فهرس الكتاب

شرح الزرقاني - بَابُ مَا لَا يَجُوزُ مِنْ نِكَاحِ الرَّجُلِ أُمَّ امْرَأَتِهِ

رقم الحديث 1122 وَحَدَّثَنِي يَحْيَى، عَنْ مَالِكٍ، عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ أَنَّهُ قَالَ: سُئِلَ زَيْدُ بْنُ ثَابِتٍ عَنْ رَجُلٍ تَزَوَّجَ امْرَأَةً ثُمَّ فَارَقَهَا قَبْلَ أَنْ يُصِيبَهَا، هَلْ تَحِلُّ لَهُ أُمُّهَا؟ فَقَالَ زَيْدُ بْنُ ثَابِتٍ: لَا الْأُمُّ مُبْهَمَةٌ، لَيْسَ فِيهَا شَرْطٌ، وَإِنَّمَا الشَّرْطُ فِي الرَّبَائِبِ.


( ما لا يجوز من نكاح الرجل أم امرأته)

( مالك عن يحيى بن سعيد أنه قال سئل) بالبناء للمفعول ( زيد بن ثابت عن رجل تزوج امرأة) أي عقد عليها ( ثم فارقها قبل أن يصيبها) أي يجامعها ( هل تحل له أمها فقال زيد بن ثابت لا) تحل له ( الأم مبهمة) عن البيان فلا تحل بحال إذ ( ليس فيها شرط) بالدخول ( وإنما الشرط في الربائب) كما قال تعالى { { وَأُمَّهَاتُ نِسَائِكُمْ وَرَبَائِبُكُمُ اللاَّتِي فِي حُجُورِكُم مِّن نِّسَائِكُمُ اللاَّتِي دَخَلْتُم بِهِنَّ فَإِن لَّمْ تَكُونُوا دَخَلْتُمْ بِهِنَّ فَلاَ جُنَاحَ عَلَيْكُمْ } } ولما سئل ابن عباس عن هذه الآية قال: أبهموا ما أبهم الله وفي رواية قال هذا من مبهم التحريم الذي لا وجه فيه غير التحريم سواء دخلتم بالنساء أم لا، فأمهات نسائكم حرّمن عليكم من جميع الجهات.
وأما قوله { { وَرَبَائِبُكُمُ } } إلخ فليس من المبهمة لأن لهنّ وجهين أحللن في أحدهما، وحرّمن في الآخر، فإذا دخل بأمهات الربائب حرّمن، وإذا لم يدخل بهنّ لم يحرمن.
فهذا تفسير المبهم الذي أراد ابن عباس، نقله الهروي عن الأزهري.

( مالك عن غير واحد أن عبد الله بن مسعود استفتي) طلب منه الفتوى ( وهو بالكوفة عن نكاح الأم بعد الابنة إذا لم تكن الابنة مست) جومعت ( فأرخص في ذلك) بناء على أن الشرط يعمهما ( ثم إن ابن مسعود قدم المدينة فسأل عن ذلك فأخبر أنه ليس كما قال وإنما الشرط في الربائب فرجع ابن مسعود إلى الكوفة فلم يصل إلى منزله) بها لأنه كان ساكنها ( حتى أتى الرجل الذي أفتاه بذلك فأمره أن يفارق امرأته)

روى عبد الرزاق عن الثوري عن أبي فروة عن أبي عمرو الشيباني عن ابن مسعود أن رجلاً من بني فزارة تزوج امرأة ثم رأى أمها فعجبته، فأفتاه ابن مسعود بأن يفارقها ويتزوج أمها إن كان لم يمسها، فتزوجها وولدت له أولادًا، ثم أتى ابن مسعود المدينة فسأل فأخبر أنها لا تحل، فلما رجع إلى الكوفة قال للرجل: إنها عليك حرام ففارقها.
قال عبد الرزاق: وأخبرني معمر عن يزيد بن أبي زياد أن عمر بن الخطاب هو الذي ردّ ابن مسعود عن قوله ذلك فيما أحسب.
وقوله ففارقها يحتمل أنه أمر وأنه فعل فيكون الرجل امتثل وفي هذا ونحوه الاحتجاج بعمل أهل المدينة لرجوع ابن مسعود عن اجتهاده الذي أفتى به إليهم لأنه إنما أفتى بالاجتهاد، وقد ذهب بعض الأئمة المتقدمين إلى جواز نكاح الأم إذا لم يدخل بالبنت وقال الشرط الذي في آخر الآية يعم الأمهات والربائب.
وجمهور العلماء على خلافه لقول أهل العربية أن الخبرين إذا اختلفا لا يجوز أن يوصف الاسمان بوصف واحد فلا يقال قام زيد وقعد عمرو الظريفان وعلله سيبويه باختلاف العامل لأن العامل في الصفة هو العامل في الموصوف، وبيانه في الآية أن قوله { { اللاَّتِي دَخَلْتُم بِهِنَّ } } يعود عند هذا القائل إلى { { نِسَائِكُمْ } } وهو مخفوض بالإضافة وإلى { { وَرَبَائِبُكُمُ } } وهو مرفوع والصفة الواحدة لا تتعلق بمختلفي الإعراب ولا بمختلفي العامل.

( قال مالك في الرجل يكون تحته المرأة ثم ينكح أمها فيصيبها إنها تحرم عليه امرأته ويفارقهما جميعًا ويحرمان عليه أبدًا إذا كان قد أصاب الأم فإن لم يصب الأم لم تحرم عليه امرأته وفارق الأم) وبقي على امرأته البنت.

( وقال مالك في الرجل يتزوج المرأة ثم ينكح أمها) يعقد عليها ( فيصيبها إنه لا تحل له أمها أبدًا ولا تحل لأبيه ولا لابنه ولا تحل له ابنتها، وتحرم عليه امرأته) لمسهما معًا فإن لم يمس الأم فارقها ولم تحرم عليه امرأته كما قال قبل.

( قال مالك) هذا كله في النكاح ( فأما الزنا فإنه لا يحرم شيئًا من ذلك) المذكور، فإن كان متزوجًا بالبنت فزنى بالأم أو عكسه لا تحرم عليه زوجته لأن الحرام لا يحرم الحلال، وقد روى الدارقطني عن عائشة وابن عمر رفعاه لا يحرم الحرام الحلال لكنهما ضعيفا السند إلا أنه يستأنس بهما ( لأن الله تبارك وتعالى قال: { { و) } } حرمت عليكم { { ( أمهات نسائكم } } فإنما حرم ما كان تزويجًا ولم يذكر تحريم الزنا) والنكاح شرعًا إنما يطلق على وطء المعقود عليها لا على مجرد الوطء.
( فكل تزويج كان على وجه الحلال يصيب صاحبه امرأته فهو بمنزلة التزويج الحلال) فيقع به التحريم وكل ما كان محض زنا لا يحرم لأنه ليس بمنزلة التزويج ( فهذا الذي سمعت والذي عليه أمر الناس عندنا) بالمدينة، وبه قال الجمهور والشافعي وأحمد، وعليه جل أصحاب مالك بل صريح غير واحد من الأشياخ منهم سحنون بأن جميعهم عليه.
وقوله في المدونة إن زنى بأم زوجته أو ابنتها فليفارقها، حمله الأكثر على الوجوب واللخمي وابن رشد على الكراهة، أي كراهة البقاء معها واستحباب فراقها.
وذهب أكثر أهل المذهب إلى ترجيح ما في الموطأ وأن دليل من ذهب إلى التحريم كأبي حنيفة وصاحبيه والمدونة بناء على أن الأمر للوجوب لتحريمها عليه ضعيف لأن عمدته قوله تعالى { { وَلاَ تَنْكِحُوا مَا نَكَحَ آبَاؤُكُم مِّنَ النِّسَاءِ } } فحملوا { { وَلاَ تَنْكِحُوا } } على العقد { { مَا نَكَحَ آبَاؤُكُم } } على الوطء ووجه ضعفه أن النكاح حيث وقع في القرآن فالمراد به العقد، إلا ما خص من ذلك نحو { { حَتَّى تَنْكِحَ زَوْجًا غَيْرَهُ } } { { الزَّانِي لاَ يَنكِحُ إِلاَّ زَانِيَةً أَوْ مُشْرِكَةً } } { { وَلْيَسْتَعْفِفِ الَّذِينَ لاَ يَجِدُونَ نِكَاحًا } } وما ذكروه ليس من ذلك، ولئن سلم أن المراد بـ { { مَا نَكَحَ آبَاؤُكُم } } الوطء، فالمعنى به الوطء الحلال لأنه الذي يطلق عليه في الشرع اسم النكاح.
أما الزنا فيقال فيه سفاح.
وأيضًا فالزنا لا تثبت به العدة فلا يثبت به تحريم كاللواط، وأيضًا الحرمة حكم من أحكام النكاح الصحيح كالإحصان والنفقة وإسقاط الحد فلا يثبت بالزنا فإن قيل: هو تحريم يثبت بالوطء فوجب أن يثبت بالوطء الحرام كتحريم الفطر به وإفساد الحج.
أجيب بأنه لا يصح اعتباره به وإن استويا في إفساد الصوم والحج لأنه يجري مجراه في الإفساد اللواط ولا ينشر الحرمة.



رقم الحديث 1123 وَحَدَّثَنِي عَنْ مَالِكٍ، عَنْ غَيْرِ وَاحِدٍ، أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ مَسْعُودٍ اسْتُفْتِيَ وَهُوَ بِالْكُوفَةِ، عَنْ نِكَاحِ الْأُمِّ بَعْدَ الِابْنَةِ إِذَا لَمْ تَكُنِ الِابْنَةُ مُسَّتْ فَأَرْخَصَ فِي ذَلِكَ، ثُمَّ إِنَّ ابْنَ مَسْعُودٍ قَدِمَ الْمَدِينَةَ، فَسَأَلَ عَنْ ذَلِكَ، فَأُخْبِرَ أَنَّهُ لَيْسَ كَمَا قَالَ، وَإِنَّمَا الشَّرْطُ فِي الرَّبَائِبِ فَرَجَعَ ابْنُ مَسْعُودٍ إِلَى الْكُوفَةِ فَلَمْ يَصِلْ إِلَى مَنْزِلِهِ، حَتَّى أَتَى الرَّجُلَ الَّذِي أَفْتَاهُ بِذَلِكَ، فَأَمَرَهُ أَنْ يُفَارِقَ امْرَأَتَهُ قَالَ مَالِكٌ: فِي الرَّجُلِ تَكُونُ تَحْتَهُ الْمَرْأَةُ، ثُمَّ يَنْكِحُ أُمَّهَا فَيُصِيبُهَا، إِنَّهَا تَحْرُمُ عَلَيْهِ امْرَأَتُهُ وَيُفَارِقُهُمَا جَمِيعًا، وَيَحْرُمَانِ عَلَيْهِ أَبَدًا، إِذَا كَانَ قَدْ أَصَابَ الْأُمَّ، فَإِنْ لَمْ يُصِبِ الْأُمَّ لَمْ تَحْرُمْ عَلَيْهِ امْرَأَتُهُ، وَفَارَقَ الْأُمَّ وقَالَ مَالِكٌ: فِي الرَّجُلِ يَتَزَوَّجُ الْمَرْأَةَ ثُمَّ يَنْكِحُ أُمَّهَا فَيُصِيبُهَا إِنَّهُ: لَا تَحِلُّ لَهُ أُمُّهَا أَبَدًا، وَلَا تَحِلُّ لِأَبِيهِ، وَلَا لِابْنِهِ، وَلَا تَحِلُّ لَهُ ابْنَتُهَا، وَتَحْرُمُ عَلَيْهِ امْرَأَتُهُ قَالَ مَالِكٌ: فَأَمَّا الزِّنَا فَإِنَّهُ لَا يُحَرِّمُ شَيْئًا مِنْ ذَلِكَ، لِأَنَّ اللَّهَ تَبَارَكَ وَتَعَالَى قَالَ { { وَأُمَّهَاتُ نِسَائِكُمْ } } فَإِنَّمَا حَرَّمَ مَا كَانَ تَزْوِيجًا، وَلَمْ يَذْكُرْ تَحْرِيمَ الزِّنَا، فَكُلُّ تَزْوِيجٍ كَانَ عَلَى وَجْهِ الْحَلَالِ يُصِيبُ صَاحِبُهُ امْرَأَتَهُ، فَهُوَ بِمَنْزِلَةِ التَّزْوِيجِ الْحَلَالِ، فَهَذَا الَّذِي سَمِعْتُ، وَالَّذِي عَلَيْهِ أَمْرُ النَّاسِ عِنْدَنَا.


( ما لا يجوز من نكاح الرجل أم امرأته)

( مالك عن يحيى بن سعيد أنه قال سئل) بالبناء للمفعول ( زيد بن ثابت عن رجل تزوج امرأة) أي عقد عليها ( ثم فارقها قبل أن يصيبها) أي يجامعها ( هل تحل له أمها فقال زيد بن ثابت لا) تحل له ( الأم مبهمة) عن البيان فلا تحل بحال إذ ( ليس فيها شرط) بالدخول ( وإنما الشرط في الربائب) كما قال تعالى { { وَأُمَّهَاتُ نِسَائِكُمْ وَرَبَائِبُكُمُ اللاَّتِي فِي حُجُورِكُم مِّن نِّسَائِكُمُ اللاَّتِي دَخَلْتُم بِهِنَّ فَإِن لَّمْ تَكُونُوا دَخَلْتُمْ بِهِنَّ فَلاَ جُنَاحَ عَلَيْكُمْ } } ولما سئل ابن عباس عن هذه الآية قال: أبهموا ما أبهم الله وفي رواية قال هذا من مبهم التحريم الذي لا وجه فيه غير التحريم سواء دخلتم بالنساء أم لا، فأمهات نسائكم حرّمن عليكم من جميع الجهات.
وأما قوله { { وَرَبَائِبُكُمُ } } إلخ فليس من المبهمة لأن لهنّ وجهين أحللن في أحدهما، وحرّمن في الآخر، فإذا دخل بأمهات الربائب حرّمن، وإذا لم يدخل بهنّ لم يحرمن.
فهذا تفسير المبهم الذي أراد ابن عباس، نقله الهروي عن الأزهري.

( مالك عن غير واحد أن عبد الله بن مسعود استفتي) طلب منه الفتوى ( وهو بالكوفة عن نكاح الأم بعد الابنة إذا لم تكن الابنة مست) جومعت ( فأرخص في ذلك) بناء على أن الشرط يعمهما ( ثم إن ابن مسعود قدم المدينة فسأل عن ذلك فأخبر أنه ليس كما قال وإنما الشرط في الربائب فرجع ابن مسعود إلى الكوفة فلم يصل إلى منزله) بها لأنه كان ساكنها ( حتى أتى الرجل الذي أفتاه بذلك فأمره أن يفارق امرأته)

روى عبد الرزاق عن الثوري عن أبي فروة عن أبي عمرو الشيباني عن ابن مسعود أن رجلاً من بني فزارة تزوج امرأة ثم رأى أمها فعجبته، فأفتاه ابن مسعود بأن يفارقها ويتزوج أمها إن كان لم يمسها، فتزوجها وولدت له أولادًا، ثم أتى ابن مسعود المدينة فسأل فأخبر أنها لا تحل، فلما رجع إلى الكوفة قال للرجل: إنها عليك حرام ففارقها.
قال عبد الرزاق: وأخبرني معمر عن يزيد بن أبي زياد أن عمر بن الخطاب هو الذي ردّ ابن مسعود عن قوله ذلك فيما أحسب.
وقوله ففارقها يحتمل أنه أمر وأنه فعل فيكون الرجل امتثل وفي هذا ونحوه الاحتجاج بعمل أهل المدينة لرجوع ابن مسعود عن اجتهاده الذي أفتى به إليهم لأنه إنما أفتى بالاجتهاد، وقد ذهب بعض الأئمة المتقدمين إلى جواز نكاح الأم إذا لم يدخل بالبنت وقال الشرط الذي في آخر الآية يعم الأمهات والربائب.
وجمهور العلماء على خلافه لقول أهل العربية أن الخبرين إذا اختلفا لا يجوز أن يوصف الاسمان بوصف واحد فلا يقال قام زيد وقعد عمرو الظريفان وعلله سيبويه باختلاف العامل لأن العامل في الصفة هو العامل في الموصوف، وبيانه في الآية أن قوله { { اللاَّتِي دَخَلْتُم بِهِنَّ } } يعود عند هذا القائل إلى { { نِسَائِكُمْ } } وهو مخفوض بالإضافة وإلى { { وَرَبَائِبُكُمُ } } وهو مرفوع والصفة الواحدة لا تتعلق بمختلفي الإعراب ولا بمختلفي العامل.

( قال مالك في الرجل يكون تحته المرأة ثم ينكح أمها فيصيبها إنها تحرم عليه امرأته ويفارقهما جميعًا ويحرمان عليه أبدًا إذا كان قد أصاب الأم فإن لم يصب الأم لم تحرم عليه امرأته وفارق الأم) وبقي على امرأته البنت.

( وقال مالك في الرجل يتزوج المرأة ثم ينكح أمها) يعقد عليها ( فيصيبها إنه لا تحل له أمها أبدًا ولا تحل لأبيه ولا لابنه ولا تحل له ابنتها، وتحرم عليه امرأته) لمسهما معًا فإن لم يمس الأم فارقها ولم تحرم عليه امرأته كما قال قبل.

( قال مالك) هذا كله في النكاح ( فأما الزنا فإنه لا يحرم شيئًا من ذلك) المذكور، فإن كان متزوجًا بالبنت فزنى بالأم أو عكسه لا تحرم عليه زوجته لأن الحرام لا يحرم الحلال، وقد روى الدارقطني عن عائشة وابن عمر رفعاه لا يحرم الحرام الحلال لكنهما ضعيفا السند إلا أنه يستأنس بهما ( لأن الله تبارك وتعالى قال: { { و) } } حرمت عليكم { { ( أمهات نسائكم } } فإنما حرم ما كان تزويجًا ولم يذكر تحريم الزنا) والنكاح شرعًا إنما يطلق على وطء المعقود عليها لا على مجرد الوطء.
( فكل تزويج كان على وجه الحلال يصيب صاحبه امرأته فهو بمنزلة التزويج الحلال) فيقع به التحريم وكل ما كان محض زنا لا يحرم لأنه ليس بمنزلة التزويج ( فهذا الذي سمعت والذي عليه أمر الناس عندنا) بالمدينة، وبه قال الجمهور والشافعي وأحمد، وعليه جل أصحاب مالك بل صريح غير واحد من الأشياخ منهم سحنون بأن جميعهم عليه.
وقوله في المدونة إن زنى بأم زوجته أو ابنتها فليفارقها، حمله الأكثر على الوجوب واللخمي وابن رشد على الكراهة، أي كراهة البقاء معها واستحباب فراقها.
وذهب أكثر أهل المذهب إلى ترجيح ما في الموطأ وأن دليل من ذهب إلى التحريم كأبي حنيفة وصاحبيه والمدونة بناء على أن الأمر للوجوب لتحريمها عليه ضعيف لأن عمدته قوله تعالى { { وَلاَ تَنْكِحُوا مَا نَكَحَ آبَاؤُكُم مِّنَ النِّسَاءِ } } فحملوا { { وَلاَ تَنْكِحُوا } } على العقد { { مَا نَكَحَ آبَاؤُكُم } } على الوطء ووجه ضعفه أن النكاح حيث وقع في القرآن فالمراد به العقد، إلا ما خص من ذلك نحو { { حَتَّى تَنْكِحَ زَوْجًا غَيْرَهُ } } { { الزَّانِي لاَ يَنكِحُ إِلاَّ زَانِيَةً أَوْ مُشْرِكَةً } } { { وَلْيَسْتَعْفِفِ الَّذِينَ لاَ يَجِدُونَ نِكَاحًا } } وما ذكروه ليس من ذلك، ولئن سلم أن المراد بـ { { مَا نَكَحَ آبَاؤُكُم } } الوطء، فالمعنى به الوطء الحلال لأنه الذي يطلق عليه في الشرع اسم النكاح.
أما الزنا فيقال فيه سفاح.
وأيضًا فالزنا لا تثبت به العدة فلا يثبت به تحريم كاللواط، وأيضًا الحرمة حكم من أحكام النكاح الصحيح كالإحصان والنفقة وإسقاط الحد فلا يثبت بالزنا فإن قيل: هو تحريم يثبت بالوطء فوجب أن يثبت بالوطء الحرام كتحريم الفطر به وإفساد الحج.
أجيب بأنه لا يصح اعتباره به وإن استويا في إفساد الصوم والحج لأنه يجري مجراه في الإفساد اللواط ولا ينشر الحرمة.