فهرس الكتاب

شرح الزرقاني - بَابُ مَا لَا يَجُوزُ مِنَ الْعِتْقِ فِي الرِّقَابِ الْوَاجِبَةِ

رقم الحديث 1482 قَالَ يَحْيَى: سَمِعْتُ مَالِكًا يَقُولُ: الْأَمْرُ عِنْدَنَا فِيمَنِ اسْتَهْلَكَ شَيْئًا مِنَ الْحَيَوَانِ بِغَيْرِ إِذْنِ صَاحِبِهِ، أَنَّ عَلَيْهِ قِيمَتَهُ يَوْمَ اسْتَهْلَكَهُ، لَيْسَ عَلَيْهِ أَنْ يُؤْخَذَ بِمِثْلِهِ مِنَ الْحَيَوَانِ، وَلَا يَكُونُ لَهُ أَنْ يُعْطِيَ صَاحِبَهُ، فِيمَا اسْتَهْلَكَ شَيْئًا مِنَ الْحَيَوَانِ، وَلَكِنْ عَلَيْهِ قِيمَتُهُ يَوْمَ اسْتَهْلَكَهُ، الْقِيمَةُ أَعْدَلُ ذَلِكَ فِيمَا بَيْنَهُمَا فِي الْحَيَوَانِ وَالْعُرُوضِ قَالَ: وسَمِعْتُ مَالِكًا يَقُولُ: فِيمَنِ اسْتَهْلَكَ شَيْئًا مِنَ الطَّعَامِ بِغَيْرِ إِذْنِ صَاحِبِهِ فَإِنَّمَا يَرُدُّ عَلَى صَاحِبِهِ، مِثْلَ طَعَامِهِ بِمَكِيلَتِهِ مِنْ صِنْفِهِ، وَإِنَّمَا الطَّعَامُ بِمَنْزِلَةِ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ، إِنَّمَا يَرُدُّ مِنَ الذَّهَبِ الذَّهَبَ، وَمِنَ الْفِضَّةِ الْفِضَّةَ، وَلَيْسَ الْحَيَوَانُ بِمَنْزِلَةِ الذَّهَبِ فِي ذَلِكَ.
فَرَقَ بَيْنَ ذَلِكَ السُّنَّةُ، وَالْعَمَلُ الْمَعْمُولُ بِهِ قَالَ يَحْيَى، وسَمِعْتُ مَالِكًا يَقُولُ: إِذَا اسْتُوْدِعَ الرَّجُلُ مَالًا فَابْتَاعَ بِهِ لِنَفْسِهِ وَرَبِحَ فِيهِ.
فَإِنَّ ذَلِكَ الرِّبْحَ لَهُ، لِأَنَّهُ ضَامِنٌ لِلْمَالِ.
حَتَّى يُؤَدِّيَهُ إِلَى صَاحِبِهِ.



القضاء في استهلاك الحيوان والطعام وغيره

( مالك الأمر عندنا فيمن استهلك شيئا من الحيوان بغير إذن صاحبه أن عليه قيمته يوم استهلكه ليس عليه أن يوجد بمثله من الحيوان ولا يكون له أن يعطي صاحبه فيما استهلك شيئًا من الحيوان ولكن عليه قيمته يوم استهلكه القيمة أعدل ذلك فيما بينهما في الحيوان والعروض) لأن النبي صلى الله عليه وسلم قضى فيمن أعتق شركا له في عبد بقيمة حصة شريكه دون حصة من عبد مثله وقيمة العدل في الحقيقة مثل وهذا هو الصحيح المشهور عن مالك وعنه أيضا كأبي حنيفة والشافعي وداود لا يقضى بالقيمة في شيء إلا عند عدم المثل لظاهر قوله تعالى { { وإن عاقبتم فعاقبوا بمثل ما عوقبتم به } } ولحديث عائشة ما رأيت صانعا مثل صفية صنعت لرسول الله صلى الله عليه وسلم طعاما فبعثت به فغرت فكسرت الإناء فقالت إناء مثل إناء وطعام مثل طعام وفي رواية فقال غارت أمكم كلوا وحبس الرسول والقصعة حتى فرغوا فدفع القصعة الصحيحة إلى الرسول وحبس المكسورة وأجاب أبو عمر بأن حديث الشقص أصح من حديث القصعة فهو أولى والباجي بأن بيوت أمهات المؤمنين وما فيها من إناء وطعام له صلى الله عليه وسلم فيفعل في ذلك ما شاء ويرضى من ذلك بما شاء ( ومن استهلك شيئا من الطعام بغير إذن صاحبه فإنما يرد على صاحبه مثل طعامه بمكيلته من صنفه) إن علمت مكيلته وإلا فقيمته لأنه لو دفع إليه مثل حرزها لم يأمن التفاضل من الطعام ( وإنما الطعام بمنزلة الذهب والفضة) وعليه في ذلك كله مثله اتفاقا ( وليس الحيوان بمنزلة الذهب في ذلك فرق بين ذلك السنة والعمل المعمول به وإذا استودع الرجل مالا فابتاع به لنفسه وربح فيه فإن ذلك الربح له لأنه ضامن للمال حتى يؤديه إلى صاحبه) هذا قول مالك وجماعة وقال أبو حنيفة وآخرون يتصدق بالربح ولا يطيب له وقال الشافعي إذا اشترى بمال بغير عينه وفقد المغصوب أو الوديعة فالربح له وإن اشتراه بالمال بعينه خير ربه بين أخذ المال والسلعة والربح له وقالت طائفة الربح على كل حال لرب المال.



رقم الحديث 1482 حَدَّثَنِي مَالِكٌ أَنَّهُ بَلَغَهُ أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عُمَرَ سُئِلَ عَنِ الرَّقَبَةِ الْوَاجِبَةِ هَلْ تُشْتَرَى بِشَرْطٍ؟ فَقَالَ: لَا قَالَ مَالِكٌ: وَذَلِكَ أَحْسَنُ مَا سَمِعْتُ فِي الرِّقَابِ الْوَاجِبَةِ.
أَنَّهُ لَا يَشْتَرِيهَا الَّذِي يُعْتِقُهَا فِيمَا وَجَبَ عَلَيْهِ بِشَرْطٍ عَلَى أَنْ يُعْتِقَهَا.
لِأَنَّهُ إِذَا فَعَلَ ذَلِكَ فَلَيْسَتْ بِرَقَبَةٍ تَامَّةٍ.
لِأَنَّهُ يَضَعُ مِنْ ثَمَنِهَا لِلَّذِي يَشْتَرِطُ مِنْ عِتْقِهَا.
قَالَ مَالِكٌ: وَلَا بَأْسَ أَنْ يَشْتَرِيَ الرَّقَبَةَ فِي التَّطَوُّعِ وَيَشْتَرِطَ أَنْ يُعْتِقَهَا.
قَالَ مَالِكٌ: إِنَّ أَحْسَنَ مَا سُمِعَ فِي الرِّقَابِ الْوَاجِبَةِ، أَنَّهُ لَا يَجُوزُ أَنْ يُعْتَقَ فِيهَا نَصْرَانِيٌّ وَلَا يَهُودِيٌّ.
وَلَا يُعْتَقُ فِيهَا مُكَاتَبٌ.
وَلَا مُدَبَّرٌ وَلَا أُمُّ وَلَدٍ.
وَلَا مُعْتَقٌ إِلَى سِنِينَ.
وَلَا أَعْمَى.
وَلَا بَأْسَ أَنْ يُعْتَقَ النَّصْرَانِيُّ وَالْيَهُودِيُّ وَالْمَجُوسِيُّ تَطَوُّعًا.
لِأَنَّ اللَّهَ تَبَارَكَ وَتَعَالَى قَالَ فِي كِتَابِهِ: { { فَإِمَّا مَنًّا بَعْدُ وَإِمَّا فِدَاءً } } فَالْمَنُّ الْعَتَاقَةُ.
قَالَ مَالِكٌ: فَأَمَّا الرِّقَابُ الْوَاجِبَةُ الَّتِي ذَكَرَ اللَّهُ فِي الْكِتَابِ.
فَإِنَّهُ لَا يُعْتَقُ فِيهَا إِلَّا رَقَبَةٌ مُؤْمِنَةٌ.
قَالَ مَالِكٌ: وَكَذَلِكَ فِي إِطْعَامِ الْمَسَاكِينِ فِي الْكَفَّارَاتِ لَا يَنْبَغِي أَنْ يُطْعَمَ فِيهَا إِلَّا الْمُسْلِمُونَ.
وَلَا يُطْعَمُ فِيهَا أَحَدٌ عَلَى غَيْرِ دِينِ الْإِسْلَامِ.


ما لا يجوز من العتق في الرقاب الواجبة

( مالك أنه بلغه أن عبد الله بن عمر سئل عن الرقبة الواجبة هل تشترى بشرط فقال لا) تشترى بشرط العتق ( قال وذلك أحسن ما سمعت في الرقاب الواجبة أنه لا يشتريها الذي يعتقها فيما وجب عليه بشرط على أن يعتقها لأنه إذا فعل ذلك فليست برقبة تامة لأنه) أي بائعها ( يضع) يسقط ( من ثمنها) أي بعضه ( للذي يشترط من عتقها) تحصيلا لبعض الثواب ( ولا بأس) أي يجوز ( أن يشتري الرقبة في التطوع ويشترط أن يعتقها) إذ يجوز أن يشترك جماعة في شراء رقبة ويعتقوها تطوعا فواحد بشرط العتق أولى ( قال مالك إن أحسن ما سمع في الرقاب الواجبة أنه لا يجوز أن يعتق فيها نصراني ولا يهودي) ولا غيرهما من الكفار بالأولى ( ولا يعتق فيها مكاتب ولا مدبر ولا أم ولد ولا معتق إلى سنين) أي بعدها لما فيهم من عقد الحرية فلم تكن محررة لما وجب والله تعالى يقول { { فتحرير رقبة } } ( ولا أعمى) ولا نحوه من العيوب المقررة في الفروع ( ولا بأس) أي يجوز أن يعتق النصراني واليهودي والمجوسي تطوعًا لأن الله تبارك وتعالى قال في كتابه { { فإذا لقيتم الذين كفروا فضرب الرقاب حتى إذا أثخنتموهم فشدوا الوثاق } } { { فإما منا بعد } } أي بعد شد الوثاق { { وإما فداء } } بمال أو أسرى مسلمين ( فالمن العتاقة) أي الإطلاق بلا شيء ( وأما الرقاب الواجبة التي ذكر الله في الكتاب) في كفارة الأيمان والقتل والظهار ( فإنه لا يعتق فيها إلا رقبة مؤمنة) لأنه قيد بها في كفارة القتل فحمل المطلق على المقيد ( وكذلك في إطعام المساكين في الكفارات لا ينبغي أن يطعم فيها إلا المسلمون ولا يطعم فيها أحد على غير دين الإسلام) من أي دين كان.