فهرس الكتاب

شرح الزرقاني - بَابُ مَا جَاءَ فِي السَّاعَةِ الَّتِي فِي يَوْمِ الْجُمُعَةِ

رقم الحديث 241 حَدَّثَنِي يَحْيَى، عَنْ مَالِكٍ عَنْ أَبِي الزِّنَادِ عَنِ الْأَعْرَجِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ذَكَرَ يَوْمَ الْجُمُعَةِ، فَقَالَ: فِيهِ سَاعَةٌ لَا يُوَافِقُهَا عَبْدٌ مُسْلِمٌ، وَهُوَ قَائِمٌ يُصَلِّي، يَسْأَلُ اللَّهَ شَيْئًا، إِلَّا أَعْطَاهُ إِيَّاهُ، وَأَشَارَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِيَدِهِ، يُقَلِّلُهَا.


( مَالِكٍ عَنْ أَبِي الزِّنَادِ) عبد الله بن ذكوان ( عَنِ الْأَعْرَجِ) عبد الرحمن بن هرمز ( عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ذَكَرَ يَوْمَ الْجُمُعَةِ فَقَالَ فِيهِ سَاعَةٌ) أبهمها هنا كليلة القدر والاسم الأعظم والرجل الصالح حتى تتوفر الدواعي على مراقبة ذلك اليوم، وقد ورد: إن لربكم في أيام دهركم نفحات ألا فتعرّضوا لها ويوم الجمعة من جملة تلك الأيام، فينبغي أن يكون العبد في جميع نهاره متعرضًا لها بإحضار القلب وملازمة الذكر والدعاء والنزوع عن وساوس الدنيا فعساه أن يحظى بشيء من تلك النفحات ( لَا يُوَافِقُهَا) أي لا يصادفها وهو أعم من أن يقصد لها أو يتفق وقوع الدعاء فيها ( عَبْدٌ مُسْلِمٌ وَهُوَ قَائِمٌ) جملة اسمية حالية ( يُصَلِّي) جملة فعلية حالية ( يَسْأَلُ اللَّهَ شَيْئًا) مما يليق أن يدعو به المسلم.

وللبخاري في الطلاق عن ابن سيرين ومسلم عن محمد بن زياد كلاهما عن أبي هريرة: يسأل الله خيرًا والجمل صفات للمسلم أعربت أحوالاً، ويحتمل أن يكون يصلي حالاً منه لاتصافه بقائم ويسأل حال مرادفة أو متداخلة.

( إِلَّا أَعْطَاهُ إِيَّاهُ) ولأحمد من حديث سعد بن عبادة ما لم يسأل إثمًا أو قطيعة رحم وهو نحو خيرًا، والقطيعة من الإثم فهو من عطف الخاص على العام للاهتمام به.
وأفاد ابن عبد البر أن قوله قائم يصلي سقط من رواية أبي مصعب وابن أبي أويس ومطرف والتنيسي وقتيبة فقالوا: وهو يسأل الله فيها شيئًا إلا أعطاه، وبعضهم يقول أعطاه إياه وأثبتها الباقون قال وهي زيادة محفوظة عن أبي الزناد من رواية مالك وورقاء وغيرهما عنه، وكذا رواه ابن سيرين عن أبي هريرة.

قال الحافظ: وحكى أبو محمد بن السيد عن محمد بن وضاح أنه كان يأمر بحذفها من الحديث، وكان سبب ذلك أنه يشكل على أصح الأحاديث الواردة في تعيين هذه الساعة وهما حديثان.
أحدهما: أنها من جلوس الخطيب على المنبر إلى انصرافه من الصلاة، والثاني: أنها من بعد العصر إلى غروب الشمس، وقد احتج أبو هريرة على ابن سلام لما ذكر له القول الثاني بأنه ليست ساعة صلاة.
وقد ورد النص بالصلاة فأجابه بالنص الآخر أن منتظر الصلاة في حكم المصلي فلو كان قوله قائم يصلي عند أبي هريرة ثابتًا لاحتج به، لكن سلم له الجواب وارتضاه وأفتى به بعده.

وأما الإشكال على الحديث الأوّل فمن جهة أنه يتناول حال الخطبة كله وليست صلاة على الحقيقة، وقد أجيب عن الإشكال بحمل الصلاة على الدعاء والانتظار وبحمل القيام على الملازمة أو المواظبة، ويؤيد ذلك أنّ حال القيام في الصلاة غير حال السجود والركوع والتشهد مع أن السجود مظنة إجابة الدعاء، فلو كان المراد بالقيام حقيقته لأخرجه فدل على أن المراد مجاز القيام وهو المواظبة، ومنه قوله تعالى: { { إِلاَّ مَا دُمْتَ عَلَيْهِ قَائِمًا } } فعلى هذا يكون التعبير عن المصلي بالقائم من باب التعبير عن الكل بالجزء والنكتة فيه أنه أشهر أحوال الصلاة اهـ.
ولا يظهر قوله فعلى هذا لأنّ الحديث جمع بينهما فقال: وهو قائم يصلي.

( وَأَشَارَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِيَدِهِ يُقَلِّلُهَا) ترغيبًا فيها وحضًا عليها ليسارة وقتها وغزارة فضلها قاله الزين بن المنير.

وللبخاري من طريق سلمة بن علقمة عن ابن سيرين عن أبي هريرة: وضع أنملته على بطن الوسطى والخنصر قلنا يزهدها، وبيّن أبو مسلم الكجي أن الذي وضع هو بشر بن المفضل راويه عن سلمة بن علقمة، وكأنه فسر الإشارة بذلك وأنها ساعة لطيفة تنتقل ما بين وسط النهار إلى قرب آخره، وبهذا يحصل الجمع بينه وبين قوله يزهدها أي يقللها.

ولمسلم في رواية محمد بن زياد عن أبي هريرة وهي ساعة خفيفة.
وللطبراني في الأوسط في حديث أنس وهي قدر هذا يعني قبضة.

وفي الحديث فضل يوم الجمعة لاختصاصه بساعة الإجابة وأنها أفضل ساعاته.
قال الباجي: والفضائل لا تدرك بقياس وإنما فيها التسليم وفيه فضل الدعاء والإكثار منه.
قال الزين بن المنير: وإذا علم أن فائدة إبهام هذه الساعة وليلة القدر بعث الدواعي على الإكثار من الصلاة والدعاء ولو بين لاتكل الناس على ذلك وتركوا ما عداها فالعجب بعد ذلك ممن يجتهد في طلب تحديدها اهـ.

فإن قيل: ظاهر الحديث حصول الإجابة لكل داع بشرطه مع أن الزمان يختلف باختلاف البلاد والمصلي، فيتقدم بعض على بعض وساعة الإجابة متعلقة بالوقت، فكيف تتفق مع الاختلاف؟ أجيب: باحتمال أن ساعة الإجابة متعلقة بفعل كل مصل كما قيل نظيره في ساعة الكراهة، ولعل هذا فائدة جعل الوقت الممتد مظنة لها وإن كانت هي خفيفة، ويحتمل أن يكون عبر عن الوقت بالفعل فيكون التقدير وقت جواز الخطبة أو الصلاة ونحو ذلك.

واستدل بالحديث على بقاء الإجمال بعد النبي صلى الله عليه وسلم، وتعقب بأن الخلاف في بقاء الإجمال في الأحكام الشرعية لا في الأمور الوجودية كوقت الساعة فهذا لا خلاف في إجماله والحكم الشرعي المتعلق بساعة الجمعة وليلة القدر وهو تحصيل الأفضلية يمكن الوصول إليه والعمل بمقتضاه باستيعاب اليوم والليلة فلم يبق في الحكم الشرعي إجمال.

وهذا الحديث رواه البخاري عن القعنبي، ومسلم عن يحيى، وقتيبة بن سعيد الثلاثة عن مالك به، ثم ذكر الإمام حديثًا فيه بيان الساعة المبهمة في الأوّل وذلك من حسن التصنيف فقال.

( مَالِكٍ عَنْ يَزِيدَ) بتحتية أوّله ( بْنِ عَبْدِ اللَّهِ) بن أسامة ( بْنِ الْهَادِ) فنسب أبوه إلى جدّه الليثي أبي عبد الله المدني روى عن عمير مولى آبي اللحم وثعلبة بن أبي مالك وخلق وعنه مالك والثوري وآخرون، وثقه النسائي وابن معين وابن سعد، وروى له الستة، مات بالمدينة سنة تسع وثلاثين ومائة.
قال ابن عبد البر: لا أعلم أحدًا ساق هذا الحديث أحسن سياقة من يزيد بن الهاد ولا أتم معنى فيه منه إلا أنه قال فيه: فلقيت بصرة بن أبي بصرة ولم يتابعه أحد عليه، وإنما المعروف فلقيت أبا بصرة.

( عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ إِبْرَاهِيمَ بْنِ الْحَارِثِ التَّيْمِيِّ) من تيم قريش ( عَنْ أَبِي سَلَمَةَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ) القرشي الزهري المدني ( عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّهُ قَالَ: خَرَجْتُ إِلَى الطُّورِ) قال الباجي: هو لغة كل جبل إلا أنه في الشرع جبل بعينه وهو الذي كلم فيه موسى وهو الذي عنى أبو هريرة ( فَلَقِيتُ كَعْبَ الْأَحْبَارِ) جمع حبر بكسر الحاء وفتحها ويضاف إليه كالأوّل إما لكثرة كتابته بالحبر أو معناه ملجأ العلماء، وقول المجد كعب الحبر ولا تقل الأحبار فيه نظر فقد أثبته غير واحد، ويكفي قول مثل أبي هريرة كعب الأحبار وهو كعب بن ماتع بفوقية الحميري أدرك الزمن النبوي وأسلم في خلافة عمر على المشهور.

( فَجَلَسْتُ مَعَهُ فَحَدَّثَنِي عَنِ التَّوْرَاةِ وَحَدَّثْتُهُ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَكَانَ فِيمَا حَدَّثْتُهُ أَنْ قُلْتُ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: خَيْرُ يَوْمٍ) قال القرطبي: خير وشر يستعملان للمفاضلة ولغيرها فإذا كانتا للمفاضلة فأصلهما أخير وأشرر على وزن أفعل وهي هنا للمفاضلة غير أنها مضافة لنكرة موصوفة بقوله ( طَلَعَتْ عَلَيْهِ الشَّمْسُ يَوْمُ الْجُمُعَةِ) استدل به على أنه أفضل من يوم عرفة والأصح أن يوم عرفة أفضل وجمع بأنه أفضل أيام السنة ويوم الجمعة أفضل أيام الأسبوع ( فِيهِ خُلِقَ آدَمُ) في آخر ساعة ( وَفِيهِ أُهْبِطَ مِنَ الْجَنَّةِ) .

ولمسلم من رواية أبي الزناد عن الأعرج عن أبي هريرة أنه صلى الله عليه وسلم قال: خير يوم طلعت عليه الشمس يوم الجمعة فيه خلق آدم وفيه أدخل الجنة وفيه أخرج منها ولا تقوم الساعة إلا في يوم الجمعة وله من وجه آخر عن أبي هريرة: وخلق آدم في آخر ساعة من يوم الجمعة.

قال الحافظ ابن كثير: فإن كان يوم خلقه يوم إخراجه وقلنا الأيام الستة كهذه الأيام فقد أقام في الجنة بعض يوم من أيام الدنيا وفيه نظر، وإن كان إخراجه في غير اليوم الذي خلق فيه وقلنا أن كل يوم بألف سنة كما قال ابن عباس ومجاهد والضحاك، واختاره ابن جرير فقد لبث هناك مدّة طويلة اهـ.

( وَفِيهِ تِيبَ عَلَيْهِ) بالبناء للمفعول والفاعل معلوم ( وَفِيهِ مَاتَ) وله ألف سنة كما في حديث أبي هريرة وابن عباس مرفوعًا وقيل إلا سبعين، وقيل إلا ستين، وقيل إلا أربعين.
قيل بمكة ودفن بغار أبي قبيس، وقيل عند مسجد الخيف، وقيل بالهند، وصححه ابن كثير وقيل بالقدس رأسه عند الصخرة ورجلاه عند مسجد الخليل.

( وَفِيهِ) ينقضي أجل الدنيا و ( تَقُومُ السَّاعَةُ) أي القيامة.
وفيه يحاسب الله الخلق ويدخل أهل الجنة الجنة وأهل النار النار، وقول القاضي عياض: الظاهر أن هذه القضايا المعدودة ليست لذكر فضيلته، لأن الإخراج من الجنة وقيام الساعة لا يعدّ فضيلة وإنما هو بيان لما وقع فيه من الأمور العظام وما سيقع ليتأهب العبد فيه بالأعمال الصالحة لنيل رحمة الله تعالى ودفع نقمته مردود بقول ابن العربي في الأحوذي الجميع من الفضائل، وخروج آدم من الجنة سبب لوجود الذرية وهذا النسل العظيم ووجود المرسلين والأنبياء والأولياء والصالحين، ولم يخرج منها طردًا بل لقضاء أوطاره ثم يعود إليها، وأما قيام الساعة فسبب لتعجيل جزاء النبيين والصدّيقين والأولياء وغيرهم وإظهار كرامتهم وشرفهم.

( وَمَا مِنْ دَابَّةٍ إِلَّا وَهِيَ مُصِيخَةٌ) بالصاد المهملة والخاء المعجمة أي مستمعة مصغية، وروي بسين بدل الصاد وهما بمعنى قال ابن الأثير: والأصل الصاد ( يَوْمَ الْجُمُعَةِ مِنْ حِينِ تُصْبِحُ حَتَّى تَطْلُعَ الشَّمْسُ شَفَقًا) خوفًا ( مِنَ السَّاعَةِ) كأنها أعلمت أنها تقوم يوم الجمعة فتخاف من قيامها كل جمعة، وفيه: أنها إذا طلعت عرفت الدواب أنه ليس ذلك اليوم ففيه أن قيامها بين الصبح وطلوع الشمس وليس فيه علم متى تقوم لأن يوم الجمعة متكرّر مع أيام الدنيا، وقد قال تعالى: { { إِنَّمَا عِلْمُهَا عِنْدَ رَبِّي } } وقال: { { لاَ تَأْتِيكُمْ إِلاَّ بَغْتَةً } } وقال صلى الله عليه وسلم لجبريل: ما المسؤول عنها بأعلم من السائل ( إِلَّا الْجِنَّ وَالْإِنْسَ) قال الباجي: استثناء من الجنس لأن اسم الدابة يقع على كل ما دب ودرج.
قيل: وجه عدم إشفاقهم أنهم علموا أن بين يدي الساعة شروطًا ينتظرونها وليس بالبين لأنا نجد منهم من لا يصيخ ولا علم له بالشروط، وقد كان الناس قبل أن يعلموا بالشروط لا يصيخون.

قال ابن عبد البر: وفيه أن الجن والإنس لا يعلمون من أمر الساعة ما يعرفه غيرهم من الدواب وهذا أمر يقصر عنه الفهم.

وقال الطيبي: وجه إصاخة كل دابة وهي لا تعقل أن الله يلهمها ذلك ولا عجب عند قدرة الله سبحانه وحكمة الإخفاء عن الثقلين أنهم لو كوشفوا بذلك اختلفت قاعدة الابتلاء والتكليف وحق القول عليهم، ووجه آخر أنه تعالى يظهر يوم الجمعة من عظائم الأمور وجلائل الشئون ما تكاد الأرض تميد بها فتبقى كل دابة ذاهلة دهشة كأنها مصيخة للرعب الذي داخلها شفقًا لقيام الساعة.

( وَفِيهِ سَاعَةٌ لَا يُصَادِفُهَا) يوافقها ( عَبْدٌ مُسْلِمٌ) قصدها أو اتفق له وقوع الدعاء فيها ( وَهُوَ يُصَلِّي يَسْأَلُ اللَّهَ شَيْئًا) يليق بالمسلم سؤاله وفي رواية خيرًا ( إِلَّا أَعْطَاهُ إِيَّاهُ) ولابن ماجه من حديث أبي أمامة: ما لم يسأل حرامًا.

( قَالَ كَعْبٌ: ذَلِكَ فِي كُلِّ سَنَةٍ يَوْمٌ: فَقُلْتُ: بَلْ فِي كُلِّ جُمُعَةٍ) للنص النبوي ( فَقَرَأَ كَعْبٌ التَّوْرَاةَ فَقَالَ: صَدَقَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ) .
قال أبو عمر: فيه أن العالم يخطئ وربما قال على أكثر ظنه فيخطئه ظنه، وأن العالم إذا ردّ عليه طلب التثبت فيه.

( قَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ: فَلَقِيتُ بَصْرَةَ بْنَ أَبِي بَصْرَةَ الْغِفَارِيَّ) بفتح الموحدة وسكون الصاد المهملة صحابي ابن صحابي والمحفوظ أن الحديث لوالده أبي بصرة حبل بضم الحاء المهملة مصغر ابن بصرة، ولذا قال ابن عبد البر: الصواب فلقيت أبا بصرة.
قال: والغلط من يزيد لا من مالك.
قال المزي في التهذيب: له هذا الحديث الواحد، وذكره ابن سعد فيمن نزل مصر من الصحابة، وقال: هو وأبوه وابنه صحبوا النبي صلى الله عليه وسلم ورووا عنه وتوفي بمصر ودفن بالمقطم، وقال ابن الربيع: شهد فتح مصر واختط بها دارًا ولهم عنه عشرة أحاديث، وفي الإصابة في الحاء المهملة حميل بالتصغير ابن بصرة بن أبي بصرة الغفاري.
قال علي بن المديني: سألت شيخًا من غفار هل يعرف فيكم جميل بن بصرة قلته بفتح الجيم.
قال: صحفت يا شيخ إنما هو حميل بالتصغير والمهملة هو جدّ هذا الغلام وأشار إلى غلام معه.
وقال مصعب الزبيري: حميل وبصرة وجده أبو بصرة صحابة.
قال ابن السكن: شهد جدّه أبو بصرة خيبر مع النبي صلى الله عليه وسلم وحميل يكنى أبا بصرة أيضًا.

( فَقَالَ: مِنْ أَيْنَ أَقْبَلْتَ؟ فَقُلْتُ: مِنَ الطُّورِ.
فَقَالَ: لَوْ أَدْرَكْتُكَ قَبْلَ أَنْ تَخْرُجَ إِلَيْهِ مَا خَرَجْتَ سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: لَا تُعْمَلُ الْمَطِيُّ)
أي لا تسير ويسافر عليها.
وفي الصحيحين من وجه آخر عن أبي هريرة وأبي سعيد: لا تشدّ الرحال ( إِلَّا إِلَى ثَلَاثَةِ مَسَاجِدَ) استثناء مفرغ أي إلى موضع للصلاة فيه إلا لهذه الثلاثة وليس المراد أنه لا يسافر أصلاً إلا لها.
قال ابن عبد البر: وإن كان أبو بصرة رآه عامًا فلم يره أبو هريرة إلا في الواجب من النذر، وأما في التبرر كالمواضع التي يتبرك بشهودها والمباح فكزيارة الأخ في الله وليس بداخل في النهي، ويجوز أن خروج أبي هريرة إلى الطور لحاجة عنت له.
وقال السبكي: ليس في الأرض بقعة لها فضل لذاتها حتى يسافر إليها لذلك الفضل غير هذه الثلاثة وأما غيرها فلا يسافر إليها لذاتها، بل لمعنى فيها من علم أو جهاد أو نحو ذلك فلم تقع المسافرة إلى المكان بل إلى من في ذلك المكان.

( إِلَى الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ) بدل بإعادة الجار لأن الحج إليه قال تعالى: { { وَللَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ } } ( وَإِلَى مَسْجِدِي هَذَا) لأنه أسس على التقوى ( وَإِلَى مَسْجِدِ إِيلِيَاءَ) بكسر الهمزة وإسكان التحتية ولام مكسورة فتحتية فألف ممدود، وحكي قصره وشدّ الياء بيت المقدس معرّب ( أَوْ) قال إلى ( بَيْتِ الْمَقْدِسِ) بدل مسجد إيلياء ( يَشُكُّ) الراوي في اللفظ الذي قاله وإن كان المعنى واحدًا وفي رواية الصحيحين: والمسجد الأقصى.
قال البيضاوي: لما كان ما عدا الثلاثة من المساجد متساوية الأقدار في الشرف والفضل وكان التنقل والارتحال لأجلها عبثًا ضائعًا نهي عنه لأنه ينبغي للإنسان أن لا يشتغل إلا بما فيه صلاح دنيوي أو فلاح أخروي.
قال: والمقتضى لشرف الثلاثة أنها أبنية الأنبياء ومتعبداتهم.
قال الطيبي: وأخرج النهي مخرج الإخبار لأنه أبلغ أي لا ينبغي ولا يستقيم ذلك.

( قَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ: ثُمَّ لَقِيتُ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ سَلَامٍ) بالتخفيف الإسرائيلي أبا يوسف حليف بني الخزرج قيل: كان اسمه الحصين فسماه النبي صلى الله عليه وسلم عبد الله، مشهور له أحاديث وفضل، مات بالمدينة سنة ثلاث وأربعين ( فَحَدَّثْتُهُ بِمَجْلِسِي مَعَ كَعْبِ الْأَحْبَارِ وَمَا حَدَّثْتُهُ) أنا ( بِهِ) وفي نسخة وما حدثنيه ( فِي يَوْمِ الْجُمُعَةِ فَقُلْتُ: قَالَ كَعْبٌ: ذَلِكَ فِي كُلِّ سَنَةٍ يَوْمٌ.
قَالَ: قَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ سَلَامٍ: كَذَبَ كَعْبٌ)
أي غلط، ومنه قول عبادة في الموطأ كذب أبو محمد، وفيه أن من سمع الخطأ وجب عليه إنكاره وردّه على كل من سمعه إذا كان عنده في ردّه أصل صحيح قاله ابن عبد البر.

( فَقُلْتُ: ثُمَّ قَرَأَ كَعْبٌ التَّوْرَاةَ فَقَالَ: بَلْ هِيَ فِي كُلِّ جُمُعَةٍ، فَقَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ سَلَامٍ: صَدَقَ كَعْبٌ) لأنه الواقع.
قال أبو عمر: فيه دليل على ما كانوا عليه من إنكار ما يجب إنكاره والرجوع إلى الحق ( ثُمَّ قَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ سَلَامٍ: قَدْ عَلِمْتُ أَيَّةَ سَاعَةٍ هِيَ) فيه دليل على أن للعالم أن يقول قد علمت كذا إذا لم يكن على سبيل الفخر والسمعة وما الفخر بالعلم إلا تحدث بنعمة الله تعالى قاله ابن عبد البر.

( قَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ: فَقُلْتَ لَهُ: أَخْبِرْنِي بِهَا وَلَا تَضَنَّ عَلَيَّ) أي لا تبخل بفتح الضاد وكسرها كما في القاموس وغيره ( فَقَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ سَلَامٍ: هِيَ آخِرُ سَاعَةٍ فِي يَوْمِ الْجُمُعَةِ) وروى ابن ماجه من طريق أبي النضر عن أبي سلمة عن عبد الله بن سلام قال: قلت ورسول الله صلى الله عليه وسلم جالس: إنا لنجد في كتاب الله أن في الجمعة ساعة.
فقال صلى الله عليه وسلم: أو بعض ساعة قلت: نعم أو بعض ساعة الحديث، وفيه: قلت أي ساعة؟ فذكره.

قال الحافظ: وهذا يحتمل أن قائل قلت عبد الله بن سلام فيكون مرفوعًا ويحتمل أنه أبو سلمة فيكون موقوفًا، وهو الأرجح لتصريحه في رواية يحيى بن أبي كثير عن أبي سلمة بأن ابن سلام لم يذكر النبي صلى الله عليه وسلم في الجواب.
أخرجه ابن أبي خيثمة.
نعم رواه ابن جرير من طريق العلاء بن عبد الرحمن عن أبيه عن أبي هريرة مرفوعًا: أنها آخر ساعة بعد العصر يوم الجمعة ولم يذكر القصة ولا ابن سلام، ورواه أبو داود والنسائي والحاكم بإسناد حسن عن جابر مرفوعًا: وفي أوّله إن النهار ثنتا عشرة ساعة.

( قَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ: فَقُلْتُ وَكَيْفَ تَكُونُ آخِرَ سَاعَةٍ فِي يَوْمِ الْجُمُعَةِ، وَقَدْ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: لَا يُصَادِفُهَا عَبْدٌ مُسْلِمٌ وَهُوَ يُصَلِّي وَتِلْكَ السَّاعَةُ سَاعَةٌ لَا يُصَلَّى فِيهَا؟) للنهي عن ذلك ( فَقَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ سَلَامٍ: أَلَمْ يَقُلْ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: مَنْ جَلَسَ مَجْلِسًا يَنْتَظِرُ الصَّلَاةَ فَهُوَ فِي صَلَاةٍ) أي في حكمها ( حَتَّى يُصَلِّيَ؟ قَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ فَقُلْتُ: بَلَى) أي بل قال ذلك ( قَالَ: فَهُوَ ذَلِكَ) أي مثله.
قال السيوطي: هذا مجاز بعيد ويوهم أن انتظار الصلاة شرط في الإجابة ولأنه لا يقال في منتظر الصلاة قائم يصلي وإن صدق أنه في صلاة لأن لفظ قائم يشعر بملابسة الفعل اهـ.

لكن بعد ثبوت الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم لا يليق التشغيب عليه بمثل هذا، لا سيما وقد تناظر فيه الصحابيان فتعذر حمل يصلي على الحقيقة، وقد أطبق البلغاء على المجاز أبلغ منها، ولا يوهم حمله عليه أن الانتظار شرط في الإجابة لأنه لم يعلق على ذلك وقائم وإن أشعر بملابسة الفعل لكنه يطلق على من عزم على التلبس بالفعل، ولا ريب أن الداعي في آخر ساعة عازم على صلاة المغرب.
وقد ذهب جمع إلى ترجيح قول ابن سلام هذا فحكى الترمذي عن أحمد أنه قال: أكثر الأحاديث عليه، وقال ابن عبد البر: إنه أثبت شيء في هذا الباب.

وروى سعيد بن منصور بإسناد صحيح إلى أبي سلمة بن عبد الرحمن أن ناسًا من الصحابة اجتمعوا فتذاكروا ساعة الجمعة ثم افترقوا فلم يختلفوا أنها آخر ساعة من يوم الجمعة، ورجحه كثير من الأئمة أيضًا كأحمد وإسحاق بن راهويه والطرطوشي من أئمة المالكية، وحكى العلائي أن شيخه الزملكاني شيخ الشافعية في وقته كان يختاره ويحكيه عن نص الشافعي.

وذهب آخرون إلى ترجيح حديث أبي موسى الذي رواه مسلم وأبو داود من طريق مخرمة بن بكير عن أبيه عن أبي بردة بن أبي موسى عن أبيه: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: هي ما بين أن يجلس الإمام إلى أن تنقضي الصلاة.
وروى البيهقي أن مسلمًا قال: حديث أبي موسى أجود شيء في هذا الباب وأصحه، وبذلك قال البيهقي وابن العربي وجماعة.

وقال القرطبي: هو نص في موضع الخلاف فلا يلتفت إلى غيره.
وقال النووي: هو الصحيح بل الصواب، وجزم في الروضة بأنه الصواب ورجح أيضًا بكونه مرفوعًا نصًا، وفي أحد الصحيحين.
وأجاب الأوّلون بأن حديث مالك هذا صحيح على شرط الشيخين رواه أحمد وأبو داود والنسائي والترمذي وقال: صحيح، وصححه ابن خزيمة وابن حبان والحاكم وقال على شرطهما، وسلمه الذهبي وورد تعيين الساعة بأنها آخر ساعة مرفوعًا نصًا كما مرّ.

قال الحافظ: والترجيح بما في الصحيحين أو أحدهما إنما هو حيث لا يكون مما انتقده الحفاظ كحديث أبي موسى هذا فإنه أعل بالانقطاع والاضطراب، أما الانقطاع، فلأن مخرمة بن بكير لم يسمع من أبيه قاله أحمد عن حماد بن خالد عن مخرمة نفسه، وكذا قال سعيد بن أبي مريم عن موسى بن سلمة عن مخرمة وزاد: إنما هي كتب كانت عندنا، وقال علي بن المديني: لم أسمع أحدًا من أهل المدينة يقول عن مخرمة أنه قال في شيء من حديثه سمعت أبي ولا يقال مسلم يكتفي في المعنعن بإمكان اللقاء مع المعاصرة وهو كذلك لأنا نقول وجود التصريح عن مخرمة بأنه لم يسمع من أبيه كاف في دعوى الانقطاع.

وأما الاضطراب: فقد رواه أبو إسحاق وواصل الأحدب ومعاوية بن قرة وغيرهم عن أبي بردة من قوله وهؤلاء من أهل الكوفة وأبو بردة كوفي فهم أعلم بحديثه من بكير المدني وهم عدد وهو واحد، وأيضًا فلو كان عند أبي بردة مرفوعًا لم يفت فيه برأيه بخلاف المرفوع، ولهذا جزم الدارقطني بأن الموقوف هو الصواب، وسلك صاحب الهدي مسلكًا آخر فاختار أن ساعة الإجابة منحصرة في أحد الوقتين المذكورين، وأن أحدهما لا يعارض الآخر لاحتمال أن يكون صلى الله عليه وسلم دل على أحدهما في وقت وعلى الآخر في وقت آخر، وهذا كقول ابن عبد البر الذي ينبغي الاجتهاد في الدعاء في الوقتين المذكورين، وسبق إلى نحو ذلك الإمام أحمد وهو أولى في طريق الجمع ذكره في فتح الباري بعد أن بسط الكلام على الأقوال فنذكره وإن طال لفوائده لأنه كمؤلف مستقل.

قال رحمه الله تعالى: اختلف أهل العلم من الصحابة والتابعين ومن بعدهم في هذه الساعة هل هي باقية أو رفعت؟ وعلى البقاء هل هي في كل جمعة أو جمعة واحدة من كل سنة، وهل هي في وقت من اليوم معين أو مبهم؟ وعلى التعيين هل تستوعب الوقت أو تبهم فيه؟ وعلى الإبهام ما ابتداؤه وما انتهاؤه؟ وعلى كل ذلك هل تستمر أو تنتقل؟ وعلى الانتقال هل تستغرق اليوم أو بعضه؟ وها أنا أذكر تلخيص ما اتصل إليّ من الأقوال مع أدلتها ثم أعود إلى الجمع بينها أو الترجيح.

فالأول: أنها رفعت.
حكاه ابن عبد البر عن قوم وزيفه، وقال عياض: ردّه السلف على قائله، وروى عبد الرزاق عن ابن جريج أخبرني داود بن أبي عاصم عن عبد الله بن بخنس مولى أبي معاوية قال: قلت لأبي هريرة: إنهم زعموا أن الساعة التي يستجاب فيها الدعاء رفعت.
فقال: كذب من قال ذلك.
قلت: فهي في كل جمعة؟ قال: نعم إسناده قوي، وفي الهدي إن أراد قائله أنها كانت معلومة فرفع علمها عن الأمّة فصارت مبهمة احتمل، وإن أراد أن حقيقتها رفعت فهو مردود على قائله.
الثاني: أنها موجودة لكن في جمعة واحدة من كل سنة قاله كعب الأحبار لأبي هريرة فردّه عليه فرجع إليه.
رواه الموطأ وأصحاب السنن.

الثالث: أنها مخفية في جميع اليوم كما أخفيت ليلة القدر في العشر، روى ابن خزيمة والحاكم عن أبي سلمة: سألت أبا سعيد عن ساعة الجمعة؟ فقال: سألت النبي صلى الله عليه وسلم عنها فقال: أعلمتها ثم أنسيتها كما أنسيت ليلة القدر وروى عبد الرزاق عن معمر أنه سأل الزهري فقال: لم أسمع فيها بشيء إلا أن كعبًا كان يقول: لو أن إنسانًا قسم جمعة في جمع لآتى على تلك الساعة.

قال ابن المنذر: معناه أنه يبدأ فيدعو في جمعة من الجمع من أوّل النهار إلى وقت معلوم، ثم في جمعة أخرى يبتدئ من ذلك الوقت إلى وقت آخر حتى يأتي على النهار.
قال: وكعب هذا هو كعب الأحبار.
قال: وروينا عن ابن عمر أنه قال: إن طلب حاجة في يوم ليسير.
قال: ومعناه أنه ينبغي المداومة على الدعاء في يوم الجمعة كله ليمرّ بالوقت الذي يستجاب فيه الدعاء اهـ.

والذي قاله ابن عمر يصلح لمن يقوى على ذلك وإلا فالذي قاله كعب سهل على كل أحد، وقضية ذلك أنهما كانا يريان أنها غير معينة وهو قضية كلام جمع كالرافعي وصاحب المغني وغيرهما حيث قالوا: ويستحب أن يكثر من الدعاء يوم الجمعة رجاء أن يصادف ساعة الإجابة، ومن حجة هذا القول تشبيهها بليلة القدر والاسم الأعظم وحكمة ذلك بعث العباد على الاجتهاد في الطلب واستيعاب الوقت بالعبادة بخلاف ما لو تحقق الأمر في شيء من ذلك لاقتضى الاقتصار عليه وإهمال ما عداه.

الرابع: أنها تنتقل في يوم الجمعة ولا تلزم ساعة معينة لا ظاهرة ولا مخفية.
قال الغزالي: هذا أشبه الأقوال وذكره الأثرم احتمالاً وجزم به ابن عساكر وغيره.
وقال المحب الطبري: إنه الأظهر وهذا لا ينافي ما قاله كعب في الجزم بتحصيلها.

الخامس: إذا أذن المؤذن لصلاة الغداة.
ذكره شيخنا الحافظ أبو الفضل في شرح الترمذي، وشيخنا ابن الملقن في شرح البخاري ونسباه لتخريج ابن أبي شيبة عن عائشة، وقد رواه الروياني عنها فأطلق الصلاة ولم يقيدها، ورواه ابن المنذر فقيد بصلاة الجمعة.

السادس: من طلوع الفجر إلى طلوع الشمس.
رواه ابن عساكر من طريق أبي جعفر الرازي عن ليث بن أبي سليم عن مجاهد عن أبي هريرة قوله.
وحكاه المحب الطبري وابن الصباغ وعياض والقرطبي وغيرهم وعبارة بعضهم بين طلوع الفجر وطلوع الشمس.

السابع: مثله وزاد: ومن العصر إلى الغروب.
رواه سعيد بن منصور عن خلف بن خليفة عن ليث بن أبي سليم عن مجاهد عن أبي هريرة، وليث ضعيف وقد اختلف عليه فيه كما ترى.

الثامن: مثله وزاد: وما بين أن ينزل الإمام من المنبر إلى أن يكبر.
رواه حميد بن زنجويه عن أبي هريرة قال: التمسوا الساعة التي يجاب فيها الدعاء يوم الجمعة في هذه الأوقات الثلاث، فذكره.

التاسع: أنها أوّل ساعة بعد طلوع الشمس.
حكاه الجيلي والمحب الطبري.

العاشر: عند طلوع الشمس.
حكاه الغزالي وعبّر عنه الزين بن المنير بقوله: هي ما بين أن ترتفع الشمس شبرًا إلى ذراع، وعزاه لأبي ذر.

الحادي عشر: في آخر الساعة الثالثة من النهار.
حكاه صاحب المغني وهو في مسند أحمد من طريق علي بن أبي طلحة عن أبي هريرة مرفوعًا: يوم الجمعة فيه طبعت طينة آدم وفي آخر ثلاث ساعات منه من دعا الله فيها استجيب له، وفي إسناده فرج بن فضالة وهو ضعيف وعلي لم يسمع من أبي هريرة.
قال المحب الطبري: قوله في آخر ساعات يحتمل أن المراد الساعة الأخيرة من الثلاث الأول، وأن المراد أن في آخر كل ساعة من الثلاث ساعة إجابة فيكون فيه تجوّز لإطلاق الساعة على بعضها.

الثاني عشر: من الزوال إلى أن يصير الظل نصف ذراع.
حكاه المحب الطبري والمنذري.

الثالث عشر: مثله، لكن قال إلى أن يصير الظل ذراعًا.
حكاه عياض والقرطبي والنووي.

الرابع عشر: بعد زوال الشمس بيسير إلى ذراع.
رواه ابن المنذر وابن عبد البر بإسناد قوي عن أبي ذرّ ولعله مأخذ القولين بعده.

الخامس عشر: إذا زالت الشمس.
حكاه ابن المنذر عن أبي العالية وورد نحوه عن علي، ولعبد الرزاق عن الحسن أنه كان يتحرّاها عند زوال الشمس، ولابن عساكر عن قتادة كانوا يرون الساعة المستجاب فيها الدعاء إذا زالت الشمس، وكأنّ مأخذهم في ذلك أنها وقت اجتماع الملائكة وابتداء دخول وقت الجمعة وابتداء الأذان ونحو ذلك.

السادس عشر: إذا أذن المؤذن لصلاة الجمعة.
رواه ابن المنذر عن عائشة قالت: يوم الجمعة مثل يوم عرفة تفتح فيه أبواب السماء وفيه ساعة لا يسأل الله فيها العبد شيئًا إلا أعطاه.
قيل: أية ساعة؟ قالت: إذا أذن المؤذن لصلاة الجمعة وهذا يغاير ما قبله من حيث أن الأذان قد يتأخر عن الزوال.
قال الزين بن المنير: ويتعين حمله على الأذان بين يدي الخطيب.

السابع عشر: من الزوال إلى أن يدخل الرجل في الصلاة.
ذكره ابن المنذر، وحكاه ابن الصباغ بلفظ: إلى أن يدخل الإمام.

الثامن عشر: من الزوال إلى أن يخرج الإمام.
حكاه القاضي أبو الطيب الطبري.

التاسع عشر: من الزوال إلى غروب الشمس.
حكاه أبو العباس أحمد بن علي عن الحسن.

العشرون: ما بين خروج الإمام إلى أن تقام الصلاة.
رواه ابن المنذر عن الحسن.

الحادي والعشرون: عند خروج الإمام.
رواه حميد بن زنجويه عن الحسن.

الثاني والعشرون: ما بين خروج الإمام إلى أن تنقضي الصلاة.
رواه ابن جرير عن الشعبي وأبي بردة بن أبي موسى من قولهما وأن ابن عمر صوّب ذلك.

الثالث والعشرون: ما بين أن يحرم البيع إلى أن يحل.
رواه ابن المنذر وغيره عن الشعبي قوله أيضًا قال الزين بن المنير: وجهه أنه أخص أحكام الجمعة لأن العقد باطل عند الأكثر، فلو اتفق ذلك في غير هذه الساعة بحيث ضاق الوقت فتشاغل اثنان بعقد البيع فخرج وفاتت تلك الصلاة لأثما ولم يبطل البيع.

الرابع والعشرون: ما بين الأذان إلى انقضاء الصلاة.
رواه ابن زنجويه عن ابن عباس.

الخامس والعشرون: ما بين أن يجلس الإمام على المنبر إلى أن تنقضي الصلاة.
رواه مسلم وأبو داود عن أبي موسى مرفوعًا وهذا القول يمكن أن يتحد مع اللذين قبله.

السادس والعشرون: عند التأذين وعند تذكير الإمام وعند الإقامة.
رواه ابن زنجويه عن عوف بن مالك الصحابي قوله.

السابع والعشرون: مثله.
لكن قال: إذا أذن وإذا رقي المنبر وإذا أقيمت الصلاة.
رواه ابن أبي شيبة وابن المنذر عن أبي أمامة الصحابي قوله قال الزين بن المنير: ما ورد عند الأذان من إجابة الدعاء فيتأكد يوم الجمعة وكذلك عند الإقامة، وأما زمان جلوس الإمام على المنبر فلأنه وقت استماع الذكر والابتداء في المقصود من الجمعة.

الثامن والعشرون: من حين يفتتح الإمام الخطبة حتى يفرغ منها.
رواه ابن عبد البر عن ابن عمر مرفوعًا وإسناده ضعيف.

التاسع والعشرون: إذا بلغ الخطيب المنبر وأخذ في الخطبة.
حكاه الغزالي.

الثلاثون: عند الجلوس بين الخطبتين.
حكاه الطيبي.

الحادي والثلاثون: عند نزول الإمام من المنبر.
رواه ابن أبي شيبة وابن زنجويه وابن جرير وابن المنذر بإسناد صحيح عن أبي بردة قوله: وحكاه الغزالي بلفظ: إذا قام الناس إلى الصلاة.

الثاني والثلاثون: حين تقام الصلاة حتى يقوم الإمام في مقامه.
حكاه ابن المنذر عن الحسن وروى الطبري عن ميمونة بنت سعد نحوه مرفوعًا بإسناد ضعيف.

الثالث والثلاثون: حين تقام الصلاة إلى الانصراف منها.
رواه الترمذي وابن ماجه عن كثير بن عبد الله بن عمرو بن عوف عن أبيه عن جده مرفوعًا وكثير ضعيف، ورواه البيهقي بلفظ: ما بين أن ينزل الإمام من المنبر إلى أن تنقضي الصلاة.
ورواه ابن أبي شيبة بإسناد قوي عن أبي بردة قوله: وإن ابن عمر استحسن ذلك منه وبارك عليه ومسح على رأسه.

الرابع والثلاثون: هي الساعة التي كان صلى الله عليه وسلم يصلي فيها الجمعة.
رواه ابن عساكر بسند صحيح عن ابن سيرين وهذا يغاير ما قبله من جهة إطلاق ذاك، وتقييد هذا وكأنه أخذه من جهة أن صلاة الجمعة أفضل صلوات ذلك اليوم وأن الوقت الذي كان صلى الله عليه وسلم يصلي فيه أفضل الأوقات، وأن جميع ما تقدّم من الأذان والخطبة وغيرهما وسائل وصلاة الجمعة هي المقصودة بالذات، ويؤيده ورود الأمر في القرآن بتكثير الذكر حال الصلاة في قوله: { { إِذَا نُودِيَ لِلصَّلاَةِ مِن يَوْمِ الْجُمُعَةِ } } إلى قوله: { { وَاذْكُرُوا اللَّهَ كَثِيرًا لَّعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ } } وليس المراد إيقاع الذكر بعد الانتشار وإن عطف عليه وإنما المراد تكثير الذكر المشار إليه في أوّل الآية.

الخامس والثلاثون: من صلاة العصر إلى غروب الشمس.
رواه ابن جرير عن ابن عباس موقوفًا، وعن أبي سعيد مرفوعًا بلفظ: فالتمسوها بعد العصر.
وزاد ابن منده: أغفل ما يكون الناس، وذكر ابن عبد البر أنّ قوله: فالتمسوها مدرج من قول أبي سلمة راويه عن أبي سعيد، ورواه الترمذي عن أنس مرفوعًا بلفظ: بعد العصر إلى غيبوبة الشمس وإسناده ضعيف.

السادس والثلاثون: في صلاة العصر.
رواه عبد الرزاق عن يحيى بن إسحاق بن أبي طلحة مرسلاً مرفوعًا.

السابع والثلاثون: بعد العصر إلى آخر وقت الاختيار.
حكاه الغزالي.

الثامن والثلاثون: بعد العصر مطلقًا.
رواه ابن عساكر عن أبي هريرة وأبي سعيد مرفوعًا بلفظ: وهي بعد العصر، وذكر عبد الرزاق عن ابن عباس مثله فقيل له لا صلاة بعد العصر.
قال: بلى لكن من كان في مصلاه لم يقم منه فهو في صلاة.

التاسع والثلاثون: من وسط النهار إلى قرب آخر النهار.

الأربعون: من حين تصفر الشمس إلى أن تغيب.
رواه عبد الرزاق عن طاوس قوله وهو قريب مما بعده.

الحادي والأربعون: آخر ساعة بعد العصر.
رواه أبو داود والحاكم بإسناد حسن عن جابر مرفوعًا وهو في الموطأ وغيره عن ابن سلام.

الثاني والأربعون: من حيث يغيب نصف قرص الشمس أو من حين تدلي الشمس للغروب إلى أن يتكامل غروبها.
رواه الطبراني في الأوسط والدارقطني في العلل والبيهقي عن فاطمة عن أبيها صلى الله عليه وسلم، وفي إسناده اختلاف وفي رواته من لا يعرف.

فهذا جميع ما اتصل إلي من الأقوال مع ذكر أدلتها وبيان حالها في الصحة أو الضعف والرفع والوقف والإشارة إلى مأخذ بعضها وليست كلها متغايرة من كل جهة بل كثير منها يمكن أن يتحد مع غيره.

وقال صاحبنا العلامة الحافظ شمس الدين الجزري في كتابه الحصن الحصين وأذن لي في روايته عنه ما نصه: والذي أعتقده أنها وقت قراءة الإمام الفاتحة في صلاة الجمعة إلى أن يقول آمين جمعًا بين الأحاديث التي صحت كذا قال، ويخدش فيه أن يفوت على الداعي حينئذ الإنصات لقراءة الإمام، ولا شك أن أرجح الأقوال حديث أبي موسى وحديث عبد الله بن سلام، واختلف في أيهما أرجح كما تقدّم، ولا يعارضهما حديث أبي سعيد أنه صلى الله عليه وسلم أنسيها بعد أن علمها لاحتمال أنهما سمعا ذلك منه قبل أن ينسى أشار له البيهقي وغيره وما عداهما إما موافق لهما أو لأحدهما أو ضعيف الإسناد أو موقوف استند قائله إلى اجتهاد دون توقيف.

قال الزين بن المنير: وذكر مما مر عشرة أقوال تبعًا لابن بطال بحسن جمعها فتكون ساعة الإجابة واحدًا منها لا بعينها فيصادفها من اجتهد في الدعاء في جميعها، وليس المراد من أكثرها أنه يستوعب جميع الوقت الذي عين، بل المراد أنها تكون في أثنائه لقوله فيما مضى يقللها.
وقوله: وهي ساعة خفيفة، وفائدة ذكر الوقت أنها تنتقل فيه فيكون ابتداء مظنتها ابتداء الخطبة مثلاً وانتهاؤه انتهاء الصلاة، وكأن كثيرًا من القائلين عين ما اتفق له وقوعه فيه من ساعة في أثناء وقت من الأوقات المذكورة فهذا التقريب يقل الانتشار جدًا اهـ.
ببعض اختصار ولم يظهر لي عده القول الثاني أنها جمعة في كل سنة مع أنه ليس بقول إنما كان خطأ من كعب ثم رجع إلى الصواب.

وقال السيوطي: الذي أختاره أنا من هذه الأقوال أنها عند إقامة الصلاة، وغالب الأحاديث المرفوعة تشهد له.
أما حديث ميمونة فصريح فيه، وكذا حديث عمرو بن عوف، ولا ينافيه حديث أبي موسى أنها ما بين أن يجلس الإمام إلى أن تنقضي الصلاة لأنه صادق بالإقامة بل منحصر فيها لأن وقت الخطبة ليس وقت صلاة ولا دعاء ووقت الصلاة غالبه ليس وقت دعاء، ولا يظن إرادة استغراق الوقت قطعًا لأنها خفيفة بالنصوص والإجماع ووقت الخطبة والصلاة متسع، وغالب الأقوال المذكورة بعد الزوال وعند الأذان يحمل على هذا فيرجع إليه ولا تتنافى.

وقد أخرج الطبراني عن عوف بن مالك الصحابي قال: إني لأرجو أن تكون ساعة الإجابة في إحدى الساعات الثلاث إذا أذن المؤذن ومادام الإمام على المنبر وعند الإقامة، وأقوى شاهد له قوله وهو قائم يصلي فأحمل وهو قائم على القيام للصلاة عند الإقامة ويصلي على الحال المقدّرة، وتكون هذه الجملة الحالية شرطًا في الإجابة وأنها مختصة بمن شهد الجمعة ليخرج من تخلف عنها هذا ما ظهر لي اهـ.
وفيه نظر لا يخفى فإنه بعد أن استبعد حمل ابن سلام وموافقة أبي هريرة له قوله وهو قائم يصلي على المجاز اضطر إليه فيما اختاره هو ثم جره ذلك إلى دعوى التخصيص بدون مخصص ولا دليل، وعجب منه مع مزيد حفظه ونباهته يعدل عن النص النبوي في حديثين صحيحين ويختار قولاً ضعيفًا، ويحتج له بحديث ميمونة بنت سعد وعمرو بن عوف مع أن كلاً منهما إسناده ضعيف كما مرّ عن الحافظ.

وأما إيماؤه إلى تقوية ذلك بقول عمرو بن عوف إني لأرجو إلخ.
فليس بشيء إذ هو اجتهاد منه كما أشعر به لفظه، وهو مما يقوي ضعف حديثه المرفوع أنها عند إقامة الصلاة إذ لو سمع ذلك من النبي صلى الله عليه وسلم لجزم به وما تردّد في أنها إحدى الساعات الثلاث، والله أعلم.



رقم الحديث 242 وَحَدَّثَنِي عَنْ مَالِكٍ، عَنْ يَزِيدَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْهَادِ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ إِبْرَاهِيمَ بْنِ الْحَارِثِ التَّيْمِيِّ، عَنْ أَبِي سَلَمَةَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، أَنَّهُ قَالَ: خَرَجْتُ إِلَى الطُّورِ فَلَقِيتُ كَعْبَ الْأَحْبَارِ فَجَلَسْتُ مَعَهُ، فَحَدَّثَنِي عَنِ التَّوْرَاةِ، وَحَدَّثْتُهُ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَكَانَ فِيمَا حَدَّثْتُهُ، أَنْ قُلْتُ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: خَيْرُ يَوْمٍ طَلَعَتْ عَلَيْهِ الشَّمْسُ، يَوْمُ الْجُمُعَةِ، فِيهِ خُلِقَ آدَمُ، وَفِيهِ أُهْبِطَ مِنَ الْجَنَّةِ، وَفِيهِ تِيبَ عَلَيْهِ، وَفِيهِ مَاتَ.
وَفِيهِ تَقُومُ السَّاعَةُ.
وَمَا مِنْ دَابَّةٍ إِلَّا وَهِيَ مُصِيخَةٌ يَوْمَ الْجُمُعَةِ، مِنْ حِينِ تُصْبِحُ حَتَّى تَطْلُعَ الشَّمْسُ شَفَقًا مِنَ السَّاعَةِ.
إِلَّا الْجِنَّ وَالْإِنْسَ.
وَفِيهِ سَاعَةٌ لَا يُصَادِفُهَا عَبْدٌ مُسْلِمٌ وَهُوَ يُصَلِّي، يَسْأَلُ اللَّهَ شَيْئًا، إِلَّا أَعْطَاهُ إِيَّاهُ
قَالَ كَعْبٌ ذَلِكَ فِي كُلِّ سَنَةٍ يَوْمٌ فَقُلْتُ بَلْ فِي كُلِّ جُمُعَةٍ فَقَرَأَ كَعْبٌ التَّوْرَاةَ فَقَالَ صَدَقَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ فَلَقِيتُ بَصْرَةَ بْنَ أَبِي بَصْرَةَ الْغِفَارِيَّ فَقَالَ: مِنْ أَيْنَ أَقْبَلْتَ؟ فَقُلْتُ: مِنَ الطُّورِ فَقَالَ: لَوْ أَدْرَكْتُكَ قَبْلَ أَنْ تَخْرُجَ إِلَيْهِ، مَا خَرَجْتَ، سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: لَا تُعْمَلُ الْمَطِيُّ إِلَّا إِلَى ثَلَاثَةِ مَسَاجِدَ: إِلَى الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ، وَإِلَى مَسْجِدِي هَذَا، وَإِلَى مَسْجِدِ إِيلِيَاءَ أَوْ بَيْتِ الْمَقْدِسِ يَشُكُّ، قَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ: ثُمَّ لَقِيتُ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ سَلَامٍ، فَحَدَّثْتُهُ بِمَجْلِسِي مَعَ كَعْبِ الْأَحْبَارِ، وَمَا حَدَّثْتُهُ بِهِ فِي يَوْمِ الْجُمُعَةِ، فَقُلْتُ: قَالَ كَعْبٌ ذَلِكَ فِي كُلِّ سَنَةٍ يَوْمٌ، قَالَ: قَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ سَلَامٍ: كَذَبَ كَعْبٌ.
فَقُلْتُ: ثُمَّ قَرَأَ كَعْبٌ التَّوْرَاةَ، فَقَالَ: بَلْ هِيَ فِي كُلِّ جُمُعَةٍ.
فَقَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ سَلَامٍ: صَدَقَ كَعْبٌ، ثُمَّ قَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ سَلَامٍ قَدْ عَلِمْتُ أَيَّةَ سَاعَةٍ هِيَ.
قَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ: فَقُلْتَ لَهُ أَخْبِرْنِي بِهَا وَلَا تَضَنَّ عَلَيَّ، فَقَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ سَلَامٍ: هِيَ آخِرُ سَاعَةٍ فِي يَوْمِ الْجُمُعَةِ، قَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ: فَقُلْتُ وَكَيْفَ تَكُونُ آخِرَ سَاعَةٍ فِي يَوْمِ الْجُمُعَةِ؟ وَقَدْ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: لَا يُصَادِفُهَا عَبْدٌ مُسْلِمٌ وَهُوَ يُصَلِّي وَتِلْكَ السَّاعَةُ سَاعَةٌ لَا يُصَلَّى فِيهَا فَقَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ سَلَامٍ أَلَمْ يَقُلْ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: مَنْ جَلَسَ مَجْلِسًا يَنْتَظِرُ الصَّلَاةَ فَهُوَ فِي صَلَاةٍ حَتَّى يُصَلِّيَ؟ قَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ فَقُلْتُ: بَلَى، قَالَ: فَهُوَ ذَلِكَ.


( مَالِكٍ عَنْ أَبِي الزِّنَادِ) عبد الله بن ذكوان ( عَنِ الْأَعْرَجِ) عبد الرحمن بن هرمز ( عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ذَكَرَ يَوْمَ الْجُمُعَةِ فَقَالَ فِيهِ سَاعَةٌ) أبهمها هنا كليلة القدر والاسم الأعظم والرجل الصالح حتى تتوفر الدواعي على مراقبة ذلك اليوم، وقد ورد: إن لربكم في أيام دهركم نفحات ألا فتعرّضوا لها ويوم الجمعة من جملة تلك الأيام، فينبغي أن يكون العبد في جميع نهاره متعرضًا لها بإحضار القلب وملازمة الذكر والدعاء والنزوع عن وساوس الدنيا فعساه أن يحظى بشيء من تلك النفحات ( لَا يُوَافِقُهَا) أي لا يصادفها وهو أعم من أن يقصد لها أو يتفق وقوع الدعاء فيها ( عَبْدٌ مُسْلِمٌ وَهُوَ قَائِمٌ) جملة اسمية حالية ( يُصَلِّي) جملة فعلية حالية ( يَسْأَلُ اللَّهَ شَيْئًا) مما يليق أن يدعو به المسلم.

وللبخاري في الطلاق عن ابن سيرين ومسلم عن محمد بن زياد كلاهما عن أبي هريرة: يسأل الله خيرًا والجمل صفات للمسلم أعربت أحوالاً، ويحتمل أن يكون يصلي حالاً منه لاتصافه بقائم ويسأل حال مرادفة أو متداخلة.

( إِلَّا أَعْطَاهُ إِيَّاهُ) ولأحمد من حديث سعد بن عبادة ما لم يسأل إثمًا أو قطيعة رحم وهو نحو خيرًا، والقطيعة من الإثم فهو من عطف الخاص على العام للاهتمام به.
وأفاد ابن عبد البر أن قوله قائم يصلي سقط من رواية أبي مصعب وابن أبي أويس ومطرف والتنيسي وقتيبة فقالوا: وهو يسأل الله فيها شيئًا إلا أعطاه، وبعضهم يقول أعطاه إياه وأثبتها الباقون قال وهي زيادة محفوظة عن أبي الزناد من رواية مالك وورقاء وغيرهما عنه، وكذا رواه ابن سيرين عن أبي هريرة.

قال الحافظ: وحكى أبو محمد بن السيد عن محمد بن وضاح أنه كان يأمر بحذفها من الحديث، وكان سبب ذلك أنه يشكل على أصح الأحاديث الواردة في تعيين هذه الساعة وهما حديثان.
أحدهما: أنها من جلوس الخطيب على المنبر إلى انصرافه من الصلاة، والثاني: أنها من بعد العصر إلى غروب الشمس، وقد احتج أبو هريرة على ابن سلام لما ذكر له القول الثاني بأنه ليست ساعة صلاة.
وقد ورد النص بالصلاة فأجابه بالنص الآخر أن منتظر الصلاة في حكم المصلي فلو كان قوله قائم يصلي عند أبي هريرة ثابتًا لاحتج به، لكن سلم له الجواب وارتضاه وأفتى به بعده.

وأما الإشكال على الحديث الأوّل فمن جهة أنه يتناول حال الخطبة كله وليست صلاة على الحقيقة، وقد أجيب عن الإشكال بحمل الصلاة على الدعاء والانتظار وبحمل القيام على الملازمة أو المواظبة، ويؤيد ذلك أنّ حال القيام في الصلاة غير حال السجود والركوع والتشهد مع أن السجود مظنة إجابة الدعاء، فلو كان المراد بالقيام حقيقته لأخرجه فدل على أن المراد مجاز القيام وهو المواظبة، ومنه قوله تعالى: { { إِلاَّ مَا دُمْتَ عَلَيْهِ قَائِمًا } } فعلى هذا يكون التعبير عن المصلي بالقائم من باب التعبير عن الكل بالجزء والنكتة فيه أنه أشهر أحوال الصلاة اهـ.
ولا يظهر قوله فعلى هذا لأنّ الحديث جمع بينهما فقال: وهو قائم يصلي.

( وَأَشَارَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِيَدِهِ يُقَلِّلُهَا) ترغيبًا فيها وحضًا عليها ليسارة وقتها وغزارة فضلها قاله الزين بن المنير.

وللبخاري من طريق سلمة بن علقمة عن ابن سيرين عن أبي هريرة: وضع أنملته على بطن الوسطى والخنصر قلنا يزهدها، وبيّن أبو مسلم الكجي أن الذي وضع هو بشر بن المفضل راويه عن سلمة بن علقمة، وكأنه فسر الإشارة بذلك وأنها ساعة لطيفة تنتقل ما بين وسط النهار إلى قرب آخره، وبهذا يحصل الجمع بينه وبين قوله يزهدها أي يقللها.

ولمسلم في رواية محمد بن زياد عن أبي هريرة وهي ساعة خفيفة.
وللطبراني في الأوسط في حديث أنس وهي قدر هذا يعني قبضة.

وفي الحديث فضل يوم الجمعة لاختصاصه بساعة الإجابة وأنها أفضل ساعاته.
قال الباجي: والفضائل لا تدرك بقياس وإنما فيها التسليم وفيه فضل الدعاء والإكثار منه.
قال الزين بن المنير: وإذا علم أن فائدة إبهام هذه الساعة وليلة القدر بعث الدواعي على الإكثار من الصلاة والدعاء ولو بين لاتكل الناس على ذلك وتركوا ما عداها فالعجب بعد ذلك ممن يجتهد في طلب تحديدها اهـ.

فإن قيل: ظاهر الحديث حصول الإجابة لكل داع بشرطه مع أن الزمان يختلف باختلاف البلاد والمصلي، فيتقدم بعض على بعض وساعة الإجابة متعلقة بالوقت، فكيف تتفق مع الاختلاف؟ أجيب: باحتمال أن ساعة الإجابة متعلقة بفعل كل مصل كما قيل نظيره في ساعة الكراهة، ولعل هذا فائدة جعل الوقت الممتد مظنة لها وإن كانت هي خفيفة، ويحتمل أن يكون عبر عن الوقت بالفعل فيكون التقدير وقت جواز الخطبة أو الصلاة ونحو ذلك.

واستدل بالحديث على بقاء الإجمال بعد النبي صلى الله عليه وسلم، وتعقب بأن الخلاف في بقاء الإجمال في الأحكام الشرعية لا في الأمور الوجودية كوقت الساعة فهذا لا خلاف في إجماله والحكم الشرعي المتعلق بساعة الجمعة وليلة القدر وهو تحصيل الأفضلية يمكن الوصول إليه والعمل بمقتضاه باستيعاب اليوم والليلة فلم يبق في الحكم الشرعي إجمال.

وهذا الحديث رواه البخاري عن القعنبي، ومسلم عن يحيى، وقتيبة بن سعيد الثلاثة عن مالك به، ثم ذكر الإمام حديثًا فيه بيان الساعة المبهمة في الأوّل وذلك من حسن التصنيف فقال.

( مَالِكٍ عَنْ يَزِيدَ) بتحتية أوّله ( بْنِ عَبْدِ اللَّهِ) بن أسامة ( بْنِ الْهَادِ) فنسب أبوه إلى جدّه الليثي أبي عبد الله المدني روى عن عمير مولى آبي اللحم وثعلبة بن أبي مالك وخلق وعنه مالك والثوري وآخرون، وثقه النسائي وابن معين وابن سعد، وروى له الستة، مات بالمدينة سنة تسع وثلاثين ومائة.
قال ابن عبد البر: لا أعلم أحدًا ساق هذا الحديث أحسن سياقة من يزيد بن الهاد ولا أتم معنى فيه منه إلا أنه قال فيه: فلقيت بصرة بن أبي بصرة ولم يتابعه أحد عليه، وإنما المعروف فلقيت أبا بصرة.

( عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ إِبْرَاهِيمَ بْنِ الْحَارِثِ التَّيْمِيِّ) من تيم قريش ( عَنْ أَبِي سَلَمَةَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ) القرشي الزهري المدني ( عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّهُ قَالَ: خَرَجْتُ إِلَى الطُّورِ) قال الباجي: هو لغة كل جبل إلا أنه في الشرع جبل بعينه وهو الذي كلم فيه موسى وهو الذي عنى أبو هريرة ( فَلَقِيتُ كَعْبَ الْأَحْبَارِ) جمع حبر بكسر الحاء وفتحها ويضاف إليه كالأوّل إما لكثرة كتابته بالحبر أو معناه ملجأ العلماء، وقول المجد كعب الحبر ولا تقل الأحبار فيه نظر فقد أثبته غير واحد، ويكفي قول مثل أبي هريرة كعب الأحبار وهو كعب بن ماتع بفوقية الحميري أدرك الزمن النبوي وأسلم في خلافة عمر على المشهور.

( فَجَلَسْتُ مَعَهُ فَحَدَّثَنِي عَنِ التَّوْرَاةِ وَحَدَّثْتُهُ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَكَانَ فِيمَا حَدَّثْتُهُ أَنْ قُلْتُ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: خَيْرُ يَوْمٍ) قال القرطبي: خير وشر يستعملان للمفاضلة ولغيرها فإذا كانتا للمفاضلة فأصلهما أخير وأشرر على وزن أفعل وهي هنا للمفاضلة غير أنها مضافة لنكرة موصوفة بقوله ( طَلَعَتْ عَلَيْهِ الشَّمْسُ يَوْمُ الْجُمُعَةِ) استدل به على أنه أفضل من يوم عرفة والأصح أن يوم عرفة أفضل وجمع بأنه أفضل أيام السنة ويوم الجمعة أفضل أيام الأسبوع ( فِيهِ خُلِقَ آدَمُ) في آخر ساعة ( وَفِيهِ أُهْبِطَ مِنَ الْجَنَّةِ) .

ولمسلم من رواية أبي الزناد عن الأعرج عن أبي هريرة أنه صلى الله عليه وسلم قال: خير يوم طلعت عليه الشمس يوم الجمعة فيه خلق آدم وفيه أدخل الجنة وفيه أخرج منها ولا تقوم الساعة إلا في يوم الجمعة وله من وجه آخر عن أبي هريرة: وخلق آدم في آخر ساعة من يوم الجمعة.

قال الحافظ ابن كثير: فإن كان يوم خلقه يوم إخراجه وقلنا الأيام الستة كهذه الأيام فقد أقام في الجنة بعض يوم من أيام الدنيا وفيه نظر، وإن كان إخراجه في غير اليوم الذي خلق فيه وقلنا أن كل يوم بألف سنة كما قال ابن عباس ومجاهد والضحاك، واختاره ابن جرير فقد لبث هناك مدّة طويلة اهـ.

( وَفِيهِ تِيبَ عَلَيْهِ) بالبناء للمفعول والفاعل معلوم ( وَفِيهِ مَاتَ) وله ألف سنة كما في حديث أبي هريرة وابن عباس مرفوعًا وقيل إلا سبعين، وقيل إلا ستين، وقيل إلا أربعين.
قيل بمكة ودفن بغار أبي قبيس، وقيل عند مسجد الخيف، وقيل بالهند، وصححه ابن كثير وقيل بالقدس رأسه عند الصخرة ورجلاه عند مسجد الخليل.

( وَفِيهِ) ينقضي أجل الدنيا و ( تَقُومُ السَّاعَةُ) أي القيامة.
وفيه يحاسب الله الخلق ويدخل أهل الجنة الجنة وأهل النار النار، وقول القاضي عياض: الظاهر أن هذه القضايا المعدودة ليست لذكر فضيلته، لأن الإخراج من الجنة وقيام الساعة لا يعدّ فضيلة وإنما هو بيان لما وقع فيه من الأمور العظام وما سيقع ليتأهب العبد فيه بالأعمال الصالحة لنيل رحمة الله تعالى ودفع نقمته مردود بقول ابن العربي في الأحوذي الجميع من الفضائل، وخروج آدم من الجنة سبب لوجود الذرية وهذا النسل العظيم ووجود المرسلين والأنبياء والأولياء والصالحين، ولم يخرج منها طردًا بل لقضاء أوطاره ثم يعود إليها، وأما قيام الساعة فسبب لتعجيل جزاء النبيين والصدّيقين والأولياء وغيرهم وإظهار كرامتهم وشرفهم.

( وَمَا مِنْ دَابَّةٍ إِلَّا وَهِيَ مُصِيخَةٌ) بالصاد المهملة والخاء المعجمة أي مستمعة مصغية، وروي بسين بدل الصاد وهما بمعنى قال ابن الأثير: والأصل الصاد ( يَوْمَ الْجُمُعَةِ مِنْ حِينِ تُصْبِحُ حَتَّى تَطْلُعَ الشَّمْسُ شَفَقًا) خوفًا ( مِنَ السَّاعَةِ) كأنها أعلمت أنها تقوم يوم الجمعة فتخاف من قيامها كل جمعة، وفيه: أنها إذا طلعت عرفت الدواب أنه ليس ذلك اليوم ففيه أن قيامها بين الصبح وطلوع الشمس وليس فيه علم متى تقوم لأن يوم الجمعة متكرّر مع أيام الدنيا، وقد قال تعالى: { { إِنَّمَا عِلْمُهَا عِنْدَ رَبِّي } } وقال: { { لاَ تَأْتِيكُمْ إِلاَّ بَغْتَةً } } وقال صلى الله عليه وسلم لجبريل: ما المسؤول عنها بأعلم من السائل ( إِلَّا الْجِنَّ وَالْإِنْسَ) قال الباجي: استثناء من الجنس لأن اسم الدابة يقع على كل ما دب ودرج.
قيل: وجه عدم إشفاقهم أنهم علموا أن بين يدي الساعة شروطًا ينتظرونها وليس بالبين لأنا نجد منهم من لا يصيخ ولا علم له بالشروط، وقد كان الناس قبل أن يعلموا بالشروط لا يصيخون.

قال ابن عبد البر: وفيه أن الجن والإنس لا يعلمون من أمر الساعة ما يعرفه غيرهم من الدواب وهذا أمر يقصر عنه الفهم.

وقال الطيبي: وجه إصاخة كل دابة وهي لا تعقل أن الله يلهمها ذلك ولا عجب عند قدرة الله سبحانه وحكمة الإخفاء عن الثقلين أنهم لو كوشفوا بذلك اختلفت قاعدة الابتلاء والتكليف وحق القول عليهم، ووجه آخر أنه تعالى يظهر يوم الجمعة من عظائم الأمور وجلائل الشئون ما تكاد الأرض تميد بها فتبقى كل دابة ذاهلة دهشة كأنها مصيخة للرعب الذي داخلها شفقًا لقيام الساعة.

( وَفِيهِ سَاعَةٌ لَا يُصَادِفُهَا) يوافقها ( عَبْدٌ مُسْلِمٌ) قصدها أو اتفق له وقوع الدعاء فيها ( وَهُوَ يُصَلِّي يَسْأَلُ اللَّهَ شَيْئًا) يليق بالمسلم سؤاله وفي رواية خيرًا ( إِلَّا أَعْطَاهُ إِيَّاهُ) ولابن ماجه من حديث أبي أمامة: ما لم يسأل حرامًا.

( قَالَ كَعْبٌ: ذَلِكَ فِي كُلِّ سَنَةٍ يَوْمٌ: فَقُلْتُ: بَلْ فِي كُلِّ جُمُعَةٍ) للنص النبوي ( فَقَرَأَ كَعْبٌ التَّوْرَاةَ فَقَالَ: صَدَقَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ) .
قال أبو عمر: فيه أن العالم يخطئ وربما قال على أكثر ظنه فيخطئه ظنه، وأن العالم إذا ردّ عليه طلب التثبت فيه.

( قَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ: فَلَقِيتُ بَصْرَةَ بْنَ أَبِي بَصْرَةَ الْغِفَارِيَّ) بفتح الموحدة وسكون الصاد المهملة صحابي ابن صحابي والمحفوظ أن الحديث لوالده أبي بصرة حبل بضم الحاء المهملة مصغر ابن بصرة، ولذا قال ابن عبد البر: الصواب فلقيت أبا بصرة.
قال: والغلط من يزيد لا من مالك.
قال المزي في التهذيب: له هذا الحديث الواحد، وذكره ابن سعد فيمن نزل مصر من الصحابة، وقال: هو وأبوه وابنه صحبوا النبي صلى الله عليه وسلم ورووا عنه وتوفي بمصر ودفن بالمقطم، وقال ابن الربيع: شهد فتح مصر واختط بها دارًا ولهم عنه عشرة أحاديث، وفي الإصابة في الحاء المهملة حميل بالتصغير ابن بصرة بن أبي بصرة الغفاري.
قال علي بن المديني: سألت شيخًا من غفار هل يعرف فيكم جميل بن بصرة قلته بفتح الجيم.
قال: صحفت يا شيخ إنما هو حميل بالتصغير والمهملة هو جدّ هذا الغلام وأشار إلى غلام معه.
وقال مصعب الزبيري: حميل وبصرة وجده أبو بصرة صحابة.
قال ابن السكن: شهد جدّه أبو بصرة خيبر مع النبي صلى الله عليه وسلم وحميل يكنى أبا بصرة أيضًا.

( فَقَالَ: مِنْ أَيْنَ أَقْبَلْتَ؟ فَقُلْتُ: مِنَ الطُّورِ.
فَقَالَ: لَوْ أَدْرَكْتُكَ قَبْلَ أَنْ تَخْرُجَ إِلَيْهِ مَا خَرَجْتَ سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: لَا تُعْمَلُ الْمَطِيُّ)
أي لا تسير ويسافر عليها.
وفي الصحيحين من وجه آخر عن أبي هريرة وأبي سعيد: لا تشدّ الرحال ( إِلَّا إِلَى ثَلَاثَةِ مَسَاجِدَ) استثناء مفرغ أي إلى موضع للصلاة فيه إلا لهذه الثلاثة وليس المراد أنه لا يسافر أصلاً إلا لها.
قال ابن عبد البر: وإن كان أبو بصرة رآه عامًا فلم يره أبو هريرة إلا في الواجب من النذر، وأما في التبرر كالمواضع التي يتبرك بشهودها والمباح فكزيارة الأخ في الله وليس بداخل في النهي، ويجوز أن خروج أبي هريرة إلى الطور لحاجة عنت له.
وقال السبكي: ليس في الأرض بقعة لها فضل لذاتها حتى يسافر إليها لذلك الفضل غير هذه الثلاثة وأما غيرها فلا يسافر إليها لذاتها، بل لمعنى فيها من علم أو جهاد أو نحو ذلك فلم تقع المسافرة إلى المكان بل إلى من في ذلك المكان.

( إِلَى الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ) بدل بإعادة الجار لأن الحج إليه قال تعالى: { { وَللَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ } } ( وَإِلَى مَسْجِدِي هَذَا) لأنه أسس على التقوى ( وَإِلَى مَسْجِدِ إِيلِيَاءَ) بكسر الهمزة وإسكان التحتية ولام مكسورة فتحتية فألف ممدود، وحكي قصره وشدّ الياء بيت المقدس معرّب ( أَوْ) قال إلى ( بَيْتِ الْمَقْدِسِ) بدل مسجد إيلياء ( يَشُكُّ) الراوي في اللفظ الذي قاله وإن كان المعنى واحدًا وفي رواية الصحيحين: والمسجد الأقصى.
قال البيضاوي: لما كان ما عدا الثلاثة من المساجد متساوية الأقدار في الشرف والفضل وكان التنقل والارتحال لأجلها عبثًا ضائعًا نهي عنه لأنه ينبغي للإنسان أن لا يشتغل إلا بما فيه صلاح دنيوي أو فلاح أخروي.
قال: والمقتضى لشرف الثلاثة أنها أبنية الأنبياء ومتعبداتهم.
قال الطيبي: وأخرج النهي مخرج الإخبار لأنه أبلغ أي لا ينبغي ولا يستقيم ذلك.

( قَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ: ثُمَّ لَقِيتُ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ سَلَامٍ) بالتخفيف الإسرائيلي أبا يوسف حليف بني الخزرج قيل: كان اسمه الحصين فسماه النبي صلى الله عليه وسلم عبد الله، مشهور له أحاديث وفضل، مات بالمدينة سنة ثلاث وأربعين ( فَحَدَّثْتُهُ بِمَجْلِسِي مَعَ كَعْبِ الْأَحْبَارِ وَمَا حَدَّثْتُهُ) أنا ( بِهِ) وفي نسخة وما حدثنيه ( فِي يَوْمِ الْجُمُعَةِ فَقُلْتُ: قَالَ كَعْبٌ: ذَلِكَ فِي كُلِّ سَنَةٍ يَوْمٌ.
قَالَ: قَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ سَلَامٍ: كَذَبَ كَعْبٌ)
أي غلط، ومنه قول عبادة في الموطأ كذب أبو محمد، وفيه أن من سمع الخطأ وجب عليه إنكاره وردّه على كل من سمعه إذا كان عنده في ردّه أصل صحيح قاله ابن عبد البر.

( فَقُلْتُ: ثُمَّ قَرَأَ كَعْبٌ التَّوْرَاةَ فَقَالَ: بَلْ هِيَ فِي كُلِّ جُمُعَةٍ، فَقَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ سَلَامٍ: صَدَقَ كَعْبٌ) لأنه الواقع.
قال أبو عمر: فيه دليل على ما كانوا عليه من إنكار ما يجب إنكاره والرجوع إلى الحق ( ثُمَّ قَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ سَلَامٍ: قَدْ عَلِمْتُ أَيَّةَ سَاعَةٍ هِيَ) فيه دليل على أن للعالم أن يقول قد علمت كذا إذا لم يكن على سبيل الفخر والسمعة وما الفخر بالعلم إلا تحدث بنعمة الله تعالى قاله ابن عبد البر.

( قَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ: فَقُلْتَ لَهُ: أَخْبِرْنِي بِهَا وَلَا تَضَنَّ عَلَيَّ) أي لا تبخل بفتح الضاد وكسرها كما في القاموس وغيره ( فَقَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ سَلَامٍ: هِيَ آخِرُ سَاعَةٍ فِي يَوْمِ الْجُمُعَةِ) وروى ابن ماجه من طريق أبي النضر عن أبي سلمة عن عبد الله بن سلام قال: قلت ورسول الله صلى الله عليه وسلم جالس: إنا لنجد في كتاب الله أن في الجمعة ساعة.
فقال صلى الله عليه وسلم: أو بعض ساعة قلت: نعم أو بعض ساعة الحديث، وفيه: قلت أي ساعة؟ فذكره.

قال الحافظ: وهذا يحتمل أن قائل قلت عبد الله بن سلام فيكون مرفوعًا ويحتمل أنه أبو سلمة فيكون موقوفًا، وهو الأرجح لتصريحه في رواية يحيى بن أبي كثير عن أبي سلمة بأن ابن سلام لم يذكر النبي صلى الله عليه وسلم في الجواب.
أخرجه ابن أبي خيثمة.
نعم رواه ابن جرير من طريق العلاء بن عبد الرحمن عن أبيه عن أبي هريرة مرفوعًا: أنها آخر ساعة بعد العصر يوم الجمعة ولم يذكر القصة ولا ابن سلام، ورواه أبو داود والنسائي والحاكم بإسناد حسن عن جابر مرفوعًا: وفي أوّله إن النهار ثنتا عشرة ساعة.

( قَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ: فَقُلْتُ وَكَيْفَ تَكُونُ آخِرَ سَاعَةٍ فِي يَوْمِ الْجُمُعَةِ، وَقَدْ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: لَا يُصَادِفُهَا عَبْدٌ مُسْلِمٌ وَهُوَ يُصَلِّي وَتِلْكَ السَّاعَةُ سَاعَةٌ لَا يُصَلَّى فِيهَا؟) للنهي عن ذلك ( فَقَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ سَلَامٍ: أَلَمْ يَقُلْ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: مَنْ جَلَسَ مَجْلِسًا يَنْتَظِرُ الصَّلَاةَ فَهُوَ فِي صَلَاةٍ) أي في حكمها ( حَتَّى يُصَلِّيَ؟ قَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ فَقُلْتُ: بَلَى) أي بل قال ذلك ( قَالَ: فَهُوَ ذَلِكَ) أي مثله.
قال السيوطي: هذا مجاز بعيد ويوهم أن انتظار الصلاة شرط في الإجابة ولأنه لا يقال في منتظر الصلاة قائم يصلي وإن صدق أنه في صلاة لأن لفظ قائم يشعر بملابسة الفعل اهـ.

لكن بعد ثبوت الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم لا يليق التشغيب عليه بمثل هذا، لا سيما وقد تناظر فيه الصحابيان فتعذر حمل يصلي على الحقيقة، وقد أطبق البلغاء على المجاز أبلغ منها، ولا يوهم حمله عليه أن الانتظار شرط في الإجابة لأنه لم يعلق على ذلك وقائم وإن أشعر بملابسة الفعل لكنه يطلق على من عزم على التلبس بالفعل، ولا ريب أن الداعي في آخر ساعة عازم على صلاة المغرب.
وقد ذهب جمع إلى ترجيح قول ابن سلام هذا فحكى الترمذي عن أحمد أنه قال: أكثر الأحاديث عليه، وقال ابن عبد البر: إنه أثبت شيء في هذا الباب.

وروى سعيد بن منصور بإسناد صحيح إلى أبي سلمة بن عبد الرحمن أن ناسًا من الصحابة اجتمعوا فتذاكروا ساعة الجمعة ثم افترقوا فلم يختلفوا أنها آخر ساعة من يوم الجمعة، ورجحه كثير من الأئمة أيضًا كأحمد وإسحاق بن راهويه والطرطوشي من أئمة المالكية، وحكى العلائي أن شيخه الزملكاني شيخ الشافعية في وقته كان يختاره ويحكيه عن نص الشافعي.

وذهب آخرون إلى ترجيح حديث أبي موسى الذي رواه مسلم وأبو داود من طريق مخرمة بن بكير عن أبيه عن أبي بردة بن أبي موسى عن أبيه: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: هي ما بين أن يجلس الإمام إلى أن تنقضي الصلاة.
وروى البيهقي أن مسلمًا قال: حديث أبي موسى أجود شيء في هذا الباب وأصحه، وبذلك قال البيهقي وابن العربي وجماعة.

وقال القرطبي: هو نص في موضع الخلاف فلا يلتفت إلى غيره.
وقال النووي: هو الصحيح بل الصواب، وجزم في الروضة بأنه الصواب ورجح أيضًا بكونه مرفوعًا نصًا، وفي أحد الصحيحين.
وأجاب الأوّلون بأن حديث مالك هذا صحيح على شرط الشيخين رواه أحمد وأبو داود والنسائي والترمذي وقال: صحيح، وصححه ابن خزيمة وابن حبان والحاكم وقال على شرطهما، وسلمه الذهبي وورد تعيين الساعة بأنها آخر ساعة مرفوعًا نصًا كما مرّ.

قال الحافظ: والترجيح بما في الصحيحين أو أحدهما إنما هو حيث لا يكون مما انتقده الحفاظ كحديث أبي موسى هذا فإنه أعل بالانقطاع والاضطراب، أما الانقطاع، فلأن مخرمة بن بكير لم يسمع من أبيه قاله أحمد عن حماد بن خالد عن مخرمة نفسه، وكذا قال سعيد بن أبي مريم عن موسى بن سلمة عن مخرمة وزاد: إنما هي كتب كانت عندنا، وقال علي بن المديني: لم أسمع أحدًا من أهل المدينة يقول عن مخرمة أنه قال في شيء من حديثه سمعت أبي ولا يقال مسلم يكتفي في المعنعن بإمكان اللقاء مع المعاصرة وهو كذلك لأنا نقول وجود التصريح عن مخرمة بأنه لم يسمع من أبيه كاف في دعوى الانقطاع.

وأما الاضطراب: فقد رواه أبو إسحاق وواصل الأحدب ومعاوية بن قرة وغيرهم عن أبي بردة من قوله وهؤلاء من أهل الكوفة وأبو بردة كوفي فهم أعلم بحديثه من بكير المدني وهم عدد وهو واحد، وأيضًا فلو كان عند أبي بردة مرفوعًا لم يفت فيه برأيه بخلاف المرفوع، ولهذا جزم الدارقطني بأن الموقوف هو الصواب، وسلك صاحب الهدي مسلكًا آخر فاختار أن ساعة الإجابة منحصرة في أحد الوقتين المذكورين، وأن أحدهما لا يعارض الآخر لاحتمال أن يكون صلى الله عليه وسلم دل على أحدهما في وقت وعلى الآخر في وقت آخر، وهذا كقول ابن عبد البر الذي ينبغي الاجتهاد في الدعاء في الوقتين المذكورين، وسبق إلى نحو ذلك الإمام أحمد وهو أولى في طريق الجمع ذكره في فتح الباري بعد أن بسط الكلام على الأقوال فنذكره وإن طال لفوائده لأنه كمؤلف مستقل.

قال رحمه الله تعالى: اختلف أهل العلم من الصحابة والتابعين ومن بعدهم في هذه الساعة هل هي باقية أو رفعت؟ وعلى البقاء هل هي في كل جمعة أو جمعة واحدة من كل سنة، وهل هي في وقت من اليوم معين أو مبهم؟ وعلى التعيين هل تستوعب الوقت أو تبهم فيه؟ وعلى الإبهام ما ابتداؤه وما انتهاؤه؟ وعلى كل ذلك هل تستمر أو تنتقل؟ وعلى الانتقال هل تستغرق اليوم أو بعضه؟ وها أنا أذكر تلخيص ما اتصل إليّ من الأقوال مع أدلتها ثم أعود إلى الجمع بينها أو الترجيح.

فالأول: أنها رفعت.
حكاه ابن عبد البر عن قوم وزيفه، وقال عياض: ردّه السلف على قائله، وروى عبد الرزاق عن ابن جريج أخبرني داود بن أبي عاصم عن عبد الله بن بخنس مولى أبي معاوية قال: قلت لأبي هريرة: إنهم زعموا أن الساعة التي يستجاب فيها الدعاء رفعت.
فقال: كذب من قال ذلك.
قلت: فهي في كل جمعة؟ قال: نعم إسناده قوي، وفي الهدي إن أراد قائله أنها كانت معلومة فرفع علمها عن الأمّة فصارت مبهمة احتمل، وإن أراد أن حقيقتها رفعت فهو مردود على قائله.
الثاني: أنها موجودة لكن في جمعة واحدة من كل سنة قاله كعب الأحبار لأبي هريرة فردّه عليه فرجع إليه.
رواه الموطأ وأصحاب السنن.

الثالث: أنها مخفية في جميع اليوم كما أخفيت ليلة القدر في العشر، روى ابن خزيمة والحاكم عن أبي سلمة: سألت أبا سعيد عن ساعة الجمعة؟ فقال: سألت النبي صلى الله عليه وسلم عنها فقال: أعلمتها ثم أنسيتها كما أنسيت ليلة القدر وروى عبد الرزاق عن معمر أنه سأل الزهري فقال: لم أسمع فيها بشيء إلا أن كعبًا كان يقول: لو أن إنسانًا قسم جمعة في جمع لآتى على تلك الساعة.

قال ابن المنذر: معناه أنه يبدأ فيدعو في جمعة من الجمع من أوّل النهار إلى وقت معلوم، ثم في جمعة أخرى يبتدئ من ذلك الوقت إلى وقت آخر حتى يأتي على النهار.
قال: وكعب هذا هو كعب الأحبار.
قال: وروينا عن ابن عمر أنه قال: إن طلب حاجة في يوم ليسير.
قال: ومعناه أنه ينبغي المداومة على الدعاء في يوم الجمعة كله ليمرّ بالوقت الذي يستجاب فيه الدعاء اهـ.

والذي قاله ابن عمر يصلح لمن يقوى على ذلك وإلا فالذي قاله كعب سهل على كل أحد، وقضية ذلك أنهما كانا يريان أنها غير معينة وهو قضية كلام جمع كالرافعي وصاحب المغني وغيرهما حيث قالوا: ويستحب أن يكثر من الدعاء يوم الجمعة رجاء أن يصادف ساعة الإجابة، ومن حجة هذا القول تشبيهها بليلة القدر والاسم الأعظم وحكمة ذلك بعث العباد على الاجتهاد في الطلب واستيعاب الوقت بالعبادة بخلاف ما لو تحقق الأمر في شيء من ذلك لاقتضى الاقتصار عليه وإهمال ما عداه.

الرابع: أنها تنتقل في يوم الجمعة ولا تلزم ساعة معينة لا ظاهرة ولا مخفية.
قال الغزالي: هذا أشبه الأقوال وذكره الأثرم احتمالاً وجزم به ابن عساكر وغيره.
وقال المحب الطبري: إنه الأظهر وهذا لا ينافي ما قاله كعب في الجزم بتحصيلها.

الخامس: إذا أذن المؤذن لصلاة الغداة.
ذكره شيخنا الحافظ أبو الفضل في شرح الترمذي، وشيخنا ابن الملقن في شرح البخاري ونسباه لتخريج ابن أبي شيبة عن عائشة، وقد رواه الروياني عنها فأطلق الصلاة ولم يقيدها، ورواه ابن المنذر فقيد بصلاة الجمعة.

السادس: من طلوع الفجر إلى طلوع الشمس.
رواه ابن عساكر من طريق أبي جعفر الرازي عن ليث بن أبي سليم عن مجاهد عن أبي هريرة قوله.
وحكاه المحب الطبري وابن الصباغ وعياض والقرطبي وغيرهم وعبارة بعضهم بين طلوع الفجر وطلوع الشمس.

السابع: مثله وزاد: ومن العصر إلى الغروب.
رواه سعيد بن منصور عن خلف بن خليفة عن ليث بن أبي سليم عن مجاهد عن أبي هريرة، وليث ضعيف وقد اختلف عليه فيه كما ترى.

الثامن: مثله وزاد: وما بين أن ينزل الإمام من المنبر إلى أن يكبر.
رواه حميد بن زنجويه عن أبي هريرة قال: التمسوا الساعة التي يجاب فيها الدعاء يوم الجمعة في هذه الأوقات الثلاث، فذكره.

التاسع: أنها أوّل ساعة بعد طلوع الشمس.
حكاه الجيلي والمحب الطبري.

العاشر: عند طلوع الشمس.
حكاه الغزالي وعبّر عنه الزين بن المنير بقوله: هي ما بين أن ترتفع الشمس شبرًا إلى ذراع، وعزاه لأبي ذر.

الحادي عشر: في آخر الساعة الثالثة من النهار.
حكاه صاحب المغني وهو في مسند أحمد من طريق علي بن أبي طلحة عن أبي هريرة مرفوعًا: يوم الجمعة فيه طبعت طينة آدم وفي آخر ثلاث ساعات منه من دعا الله فيها استجيب له، وفي إسناده فرج بن فضالة وهو ضعيف وعلي لم يسمع من أبي هريرة.
قال المحب الطبري: قوله في آخر ساعات يحتمل أن المراد الساعة الأخيرة من الثلاث الأول، وأن المراد أن في آخر كل ساعة من الثلاث ساعة إجابة فيكون فيه تجوّز لإطلاق الساعة على بعضها.

الثاني عشر: من الزوال إلى أن يصير الظل نصف ذراع.
حكاه المحب الطبري والمنذري.

الثالث عشر: مثله، لكن قال إلى أن يصير الظل ذراعًا.
حكاه عياض والقرطبي والنووي.

الرابع عشر: بعد زوال الشمس بيسير إلى ذراع.
رواه ابن المنذر وابن عبد البر بإسناد قوي عن أبي ذرّ ولعله مأخذ القولين بعده.

الخامس عشر: إذا زالت الشمس.
حكاه ابن المنذر عن أبي العالية وورد نحوه عن علي، ولعبد الرزاق عن الحسن أنه كان يتحرّاها عند زوال الشمس، ولابن عساكر عن قتادة كانوا يرون الساعة المستجاب فيها الدعاء إذا زالت الشمس، وكأنّ مأخذهم في ذلك أنها وقت اجتماع الملائكة وابتداء دخول وقت الجمعة وابتداء الأذان ونحو ذلك.

السادس عشر: إذا أذن المؤذن لصلاة الجمعة.
رواه ابن المنذر عن عائشة قالت: يوم الجمعة مثل يوم عرفة تفتح فيه أبواب السماء وفيه ساعة لا يسأل الله فيها العبد شيئًا إلا أعطاه.
قيل: أية ساعة؟ قالت: إذا أذن المؤذن لصلاة الجمعة وهذا يغاير ما قبله من حيث أن الأذان قد يتأخر عن الزوال.
قال الزين بن المنير: ويتعين حمله على الأذان بين يدي الخطيب.

السابع عشر: من الزوال إلى أن يدخل الرجل في الصلاة.
ذكره ابن المنذر، وحكاه ابن الصباغ بلفظ: إلى أن يدخل الإمام.

الثامن عشر: من الزوال إلى أن يخرج الإمام.
حكاه القاضي أبو الطيب الطبري.

التاسع عشر: من الزوال إلى غروب الشمس.
حكاه أبو العباس أحمد بن علي عن الحسن.

العشرون: ما بين خروج الإمام إلى أن تقام الصلاة.
رواه ابن المنذر عن الحسن.

الحادي والعشرون: عند خروج الإمام.
رواه حميد بن زنجويه عن الحسن.

الثاني والعشرون: ما بين خروج الإمام إلى أن تنقضي الصلاة.
رواه ابن جرير عن الشعبي وأبي بردة بن أبي موسى من قولهما وأن ابن عمر صوّب ذلك.

الثالث والعشرون: ما بين أن يحرم البيع إلى أن يحل.
رواه ابن المنذر وغيره عن الشعبي قوله أيضًا قال الزين بن المنير: وجهه أنه أخص أحكام الجمعة لأن العقد باطل عند الأكثر، فلو اتفق ذلك في غير هذه الساعة بحيث ضاق الوقت فتشاغل اثنان بعقد البيع فخرج وفاتت تلك الصلاة لأثما ولم يبطل البيع.

الرابع والعشرون: ما بين الأذان إلى انقضاء الصلاة.
رواه ابن زنجويه عن ابن عباس.

الخامس والعشرون: ما بين أن يجلس الإمام على المنبر إلى أن تنقضي الصلاة.
رواه مسلم وأبو داود عن أبي موسى مرفوعًا وهذا القول يمكن أن يتحد مع اللذين قبله.

السادس والعشرون: عند التأذين وعند تذكير الإمام وعند الإقامة.
رواه ابن زنجويه عن عوف بن مالك الصحابي قوله.

السابع والعشرون: مثله.
لكن قال: إذا أذن وإذا رقي المنبر وإذا أقيمت الصلاة.
رواه ابن أبي شيبة وابن المنذر عن أبي أمامة الصحابي قوله قال الزين بن المنير: ما ورد عند الأذان من إجابة الدعاء فيتأكد يوم الجمعة وكذلك عند الإقامة، وأما زمان جلوس الإمام على المنبر فلأنه وقت استماع الذكر والابتداء في المقصود من الجمعة.

الثامن والعشرون: من حين يفتتح الإمام الخطبة حتى يفرغ منها.
رواه ابن عبد البر عن ابن عمر مرفوعًا وإسناده ضعيف.

التاسع والعشرون: إذا بلغ الخطيب المنبر وأخذ في الخطبة.
حكاه الغزالي.

الثلاثون: عند الجلوس بين الخطبتين.
حكاه الطيبي.

الحادي والثلاثون: عند نزول الإمام من المنبر.
رواه ابن أبي شيبة وابن زنجويه وابن جرير وابن المنذر بإسناد صحيح عن أبي بردة قوله: وحكاه الغزالي بلفظ: إذا قام الناس إلى الصلاة.

الثاني والثلاثون: حين تقام الصلاة حتى يقوم الإمام في مقامه.
حكاه ابن المنذر عن الحسن وروى الطبري عن ميمونة بنت سعد نحوه مرفوعًا بإسناد ضعيف.

الثالث والثلاثون: حين تقام الصلاة إلى الانصراف منها.
رواه الترمذي وابن ماجه عن كثير بن عبد الله بن عمرو بن عوف عن أبيه عن جده مرفوعًا وكثير ضعيف، ورواه البيهقي بلفظ: ما بين أن ينزل الإمام من المنبر إلى أن تنقضي الصلاة.
ورواه ابن أبي شيبة بإسناد قوي عن أبي بردة قوله: وإن ابن عمر استحسن ذلك منه وبارك عليه ومسح على رأسه.

الرابع والثلاثون: هي الساعة التي كان صلى الله عليه وسلم يصلي فيها الجمعة.
رواه ابن عساكر بسند صحيح عن ابن سيرين وهذا يغاير ما قبله من جهة إطلاق ذاك، وتقييد هذا وكأنه أخذه من جهة أن صلاة الجمعة أفضل صلوات ذلك اليوم وأن الوقت الذي كان صلى الله عليه وسلم يصلي فيه أفضل الأوقات، وأن جميع ما تقدّم من الأذان والخطبة وغيرهما وسائل وصلاة الجمعة هي المقصودة بالذات، ويؤيده ورود الأمر في القرآن بتكثير الذكر حال الصلاة في قوله: { { إِذَا نُودِيَ لِلصَّلاَةِ مِن يَوْمِ الْجُمُعَةِ } } إلى قوله: { { وَاذْكُرُوا اللَّهَ كَثِيرًا لَّعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ } } وليس المراد إيقاع الذكر بعد الانتشار وإن عطف عليه وإنما المراد تكثير الذكر المشار إليه في أوّل الآية.

الخامس والثلاثون: من صلاة العصر إلى غروب الشمس.
رواه ابن جرير عن ابن عباس موقوفًا، وعن أبي سعيد مرفوعًا بلفظ: فالتمسوها بعد العصر.
وزاد ابن منده: أغفل ما يكون الناس، وذكر ابن عبد البر أنّ قوله: فالتمسوها مدرج من قول أبي سلمة راويه عن أبي سعيد، ورواه الترمذي عن أنس مرفوعًا بلفظ: بعد العصر إلى غيبوبة الشمس وإسناده ضعيف.

السادس والثلاثون: في صلاة العصر.
رواه عبد الرزاق عن يحيى بن إسحاق بن أبي طلحة مرسلاً مرفوعًا.

السابع والثلاثون: بعد العصر إلى آخر وقت الاختيار.
حكاه الغزالي.

الثامن والثلاثون: بعد العصر مطلقًا.
رواه ابن عساكر عن أبي هريرة وأبي سعيد مرفوعًا بلفظ: وهي بعد العصر، وذكر عبد الرزاق عن ابن عباس مثله فقيل له لا صلاة بعد العصر.
قال: بلى لكن من كان في مصلاه لم يقم منه فهو في صلاة.

التاسع والثلاثون: من وسط النهار إلى قرب آخر النهار.

الأربعون: من حين تصفر الشمس إلى أن تغيب.
رواه عبد الرزاق عن طاوس قوله وهو قريب مما بعده.

الحادي والأربعون: آخر ساعة بعد العصر.
رواه أبو داود والحاكم بإسناد حسن عن جابر مرفوعًا وهو في الموطأ وغيره عن ابن سلام.

الثاني والأربعون: من حيث يغيب نصف قرص الشمس أو من حين تدلي الشمس للغروب إلى أن يتكامل غروبها.
رواه الطبراني في الأوسط والدارقطني في العلل والبيهقي عن فاطمة عن أبيها صلى الله عليه وسلم، وفي إسناده اختلاف وفي رواته من لا يعرف.

فهذا جميع ما اتصل إلي من الأقوال مع ذكر أدلتها وبيان حالها في الصحة أو الضعف والرفع والوقف والإشارة إلى مأخذ بعضها وليست كلها متغايرة من كل جهة بل كثير منها يمكن أن يتحد مع غيره.

وقال صاحبنا العلامة الحافظ شمس الدين الجزري في كتابه الحصن الحصين وأذن لي في روايته عنه ما نصه: والذي أعتقده أنها وقت قراءة الإمام الفاتحة في صلاة الجمعة إلى أن يقول آمين جمعًا بين الأحاديث التي صحت كذا قال، ويخدش فيه أن يفوت على الداعي حينئذ الإنصات لقراءة الإمام، ولا شك أن أرجح الأقوال حديث أبي موسى وحديث عبد الله بن سلام، واختلف في أيهما أرجح كما تقدّم، ولا يعارضهما حديث أبي سعيد أنه صلى الله عليه وسلم أنسيها بعد أن علمها لاحتمال أنهما سمعا ذلك منه قبل أن ينسى أشار له البيهقي وغيره وما عداهما إما موافق لهما أو لأحدهما أو ضعيف الإسناد أو موقوف استند قائله إلى اجتهاد دون توقيف.

قال الزين بن المنير: وذكر مما مر عشرة أقوال تبعًا لابن بطال بحسن جمعها فتكون ساعة الإجابة واحدًا منها لا بعينها فيصادفها من اجتهد في الدعاء في جميعها، وليس المراد من أكثرها أنه يستوعب جميع الوقت الذي عين، بل المراد أنها تكون في أثنائه لقوله فيما مضى يقللها.
وقوله: وهي ساعة خفيفة، وفائدة ذكر الوقت أنها تنتقل فيه فيكون ابتداء مظنتها ابتداء الخطبة مثلاً وانتهاؤه انتهاء الصلاة، وكأن كثيرًا من القائلين عين ما اتفق له وقوعه فيه من ساعة في أثناء وقت من الأوقات المذكورة فهذا التقريب يقل الانتشار جدًا اهـ.
ببعض اختصار ولم يظهر لي عده القول الثاني أنها جمعة في كل سنة مع أنه ليس بقول إنما كان خطأ من كعب ثم رجع إلى الصواب.

وقال السيوطي: الذي أختاره أنا من هذه الأقوال أنها عند إقامة الصلاة، وغالب الأحاديث المرفوعة تشهد له.
أما حديث ميمونة فصريح فيه، وكذا حديث عمرو بن عوف، ولا ينافيه حديث أبي موسى أنها ما بين أن يجلس الإمام إلى أن تنقضي الصلاة لأنه صادق بالإقامة بل منحصر فيها لأن وقت الخطبة ليس وقت صلاة ولا دعاء ووقت الصلاة غالبه ليس وقت دعاء، ولا يظن إرادة استغراق الوقت قطعًا لأنها خفيفة بالنصوص والإجماع ووقت الخطبة والصلاة متسع، وغالب الأقوال المذكورة بعد الزوال وعند الأذان يحمل على هذا فيرجع إليه ولا تتنافى.

وقد أخرج الطبراني عن عوف بن مالك الصحابي قال: إني لأرجو أن تكون ساعة الإجابة في إحدى الساعات الثلاث إذا أذن المؤذن ومادام الإمام على المنبر وعند الإقامة، وأقوى شاهد له قوله وهو قائم يصلي فأحمل وهو قائم على القيام للصلاة عند الإقامة ويصلي على الحال المقدّرة، وتكون هذه الجملة الحالية شرطًا في الإجابة وأنها مختصة بمن شهد الجمعة ليخرج من تخلف عنها هذا ما ظهر لي اهـ.
وفيه نظر لا يخفى فإنه بعد أن استبعد حمل ابن سلام وموافقة أبي هريرة له قوله وهو قائم يصلي على المجاز اضطر إليه فيما اختاره هو ثم جره ذلك إلى دعوى التخصيص بدون مخصص ولا دليل، وعجب منه مع مزيد حفظه ونباهته يعدل عن النص النبوي في حديثين صحيحين ويختار قولاً ضعيفًا، ويحتج له بحديث ميمونة بنت سعد وعمرو بن عوف مع أن كلاً منهما إسناده ضعيف كما مرّ عن الحافظ.

وأما إيماؤه إلى تقوية ذلك بقول عمرو بن عوف إني لأرجو إلخ.
فليس بشيء إذ هو اجتهاد منه كما أشعر به لفظه، وهو مما يقوي ضعف حديثه المرفوع أنها عند إقامة الصلاة إذ لو سمع ذلك من النبي صلى الله عليه وسلم لجزم به وما تردّد في أنها إحدى الساعات الثلاث، والله أعلم.