فهرس الكتاب

شرح الزرقاني - بَابُ مَا جَاءَ فِي الْوَلِيمَةِ

رقم الحديث 1148 وَحَدَّثَنِي يَحْيَى، عَنْ مَالِكٍ، عَنْ حُمَيْدٍ الطَّوِيلِ، عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ، أَنَّ عَبْدَ الرَّحْمَنِ بْنَ عَوْفٍ جَاءَ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَبِهِ أَثَرُ صُفْرَةٍ، فَسَأَلَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَأَخْبَرَهُ أَنَّهُ تَزَوَّجَ، فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: كَمْ سُقْتَ إِلَيْهَا؟ فَقَالَ: زِنَةَ نَوَاةٍ مِنْ ذَهَبٍ، فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: أَوْلِمْ وَلَوْ بِشَاةٍ.


( مالك عن حميد الطويل) الخزاعي البصري ( عن أنس بن مالك أن عبد الرحمن بن عوف) قال ابن عبد البر: هو من مسند أنس عند جميع رواة الموطأ ورواه روح بن عبادة عن مالك عن حميد عن أنس عن عبد الرحمن أنه جاء فجعله من مسند عبد الرحمن ( جاء إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وبه أثر صفرة) تعلقت بجلده أو ثوبه من طيب العروس، هذا أولى ما فسر به.
وفي حديث وبه ردع من زعفران أي أثره وليس بداخل في النهي عن تزعفر الرجل لأنه فيما قصد به التشبه بالنساء.
وقيل: يرخص فيه للعروس وفيه أثر ذكره أبو عبيد أنهم كانوا يرخصون فيه للشاب أيام عرسه، وقيل: لعله صلى الله عليه وسلم لم ينكر عليه لأنه يسير.
وقيل: كان من ينكح أول الإسلام يلبس ثوبًا مصبوغًا بصفرة علامة للسرور، وهذا غير معروف على أن بعضهم جعله أولى ما قيل.
ومذهب مالك وأصحابه جواز الثياب المزعفرة للرجال.
وحكاه مالك عن علماء المدينة وهو مذهب ابن عمر وغيره وحجتهم حديث ابن عمر كان صلى الله عليه وسلم يصبغ بالصفرة.
وحكى ابن شعبان كراهة ذلك في اللحية، وكرهه الشافعي وأبو حنيفة في الثياب واللحية قاله عياض.

وقال الباجي روى الداودي أن عمر بن الخطاب كان يصبغ لحيته بالصفرة حتى تمتلئ ثيابه من الصفرة، وقال: إني رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يصبغ بها ولم يكن شيء أحب إليه منها وأنه كان يصبغ بها ثيابه كلها حتى العمامة.
قال الباجي: وهذا في الزعفران وأما بغيره مما ليس بطيب ولا ينفض على الجسد فلا خلاف في جوازه ( فسأله رسول الله صلى الله عليه وسلم) فقال: ما هذا؟ وفي رواية فقال: مهيم، أي ما هذا؟ وكلاهما في الصحيح.
قال عياض فيه افتقاد الكبير أصحابه وسؤاله عما يختلف عليه من حالهم وليس من كثرة السؤال المنهي عنه.
قال الأبي: هذا بناء على أنه ليس سؤال إنكار، وقال الطيبي يحتمل أنه إنكار لأنه كان نهى عن التضمخ بالطيب فأجابه بأنه لم يتضمخ به وإنما تعلق به من العروس.
( فأخبره أنه تزوج) زاد في رواية امرأة من الأنصار.
قال الحافظ: ولم تسم إلا أن الزبير بن بكار جزم بأنها ابنة أبي الحيسر، بفتح المهملتين بينهما تحتية ساكنة آخره راء، واسمه أنس بن رافع الأنصاري، وأنها ولدت له القاسم وأبا عثمان عبد الله ( فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: كم سقت إليها) مهرًا وفي رواية كم أصدقتها؟ وفيه أنه لا بد في النكاح من المهر وقد يشعر ظاهره احتياجه إلى تقدير لأن كم موضوعة له ففيه حجة للمالكية والحنفية في أن أقل الصداق مقدر.
( فقال) سقت إليها ( زنة نواة من ذهب) قال ابن وهب والخطابي: والأكثر هي خمسة دراهم من ذهب، فالنواة اسم لمقدار معروف عندهم.
وقال أحمد بن حنبل: النواة ثلاثة دراهم وثلث.
وقيل المراد نواة التمر أي وزنها من ذهب.
والأول أظهر وأصح.
وقال بعض أصحاب مالك النواة بالمدينة ربع دينار وظاهر كلام أبي عبيد أنه دفع خمسة دراهم ولم يكن ثمَّ ذهب إنما هي خمسة دراهم تسمى نواة كما تسمى الأربعون أوقية قاله عياض.
قال الزواوي لكن قوله من ذهب يبعد أن تكون خمسة دراهم فضة إلا أن يكون التقدير صرف زنة نواة من ذهب ويكون زنتها حينئذٍ من الذهب صرفها خمسة دراهم، وذلك غير بعيد، فإن الصرف كان في زمانهم عشرة دراهم بدينار، ولا يبعد أن يكون من النوى ما زنته نصف مثقال، ويكون ذلك هو المصطلح على الوزن به عندهم اهـ.

لكن ضعف ابن دقيق العيد والطيبي القول بأنه نوى التمر بأن زنتها لا تضبط ولا يعتد بها.
قال عياض.
قيل: زنة نواة من ذهب ثلاثة دراهم وربع وأراد قائله أن يحتج به على أنه أقل الصداق، ولا يصح لقوله من ذهب وذلك أكثر من دينارين وهذا لم يقله أحد وهو غفلة من قائله بل فيه حجة لمن يقول لا يكون أقل من عشرة دراهم.
ووهم الداودي رواية من ذهب وقال: الصحيح نواة ولا وهم فيه على كل تفسير لأنها إن كانت نواة تمر كما قال أو قدرًا معلومًا عندهم صلح أن يقال فيه وزن كذا وما ذكره من ثلاثة دراهم وربع ووهمه، ذكره أبو عمر عن بعض أصحاب مالك ووهمه أيضًا بأنه لا خلاف أن المثقال درهمان عددًا ودرهم الفضة كيلاً درهم وخمسان ووزن ثلاثة دراهم وربع من ذهب أكثر من مثقالين من الذهب.
قال الزواوي: وهذا الذي ذكراه يصح الانفصال عنه بأن معناه صرفها ثلاثة دراهم وربع كما قلنا في تقدير نواة ولا بعد في هذا للمتأمل مع ما فيه من نفي الوهم عن إمام من أصحاب مالك قال: ويصح حمل الحديث على ظاهره بأنه أصدقها ذهبًا زنته نواة، والنواة وزن معروف هو خمسة دراهم فضة، وذلك ثمن أوقية لأنها أربعون درهمًا ولا مانع من ذلك مع أنه ظاهر الحديث ولا يحتاج إلى ذكر الصرف ولا التأويل اهـ.
وهو حسن.

وقال الطيبي وابن دقيق العيد: في المعنى قولان، أحدهما: أن الصداق ذهب وزنه خمسة دراهم فيكون ثلاثة مثاقيل ونصف.
والثاني: أنه دراهم خمسة بوزن نواة من ذهب.
قال الطيبي: وهذا بعيد من اللفظ قال ابن دقيق العيد وعلى الأول يتعلق قوله من ذهب بلفظ زنة، وعلى الثاني: بنواة قال ابن فرحون أما تعلقه بزنة فلأنه مصدر وزن وأما تعلقه بنواة فيصح أنه من تعلق الصفة بالموصوف أي نواة كائنة من ذهب ويكون المراد ما عدلها دراهم أو يكون هو الموزون بها ( فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم) زاد في رواية للصحيح فبارك الله لك ( أولم) أمر ندب على المشهور عن مالك والشافعي وقيل للوجوب لحديث من لم يجب الدعوة فقد عصى الله ورسوله.
قال المازري: ولا حجة فيه لأن العصيان في ترك الإجابة لا في ترك الوليمة ولا بعد في أن الدعوة لا تجب والإجابة واجبة كالسلام لا يجب الابتداء به ورده واجب، وأجاب بعض أصحابنا البغداديين بأن العصيان مخالفة الأمر والمندوب مأمور به اهـ.
والأول الصواب لاقتضاء الثاني أنه لا يأثم بالترك وإن أطلق عليه اسم العصيان مع أنه إثم ( ولو بشاة) لو: تقليلية لا امتناعية.
قال عياض: فيه التوسعة فيها للواجد بذبح وغيره وأن الشاة لأهل الجدة أقل ما يكون لا التحديد وأنه لا يجزئ أقل منها لمن لم يجدها بل على طريق الحض والإرشاد ولا خلاف أنه لا حد لها وهي بقدر حال الرجل، وأخذ بعضهم من الحديث أنها بعد الدخول وقال بعضهم: لا دليل فيه والأول أظهر وقاله مالك وغيره ووجهه شهرة الدخول لما يتعلق به من الحقوق وللفرق بين النكاح، والسفاح.
وعن مالك جوازها قبل الدخول.
وعن ابن حبيب استحبابها عند العقد وعند البناء، واستحبها بعض شيوخنا قبل البناء ليكون الدخول بها واختلف السلف في تكرارها أكثر من يومين بالإجازة والكراهة.
واستحب أصحابنا لأهل السعة أسبوعًا قال بعضهم وذلك إذا دعا في كل يوم من لم يدع قبله وكرهوا فيها المباهاة والسمعة اهـ.

وقال الباجي أمر صلى الله عليه وسلم بالوليمة لما فيها من إشهار النكاح مع ما يقترن بها من مكارم الأخلاق.
قال ابن مزين عن مالك استحب الإطعام في الوليمة وكثرة الشهود ليشتهر النكاح وتثبت معرفته.
وروى أشهب عن مالك لا بأس أن يولم بعد البناء قيل: فمن أخر إلى السابع قال فليجب وليس كالوليمة.
ابن حبيب كان صلى الله عليه وسلم يستحب الإطعام على النكاح عند عقده، ولفظ عند يحتمل قبله وبعده وكيفما كان فليس فيه منع لكن تقديم إشهاره قبل أفضل كالإشهاد ويحتمل أن مالكًا قال بعده لمن فاته قبل أو لعله اختاره لأن فيه معنى الرضا بما اطلع عليه الزوج من حال الزوجة والمباح من الوليمة ما جرت به العادة من غير سرف ولا سمعة والمختار منها يوم واحد.
قال ابن حبيب: وأبيح أكثر منه وروي أن اليوم الثاني فضل، والثالث سمعة.
وأجاب الحسن في الأول والثاني.
ولم يجب في الثالث.
وروي عن ابن المسيب مثله وأولم ابن سيرين ثمانية أيام.
قال ابن حبيب: من وسع الله عليه فليولم من يوم بنائه إلى مثله يريد إذا قصد إشهار النكاح والتوسعة على الناس لا السمعة والمباهاة.

وهذا الحديث رواه البخاري عن عبد الله بن يوسف عن مالك به وتابعه سفيان بن عيينة عند البخاري وشعبة عند مسلم كلاهما عن حميد نحوه وله طرق في الصحيحين وغيرهما وفيه قصة.

( مالك عن يحيى بن سعيد) الأنصاري ( أنه قال: لقد بلغني) وصله النسائي وقاسم بن أصبغ من طريق سعيد بن عفير عن سليمان بن بلال عن يحيى بن سعيد عن حميد عن أنس ( أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يولم بالوليمة ما فيها خبز ولا لحم) قال حميد: قلت بأي شيء يا أبا حمزة؟ يعني أنسًا قال: تمر وسويق، كما في الطريق الموصولة.
وفي البخاري عن صفية بنت شيبة قالت: أولم النبي صلى الله عليه وسلم على بعض نسائه بمدّين من شعير.
قال الحافظ لم أقف على تعيين اسم التي أَوَلَم عليها صريحًا، لكن يحتمل أنها أم سلمة لحديثها عن ابن سعد عن الواقدي أنه صلى الله عليه وسلم لما تزوّجها أدخلها بيت زينب بنت خزيمة فإذا جرّة فيها شيء من شعير فأخذته فطحنته ثم عصدته في البرمة وأخذت شيئًا من إهالة فأدمته فكان ذلك طعامه صلى الله عليه وسلم.
وأما حديث شريك عن حميد عن أنس أنه صلى الله عليه وسلم أولم على أم سلمة بتمر وسمن وسويق فوهم من شريك لأنه كان سيئ الحفظ، أو من الراوي عنه وهو جندل بن واق فإن مسلمًا والبزار ضعفاه وإنما المحفوظ عن حميد عن أنس أن ذلك في قصة صفية أخرجه النسائي اهـ.

( مالك عن نافع عن عبد الله بن عمر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: إذا دعي أحدكم إلى وليمة فليأتها) أي فليأت مكانها أو التقدير إلى مكان وليمة ولا يضر إعادة الضمير مؤنثًا والأمر للإيجاب والمراد وليمة العرس كما حمله عليه مالك في المدوّنة وغيره لأنها المعهودة عندهم ويؤيده رواية مسلم من طريق عبيد الله عن نافع عن ابن عمر مرفوعًا إذا دعي أحدكم إلى وليمة عرس فليجب فتجب إجابة من عين وإن صائمًا، لأن ابن عمر كان يأتيها وهو صائم كما في مسلم بشروط في الفروع كما حكى عليه عياض الاتفاق لكن نوزع بقول ابن القصار المذهب لا تجب الإجابة وإن كان ضعيفًا، أما وليمة غيره فلا تجب لأن عثمان بن العاصي دعي إلى ختان فلم يجب وقال: لم نكن ندعى له على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم.
رواه أحمد وأوجبها الظاهرية لظاهر الحديث.
قال عياض: وحملها مالك والأكثر على الندب، وكره مالك لأهل الفضل الإجابة لكل طعام دعي إليه فتأوّله بعضهم على غير الوليمة وتأوّله غيره على غير طعام السرور كختان وإملاك ونفاس وحادث سرور لما في مسلم عن أيوب عن نافع عن ابن عمر مرفوعًا: إذا دعا أحدكم أخوه فليجب عرسًا كان أو غيره.
وفيه أيضًا من طريق الزبيدي عن نافع عن ابن عمر رفعه: من دعي إلى عرس أو نحوه فليجب.

والحديث رواه البخاري عن عبد الله بن يوسف ومسلم عن يحيى كلاهما عن مالك، وتابعه عبيد الله وأيوب والزبيدي وإسماعيل بن أمية وموسى بن عقبة خمستهم عند مسلم عن نافع نحوه.

( مالك عن ابن شهاب) الزهري ( عن الأعرج) عبد الرحمن بن هرمز ( عن أبي هريرة أنه كان يقول) قال ابن عبد البر: جل رواة مالك لم يصرحوا برفعه، ورواه روح بن القاسم عنه مصرحًا برفعه، وكذا أخرجه الدارقطني في الغرائب من طريق إسماعيل بن سلمة بن قعنب عن مالك مصرحًا برفعه إلى النبي صلى الله عليه وسلم ( شر) وليحيى النيسابوري بئس ( الطعام طعام الوليمة) قال البيضاوي يريد من شر الطعام فإن من الطعام ما يكون شرًا منه وإنما سماه شرًا لقوله ( يدعى إليها الأغنياء ويترك المساكين) وللتنيسي: الفقراء يعني الغالب فيها ذلك فكأنه قال: طعام الوليمة التي من شأنها هذا فاللفظ وإن أطلقه فالمراد به التقييد بما ذكر عقبه وكيف يريد به الإطلاق وقد أمر بالوليمة وأوجب إجابة الداعي ورتب العصيان على تركها، وتعقبه الطيبي بأن التعريف في الوليمة للعهد الخارجي وكان من عادتهم مراعاة الأغنياء فيها وتخصيصهم بالدعوة وإيثارهم وقوله يدعى إلخ استئناف بياني لكونها شر الطعام، وعلى هذا يحتاج إلى تقدير من، وقوله: ويترك الفقراء حال والعامل يدعى أي يدعى إليها الأغنياء والحال أنه يترك الفقراء والإجابة واجبة فيكون الدعاء سببًا لأكل المدعو شر الطعام وقول التنقيح جملة يدعى في موضع الصفة لطعام رده في المصابيح بأن الظاهر أنها صفة للوليمة على جعل اللام جنسية مثلها في قوله:

ولقد أمرّ على اللئيم يسبني

ويستغنى حينئذ عن تأويل تأنيث الضمير على تقدير كونها صفة الطعام انتهى.

( ومن لم يأت) وللتنيسي ومن ترك ( الدعوة) بفتح الدال على المشهور، وهي أعم من الوليمة لأنها خاصة بالعرس كما نقله أبو عمر عن أهل اللغة.
وقال النووي: بفتح الدال دعوة الطعام أما دعوة النسب فبكسرها هذا قول جمهور العرب، وعكسه تيم الرباب بكسر الراء.
فقالوا: الطعام بالكسر والنسب بالفتح.
وقول قطرب دعوة الطعام بالضم غلطوه اهـ.
والمراد هنا دعوة العرس وإن كان لفظ الدعوة أعم لقوله ( فقد عصى الله ورسوله) إذ فيه دليل على وجوب الإجابة لأن العصيان لا يطلق إلا على ترك الواجب، وإنما تجب إجابة وليمة العرس.

قال القرطبي: وفيه دلالة على أنه مرفوع لأن أبا هريرة لا يقوله من نفسه، ونحوه قول أبي عمر هذا حديث مسند عندهم أيقول أبو هريرة فقد عصى الله ورسوله.
قال النووي بين الحديث وجه كونه شر الطعام بأنه يدعى له الغني عن أكله ويترك المحتاج لأكله، والأولى العكس وليس فيه ما يدل على حرمة الأكل إذ لم يقل أحد بحرمة الإجابة، وإنما هو من باب ترك الأولى كخبر خير صفوف الرجال أولها وشرها آخرها، ولم يقل أحد بحرمة الصلاة في الصف الأخير.
والقصد من الحديث الحث على دعوة الفقير وأن لا يقتصر على الأغنياء.
وقال عياض: إن كان من قول أبي هريرة فأخبر بحال الناس واختصاصهم بها الأغنياء دون المحتاجين، وكانوا أولى بها لسدّ خلتهم وخير الأفعال أكثرها أجرًا.
وذلك غير موجود في الأغنياء وإنما هو نوع من المكارمة وإن كان رفعه وهو الصحيح فهو إخبار منه صلى الله عليه وسلم عما يكون بعده وقد كره العلماء تخصيص الأغنياء بالدعوة فإن فعل فقال ابن مسعود إذا خص الأغنياء أمرنا أن لا نجيب.
وقال ابن حبيب: من فارق السنة في وليمته فلا دعوة له.
وقال أبو هريرة: أنتم العاصون في الدعوة ودعا ابن عمر في وليمة الأغنياء والفقراء فجاءت قريش ومعها المساكين فقال لهم: ههنا فاجلسوا لا تفسدوا عليهم ثيابهم فإنا سنطعمكم مما يأكلون.

وهذا الحديث رواه البخاري عن عبد الله بن يوسف ومسلم عن يحيى كلاهما عن مالك به موقوفًا، وتابعه سفيان ومعمر كلاهما عن ابن شهاب، وتابع ابن شهاب أبو الزناد عن الأعرج، وتابع الأعرج سعيد بن المسيب كل ذلك عند مسلم موقوفًا.
وأخرجه من طريق زياد بن سعد سمعت ثابتًا الأعرج يحدث عن أبي هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال شر الطعام الوليمة يمنعها من يأتيها ويدعى إليها من يأباها، ومن لم يجب الدعوة فقد عصى الله ورسوله، فخالف ثابت وهو ابن عياض الأحنف الأعرج العدوي مولاهم وهو ثقة عبد الرحمن الأعرج وابن المسيب فإنهما وقفاه عن أبي هريرة وثابت رفعه عنه، وقد تابعه محمد بن سيرين عن أبي هريرة في رفعه، أخرجه أبو الشيخ وفي التمهيد روى جماعة هذا الحديث عن ابن شهاب مرفوعًا بغير إشكال ثم أخرجه من طريق ابن جريج عن الزهري عن عبد الرحمن الأعرج عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: بئس الطعام فذكره، ثم قال: وهكذا رواه ابن عيينة مرفوعًا اهـ.
لكن الذي في مسلم عن ابن عيينة مرفوعًا كما علمت.
قال النووي: إذا روي الحديث موقوفًا ومرفوعًا حكم برفعه على الصحيح لأنها زيادة عدل اهـ.
وله شاهد مرفوع عن ابن عباس عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: شر الطعام طعام الوليمة يدعى إليه الشبعان ويحبس عنه الجائع أخرجه الطبراني والديلمي بإسناد فيه مقال.

( مالك عن إسحاق بن عبد الله بن أبي طلحة) زيد الأنصاري ( أنه سمع) عمه أخا أبيه لأمه ( أنس بن مالك يقول إن خياطًا) بفتح الخاء المعجمة والتحتية الشديدة، ولم يعرف الحافظ اسمه ( دعا رسول الله صلى الله عليه وسلم لطعام صنعه قال أنس فذهبت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى ذلك الطعام فقرب) الخياط ( إليه خبزًا من شعير) بفتح الشين وقد تكسر ( ومرقًا فيه دباء) بضم الدال وشدّ الموحدة والمد: الواحدة دباءة فهمزته منقلبة عن حرف علة، وخطأ المجد الجوهري في ذكره في المقصور أي فيه قرع زاد في رواية القعنبي وابن بكير والتنيسي وقديد ( قال أنس فرأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يتتبع) بإسكان الفوقية وخفة الموحدة مفتوحة ( الدباء) القرع أو المستدير منه ( من حول القصعة) بفتح القاف، زاد في رواية يأكلها أي لأنها كانت تعجبه ويترك القديد إذ كان يشتهيه حينئذ ففيه أن المؤاكل لأهله وخدمه يأكل ما يشتهيه حيث رآه في ذلك الإناء إذا علم أن مؤاكله لا يكره ذلك، وإلا فلا يتجاوز ما يليه وقد علم أن أحدًا لا يكره منه صلى الله عليه وسلم شيئًا بل كانوا يتبركون بريقه وغيره مما مسه بل كانوا يتبادرون إلى نخامته فيتدلكون بها.

قال أنس: ( فلم أزل أحب الدباء) أي أكلها ( بعد ذلك اليوم) اقتداء به صلى الله عليه وسلم.
وفي رواية التنيسي وغيره: من يومئذ.
وفي الترمذي عن طالوت الشامي قال: دخلت على أنس وهو يأكل قرعًا وهو يقول: يا لك من شجرة ما أحبك إلا لحب رسول الله صلى الله عليه وسلم إياك.
ولأحمد عن أنس أنه صلى الله عليه وسلم قال له: إذا طبخت قدرًا فأكثر فيها من الدباء فإنها تشد قلب الحزين.
وللطبراني عن واثلة مرفوعًا: عليكم بالقرع فإنه يزيد في الدماغ.
وللبيهقي عن عطاء مرسلاً: عليكم بالقرع فإنه يزيد في العقل ويكبر الدماغ، وزاد بعضهم أنه يجلو البصر ويلين القلب.
وفي تذكرة القرطبي مرفوعًا: إن الدباء والبطيخ من الجنة.
قال الخطابي: فيه جواز الإجازة على الخياطة ردًّا على من أبطلها بعلة أنها ليست بأعيان مرئية ولا صفات معلومة، وفي صنعة الخياطة معنى ليس في القين والصائغ والنجار لأن هؤلاء الصناع إنما يكون منهم الصنعة المحضة فيما يستصنعه صاحب الحديد والفضة والذهب والخشب، وهي أمور موصوفة يوقف على حدها ولا يخلط بها غيرها.
والخياط إنما يخيط الثوب في الأغلب بخيط من عنده فيجمع إلى الصنعة الآلة وأحدهما معناه التجارة والأخرى الإجارة وحصة أحدهما لا تتميز من الأخرى.
وكذلك هذا في الخراز والصباغ إذا كان بخيوطه ويصبغ هذا بصبغه على العادة المعتادة فيما بين الصناع وجميع ذلك فاسد في القياس إلا أن النبي صلى الله عليه وسلم وجدهم على هذه العادة أول زمن الشريعة فلم يغيرها، إذ لو طولبوا بغير ذلك لشق عليهم فصار بمعزل عن موضع القياس والعمل ماض صحيح لما فيه من الإرفاق اهـ.

ووجه إدخال الإمام هذا الحديث في الوليمة الإشارة إلى أنه لا ينبغي التخلف عن الدعوة وإن لم تكن واجبة لأن دعوة الخياط لم تكن في عرس، إذ الظاهر من قوله لطعام صنعه أنه صنعه للنبي صلى الله عليه وسلم وإن كان معناه صنعه في عرس ودعا له المصطفى فالمطابقة ظاهرة.
وقال أبو عمر أدخله في وليمة العرس ويشبه أنه وصل إليه علم ذلك وليس في ظاهر الحديث ما يدل على أنها وليمة عرس.

وأخرجه البخاري في البيوع عن التنيسي، وفي الأطعمة عن قتيبة بن سعيد، والقعنبي وأبي نعيم الفضل بن دكين وإسماعيل ومسلم في الأطعمة عن قتيبة بن سعيد، الخمسة عن مالك به، قال ابن عبد البر: ورواه جماعة من أصحاب سفيان بن عيينة عنه عن مالك بإسناده.



رقم الحديث 1149 حَدَّثَنِي يَحْيَى، عَنْ مَالِكٍ، عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ أَنَّهُ قَالَ: لَقَدْ بَلَغَنِي أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يُولِمُ بِالْوَلِيمَةِ مَا فِيهَا خُبْزٌ وَلَا لَحْمٌ.


( مالك عن حميد الطويل) الخزاعي البصري ( عن أنس بن مالك أن عبد الرحمن بن عوف) قال ابن عبد البر: هو من مسند أنس عند جميع رواة الموطأ ورواه روح بن عبادة عن مالك عن حميد عن أنس عن عبد الرحمن أنه جاء فجعله من مسند عبد الرحمن ( جاء إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وبه أثر صفرة) تعلقت بجلده أو ثوبه من طيب العروس، هذا أولى ما فسر به.
وفي حديث وبه ردع من زعفران أي أثره وليس بداخل في النهي عن تزعفر الرجل لأنه فيما قصد به التشبه بالنساء.
وقيل: يرخص فيه للعروس وفيه أثر ذكره أبو عبيد أنهم كانوا يرخصون فيه للشاب أيام عرسه، وقيل: لعله صلى الله عليه وسلم لم ينكر عليه لأنه يسير.
وقيل: كان من ينكح أول الإسلام يلبس ثوبًا مصبوغًا بصفرة علامة للسرور، وهذا غير معروف على أن بعضهم جعله أولى ما قيل.
ومذهب مالك وأصحابه جواز الثياب المزعفرة للرجال.
وحكاه مالك عن علماء المدينة وهو مذهب ابن عمر وغيره وحجتهم حديث ابن عمر كان صلى الله عليه وسلم يصبغ بالصفرة.
وحكى ابن شعبان كراهة ذلك في اللحية، وكرهه الشافعي وأبو حنيفة في الثياب واللحية قاله عياض.

وقال الباجي روى الداودي أن عمر بن الخطاب كان يصبغ لحيته بالصفرة حتى تمتلئ ثيابه من الصفرة، وقال: إني رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يصبغ بها ولم يكن شيء أحب إليه منها وأنه كان يصبغ بها ثيابه كلها حتى العمامة.
قال الباجي: وهذا في الزعفران وأما بغيره مما ليس بطيب ولا ينفض على الجسد فلا خلاف في جوازه ( فسأله رسول الله صلى الله عليه وسلم) فقال: ما هذا؟ وفي رواية فقال: مهيم، أي ما هذا؟ وكلاهما في الصحيح.
قال عياض فيه افتقاد الكبير أصحابه وسؤاله عما يختلف عليه من حالهم وليس من كثرة السؤال المنهي عنه.
قال الأبي: هذا بناء على أنه ليس سؤال إنكار، وقال الطيبي يحتمل أنه إنكار لأنه كان نهى عن التضمخ بالطيب فأجابه بأنه لم يتضمخ به وإنما تعلق به من العروس.
( فأخبره أنه تزوج) زاد في رواية امرأة من الأنصار.
قال الحافظ: ولم تسم إلا أن الزبير بن بكار جزم بأنها ابنة أبي الحيسر، بفتح المهملتين بينهما تحتية ساكنة آخره راء، واسمه أنس بن رافع الأنصاري، وأنها ولدت له القاسم وأبا عثمان عبد الله ( فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: كم سقت إليها) مهرًا وفي رواية كم أصدقتها؟ وفيه أنه لا بد في النكاح من المهر وقد يشعر ظاهره احتياجه إلى تقدير لأن كم موضوعة له ففيه حجة للمالكية والحنفية في أن أقل الصداق مقدر.
( فقال) سقت إليها ( زنة نواة من ذهب) قال ابن وهب والخطابي: والأكثر هي خمسة دراهم من ذهب، فالنواة اسم لمقدار معروف عندهم.
وقال أحمد بن حنبل: النواة ثلاثة دراهم وثلث.
وقيل المراد نواة التمر أي وزنها من ذهب.
والأول أظهر وأصح.
وقال بعض أصحاب مالك النواة بالمدينة ربع دينار وظاهر كلام أبي عبيد أنه دفع خمسة دراهم ولم يكن ثمَّ ذهب إنما هي خمسة دراهم تسمى نواة كما تسمى الأربعون أوقية قاله عياض.
قال الزواوي لكن قوله من ذهب يبعد أن تكون خمسة دراهم فضة إلا أن يكون التقدير صرف زنة نواة من ذهب ويكون زنتها حينئذٍ من الذهب صرفها خمسة دراهم، وذلك غير بعيد، فإن الصرف كان في زمانهم عشرة دراهم بدينار، ولا يبعد أن يكون من النوى ما زنته نصف مثقال، ويكون ذلك هو المصطلح على الوزن به عندهم اهـ.

لكن ضعف ابن دقيق العيد والطيبي القول بأنه نوى التمر بأن زنتها لا تضبط ولا يعتد بها.
قال عياض.
قيل: زنة نواة من ذهب ثلاثة دراهم وربع وأراد قائله أن يحتج به على أنه أقل الصداق، ولا يصح لقوله من ذهب وذلك أكثر من دينارين وهذا لم يقله أحد وهو غفلة من قائله بل فيه حجة لمن يقول لا يكون أقل من عشرة دراهم.
ووهم الداودي رواية من ذهب وقال: الصحيح نواة ولا وهم فيه على كل تفسير لأنها إن كانت نواة تمر كما قال أو قدرًا معلومًا عندهم صلح أن يقال فيه وزن كذا وما ذكره من ثلاثة دراهم وربع ووهمه، ذكره أبو عمر عن بعض أصحاب مالك ووهمه أيضًا بأنه لا خلاف أن المثقال درهمان عددًا ودرهم الفضة كيلاً درهم وخمسان ووزن ثلاثة دراهم وربع من ذهب أكثر من مثقالين من الذهب.
قال الزواوي: وهذا الذي ذكراه يصح الانفصال عنه بأن معناه صرفها ثلاثة دراهم وربع كما قلنا في تقدير نواة ولا بعد في هذا للمتأمل مع ما فيه من نفي الوهم عن إمام من أصحاب مالك قال: ويصح حمل الحديث على ظاهره بأنه أصدقها ذهبًا زنته نواة، والنواة وزن معروف هو خمسة دراهم فضة، وذلك ثمن أوقية لأنها أربعون درهمًا ولا مانع من ذلك مع أنه ظاهر الحديث ولا يحتاج إلى ذكر الصرف ولا التأويل اهـ.
وهو حسن.

وقال الطيبي وابن دقيق العيد: في المعنى قولان، أحدهما: أن الصداق ذهب وزنه خمسة دراهم فيكون ثلاثة مثاقيل ونصف.
والثاني: أنه دراهم خمسة بوزن نواة من ذهب.
قال الطيبي: وهذا بعيد من اللفظ قال ابن دقيق العيد وعلى الأول يتعلق قوله من ذهب بلفظ زنة، وعلى الثاني: بنواة قال ابن فرحون أما تعلقه بزنة فلأنه مصدر وزن وأما تعلقه بنواة فيصح أنه من تعلق الصفة بالموصوف أي نواة كائنة من ذهب ويكون المراد ما عدلها دراهم أو يكون هو الموزون بها ( فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم) زاد في رواية للصحيح فبارك الله لك ( أولم) أمر ندب على المشهور عن مالك والشافعي وقيل للوجوب لحديث من لم يجب الدعوة فقد عصى الله ورسوله.
قال المازري: ولا حجة فيه لأن العصيان في ترك الإجابة لا في ترك الوليمة ولا بعد في أن الدعوة لا تجب والإجابة واجبة كالسلام لا يجب الابتداء به ورده واجب، وأجاب بعض أصحابنا البغداديين بأن العصيان مخالفة الأمر والمندوب مأمور به اهـ.
والأول الصواب لاقتضاء الثاني أنه لا يأثم بالترك وإن أطلق عليه اسم العصيان مع أنه إثم ( ولو بشاة) لو: تقليلية لا امتناعية.
قال عياض: فيه التوسعة فيها للواجد بذبح وغيره وأن الشاة لأهل الجدة أقل ما يكون لا التحديد وأنه لا يجزئ أقل منها لمن لم يجدها بل على طريق الحض والإرشاد ولا خلاف أنه لا حد لها وهي بقدر حال الرجل، وأخذ بعضهم من الحديث أنها بعد الدخول وقال بعضهم: لا دليل فيه والأول أظهر وقاله مالك وغيره ووجهه شهرة الدخول لما يتعلق به من الحقوق وللفرق بين النكاح، والسفاح.
وعن مالك جوازها قبل الدخول.
وعن ابن حبيب استحبابها عند العقد وعند البناء، واستحبها بعض شيوخنا قبل البناء ليكون الدخول بها واختلف السلف في تكرارها أكثر من يومين بالإجازة والكراهة.
واستحب أصحابنا لأهل السعة أسبوعًا قال بعضهم وذلك إذا دعا في كل يوم من لم يدع قبله وكرهوا فيها المباهاة والسمعة اهـ.

وقال الباجي أمر صلى الله عليه وسلم بالوليمة لما فيها من إشهار النكاح مع ما يقترن بها من مكارم الأخلاق.
قال ابن مزين عن مالك استحب الإطعام في الوليمة وكثرة الشهود ليشتهر النكاح وتثبت معرفته.
وروى أشهب عن مالك لا بأس أن يولم بعد البناء قيل: فمن أخر إلى السابع قال فليجب وليس كالوليمة.
ابن حبيب كان صلى الله عليه وسلم يستحب الإطعام على النكاح عند عقده، ولفظ عند يحتمل قبله وبعده وكيفما كان فليس فيه منع لكن تقديم إشهاره قبل أفضل كالإشهاد ويحتمل أن مالكًا قال بعده لمن فاته قبل أو لعله اختاره لأن فيه معنى الرضا بما اطلع عليه الزوج من حال الزوجة والمباح من الوليمة ما جرت به العادة من غير سرف ولا سمعة والمختار منها يوم واحد.
قال ابن حبيب: وأبيح أكثر منه وروي أن اليوم الثاني فضل، والثالث سمعة.
وأجاب الحسن في الأول والثاني.
ولم يجب في الثالث.
وروي عن ابن المسيب مثله وأولم ابن سيرين ثمانية أيام.
قال ابن حبيب: من وسع الله عليه فليولم من يوم بنائه إلى مثله يريد إذا قصد إشهار النكاح والتوسعة على الناس لا السمعة والمباهاة.

وهذا الحديث رواه البخاري عن عبد الله بن يوسف عن مالك به وتابعه سفيان بن عيينة عند البخاري وشعبة عند مسلم كلاهما عن حميد نحوه وله طرق في الصحيحين وغيرهما وفيه قصة.

( مالك عن يحيى بن سعيد) الأنصاري ( أنه قال: لقد بلغني) وصله النسائي وقاسم بن أصبغ من طريق سعيد بن عفير عن سليمان بن بلال عن يحيى بن سعيد عن حميد عن أنس ( أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يولم بالوليمة ما فيها خبز ولا لحم) قال حميد: قلت بأي شيء يا أبا حمزة؟ يعني أنسًا قال: تمر وسويق، كما في الطريق الموصولة.
وفي البخاري عن صفية بنت شيبة قالت: أولم النبي صلى الله عليه وسلم على بعض نسائه بمدّين من شعير.
قال الحافظ لم أقف على تعيين اسم التي أَوَلَم عليها صريحًا، لكن يحتمل أنها أم سلمة لحديثها عن ابن سعد عن الواقدي أنه صلى الله عليه وسلم لما تزوّجها أدخلها بيت زينب بنت خزيمة فإذا جرّة فيها شيء من شعير فأخذته فطحنته ثم عصدته في البرمة وأخذت شيئًا من إهالة فأدمته فكان ذلك طعامه صلى الله عليه وسلم.
وأما حديث شريك عن حميد عن أنس أنه صلى الله عليه وسلم أولم على أم سلمة بتمر وسمن وسويق فوهم من شريك لأنه كان سيئ الحفظ، أو من الراوي عنه وهو جندل بن واق فإن مسلمًا والبزار ضعفاه وإنما المحفوظ عن حميد عن أنس أن ذلك في قصة صفية أخرجه النسائي اهـ.

( مالك عن نافع عن عبد الله بن عمر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: إذا دعي أحدكم إلى وليمة فليأتها) أي فليأت مكانها أو التقدير إلى مكان وليمة ولا يضر إعادة الضمير مؤنثًا والأمر للإيجاب والمراد وليمة العرس كما حمله عليه مالك في المدوّنة وغيره لأنها المعهودة عندهم ويؤيده رواية مسلم من طريق عبيد الله عن نافع عن ابن عمر مرفوعًا إذا دعي أحدكم إلى وليمة عرس فليجب فتجب إجابة من عين وإن صائمًا، لأن ابن عمر كان يأتيها وهو صائم كما في مسلم بشروط في الفروع كما حكى عليه عياض الاتفاق لكن نوزع بقول ابن القصار المذهب لا تجب الإجابة وإن كان ضعيفًا، أما وليمة غيره فلا تجب لأن عثمان بن العاصي دعي إلى ختان فلم يجب وقال: لم نكن ندعى له على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم.
رواه أحمد وأوجبها الظاهرية لظاهر الحديث.
قال عياض: وحملها مالك والأكثر على الندب، وكره مالك لأهل الفضل الإجابة لكل طعام دعي إليه فتأوّله بعضهم على غير الوليمة وتأوّله غيره على غير طعام السرور كختان وإملاك ونفاس وحادث سرور لما في مسلم عن أيوب عن نافع عن ابن عمر مرفوعًا: إذا دعا أحدكم أخوه فليجب عرسًا كان أو غيره.
وفيه أيضًا من طريق الزبيدي عن نافع عن ابن عمر رفعه: من دعي إلى عرس أو نحوه فليجب.

والحديث رواه البخاري عن عبد الله بن يوسف ومسلم عن يحيى كلاهما عن مالك، وتابعه عبيد الله وأيوب والزبيدي وإسماعيل بن أمية وموسى بن عقبة خمستهم عند مسلم عن نافع نحوه.

( مالك عن ابن شهاب) الزهري ( عن الأعرج) عبد الرحمن بن هرمز ( عن أبي هريرة أنه كان يقول) قال ابن عبد البر: جل رواة مالك لم يصرحوا برفعه، ورواه روح بن القاسم عنه مصرحًا برفعه، وكذا أخرجه الدارقطني في الغرائب من طريق إسماعيل بن سلمة بن قعنب عن مالك مصرحًا برفعه إلى النبي صلى الله عليه وسلم ( شر) وليحيى النيسابوري بئس ( الطعام طعام الوليمة) قال البيضاوي يريد من شر الطعام فإن من الطعام ما يكون شرًا منه وإنما سماه شرًا لقوله ( يدعى إليها الأغنياء ويترك المساكين) وللتنيسي: الفقراء يعني الغالب فيها ذلك فكأنه قال: طعام الوليمة التي من شأنها هذا فاللفظ وإن أطلقه فالمراد به التقييد بما ذكر عقبه وكيف يريد به الإطلاق وقد أمر بالوليمة وأوجب إجابة الداعي ورتب العصيان على تركها، وتعقبه الطيبي بأن التعريف في الوليمة للعهد الخارجي وكان من عادتهم مراعاة الأغنياء فيها وتخصيصهم بالدعوة وإيثارهم وقوله يدعى إلخ استئناف بياني لكونها شر الطعام، وعلى هذا يحتاج إلى تقدير من، وقوله: ويترك الفقراء حال والعامل يدعى أي يدعى إليها الأغنياء والحال أنه يترك الفقراء والإجابة واجبة فيكون الدعاء سببًا لأكل المدعو شر الطعام وقول التنقيح جملة يدعى في موضع الصفة لطعام رده في المصابيح بأن الظاهر أنها صفة للوليمة على جعل اللام جنسية مثلها في قوله:

ولقد أمرّ على اللئيم يسبني

ويستغنى حينئذ عن تأويل تأنيث الضمير على تقدير كونها صفة الطعام انتهى.

( ومن لم يأت) وللتنيسي ومن ترك ( الدعوة) بفتح الدال على المشهور، وهي أعم من الوليمة لأنها خاصة بالعرس كما نقله أبو عمر عن أهل اللغة.
وقال النووي: بفتح الدال دعوة الطعام أما دعوة النسب فبكسرها هذا قول جمهور العرب، وعكسه تيم الرباب بكسر الراء.
فقالوا: الطعام بالكسر والنسب بالفتح.
وقول قطرب دعوة الطعام بالضم غلطوه اهـ.
والمراد هنا دعوة العرس وإن كان لفظ الدعوة أعم لقوله ( فقد عصى الله ورسوله) إذ فيه دليل على وجوب الإجابة لأن العصيان لا يطلق إلا على ترك الواجب، وإنما تجب إجابة وليمة العرس.

قال القرطبي: وفيه دلالة على أنه مرفوع لأن أبا هريرة لا يقوله من نفسه، ونحوه قول أبي عمر هذا حديث مسند عندهم أيقول أبو هريرة فقد عصى الله ورسوله.
قال النووي بين الحديث وجه كونه شر الطعام بأنه يدعى له الغني عن أكله ويترك المحتاج لأكله، والأولى العكس وليس فيه ما يدل على حرمة الأكل إذ لم يقل أحد بحرمة الإجابة، وإنما هو من باب ترك الأولى كخبر خير صفوف الرجال أولها وشرها آخرها، ولم يقل أحد بحرمة الصلاة في الصف الأخير.
والقصد من الحديث الحث على دعوة الفقير وأن لا يقتصر على الأغنياء.
وقال عياض: إن كان من قول أبي هريرة فأخبر بحال الناس واختصاصهم بها الأغنياء دون المحتاجين، وكانوا أولى بها لسدّ خلتهم وخير الأفعال أكثرها أجرًا.
وذلك غير موجود في الأغنياء وإنما هو نوع من المكارمة وإن كان رفعه وهو الصحيح فهو إخبار منه صلى الله عليه وسلم عما يكون بعده وقد كره العلماء تخصيص الأغنياء بالدعوة فإن فعل فقال ابن مسعود إذا خص الأغنياء أمرنا أن لا نجيب.
وقال ابن حبيب: من فارق السنة في وليمته فلا دعوة له.
وقال أبو هريرة: أنتم العاصون في الدعوة ودعا ابن عمر في وليمة الأغنياء والفقراء فجاءت قريش ومعها المساكين فقال لهم: ههنا فاجلسوا لا تفسدوا عليهم ثيابهم فإنا سنطعمكم مما يأكلون.

وهذا الحديث رواه البخاري عن عبد الله بن يوسف ومسلم عن يحيى كلاهما عن مالك به موقوفًا، وتابعه سفيان ومعمر كلاهما عن ابن شهاب، وتابع ابن شهاب أبو الزناد عن الأعرج، وتابع الأعرج سعيد بن المسيب كل ذلك عند مسلم موقوفًا.
وأخرجه من طريق زياد بن سعد سمعت ثابتًا الأعرج يحدث عن أبي هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال شر الطعام الوليمة يمنعها من يأتيها ويدعى إليها من يأباها، ومن لم يجب الدعوة فقد عصى الله ورسوله، فخالف ثابت وهو ابن عياض الأحنف الأعرج العدوي مولاهم وهو ثقة عبد الرحمن الأعرج وابن المسيب فإنهما وقفاه عن أبي هريرة وثابت رفعه عنه، وقد تابعه محمد بن سيرين عن أبي هريرة في رفعه، أخرجه أبو الشيخ وفي التمهيد روى جماعة هذا الحديث عن ابن شهاب مرفوعًا بغير إشكال ثم أخرجه من طريق ابن جريج عن الزهري عن عبد الرحمن الأعرج عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: بئس الطعام فذكره، ثم قال: وهكذا رواه ابن عيينة مرفوعًا اهـ.
لكن الذي في مسلم عن ابن عيينة مرفوعًا كما علمت.
قال النووي: إذا روي الحديث موقوفًا ومرفوعًا حكم برفعه على الصحيح لأنها زيادة عدل اهـ.
وله شاهد مرفوع عن ابن عباس عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: شر الطعام طعام الوليمة يدعى إليه الشبعان ويحبس عنه الجائع أخرجه الطبراني والديلمي بإسناد فيه مقال.

( مالك عن إسحاق بن عبد الله بن أبي طلحة) زيد الأنصاري ( أنه سمع) عمه أخا أبيه لأمه ( أنس بن مالك يقول إن خياطًا) بفتح الخاء المعجمة والتحتية الشديدة، ولم يعرف الحافظ اسمه ( دعا رسول الله صلى الله عليه وسلم لطعام صنعه قال أنس فذهبت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى ذلك الطعام فقرب) الخياط ( إليه خبزًا من شعير) بفتح الشين وقد تكسر ( ومرقًا فيه دباء) بضم الدال وشدّ الموحدة والمد: الواحدة دباءة فهمزته منقلبة عن حرف علة، وخطأ المجد الجوهري في ذكره في المقصور أي فيه قرع زاد في رواية القعنبي وابن بكير والتنيسي وقديد ( قال أنس فرأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يتتبع) بإسكان الفوقية وخفة الموحدة مفتوحة ( الدباء) القرع أو المستدير منه ( من حول القصعة) بفتح القاف، زاد في رواية يأكلها أي لأنها كانت تعجبه ويترك القديد إذ كان يشتهيه حينئذ ففيه أن المؤاكل لأهله وخدمه يأكل ما يشتهيه حيث رآه في ذلك الإناء إذا علم أن مؤاكله لا يكره ذلك، وإلا فلا يتجاوز ما يليه وقد علم أن أحدًا لا يكره منه صلى الله عليه وسلم شيئًا بل كانوا يتبركون بريقه وغيره مما مسه بل كانوا يتبادرون إلى نخامته فيتدلكون بها.

قال أنس: ( فلم أزل أحب الدباء) أي أكلها ( بعد ذلك اليوم) اقتداء به صلى الله عليه وسلم.
وفي رواية التنيسي وغيره: من يومئذ.
وفي الترمذي عن طالوت الشامي قال: دخلت على أنس وهو يأكل قرعًا وهو يقول: يا لك من شجرة ما أحبك إلا لحب رسول الله صلى الله عليه وسلم إياك.
ولأحمد عن أنس أنه صلى الله عليه وسلم قال له: إذا طبخت قدرًا فأكثر فيها من الدباء فإنها تشد قلب الحزين.
وللطبراني عن واثلة مرفوعًا: عليكم بالقرع فإنه يزيد في الدماغ.
وللبيهقي عن عطاء مرسلاً: عليكم بالقرع فإنه يزيد في العقل ويكبر الدماغ، وزاد بعضهم أنه يجلو البصر ويلين القلب.
وفي تذكرة القرطبي مرفوعًا: إن الدباء والبطيخ من الجنة.
قال الخطابي: فيه جواز الإجازة على الخياطة ردًّا على من أبطلها بعلة أنها ليست بأعيان مرئية ولا صفات معلومة، وفي صنعة الخياطة معنى ليس في القين والصائغ والنجار لأن هؤلاء الصناع إنما يكون منهم الصنعة المحضة فيما يستصنعه صاحب الحديد والفضة والذهب والخشب، وهي أمور موصوفة يوقف على حدها ولا يخلط بها غيرها.
والخياط إنما يخيط الثوب في الأغلب بخيط من عنده فيجمع إلى الصنعة الآلة وأحدهما معناه التجارة والأخرى الإجارة وحصة أحدهما لا تتميز من الأخرى.
وكذلك هذا في الخراز والصباغ إذا كان بخيوطه ويصبغ هذا بصبغه على العادة المعتادة فيما بين الصناع وجميع ذلك فاسد في القياس إلا أن النبي صلى الله عليه وسلم وجدهم على هذه العادة أول زمن الشريعة فلم يغيرها، إذ لو طولبوا بغير ذلك لشق عليهم فصار بمعزل عن موضع القياس والعمل ماض صحيح لما فيه من الإرفاق اهـ.

ووجه إدخال الإمام هذا الحديث في الوليمة الإشارة إلى أنه لا ينبغي التخلف عن الدعوة وإن لم تكن واجبة لأن دعوة الخياط لم تكن في عرس، إذ الظاهر من قوله لطعام صنعه أنه صنعه للنبي صلى الله عليه وسلم وإن كان معناه صنعه في عرس ودعا له المصطفى فالمطابقة ظاهرة.
وقال أبو عمر أدخله في وليمة العرس ويشبه أنه وصل إليه علم ذلك وليس في ظاهر الحديث ما يدل على أنها وليمة عرس.

وأخرجه البخاري في البيوع عن التنيسي، وفي الأطعمة عن قتيبة بن سعيد، والقعنبي وأبي نعيم الفضل بن دكين وإسماعيل ومسلم في الأطعمة عن قتيبة بن سعيد، الخمسة عن مالك به، قال ابن عبد البر: ورواه جماعة من أصحاب سفيان بن عيينة عنه عن مالك بإسناده.



رقم الحديث 1150 وَحَدَّثَنِي عَنْ مَالِكٍ عَنْ نَافِعٍ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: إِذَا دُعِيَ أَحَدُكُمْ إِلَى وَلِيمَةٍ فَلْيَأْتِهَا.


( مالك عن حميد الطويل) الخزاعي البصري ( عن أنس بن مالك أن عبد الرحمن بن عوف) قال ابن عبد البر: هو من مسند أنس عند جميع رواة الموطأ ورواه روح بن عبادة عن مالك عن حميد عن أنس عن عبد الرحمن أنه جاء فجعله من مسند عبد الرحمن ( جاء إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وبه أثر صفرة) تعلقت بجلده أو ثوبه من طيب العروس، هذا أولى ما فسر به.
وفي حديث وبه ردع من زعفران أي أثره وليس بداخل في النهي عن تزعفر الرجل لأنه فيما قصد به التشبه بالنساء.
وقيل: يرخص فيه للعروس وفيه أثر ذكره أبو عبيد أنهم كانوا يرخصون فيه للشاب أيام عرسه، وقيل: لعله صلى الله عليه وسلم لم ينكر عليه لأنه يسير.
وقيل: كان من ينكح أول الإسلام يلبس ثوبًا مصبوغًا بصفرة علامة للسرور، وهذا غير معروف على أن بعضهم جعله أولى ما قيل.
ومذهب مالك وأصحابه جواز الثياب المزعفرة للرجال.
وحكاه مالك عن علماء المدينة وهو مذهب ابن عمر وغيره وحجتهم حديث ابن عمر كان صلى الله عليه وسلم يصبغ بالصفرة.
وحكى ابن شعبان كراهة ذلك في اللحية، وكرهه الشافعي وأبو حنيفة في الثياب واللحية قاله عياض.

وقال الباجي روى الداودي أن عمر بن الخطاب كان يصبغ لحيته بالصفرة حتى تمتلئ ثيابه من الصفرة، وقال: إني رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يصبغ بها ولم يكن شيء أحب إليه منها وأنه كان يصبغ بها ثيابه كلها حتى العمامة.
قال الباجي: وهذا في الزعفران وأما بغيره مما ليس بطيب ولا ينفض على الجسد فلا خلاف في جوازه ( فسأله رسول الله صلى الله عليه وسلم) فقال: ما هذا؟ وفي رواية فقال: مهيم، أي ما هذا؟ وكلاهما في الصحيح.
قال عياض فيه افتقاد الكبير أصحابه وسؤاله عما يختلف عليه من حالهم وليس من كثرة السؤال المنهي عنه.
قال الأبي: هذا بناء على أنه ليس سؤال إنكار، وقال الطيبي يحتمل أنه إنكار لأنه كان نهى عن التضمخ بالطيب فأجابه بأنه لم يتضمخ به وإنما تعلق به من العروس.
( فأخبره أنه تزوج) زاد في رواية امرأة من الأنصار.
قال الحافظ: ولم تسم إلا أن الزبير بن بكار جزم بأنها ابنة أبي الحيسر، بفتح المهملتين بينهما تحتية ساكنة آخره راء، واسمه أنس بن رافع الأنصاري، وأنها ولدت له القاسم وأبا عثمان عبد الله ( فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: كم سقت إليها) مهرًا وفي رواية كم أصدقتها؟ وفيه أنه لا بد في النكاح من المهر وقد يشعر ظاهره احتياجه إلى تقدير لأن كم موضوعة له ففيه حجة للمالكية والحنفية في أن أقل الصداق مقدر.
( فقال) سقت إليها ( زنة نواة من ذهب) قال ابن وهب والخطابي: والأكثر هي خمسة دراهم من ذهب، فالنواة اسم لمقدار معروف عندهم.
وقال أحمد بن حنبل: النواة ثلاثة دراهم وثلث.
وقيل المراد نواة التمر أي وزنها من ذهب.
والأول أظهر وأصح.
وقال بعض أصحاب مالك النواة بالمدينة ربع دينار وظاهر كلام أبي عبيد أنه دفع خمسة دراهم ولم يكن ثمَّ ذهب إنما هي خمسة دراهم تسمى نواة كما تسمى الأربعون أوقية قاله عياض.
قال الزواوي لكن قوله من ذهب يبعد أن تكون خمسة دراهم فضة إلا أن يكون التقدير صرف زنة نواة من ذهب ويكون زنتها حينئذٍ من الذهب صرفها خمسة دراهم، وذلك غير بعيد، فإن الصرف كان في زمانهم عشرة دراهم بدينار، ولا يبعد أن يكون من النوى ما زنته نصف مثقال، ويكون ذلك هو المصطلح على الوزن به عندهم اهـ.

لكن ضعف ابن دقيق العيد والطيبي القول بأنه نوى التمر بأن زنتها لا تضبط ولا يعتد بها.
قال عياض.
قيل: زنة نواة من ذهب ثلاثة دراهم وربع وأراد قائله أن يحتج به على أنه أقل الصداق، ولا يصح لقوله من ذهب وذلك أكثر من دينارين وهذا لم يقله أحد وهو غفلة من قائله بل فيه حجة لمن يقول لا يكون أقل من عشرة دراهم.
ووهم الداودي رواية من ذهب وقال: الصحيح نواة ولا وهم فيه على كل تفسير لأنها إن كانت نواة تمر كما قال أو قدرًا معلومًا عندهم صلح أن يقال فيه وزن كذا وما ذكره من ثلاثة دراهم وربع ووهمه، ذكره أبو عمر عن بعض أصحاب مالك ووهمه أيضًا بأنه لا خلاف أن المثقال درهمان عددًا ودرهم الفضة كيلاً درهم وخمسان ووزن ثلاثة دراهم وربع من ذهب أكثر من مثقالين من الذهب.
قال الزواوي: وهذا الذي ذكراه يصح الانفصال عنه بأن معناه صرفها ثلاثة دراهم وربع كما قلنا في تقدير نواة ولا بعد في هذا للمتأمل مع ما فيه من نفي الوهم عن إمام من أصحاب مالك قال: ويصح حمل الحديث على ظاهره بأنه أصدقها ذهبًا زنته نواة، والنواة وزن معروف هو خمسة دراهم فضة، وذلك ثمن أوقية لأنها أربعون درهمًا ولا مانع من ذلك مع أنه ظاهر الحديث ولا يحتاج إلى ذكر الصرف ولا التأويل اهـ.
وهو حسن.

وقال الطيبي وابن دقيق العيد: في المعنى قولان، أحدهما: أن الصداق ذهب وزنه خمسة دراهم فيكون ثلاثة مثاقيل ونصف.
والثاني: أنه دراهم خمسة بوزن نواة من ذهب.
قال الطيبي: وهذا بعيد من اللفظ قال ابن دقيق العيد وعلى الأول يتعلق قوله من ذهب بلفظ زنة، وعلى الثاني: بنواة قال ابن فرحون أما تعلقه بزنة فلأنه مصدر وزن وأما تعلقه بنواة فيصح أنه من تعلق الصفة بالموصوف أي نواة كائنة من ذهب ويكون المراد ما عدلها دراهم أو يكون هو الموزون بها ( فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم) زاد في رواية للصحيح فبارك الله لك ( أولم) أمر ندب على المشهور عن مالك والشافعي وقيل للوجوب لحديث من لم يجب الدعوة فقد عصى الله ورسوله.
قال المازري: ولا حجة فيه لأن العصيان في ترك الإجابة لا في ترك الوليمة ولا بعد في أن الدعوة لا تجب والإجابة واجبة كالسلام لا يجب الابتداء به ورده واجب، وأجاب بعض أصحابنا البغداديين بأن العصيان مخالفة الأمر والمندوب مأمور به اهـ.
والأول الصواب لاقتضاء الثاني أنه لا يأثم بالترك وإن أطلق عليه اسم العصيان مع أنه إثم ( ولو بشاة) لو: تقليلية لا امتناعية.
قال عياض: فيه التوسعة فيها للواجد بذبح وغيره وأن الشاة لأهل الجدة أقل ما يكون لا التحديد وأنه لا يجزئ أقل منها لمن لم يجدها بل على طريق الحض والإرشاد ولا خلاف أنه لا حد لها وهي بقدر حال الرجل، وأخذ بعضهم من الحديث أنها بعد الدخول وقال بعضهم: لا دليل فيه والأول أظهر وقاله مالك وغيره ووجهه شهرة الدخول لما يتعلق به من الحقوق وللفرق بين النكاح، والسفاح.
وعن مالك جوازها قبل الدخول.
وعن ابن حبيب استحبابها عند العقد وعند البناء، واستحبها بعض شيوخنا قبل البناء ليكون الدخول بها واختلف السلف في تكرارها أكثر من يومين بالإجازة والكراهة.
واستحب أصحابنا لأهل السعة أسبوعًا قال بعضهم وذلك إذا دعا في كل يوم من لم يدع قبله وكرهوا فيها المباهاة والسمعة اهـ.

وقال الباجي أمر صلى الله عليه وسلم بالوليمة لما فيها من إشهار النكاح مع ما يقترن بها من مكارم الأخلاق.
قال ابن مزين عن مالك استحب الإطعام في الوليمة وكثرة الشهود ليشتهر النكاح وتثبت معرفته.
وروى أشهب عن مالك لا بأس أن يولم بعد البناء قيل: فمن أخر إلى السابع قال فليجب وليس كالوليمة.
ابن حبيب كان صلى الله عليه وسلم يستحب الإطعام على النكاح عند عقده، ولفظ عند يحتمل قبله وبعده وكيفما كان فليس فيه منع لكن تقديم إشهاره قبل أفضل كالإشهاد ويحتمل أن مالكًا قال بعده لمن فاته قبل أو لعله اختاره لأن فيه معنى الرضا بما اطلع عليه الزوج من حال الزوجة والمباح من الوليمة ما جرت به العادة من غير سرف ولا سمعة والمختار منها يوم واحد.
قال ابن حبيب: وأبيح أكثر منه وروي أن اليوم الثاني فضل، والثالث سمعة.
وأجاب الحسن في الأول والثاني.
ولم يجب في الثالث.
وروي عن ابن المسيب مثله وأولم ابن سيرين ثمانية أيام.
قال ابن حبيب: من وسع الله عليه فليولم من يوم بنائه إلى مثله يريد إذا قصد إشهار النكاح والتوسعة على الناس لا السمعة والمباهاة.

وهذا الحديث رواه البخاري عن عبد الله بن يوسف عن مالك به وتابعه سفيان بن عيينة عند البخاري وشعبة عند مسلم كلاهما عن حميد نحوه وله طرق في الصحيحين وغيرهما وفيه قصة.

( مالك عن يحيى بن سعيد) الأنصاري ( أنه قال: لقد بلغني) وصله النسائي وقاسم بن أصبغ من طريق سعيد بن عفير عن سليمان بن بلال عن يحيى بن سعيد عن حميد عن أنس ( أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يولم بالوليمة ما فيها خبز ولا لحم) قال حميد: قلت بأي شيء يا أبا حمزة؟ يعني أنسًا قال: تمر وسويق، كما في الطريق الموصولة.
وفي البخاري عن صفية بنت شيبة قالت: أولم النبي صلى الله عليه وسلم على بعض نسائه بمدّين من شعير.
قال الحافظ لم أقف على تعيين اسم التي أَوَلَم عليها صريحًا، لكن يحتمل أنها أم سلمة لحديثها عن ابن سعد عن الواقدي أنه صلى الله عليه وسلم لما تزوّجها أدخلها بيت زينب بنت خزيمة فإذا جرّة فيها شيء من شعير فأخذته فطحنته ثم عصدته في البرمة وأخذت شيئًا من إهالة فأدمته فكان ذلك طعامه صلى الله عليه وسلم.
وأما حديث شريك عن حميد عن أنس أنه صلى الله عليه وسلم أولم على أم سلمة بتمر وسمن وسويق فوهم من شريك لأنه كان سيئ الحفظ، أو من الراوي عنه وهو جندل بن واق فإن مسلمًا والبزار ضعفاه وإنما المحفوظ عن حميد عن أنس أن ذلك في قصة صفية أخرجه النسائي اهـ.

( مالك عن نافع عن عبد الله بن عمر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: إذا دعي أحدكم إلى وليمة فليأتها) أي فليأت مكانها أو التقدير إلى مكان وليمة ولا يضر إعادة الضمير مؤنثًا والأمر للإيجاب والمراد وليمة العرس كما حمله عليه مالك في المدوّنة وغيره لأنها المعهودة عندهم ويؤيده رواية مسلم من طريق عبيد الله عن نافع عن ابن عمر مرفوعًا إذا دعي أحدكم إلى وليمة عرس فليجب فتجب إجابة من عين وإن صائمًا، لأن ابن عمر كان يأتيها وهو صائم كما في مسلم بشروط في الفروع كما حكى عليه عياض الاتفاق لكن نوزع بقول ابن القصار المذهب لا تجب الإجابة وإن كان ضعيفًا، أما وليمة غيره فلا تجب لأن عثمان بن العاصي دعي إلى ختان فلم يجب وقال: لم نكن ندعى له على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم.
رواه أحمد وأوجبها الظاهرية لظاهر الحديث.
قال عياض: وحملها مالك والأكثر على الندب، وكره مالك لأهل الفضل الإجابة لكل طعام دعي إليه فتأوّله بعضهم على غير الوليمة وتأوّله غيره على غير طعام السرور كختان وإملاك ونفاس وحادث سرور لما في مسلم عن أيوب عن نافع عن ابن عمر مرفوعًا: إذا دعا أحدكم أخوه فليجب عرسًا كان أو غيره.
وفيه أيضًا من طريق الزبيدي عن نافع عن ابن عمر رفعه: من دعي إلى عرس أو نحوه فليجب.

والحديث رواه البخاري عن عبد الله بن يوسف ومسلم عن يحيى كلاهما عن مالك، وتابعه عبيد الله وأيوب والزبيدي وإسماعيل بن أمية وموسى بن عقبة خمستهم عند مسلم عن نافع نحوه.

( مالك عن ابن شهاب) الزهري ( عن الأعرج) عبد الرحمن بن هرمز ( عن أبي هريرة أنه كان يقول) قال ابن عبد البر: جل رواة مالك لم يصرحوا برفعه، ورواه روح بن القاسم عنه مصرحًا برفعه، وكذا أخرجه الدارقطني في الغرائب من طريق إسماعيل بن سلمة بن قعنب عن مالك مصرحًا برفعه إلى النبي صلى الله عليه وسلم ( شر) وليحيى النيسابوري بئس ( الطعام طعام الوليمة) قال البيضاوي يريد من شر الطعام فإن من الطعام ما يكون شرًا منه وإنما سماه شرًا لقوله ( يدعى إليها الأغنياء ويترك المساكين) وللتنيسي: الفقراء يعني الغالب فيها ذلك فكأنه قال: طعام الوليمة التي من شأنها هذا فاللفظ وإن أطلقه فالمراد به التقييد بما ذكر عقبه وكيف يريد به الإطلاق وقد أمر بالوليمة وأوجب إجابة الداعي ورتب العصيان على تركها، وتعقبه الطيبي بأن التعريف في الوليمة للعهد الخارجي وكان من عادتهم مراعاة الأغنياء فيها وتخصيصهم بالدعوة وإيثارهم وقوله يدعى إلخ استئناف بياني لكونها شر الطعام، وعلى هذا يحتاج إلى تقدير من، وقوله: ويترك الفقراء حال والعامل يدعى أي يدعى إليها الأغنياء والحال أنه يترك الفقراء والإجابة واجبة فيكون الدعاء سببًا لأكل المدعو شر الطعام وقول التنقيح جملة يدعى في موضع الصفة لطعام رده في المصابيح بأن الظاهر أنها صفة للوليمة على جعل اللام جنسية مثلها في قوله:

ولقد أمرّ على اللئيم يسبني

ويستغنى حينئذ عن تأويل تأنيث الضمير على تقدير كونها صفة الطعام انتهى.

( ومن لم يأت) وللتنيسي ومن ترك ( الدعوة) بفتح الدال على المشهور، وهي أعم من الوليمة لأنها خاصة بالعرس كما نقله أبو عمر عن أهل اللغة.
وقال النووي: بفتح الدال دعوة الطعام أما دعوة النسب فبكسرها هذا قول جمهور العرب، وعكسه تيم الرباب بكسر الراء.
فقالوا: الطعام بالكسر والنسب بالفتح.
وقول قطرب دعوة الطعام بالضم غلطوه اهـ.
والمراد هنا دعوة العرس وإن كان لفظ الدعوة أعم لقوله ( فقد عصى الله ورسوله) إذ فيه دليل على وجوب الإجابة لأن العصيان لا يطلق إلا على ترك الواجب، وإنما تجب إجابة وليمة العرس.

قال القرطبي: وفيه دلالة على أنه مرفوع لأن أبا هريرة لا يقوله من نفسه، ونحوه قول أبي عمر هذا حديث مسند عندهم أيقول أبو هريرة فقد عصى الله ورسوله.
قال النووي بين الحديث وجه كونه شر الطعام بأنه يدعى له الغني عن أكله ويترك المحتاج لأكله، والأولى العكس وليس فيه ما يدل على حرمة الأكل إذ لم يقل أحد بحرمة الإجابة، وإنما هو من باب ترك الأولى كخبر خير صفوف الرجال أولها وشرها آخرها، ولم يقل أحد بحرمة الصلاة في الصف الأخير.
والقصد من الحديث الحث على دعوة الفقير وأن لا يقتصر على الأغنياء.
وقال عياض: إن كان من قول أبي هريرة فأخبر بحال الناس واختصاصهم بها الأغنياء دون المحتاجين، وكانوا أولى بها لسدّ خلتهم وخير الأفعال أكثرها أجرًا.
وذلك غير موجود في الأغنياء وإنما هو نوع من المكارمة وإن كان رفعه وهو الصحيح فهو إخبار منه صلى الله عليه وسلم عما يكون بعده وقد كره العلماء تخصيص الأغنياء بالدعوة فإن فعل فقال ابن مسعود إذا خص الأغنياء أمرنا أن لا نجيب.
وقال ابن حبيب: من فارق السنة في وليمته فلا دعوة له.
وقال أبو هريرة: أنتم العاصون في الدعوة ودعا ابن عمر في وليمة الأغنياء والفقراء فجاءت قريش ومعها المساكين فقال لهم: ههنا فاجلسوا لا تفسدوا عليهم ثيابهم فإنا سنطعمكم مما يأكلون.

وهذا الحديث رواه البخاري عن عبد الله بن يوسف ومسلم عن يحيى كلاهما عن مالك به موقوفًا، وتابعه سفيان ومعمر كلاهما عن ابن شهاب، وتابع ابن شهاب أبو الزناد عن الأعرج، وتابع الأعرج سعيد بن المسيب كل ذلك عند مسلم موقوفًا.
وأخرجه من طريق زياد بن سعد سمعت ثابتًا الأعرج يحدث عن أبي هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال شر الطعام الوليمة يمنعها من يأتيها ويدعى إليها من يأباها، ومن لم يجب الدعوة فقد عصى الله ورسوله، فخالف ثابت وهو ابن عياض الأحنف الأعرج العدوي مولاهم وهو ثقة عبد الرحمن الأعرج وابن المسيب فإنهما وقفاه عن أبي هريرة وثابت رفعه عنه، وقد تابعه محمد بن سيرين عن أبي هريرة في رفعه، أخرجه أبو الشيخ وفي التمهيد روى جماعة هذا الحديث عن ابن شهاب مرفوعًا بغير إشكال ثم أخرجه من طريق ابن جريج عن الزهري عن عبد الرحمن الأعرج عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: بئس الطعام فذكره، ثم قال: وهكذا رواه ابن عيينة مرفوعًا اهـ.
لكن الذي في مسلم عن ابن عيينة مرفوعًا كما علمت.
قال النووي: إذا روي الحديث موقوفًا ومرفوعًا حكم برفعه على الصحيح لأنها زيادة عدل اهـ.
وله شاهد مرفوع عن ابن عباس عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: شر الطعام طعام الوليمة يدعى إليه الشبعان ويحبس عنه الجائع أخرجه الطبراني والديلمي بإسناد فيه مقال.

( مالك عن إسحاق بن عبد الله بن أبي طلحة) زيد الأنصاري ( أنه سمع) عمه أخا أبيه لأمه ( أنس بن مالك يقول إن خياطًا) بفتح الخاء المعجمة والتحتية الشديدة، ولم يعرف الحافظ اسمه ( دعا رسول الله صلى الله عليه وسلم لطعام صنعه قال أنس فذهبت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى ذلك الطعام فقرب) الخياط ( إليه خبزًا من شعير) بفتح الشين وقد تكسر ( ومرقًا فيه دباء) بضم الدال وشدّ الموحدة والمد: الواحدة دباءة فهمزته منقلبة عن حرف علة، وخطأ المجد الجوهري في ذكره في المقصور أي فيه قرع زاد في رواية القعنبي وابن بكير والتنيسي وقديد ( قال أنس فرأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يتتبع) بإسكان الفوقية وخفة الموحدة مفتوحة ( الدباء) القرع أو المستدير منه ( من حول القصعة) بفتح القاف، زاد في رواية يأكلها أي لأنها كانت تعجبه ويترك القديد إذ كان يشتهيه حينئذ ففيه أن المؤاكل لأهله وخدمه يأكل ما يشتهيه حيث رآه في ذلك الإناء إذا علم أن مؤاكله لا يكره ذلك، وإلا فلا يتجاوز ما يليه وقد علم أن أحدًا لا يكره منه صلى الله عليه وسلم شيئًا بل كانوا يتبركون بريقه وغيره مما مسه بل كانوا يتبادرون إلى نخامته فيتدلكون بها.

قال أنس: ( فلم أزل أحب الدباء) أي أكلها ( بعد ذلك اليوم) اقتداء به صلى الله عليه وسلم.
وفي رواية التنيسي وغيره: من يومئذ.
وفي الترمذي عن طالوت الشامي قال: دخلت على أنس وهو يأكل قرعًا وهو يقول: يا لك من شجرة ما أحبك إلا لحب رسول الله صلى الله عليه وسلم إياك.
ولأحمد عن أنس أنه صلى الله عليه وسلم قال له: إذا طبخت قدرًا فأكثر فيها من الدباء فإنها تشد قلب الحزين.
وللطبراني عن واثلة مرفوعًا: عليكم بالقرع فإنه يزيد في الدماغ.
وللبيهقي عن عطاء مرسلاً: عليكم بالقرع فإنه يزيد في العقل ويكبر الدماغ، وزاد بعضهم أنه يجلو البصر ويلين القلب.
وفي تذكرة القرطبي مرفوعًا: إن الدباء والبطيخ من الجنة.
قال الخطابي: فيه جواز الإجازة على الخياطة ردًّا على من أبطلها بعلة أنها ليست بأعيان مرئية ولا صفات معلومة، وفي صنعة الخياطة معنى ليس في القين والصائغ والنجار لأن هؤلاء الصناع إنما يكون منهم الصنعة المحضة فيما يستصنعه صاحب الحديد والفضة والذهب والخشب، وهي أمور موصوفة يوقف على حدها ولا يخلط بها غيرها.
والخياط إنما يخيط الثوب في الأغلب بخيط من عنده فيجمع إلى الصنعة الآلة وأحدهما معناه التجارة والأخرى الإجارة وحصة أحدهما لا تتميز من الأخرى.
وكذلك هذا في الخراز والصباغ إذا كان بخيوطه ويصبغ هذا بصبغه على العادة المعتادة فيما بين الصناع وجميع ذلك فاسد في القياس إلا أن النبي صلى الله عليه وسلم وجدهم على هذه العادة أول زمن الشريعة فلم يغيرها، إذ لو طولبوا بغير ذلك لشق عليهم فصار بمعزل عن موضع القياس والعمل ماض صحيح لما فيه من الإرفاق اهـ.

ووجه إدخال الإمام هذا الحديث في الوليمة الإشارة إلى أنه لا ينبغي التخلف عن الدعوة وإن لم تكن واجبة لأن دعوة الخياط لم تكن في عرس، إذ الظاهر من قوله لطعام صنعه أنه صنعه للنبي صلى الله عليه وسلم وإن كان معناه صنعه في عرس ودعا له المصطفى فالمطابقة ظاهرة.
وقال أبو عمر أدخله في وليمة العرس ويشبه أنه وصل إليه علم ذلك وليس في ظاهر الحديث ما يدل على أنها وليمة عرس.

وأخرجه البخاري في البيوع عن التنيسي، وفي الأطعمة عن قتيبة بن سعيد، والقعنبي وأبي نعيم الفضل بن دكين وإسماعيل ومسلم في الأطعمة عن قتيبة بن سعيد، الخمسة عن مالك به، قال ابن عبد البر: ورواه جماعة من أصحاب سفيان بن عيينة عنه عن مالك بإسناده.



رقم الحديث 1151 وَحَدَّثَنِي عَنْ مَالِكٍ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، عَنِ الْأَعْرَجِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، أَنَّهُ كَانَ يَقُولُ: شَرُّ الطَّعَامِ طَعَامُ الْوَلِيمَةِ، يُدْعَى لَهَا الْأَغْنِيَاءُ، وَيُتْرَكُ الْمَسَاكِينُ، وَمَنْ لَمْ يَأْتِ الدَّعْوَةَ فَقَدْ عَصَى اللَّهَ وَرَسُولَهُ.


( مالك عن حميد الطويل) الخزاعي البصري ( عن أنس بن مالك أن عبد الرحمن بن عوف) قال ابن عبد البر: هو من مسند أنس عند جميع رواة الموطأ ورواه روح بن عبادة عن مالك عن حميد عن أنس عن عبد الرحمن أنه جاء فجعله من مسند عبد الرحمن ( جاء إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وبه أثر صفرة) تعلقت بجلده أو ثوبه من طيب العروس، هذا أولى ما فسر به.
وفي حديث وبه ردع من زعفران أي أثره وليس بداخل في النهي عن تزعفر الرجل لأنه فيما قصد به التشبه بالنساء.
وقيل: يرخص فيه للعروس وفيه أثر ذكره أبو عبيد أنهم كانوا يرخصون فيه للشاب أيام عرسه، وقيل: لعله صلى الله عليه وسلم لم ينكر عليه لأنه يسير.
وقيل: كان من ينكح أول الإسلام يلبس ثوبًا مصبوغًا بصفرة علامة للسرور، وهذا غير معروف على أن بعضهم جعله أولى ما قيل.
ومذهب مالك وأصحابه جواز الثياب المزعفرة للرجال.
وحكاه مالك عن علماء المدينة وهو مذهب ابن عمر وغيره وحجتهم حديث ابن عمر كان صلى الله عليه وسلم يصبغ بالصفرة.
وحكى ابن شعبان كراهة ذلك في اللحية، وكرهه الشافعي وأبو حنيفة في الثياب واللحية قاله عياض.

وقال الباجي روى الداودي أن عمر بن الخطاب كان يصبغ لحيته بالصفرة حتى تمتلئ ثيابه من الصفرة، وقال: إني رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يصبغ بها ولم يكن شيء أحب إليه منها وأنه كان يصبغ بها ثيابه كلها حتى العمامة.
قال الباجي: وهذا في الزعفران وأما بغيره مما ليس بطيب ولا ينفض على الجسد فلا خلاف في جوازه ( فسأله رسول الله صلى الله عليه وسلم) فقال: ما هذا؟ وفي رواية فقال: مهيم، أي ما هذا؟ وكلاهما في الصحيح.
قال عياض فيه افتقاد الكبير أصحابه وسؤاله عما يختلف عليه من حالهم وليس من كثرة السؤال المنهي عنه.
قال الأبي: هذا بناء على أنه ليس سؤال إنكار، وقال الطيبي يحتمل أنه إنكار لأنه كان نهى عن التضمخ بالطيب فأجابه بأنه لم يتضمخ به وإنما تعلق به من العروس.
( فأخبره أنه تزوج) زاد في رواية امرأة من الأنصار.
قال الحافظ: ولم تسم إلا أن الزبير بن بكار جزم بأنها ابنة أبي الحيسر، بفتح المهملتين بينهما تحتية ساكنة آخره راء، واسمه أنس بن رافع الأنصاري، وأنها ولدت له القاسم وأبا عثمان عبد الله ( فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: كم سقت إليها) مهرًا وفي رواية كم أصدقتها؟ وفيه أنه لا بد في النكاح من المهر وقد يشعر ظاهره احتياجه إلى تقدير لأن كم موضوعة له ففيه حجة للمالكية والحنفية في أن أقل الصداق مقدر.
( فقال) سقت إليها ( زنة نواة من ذهب) قال ابن وهب والخطابي: والأكثر هي خمسة دراهم من ذهب، فالنواة اسم لمقدار معروف عندهم.
وقال أحمد بن حنبل: النواة ثلاثة دراهم وثلث.
وقيل المراد نواة التمر أي وزنها من ذهب.
والأول أظهر وأصح.
وقال بعض أصحاب مالك النواة بالمدينة ربع دينار وظاهر كلام أبي عبيد أنه دفع خمسة دراهم ولم يكن ثمَّ ذهب إنما هي خمسة دراهم تسمى نواة كما تسمى الأربعون أوقية قاله عياض.
قال الزواوي لكن قوله من ذهب يبعد أن تكون خمسة دراهم فضة إلا أن يكون التقدير صرف زنة نواة من ذهب ويكون زنتها حينئذٍ من الذهب صرفها خمسة دراهم، وذلك غير بعيد، فإن الصرف كان في زمانهم عشرة دراهم بدينار، ولا يبعد أن يكون من النوى ما زنته نصف مثقال، ويكون ذلك هو المصطلح على الوزن به عندهم اهـ.

لكن ضعف ابن دقيق العيد والطيبي القول بأنه نوى التمر بأن زنتها لا تضبط ولا يعتد بها.
قال عياض.
قيل: زنة نواة من ذهب ثلاثة دراهم وربع وأراد قائله أن يحتج به على أنه أقل الصداق، ولا يصح لقوله من ذهب وذلك أكثر من دينارين وهذا لم يقله أحد وهو غفلة من قائله بل فيه حجة لمن يقول لا يكون أقل من عشرة دراهم.
ووهم الداودي رواية من ذهب وقال: الصحيح نواة ولا وهم فيه على كل تفسير لأنها إن كانت نواة تمر كما قال أو قدرًا معلومًا عندهم صلح أن يقال فيه وزن كذا وما ذكره من ثلاثة دراهم وربع ووهمه، ذكره أبو عمر عن بعض أصحاب مالك ووهمه أيضًا بأنه لا خلاف أن المثقال درهمان عددًا ودرهم الفضة كيلاً درهم وخمسان ووزن ثلاثة دراهم وربع من ذهب أكثر من مثقالين من الذهب.
قال الزواوي: وهذا الذي ذكراه يصح الانفصال عنه بأن معناه صرفها ثلاثة دراهم وربع كما قلنا في تقدير نواة ولا بعد في هذا للمتأمل مع ما فيه من نفي الوهم عن إمام من أصحاب مالك قال: ويصح حمل الحديث على ظاهره بأنه أصدقها ذهبًا زنته نواة، والنواة وزن معروف هو خمسة دراهم فضة، وذلك ثمن أوقية لأنها أربعون درهمًا ولا مانع من ذلك مع أنه ظاهر الحديث ولا يحتاج إلى ذكر الصرف ولا التأويل اهـ.
وهو حسن.

وقال الطيبي وابن دقيق العيد: في المعنى قولان، أحدهما: أن الصداق ذهب وزنه خمسة دراهم فيكون ثلاثة مثاقيل ونصف.
والثاني: أنه دراهم خمسة بوزن نواة من ذهب.
قال الطيبي: وهذا بعيد من اللفظ قال ابن دقيق العيد وعلى الأول يتعلق قوله من ذهب بلفظ زنة، وعلى الثاني: بنواة قال ابن فرحون أما تعلقه بزنة فلأنه مصدر وزن وأما تعلقه بنواة فيصح أنه من تعلق الصفة بالموصوف أي نواة كائنة من ذهب ويكون المراد ما عدلها دراهم أو يكون هو الموزون بها ( فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم) زاد في رواية للصحيح فبارك الله لك ( أولم) أمر ندب على المشهور عن مالك والشافعي وقيل للوجوب لحديث من لم يجب الدعوة فقد عصى الله ورسوله.
قال المازري: ولا حجة فيه لأن العصيان في ترك الإجابة لا في ترك الوليمة ولا بعد في أن الدعوة لا تجب والإجابة واجبة كالسلام لا يجب الابتداء به ورده واجب، وأجاب بعض أصحابنا البغداديين بأن العصيان مخالفة الأمر والمندوب مأمور به اهـ.
والأول الصواب لاقتضاء الثاني أنه لا يأثم بالترك وإن أطلق عليه اسم العصيان مع أنه إثم ( ولو بشاة) لو: تقليلية لا امتناعية.
قال عياض: فيه التوسعة فيها للواجد بذبح وغيره وأن الشاة لأهل الجدة أقل ما يكون لا التحديد وأنه لا يجزئ أقل منها لمن لم يجدها بل على طريق الحض والإرشاد ولا خلاف أنه لا حد لها وهي بقدر حال الرجل، وأخذ بعضهم من الحديث أنها بعد الدخول وقال بعضهم: لا دليل فيه والأول أظهر وقاله مالك وغيره ووجهه شهرة الدخول لما يتعلق به من الحقوق وللفرق بين النكاح، والسفاح.
وعن مالك جوازها قبل الدخول.
وعن ابن حبيب استحبابها عند العقد وعند البناء، واستحبها بعض شيوخنا قبل البناء ليكون الدخول بها واختلف السلف في تكرارها أكثر من يومين بالإجازة والكراهة.
واستحب أصحابنا لأهل السعة أسبوعًا قال بعضهم وذلك إذا دعا في كل يوم من لم يدع قبله وكرهوا فيها المباهاة والسمعة اهـ.

وقال الباجي أمر صلى الله عليه وسلم بالوليمة لما فيها من إشهار النكاح مع ما يقترن بها من مكارم الأخلاق.
قال ابن مزين عن مالك استحب الإطعام في الوليمة وكثرة الشهود ليشتهر النكاح وتثبت معرفته.
وروى أشهب عن مالك لا بأس أن يولم بعد البناء قيل: فمن أخر إلى السابع قال فليجب وليس كالوليمة.
ابن حبيب كان صلى الله عليه وسلم يستحب الإطعام على النكاح عند عقده، ولفظ عند يحتمل قبله وبعده وكيفما كان فليس فيه منع لكن تقديم إشهاره قبل أفضل كالإشهاد ويحتمل أن مالكًا قال بعده لمن فاته قبل أو لعله اختاره لأن فيه معنى الرضا بما اطلع عليه الزوج من حال الزوجة والمباح من الوليمة ما جرت به العادة من غير سرف ولا سمعة والمختار منها يوم واحد.
قال ابن حبيب: وأبيح أكثر منه وروي أن اليوم الثاني فضل، والثالث سمعة.
وأجاب الحسن في الأول والثاني.
ولم يجب في الثالث.
وروي عن ابن المسيب مثله وأولم ابن سيرين ثمانية أيام.
قال ابن حبيب: من وسع الله عليه فليولم من يوم بنائه إلى مثله يريد إذا قصد إشهار النكاح والتوسعة على الناس لا السمعة والمباهاة.

وهذا الحديث رواه البخاري عن عبد الله بن يوسف عن مالك به وتابعه سفيان بن عيينة عند البخاري وشعبة عند مسلم كلاهما عن حميد نحوه وله طرق في الصحيحين وغيرهما وفيه قصة.

( مالك عن يحيى بن سعيد) الأنصاري ( أنه قال: لقد بلغني) وصله النسائي وقاسم بن أصبغ من طريق سعيد بن عفير عن سليمان بن بلال عن يحيى بن سعيد عن حميد عن أنس ( أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يولم بالوليمة ما فيها خبز ولا لحم) قال حميد: قلت بأي شيء يا أبا حمزة؟ يعني أنسًا قال: تمر وسويق، كما في الطريق الموصولة.
وفي البخاري عن صفية بنت شيبة قالت: أولم النبي صلى الله عليه وسلم على بعض نسائه بمدّين من شعير.
قال الحافظ لم أقف على تعيين اسم التي أَوَلَم عليها صريحًا، لكن يحتمل أنها أم سلمة لحديثها عن ابن سعد عن الواقدي أنه صلى الله عليه وسلم لما تزوّجها أدخلها بيت زينب بنت خزيمة فإذا جرّة فيها شيء من شعير فأخذته فطحنته ثم عصدته في البرمة وأخذت شيئًا من إهالة فأدمته فكان ذلك طعامه صلى الله عليه وسلم.
وأما حديث شريك عن حميد عن أنس أنه صلى الله عليه وسلم أولم على أم سلمة بتمر وسمن وسويق فوهم من شريك لأنه كان سيئ الحفظ، أو من الراوي عنه وهو جندل بن واق فإن مسلمًا والبزار ضعفاه وإنما المحفوظ عن حميد عن أنس أن ذلك في قصة صفية أخرجه النسائي اهـ.

( مالك عن نافع عن عبد الله بن عمر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: إذا دعي أحدكم إلى وليمة فليأتها) أي فليأت مكانها أو التقدير إلى مكان وليمة ولا يضر إعادة الضمير مؤنثًا والأمر للإيجاب والمراد وليمة العرس كما حمله عليه مالك في المدوّنة وغيره لأنها المعهودة عندهم ويؤيده رواية مسلم من طريق عبيد الله عن نافع عن ابن عمر مرفوعًا إذا دعي أحدكم إلى وليمة عرس فليجب فتجب إجابة من عين وإن صائمًا، لأن ابن عمر كان يأتيها وهو صائم كما في مسلم بشروط في الفروع كما حكى عليه عياض الاتفاق لكن نوزع بقول ابن القصار المذهب لا تجب الإجابة وإن كان ضعيفًا، أما وليمة غيره فلا تجب لأن عثمان بن العاصي دعي إلى ختان فلم يجب وقال: لم نكن ندعى له على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم.
رواه أحمد وأوجبها الظاهرية لظاهر الحديث.
قال عياض: وحملها مالك والأكثر على الندب، وكره مالك لأهل الفضل الإجابة لكل طعام دعي إليه فتأوّله بعضهم على غير الوليمة وتأوّله غيره على غير طعام السرور كختان وإملاك ونفاس وحادث سرور لما في مسلم عن أيوب عن نافع عن ابن عمر مرفوعًا: إذا دعا أحدكم أخوه فليجب عرسًا كان أو غيره.
وفيه أيضًا من طريق الزبيدي عن نافع عن ابن عمر رفعه: من دعي إلى عرس أو نحوه فليجب.

والحديث رواه البخاري عن عبد الله بن يوسف ومسلم عن يحيى كلاهما عن مالك، وتابعه عبيد الله وأيوب والزبيدي وإسماعيل بن أمية وموسى بن عقبة خمستهم عند مسلم عن نافع نحوه.

( مالك عن ابن شهاب) الزهري ( عن الأعرج) عبد الرحمن بن هرمز ( عن أبي هريرة أنه كان يقول) قال ابن عبد البر: جل رواة مالك لم يصرحوا برفعه، ورواه روح بن القاسم عنه مصرحًا برفعه، وكذا أخرجه الدارقطني في الغرائب من طريق إسماعيل بن سلمة بن قعنب عن مالك مصرحًا برفعه إلى النبي صلى الله عليه وسلم ( شر) وليحيى النيسابوري بئس ( الطعام طعام الوليمة) قال البيضاوي يريد من شر الطعام فإن من الطعام ما يكون شرًا منه وإنما سماه شرًا لقوله ( يدعى إليها الأغنياء ويترك المساكين) وللتنيسي: الفقراء يعني الغالب فيها ذلك فكأنه قال: طعام الوليمة التي من شأنها هذا فاللفظ وإن أطلقه فالمراد به التقييد بما ذكر عقبه وكيف يريد به الإطلاق وقد أمر بالوليمة وأوجب إجابة الداعي ورتب العصيان على تركها، وتعقبه الطيبي بأن التعريف في الوليمة للعهد الخارجي وكان من عادتهم مراعاة الأغنياء فيها وتخصيصهم بالدعوة وإيثارهم وقوله يدعى إلخ استئناف بياني لكونها شر الطعام، وعلى هذا يحتاج إلى تقدير من، وقوله: ويترك الفقراء حال والعامل يدعى أي يدعى إليها الأغنياء والحال أنه يترك الفقراء والإجابة واجبة فيكون الدعاء سببًا لأكل المدعو شر الطعام وقول التنقيح جملة يدعى في موضع الصفة لطعام رده في المصابيح بأن الظاهر أنها صفة للوليمة على جعل اللام جنسية مثلها في قوله:

ولقد أمرّ على اللئيم يسبني

ويستغنى حينئذ عن تأويل تأنيث الضمير على تقدير كونها صفة الطعام انتهى.

( ومن لم يأت) وللتنيسي ومن ترك ( الدعوة) بفتح الدال على المشهور، وهي أعم من الوليمة لأنها خاصة بالعرس كما نقله أبو عمر عن أهل اللغة.
وقال النووي: بفتح الدال دعوة الطعام أما دعوة النسب فبكسرها هذا قول جمهور العرب، وعكسه تيم الرباب بكسر الراء.
فقالوا: الطعام بالكسر والنسب بالفتح.
وقول قطرب دعوة الطعام بالضم غلطوه اهـ.
والمراد هنا دعوة العرس وإن كان لفظ الدعوة أعم لقوله ( فقد عصى الله ورسوله) إذ فيه دليل على وجوب الإجابة لأن العصيان لا يطلق إلا على ترك الواجب، وإنما تجب إجابة وليمة العرس.

قال القرطبي: وفيه دلالة على أنه مرفوع لأن أبا هريرة لا يقوله من نفسه، ونحوه قول أبي عمر هذا حديث مسند عندهم أيقول أبو هريرة فقد عصى الله ورسوله.
قال النووي بين الحديث وجه كونه شر الطعام بأنه يدعى له الغني عن أكله ويترك المحتاج لأكله، والأولى العكس وليس فيه ما يدل على حرمة الأكل إذ لم يقل أحد بحرمة الإجابة، وإنما هو من باب ترك الأولى كخبر خير صفوف الرجال أولها وشرها آخرها، ولم يقل أحد بحرمة الصلاة في الصف الأخير.
والقصد من الحديث الحث على دعوة الفقير وأن لا يقتصر على الأغنياء.
وقال عياض: إن كان من قول أبي هريرة فأخبر بحال الناس واختصاصهم بها الأغنياء دون المحتاجين، وكانوا أولى بها لسدّ خلتهم وخير الأفعال أكثرها أجرًا.
وذلك غير موجود في الأغنياء وإنما هو نوع من المكارمة وإن كان رفعه وهو الصحيح فهو إخبار منه صلى الله عليه وسلم عما يكون بعده وقد كره العلماء تخصيص الأغنياء بالدعوة فإن فعل فقال ابن مسعود إذا خص الأغنياء أمرنا أن لا نجيب.
وقال ابن حبيب: من فارق السنة في وليمته فلا دعوة له.
وقال أبو هريرة: أنتم العاصون في الدعوة ودعا ابن عمر في وليمة الأغنياء والفقراء فجاءت قريش ومعها المساكين فقال لهم: ههنا فاجلسوا لا تفسدوا عليهم ثيابهم فإنا سنطعمكم مما يأكلون.

وهذا الحديث رواه البخاري عن عبد الله بن يوسف ومسلم عن يحيى كلاهما عن مالك به موقوفًا، وتابعه سفيان ومعمر كلاهما عن ابن شهاب، وتابع ابن شهاب أبو الزناد عن الأعرج، وتابع الأعرج سعيد بن المسيب كل ذلك عند مسلم موقوفًا.
وأخرجه من طريق زياد بن سعد سمعت ثابتًا الأعرج يحدث عن أبي هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال شر الطعام الوليمة يمنعها من يأتيها ويدعى إليها من يأباها، ومن لم يجب الدعوة فقد عصى الله ورسوله، فخالف ثابت وهو ابن عياض الأحنف الأعرج العدوي مولاهم وهو ثقة عبد الرحمن الأعرج وابن المسيب فإنهما وقفاه عن أبي هريرة وثابت رفعه عنه، وقد تابعه محمد بن سيرين عن أبي هريرة في رفعه، أخرجه أبو الشيخ وفي التمهيد روى جماعة هذا الحديث عن ابن شهاب مرفوعًا بغير إشكال ثم أخرجه من طريق ابن جريج عن الزهري عن عبد الرحمن الأعرج عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: بئس الطعام فذكره، ثم قال: وهكذا رواه ابن عيينة مرفوعًا اهـ.
لكن الذي في مسلم عن ابن عيينة مرفوعًا كما علمت.
قال النووي: إذا روي الحديث موقوفًا ومرفوعًا حكم برفعه على الصحيح لأنها زيادة عدل اهـ.
وله شاهد مرفوع عن ابن عباس عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: شر الطعام طعام الوليمة يدعى إليه الشبعان ويحبس عنه الجائع أخرجه الطبراني والديلمي بإسناد فيه مقال.

( مالك عن إسحاق بن عبد الله بن أبي طلحة) زيد الأنصاري ( أنه سمع) عمه أخا أبيه لأمه ( أنس بن مالك يقول إن خياطًا) بفتح الخاء المعجمة والتحتية الشديدة، ولم يعرف الحافظ اسمه ( دعا رسول الله صلى الله عليه وسلم لطعام صنعه قال أنس فذهبت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى ذلك الطعام فقرب) الخياط ( إليه خبزًا من شعير) بفتح الشين وقد تكسر ( ومرقًا فيه دباء) بضم الدال وشدّ الموحدة والمد: الواحدة دباءة فهمزته منقلبة عن حرف علة، وخطأ المجد الجوهري في ذكره في المقصور أي فيه قرع زاد في رواية القعنبي وابن بكير والتنيسي وقديد ( قال أنس فرأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يتتبع) بإسكان الفوقية وخفة الموحدة مفتوحة ( الدباء) القرع أو المستدير منه ( من حول القصعة) بفتح القاف، زاد في رواية يأكلها أي لأنها كانت تعجبه ويترك القديد إذ كان يشتهيه حينئذ ففيه أن المؤاكل لأهله وخدمه يأكل ما يشتهيه حيث رآه في ذلك الإناء إذا علم أن مؤاكله لا يكره ذلك، وإلا فلا يتجاوز ما يليه وقد علم أن أحدًا لا يكره منه صلى الله عليه وسلم شيئًا بل كانوا يتبركون بريقه وغيره مما مسه بل كانوا يتبادرون إلى نخامته فيتدلكون بها.

قال أنس: ( فلم أزل أحب الدباء) أي أكلها ( بعد ذلك اليوم) اقتداء به صلى الله عليه وسلم.
وفي رواية التنيسي وغيره: من يومئذ.
وفي الترمذي عن طالوت الشامي قال: دخلت على أنس وهو يأكل قرعًا وهو يقول: يا لك من شجرة ما أحبك إلا لحب رسول الله صلى الله عليه وسلم إياك.
ولأحمد عن أنس أنه صلى الله عليه وسلم قال له: إذا طبخت قدرًا فأكثر فيها من الدباء فإنها تشد قلب الحزين.
وللطبراني عن واثلة مرفوعًا: عليكم بالقرع فإنه يزيد في الدماغ.
وللبيهقي عن عطاء مرسلاً: عليكم بالقرع فإنه يزيد في العقل ويكبر الدماغ، وزاد بعضهم أنه يجلو البصر ويلين القلب.
وفي تذكرة القرطبي مرفوعًا: إن الدباء والبطيخ من الجنة.
قال الخطابي: فيه جواز الإجازة على الخياطة ردًّا على من أبطلها بعلة أنها ليست بأعيان مرئية ولا صفات معلومة، وفي صنعة الخياطة معنى ليس في القين والصائغ والنجار لأن هؤلاء الصناع إنما يكون منهم الصنعة المحضة فيما يستصنعه صاحب الحديد والفضة والذهب والخشب، وهي أمور موصوفة يوقف على حدها ولا يخلط بها غيرها.
والخياط إنما يخيط الثوب في الأغلب بخيط من عنده فيجمع إلى الصنعة الآلة وأحدهما معناه التجارة والأخرى الإجارة وحصة أحدهما لا تتميز من الأخرى.
وكذلك هذا في الخراز والصباغ إذا كان بخيوطه ويصبغ هذا بصبغه على العادة المعتادة فيما بين الصناع وجميع ذلك فاسد في القياس إلا أن النبي صلى الله عليه وسلم وجدهم على هذه العادة أول زمن الشريعة فلم يغيرها، إذ لو طولبوا بغير ذلك لشق عليهم فصار بمعزل عن موضع القياس والعمل ماض صحيح لما فيه من الإرفاق اهـ.

ووجه إدخال الإمام هذا الحديث في الوليمة الإشارة إلى أنه لا ينبغي التخلف عن الدعوة وإن لم تكن واجبة لأن دعوة الخياط لم تكن في عرس، إذ الظاهر من قوله لطعام صنعه أنه صنعه للنبي صلى الله عليه وسلم وإن كان معناه صنعه في عرس ودعا له المصطفى فالمطابقة ظاهرة.
وقال أبو عمر أدخله في وليمة العرس ويشبه أنه وصل إليه علم ذلك وليس في ظاهر الحديث ما يدل على أنها وليمة عرس.

وأخرجه البخاري في البيوع عن التنيسي، وفي الأطعمة عن قتيبة بن سعيد، والقعنبي وأبي نعيم الفضل بن دكين وإسماعيل ومسلم في الأطعمة عن قتيبة بن سعيد، الخمسة عن مالك به، قال ابن عبد البر: ورواه جماعة من أصحاب سفيان بن عيينة عنه عن مالك بإسناده.



رقم الحديث 1152 وَحَدَّثَنِي عَنْ مَالِكٍ، عَنْ إِسْحَاقَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي طَلْحَةَ، أَنَّهُ سَمِعَ أَنَسَ بْنَ مَالِكٍ، يَقُولُ: إِنَّ خَيَّاطًا دَعَا رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِطَعَامٍ صَنَعَهُ، قَالَ أَنَسٌ فَذَهَبْتُ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَى ذَلِكَ الطَّعَامِ، فَقَرَّبَ إِلَيْهِ خُبْزًا مِنْ شَعِيرٍ وَمَرَقًا فِيهِ دُبَّاءٌ، قَالَ أَنَسٌ فَرَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَتَتَبَّعُ الدُّبَّاءَ مِنْ حَوْلِ الْقَصْعَةِ، فَلَمْ أَزَلْ أُحِبُّ الدُّبَّاءَ بَعْدَ ذَلِكَ الْيَوْمِ.


( مالك عن حميد الطويل) الخزاعي البصري ( عن أنس بن مالك أن عبد الرحمن بن عوف) قال ابن عبد البر: هو من مسند أنس عند جميع رواة الموطأ ورواه روح بن عبادة عن مالك عن حميد عن أنس عن عبد الرحمن أنه جاء فجعله من مسند عبد الرحمن ( جاء إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وبه أثر صفرة) تعلقت بجلده أو ثوبه من طيب العروس، هذا أولى ما فسر به.
وفي حديث وبه ردع من زعفران أي أثره وليس بداخل في النهي عن تزعفر الرجل لأنه فيما قصد به التشبه بالنساء.
وقيل: يرخص فيه للعروس وفيه أثر ذكره أبو عبيد أنهم كانوا يرخصون فيه للشاب أيام عرسه، وقيل: لعله صلى الله عليه وسلم لم ينكر عليه لأنه يسير.
وقيل: كان من ينكح أول الإسلام يلبس ثوبًا مصبوغًا بصفرة علامة للسرور، وهذا غير معروف على أن بعضهم جعله أولى ما قيل.
ومذهب مالك وأصحابه جواز الثياب المزعفرة للرجال.
وحكاه مالك عن علماء المدينة وهو مذهب ابن عمر وغيره وحجتهم حديث ابن عمر كان صلى الله عليه وسلم يصبغ بالصفرة.
وحكى ابن شعبان كراهة ذلك في اللحية، وكرهه الشافعي وأبو حنيفة في الثياب واللحية قاله عياض.

وقال الباجي روى الداودي أن عمر بن الخطاب كان يصبغ لحيته بالصفرة حتى تمتلئ ثيابه من الصفرة، وقال: إني رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يصبغ بها ولم يكن شيء أحب إليه منها وأنه كان يصبغ بها ثيابه كلها حتى العمامة.
قال الباجي: وهذا في الزعفران وأما بغيره مما ليس بطيب ولا ينفض على الجسد فلا خلاف في جوازه ( فسأله رسول الله صلى الله عليه وسلم) فقال: ما هذا؟ وفي رواية فقال: مهيم، أي ما هذا؟ وكلاهما في الصحيح.
قال عياض فيه افتقاد الكبير أصحابه وسؤاله عما يختلف عليه من حالهم وليس من كثرة السؤال المنهي عنه.
قال الأبي: هذا بناء على أنه ليس سؤال إنكار، وقال الطيبي يحتمل أنه إنكار لأنه كان نهى عن التضمخ بالطيب فأجابه بأنه لم يتضمخ به وإنما تعلق به من العروس.
( فأخبره أنه تزوج) زاد في رواية امرأة من الأنصار.
قال الحافظ: ولم تسم إلا أن الزبير بن بكار جزم بأنها ابنة أبي الحيسر، بفتح المهملتين بينهما تحتية ساكنة آخره راء، واسمه أنس بن رافع الأنصاري، وأنها ولدت له القاسم وأبا عثمان عبد الله ( فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: كم سقت إليها) مهرًا وفي رواية كم أصدقتها؟ وفيه أنه لا بد في النكاح من المهر وقد يشعر ظاهره احتياجه إلى تقدير لأن كم موضوعة له ففيه حجة للمالكية والحنفية في أن أقل الصداق مقدر.
( فقال) سقت إليها ( زنة نواة من ذهب) قال ابن وهب والخطابي: والأكثر هي خمسة دراهم من ذهب، فالنواة اسم لمقدار معروف عندهم.
وقال أحمد بن حنبل: النواة ثلاثة دراهم وثلث.
وقيل المراد نواة التمر أي وزنها من ذهب.
والأول أظهر وأصح.
وقال بعض أصحاب مالك النواة بالمدينة ربع دينار وظاهر كلام أبي عبيد أنه دفع خمسة دراهم ولم يكن ثمَّ ذهب إنما هي خمسة دراهم تسمى نواة كما تسمى الأربعون أوقية قاله عياض.
قال الزواوي لكن قوله من ذهب يبعد أن تكون خمسة دراهم فضة إلا أن يكون التقدير صرف زنة نواة من ذهب ويكون زنتها حينئذٍ من الذهب صرفها خمسة دراهم، وذلك غير بعيد، فإن الصرف كان في زمانهم عشرة دراهم بدينار، ولا يبعد أن يكون من النوى ما زنته نصف مثقال، ويكون ذلك هو المصطلح على الوزن به عندهم اهـ.

لكن ضعف ابن دقيق العيد والطيبي القول بأنه نوى التمر بأن زنتها لا تضبط ولا يعتد بها.
قال عياض.
قيل: زنة نواة من ذهب ثلاثة دراهم وربع وأراد قائله أن يحتج به على أنه أقل الصداق، ولا يصح لقوله من ذهب وذلك أكثر من دينارين وهذا لم يقله أحد وهو غفلة من قائله بل فيه حجة لمن يقول لا يكون أقل من عشرة دراهم.
ووهم الداودي رواية من ذهب وقال: الصحيح نواة ولا وهم فيه على كل تفسير لأنها إن كانت نواة تمر كما قال أو قدرًا معلومًا عندهم صلح أن يقال فيه وزن كذا وما ذكره من ثلاثة دراهم وربع ووهمه، ذكره أبو عمر عن بعض أصحاب مالك ووهمه أيضًا بأنه لا خلاف أن المثقال درهمان عددًا ودرهم الفضة كيلاً درهم وخمسان ووزن ثلاثة دراهم وربع من ذهب أكثر من مثقالين من الذهب.
قال الزواوي: وهذا الذي ذكراه يصح الانفصال عنه بأن معناه صرفها ثلاثة دراهم وربع كما قلنا في تقدير نواة ولا بعد في هذا للمتأمل مع ما فيه من نفي الوهم عن إمام من أصحاب مالك قال: ويصح حمل الحديث على ظاهره بأنه أصدقها ذهبًا زنته نواة، والنواة وزن معروف هو خمسة دراهم فضة، وذلك ثمن أوقية لأنها أربعون درهمًا ولا مانع من ذلك مع أنه ظاهر الحديث ولا يحتاج إلى ذكر الصرف ولا التأويل اهـ.
وهو حسن.

وقال الطيبي وابن دقيق العيد: في المعنى قولان، أحدهما: أن الصداق ذهب وزنه خمسة دراهم فيكون ثلاثة مثاقيل ونصف.
والثاني: أنه دراهم خمسة بوزن نواة من ذهب.
قال الطيبي: وهذا بعيد من اللفظ قال ابن دقيق العيد وعلى الأول يتعلق قوله من ذهب بلفظ زنة، وعلى الثاني: بنواة قال ابن فرحون أما تعلقه بزنة فلأنه مصدر وزن وأما تعلقه بنواة فيصح أنه من تعلق الصفة بالموصوف أي نواة كائنة من ذهب ويكون المراد ما عدلها دراهم أو يكون هو الموزون بها ( فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم) زاد في رواية للصحيح فبارك الله لك ( أولم) أمر ندب على المشهور عن مالك والشافعي وقيل للوجوب لحديث من لم يجب الدعوة فقد عصى الله ورسوله.
قال المازري: ولا حجة فيه لأن العصيان في ترك الإجابة لا في ترك الوليمة ولا بعد في أن الدعوة لا تجب والإجابة واجبة كالسلام لا يجب الابتداء به ورده واجب، وأجاب بعض أصحابنا البغداديين بأن العصيان مخالفة الأمر والمندوب مأمور به اهـ.
والأول الصواب لاقتضاء الثاني أنه لا يأثم بالترك وإن أطلق عليه اسم العصيان مع أنه إثم ( ولو بشاة) لو: تقليلية لا امتناعية.
قال عياض: فيه التوسعة فيها للواجد بذبح وغيره وأن الشاة لأهل الجدة أقل ما يكون لا التحديد وأنه لا يجزئ أقل منها لمن لم يجدها بل على طريق الحض والإرشاد ولا خلاف أنه لا حد لها وهي بقدر حال الرجل، وأخذ بعضهم من الحديث أنها بعد الدخول وقال بعضهم: لا دليل فيه والأول أظهر وقاله مالك وغيره ووجهه شهرة الدخول لما يتعلق به من الحقوق وللفرق بين النكاح، والسفاح.
وعن مالك جوازها قبل الدخول.
وعن ابن حبيب استحبابها عند العقد وعند البناء، واستحبها بعض شيوخنا قبل البناء ليكون الدخول بها واختلف السلف في تكرارها أكثر من يومين بالإجازة والكراهة.
واستحب أصحابنا لأهل السعة أسبوعًا قال بعضهم وذلك إذا دعا في كل يوم من لم يدع قبله وكرهوا فيها المباهاة والسمعة اهـ.

وقال الباجي أمر صلى الله عليه وسلم بالوليمة لما فيها من إشهار النكاح مع ما يقترن بها من مكارم الأخلاق.
قال ابن مزين عن مالك استحب الإطعام في الوليمة وكثرة الشهود ليشتهر النكاح وتثبت معرفته.
وروى أشهب عن مالك لا بأس أن يولم بعد البناء قيل: فمن أخر إلى السابع قال فليجب وليس كالوليمة.
ابن حبيب كان صلى الله عليه وسلم يستحب الإطعام على النكاح عند عقده، ولفظ عند يحتمل قبله وبعده وكيفما كان فليس فيه منع لكن تقديم إشهاره قبل أفضل كالإشهاد ويحتمل أن مالكًا قال بعده لمن فاته قبل أو لعله اختاره لأن فيه معنى الرضا بما اطلع عليه الزوج من حال الزوجة والمباح من الوليمة ما جرت به العادة من غير سرف ولا سمعة والمختار منها يوم واحد.
قال ابن حبيب: وأبيح أكثر منه وروي أن اليوم الثاني فضل، والثالث سمعة.
وأجاب الحسن في الأول والثاني.
ولم يجب في الثالث.
وروي عن ابن المسيب مثله وأولم ابن سيرين ثمانية أيام.
قال ابن حبيب: من وسع الله عليه فليولم من يوم بنائه إلى مثله يريد إذا قصد إشهار النكاح والتوسعة على الناس لا السمعة والمباهاة.

وهذا الحديث رواه البخاري عن عبد الله بن يوسف عن مالك به وتابعه سفيان بن عيينة عند البخاري وشعبة عند مسلم كلاهما عن حميد نحوه وله طرق في الصحيحين وغيرهما وفيه قصة.

( مالك عن يحيى بن سعيد) الأنصاري ( أنه قال: لقد بلغني) وصله النسائي وقاسم بن أصبغ من طريق سعيد بن عفير عن سليمان بن بلال عن يحيى بن سعيد عن حميد عن أنس ( أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يولم بالوليمة ما فيها خبز ولا لحم) قال حميد: قلت بأي شيء يا أبا حمزة؟ يعني أنسًا قال: تمر وسويق، كما في الطريق الموصولة.
وفي البخاري عن صفية بنت شيبة قالت: أولم النبي صلى الله عليه وسلم على بعض نسائه بمدّين من شعير.
قال الحافظ لم أقف على تعيين اسم التي أَوَلَم عليها صريحًا، لكن يحتمل أنها أم سلمة لحديثها عن ابن سعد عن الواقدي أنه صلى الله عليه وسلم لما تزوّجها أدخلها بيت زينب بنت خزيمة فإذا جرّة فيها شيء من شعير فأخذته فطحنته ثم عصدته في البرمة وأخذت شيئًا من إهالة فأدمته فكان ذلك طعامه صلى الله عليه وسلم.
وأما حديث شريك عن حميد عن أنس أنه صلى الله عليه وسلم أولم على أم سلمة بتمر وسمن وسويق فوهم من شريك لأنه كان سيئ الحفظ، أو من الراوي عنه وهو جندل بن واق فإن مسلمًا والبزار ضعفاه وإنما المحفوظ عن حميد عن أنس أن ذلك في قصة صفية أخرجه النسائي اهـ.

( مالك عن نافع عن عبد الله بن عمر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: إذا دعي أحدكم إلى وليمة فليأتها) أي فليأت مكانها أو التقدير إلى مكان وليمة ولا يضر إعادة الضمير مؤنثًا والأمر للإيجاب والمراد وليمة العرس كما حمله عليه مالك في المدوّنة وغيره لأنها المعهودة عندهم ويؤيده رواية مسلم من طريق عبيد الله عن نافع عن ابن عمر مرفوعًا إذا دعي أحدكم إلى وليمة عرس فليجب فتجب إجابة من عين وإن صائمًا، لأن ابن عمر كان يأتيها وهو صائم كما في مسلم بشروط في الفروع كما حكى عليه عياض الاتفاق لكن نوزع بقول ابن القصار المذهب لا تجب الإجابة وإن كان ضعيفًا، أما وليمة غيره فلا تجب لأن عثمان بن العاصي دعي إلى ختان فلم يجب وقال: لم نكن ندعى له على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم.
رواه أحمد وأوجبها الظاهرية لظاهر الحديث.
قال عياض: وحملها مالك والأكثر على الندب، وكره مالك لأهل الفضل الإجابة لكل طعام دعي إليه فتأوّله بعضهم على غير الوليمة وتأوّله غيره على غير طعام السرور كختان وإملاك ونفاس وحادث سرور لما في مسلم عن أيوب عن نافع عن ابن عمر مرفوعًا: إذا دعا أحدكم أخوه فليجب عرسًا كان أو غيره.
وفيه أيضًا من طريق الزبيدي عن نافع عن ابن عمر رفعه: من دعي إلى عرس أو نحوه فليجب.

والحديث رواه البخاري عن عبد الله بن يوسف ومسلم عن يحيى كلاهما عن مالك، وتابعه عبيد الله وأيوب والزبيدي وإسماعيل بن أمية وموسى بن عقبة خمستهم عند مسلم عن نافع نحوه.

( مالك عن ابن شهاب) الزهري ( عن الأعرج) عبد الرحمن بن هرمز ( عن أبي هريرة أنه كان يقول) قال ابن عبد البر: جل رواة مالك لم يصرحوا برفعه، ورواه روح بن القاسم عنه مصرحًا برفعه، وكذا أخرجه الدارقطني في الغرائب من طريق إسماعيل بن سلمة بن قعنب عن مالك مصرحًا برفعه إلى النبي صلى الله عليه وسلم ( شر) وليحيى النيسابوري بئس ( الطعام طعام الوليمة) قال البيضاوي يريد من شر الطعام فإن من الطعام ما يكون شرًا منه وإنما سماه شرًا لقوله ( يدعى إليها الأغنياء ويترك المساكين) وللتنيسي: الفقراء يعني الغالب فيها ذلك فكأنه قال: طعام الوليمة التي من شأنها هذا فاللفظ وإن أطلقه فالمراد به التقييد بما ذكر عقبه وكيف يريد به الإطلاق وقد أمر بالوليمة وأوجب إجابة الداعي ورتب العصيان على تركها، وتعقبه الطيبي بأن التعريف في الوليمة للعهد الخارجي وكان من عادتهم مراعاة الأغنياء فيها وتخصيصهم بالدعوة وإيثارهم وقوله يدعى إلخ استئناف بياني لكونها شر الطعام، وعلى هذا يحتاج إلى تقدير من، وقوله: ويترك الفقراء حال والعامل يدعى أي يدعى إليها الأغنياء والحال أنه يترك الفقراء والإجابة واجبة فيكون الدعاء سببًا لأكل المدعو شر الطعام وقول التنقيح جملة يدعى في موضع الصفة لطعام رده في المصابيح بأن الظاهر أنها صفة للوليمة على جعل اللام جنسية مثلها في قوله:

ولقد أمرّ على اللئيم يسبني

ويستغنى حينئذ عن تأويل تأنيث الضمير على تقدير كونها صفة الطعام انتهى.

( ومن لم يأت) وللتنيسي ومن ترك ( الدعوة) بفتح الدال على المشهور، وهي أعم من الوليمة لأنها خاصة بالعرس كما نقله أبو عمر عن أهل اللغة.
وقال النووي: بفتح الدال دعوة الطعام أما دعوة النسب فبكسرها هذا قول جمهور العرب، وعكسه تيم الرباب بكسر الراء.
فقالوا: الطعام بالكسر والنسب بالفتح.
وقول قطرب دعوة الطعام بالضم غلطوه اهـ.
والمراد هنا دعوة العرس وإن كان لفظ الدعوة أعم لقوله ( فقد عصى الله ورسوله) إذ فيه دليل على وجوب الإجابة لأن العصيان لا يطلق إلا على ترك الواجب، وإنما تجب إجابة وليمة العرس.

قال القرطبي: وفيه دلالة على أنه مرفوع لأن أبا هريرة لا يقوله من نفسه، ونحوه قول أبي عمر هذا حديث مسند عندهم أيقول أبو هريرة فقد عصى الله ورسوله.
قال النووي بين الحديث وجه كونه شر الطعام بأنه يدعى له الغني عن أكله ويترك المحتاج لأكله، والأولى العكس وليس فيه ما يدل على حرمة الأكل إذ لم يقل أحد بحرمة الإجابة، وإنما هو من باب ترك الأولى كخبر خير صفوف الرجال أولها وشرها آخرها، ولم يقل أحد بحرمة الصلاة في الصف الأخير.
والقصد من الحديث الحث على دعوة الفقير وأن لا يقتصر على الأغنياء.
وقال عياض: إن كان من قول أبي هريرة فأخبر بحال الناس واختصاصهم بها الأغنياء دون المحتاجين، وكانوا أولى بها لسدّ خلتهم وخير الأفعال أكثرها أجرًا.
وذلك غير موجود في الأغنياء وإنما هو نوع من المكارمة وإن كان رفعه وهو الصحيح فهو إخبار منه صلى الله عليه وسلم عما يكون بعده وقد كره العلماء تخصيص الأغنياء بالدعوة فإن فعل فقال ابن مسعود إذا خص الأغنياء أمرنا أن لا نجيب.
وقال ابن حبيب: من فارق السنة في وليمته فلا دعوة له.
وقال أبو هريرة: أنتم العاصون في الدعوة ودعا ابن عمر في وليمة الأغنياء والفقراء فجاءت قريش ومعها المساكين فقال لهم: ههنا فاجلسوا لا تفسدوا عليهم ثيابهم فإنا سنطعمكم مما يأكلون.

وهذا الحديث رواه البخاري عن عبد الله بن يوسف ومسلم عن يحيى كلاهما عن مالك به موقوفًا، وتابعه سفيان ومعمر كلاهما عن ابن شهاب، وتابع ابن شهاب أبو الزناد عن الأعرج، وتابع الأعرج سعيد بن المسيب كل ذلك عند مسلم موقوفًا.
وأخرجه من طريق زياد بن سعد سمعت ثابتًا الأعرج يحدث عن أبي هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال شر الطعام الوليمة يمنعها من يأتيها ويدعى إليها من يأباها، ومن لم يجب الدعوة فقد عصى الله ورسوله، فخالف ثابت وهو ابن عياض الأحنف الأعرج العدوي مولاهم وهو ثقة عبد الرحمن الأعرج وابن المسيب فإنهما وقفاه عن أبي هريرة وثابت رفعه عنه، وقد تابعه محمد بن سيرين عن أبي هريرة في رفعه، أخرجه أبو الشيخ وفي التمهيد روى جماعة هذا الحديث عن ابن شهاب مرفوعًا بغير إشكال ثم أخرجه من طريق ابن جريج عن الزهري عن عبد الرحمن الأعرج عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: بئس الطعام فذكره، ثم قال: وهكذا رواه ابن عيينة مرفوعًا اهـ.
لكن الذي في مسلم عن ابن عيينة مرفوعًا كما علمت.
قال النووي: إذا روي الحديث موقوفًا ومرفوعًا حكم برفعه على الصحيح لأنها زيادة عدل اهـ.
وله شاهد مرفوع عن ابن عباس عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: شر الطعام طعام الوليمة يدعى إليه الشبعان ويحبس عنه الجائع أخرجه الطبراني والديلمي بإسناد فيه مقال.

( مالك عن إسحاق بن عبد الله بن أبي طلحة) زيد الأنصاري ( أنه سمع) عمه أخا أبيه لأمه ( أنس بن مالك يقول إن خياطًا) بفتح الخاء المعجمة والتحتية الشديدة، ولم يعرف الحافظ اسمه ( دعا رسول الله صلى الله عليه وسلم لطعام صنعه قال أنس فذهبت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى ذلك الطعام فقرب) الخياط ( إليه خبزًا من شعير) بفتح الشين وقد تكسر ( ومرقًا فيه دباء) بضم الدال وشدّ الموحدة والمد: الواحدة دباءة فهمزته منقلبة عن حرف علة، وخطأ المجد الجوهري في ذكره في المقصور أي فيه قرع زاد في رواية القعنبي وابن بكير والتنيسي وقديد ( قال أنس فرأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يتتبع) بإسكان الفوقية وخفة الموحدة مفتوحة ( الدباء) القرع أو المستدير منه ( من حول القصعة) بفتح القاف، زاد في رواية يأكلها أي لأنها كانت تعجبه ويترك القديد إذ كان يشتهيه حينئذ ففيه أن المؤاكل لأهله وخدمه يأكل ما يشتهيه حيث رآه في ذلك الإناء إذا علم أن مؤاكله لا يكره ذلك، وإلا فلا يتجاوز ما يليه وقد علم أن أحدًا لا يكره منه صلى الله عليه وسلم شيئًا بل كانوا يتبركون بريقه وغيره مما مسه بل كانوا يتبادرون إلى نخامته فيتدلكون بها.

قال أنس: ( فلم أزل أحب الدباء) أي أكلها ( بعد ذلك اليوم) اقتداء به صلى الله عليه وسلم.
وفي رواية التنيسي وغيره: من يومئذ.
وفي الترمذي عن طالوت الشامي قال: دخلت على أنس وهو يأكل قرعًا وهو يقول: يا لك من شجرة ما أحبك إلا لحب رسول الله صلى الله عليه وسلم إياك.
ولأحمد عن أنس أنه صلى الله عليه وسلم قال له: إذا طبخت قدرًا فأكثر فيها من الدباء فإنها تشد قلب الحزين.
وللطبراني عن واثلة مرفوعًا: عليكم بالقرع فإنه يزيد في الدماغ.
وللبيهقي عن عطاء مرسلاً: عليكم بالقرع فإنه يزيد في العقل ويكبر الدماغ، وزاد بعضهم أنه يجلو البصر ويلين القلب.
وفي تذكرة القرطبي مرفوعًا: إن الدباء والبطيخ من الجنة.
قال الخطابي: فيه جواز الإجازة على الخياطة ردًّا على من أبطلها بعلة أنها ليست بأعيان مرئية ولا صفات معلومة، وفي صنعة الخياطة معنى ليس في القين والصائغ والنجار لأن هؤلاء الصناع إنما يكون منهم الصنعة المحضة فيما يستصنعه صاحب الحديد والفضة والذهب والخشب، وهي أمور موصوفة يوقف على حدها ولا يخلط بها غيرها.
والخياط إنما يخيط الثوب في الأغلب بخيط من عنده فيجمع إلى الصنعة الآلة وأحدهما معناه التجارة والأخرى الإجارة وحصة أحدهما لا تتميز من الأخرى.
وكذلك هذا في الخراز والصباغ إذا كان بخيوطه ويصبغ هذا بصبغه على العادة المعتادة فيما بين الصناع وجميع ذلك فاسد في القياس إلا أن النبي صلى الله عليه وسلم وجدهم على هذه العادة أول زمن الشريعة فلم يغيرها، إذ لو طولبوا بغير ذلك لشق عليهم فصار بمعزل عن موضع القياس والعمل ماض صحيح لما فيه من الإرفاق اهـ.

ووجه إدخال الإمام هذا الحديث في الوليمة الإشارة إلى أنه لا ينبغي التخلف عن الدعوة وإن لم تكن واجبة لأن دعوة الخياط لم تكن في عرس، إذ الظاهر من قوله لطعام صنعه أنه صنعه للنبي صلى الله عليه وسلم وإن كان معناه صنعه في عرس ودعا له المصطفى فالمطابقة ظاهرة.
وقال أبو عمر أدخله في وليمة العرس ويشبه أنه وصل إليه علم ذلك وليس في ظاهر الحديث ما يدل على أنها وليمة عرس.

وأخرجه البخاري في البيوع عن التنيسي، وفي الأطعمة عن قتيبة بن سعيد، والقعنبي وأبي نعيم الفضل بن دكين وإسماعيل ومسلم في الأطعمة عن قتيبة بن سعيد، الخمسة عن مالك به، قال ابن عبد البر: ورواه جماعة من أصحاب سفيان بن عيينة عنه عن مالك بإسناده.