فهرس الكتاب

شرح الزرقاني - بَابُ مَا يَجِبُ مِنَ النُّذُورِ فِي الْمَشْيِ

رقم الحديث 1019 حَدَّثَنِي يَحْيَى، عَنْ مَالِكٍ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُتْبَةَ بْنِ مَسْعُودٍ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبَّاسٍ أَنَّ سَعْدَ بْنَ عُبَادَةَ اسْتَفْتَى رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
فَقَالَ: إِنَّ أُمِّي مَاتَتْ وَعَلَيْهَا نَذْرٌ وَلَمْ تَقْضِهِ؟ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: اقْضِهِ عَنْهَا.


( ما يجب من النذور في المشي)

( مالك عن ابن شهاب عن عبيد الله) بضم العين ( بن عبد الله) بفتحها ( بن عتبة) بضمها وإسكان الفوقية ( عن عبد الله بن عباس أن سعد بن عبادة) الأنصاري الخزرجي أحد النقباء وسيد الخزرج وأحد الأجواد.
وقع في صحيح مسلم أنه شهد بدرًا.
والمعروف عند أهل المغازي أنه تهيأ للخروج فنهش فأقام.
مات بالشام سنة خمس عشرة وقيل غير ذلك.
قال الحافظ: هكذا رواه مالك وتبعه الليث وبكر بن وائل وغيرهما.
عن الزهري، وقال سليمان بن كثير، عن الزهري، عن عبيد الله، عن ابن عباس، عن سعد، أخرج جميع ذلك النسائي.
وأخرجه أيضًا من رواية الأوزاعي وابن عيينة كلاهما عن الزهري على الوجهين وابن عباس لم يدرك القصة.
فترجح رواية من زاد عن سعد ويكون ابن عباس أخذه عنه ويحتمل أنه أخذه عن غيره وإن من قال عن سعد بن عبادة لم يقصد به الرواية، وإنما أراد عن قصة سعد فتتحد الروايتان.

( استفتى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال إن أمي) عمرة بنت مسعود وقيل سعد بن قيس الأنصارية الخزرجية أسلمت وبايعت ( ماتت) والنبي صلى الله عليه وسلم غائب في غزوة دومة الجندل، وكانت في شهر ربيع الأول سنة خمس وكان ابنها سعد معه، فقدم النبي صلى الله عليه وسلم فجاء قبرها فصلى على قبرها بعد دفنها بشهر ذكره ابن سعد، فهذا الحديث مرسل صحابي لأن ابن عباس كان حينئذ بمكة مع أبويه فيحتمل أنه حمله عن سعد أو عن غيره.
( وعليها نذر) وجب كانت علقته على شيء حصل ( ولم تقضه) لتعذره بسرعة موتها أو أخرته لجواز تأخيره إذ لا يلزم تعجيله ما لم يغلب على الظن الفوات، ويستحب تعجيله لبراءة الذمة ويحتمل أن يريد عليها نذر لم يجب أداؤه فماتت قبله لم يلزم قضاؤه وإن فعل فحسن كما قال عمر للنبي صلى الله عليه وسلم: إني نذرت اعتكاف يوم في الجاهلية فقال له: أوف بنذرك، فأمره بوفائه وإن لم يلزم ما نذره في كفره.
والأظهر الأول لأن على إنما يستعمل فيما يجب كما أن الأظهر أن نذرها مطلق إذ لو كان مقيدًا لاستفسره النبي صلى الله عليه وسلم لأن المقيد منه ما يجوز وما لا يجوز قاله الباجي.

وقال ابن عبد البر: قيل: كان صيامًا نذرته ولا يثبت ذلك وأطال في تضعيفه وقيل: كان عتقًا لحديث القاسم بن محمد أن سعدًا قال: إن أمي هلكت فهل ينفعها أن أعتق عنها: فقال صلى الله عليه وسلم: نعم.
وقيل: كان صدقة لآثار جاءت في ذلك وقيل نذرًا مطلقًا على ظاهر حديث ابن عباس وكفارته كفارة يمين عند الأكثر، وروي ذلك عن عائشة وابن عباس وجابر وجماعة من التابعين انتهى.
وفي رواية سليمان بن كثير عن الزهري بسنده أن سعدًا قال: أفيجزي عنها أن أعتق عنها.
قال: أعتق عن أمك، رواه النسائي.
قال الحافظ: فأفادت هذه الرواية النذر المذكور وهو العتق فماتت قبله ويحتمل أن نذرها مطلق فيكون الحديث حجة للقول بأن كفارته كفارة يمين والعتق أعلى كفارات اليمين فلذا أمره أن يعتق عنها.

( فقال صلى الله عليه وسلم اقضه عنها) استحبابًا لا وجوبًا خلافًا للظاهرية تعلقًا بظاهر الأمر قائلين سواء كان في مال أو بدن.
وروى الدارقطني في الغرائب عن حماد بن خالد عن مالك بسنده أن سعدًا قال: يا رسول الله أينفع أمي أن أتصدق عنها وقد ماتت؟ قال: نعم.
قال: فما تأمرني؟ قال: اسق الماء.
والمحفوظ عن مالك حديث الباب.
وروى النسائي من طريق سعيد بن المسيب عن سعد بن عبادة قال: قلت: يا رسول الله إن أمي ماتت أفأتصدق عنها؟ قال: نعم.
قلت: أي الصدقة أفضل؟ قال: سقي الماء.
وللبخاري أن سعدًا قال: أينفعها شيء إن تصدقت به عنها؟ قال: نعم قال: فإني أشهدك أن حائطي المخراف صدقة عليها.
وفي رواية أنها كانت تحب الصدقة وطريق الجمع أنه تصدق عنها بذلك كله العتق وسقي الماء.
والحائط المسمى بالمخراف، بكسر الميم وسكون المعجمة وبالفاء.
قال الباجي: الاستفتاء يكون لجميع الأمة مع النبي صلى الله عليه وسلم وللعامي مع العالم، وأما العالمان المجتهدان فسؤال أحدهما للآخر على وجه المذاكرة والمناظرة جائز إذا التزما شروط المناظرة من الإنصاف وقصد إظهار الحق والتعاون على الوصول إليه.
وأما سؤاله مستفتيًا مع تساويهما في العلم وتمكن السائل من النظر والاستدلال فلا يجوز اتفاقًا فإن كان لأحدهما شفوف في العلم فهل يجوز لمن دونه تقليده؟ مع تمكنه من النظر والاستدلال الذي عليه الجمهور أنه لا يجوز خلافًا لبعض أصحاب أبي حنيفة فإن خاف العالم فوات حادثة، فذهب عبد الوهاب إلى جواز استفتاء غيره ومنع منه سائر أصحابنا وقالوا: يتركها لغيره وهذا يتصور فيما يستفتى فيه وأما ما يخصه فلا بد فيه مما قاله عبد الوهاب انتهى.

ولم يظهر لي مطابقة الترجمة للحديث ورواه البخاري في الوصايا عن عبد الله بن يوسف ومسلم عن يحيى كلاهما عن مالك به، وتابعه شعيب بن أبي حمزة عند البخاري والليث في الصحيحين ويونس ومعمر وبكر بن وائل عند مسلم كلهم عن ابن شهاب وقال ابن عبد البر: ليس عن مالك ولا عن ابن شهاب اختلاف في إسناد هذا الحديث وقد رواه هشام بن عروة عن ابن شهاب حدث به الدراوردي عن هشام به ورواه عبد الله بن سليمان عن هشام عن بكر بن وائل عن الزهري بإسناد مثله انتهى.
ورواية عبدة في مسلم.

( مالك عن عبد الله بن أبي بكر) بن محمد بن عمرو بن حزم الأنصاري ( عن عمته) قال ابن الحذاء هي عمرة بنت حزم عمة جد عبد الله بن أبي بكر وقيل لها عمته مجازًا، وتعقبه الحافظ بأن عمرة صحابية قديمة روى عنها جابر الصحابي فرواية عبد الله عنها منقطعة لأنه لم يدركها فالأظهر أن المراد عمته الحقيقية، وهي أم عمرو أو أم كلثوم انتهى.
والأصل الحمل على الحقيقة وعلى مدعي العمة المجازية بيان الرواية التي فيها دعواه خصوصًا مع ما لزم عليها من انقطاع السند والأصل خلافه ( أنها حدثته عن جدته أنها كانت جعلت على نفسها مشيًا إلى مسجد قباء) بضم القاف على ثلاثة أميال من المدينة ( فماتت ولم تقضه فأفتى عبد الله بن عباس ابنتها أنها تمشي عنها) لأن الأصل أن الإتيان إلى قباء مرغب فيه ولا خلاف أنه قربة لمن قرب منه، ومذهب ابن عباس قضاء المشي عن الميت وكذا غيره روى ابن أبي شيبة عنه إذا مات وعليه نذر قضى عنه وليه ولا يعارضه ما رواه النسائي عنه لا يصلي أحد عن أحد ولا يصوم أحد عن أحد لأن النفي في حق الحي والإثبات في حق الميت ولم يأخذ بقوله في المشي الأئمة ولذا.
( قال مالك لا يمشي أحد عن أحد) قال ابن القاسم: أنكر مالك الأحاديث في المشي إلى قباء ولم يعرف المشي إلا إلى مكة خاصة.
قال ابن عبد البر: يعني لا يعرف إيجاب المشي للحالف والناذر وأما المتطوع، فقد روى مالك فيما مر أنه صلى الله عليه وسلم كان يأتي قباء راكبًا وماشيًا وإن إتيانه مرغب فيه.

( مالك عن عبد الله بن أبي حبيبة) المدني مولى الزبير بن العوام، روى عن أبي أمامة بن سهل بن حنيف وعن عثمان بن عفان ذكره البخاري عن ابن مهدي.
وروى عن سعيد بن المسيب، وروى عنه بكير بن عبد الله الأشج ومالك وأبو حنيفة في مسنده عنه سمعت أبا الدرداء فذكر الحديث في فضل من قال: لا إله إلا الله.
قال ابن الحذاء: هو من الرجال الذين اكتفي في معرفتهم برواية مالك عنهم ( قال: قلت لرجل وأنا حديث السن) قال الباجي: يريد أنه لم يكن فقه لحداثة سنه ( ما على الرجل أن يقول علي مشي إلى بيت الله ولم يقل علي نذر مشي) قال ابن حبيب عن مالك: كان عبد الله يومئذ قد بلغ الحلم واعتقد أن لفظ الالتزام إذا عري من لفظ النذر لم يجب عليه فيه شيء ( فقال لي رجل: هل لك أن أعطيك هذا الجرو) مثلث الجيم قال ابن السكيت والكسر أفصح الصغير من كل شيء ( لجرو قثاء في يده) وفي نسخة بيده شبهت بصغار أولاد الكلاب للينها ونعومتها، كذا في البارع ( وتقول علّي مشي إلى بيت الله قال: فقلت: نعم) قال الباجي: ما كان ينبغي ذلك للرجل فربما حمله اللجاج على أمر لا يمكنه الوفاء به وكان ينبغي أن يعلمه بالصواب فإن قبل وإلا حضه على السؤال، ولعله اعتقد فيه أنه إن لم يلزمه هذا القول ترك السؤال وإن لزمه دعته الضرورة إلى السؤال عنه ( فقلته وأنا يومئذ حديث السن) صغير لم أتفقه وإن كنت بالغًا ( ثم مكثت حتى عقلت) تفقهت ( فقيل لي: إن عليك مشيًا) لأنه لا فرق بين ذكر لفظ نذر وعدمه إذ المدار على الالتزام فلم ير تقليد هؤلاء ( فجئت سعيد بن المسيب فسألته عن ذلك) لأنه أعلم أهل وقته بعد الصحابة ( فقال: عليك مشي فمشيت) لأنه وإن كان من نذر اللجاج لكنه يلزم إذا كان قربة ولا خلاف في الأخذ بقول الأفضل الأعلم وهل له الأخذ بقول المفضول إذا كملت آلات الاجتهاد فيه اختلف في ذلك وعندي يجوز الأخذ بقول أي من شاء منهم إذ لا خلاف أن بعض الصحابة أفضل من بعض وأعلم وقد كان جميع فقهائهم يفتي وينتهي الناس إلى قوله قاله الباجي.

( قال مالك وهذا الأمر عندنا) وقاله ابن عمر وطائفة من العلماء، وروي مثله عن القاسم بن محمد وروي عنه أيضًا أن فيه كفارة يمين والمعروف عن ابن المسيب خلاف ما روى عنه ابن أبي حبيبة وأنه لا شيء عليه حتى يقول: علّي نذر مشي إلى الكعبة، وأظنه جعل قوله علّي مشي إخبارًا بباطل لأن الله لم يوجبه عليه في كتاب ولا سنة حتى يقول: نذرت المشي أو علّي نذر المشي أو عليّ لله المشي نذرًا.
والنذر شرعًا إيجاب المرء فعل البر على نفسه وهذا خالف مالكًا فيه أكثر العلماء وذلك نذر على مخاطرة والعبادات إنما تصح بالنيات لا بالمخاطرة وهذا لم تكن له نية فكيف يلزمه ما لم يقصد به طاعة، ولذا قال محمد بن عبد الحكم: من جعل على نفسه المشي إلى مكة إن لم يرد حجًا ولا عمرة فلا شيء عليه، كذا قاله ابن عبد البر: وفي قوله المعروف عن سعيد خلاف ما هنا شيء لأنه إن ثبت ما قال أنه المعروف عنه فيكون رجع عن ذلك وإلا فالإسناد إليه صحيح مالك عن أبي حبيبة عنه لا سيما وهو صاحب القصة، ولا يضر مالكًا مخالفة الأكثر له لأنه مجتهد بل لو انفرد فلا ضرر.



رقم الحديث 1020 وَحَدَّثَنِي عَنْ مَالِكٍ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي بَكْرٍ، عَنْ عَمَّتِهِ أَنَّهَا حَدَّثَتْهُ عَنْ، جَدَّتِهِ أَنَّهَا كَانَتْ جَعَلَتْ عَلَى نَفْسِهَا مَشْيًا إِلَى مَسْجِدِ قُبَاءٍ فَمَاتَتْ وَلَمْ تَقْضِهِ، فَأَفْتَى عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَبَّاسٍ ابْنَتَهَا أَنْ تَمْشِيَ عَنْهَا قَالَ يَحْيَى: وسَمِعْتُ مَالِكًا يَقُولُ: لَا يَمْشِي أَحَدٌ عَنْ أَحَدٍ.


( ما يجب من النذور في المشي)

( مالك عن ابن شهاب عن عبيد الله) بضم العين ( بن عبد الله) بفتحها ( بن عتبة) بضمها وإسكان الفوقية ( عن عبد الله بن عباس أن سعد بن عبادة) الأنصاري الخزرجي أحد النقباء وسيد الخزرج وأحد الأجواد.
وقع في صحيح مسلم أنه شهد بدرًا.
والمعروف عند أهل المغازي أنه تهيأ للخروج فنهش فأقام.
مات بالشام سنة خمس عشرة وقيل غير ذلك.
قال الحافظ: هكذا رواه مالك وتبعه الليث وبكر بن وائل وغيرهما.
عن الزهري، وقال سليمان بن كثير، عن الزهري، عن عبيد الله، عن ابن عباس، عن سعد، أخرج جميع ذلك النسائي.
وأخرجه أيضًا من رواية الأوزاعي وابن عيينة كلاهما عن الزهري على الوجهين وابن عباس لم يدرك القصة.
فترجح رواية من زاد عن سعد ويكون ابن عباس أخذه عنه ويحتمل أنه أخذه عن غيره وإن من قال عن سعد بن عبادة لم يقصد به الرواية، وإنما أراد عن قصة سعد فتتحد الروايتان.

( استفتى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال إن أمي) عمرة بنت مسعود وقيل سعد بن قيس الأنصارية الخزرجية أسلمت وبايعت ( ماتت) والنبي صلى الله عليه وسلم غائب في غزوة دومة الجندل، وكانت في شهر ربيع الأول سنة خمس وكان ابنها سعد معه، فقدم النبي صلى الله عليه وسلم فجاء قبرها فصلى على قبرها بعد دفنها بشهر ذكره ابن سعد، فهذا الحديث مرسل صحابي لأن ابن عباس كان حينئذ بمكة مع أبويه فيحتمل أنه حمله عن سعد أو عن غيره.
( وعليها نذر) وجب كانت علقته على شيء حصل ( ولم تقضه) لتعذره بسرعة موتها أو أخرته لجواز تأخيره إذ لا يلزم تعجيله ما لم يغلب على الظن الفوات، ويستحب تعجيله لبراءة الذمة ويحتمل أن يريد عليها نذر لم يجب أداؤه فماتت قبله لم يلزم قضاؤه وإن فعل فحسن كما قال عمر للنبي صلى الله عليه وسلم: إني نذرت اعتكاف يوم في الجاهلية فقال له: أوف بنذرك، فأمره بوفائه وإن لم يلزم ما نذره في كفره.
والأظهر الأول لأن على إنما يستعمل فيما يجب كما أن الأظهر أن نذرها مطلق إذ لو كان مقيدًا لاستفسره النبي صلى الله عليه وسلم لأن المقيد منه ما يجوز وما لا يجوز قاله الباجي.

وقال ابن عبد البر: قيل: كان صيامًا نذرته ولا يثبت ذلك وأطال في تضعيفه وقيل: كان عتقًا لحديث القاسم بن محمد أن سعدًا قال: إن أمي هلكت فهل ينفعها أن أعتق عنها: فقال صلى الله عليه وسلم: نعم.
وقيل: كان صدقة لآثار جاءت في ذلك وقيل نذرًا مطلقًا على ظاهر حديث ابن عباس وكفارته كفارة يمين عند الأكثر، وروي ذلك عن عائشة وابن عباس وجابر وجماعة من التابعين انتهى.
وفي رواية سليمان بن كثير عن الزهري بسنده أن سعدًا قال: أفيجزي عنها أن أعتق عنها.
قال: أعتق عن أمك، رواه النسائي.
قال الحافظ: فأفادت هذه الرواية النذر المذكور وهو العتق فماتت قبله ويحتمل أن نذرها مطلق فيكون الحديث حجة للقول بأن كفارته كفارة يمين والعتق أعلى كفارات اليمين فلذا أمره أن يعتق عنها.

( فقال صلى الله عليه وسلم اقضه عنها) استحبابًا لا وجوبًا خلافًا للظاهرية تعلقًا بظاهر الأمر قائلين سواء كان في مال أو بدن.
وروى الدارقطني في الغرائب عن حماد بن خالد عن مالك بسنده أن سعدًا قال: يا رسول الله أينفع أمي أن أتصدق عنها وقد ماتت؟ قال: نعم.
قال: فما تأمرني؟ قال: اسق الماء.
والمحفوظ عن مالك حديث الباب.
وروى النسائي من طريق سعيد بن المسيب عن سعد بن عبادة قال: قلت: يا رسول الله إن أمي ماتت أفأتصدق عنها؟ قال: نعم.
قلت: أي الصدقة أفضل؟ قال: سقي الماء.
وللبخاري أن سعدًا قال: أينفعها شيء إن تصدقت به عنها؟ قال: نعم قال: فإني أشهدك أن حائطي المخراف صدقة عليها.
وفي رواية أنها كانت تحب الصدقة وطريق الجمع أنه تصدق عنها بذلك كله العتق وسقي الماء.
والحائط المسمى بالمخراف، بكسر الميم وسكون المعجمة وبالفاء.
قال الباجي: الاستفتاء يكون لجميع الأمة مع النبي صلى الله عليه وسلم وللعامي مع العالم، وأما العالمان المجتهدان فسؤال أحدهما للآخر على وجه المذاكرة والمناظرة جائز إذا التزما شروط المناظرة من الإنصاف وقصد إظهار الحق والتعاون على الوصول إليه.
وأما سؤاله مستفتيًا مع تساويهما في العلم وتمكن السائل من النظر والاستدلال فلا يجوز اتفاقًا فإن كان لأحدهما شفوف في العلم فهل يجوز لمن دونه تقليده؟ مع تمكنه من النظر والاستدلال الذي عليه الجمهور أنه لا يجوز خلافًا لبعض أصحاب أبي حنيفة فإن خاف العالم فوات حادثة، فذهب عبد الوهاب إلى جواز استفتاء غيره ومنع منه سائر أصحابنا وقالوا: يتركها لغيره وهذا يتصور فيما يستفتى فيه وأما ما يخصه فلا بد فيه مما قاله عبد الوهاب انتهى.

ولم يظهر لي مطابقة الترجمة للحديث ورواه البخاري في الوصايا عن عبد الله بن يوسف ومسلم عن يحيى كلاهما عن مالك به، وتابعه شعيب بن أبي حمزة عند البخاري والليث في الصحيحين ويونس ومعمر وبكر بن وائل عند مسلم كلهم عن ابن شهاب وقال ابن عبد البر: ليس عن مالك ولا عن ابن شهاب اختلاف في إسناد هذا الحديث وقد رواه هشام بن عروة عن ابن شهاب حدث به الدراوردي عن هشام به ورواه عبد الله بن سليمان عن هشام عن بكر بن وائل عن الزهري بإسناد مثله انتهى.
ورواية عبدة في مسلم.

( مالك عن عبد الله بن أبي بكر) بن محمد بن عمرو بن حزم الأنصاري ( عن عمته) قال ابن الحذاء هي عمرة بنت حزم عمة جد عبد الله بن أبي بكر وقيل لها عمته مجازًا، وتعقبه الحافظ بأن عمرة صحابية قديمة روى عنها جابر الصحابي فرواية عبد الله عنها منقطعة لأنه لم يدركها فالأظهر أن المراد عمته الحقيقية، وهي أم عمرو أو أم كلثوم انتهى.
والأصل الحمل على الحقيقة وعلى مدعي العمة المجازية بيان الرواية التي فيها دعواه خصوصًا مع ما لزم عليها من انقطاع السند والأصل خلافه ( أنها حدثته عن جدته أنها كانت جعلت على نفسها مشيًا إلى مسجد قباء) بضم القاف على ثلاثة أميال من المدينة ( فماتت ولم تقضه فأفتى عبد الله بن عباس ابنتها أنها تمشي عنها) لأن الأصل أن الإتيان إلى قباء مرغب فيه ولا خلاف أنه قربة لمن قرب منه، ومذهب ابن عباس قضاء المشي عن الميت وكذا غيره روى ابن أبي شيبة عنه إذا مات وعليه نذر قضى عنه وليه ولا يعارضه ما رواه النسائي عنه لا يصلي أحد عن أحد ولا يصوم أحد عن أحد لأن النفي في حق الحي والإثبات في حق الميت ولم يأخذ بقوله في المشي الأئمة ولذا.
( قال مالك لا يمشي أحد عن أحد) قال ابن القاسم: أنكر مالك الأحاديث في المشي إلى قباء ولم يعرف المشي إلا إلى مكة خاصة.
قال ابن عبد البر: يعني لا يعرف إيجاب المشي للحالف والناذر وأما المتطوع، فقد روى مالك فيما مر أنه صلى الله عليه وسلم كان يأتي قباء راكبًا وماشيًا وإن إتيانه مرغب فيه.

( مالك عن عبد الله بن أبي حبيبة) المدني مولى الزبير بن العوام، روى عن أبي أمامة بن سهل بن حنيف وعن عثمان بن عفان ذكره البخاري عن ابن مهدي.
وروى عن سعيد بن المسيب، وروى عنه بكير بن عبد الله الأشج ومالك وأبو حنيفة في مسنده عنه سمعت أبا الدرداء فذكر الحديث في فضل من قال: لا إله إلا الله.
قال ابن الحذاء: هو من الرجال الذين اكتفي في معرفتهم برواية مالك عنهم ( قال: قلت لرجل وأنا حديث السن) قال الباجي: يريد أنه لم يكن فقه لحداثة سنه ( ما على الرجل أن يقول علي مشي إلى بيت الله ولم يقل علي نذر مشي) قال ابن حبيب عن مالك: كان عبد الله يومئذ قد بلغ الحلم واعتقد أن لفظ الالتزام إذا عري من لفظ النذر لم يجب عليه فيه شيء ( فقال لي رجل: هل لك أن أعطيك هذا الجرو) مثلث الجيم قال ابن السكيت والكسر أفصح الصغير من كل شيء ( لجرو قثاء في يده) وفي نسخة بيده شبهت بصغار أولاد الكلاب للينها ونعومتها، كذا في البارع ( وتقول علّي مشي إلى بيت الله قال: فقلت: نعم) قال الباجي: ما كان ينبغي ذلك للرجل فربما حمله اللجاج على أمر لا يمكنه الوفاء به وكان ينبغي أن يعلمه بالصواب فإن قبل وإلا حضه على السؤال، ولعله اعتقد فيه أنه إن لم يلزمه هذا القول ترك السؤال وإن لزمه دعته الضرورة إلى السؤال عنه ( فقلته وأنا يومئذ حديث السن) صغير لم أتفقه وإن كنت بالغًا ( ثم مكثت حتى عقلت) تفقهت ( فقيل لي: إن عليك مشيًا) لأنه لا فرق بين ذكر لفظ نذر وعدمه إذ المدار على الالتزام فلم ير تقليد هؤلاء ( فجئت سعيد بن المسيب فسألته عن ذلك) لأنه أعلم أهل وقته بعد الصحابة ( فقال: عليك مشي فمشيت) لأنه وإن كان من نذر اللجاج لكنه يلزم إذا كان قربة ولا خلاف في الأخذ بقول الأفضل الأعلم وهل له الأخذ بقول المفضول إذا كملت آلات الاجتهاد فيه اختلف في ذلك وعندي يجوز الأخذ بقول أي من شاء منهم إذ لا خلاف أن بعض الصحابة أفضل من بعض وأعلم وقد كان جميع فقهائهم يفتي وينتهي الناس إلى قوله قاله الباجي.

( قال مالك وهذا الأمر عندنا) وقاله ابن عمر وطائفة من العلماء، وروي مثله عن القاسم بن محمد وروي عنه أيضًا أن فيه كفارة يمين والمعروف عن ابن المسيب خلاف ما روى عنه ابن أبي حبيبة وأنه لا شيء عليه حتى يقول: علّي نذر مشي إلى الكعبة، وأظنه جعل قوله علّي مشي إخبارًا بباطل لأن الله لم يوجبه عليه في كتاب ولا سنة حتى يقول: نذرت المشي أو علّي نذر المشي أو عليّ لله المشي نذرًا.
والنذر شرعًا إيجاب المرء فعل البر على نفسه وهذا خالف مالكًا فيه أكثر العلماء وذلك نذر على مخاطرة والعبادات إنما تصح بالنيات لا بالمخاطرة وهذا لم تكن له نية فكيف يلزمه ما لم يقصد به طاعة، ولذا قال محمد بن عبد الحكم: من جعل على نفسه المشي إلى مكة إن لم يرد حجًا ولا عمرة فلا شيء عليه، كذا قاله ابن عبد البر: وفي قوله المعروف عن سعيد خلاف ما هنا شيء لأنه إن ثبت ما قال أنه المعروف عنه فيكون رجع عن ذلك وإلا فالإسناد إليه صحيح مالك عن أبي حبيبة عنه لا سيما وهو صاحب القصة، ولا يضر مالكًا مخالفة الأكثر له لأنه مجتهد بل لو انفرد فلا ضرر.



رقم الحديث 1021 وَحَدَّثَنِي عَنْ مَالِكٍ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي حَبِيبَةَ، قَالَ:.

قُلْتُ لِرَجُلٍ، وَأَنَا حَدِيثُ السِّنِّ: مَا عَلَى الرَّجُلِ أَنْ يَقُولَ عَلَيَّ مَشْيٌ إِلَى بَيْتِ اللَّهِ، وَلَمْ يَقُلْ عَلَيَّ نَذْرُ مَشْيٍ.
فَقَالَ لِي رَجُلٌ: هَلْ لَكَ أَنْ أُعْطِيَكَ هَذَا الْجِرْوَ لِجِرْوِ قِثَّاءٍ فِي يَدِهِ، وَتَقُولُ: عَلَيَّ مَشْيٌ إِلَى بَيْتِ اللَّهِ؟ قَالَ فَقُلْتُ: نَعَمْ.
فَقُلْتُهُ وَأَنَا يَوْمَئِذٍ حَدِيثُ السِّنِّ.
ثُمَّ مَكَثْتُ حَتَّى عَقَلْتُ.
فَقِيلَ لِي: إِنَّ عَلَيْكَ مَشْيًا.
فَجِئْتُ سَعِيدَ بْنَ الْمُسَيِّبِ فَسَأَلْتُهُ عَنْ ذَلِكَ؟ فَقَالَ لِي: عَلَيْكَ مَشْيٌ فَمَشَيْتُ قَالَ مَالِكٌ وَهَذَا الْأَمْرُ عِنْدَنَا.


( ما يجب من النذور في المشي)

( مالك عن ابن شهاب عن عبيد الله) بضم العين ( بن عبد الله) بفتحها ( بن عتبة) بضمها وإسكان الفوقية ( عن عبد الله بن عباس أن سعد بن عبادة) الأنصاري الخزرجي أحد النقباء وسيد الخزرج وأحد الأجواد.
وقع في صحيح مسلم أنه شهد بدرًا.
والمعروف عند أهل المغازي أنه تهيأ للخروج فنهش فأقام.
مات بالشام سنة خمس عشرة وقيل غير ذلك.
قال الحافظ: هكذا رواه مالك وتبعه الليث وبكر بن وائل وغيرهما.
عن الزهري، وقال سليمان بن كثير، عن الزهري، عن عبيد الله، عن ابن عباس، عن سعد، أخرج جميع ذلك النسائي.
وأخرجه أيضًا من رواية الأوزاعي وابن عيينة كلاهما عن الزهري على الوجهين وابن عباس لم يدرك القصة.
فترجح رواية من زاد عن سعد ويكون ابن عباس أخذه عنه ويحتمل أنه أخذه عن غيره وإن من قال عن سعد بن عبادة لم يقصد به الرواية، وإنما أراد عن قصة سعد فتتحد الروايتان.

( استفتى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال إن أمي) عمرة بنت مسعود وقيل سعد بن قيس الأنصارية الخزرجية أسلمت وبايعت ( ماتت) والنبي صلى الله عليه وسلم غائب في غزوة دومة الجندل، وكانت في شهر ربيع الأول سنة خمس وكان ابنها سعد معه، فقدم النبي صلى الله عليه وسلم فجاء قبرها فصلى على قبرها بعد دفنها بشهر ذكره ابن سعد، فهذا الحديث مرسل صحابي لأن ابن عباس كان حينئذ بمكة مع أبويه فيحتمل أنه حمله عن سعد أو عن غيره.
( وعليها نذر) وجب كانت علقته على شيء حصل ( ولم تقضه) لتعذره بسرعة موتها أو أخرته لجواز تأخيره إذ لا يلزم تعجيله ما لم يغلب على الظن الفوات، ويستحب تعجيله لبراءة الذمة ويحتمل أن يريد عليها نذر لم يجب أداؤه فماتت قبله لم يلزم قضاؤه وإن فعل فحسن كما قال عمر للنبي صلى الله عليه وسلم: إني نذرت اعتكاف يوم في الجاهلية فقال له: أوف بنذرك، فأمره بوفائه وإن لم يلزم ما نذره في كفره.
والأظهر الأول لأن على إنما يستعمل فيما يجب كما أن الأظهر أن نذرها مطلق إذ لو كان مقيدًا لاستفسره النبي صلى الله عليه وسلم لأن المقيد منه ما يجوز وما لا يجوز قاله الباجي.

وقال ابن عبد البر: قيل: كان صيامًا نذرته ولا يثبت ذلك وأطال في تضعيفه وقيل: كان عتقًا لحديث القاسم بن محمد أن سعدًا قال: إن أمي هلكت فهل ينفعها أن أعتق عنها: فقال صلى الله عليه وسلم: نعم.
وقيل: كان صدقة لآثار جاءت في ذلك وقيل نذرًا مطلقًا على ظاهر حديث ابن عباس وكفارته كفارة يمين عند الأكثر، وروي ذلك عن عائشة وابن عباس وجابر وجماعة من التابعين انتهى.
وفي رواية سليمان بن كثير عن الزهري بسنده أن سعدًا قال: أفيجزي عنها أن أعتق عنها.
قال: أعتق عن أمك، رواه النسائي.
قال الحافظ: فأفادت هذه الرواية النذر المذكور وهو العتق فماتت قبله ويحتمل أن نذرها مطلق فيكون الحديث حجة للقول بأن كفارته كفارة يمين والعتق أعلى كفارات اليمين فلذا أمره أن يعتق عنها.

( فقال صلى الله عليه وسلم اقضه عنها) استحبابًا لا وجوبًا خلافًا للظاهرية تعلقًا بظاهر الأمر قائلين سواء كان في مال أو بدن.
وروى الدارقطني في الغرائب عن حماد بن خالد عن مالك بسنده أن سعدًا قال: يا رسول الله أينفع أمي أن أتصدق عنها وقد ماتت؟ قال: نعم.
قال: فما تأمرني؟ قال: اسق الماء.
والمحفوظ عن مالك حديث الباب.
وروى النسائي من طريق سعيد بن المسيب عن سعد بن عبادة قال: قلت: يا رسول الله إن أمي ماتت أفأتصدق عنها؟ قال: نعم.
قلت: أي الصدقة أفضل؟ قال: سقي الماء.
وللبخاري أن سعدًا قال: أينفعها شيء إن تصدقت به عنها؟ قال: نعم قال: فإني أشهدك أن حائطي المخراف صدقة عليها.
وفي رواية أنها كانت تحب الصدقة وطريق الجمع أنه تصدق عنها بذلك كله العتق وسقي الماء.
والحائط المسمى بالمخراف، بكسر الميم وسكون المعجمة وبالفاء.
قال الباجي: الاستفتاء يكون لجميع الأمة مع النبي صلى الله عليه وسلم وللعامي مع العالم، وأما العالمان المجتهدان فسؤال أحدهما للآخر على وجه المذاكرة والمناظرة جائز إذا التزما شروط المناظرة من الإنصاف وقصد إظهار الحق والتعاون على الوصول إليه.
وأما سؤاله مستفتيًا مع تساويهما في العلم وتمكن السائل من النظر والاستدلال فلا يجوز اتفاقًا فإن كان لأحدهما شفوف في العلم فهل يجوز لمن دونه تقليده؟ مع تمكنه من النظر والاستدلال الذي عليه الجمهور أنه لا يجوز خلافًا لبعض أصحاب أبي حنيفة فإن خاف العالم فوات حادثة، فذهب عبد الوهاب إلى جواز استفتاء غيره ومنع منه سائر أصحابنا وقالوا: يتركها لغيره وهذا يتصور فيما يستفتى فيه وأما ما يخصه فلا بد فيه مما قاله عبد الوهاب انتهى.

ولم يظهر لي مطابقة الترجمة للحديث ورواه البخاري في الوصايا عن عبد الله بن يوسف ومسلم عن يحيى كلاهما عن مالك به، وتابعه شعيب بن أبي حمزة عند البخاري والليث في الصحيحين ويونس ومعمر وبكر بن وائل عند مسلم كلهم عن ابن شهاب وقال ابن عبد البر: ليس عن مالك ولا عن ابن شهاب اختلاف في إسناد هذا الحديث وقد رواه هشام بن عروة عن ابن شهاب حدث به الدراوردي عن هشام به ورواه عبد الله بن سليمان عن هشام عن بكر بن وائل عن الزهري بإسناد مثله انتهى.
ورواية عبدة في مسلم.

( مالك عن عبد الله بن أبي بكر) بن محمد بن عمرو بن حزم الأنصاري ( عن عمته) قال ابن الحذاء هي عمرة بنت حزم عمة جد عبد الله بن أبي بكر وقيل لها عمته مجازًا، وتعقبه الحافظ بأن عمرة صحابية قديمة روى عنها جابر الصحابي فرواية عبد الله عنها منقطعة لأنه لم يدركها فالأظهر أن المراد عمته الحقيقية، وهي أم عمرو أو أم كلثوم انتهى.
والأصل الحمل على الحقيقة وعلى مدعي العمة المجازية بيان الرواية التي فيها دعواه خصوصًا مع ما لزم عليها من انقطاع السند والأصل خلافه ( أنها حدثته عن جدته أنها كانت جعلت على نفسها مشيًا إلى مسجد قباء) بضم القاف على ثلاثة أميال من المدينة ( فماتت ولم تقضه فأفتى عبد الله بن عباس ابنتها أنها تمشي عنها) لأن الأصل أن الإتيان إلى قباء مرغب فيه ولا خلاف أنه قربة لمن قرب منه، ومذهب ابن عباس قضاء المشي عن الميت وكذا غيره روى ابن أبي شيبة عنه إذا مات وعليه نذر قضى عنه وليه ولا يعارضه ما رواه النسائي عنه لا يصلي أحد عن أحد ولا يصوم أحد عن أحد لأن النفي في حق الحي والإثبات في حق الميت ولم يأخذ بقوله في المشي الأئمة ولذا.
( قال مالك لا يمشي أحد عن أحد) قال ابن القاسم: أنكر مالك الأحاديث في المشي إلى قباء ولم يعرف المشي إلا إلى مكة خاصة.
قال ابن عبد البر: يعني لا يعرف إيجاب المشي للحالف والناذر وأما المتطوع، فقد روى مالك فيما مر أنه صلى الله عليه وسلم كان يأتي قباء راكبًا وماشيًا وإن إتيانه مرغب فيه.

( مالك عن عبد الله بن أبي حبيبة) المدني مولى الزبير بن العوام، روى عن أبي أمامة بن سهل بن حنيف وعن عثمان بن عفان ذكره البخاري عن ابن مهدي.
وروى عن سعيد بن المسيب، وروى عنه بكير بن عبد الله الأشج ومالك وأبو حنيفة في مسنده عنه سمعت أبا الدرداء فذكر الحديث في فضل من قال: لا إله إلا الله.
قال ابن الحذاء: هو من الرجال الذين اكتفي في معرفتهم برواية مالك عنهم ( قال: قلت لرجل وأنا حديث السن) قال الباجي: يريد أنه لم يكن فقه لحداثة سنه ( ما على الرجل أن يقول علي مشي إلى بيت الله ولم يقل علي نذر مشي) قال ابن حبيب عن مالك: كان عبد الله يومئذ قد بلغ الحلم واعتقد أن لفظ الالتزام إذا عري من لفظ النذر لم يجب عليه فيه شيء ( فقال لي رجل: هل لك أن أعطيك هذا الجرو) مثلث الجيم قال ابن السكيت والكسر أفصح الصغير من كل شيء ( لجرو قثاء في يده) وفي نسخة بيده شبهت بصغار أولاد الكلاب للينها ونعومتها، كذا في البارع ( وتقول علّي مشي إلى بيت الله قال: فقلت: نعم) قال الباجي: ما كان ينبغي ذلك للرجل فربما حمله اللجاج على أمر لا يمكنه الوفاء به وكان ينبغي أن يعلمه بالصواب فإن قبل وإلا حضه على السؤال، ولعله اعتقد فيه أنه إن لم يلزمه هذا القول ترك السؤال وإن لزمه دعته الضرورة إلى السؤال عنه ( فقلته وأنا يومئذ حديث السن) صغير لم أتفقه وإن كنت بالغًا ( ثم مكثت حتى عقلت) تفقهت ( فقيل لي: إن عليك مشيًا) لأنه لا فرق بين ذكر لفظ نذر وعدمه إذ المدار على الالتزام فلم ير تقليد هؤلاء ( فجئت سعيد بن المسيب فسألته عن ذلك) لأنه أعلم أهل وقته بعد الصحابة ( فقال: عليك مشي فمشيت) لأنه وإن كان من نذر اللجاج لكنه يلزم إذا كان قربة ولا خلاف في الأخذ بقول الأفضل الأعلم وهل له الأخذ بقول المفضول إذا كملت آلات الاجتهاد فيه اختلف في ذلك وعندي يجوز الأخذ بقول أي من شاء منهم إذ لا خلاف أن بعض الصحابة أفضل من بعض وأعلم وقد كان جميع فقهائهم يفتي وينتهي الناس إلى قوله قاله الباجي.

( قال مالك وهذا الأمر عندنا) وقاله ابن عمر وطائفة من العلماء، وروي مثله عن القاسم بن محمد وروي عنه أيضًا أن فيه كفارة يمين والمعروف عن ابن المسيب خلاف ما روى عنه ابن أبي حبيبة وأنه لا شيء عليه حتى يقول: علّي نذر مشي إلى الكعبة، وأظنه جعل قوله علّي مشي إخبارًا بباطل لأن الله لم يوجبه عليه في كتاب ولا سنة حتى يقول: نذرت المشي أو علّي نذر المشي أو عليّ لله المشي نذرًا.
والنذر شرعًا إيجاب المرء فعل البر على نفسه وهذا خالف مالكًا فيه أكثر العلماء وذلك نذر على مخاطرة والعبادات إنما تصح بالنيات لا بالمخاطرة وهذا لم تكن له نية فكيف يلزمه ما لم يقصد به طاعة، ولذا قال محمد بن عبد الحكم: من جعل على نفسه المشي إلى مكة إن لم يرد حجًا ولا عمرة فلا شيء عليه، كذا قاله ابن عبد البر: وفي قوله المعروف عن سعيد خلاف ما هنا شيء لأنه إن ثبت ما قال أنه المعروف عنه فيكون رجع عن ذلك وإلا فالإسناد إليه صحيح مالك عن أبي حبيبة عنه لا سيما وهو صاحب القصة، ولا يضر مالكًا مخالفة الأكثر له لأنه مجتهد بل لو انفرد فلا ضرر.