فهرس الكتاب

شرح الزرقاني - بَابُ جَامِعِ سُبْحَةِ الضُّحَى

رقم الحديث 367 حَدَّثَنِي يَحْيَى، عَنْ مَالِكٍ، عَنْ إِسْحَاقَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي طَلْحَةَ عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ، أَنَّ جَدَّتَهُ مُلَيْكَةَ، دَعَتْ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِطَعَامٍ.
فَأَكَلَ مِنْهُ.
ثُمَّ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: قُومُوا فَلِأُصَلِّيَ لَكُمْ، قَالَ أَنَسٌ فَقُمْتُ إِلَى حَصِيرٍ لَنَا قَدِ اسْوَدَّ، مِنْ طُولِ مَا لُبِسَ، فَنَضَحْتُهُ بِمَاءٍ.
فَقَامَ عَلَيْهِ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
وَصَفَفْتُ أَنَا وَالْيَتِيمُ وَرَاءَهُ وَالْعَجُوزُ مِنْ وَرَائِنَا، فَصَلَّى لَنَا رَكْعَتَيْنِ ثُمَّ انْصَرَفَ.


جَامِعِ سُبْحَةِ الضُّحَى

( مَالِكٍ عَنْ إِسْحَاقَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي طَلْحَةَ) زيد بن سهل الأنصاري ( عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ) الصحابي الشهير ( أَنَّ جَدَّتَهُ مُلَيْكَةَ) بضم الميم وفتح اللام على الصواب، وقول الجمهور عن الأصيلي بفتح الميم وكسر اللام وهذا غريب مردود قاله النووي.
قال الحافظ: ضمير جدّته يعود على إسحاق جزم به ابن عبد البر وعبد الحق وعياض وصححه النووي، وجزم ابن سعد وابن منده، وابن الحصار بأنها جدّة أنس وهو مقتضى كلام إمام الحرمين في النهاية ومن تبعه، وكلام عبد الغني في العمدة وهو ظاهر السياق، ويؤيده ما رويناه في فوائد العراقيين لأبي الشيخ من طريق القاسم بن يحيى المقدمي عن عبيد الله بن عمر عن إسحاق بن أبي طلحة عن أنس قال: أرسلتني جدّتي إلى النبي صلى الله عليه وسلم واسمها مليكة فجاءنا فحضرت الصلاة الحديث.

وقال ابن سعد في الطبقات: أمّ سليم بنت ملحان فساق نسبها إلى عدي بن النجار قال: وهي الغميصاء ويقال الرميصاء ويقال اسمها سهلة ويقال أنيفة أي بنون وفاء مصغرة ويقال رميثة، وأمّها مليكة بنت مالك بن عدي فساق نسبها إلى مالك بن النجار، ثم قال: تزوّج أمّ سليم مالك بن النضر فولدت له أنسًا والبراء، ثم خلف عليها أبو طلحة فولدت له عبد الله وأبا عمير انتهى.

وعبد الله هو والد إسحاق راوي هذا الحديث عن عمه أخي أبيه لأمّه أنس بن مالك، ومقتضى كلام من أعاد ضمير جدّته إلى إسحاق أن يكون اسم أم سليم مليكة ومستندهم ما رواه ابن عيينة عن إسحاق بن أبي طلحة عن أنس قال: صففت أنا ويتيم في بيتنا خلف النبي صلى الله عليه وسلم وأمي أمّ سليم خلفنا هكذا أخرجه البخاري والقصة واحدة طوّلها مالك واختصرها سفيان، ويحتمل تعدّدها فلا يخالف ما تقدم، وكون مليكة جدّة أنس لا ينفي كونها جدّة إسحاق لما بيناه، لكن رواية الدارقطني في غرائب مالك بلفظ: صنعت مليكة لرسول الله صلى الله عليه وسلم طعامًا فأكل منه وأنا معه، ظاهرة في أنّ مليكة اسم أمّ سليم نفسها.

وقال في الإصابة: قوّى ابن الأثير قول من أعاد ضمير جدّته إلى إسحاق بأن أنسًا لم يكن في جدّاته من قبل أبيه ولا أمّه من تسمى مليكة.

قلت: وهذا نفي مردود فقد ذكر العدوي في نسب الأنصار أنّ اسم والدة أمّ سليم مليكة فظهر بذلك أنّ ضمير جدّته لأنس وهي أمّ أمّه، وبطل قول من جعل الضمير لإسحاق وبنى عليه أنّ اسم أمّ سليم مليكة انتهى.

( دَعَتْ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِطَعَامٍ) أي لأجله زاد التنيسي صنعته ( فَأَكَلَ مِنْهُ) قال ابن عبد البر: زاد فيه إبراهيم بن طهمان وعبد الله بن عون وموسى بن أعين عن مالك وأكلت معه ثم دعا بوضوء فتوضأ ثم قال: قم فتوضأ ومر العجوز فلتتوضأ ومر هذا اليتيم فليتوضأ انتهى.
يعني فلا دليل على ترك الوضوء مما مست النار.

( ثُمَّ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: قُومُوا فَلِأُصَلِّيَ) بكسر اللام وضم الهمزة وفتح الياء وسكونها.
قال ابن مالك: وجهه أنّ اللام عند فتح الياء لام كي والفعل بعدها منصوب بأن مضمرة واللام ومصحوبها خبر مبتدأ محذوف والتقدير فقيامكم لأصلي ويجوز على مذهب الأخفش أن الفاء زائدة واللام متعلقة بقوموا وعلى رواية سكون الياء يحتمل أنها لام كي أيضًا وسكنت الياء تخفيفًا أو لام الأمر وثبتت الياء في الجزم إجراء للمعتل مجرى الصحيح كقراءة قنبل: ( من يتقي ويصبر) ، وروي بحذف الياء فاللام لام الأمر وأمر المتكلم نفسه بفعل مقرون باللام فصيح قليل في الاستعمال ومنه قوله تعالى: { { وَلْنَحْمِلْ خَطَايَاكُمْ } }

وحكى ابن قرقول عن بعض الروايات فلنصل بالنون وكسر اللام والجزم واللام على هذا لام الأمر وكسرها لغة معروفة، وقيل: إن في رواية فأصل بحذف اللام وأخرى فلأصلي بفتح اللام مع سكون الياء على أنها لام ابتداء للتأكيد أو لام أمر فتحت على لغة بني سليم وثبتت الياء في الجزم إجراء للمعتل مجرى الصحيح، أو جواب قسم محذوف والفاء جواب شرط أي إن قمتم فوالله لأصلي لكم.
قال ابن السيد: وهو غلط لأنه لا وجه للقسم إذ لو أريد القسم لقال لأصلين بالنون.

وأنكر الحافظ ورود الرواية بهذا وبما قبله ( لَكُمْ) أي لأجلكم.
قال السهيلي: الأمر هنا بمعنى الخبر وهو كقوله تعالى: { { فَلْيَمْدُدْ لَهُ الرَّحْمَنُ مَدًّا } } ويحتمل أنه أمر لهم بالائتمام لكنه أضافه إلى نفسه لارتباط فعله بفعلهم انتهى.
وبدأ صلى الله عليه وسلم في هذه القصة بالطعام قبل الصلاة، وفي قصة عتبان بالصلاة قبل الطعام لأنه بدأ في كل منهما بأصل ما دعي لأجله.

( قَالَ أَنَسٌ فَقُمْتُ إِلَى حَصِيرٍ لَنَا قَدِ اسْوَدَّ مِنْ طُولِ مَا لُبِسَ) بضم اللام وكسر الموحدة أي استعمل ولبس كل شيء بحسبه ففيه أنّ الافتراش يسمى لبسًا، واستدل به على منع افتراش الحرير لعموم النهي عن لبسه ولا يرد أن من حلف لا يلبس حريرًا لا يحنث بافتراشه لأن الأيمان مبناها العرف.
وقال ابن عبد البر: فيه أن من حلف لا يلبس ثوبًا ولا نية له ولا بساط فإنه يحنث بافتراشه لأنه يسمى لبسًا ( فَنَضَحْتُهُ بِمَاءٍ) ليلين لا لنجاسة قاله إسماعيل القاضي، وقال غيره: النضح طهور لما شك فيه لتطيب النفس كما قال: اغسل ما رأيت وانضح ما لم تر.

قال أبو عمر: ثوب المسلم محمول على الطهارة حتى تتيقن النجاسة فالنضح الذي هو الرش لقطع الوسوسة فيما شك فيه وقال الباجي: الظاهر أنه إنما نضحه لما خاف أن يناله من النجاسة لأنهم كانوا يلبسونه ومعهم صبي فطيم، وقال الحافظ: يحتمل أن النضح لتليين الحصير أو لتطهيره ولا يصح الجزم بالأخير بل المتبادر غيره لأن الأصل الطهارة.

( فَقَامَ عَلَيْهِ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ) ففيه جواز الصلاة على الحصير، وما رواه ابن أبي شيبة وغيره عن شريح بن هانئ أنه سأل عائشة أكان النبي صلى الله عليه وسلم يصلي على الحصير والله تعالى يقول: { { وَجَعَلْنَا جَهَنَّمَ لِلْكَافِرِينَ حَصِيرًا } } فقالت: لم يكن ليصلي على الحصير ففيه يزيد بن المقدام ضعيف، وهذا الخبر شاذ مردود لمعارضته لما هو أقوى منه كحديث الباب ولما في البخاري عن عائشة أنّ النبي صلى الله عليه وسلم كان له حصير يبسطه ويصلي عليه، وفي مسلم عن أبي سعيد أنه رأى النبي صلى الله عليه وسلم يصلي على حصير.

( وَصَفَفْتُ أَنَا وَالْيَتِيمُ) بالرفع عطفًا على الضمير المرفوع وبالنصب مفعول معه أي مع اليتيم ( وَرَاءَهُ) أي خلفه وهو ضميرة بن أبي ضميرة مولى رسول الله صلى الله عليه وسلم كذا سماه عبد الملك بن حبيب، وجزم البخاري بأن اسم أبي ضميرة سعد الحميري ويقال سعيد ونسبه ابن حبان ليثيًا وقيل اسمه روح، ووهم من قال اسم اليتيم روح كأنه انتقل ذهنه من الخلاف في اسم أبيه إليه وكذا وهم من قال اسمه سليم كما بينه في الفتح ( وَالْعَجُوزُ مِنْ وَرَائِنَا) هي مليكة المذكورة أوّلاً جزم به الحافظ.
وقال النووي: هي أمّ أنس أمّ سليم انتهى، والمتبادر الأوّل.

( لطيفة)

روى السلفي في الطيوريات بسنده أن أبا طلحة زوج أمّ أنس قام إليها مرة يضربها فقام أنس ليخلصها وقال له: خل عن العجوز، فقالت له: أتقول العجوز عجز الله ركبك.

( فَصَلَّى لَنَا رَكْعَتَيْنِ ثُمَّ انْصَرَفَ) أي إلى بيته أو من الصلاة، واعترض إدخال هذا الحديث في سبحة الضحى وليس فيه ما يدل على ذلك، وقد قال أنس إنه لم ير النبي صلى الله عليه وسلم يصلي الضحى إلا مرة واحدة في دار الأنصاري الضخم الذي دعاه ليصلي في بيته ليتخذ مكانه مصلى رواه البخاري.

وأجاب الباجي: بأن مالكًا لعله بلغه أن حديث مليكة كان ضحى، واعتقد أنس أن المقصود منها التعليم لا الوقت فلم يعتقدها صلاة ضحى.

وأجاب ابن العربي في القبس: بأن مالكًا نظر إلى كون الوقت الذي وقعت فيه تلك الصلاة هو وقت صلاة الضحى فحمله عليه، وأن أنسًا لم يطلع على أنه صلى الله عليه وسلم نوى بتلك الصلاة صلاة الضحى انتهى.

والجوابان متقاربان لكن ملحظهما مختلف، وفي هذا الحديث إجابة الدعوة وإن لم يكن عرسًا ولو كان الداعي امرأة لكن حيث تؤمن الفتنة والأكل من طعام الدعوة وصلاة النافلة جماعة في البيوت، وكأنه صلى الله عليه وسلم أراد تعليمهم أفعال الصلاة بالمشاهدة لأجل المرأة لأنه قد يخفى عليها بعض التفاصيل لبعد موقفها.
وفيه تنظيف مكان المصلي وقيام الرجل مع الصبي صفًا وتأخير النساء عن صفوف الرجال وقيام المرأة صفًا وحدها إذا لم يكن معها امرأة غيرها، وجواز صلاة المنفرد خلف الصف ولا حجة فيه لأنّ سنة المرأة أن تقوم خلف الرجال وليس لها القيام معهم في الصف، وفيه الاقتصار في نافلة النهار على ركعتين خلافًا لمن اشترط أربعًا وصحة صلاة الصبي المميز وضوءه وأن محل الفضل الوارد في صلاة النافلة منفردًا حيث لا يكون هناك مصلحة، بل يمكن أن يقال هو إذ ذاك أفضل، ولا سيما في حقه صلى الله عليه وسلم.

ورواه البخاري عن عبد الله بن يوسف ومسلم عن يحيى كلاهما عن مالك به.

( مَالِكٍ عَنِ ابْنِ شِهَابٍ عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ) بضم العين ( بْنِ عَبْدِ اللَّهِ) بفتحها ( بْنِ عُتْبَةَ) بضمها عن أبيه عبد الله بن عتبة بن مسعود الهذلي ابن أخي عبد الله بن مسعود ولد في عهد النبي صلى الله عليه وسلم ووثقه جماعة وهو من كبار التابعين مات بعد السبعين ( أَنَّهُ قَالَ: دَخَلْتُ عَلَى عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ) في موضع لا يستأذن فيه أو أنه استأذن ولم يذكره لعلم السامع ( بِالْهَاجِرَةِ) وقت الحرّ ( فَوَجَدْتُهُ يُسَبِّحُ فَقُمْتُ وَرَاءَهُ فَقَرَّبَنِي حَتَّى جَعَلَنِي حِذَاءَهُ) بكسر الحاء وفتح الذال والمد أي بمقابلته صادرًا ( عَنْ يَمِينِهِ) لأنه مقام الواحد ( فَلَمَّا جَاءَ يَرْفَا) بفتح التحتية وسكون الراء وفتح الفاء وهمز وإبداله حاجب عمر أدرك الجاهلية وحج مع عمر في خلافة أبي بكر، وله ذكر في الصحيحين في قصة منازعة العباس وعلي في صدقة رسول الله صلى الله عليه وسلم ( تَأَخَّرْتُ فَصَفَفْنَا) أي فوقفنا ( وَرَاءَهُ) أي خلف عمر.

قال الباجي: رأى مالك حكم الهاجرة حكم صلاة الضحى والهاجرة وقت الحرّ، وقد رأى زيد بن أرقم قومًا يصلون من الضحى فقال: أما لقد علموا أنّ الصلاة في غير هذا الوقت أفضل إنّ رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: صلاة الأوّابين حين ترمض الفصال وفيه جواز الإمامة في النافلة.
قال مالك وابن حبيب: لا بأس أن تفعل في الخاصة والنفر القليل نحو الرجلين والثلاثة من غير أن يكون كثيرًا مشهورًا بالليل والنهار في غير نافلة رمضان.
وقال ابن عبد البر: فيه أنّ عمر كان يصلي الضحى وكان ابنه ينكرها ويقول للضحى صلاة وكذا كان لا يقنت ولا يعرف القنوت، وروى القنوت عن أبيه عمر من وجوه، وكان ابن عمر يصلي بعد العصر ما لم تصفر الشمس وتدنو للغروب، وكان عمر يضرب الناس عليها بالدّرة ومثل هذا كثير من اختلافهما.



رقم الحديث 368 وَحَدَّثَنِي عَنْ مَالِكٍ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُتْبَةَ، عَنْ أَبِيهِ، أَنَّهُ قَالَ: دَخَلْتُ عَلَى عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ بِالْهَاجِرَةِ فَوَجَدْتُهُ يُسَبِّحُ، فَقُمْتُ وَرَاءَهُ.
فَقَرَّبَنِي حَتَّى جَعَلَنِي حِذَاءَهُ عَنْ يَمِينِهِ، فَلَمَّا جَاءَ يَرْفَا تَأَخَّرْتُ فَصَفَفْنَا وَرَاءَهُ.


جَامِعِ سُبْحَةِ الضُّحَى

( مَالِكٍ عَنْ إِسْحَاقَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي طَلْحَةَ) زيد بن سهل الأنصاري ( عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ) الصحابي الشهير ( أَنَّ جَدَّتَهُ مُلَيْكَةَ) بضم الميم وفتح اللام على الصواب، وقول الجمهور عن الأصيلي بفتح الميم وكسر اللام وهذا غريب مردود قاله النووي.
قال الحافظ: ضمير جدّته يعود على إسحاق جزم به ابن عبد البر وعبد الحق وعياض وصححه النووي، وجزم ابن سعد وابن منده، وابن الحصار بأنها جدّة أنس وهو مقتضى كلام إمام الحرمين في النهاية ومن تبعه، وكلام عبد الغني في العمدة وهو ظاهر السياق، ويؤيده ما رويناه في فوائد العراقيين لأبي الشيخ من طريق القاسم بن يحيى المقدمي عن عبيد الله بن عمر عن إسحاق بن أبي طلحة عن أنس قال: أرسلتني جدّتي إلى النبي صلى الله عليه وسلم واسمها مليكة فجاءنا فحضرت الصلاة الحديث.

وقال ابن سعد في الطبقات: أمّ سليم بنت ملحان فساق نسبها إلى عدي بن النجار قال: وهي الغميصاء ويقال الرميصاء ويقال اسمها سهلة ويقال أنيفة أي بنون وفاء مصغرة ويقال رميثة، وأمّها مليكة بنت مالك بن عدي فساق نسبها إلى مالك بن النجار، ثم قال: تزوّج أمّ سليم مالك بن النضر فولدت له أنسًا والبراء، ثم خلف عليها أبو طلحة فولدت له عبد الله وأبا عمير انتهى.

وعبد الله هو والد إسحاق راوي هذا الحديث عن عمه أخي أبيه لأمّه أنس بن مالك، ومقتضى كلام من أعاد ضمير جدّته إلى إسحاق أن يكون اسم أم سليم مليكة ومستندهم ما رواه ابن عيينة عن إسحاق بن أبي طلحة عن أنس قال: صففت أنا ويتيم في بيتنا خلف النبي صلى الله عليه وسلم وأمي أمّ سليم خلفنا هكذا أخرجه البخاري والقصة واحدة طوّلها مالك واختصرها سفيان، ويحتمل تعدّدها فلا يخالف ما تقدم، وكون مليكة جدّة أنس لا ينفي كونها جدّة إسحاق لما بيناه، لكن رواية الدارقطني في غرائب مالك بلفظ: صنعت مليكة لرسول الله صلى الله عليه وسلم طعامًا فأكل منه وأنا معه، ظاهرة في أنّ مليكة اسم أمّ سليم نفسها.

وقال في الإصابة: قوّى ابن الأثير قول من أعاد ضمير جدّته إلى إسحاق بأن أنسًا لم يكن في جدّاته من قبل أبيه ولا أمّه من تسمى مليكة.

قلت: وهذا نفي مردود فقد ذكر العدوي في نسب الأنصار أنّ اسم والدة أمّ سليم مليكة فظهر بذلك أنّ ضمير جدّته لأنس وهي أمّ أمّه، وبطل قول من جعل الضمير لإسحاق وبنى عليه أنّ اسم أمّ سليم مليكة انتهى.

( دَعَتْ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِطَعَامٍ) أي لأجله زاد التنيسي صنعته ( فَأَكَلَ مِنْهُ) قال ابن عبد البر: زاد فيه إبراهيم بن طهمان وعبد الله بن عون وموسى بن أعين عن مالك وأكلت معه ثم دعا بوضوء فتوضأ ثم قال: قم فتوضأ ومر العجوز فلتتوضأ ومر هذا اليتيم فليتوضأ انتهى.
يعني فلا دليل على ترك الوضوء مما مست النار.

( ثُمَّ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: قُومُوا فَلِأُصَلِّيَ) بكسر اللام وضم الهمزة وفتح الياء وسكونها.
قال ابن مالك: وجهه أنّ اللام عند فتح الياء لام كي والفعل بعدها منصوب بأن مضمرة واللام ومصحوبها خبر مبتدأ محذوف والتقدير فقيامكم لأصلي ويجوز على مذهب الأخفش أن الفاء زائدة واللام متعلقة بقوموا وعلى رواية سكون الياء يحتمل أنها لام كي أيضًا وسكنت الياء تخفيفًا أو لام الأمر وثبتت الياء في الجزم إجراء للمعتل مجرى الصحيح كقراءة قنبل: ( من يتقي ويصبر) ، وروي بحذف الياء فاللام لام الأمر وأمر المتكلم نفسه بفعل مقرون باللام فصيح قليل في الاستعمال ومنه قوله تعالى: { { وَلْنَحْمِلْ خَطَايَاكُمْ } }

وحكى ابن قرقول عن بعض الروايات فلنصل بالنون وكسر اللام والجزم واللام على هذا لام الأمر وكسرها لغة معروفة، وقيل: إن في رواية فأصل بحذف اللام وأخرى فلأصلي بفتح اللام مع سكون الياء على أنها لام ابتداء للتأكيد أو لام أمر فتحت على لغة بني سليم وثبتت الياء في الجزم إجراء للمعتل مجرى الصحيح، أو جواب قسم محذوف والفاء جواب شرط أي إن قمتم فوالله لأصلي لكم.
قال ابن السيد: وهو غلط لأنه لا وجه للقسم إذ لو أريد القسم لقال لأصلين بالنون.

وأنكر الحافظ ورود الرواية بهذا وبما قبله ( لَكُمْ) أي لأجلكم.
قال السهيلي: الأمر هنا بمعنى الخبر وهو كقوله تعالى: { { فَلْيَمْدُدْ لَهُ الرَّحْمَنُ مَدًّا } } ويحتمل أنه أمر لهم بالائتمام لكنه أضافه إلى نفسه لارتباط فعله بفعلهم انتهى.
وبدأ صلى الله عليه وسلم في هذه القصة بالطعام قبل الصلاة، وفي قصة عتبان بالصلاة قبل الطعام لأنه بدأ في كل منهما بأصل ما دعي لأجله.

( قَالَ أَنَسٌ فَقُمْتُ إِلَى حَصِيرٍ لَنَا قَدِ اسْوَدَّ مِنْ طُولِ مَا لُبِسَ) بضم اللام وكسر الموحدة أي استعمل ولبس كل شيء بحسبه ففيه أنّ الافتراش يسمى لبسًا، واستدل به على منع افتراش الحرير لعموم النهي عن لبسه ولا يرد أن من حلف لا يلبس حريرًا لا يحنث بافتراشه لأن الأيمان مبناها العرف.
وقال ابن عبد البر: فيه أن من حلف لا يلبس ثوبًا ولا نية له ولا بساط فإنه يحنث بافتراشه لأنه يسمى لبسًا ( فَنَضَحْتُهُ بِمَاءٍ) ليلين لا لنجاسة قاله إسماعيل القاضي، وقال غيره: النضح طهور لما شك فيه لتطيب النفس كما قال: اغسل ما رأيت وانضح ما لم تر.

قال أبو عمر: ثوب المسلم محمول على الطهارة حتى تتيقن النجاسة فالنضح الذي هو الرش لقطع الوسوسة فيما شك فيه وقال الباجي: الظاهر أنه إنما نضحه لما خاف أن يناله من النجاسة لأنهم كانوا يلبسونه ومعهم صبي فطيم، وقال الحافظ: يحتمل أن النضح لتليين الحصير أو لتطهيره ولا يصح الجزم بالأخير بل المتبادر غيره لأن الأصل الطهارة.

( فَقَامَ عَلَيْهِ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ) ففيه جواز الصلاة على الحصير، وما رواه ابن أبي شيبة وغيره عن شريح بن هانئ أنه سأل عائشة أكان النبي صلى الله عليه وسلم يصلي على الحصير والله تعالى يقول: { { وَجَعَلْنَا جَهَنَّمَ لِلْكَافِرِينَ حَصِيرًا } } فقالت: لم يكن ليصلي على الحصير ففيه يزيد بن المقدام ضعيف، وهذا الخبر شاذ مردود لمعارضته لما هو أقوى منه كحديث الباب ولما في البخاري عن عائشة أنّ النبي صلى الله عليه وسلم كان له حصير يبسطه ويصلي عليه، وفي مسلم عن أبي سعيد أنه رأى النبي صلى الله عليه وسلم يصلي على حصير.

( وَصَفَفْتُ أَنَا وَالْيَتِيمُ) بالرفع عطفًا على الضمير المرفوع وبالنصب مفعول معه أي مع اليتيم ( وَرَاءَهُ) أي خلفه وهو ضميرة بن أبي ضميرة مولى رسول الله صلى الله عليه وسلم كذا سماه عبد الملك بن حبيب، وجزم البخاري بأن اسم أبي ضميرة سعد الحميري ويقال سعيد ونسبه ابن حبان ليثيًا وقيل اسمه روح، ووهم من قال اسم اليتيم روح كأنه انتقل ذهنه من الخلاف في اسم أبيه إليه وكذا وهم من قال اسمه سليم كما بينه في الفتح ( وَالْعَجُوزُ مِنْ وَرَائِنَا) هي مليكة المذكورة أوّلاً جزم به الحافظ.
وقال النووي: هي أمّ أنس أمّ سليم انتهى، والمتبادر الأوّل.

( لطيفة)

روى السلفي في الطيوريات بسنده أن أبا طلحة زوج أمّ أنس قام إليها مرة يضربها فقام أنس ليخلصها وقال له: خل عن العجوز، فقالت له: أتقول العجوز عجز الله ركبك.

( فَصَلَّى لَنَا رَكْعَتَيْنِ ثُمَّ انْصَرَفَ) أي إلى بيته أو من الصلاة، واعترض إدخال هذا الحديث في سبحة الضحى وليس فيه ما يدل على ذلك، وقد قال أنس إنه لم ير النبي صلى الله عليه وسلم يصلي الضحى إلا مرة واحدة في دار الأنصاري الضخم الذي دعاه ليصلي في بيته ليتخذ مكانه مصلى رواه البخاري.

وأجاب الباجي: بأن مالكًا لعله بلغه أن حديث مليكة كان ضحى، واعتقد أنس أن المقصود منها التعليم لا الوقت فلم يعتقدها صلاة ضحى.

وأجاب ابن العربي في القبس: بأن مالكًا نظر إلى كون الوقت الذي وقعت فيه تلك الصلاة هو وقت صلاة الضحى فحمله عليه، وأن أنسًا لم يطلع على أنه صلى الله عليه وسلم نوى بتلك الصلاة صلاة الضحى انتهى.

والجوابان متقاربان لكن ملحظهما مختلف، وفي هذا الحديث إجابة الدعوة وإن لم يكن عرسًا ولو كان الداعي امرأة لكن حيث تؤمن الفتنة والأكل من طعام الدعوة وصلاة النافلة جماعة في البيوت، وكأنه صلى الله عليه وسلم أراد تعليمهم أفعال الصلاة بالمشاهدة لأجل المرأة لأنه قد يخفى عليها بعض التفاصيل لبعد موقفها.
وفيه تنظيف مكان المصلي وقيام الرجل مع الصبي صفًا وتأخير النساء عن صفوف الرجال وقيام المرأة صفًا وحدها إذا لم يكن معها امرأة غيرها، وجواز صلاة المنفرد خلف الصف ولا حجة فيه لأنّ سنة المرأة أن تقوم خلف الرجال وليس لها القيام معهم في الصف، وفيه الاقتصار في نافلة النهار على ركعتين خلافًا لمن اشترط أربعًا وصحة صلاة الصبي المميز وضوءه وأن محل الفضل الوارد في صلاة النافلة منفردًا حيث لا يكون هناك مصلحة، بل يمكن أن يقال هو إذ ذاك أفضل، ولا سيما في حقه صلى الله عليه وسلم.

ورواه البخاري عن عبد الله بن يوسف ومسلم عن يحيى كلاهما عن مالك به.

( مَالِكٍ عَنِ ابْنِ شِهَابٍ عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ) بضم العين ( بْنِ عَبْدِ اللَّهِ) بفتحها ( بْنِ عُتْبَةَ) بضمها عن أبيه عبد الله بن عتبة بن مسعود الهذلي ابن أخي عبد الله بن مسعود ولد في عهد النبي صلى الله عليه وسلم ووثقه جماعة وهو من كبار التابعين مات بعد السبعين ( أَنَّهُ قَالَ: دَخَلْتُ عَلَى عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ) في موضع لا يستأذن فيه أو أنه استأذن ولم يذكره لعلم السامع ( بِالْهَاجِرَةِ) وقت الحرّ ( فَوَجَدْتُهُ يُسَبِّحُ فَقُمْتُ وَرَاءَهُ فَقَرَّبَنِي حَتَّى جَعَلَنِي حِذَاءَهُ) بكسر الحاء وفتح الذال والمد أي بمقابلته صادرًا ( عَنْ يَمِينِهِ) لأنه مقام الواحد ( فَلَمَّا جَاءَ يَرْفَا) بفتح التحتية وسكون الراء وفتح الفاء وهمز وإبداله حاجب عمر أدرك الجاهلية وحج مع عمر في خلافة أبي بكر، وله ذكر في الصحيحين في قصة منازعة العباس وعلي في صدقة رسول الله صلى الله عليه وسلم ( تَأَخَّرْتُ فَصَفَفْنَا) أي فوقفنا ( وَرَاءَهُ) أي خلف عمر.

قال الباجي: رأى مالك حكم الهاجرة حكم صلاة الضحى والهاجرة وقت الحرّ، وقد رأى زيد بن أرقم قومًا يصلون من الضحى فقال: أما لقد علموا أنّ الصلاة في غير هذا الوقت أفضل إنّ رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: صلاة الأوّابين حين ترمض الفصال وفيه جواز الإمامة في النافلة.
قال مالك وابن حبيب: لا بأس أن تفعل في الخاصة والنفر القليل نحو الرجلين والثلاثة من غير أن يكون كثيرًا مشهورًا بالليل والنهار في غير نافلة رمضان.
وقال ابن عبد البر: فيه أنّ عمر كان يصلي الضحى وكان ابنه ينكرها ويقول للضحى صلاة وكذا كان لا يقنت ولا يعرف القنوت، وروى القنوت عن أبيه عمر من وجوه، وكان ابن عمر يصلي بعد العصر ما لم تصفر الشمس وتدنو للغروب، وكان عمر يضرب الناس عليها بالدّرة ومثل هذا كثير من اختلافهما.