ماذا سرق فقال سرق مرآة) وزان مفتاح والجمع مراء وزان جوار وغواش آلة النظر ( لامرأتي ثمنها ستون درهمًا فقال عمر أرسله فليس عليه قطع خادمكم سرق متاعكم) فلا يجتمع عليكم أمران ( مالك عن ابن شهاب أن مروان بن الحكم أتي) بضم أوله ( بإنسان قد اختلس) أي اختطف بسرعة على غفلة ( متاعًا فأراد قطع يده فأرسل إلى زيد بن ثابت) أحد فقهاء الصحابة ( يسأله عن ذلك فقال زيد ليس في الخلسة قطع) بضم الخاء المعجمة وإسكان اللام أي ما يخلس ( مالك عن يحيى بن سعيد أنه قال أخبرني أبو بكر بن محمد بن عمرو بن حزم) الأنصاري قاضي المدينة ( أنه أخذ نبطيًا) بفتح النون والموحدة نسبة إلى النبط قرية من العجم ( قد سرق خواتم من حديد فحبسه ليقطع يده فأرسلت إليه عمرة بنت عبد الرحمن) الأنصارية ( مولاة لها يقال لها أمية قال أبو بكر فجاءتني) أمية ( وأنا بين ظهراني) بفتح النون ولا تكسر أي بين ( الناس) وزيد ظهراني لإفادة أن إقامته بينهم على سبيل الاستظهار بهم والاستناد إليهم وكأن المعنى أن ظهرا منهم قدامه وظهرا وراءه فكأنه مكتوف من جانبيه هذا أصله ثم كثر حتى استعمل في الإقامة بين القوم وإن كان غير مكتوف بينهم ( فقالت تقول لك خالتك عمرة يا ابن أختي أخذت نبطيًا في شيء يسير ذكر لي فأردت قطع يده فقلت نعم قالت فإن عمرة تقول لك لا قطع إلا في ربع دينار) ذهبًا ( فصاعدًا) نصب على الحال المؤكدة وهذا قد روته عمرة عن عائشة مرفوعًا في الصحيحين بنحوه كما مر ( قال أبو بكر فأرسلت النبطي) أطلقته بلا قطع لأن الخواتم لا تساوي ذلك ( قال مالك والأمر المجتمع عليه عندنا في اعتراف العبيد) بالسرقة ونحوها ( أن من اعترف منهم على نفسه بشيء تقع العقوبة أو الحد فيه على نفسه) كاعترافه بزنا أو شرب ( فإن اعترافه جائز عليه) لأنه مكلف ( ولا يتهم أن يوقع على نفسه) أي جسده ( هذا) أي الضرب أو القطع في السرقة ونحو ذلك ( وأما من اعترف منهم بأمر يكون غرمًا) بضم فسكون ( على سيده فإن اعترافه غير جائز على سيده) لأن الإنسان لا يؤاخذ بإقرار غيره عليه ( وليس على الأجير ولا على الرجل يكونان مع القوم يخدمانهم) بضم الدال ( إن سرقاهم) أي شيئًا منهم ( قطع لأن حالهما ليست بحال السارق) وهو من أخذ من موضع ممنوع الوصول إليه ( وإنما حالهما حال الخائن) وهو الذي خان ما جعل أمينًا عليه ( وليس على الخائن قطع) لأن النص إنما جاء في قطع السارق دونه ( قال مالك في الذي يستعير العارية فيجحدها إنه ليس عليه قطع) إذ ليس بسارق ( وإنما مثل ذلك) أي صفته بمعنى قياسه ( مثل رجل كان له على رجل دين فجحده ذلك فليس عليه فيما جحده قطع) لأنه لم يسرق ( والأمر عندنا في السارق يوجد في البيت) حال كونه ( قد جمع المتاع ولم يخرج به أنه ليس عليه قطع) لأنه لم يخرج من الحرز ( وإنما مثل ذلك كمثل رجل وضع بين يديه خمرًا ليشربها فلم يفعل فليس عليه حد) لعدم الشرب ( ومثل ذلك) أي قياسه ( رجل جلس من امرأة مجلسًا وهو يريد أن يصيبها) يجامعها ( حرامًا فلم يفعل ولم يبلغ ذلك منها) أي لم يدخل حشفته فيها ( فليس عليه أيضًا في ذلك حد) لعدم الوطء وإنما عليه الأدب ( والأمر المجتمع عليه عندنا أنه ليس في الخلسة) أي ما يخلس ويخطف بسرعة على غفلة ( قطع بلغ ثمنها ما يقطع فيه أو لم يبلغ) لأنها ليست بسرقة.