فهرس الكتاب

شرح الزرقاني - بَابُ مَا يُنْهَى عَنْهُ مِنَ الضَّحَايَا

رقم الحديث 1037 سُئِلَ مَالِكٌ عَنْ إِمَامٍ قَبِلَ الْجِزْيَةَ مِنْ قَوْمٍ فَكَانُوا يُعْطُونَهَا.
أَرَأَيْتَ مَنْ أَسْلَمَ مِنْهُمْ.
أَتَكُونُ لَهُ أَرْضُهُ، أَوْ تَكُونُ لِلْمُسْلِمِينَ، وَيَكُونُ لَهُمْ مَالُهُ؟ فَقَالَ مَالِكٌ: ذَلِكَ يَخْتَلِفُ.
أَمَّا أَهْلُ الصُّلْحِ، فَإِنَّ مَنْ أَسْلَمَ مِنْهُمْ فَهُوَ أَحَقُّ بِأَرْضِهِ وَمَالِهِ.
.
وَأَمَّا أَهْلُ الْعَنْوَةِ الَّذِينَ أُخِذُوا عَنْوَةً، فَمَنْ أَسْلَمَ مِنْهُمْ فَإِنَّ أَرْضَهُ وَمَالَهُ لِلْمُسْلِمِينَ.
لِأَنَّ أَهْلَ الْعَنْوَةِ قَدْ غُلِبُوا عَلَى بِلَادِهِمْ.
وَصَارَتْ فَيْئًا لِلْمُسْلِمِينَ.
.
وَأَمَّا أَهْلُ الصُّلْحِ فَإِنَّهُمْ قَدْ مَنَعُوا أَمْوَالَهُمْ وَأَنْفُسَهُمْ.
حَتَّى صَالَحُوا عَلَيْهَا.
فَلَيْسَ عَلَيْهِمْ إِلَّا مَا صَالَحُوا عَلَيْهِ.



( إحراز من أسلم من أهل ذمة أرضه)

مصدر أحرز كذا إذا جعله في المكان الذي يحفظ فيه استعير هنا لملكه الأرض بالإسلام كأن إسلامه مكان حرزها وحفظها له.

( سئل مالك عن إمام قبل الجزية من قوم فكانوا يعطونها) أي الجزية ( أرأيت) أي أخبرني ( من أسلم منهم أتكون له أرضه أو تكون للمسلمين ويكون لهم ماله فقال مالك ذلك يختلف أما أهل الصلح فإن من أسلم منهم فهو أحق بأرضه وماله) دون المسلمين ( وأما أهل العنوة الذين أخذوا عنوة) أي بالقهر والغلبة ( فمن أسلم منهم فإن أرضه وماله للمسلمين لأن أهل العنوة قد غلبوا) بضم الغين مبني للمجهول ( وصارت فيئًا للمسلمين) قال تعالى: { { وَأَوْرَثَكُمْ أَرْضَهُمْ وَدِيَارَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ } } ( وأما أهل الصلح فإنهم قد منعوا أموالهم وأنفسهم) من القتال واستمر ( حتى صالحوا عليها فليس عليهم إلا ما صالحوا عليه) فلهم أرضهم إذا أسلموا ومالهم وأعاد هذا لأجل تعليله للحكم الذي قدمه.



رقم الحديث 1037 حَدَّثَنِي يَحْيَى، عَنْ مَالِكٍ، عَنْ عَمْرِو بْنِ الْحَارِثِ، عَنْ عُبَيْدِ بْنِ فَيْرُوزٍ، عَنِ الْبَرَاءِ بْنِ عَازِبٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سُئِلَ: مَاذَا يُتَّقَى مِنَ الضَّحَايَا؟ فَأَشَارَ بِيَدِهِ.

     وَقَالَ : أَرْبَعًا وَكَانَ الْبَرَاءُ يُشِيرُ بِيَدِهِ وَيَقُولُ يَدِي أَقْصَرُ مِنْ يَدِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْعَرْجَاءُ الْبَيِّنُ ظَلْعُهَا، وَالْعَوْرَاءُ الْبَيِّنُ عَوَرُهَا، وَالْمَرِيضَةُ الْبَيِّنُ مَرَضُهَا، وَالْعَجْفَاءُ الَّتِي لَا تُنْقِي.


( ما ينهى عنه من الضحايا)

( مالك عن عمرو بن الحارث) بن يعقوب بن عبد الله مولى سعد بن عبادة وقيل مولى ابنه قيس يكنى أبا أمية الأنصاري مولاهم المصري ولد سنة اثنين وتسعين بعثه صالح بن أمية من المدينة إلى مصر مؤدبًا لبنيه وهو ثقة فقيه حافظ روى عن أبيه والزهري وغيرهما وعنه مجاهد وهو أكبر منه، وبكير بن الأشج وقتادة وهما من شيوخه ومالك هذا الحديث الواحد وهو من أقرانه وابن وهب وقال: ما رأيت أحفظ منه ولو بقي لنا ما احتجنا إلى مالك وغيره مات سنة ثمان وقيل تسع وأربعين ومائة ( عن عبيد) بضم العين ( بن فيروز) الشيباني مولاهم أبي الضحاك الكوفي نزيل الجزيرة ثقة من أواسط التابعين قال ابن عبد البر: لم تختلف الرواة عن مالك في هذا الحديث وإنما رواه عمرو عن سليمان بن عبد الرحمن عن عبيد فسقط لمالك ذكر سليمان ولا يعرف الحديث إلا له ولم يروه غيره عن عبيد ولا يعرف عبيد إلا بهذا الحديث وبرواية سليمان هذا عنه ورواه عن سليمان جماعة منهم شعبة والليث عن عمرو بن الحارث ويزيد بن أبي حبيب وغيرهم وذكر ابن وهب هذا الحديث عن عمرو بن الحارث والليث وابن لهيعة عن سليمان عن عبيد عن البراء ثم أسنده من هذا الوجه في التمهيد لكن قوله لا يعرف إلا لسليمان عن عبيد منتقد فقد رواه يزيد بن أبي حبيب والقاسم مولى خالد بن يزيد بن معاوية كلاهما عن عبيد كما ذكره المزي في الأطراف وذكر أيضًا أن سليمان رواه عن عبيد بواسطة هي القاسم مولى خالد وبدونها، وصرح سليمان في بعض طرقه عند ابن عبد البر بقوله سمعت عبيد بن فيروز ( عن البراء بن عازب) بن الحارث بن عدي الأنصاري الأوسي صحابي ابن صحابي نزل الكوفة استصغر يوم بدر وكان لدة ابن عمر مات سنة اثنين وسبعين.

( أن رسول الله صلى الله عليه وسلم سئل ماذا يتقى من الضحايا) قال الباجي دل هذا أن للضحايا صفات يتقى بعضها ولو لم يعلم أنها يتقى منها شيء لسئل هل يتقى من الضحايا شيء ( فأشار بيده وقال أربعًا) تتقى وفي رواية وقال: لا يجوز من الضحايا أربع ( وكان البراء بن عازب يشير بيده ويقول: يدي أقصر من يد رسول الله صلى الله عليه وسلم) من إطلاق اسم الكل على البعض، ففي رواية ابن عبد البر عن ابن وهب عن عمرو والليث وابن لهيعة بسندهم عن البراء سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم وأشار بأصبعه قال: وأصبعي أقصر من أصبع رسول الله، وهو يشير بأصبعه يقول: لا يجوز من الضحايا أربع ( العرجاء) بالمد ( البين) أي الظاهر ( ظلعها) بفتح الظاء المعجمة وإسكان اللام أي عرجها وهي التي لا تلحق الغنم في مشيها وقال أبو حنيفة: تجزي ويرد عليه الحديث ولا شك أن العرجاء تجري وتمشي، والعرج من صفات المشي وأما التي لا تمشي فلا يقال لها عرجاء فإن خف العرج فلا يمنعها أن تسير بسير الغنم أجزأت كما هو مفهوم الحديث.

( والعوراء) بالمد تأنيث أعور ( البين عورها) وهو ذهاب بصر إحدى عينيها فإن كان بها بياض قليل على الناظر لا يمنعها الإبصار أو كان على غير الناظر أجزأت قاله محمد عن مالك وهو مفهوم الحديث ( والمريضة البين مرضها) بأي مرض كان بشرط وضوحه فهو عام عطف عليه خاصًا بقوله ( والعجفاء) بالمد مؤنث أعجف الضعيفة ( التي لا تنقي) بضم الفوقية وإسكان النون وقاف، أي لا نقي لها والنقي الشحم.
وكذا جاء في بعض روايات الحديث وفي رواية قاسم بن أصبغ: والكسيرة التي لا تنقي يريد التي لا تقوم ولا تنهض من الهزال وهذه العيوب الأربع مجمع عليها وما في معناها داخل فيها ولا سيما إذا كانت العلة فيها أبين، فإذا لم تجز العوراء والعرجاء فالعمياء والمقطوعة الرجل أحرى وفيه أن المرض والعرج الخفيفين والنقطة اليسيرة في العين والمهزولة التي ليست بغاية في الهزال تجزئ في الضحايا وزعم بعض العلماء أن ما عدا العيوب الأربعة يجوز في الضحايا والهدايا بدليل الخطاب وله وجه لولا ما جاء عنه صلى الله عليه وسلم في الأذن والعين وما يجب أن يضم إلى ذلك وكذلك ما كان في معناها عند الجمهور خرج أبو بكر بن أبي شيبة عن علي أمرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم أن نستشرف العين ولا نضحي بمقابلة ولا بمدابرة ولا شرقاء ولا خرقاء والمقابلة ما قطع طرف أذنها والمدابرة ما قطع طرفًا جانبي الأذن والشرقاء المشروقة الأذن والخرقاء المثقوبة الأذن وهذا حديث حسن الإسناد ليس بدون حديث البراء وزاد في رواية شعبة عن سليمان عن عبيد بن فيروز قال قلت للبراء إني لأكره أن يكون في القرن نقص أو في الأذن نقص أو في السن نقص قال: فما كرهته فدعه ولا تحرمه على أحد قاله أبو عمر.

( مالك عن نافع أن عبد الله بن عمر كان يتقي من الضحايا والبدن) أي الهدايا ( التي لم تسن) روي بكسر السين من السن لأن معروف مذهب ابن عمر أنه لا يضحي إلا بثني المعز والضأن والإبل والبقر وروي بفتح السين قال ابن قتيبة أي التي لم تنبت أسنانها كأنها لم تعط أسنانها كما تقول لم يلبن ولم يسمن ولم يعسل.
أي لم يعط ذلك.
قال: وهذا مثل النهي عن الهتماء في الأضاحي.
وقال غيره: معناه لم تبدل أسنانها وهذا أشبه بمذهب ابن عمر لأنه يقول في الأضاحي والبدن الثني فما فوقه، ولا يجوز عنده الجذع من الضأن، وهذا خلاف الآثار المرفوعة وخلاف الجمهور الذين هم حجة على من شذ عنهم قاله ابن عبد البر قال وقوله ( والتي نقص من خلقها) أصح من رواية من روي عنه جواز الأضحية بالبتراء إلا أنه يحتمل أن اتقاء ابن عمر لمثل ذلك، ويحتمل أنه لما نقص منها خلقة وحمله على عمومه أولى، وأجمعوا على جواز الجماء في الضحايا فدل على أن النقص المكروه هو ما تتأذى به البهيمة وينقص من ثمنها ومن شحمها.

( قال مالك وذلك أحب ما سمعت إلي) من الخلاف.



رقم الحديث 1038 وحَدَّثَنِي مَالِكٍ، عَنْ نَافِعٍ، أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عُمَرَ كَانَ يَقُولُ: فِي الضَّحَايَا وَالْبُدْنِ، الثَّنِيُّ فَمَا فَوْقَهُ.


( العمل في الهدي حين يساق)

( مالك عن نافع عن عبد الله بن عمر أنه كان إذا أهدى هديًا من المدينة قلده) أي الهدي بأن يعلق في عنقه نعلين ( وأشعره بذي الحليفة) ميقات أهل المدينة لأنه كان من أتبع الناس للمصطفى وفي الصحيحين أنه صلى الله عليه وسلم قلد الهدي وأشعره بذي الحليفة ( يقلده قبل أن يشعره وذلك في مكان واحد وهو) أي الهدي ( موجه للقبلة) في حالتي التقليد والإشعار ( يقلده بنعلين) من النعال التي تلبس في الإحرام ( ويشعره) من الإشعار بكسر الهمزة وهو لغة الإعلام وشرعًا شق سنام الهدي ( من الشق) بكسر الشين أي الجانب ( الأيسر) وإليه ذهب مالك وإلى الإشعار في الجانب الأيمن ذهب الشافعي وصاحبا أبي حنيفة وعن أحمد روايتان ( ثم يساق معه حتى يوقف به مع الناس بعرفة ثم يدفع به معهم إذا دفعوا فإذا قدم منى غداة النحر نحره قبل أن يحلق أو يقصر) لقوله تعالى { { ولا تحلقوا رؤوسكم حتى يبلغ الهدي محله } } ( وكان هو ينحر هديه بيده) لأنه أفضل ( يصفهن) بالفاء ( قيامًا) لقوله تعالى { { فاذكروا اسم الله عليها صواف } } ( ويوجههن إلى القبلة) اتباعًا لفعله صلى الله عليه وسلم فإنه كان يستقبل بذبيحته القبلة فيستحب استقبالها بالأعمال التي يراد بها الله تعالى تبركًا واتباعًا للسنة قاله أبو عمر ( ثم يأكل ويطعم) لقوله تعالى { { فكلوا منها وأطعموا } } وللبيهقي من طريق ابن وهب عن مالك وعبيد الله بن عمر عن نافع أن ابن عمر كان يشعر بدنه من الشق الأيسر إلا أن تكون ضعافًا فإذا لم يستطع أن يدخل بينها أشعر من الشق الأيمن وبهذا بان أنه كان يشعر من الأيمن تارة ومن الأيسر أخرى بحسب ما تهيأ له ولم أر في حديثه ما يدل على ما تقدم ذلك على إحرامه وفي الاستذكار عن مالك لا يشعر الهدي إلا عند الإهلال يقلده ثم يشعره ثم يصلي ثم يحرم قاله الحافظ ( مالك عن نافع أن عبد الله بن عمر كان إذا طعن) أي ضرب ( في سنام) بفتح السين المهملة ( هديه وهو يشعره قال بسم الله والله أكبر) امتثالاً لقوله تعالى { { ولتكبروا الله على ما هداكم } } ( مالك عن نافع أن عبد الله بن عمر كان يقول الهدي ما قلد وأشعر ووقف به بعرفة) فغيره ليس بهدي إن اشتراه بمكة أو منى ولم يخرج به إلى الحل وعليه بدله فإن ساقه من الحل استحب وقوفه بعرفة به هذا قول مالك وأصحابه كما في الاستذكار وفي هذا كله أن الإشعار سنة وفائدته الإعلام بأنها صارت هديًا ليتبعها من يحتاج إلى ذلك وحتى لو اختلطت بغيرها تميزت أو ضلت عرفت أو عطبت عرفها المساكين بالعلامة فأكلوها مع ما في ذلك من تعظيم شعار الشرع وحث الغير عليه وبذلك قال الجمهور من السلف والخلف وكرهه أبو حنيفة لأنه مثلة وقد نهي عنها وعن تعذيب الحيوان وكان مشروعًا قبل النهي عن ذلك وتعقب بأن النسخ لا يصار إليه بالاحتمال بل وقع الإشعار في حجة الوداع وذلك بعد النهي عن المثلة بزمان قال الخطابي وغيره الاعتلال بأنه من المثلة مردود بل هو من باب آخر كالكي وشق أذن الحيوان ليصير علامة وغير ذلك من الوسم وكالختان والحجامة وشفقة الإنسان على ماله عادة فلا يتوهم سريان الجرح حتى يفضي إلى الهلاك وقد كثر تشنيع المتقدمين على أبي حنيفة في إطلاق كراهة الإشعار حتى قال ابن حزم هذه طامة من طوام العالم أن يكون مثلة شيء فعله رسول الله صلى الله عليه وسلم أف لكل عاقل يتعقب حكمه قال وهذه قولة لأبي حنيفة لا يعلم له فيها متقدم من السلف ولا موافق من فقهاء عصره إلا من قلده ولذا قال الخطابي لا أعلم أحدًا كرهه إلا أبا حنيفة وخالفه صاحباه وقالا بقول الجماعة وتعقب بأن النخعي وافقه قال الترمذي سمعت أبا السائب يقول كنا عند وكيع فقال له رجل روي عن إبراهيم النخعي أن الإشعار مثلة فقال وكيع أقول لك أشعر رسول الله وتقول قال إبراهيم ما أحقك بأن تحبس وقد انتصر الطحاوي فقال لم يكره أبو حنيفة أصل الإشعار وإنما كره ما يفعل على وجه يخاف منه هلاك البدن لسراية الجرح لا سيما مع الطعن بالشفرة فأراد سد الباب عن العامة لأنهم لا يراعون الحد في ذلك وأما من كان عارفًا بالسنة في ذلك فلا وقد ثبت عن عائشة وابن عباس التخيير في الإشعار وتركه فدل على أنه ليس بنسك لكنه غير مكروه لثبوت فعله عن النبي صلى الله عليه وسلم ( مالك عن نافع أن عبد الله بن عمر كان يجلل بدنه) أي يكسوها الجلال بكسر الجيم وخفة اللام جمع جل بضم الجيم ما يجعل على ظهر البعير ( القباطي) بالقاف جمع القبطي بالضم ثوب رقيق من كتان يعمل بمصر نسبة إلى القبط بالكسر على غير قياس فرق بين الإنسان والثوب ( والأنماط) جمع نمط بفتحتين ثوب من صوف ذو لون من ألوان ولا يكاد يقال للأبيض نمط ( والحلل) جمع حلة بضم الحاء لا يكون إلا ثوبين من جنس واحد ( ثم يبعث بها إلى الكعبة فيكسوها إياها) قال أبو عمر لأن كسوتها من القرب وكرائم الصدقات وكانت تكسى من زمن تبع الحميري ويقال إنه أول من كساها فكان ابن عمر يجمل بها بدنه لأن ما كان لله فتعظيمه وتجميله من تعظيم شعائر الله ثم يكسوها الكعبة فيحصل على فضيلتين وعملين من البر ( مالك أنه سأل عبد الله بن دينار ما كان عبد الله بن عمر يصنع بجلال) بجيم مكسورة ولام خفيفة ( بدنه حين كسيت الكعبة هذه الكسوة قال كان يتصدق بها) قال المهلب ليس التصدق بجلال البدن فرضًا وإنما صنع ذلك ابن عمر لأنه أراد أن لا يرجع في شيء أهداه لله ولا في شيء أضيف إليه وفي الصحيحين عن علي أمرني رسول الله صلى الله عليه وسلم أن أتصدق بجلال البدن التي نحرت وبجلودها وفيه استحباب التجليل والتصدق بذلك الجل ولفظ أمر لا يقتضي الوجوب لأن ذلك في صيغة أفعل لا لفظ أمر ( مالك عن نافع أن عبد الله بن عمر كان يقول في الضحايا والبدن) أي الهدايا ( الثني فما فوقه) لا ما دونه ( مالك عن نافع أن عبد الله بن عمر كان لا يشق جلال بدنه ولا يجللها حتى يغدو من منى إلى عرفة) رواه البيهقي من طريق يحيى بن بكير عن مالك وقال زاد فيه غيره عن مالك إلا موضع السنام وإذا نحرها نزع جلالها مخافة أن يفسدها الدم ثم يتصدق بها أي لئلا تسقط وليظهر الإشعار لئلا يستتر تحتها ونقل عياض أن التجليل يكون بعد الإشعار لئلا يتلطخ بالدم وإن شق الجلال من الأسنمة إن قلت قيمتها فإن كانت نفيسة لم تشق وروى ابن المنذر من طريق أسامة بن زيد عن نافع أن ابن عمر كان يجلل بدنه الإنماط والبرود والحبر حتى يخرج من المدينة ثم ينزعها فيطويها حتى يكون يوم عرفة فيلبسها إياها حتى ينحرها ثم يتصدق بها قال نافع وربما دفعها إلى بني شيبة قال الحافظ وفي هذا كله استحباب التقليد والتجليل والإشعار وذلك يقتضي أن إظهار التقرب بالهدي أفضل من إخفائه والمقرر إخفاء العمل الصالح غير الفرض أفضل من إظهاره فإما أن يقال أن أفعال الحج مبنية على الظهور كالإحرام والطواف والوقوف فكان الإشعار والتقليد كذلك فيخص ذلك من عموم الإخفاء وإما أن يقال لا يلزم من التقليد والإشعار وغيرهما إظهار العمل الصالح لأن الذي يهديها يمكنه أن يبعثها مع من يقلدها ويشعرها ولا يقول أنها لفلان فتحصل سنة التقليد مع كتمان العمل وأبعد من استدل بذلك على أن العمل إذا شرع فيه صار فرضًا وإنما يقال إن التقليد جعل علمًا لكونها هديًا حتى لا يطمع صاحبها في الرجوع فيها انتهى ولعل الجواب بالتخصيص أولى ( مالك عن هشام بن عروة عن أبيه أنه كان يقول لبنيه يا بني لا يهدين أحدكم لله من البدن شيئًا يستحي أن يهديه لكريمه فإن الله أكرم الكرماء وأحق من اختير له) وقد قال الله تعالى { { ومن يعظم شعائر الله فإنها من تقوى القلوب } } قال جماعة من المفسرين المراد بالشعائر الهدي والأنعام المشعرة ومعنى تعظيمها التسمين والاهتبال بأمرها والمغالاة بها قاله ابن عباس ومجاهد وغيرهما وقال آخرون الشعائر جمع شعيرة وهو كل شيء لله تعالى فيه أمر أشعر به وأعلم وعلى هذا فالهدي داخل في ذلك فالآية متناولة له إما على انفراده وإما مع غيره.