فهرس الكتاب

شرح الزرقاني - بَابُ الصَّلَاةِ فِي الْبَيْتِ وَقَصْرِ الصَّلَاةِ وَتَعْجِيلِ الْخُطْبَةِ بِعَرَفَةَ

رقم الحديث 907 حَدَّثَنِي يَحْيَى، عَنْ مَالِكٍ عَنْ نَافِعٍ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ دَخَلَ الْكَعْبَةَ هُوَ وَأُسَامَةُ بْنُ زَيْدٍ وَبِلَالُ بْنُ رَبَاحٍ وَعُثْمَانُ بْنُ طَلْحَةَ الْحَجَبِيُّ فَأَغْلَقَهَا عَلَيْهِ، وَمَكَثَ فِيهَا.
قَالَ عَبْدُ اللَّهِ فَسَأَلْتُ بِلَالًا حِينَ خَرَجَ مَا صَنَعَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؟ فَقَالَ: جَعَلَ عَمُودًا عَنْ يَمِينِهِ، وَعَمُودَيْنِ عَنْ يَسَارِهِ، وَثَلَاثَةَ أَعْمِدَةٍ وَرَاءَهُ، وَكَانَ الْبَيْتُ يَوْمَئِذٍ عَلَى سِتَّةِ أَعْمِدَةٍ ثُمَّ صَلَّى.


( الصلاة في البيت وقصر الصلاة وتعجيل الخطبة بعرفة)

( مالك عن نافع عن عبد الله بن عمر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم دخل الكعبة) عام فتح مكة كما في البخاري في الجهاد عن يونس بن يزيد عن نافع عن ابن عمر أقبل النبي صلى الله عليه وسلم يوم الفتح من أعلى مكة وله في المغازي عن فليح عن نافع وهو مردف أسامة على القصواء ثم اتفقا ومعه بلال وعثمان بن طلحة حتى أناخ في المسجد وفي رواية فليح عند البيت وقال لعثمان ائتنا بالمفتاح فجاءه بالمفتاح ففتح له البيت فدخل ولمسلم وعبد الرزاق عن أيوب عن نافع ثم دعا عثمان بن طلحة بالمفتاح فذهب إلى أمه فأبت أن تعطيه فقال والله لتعطينه أو لأخرجن هذا السيف من صلبي فلما رأت ذلك أعطته فجاء به إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ففتح الباب وظهر من رواية فليح أن فاعل فتح هو عثمان المذكور لكن روى الفاكهي من طريق ضعيفة عن ابن عمر قال كان بنو أبي طلحة يزعمون أنه لا يستطيع أحد فتح الكعبة غيرهم فأخذ صلى الله عليه وسلم المفتاح ففتحها بيده ودخل ( هو وأسامة بن زيد) بن حارثة الكلبي الحب بن الحب الخليق كل منهما للإمارة بالنص النبوي المختص أبوه بأن الله لم يصرح في كتابه باسم أحد من الصحابة سوى زيد البدري ( وبلال بن رباح) بفتح الراء والموحدة الخفيفة أحد السابقين الأولين ( وعثمان بن طلحة) بن أبي طلحة بن عبد العزى بن عبد الدار بن قصي بن كلاب القرشي ( الحجبي) بفتح المهملة والجيم نسبة إلى حجابة الكعبة ولذا يقال لأهل بيته الحجبة ويعرفون الآن بالشيبيين نسبة إلى شيبة بن عثمان بن أبي طلحة وهو ابن عم عثمان هذا لا ولده له أيضًا صحبة ورواية زاد مسلم من طريق آخر ولم يدخلها معهم أحد وللنسائي عن ابن عون عن نافع زيادة الفضل بن عباس ولأحمد عن ابن عباس حدثني أخي الفضل وكان معه حين دخلها ( فأغلقها) الحجبي ( عليه) صلى الله عليه وسلم ولمسلم عن ابن عون عن نافع فأجاف عليهم الباب ولبعض رواة الموطأ فأغلقاها بضمير التثنية لعثمان وبلال وفي رواية فأغلقوا عليهم الباب وجمع بينها بأن عثمان هو المباشر لذلك لأنه من وظيفته ولعل بلالاً ساعده في ذلك ورواية الجمع يدخل فيها الآمر بذلك والراضي به زاد أبو عوانة من داخل ( ومكث) بفتح الكاف وضمها ( فيها) زاد يونس نهارًا طويلاً وفليح زمانًا بدل نهارًا وفي رواية جويرية عن نافع فأطال ولمسلم عن ابن عون عن نافع فمكث فيها مليًا وله عن عبيد الله عن نافع فأجافوا عليهم الباب طويلاً وعن أيوب عن نافع فمكث فيها ساعة وللنسائي فوجدت شيئًا فذهبت ثم جئت سريعًا فوجدت النبي صلى الله عليه وسلم خارجًا منها ( قال عبد الله فسألت بلالاً) ولمسلم من وجه آخر بلالاً أو عثمان بن طلحة بالشك والمحفوظ أنه سأل بلالاً كما رواه الجمهور ولأبي يعلى عن عبد الرحمن بن العلاء عن ابن عمر أنه سأل بلالاً وأسامة بن زيد ولأحمد والطبراني أنه سأل أسامة ولمسلم والطبراني فقلت أين صلى فقالوا فإن كان محفوظًا حمل على أنه ابتدأ بلالاً بالسؤال ثم أراد زيادة الاستثبات فسأل عثمان وأسامة ويؤيده قوله في رواية لمسلم ونسيت أن أسألهم كم صلى بالجمع وهذا أولى من جزم عياض بوهم رواية مسلم بالشك وكأنه لم يقف على بقية الروايات ( حين خرج) وفي رواية ثم خرج فابتدر الناس الدخول فسبقتهم وفي أخرى وكنت رجلاً شابًا قويًا فبادرت الناس فبدرتهم وفي أخرى كنت أول الناس ولج على أثره وأخرى فرقيت الدرجة فدخلت البيت وفي رواية مجاهد عن ابن عمر وأجد بلالاً قائمًا بين البابين فسألته ( ما صنع رسول الله صلى الله عليه وسلم) في الكعبة وللصحيحين عن سالم عن أبيه فسألته هل صلى فيه قال نعم وفي رواية فسألته أين صلى فظهر أنه سأل أولاً هل صلى أم لا ثم سأل عن موضع صلاته ( فقال جعل عمودًا) بالإفراد ( عن يمينه وعمودين عن يساره وثلاثة أعمدة وراءه) هكذا رواه يحيى الأندلسي ويحيى النيسابوري والشافعي وابن مهدي في إحدى الروايتين عنهما وبشر بن عمرو قال ابن القاسم والقعنبي وأبو مصعب ومحمد بن الحسن وإسماعيل والشافعي وابن مهدي في إحدى الروايتين عنهما جعل عمودين عن يمينه وعمودًا عن يساره بتثنية الأول وإفراد الثاني عكس الرواية الأولى والجمع باحتمال تعدد الواقعة بعيد لاتحاد مخرج الحديث ورجح البيهقي الرواية الثانية ويأتي توجيههما معًا ولا إشكال في الروايتين مع قوله ( وكان البيت يومئذ على ستة أعمدة) أما على رواية عبد الله بن يوسف والجمهور بإفراد عمود فيهما فمشكل مع قوله وكان البيت إلخ لأنه يشعر بأن ما عن يمينه أو يساره اثنان وجمع بأنه حيث ثنى أشار إلى ما كان عليه البيت في زمنه صلى الله عليه وسلم وحيث أفرد أشار إلى ما صار إليه بعد ذلك ويرشد إليه قوله وكان البيت يومئذ لأنه يشعر بأنه تغير عن هيئته الأولى وقال الكرماني لفظ عمود جنس يحتمل الواحد والاثنين فهو مجمل بينته رواية التثنية ويحتمل أن الأعمدة لم تكن على سمت واحد بل اثنان على سمت والثالث على غير سمتهما ويشعر به رواية البخاري عن جويرية عن نافع عن ابن عمر صلى بين العمودين المقدمين قال الحافظ ويؤيده أيضًا رواية مجاهد عن ابن عمر بلفظ بين الساريتين اللتين على يسار الداخل وهو صريح في أنه كان هناك عمودان على اليسار وأنه صلى بينهما فيحتمل أنه كان ثم عمود آخر على اليمين لكنه بعيدًا وعلى غير سمت العمودين فيصح رواية جعل عن يمينه عمودين ورواية جعل عمودًا عن يمينه قال الكرماني تبعًا لغيره ويجوز أن هناك ثلاثة أعمدة مصطفة فصلى إلى جنب الأوسط فمن قال جعل عمودًا عن يمينه وعمودًا عن يساره لم يعتبر الذي صلى إلى جنبه ومن قال عمودين اعتبره وفيه بعد وأبعد منه قول من قال انتقل في الصلاة من مكان إلى مكان ولا تبطل الصلاة بذلك لقلته وفيه اختلاف رابع قال عثمان بن عمر عن مالك جعل عمودين عن يمينه وعمودين عن يساره ويمكن توجيهه بأن يكون هناك أربعة أعمدة اثنان مجتمعان واثنان منفردان فوقف عند المجتمعين لكن يعكر عليه قوله وكان البيت يومئذ على ستة أعمدة بعد قوله وثلاثة أعمدة وراءه وقد قال الدارقطني لم يتابع عثمان ابن عمر على ذلك ( ثم صلى) ركعتين كما رواه الشيخان عن مجاهد عن ابن عمر وأحمد وغيره عن عثمان بن طلحة والبزار عن أبي هريرة والطبراني عن عبد الرحمن بن صفوان وشيبة بن عثمان قال ابن عبد البر هكذا رواه جماعة من رواة الموطأ وزاد ابن القاسم في روايته وجعل بينه وبين الجدار نحو ثلاثة أذرع ولابن مهدي وابن وهب وابن عفير ثلاثة أذرع لم يقولوا نحو انتهى وللبخاري عن فليح عن نافع عن ابن عمر بين ذينك العمودين المتقدمين وكان البيت على ستة أعمدة سطرين صلى بين العمودين من السطر المتقدم وجعل باب البيت خلف ظهره وقال في آخره وعند المكان الذي صلى فيه مرمرة حمراء قال الحافظ وكل هذا إخبار عما كان عليه البيت قبل أن يهدم ويبنى زمن ابن الزبير فأما الآن ففي البخاري عن موسى بن عقبة عن نافع عن ابن عمر أنه كان إذا دخل الكعبة مشى قبل الوجه حتى يدخل ويجعل الباب قبل الظهر يمشي حتى يكون بينه وبين الجدار الذي قبل وجهه قريبًا من ثلاثة أذرع فيصلي يتوخى المكان الذي أخبره بلال أنه صلى الله عليه وسلم صلى فيه وجزم برفع هذه الزيادة مالك عن نافع عند أبي داود من طريق ابن مهدي والدارقطني من طريقه وطريق ابن وهب وغيرهما عن مالك عن نافع عن ابن عمر بلفظ وصلى وبينه وبين القبلة ثلاثة أذرع وكذا رواه أبو عوانة من طريق هشام بن سعد عن نافع وهذا فيه الجزم بثلاثة أذرع لكن رواه النسائي من طريق ابن القاسم عن مالك بلفظ نحوًا من ثلاثة أذرع وهذا موافق لرواية موسى بن عقبة وعند الأزرقي والفاكهي من وجه آخر أن معاوية سأل ابن عمر أين صلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال اجعل بينك وبين الجدار ذراعين أو ثلاثة فعلى هذا ينبغي لمن أراد اتباعه أن يجعل بينه وبين الجدار ثلاثة أذرع فإنه يقع قدماه في مكان قدميه صلى الله عليه وسلم إن كانت ثلاثة أذرع سواءً أو تقع ركبتاه أو يداه أو وجهه إن كان أقل من ثلاثة وأما قدر الصلاة ففي الصحيحين من رواية يحيى القطان عن سيف بن سليمان المكي عن مجاهد عن ابن عمر فسألت بلالاً أصلى النبي صلى الله عليه وسلم قال نعم ركعتين بين الساريتين اللتين عن يسارك إذا دخلت ثم خرج فصلى في وجه الكعبة ركعتين واستشكله الإسماعيلي وغيره بأن المشهور عن ابن عمر من طريق نافع وغيره أنه قال ونسيت أن أسأله كم صلى فدل على أنه أخبره بالكيفية وهي تعيين الموقف في الكعبة ولم يخبره بالكمية ونسي هو أن يسأله عنها وأجيب باحتمال أن ابن عمر اعتمد في قوله ركعتين على القدر المحقق له لأن بلالاً أثبت له أنه صلى ولم ينقل أنه صلى الله عليه وسلم تنفل بالنهار بأقل من ركعتين فتحقق فعلهما لما استقرئ من عادته فعلى هذا قوله ركعتين من ابن عمر لا بلال وروى عمر بن شبة عن عبد العزيز بن أبي رواد عن نافع عن ابن عمر فاستقبلني بلال فقلت ما صنع رسول الله ههنا فأشار بيده أنه صلى ركعتين بالسبابة والوسطى فعلى هذا قوله نسيت أن أسأله كم صلى محمول على أنه لم يسأله لفظًا ولم يجبه لفظًا وإنما استفاد منه صلاة الركعتين بإشارته لا بنطقه أو يحمل على أنه لم يتحقق هل زاد على ركعتين أم لا وجمع بعضهم بأن ابن عمر نسي أن يسأل بلالاً ثم لقيه مرة أخرى فسأله فيه نظر لأن راوي قول ابن عمر نسيت هو نافع مولاه ويبعد مع طول ملازمته له إلى موته أن يستمر على حكاية النسيان ولا يتعرض لحكاية الذكر أصلاً ونقل عياض أن قوله ركعتين غلط من يحيى القطان لقول ابن عمر نسيت أن أسأله كم صلى وإنما دخل الوهم عليه من ذكر الركعتين بعد مردود والمغلط له هو الغالط فإنه ذكر الركعتين قبل وبعد فلم يهم من موضع إلى موضع ولم ينفرد يحيى القطان بذلك بل تابعه أبو نعيم عند البخاري والنسائي وأبو عاصم عند ابن خزيمة وعمر بن علي عند الإسماعيلي وعبد الله بن نمير عند أحمد ولم ينفرد به مجاهد عن ابن عمر فقد تابعه عليه ابن أبي مليكة عند أحمد والنسائي وعمرو بن دينار عند أحمد أيضًا باختصار ولم ينفرد به ابن عمر فقد جاء من حديث عثمان بن طلحة عند أحمد والطبراني بإسناد قوي وأبي هريرة عند البزار ومن حديث عبد الرحمن بن صفوان قال فلما خرج سألت من كان معه فقالوا صلى ركعتين عند السارية الوسطى أخرجه الطبراني بإسناد صحيح ومن حديث شيبة بن عثمان قال لقد صلى ركعتين عند العمود أخرجه الطبراني بإسناد جيد هذا وفي مسلم عن ابن عباس أخبرني أسامة أنه صلى الله عليه وسلم لما دخل البيت دعا في نواحيه كلها ولم يصل فيه حتى خرج فلما خرج صلى في قبل البيت وقال هذه القبلة وأخرجه البخاري عن ابن عباس لما دخل البيت كبر في نواحيه ولم يصل ولم يقل أخبرني أسامة وابن عباس لم يكن معه وإنما أسنده قتيبة تارة لأسامة كما في مسلم وتارة لأخيه الفضل كما رواه أحمد مع أنه لم يأتِ أن الفضل كان معهم إلا في رواية شاذة فيحتمل أن الفضل تلقاه عن أسامة وقد روى أحمد وغيره عن ابن عمر عن أسامة ثبات صلاته فيها فتعارضت الرواية عن أسامة وترجحت رواية بلال لأنه مثبت وأسامة ناف ولأنه لم يختلف عليه في الإثبات واختلف على من نفى وجمع النووي وغيره بين إثبات بلال ونفي أسامة بأنهم لما دخلوا الكعبة اشتغلوا بالدعاء فرأى أسامة النبي صلى الله عليه وسلم يدعو فاشتغل أسامة بالدعاء في ناحية والمصطفى في ناحية ثم صلى فرآه بلال لقربه منه ولم يره أسامة لبعده واشتغاله ولأن بإغلاق الباب تكون الظلمة مع احتمال أن يحجبه بعض الأعمدة فنفاها عملاً بظنه وقال المحب الطبري يحتمل أن أسامة غاب بعد دخوله لحاجة فلم يشهد صلاته انتهى ويشهد له ما رواه أبو داود الطيالسي بإسناد جيد عن أسامة قال دخلت على النبي صلى الله عليه وسلم في الكعبة فرأى صورًا فدعا بدلو من ماء فأتيته به فجعل يمحوها ويقول قاتل الله قومًا يصورون ما لا يخلقون قال القرطبي فلعله استصحب النفي لسرعة عوده قال ويمكن حمل الإثبات على التطوع والنفي على الفرض وجمع غيره بحمل الصلاة المثبتة على اللغوية والمنفية على الشرعية ورد بأن كونها ركعتين صريح في الشرعية وقال المهلب يحتمل أنه دخل البيت مرتين صلى في إحداهما ولم يصل في الأخرى وقد يؤيده ما رواه عمر بن شبة بسند صحيح عن حماد بن أبي حمزة قلت لابن عباس كيف أصلي في الكعبة قال كما تصلي على الجنازة تسبح وتكبر ولا تركع ولا تسجد ثم عند أركان البيت سبح وكبر وتضرع واستغفر ولا تركع ولا تسجد وقال ابن حبان الأشبه عندي في الجمع أن يجعل الخبران في وقتين فلما دخل الكعبة في الفتح صلى فيها على ما رواه ابن عمر عن بلال ونفى ابن عباس الصلاة فيها في حجة الوداع لأنه نفاها وأسنده إلى أسامة وابن عمر أثبتها وأسنده إلى بلال وإلى أسامة أيضًا فبطل التعارض وهذا جمع حسن لكن تعقبه النووي بأنه لا خلاف أنه صلى الله عليه وسلم دخل الكعبة يوم الفتح لا في حجة الوداع ويشهد له ما رواه الأزرقي عن سفيان عن غير واحد من أهل العلم أنه صلى الله عليه وسلم إنما دخل الكعبة مرة واحدة عام الفتح ثم حج فلم يدخلها وإذا كان كذلك فلا يمتنع أنه دخلها عام الفتح مرتين والمراد بالوحدة في خبر ابن عيينة وحدة السفر لا الدخول وللدارقطني من طريق ضعيفة ما يشهد لهذا الجمع لكن روى أبو داود والترمذي وصححه هو وابن خزيمة والحاكم عن عائشة أنه صلى الله عليه وسلم خرج من عندها وهو قرير العين ثم رجع وهو كئيب فقال دخلت الكعبة فأخاف أن أكون شققت على أمتي وظاهره أن ذلك في حجة الوداع لأن عائشة لم تكن معه في الفتح ولا في عمرته وبه جزم البيهقي ويحتمل أنه قال لها ذلك بالمدينة بعد رجوعه من الفتح فليس في السياق ما يمنع ذلك وفي حديث الباب استحباب الصلاة في الكعبة وهو ظاهر في النفل وبه قال مالك لأنه الواقع من النبي صلى الله عليه وسلم ومنع الفرض داخلها للأمر باستقبالها خص منه النفل بالسنة فلا يقاس عليه الفرض وقيد بعض الأصحاب النفل بغير الرواتب وما يطلب فيه الجماعة وألحق الجمهور به الفرض إذ لا فرق بينهما في الاستقبال للمقيم وعن ابن عباس لا تصح الصلاة داخلها مطلقًا وعلله بلزوم استدبار بعضها وقد أمر باستقبالها فيحمل على استقبال جميعها وقال به بعض المالكية والظاهرية وابن جرير وقال المازري مشهور المذهب منع صلاة الفرض داخلها ووجوب الإعادة وعن ابن عبد الحكم الإجزاء وصححه ابن عبد البر وابن العربي وأن الأشهر أن يعيد في الوقت وعن ابن حبيب يعيد أبدًا وعن أصبغ إن كان متعمدًا قال الحافظ ونقل النووي في زوائد الروضة أن صلاة الفرض داخل الكعبة إن لم يرجَ جماعة أفضل منها خارجها مشكل لأن الصلاة خارجها متفق على صحتها بخلاف داخلها فكيف يكون المختلف في صحته أفضل من المتفق عليه وفيه رواية الصحابي عن الصحابي وسؤال المفضول والاكتفاء به مع وجود الأفضل والحجة بخبر الواحد ولا يقال هو أيضًا خبر واحد فكيف يحتج للشيء بنفسه لأنا نقول هو فرد ينضم إلى نظائر مثله توجب العلم بذلك واختصاص السابق بالبقعة الفاضلة والسؤال عن العلم والحرص فيه وفضل ابن عمر لحرصه على تتبع آثاره صلى الله عليه وسلم ليعمل بها وأن الفاضل من الصحابة قد كان يغيب عن المصطفى في بعض المشاهد الفاضلة ويحضره من هو دونه فيطلع على ما لم يطلع عليه لأن العمرين وغيرهما ممن هو أفضل من بلال ومن معه لم يشاركوهم في ذلك وجواز الصلاة بين السواري لكن روى الحاكم بإسناد صحيح عن أنس نهى النبي صلى الله عليه وسلم عن الصلاة بين السواري فدل فعله على أن النهي للكراهة وفيه مشروعية الأبواب والغلق للمساجد وأن السترة إنما تشرع حيث يخشى المرور لصلاته بين العمودين ولم يصل إلى أحدهما لكن الظاهر أنه ترك ذلك اكتفاء بقربه من الجدار كما مر وأن بين مصلاه والجدار نحو ثلاثة أذرع وفيه استحباب دخول الكعبة وهو متفق عليه وقد روى البيهقي وابن خزيمة والطبراني عن ابن عباس مرفوعًا من دخل البيت دخل في حسنة وخرج من سيئة مغفورًا له قال البيهقي تفرد به عبد الله بن المؤمل وفيه ضعف ووثقه ابن سعد ومحله حيث لم يؤذِ أحدًا بدخوله أو يتأذى هو بنحو زحمة وفيه غير ذلك وأخرجه البخاري عن عبد الله بن يوسف ومسلم عن يحيى كلاهما عن مالك به وتابعه جماعة عن نافع في الصحيحين وغيرهما ( مالك عن ابن شهاب) الزهري ( عن سالم بن عبد الله أنه قال كتب عبد الملك بن مروان) الأموي ( إلى الحجاج بن يوسف) الثقفي الظالم المبير المختلف في كفره ولي إمرة العراق عشرين سنة ومات سنة خمس وتسعين ( أن لا تخالف عبد الله بن عمر في شيء من أمر الحج) أي أحكامه وللقعنبي كتب إليه أن يأتم به في الحج وكان ذلك حين أرسله إلى قتال ابن الزبير وجعله واليًا على مكة وأميرًا على الحاج كما في البخاري عن عقيل عن ابن شهاب أخبرني سالم أن الحجاج عام نزل بابن الزبير سأل ابن عمر كيف يصنع في الموقف يوم عرفة ( قال) سالم ( فلما كان) وجد ( يوم عرفة جاءه عبد الله بن عمر حين زالت الشمس وأنا معه) أي ابن عمر والجملة حالية ( فصاح به) ناداه ( عند سرادقه) بضم السين قاله الحافظ والكرماني وغيرهما وتعقب بأنه إنما هو الذي يحيط بالخيمة وله باب يدخل منه إليها وإنما يعمله غالبًا الملوك والأكابر ( أين هذا) أي الحجاج بيان للصياح ( فخرج عليه الحجاج وعليه ملحفة) بكسر الميم وإسكان اللام ملاءة يلتحف بها قال الحافظ أي إزار كبير ( معصفرة) مصبوغة بالعصفر ( فقال ما لك يا أبا عبد الرحمن) كنية ابن عمر ( فقال الرواح) بالنصب أي عجل أو راح أو على الإغراء ( إن كنت تريد السنة) وفي رواية ابن وهب إن كنت تريد أن تصيب السنة قال ابن عبد البر هذا الحديث يدخل عندهم في المسند لأن المراد سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا أطلقت ما لم تضف إلى صاحبها كسنة العمرين قال الحافظ وهي مسألة خلاف عند أهل الحديث والأصول وجمهورهم على ما قال ابن عبد البر وهي طريقة البخاري ومسلم ويقويه قول سالم لابن شهاب إذ قال له أفعل ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال وهل يتبعون إلا سنته ( فقال أهذه الساعة) وقت الهاجرة ( قال نعم) هو وقت الرواح إلى الموقف لحديث ابن عمر أيضًا غدًا رسول الله صلى الله عليه وسلم حين صلى الصبح في صبيحة يوم عرفة حتى أتى عرفة فنزل نمرة وهو منزل الإمام الذي ينزل به بعرفة حتى إذا كان عند صلاة الظهر راح رسول الله صلى الله عليه وسلم مهجرًا فجمع بين الظهر والعصر ثم خطب الناس ثم راح فوقف أخرجه أحمد وأبو داود وظاهره أنه توجه من منى حين صلى الصبح بها لكن في مسلم عن جابر أن توجهه صلى الله عليه وسلم منها كان بعد طلوع الشمس ولفظه فضربت له قبة بنمرة فنزل بها حتى زاغت الشمس أمر بالقصواء فرحلت فأتى بطن الوادي ( قال فأنظرني) بفتح الهمزة وكسر الظاء المعجمة أي أخرني ويروى بألف وصل وضم الظاء أي انتظرني ( حتى أفيض علي ماء) أي أغتسل ( ثم أخرج) بالنصب عطفًا على أفيض ( فنزل عبد الله) عن مركوبه وانتظر ( حتى خرج الحجاج) من مغتسله ففيه الغسل لوقوف عرفة لانتظار ابن عمر له والعلماء يستحبونه قاله ابن بطال ويحتمل أن ابن عمر إنما انتظره لحمله على أن اغتساله عن ضرورة ( فسار بيني وبين أبي) عبد الله ( فقلت له) أي الحجاج ( إن كنت تريد أن تصيب) توافق ( السنة) النبوية ( اليوم فاقصر الخطبة) بوصل الهمزة وضم الصاد وقطعها وكسر الصاد وقد أخرج مسلم في الجمعة أثناء حديث لعمار الأمر بإقصار الخطبة قال ابن التين أطلق أصحابنا العراقيون أن الإمام لا يخطب يوم عرفة وقال المدنيون والمغاربة يخطب وهو قول الجمهور ومعنى قول العراقيين أنه ليس لما يأتي به من الخطبة تعلق بالصلاة كخطبة الجمعة وكأنهم أخذوه من قول مالك كل صلاة يخطب لها يجهر فيها بالقراءة فقيل له فعرفة يخطب فيها ولا يجهر بالقراءة فقال إنما تلك للتعليم ( وعجل الصلاة) هكذا رواه الجمهور كيحيى وابن القاسم وابن وهب ورواه القعنبي وابن يوسف وأشهب وعجل الوقوف قال ابن عبد البر وهو غلط لأن أكثر الرواة عن مالك قالوا الصلاة قال لكن لها وجه لأن تعجيل الوقوف يستلزم تعجيل الصلاة قال الحافظ والظاهر أن الاختلاف فيه من مالك وكأنه ذكر باللازم لأن الغرض بتعجيل الصلاة حينئذ تعجيل الوقوف ( قال) سالم ( فجعل) الحجاج ( ينظر إلى عبد الله بن عمر كيما يسمع ذلك) الذي قلت له ( منه) ففيه الفهم بالإشارة والنظر لقوله ( فلما رأى ذلك) نظره إليه ( عبد الله قال صدق سالم) وفيه أن إقامة الحاج إلى الخلفاء وأن الأمير يعمل في الدين بقول العلماء ويسير إلى رأيهم ومداخلة العلماء السلاطين وأنه لا نقيصة عليهم في ذلك وفتوى التلميذ بحضرة معلمه عند السلاطين وغيره وابتداء العالم بالفتوى قبل أن يسأل عنه قاله المهلب وتعقبه ابن المنير بأن عمر إنما ابتدأ بذلك لمسألة عبد الملك له في ذلك فإن الظاهر أنه كتب إليه كما كتب إلى الحجاج وفيه طلب العلو لتشوف الحجاج إلى ما أخبره به سالم من ابن عمر ولم ينكره عليه وتعليم الفاجر السنن لمنفعة الناس واحتمال المفسدة الخفيفة لتحصيل المصلحة الكثيرة يؤخذ ذلك من مضي ابن عمر إلى الحجاج وتعليمه وفيه الحرص على نشر العلم لانتفاع الناس به وصحة الصلاة خلف الفاسق وأن المتوجه إلى مسجد عرفة حين الزوال للجمع بين الظهرين في أول وقت الظهر سنة ولا يضر التأخير بقدر ما يشتغل به المرء من تعلقات الصلاة كالغسل ونحوه قال الطحاوي وفيه حجة لمن أجاز المعصفر للمحرم ورده الزين بن المنير بأن الحجاج لم يكن يتقي المنكر الأعظم من سفك الدماء وغيره حتى يتقي المعصفر وإنما لم ينه ابن عمر لعلمه أنه لا ينجع فيه النهي ولعلمه أن الناس لا يقتدون بالحجاج ونظر فيه الحافظ أن الحجة إنما هي بعدم إنكار ابن عمر فيه يتمسك الناس في اعتقاد الجواز وقال المهلب فيه تأمير الأدون على الأفضل وتعقبه ابن المنير بأن صاحب الأمر في ذلك عبد الملك وليس بحجة ولا سيما في تأمير الحجاج وإنما أطاع ابن عمر بذلك فرارًا من الفتنة وأخرجه البخاري عن عبد الله بن يوسف والقعنبي والنسائي من طريق أشهب الثلاثة عن مالك به.



رقم الحديث 908 وَحَدَّثَنِي عَنْ مالِكٍ، عَنْ ابْنِ شِهَابٍ، عَنْ سَالِمِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ، أَنَّهُ قَالَ: كَتَبَ عَبْدُ الْمَلِكِ بْنُ مَرْوَانَ إِلَى الْحَجَّاجِ بْنِ يُوسُفَ أَنْ لَا تُخَالِفَ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عُمَرَ فِي شَيْءٍ مِنْ أَمْرِ الْحَجِّ.
قَالَ: فَلَمَّا كَانَ يَوْمُ عَرَفَةَ جَاءَهُ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ حِينَ زَالَتِ الشَّمْسُ، وَأَنَا مَعَهُ، فَصَاحَ بِهِ عِنْدَ سُرَادِقِهِ: أَيْنَ هَذَا؟ فَخَرَجَ عَلَيْهِ الْحَجَّاجُ وَعَلَيْهِ مِلْحَفَةٌ مُعَصْفَرَةٌ فَقَالَ: مَا لَكَ يَا أَبَا عَبْدِ الرَّحْمَنِ؟ فَقَالَ: الرَّوَاحَ إِنْ كُنْتَ تُرِيدُ السُّنَّةَ، فَقَالَ: أَهَذِهِ السَّاعَةَ؟ قَالَ: نَعَمْ.
قَالَ: فَأَنْظِرْنِي حَتَّى أُفِيضَ عَلَيَّ مَاءً، ثُمَّ أَخْرُجَ.
فَنَزَلَ عَبْدُ اللَّهِ.
حَتَّى خَرَجَ الْحَجَّاجُ.
فَسَارَ بَيْنِي وَبَيْنَ أَبِي فَقُلْتُ لَهُ: إِنْ كُنْتَ تُرِيدُ أَنْ تُصِيبَ السُّنَّةَ الْيَوْمَ، فَاقْصُرِ الْخُطْبَةِ وَعَجِّلِ الصَّلَاةَ.
قَالَ: فَجَعَلَ يَنْظُرُ إِلَى عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ.
كَيْمَا يَسْمَعَ ذَلِكَ مِنْهُ.
فَلَمَّا رَأَى ذَلِكَ عَبْدُ اللَّهِ، قَالَ: صَدَقَ سَالِمٌ.


( الصلاة في البيت وقصر الصلاة وتعجيل الخطبة بعرفة)

( مالك عن نافع عن عبد الله بن عمر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم دخل الكعبة) عام فتح مكة كما في البخاري في الجهاد عن يونس بن يزيد عن نافع عن ابن عمر أقبل النبي صلى الله عليه وسلم يوم الفتح من أعلى مكة وله في المغازي عن فليح عن نافع وهو مردف أسامة على القصواء ثم اتفقا ومعه بلال وعثمان بن طلحة حتى أناخ في المسجد وفي رواية فليح عند البيت وقال لعثمان ائتنا بالمفتاح فجاءه بالمفتاح ففتح له البيت فدخل ولمسلم وعبد الرزاق عن أيوب عن نافع ثم دعا عثمان بن طلحة بالمفتاح فذهب إلى أمه فأبت أن تعطيه فقال والله لتعطينه أو لأخرجن هذا السيف من صلبي فلما رأت ذلك أعطته فجاء به إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ففتح الباب وظهر من رواية فليح أن فاعل فتح هو عثمان المذكور لكن روى الفاكهي من طريق ضعيفة عن ابن عمر قال كان بنو أبي طلحة يزعمون أنه لا يستطيع أحد فتح الكعبة غيرهم فأخذ صلى الله عليه وسلم المفتاح ففتحها بيده ودخل ( هو وأسامة بن زيد) بن حارثة الكلبي الحب بن الحب الخليق كل منهما للإمارة بالنص النبوي المختص أبوه بأن الله لم يصرح في كتابه باسم أحد من الصحابة سوى زيد البدري ( وبلال بن رباح) بفتح الراء والموحدة الخفيفة أحد السابقين الأولين ( وعثمان بن طلحة) بن أبي طلحة بن عبد العزى بن عبد الدار بن قصي بن كلاب القرشي ( الحجبي) بفتح المهملة والجيم نسبة إلى حجابة الكعبة ولذا يقال لأهل بيته الحجبة ويعرفون الآن بالشيبيين نسبة إلى شيبة بن عثمان بن أبي طلحة وهو ابن عم عثمان هذا لا ولده له أيضًا صحبة ورواية زاد مسلم من طريق آخر ولم يدخلها معهم أحد وللنسائي عن ابن عون عن نافع زيادة الفضل بن عباس ولأحمد عن ابن عباس حدثني أخي الفضل وكان معه حين دخلها ( فأغلقها) الحجبي ( عليه) صلى الله عليه وسلم ولمسلم عن ابن عون عن نافع فأجاف عليهم الباب ولبعض رواة الموطأ فأغلقاها بضمير التثنية لعثمان وبلال وفي رواية فأغلقوا عليهم الباب وجمع بينها بأن عثمان هو المباشر لذلك لأنه من وظيفته ولعل بلالاً ساعده في ذلك ورواية الجمع يدخل فيها الآمر بذلك والراضي به زاد أبو عوانة من داخل ( ومكث) بفتح الكاف وضمها ( فيها) زاد يونس نهارًا طويلاً وفليح زمانًا بدل نهارًا وفي رواية جويرية عن نافع فأطال ولمسلم عن ابن عون عن نافع فمكث فيها مليًا وله عن عبيد الله عن نافع فأجافوا عليهم الباب طويلاً وعن أيوب عن نافع فمكث فيها ساعة وللنسائي فوجدت شيئًا فذهبت ثم جئت سريعًا فوجدت النبي صلى الله عليه وسلم خارجًا منها ( قال عبد الله فسألت بلالاً) ولمسلم من وجه آخر بلالاً أو عثمان بن طلحة بالشك والمحفوظ أنه سأل بلالاً كما رواه الجمهور ولأبي يعلى عن عبد الرحمن بن العلاء عن ابن عمر أنه سأل بلالاً وأسامة بن زيد ولأحمد والطبراني أنه سأل أسامة ولمسلم والطبراني فقلت أين صلى فقالوا فإن كان محفوظًا حمل على أنه ابتدأ بلالاً بالسؤال ثم أراد زيادة الاستثبات فسأل عثمان وأسامة ويؤيده قوله في رواية لمسلم ونسيت أن أسألهم كم صلى بالجمع وهذا أولى من جزم عياض بوهم رواية مسلم بالشك وكأنه لم يقف على بقية الروايات ( حين خرج) وفي رواية ثم خرج فابتدر الناس الدخول فسبقتهم وفي أخرى وكنت رجلاً شابًا قويًا فبادرت الناس فبدرتهم وفي أخرى كنت أول الناس ولج على أثره وأخرى فرقيت الدرجة فدخلت البيت وفي رواية مجاهد عن ابن عمر وأجد بلالاً قائمًا بين البابين فسألته ( ما صنع رسول الله صلى الله عليه وسلم) في الكعبة وللصحيحين عن سالم عن أبيه فسألته هل صلى فيه قال نعم وفي رواية فسألته أين صلى فظهر أنه سأل أولاً هل صلى أم لا ثم سأل عن موضع صلاته ( فقال جعل عمودًا) بالإفراد ( عن يمينه وعمودين عن يساره وثلاثة أعمدة وراءه) هكذا رواه يحيى الأندلسي ويحيى النيسابوري والشافعي وابن مهدي في إحدى الروايتين عنهما وبشر بن عمرو قال ابن القاسم والقعنبي وأبو مصعب ومحمد بن الحسن وإسماعيل والشافعي وابن مهدي في إحدى الروايتين عنهما جعل عمودين عن يمينه وعمودًا عن يساره بتثنية الأول وإفراد الثاني عكس الرواية الأولى والجمع باحتمال تعدد الواقعة بعيد لاتحاد مخرج الحديث ورجح البيهقي الرواية الثانية ويأتي توجيههما معًا ولا إشكال في الروايتين مع قوله ( وكان البيت يومئذ على ستة أعمدة) أما على رواية عبد الله بن يوسف والجمهور بإفراد عمود فيهما فمشكل مع قوله وكان البيت إلخ لأنه يشعر بأن ما عن يمينه أو يساره اثنان وجمع بأنه حيث ثنى أشار إلى ما كان عليه البيت في زمنه صلى الله عليه وسلم وحيث أفرد أشار إلى ما صار إليه بعد ذلك ويرشد إليه قوله وكان البيت يومئذ لأنه يشعر بأنه تغير عن هيئته الأولى وقال الكرماني لفظ عمود جنس يحتمل الواحد والاثنين فهو مجمل بينته رواية التثنية ويحتمل أن الأعمدة لم تكن على سمت واحد بل اثنان على سمت والثالث على غير سمتهما ويشعر به رواية البخاري عن جويرية عن نافع عن ابن عمر صلى بين العمودين المقدمين قال الحافظ ويؤيده أيضًا رواية مجاهد عن ابن عمر بلفظ بين الساريتين اللتين على يسار الداخل وهو صريح في أنه كان هناك عمودان على اليسار وأنه صلى بينهما فيحتمل أنه كان ثم عمود آخر على اليمين لكنه بعيدًا وعلى غير سمت العمودين فيصح رواية جعل عن يمينه عمودين ورواية جعل عمودًا عن يمينه قال الكرماني تبعًا لغيره ويجوز أن هناك ثلاثة أعمدة مصطفة فصلى إلى جنب الأوسط فمن قال جعل عمودًا عن يمينه وعمودًا عن يساره لم يعتبر الذي صلى إلى جنبه ومن قال عمودين اعتبره وفيه بعد وأبعد منه قول من قال انتقل في الصلاة من مكان إلى مكان ولا تبطل الصلاة بذلك لقلته وفيه اختلاف رابع قال عثمان بن عمر عن مالك جعل عمودين عن يمينه وعمودين عن يساره ويمكن توجيهه بأن يكون هناك أربعة أعمدة اثنان مجتمعان واثنان منفردان فوقف عند المجتمعين لكن يعكر عليه قوله وكان البيت يومئذ على ستة أعمدة بعد قوله وثلاثة أعمدة وراءه وقد قال الدارقطني لم يتابع عثمان ابن عمر على ذلك ( ثم صلى) ركعتين كما رواه الشيخان عن مجاهد عن ابن عمر وأحمد وغيره عن عثمان بن طلحة والبزار عن أبي هريرة والطبراني عن عبد الرحمن بن صفوان وشيبة بن عثمان قال ابن عبد البر هكذا رواه جماعة من رواة الموطأ وزاد ابن القاسم في روايته وجعل بينه وبين الجدار نحو ثلاثة أذرع ولابن مهدي وابن وهب وابن عفير ثلاثة أذرع لم يقولوا نحو انتهى وللبخاري عن فليح عن نافع عن ابن عمر بين ذينك العمودين المتقدمين وكان البيت على ستة أعمدة سطرين صلى بين العمودين من السطر المتقدم وجعل باب البيت خلف ظهره وقال في آخره وعند المكان الذي صلى فيه مرمرة حمراء قال الحافظ وكل هذا إخبار عما كان عليه البيت قبل أن يهدم ويبنى زمن ابن الزبير فأما الآن ففي البخاري عن موسى بن عقبة عن نافع عن ابن عمر أنه كان إذا دخل الكعبة مشى قبل الوجه حتى يدخل ويجعل الباب قبل الظهر يمشي حتى يكون بينه وبين الجدار الذي قبل وجهه قريبًا من ثلاثة أذرع فيصلي يتوخى المكان الذي أخبره بلال أنه صلى الله عليه وسلم صلى فيه وجزم برفع هذه الزيادة مالك عن نافع عند أبي داود من طريق ابن مهدي والدارقطني من طريقه وطريق ابن وهب وغيرهما عن مالك عن نافع عن ابن عمر بلفظ وصلى وبينه وبين القبلة ثلاثة أذرع وكذا رواه أبو عوانة من طريق هشام بن سعد عن نافع وهذا فيه الجزم بثلاثة أذرع لكن رواه النسائي من طريق ابن القاسم عن مالك بلفظ نحوًا من ثلاثة أذرع وهذا موافق لرواية موسى بن عقبة وعند الأزرقي والفاكهي من وجه آخر أن معاوية سأل ابن عمر أين صلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال اجعل بينك وبين الجدار ذراعين أو ثلاثة فعلى هذا ينبغي لمن أراد اتباعه أن يجعل بينه وبين الجدار ثلاثة أذرع فإنه يقع قدماه في مكان قدميه صلى الله عليه وسلم إن كانت ثلاثة أذرع سواءً أو تقع ركبتاه أو يداه أو وجهه إن كان أقل من ثلاثة وأما قدر الصلاة ففي الصحيحين من رواية يحيى القطان عن سيف بن سليمان المكي عن مجاهد عن ابن عمر فسألت بلالاً أصلى النبي صلى الله عليه وسلم قال نعم ركعتين بين الساريتين اللتين عن يسارك إذا دخلت ثم خرج فصلى في وجه الكعبة ركعتين واستشكله الإسماعيلي وغيره بأن المشهور عن ابن عمر من طريق نافع وغيره أنه قال ونسيت أن أسأله كم صلى فدل على أنه أخبره بالكيفية وهي تعيين الموقف في الكعبة ولم يخبره بالكمية ونسي هو أن يسأله عنها وأجيب باحتمال أن ابن عمر اعتمد في قوله ركعتين على القدر المحقق له لأن بلالاً أثبت له أنه صلى ولم ينقل أنه صلى الله عليه وسلم تنفل بالنهار بأقل من ركعتين فتحقق فعلهما لما استقرئ من عادته فعلى هذا قوله ركعتين من ابن عمر لا بلال وروى عمر بن شبة عن عبد العزيز بن أبي رواد عن نافع عن ابن عمر فاستقبلني بلال فقلت ما صنع رسول الله ههنا فأشار بيده أنه صلى ركعتين بالسبابة والوسطى فعلى هذا قوله نسيت أن أسأله كم صلى محمول على أنه لم يسأله لفظًا ولم يجبه لفظًا وإنما استفاد منه صلاة الركعتين بإشارته لا بنطقه أو يحمل على أنه لم يتحقق هل زاد على ركعتين أم لا وجمع بعضهم بأن ابن عمر نسي أن يسأل بلالاً ثم لقيه مرة أخرى فسأله فيه نظر لأن راوي قول ابن عمر نسيت هو نافع مولاه ويبعد مع طول ملازمته له إلى موته أن يستمر على حكاية النسيان ولا يتعرض لحكاية الذكر أصلاً ونقل عياض أن قوله ركعتين غلط من يحيى القطان لقول ابن عمر نسيت أن أسأله كم صلى وإنما دخل الوهم عليه من ذكر الركعتين بعد مردود والمغلط له هو الغالط فإنه ذكر الركعتين قبل وبعد فلم يهم من موضع إلى موضع ولم ينفرد يحيى القطان بذلك بل تابعه أبو نعيم عند البخاري والنسائي وأبو عاصم عند ابن خزيمة وعمر بن علي عند الإسماعيلي وعبد الله بن نمير عند أحمد ولم ينفرد به مجاهد عن ابن عمر فقد تابعه عليه ابن أبي مليكة عند أحمد والنسائي وعمرو بن دينار عند أحمد أيضًا باختصار ولم ينفرد به ابن عمر فقد جاء من حديث عثمان بن طلحة عند أحمد والطبراني بإسناد قوي وأبي هريرة عند البزار ومن حديث عبد الرحمن بن صفوان قال فلما خرج سألت من كان معه فقالوا صلى ركعتين عند السارية الوسطى أخرجه الطبراني بإسناد صحيح ومن حديث شيبة بن عثمان قال لقد صلى ركعتين عند العمود أخرجه الطبراني بإسناد جيد هذا وفي مسلم عن ابن عباس أخبرني أسامة أنه صلى الله عليه وسلم لما دخل البيت دعا في نواحيه كلها ولم يصل فيه حتى خرج فلما خرج صلى في قبل البيت وقال هذه القبلة وأخرجه البخاري عن ابن عباس لما دخل البيت كبر في نواحيه ولم يصل ولم يقل أخبرني أسامة وابن عباس لم يكن معه وإنما أسنده قتيبة تارة لأسامة كما في مسلم وتارة لأخيه الفضل كما رواه أحمد مع أنه لم يأتِ أن الفضل كان معهم إلا في رواية شاذة فيحتمل أن الفضل تلقاه عن أسامة وقد روى أحمد وغيره عن ابن عمر عن أسامة ثبات صلاته فيها فتعارضت الرواية عن أسامة وترجحت رواية بلال لأنه مثبت وأسامة ناف ولأنه لم يختلف عليه في الإثبات واختلف على من نفى وجمع النووي وغيره بين إثبات بلال ونفي أسامة بأنهم لما دخلوا الكعبة اشتغلوا بالدعاء فرأى أسامة النبي صلى الله عليه وسلم يدعو فاشتغل أسامة بالدعاء في ناحية والمصطفى في ناحية ثم صلى فرآه بلال لقربه منه ولم يره أسامة لبعده واشتغاله ولأن بإغلاق الباب تكون الظلمة مع احتمال أن يحجبه بعض الأعمدة فنفاها عملاً بظنه وقال المحب الطبري يحتمل أن أسامة غاب بعد دخوله لحاجة فلم يشهد صلاته انتهى ويشهد له ما رواه أبو داود الطيالسي بإسناد جيد عن أسامة قال دخلت على النبي صلى الله عليه وسلم في الكعبة فرأى صورًا فدعا بدلو من ماء فأتيته به فجعل يمحوها ويقول قاتل الله قومًا يصورون ما لا يخلقون قال القرطبي فلعله استصحب النفي لسرعة عوده قال ويمكن حمل الإثبات على التطوع والنفي على الفرض وجمع غيره بحمل الصلاة المثبتة على اللغوية والمنفية على الشرعية ورد بأن كونها ركعتين صريح في الشرعية وقال المهلب يحتمل أنه دخل البيت مرتين صلى في إحداهما ولم يصل في الأخرى وقد يؤيده ما رواه عمر بن شبة بسند صحيح عن حماد بن أبي حمزة قلت لابن عباس كيف أصلي في الكعبة قال كما تصلي على الجنازة تسبح وتكبر ولا تركع ولا تسجد ثم عند أركان البيت سبح وكبر وتضرع واستغفر ولا تركع ولا تسجد وقال ابن حبان الأشبه عندي في الجمع أن يجعل الخبران في وقتين فلما دخل الكعبة في الفتح صلى فيها على ما رواه ابن عمر عن بلال ونفى ابن عباس الصلاة فيها في حجة الوداع لأنه نفاها وأسنده إلى أسامة وابن عمر أثبتها وأسنده إلى بلال وإلى أسامة أيضًا فبطل التعارض وهذا جمع حسن لكن تعقبه النووي بأنه لا خلاف أنه صلى الله عليه وسلم دخل الكعبة يوم الفتح لا في حجة الوداع ويشهد له ما رواه الأزرقي عن سفيان عن غير واحد من أهل العلم أنه صلى الله عليه وسلم إنما دخل الكعبة مرة واحدة عام الفتح ثم حج فلم يدخلها وإذا كان كذلك فلا يمتنع أنه دخلها عام الفتح مرتين والمراد بالوحدة في خبر ابن عيينة وحدة السفر لا الدخول وللدارقطني من طريق ضعيفة ما يشهد لهذا الجمع لكن روى أبو داود والترمذي وصححه هو وابن خزيمة والحاكم عن عائشة أنه صلى الله عليه وسلم خرج من عندها وهو قرير العين ثم رجع وهو كئيب فقال دخلت الكعبة فأخاف أن أكون شققت على أمتي وظاهره أن ذلك في حجة الوداع لأن عائشة لم تكن معه في الفتح ولا في عمرته وبه جزم البيهقي ويحتمل أنه قال لها ذلك بالمدينة بعد رجوعه من الفتح فليس في السياق ما يمنع ذلك وفي حديث الباب استحباب الصلاة في الكعبة وهو ظاهر في النفل وبه قال مالك لأنه الواقع من النبي صلى الله عليه وسلم ومنع الفرض داخلها للأمر باستقبالها خص منه النفل بالسنة فلا يقاس عليه الفرض وقيد بعض الأصحاب النفل بغير الرواتب وما يطلب فيه الجماعة وألحق الجمهور به الفرض إذ لا فرق بينهما في الاستقبال للمقيم وعن ابن عباس لا تصح الصلاة داخلها مطلقًا وعلله بلزوم استدبار بعضها وقد أمر باستقبالها فيحمل على استقبال جميعها وقال به بعض المالكية والظاهرية وابن جرير وقال المازري مشهور المذهب منع صلاة الفرض داخلها ووجوب الإعادة وعن ابن عبد الحكم الإجزاء وصححه ابن عبد البر وابن العربي وأن الأشهر أن يعيد في الوقت وعن ابن حبيب يعيد أبدًا وعن أصبغ إن كان متعمدًا قال الحافظ ونقل النووي في زوائد الروضة أن صلاة الفرض داخل الكعبة إن لم يرجَ جماعة أفضل منها خارجها مشكل لأن الصلاة خارجها متفق على صحتها بخلاف داخلها فكيف يكون المختلف في صحته أفضل من المتفق عليه وفيه رواية الصحابي عن الصحابي وسؤال المفضول والاكتفاء به مع وجود الأفضل والحجة بخبر الواحد ولا يقال هو أيضًا خبر واحد فكيف يحتج للشيء بنفسه لأنا نقول هو فرد ينضم إلى نظائر مثله توجب العلم بذلك واختصاص السابق بالبقعة الفاضلة والسؤال عن العلم والحرص فيه وفضل ابن عمر لحرصه على تتبع آثاره صلى الله عليه وسلم ليعمل بها وأن الفاضل من الصحابة قد كان يغيب عن المصطفى في بعض المشاهد الفاضلة ويحضره من هو دونه فيطلع على ما لم يطلع عليه لأن العمرين وغيرهما ممن هو أفضل من بلال ومن معه لم يشاركوهم في ذلك وجواز الصلاة بين السواري لكن روى الحاكم بإسناد صحيح عن أنس نهى النبي صلى الله عليه وسلم عن الصلاة بين السواري فدل فعله على أن النهي للكراهة وفيه مشروعية الأبواب والغلق للمساجد وأن السترة إنما تشرع حيث يخشى المرور لصلاته بين العمودين ولم يصل إلى أحدهما لكن الظاهر أنه ترك ذلك اكتفاء بقربه من الجدار كما مر وأن بين مصلاه والجدار نحو ثلاثة أذرع وفيه استحباب دخول الكعبة وهو متفق عليه وقد روى البيهقي وابن خزيمة والطبراني عن ابن عباس مرفوعًا من دخل البيت دخل في حسنة وخرج من سيئة مغفورًا له قال البيهقي تفرد به عبد الله بن المؤمل وفيه ضعف ووثقه ابن سعد ومحله حيث لم يؤذِ أحدًا بدخوله أو يتأذى هو بنحو زحمة وفيه غير ذلك وأخرجه البخاري عن عبد الله بن يوسف ومسلم عن يحيى كلاهما عن مالك به وتابعه جماعة عن نافع في الصحيحين وغيرهما ( مالك عن ابن شهاب) الزهري ( عن سالم بن عبد الله أنه قال كتب عبد الملك بن مروان) الأموي ( إلى الحجاج بن يوسف) الثقفي الظالم المبير المختلف في كفره ولي إمرة العراق عشرين سنة ومات سنة خمس وتسعين ( أن لا تخالف عبد الله بن عمر في شيء من أمر الحج) أي أحكامه وللقعنبي كتب إليه أن يأتم به في الحج وكان ذلك حين أرسله إلى قتال ابن الزبير وجعله واليًا على مكة وأميرًا على الحاج كما في البخاري عن عقيل عن ابن شهاب أخبرني سالم أن الحجاج عام نزل بابن الزبير سأل ابن عمر كيف يصنع في الموقف يوم عرفة ( قال) سالم ( فلما كان) وجد ( يوم عرفة جاءه عبد الله بن عمر حين زالت الشمس وأنا معه) أي ابن عمر والجملة حالية ( فصاح به) ناداه ( عند سرادقه) بضم السين قاله الحافظ والكرماني وغيرهما وتعقب بأنه إنما هو الذي يحيط بالخيمة وله باب يدخل منه إليها وإنما يعمله غالبًا الملوك والأكابر ( أين هذا) أي الحجاج بيان للصياح ( فخرج عليه الحجاج وعليه ملحفة) بكسر الميم وإسكان اللام ملاءة يلتحف بها قال الحافظ أي إزار كبير ( معصفرة) مصبوغة بالعصفر ( فقال ما لك يا أبا عبد الرحمن) كنية ابن عمر ( فقال الرواح) بالنصب أي عجل أو راح أو على الإغراء ( إن كنت تريد السنة) وفي رواية ابن وهب إن كنت تريد أن تصيب السنة قال ابن عبد البر هذا الحديث يدخل عندهم في المسند لأن المراد سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا أطلقت ما لم تضف إلى صاحبها كسنة العمرين قال الحافظ وهي مسألة خلاف عند أهل الحديث والأصول وجمهورهم على ما قال ابن عبد البر وهي طريقة البخاري ومسلم ويقويه قول سالم لابن شهاب إذ قال له أفعل ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال وهل يتبعون إلا سنته ( فقال أهذه الساعة) وقت الهاجرة ( قال نعم) هو وقت الرواح إلى الموقف لحديث ابن عمر أيضًا غدًا رسول الله صلى الله عليه وسلم حين صلى الصبح في صبيحة يوم عرفة حتى أتى عرفة فنزل نمرة وهو منزل الإمام الذي ينزل به بعرفة حتى إذا كان عند صلاة الظهر راح رسول الله صلى الله عليه وسلم مهجرًا فجمع بين الظهر والعصر ثم خطب الناس ثم راح فوقف أخرجه أحمد وأبو داود وظاهره أنه توجه من منى حين صلى الصبح بها لكن في مسلم عن جابر أن توجهه صلى الله عليه وسلم منها كان بعد طلوع الشمس ولفظه فضربت له قبة بنمرة فنزل بها حتى زاغت الشمس أمر بالقصواء فرحلت فأتى بطن الوادي ( قال فأنظرني) بفتح الهمزة وكسر الظاء المعجمة أي أخرني ويروى بألف وصل وضم الظاء أي انتظرني ( حتى أفيض علي ماء) أي أغتسل ( ثم أخرج) بالنصب عطفًا على أفيض ( فنزل عبد الله) عن مركوبه وانتظر ( حتى خرج الحجاج) من مغتسله ففيه الغسل لوقوف عرفة لانتظار ابن عمر له والعلماء يستحبونه قاله ابن بطال ويحتمل أن ابن عمر إنما انتظره لحمله على أن اغتساله عن ضرورة ( فسار بيني وبين أبي) عبد الله ( فقلت له) أي الحجاج ( إن كنت تريد أن تصيب) توافق ( السنة) النبوية ( اليوم فاقصر الخطبة) بوصل الهمزة وضم الصاد وقطعها وكسر الصاد وقد أخرج مسلم في الجمعة أثناء حديث لعمار الأمر بإقصار الخطبة قال ابن التين أطلق أصحابنا العراقيون أن الإمام لا يخطب يوم عرفة وقال المدنيون والمغاربة يخطب وهو قول الجمهور ومعنى قول العراقيين أنه ليس لما يأتي به من الخطبة تعلق بالصلاة كخطبة الجمعة وكأنهم أخذوه من قول مالك كل صلاة يخطب لها يجهر فيها بالقراءة فقيل له فعرفة يخطب فيها ولا يجهر بالقراءة فقال إنما تلك للتعليم ( وعجل الصلاة) هكذا رواه الجمهور كيحيى وابن القاسم وابن وهب ورواه القعنبي وابن يوسف وأشهب وعجل الوقوف قال ابن عبد البر وهو غلط لأن أكثر الرواة عن مالك قالوا الصلاة قال لكن لها وجه لأن تعجيل الوقوف يستلزم تعجيل الصلاة قال الحافظ والظاهر أن الاختلاف فيه من مالك وكأنه ذكر باللازم لأن الغرض بتعجيل الصلاة حينئذ تعجيل الوقوف ( قال) سالم ( فجعل) الحجاج ( ينظر إلى عبد الله بن عمر كيما يسمع ذلك) الذي قلت له ( منه) ففيه الفهم بالإشارة والنظر لقوله ( فلما رأى ذلك) نظره إليه ( عبد الله قال صدق سالم) وفيه أن إقامة الحاج إلى الخلفاء وأن الأمير يعمل في الدين بقول العلماء ويسير إلى رأيهم ومداخلة العلماء السلاطين وأنه لا نقيصة عليهم في ذلك وفتوى التلميذ بحضرة معلمه عند السلاطين وغيره وابتداء العالم بالفتوى قبل أن يسأل عنه قاله المهلب وتعقبه ابن المنير بأن عمر إنما ابتدأ بذلك لمسألة عبد الملك له في ذلك فإن الظاهر أنه كتب إليه كما كتب إلى الحجاج وفيه طلب العلو لتشوف الحجاج إلى ما أخبره به سالم من ابن عمر ولم ينكره عليه وتعليم الفاجر السنن لمنفعة الناس واحتمال المفسدة الخفيفة لتحصيل المصلحة الكثيرة يؤخذ ذلك من مضي ابن عمر إلى الحجاج وتعليمه وفيه الحرص على نشر العلم لانتفاع الناس به وصحة الصلاة خلف الفاسق وأن المتوجه إلى مسجد عرفة حين الزوال للجمع بين الظهرين في أول وقت الظهر سنة ولا يضر التأخير بقدر ما يشتغل به المرء من تعلقات الصلاة كالغسل ونحوه قال الطحاوي وفيه حجة لمن أجاز المعصفر للمحرم ورده الزين بن المنير بأن الحجاج لم يكن يتقي المنكر الأعظم من سفك الدماء وغيره حتى يتقي المعصفر وإنما لم ينه ابن عمر لعلمه أنه لا ينجع فيه النهي ولعلمه أن الناس لا يقتدون بالحجاج ونظر فيه الحافظ أن الحجة إنما هي بعدم إنكار ابن عمر فيه يتمسك الناس في اعتقاد الجواز وقال المهلب فيه تأمير الأدون على الأفضل وتعقبه ابن المنير بأن صاحب الأمر في ذلك عبد الملك وليس بحجة ولا سيما في تأمير الحجاج وإنما أطاع ابن عمر بذلك فرارًا من الفتنة وأخرجه البخاري عن عبد الله بن يوسف والقعنبي والنسائي من طريق أشهب الثلاثة عن مالك به.